← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16
المزمور السابق لهذا المزمور مكتوب عنه أنه لموسى النبي، لذلك قال كثير من الدارسين أن هذا المزمور أيضًا لموسى النبي. وقال الآخرين بل هو لداود.
هذا المزمور نرى فيه عناية الله وحمايته لأولاده المؤمنين به. وقيل أن كلمات هذا المزمور موجهة للسيد المسيح نفسه في ألامه، خصوصًا أن إبليس في تجربته للسيد استخدم آية من هذا المزمور "لأنه يوصي ملائكته بك.." وإبليس لم يكمل المزمور لأن فيه نبوة ضده وهذا ما صنعه السيد المسيح إذ داسه فعلًا بقدميه "تطأ الأفعى وملك الحيات، وتسحق الأسد والتنين" وهذا ما قاله الله للحية كعقوبة لها "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك3: 15). بل أعطى للمؤمنين به نفس السلطان "أعطيتكم سلطانا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو10: 19).
ونصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر أنه مع أن السيد معلق على الصليب إلا أنه سينتصر ويدوس إبليس الحية القديمة.
عمومًا نرى في هذا المزمور انتصار المسيح على إبليس ومؤامراته، وإبليس كُنِّيَ عنه هنا بعدة أسماء، فهو الصياد الذي يضع فخًا في طريق المؤمنين، ويأتي بالوبأ الخطر بل هو نفسه الوبأ الخطر (هو نوع من الموت المبيد). وقال عنه القديس بولس الرسول أن له سلطان الموت "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، (عب2: 14). وهو سهم يطير في النهار وهو خوف الليل وهلاك يفسد في الظهيرة وهو الأسد والصل والشبل والثعبان ولكنه مع كل هذا قد داسه السيد لحساب شعبه فقيل هنا يسقط عن جانبك ألوف وربوات (لو19:10). هو مزمور يعطي لكل منا اطمئنان وينزع كل خوف من أي مؤامرة شيطانية، أن الله سيعطي نصرة لنا ولكنيسته.. كثيرين يصلون هذا المزمور دائمًا وليس في الساعة السادسة فقط.
آية (1): "اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ."
الساكن في ستر العلي = "الساكن في عون العلي" (سبعينية). في ظل القدير يبيت = الله القدير يظلل عليه ويستر عليه من شمس النهار (حر الشمس يرمز للتجارب الشديدة) ومن مؤامرات الأعداء، بل ويعينه (سبعينية). لذلك يلوم السيد المسيح اليهود ويعاتبهم لأنهم رفضوا حمايته هذه لهم "كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا" (مت23: 37). من يسلم نفسه لله يحفظه من كل ضرر، ومن كل مؤامرة شيطانية، أو هجوم لأي عدو.
كلمة الساكن في أصلها تشمل الساكن والحماية. فيبيت وهو مطمئن. من يرشم الصليب حول نفسه يحميه الله من كل حروب الشياطين (كان هناك مجموعة من الأولاد في دير السريان، وقرروا أن يذهبوا لدير البراموس سيرا على الأقدام، وجاء عليهم المساء وهم في طريقهم لدير البراموس، وأظلمت الشمس، فرسموا دائرة وأحاطوا الدائرة بعلامات الصليب وناموا داخل الدائرة. وحينما إستيقظوا صباحًا وجدوا عقارب ميتة حول الدائرة، أما هم فلم يمسهم سوء). لذلك يقول المرنم في (مز127: 2) "بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى ٱلْقِيَامِ، مُؤَخِّرِينَ ٱلْجُلُوسَ، آكِلِينَ خُبْزَ ٱلْأَتْعَابِ. لَكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا". وهذه الأخيرة = فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ = لا يحمل همًا ولا قلق.
هنا نرى أن المرنم يسكن عند الله. والعجيب أن من يحفظ الوصية يسكن الله عنده كما يقول الرب يسوع: يأتي الآب والابن ويصنعون عنده منزلًا: "إِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يو14: 23). نحن في المسيح نستريح فيه ويكون لنا قوة، وسلامنا لا يوجد إلا فيه أي الثابت فيه (يو16: 33). ومن هو الذي يثبت فيه؟ من يلتزم بالوصية هو الذي يجد الراحة. كما يرتاح أفراخ الطيور تحت أجنحة الطير نفسه الذي يحميها. وفكرة أنني ساكن عند الله وهو ساكن عندي هذا يعطي للقلب السلام. فمن ذا الذي يستطيع أن يقترب من الله الساكن فيَّ وأنا ساكن في سِتْره. لذلك فهذا المزمور يملأ القلب سلامًا. هو مزمور سلام واطمئنان ومعونة، فيه نختبئ في حضن إلهنا القوي ضابط الكل.
آية (2): "أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ»."
أَقُولُ لِلرَّبِّ = ماذا نقول لله في الصلاة؟ هذا ما نؤمن به. والكلام الإيجابي أنت ملجأي وحصني وقوتي وأبي وأنت تحبني.. مثل هذه الصلاة تأتي بالسلام فهي تذكرنا بقوة إلهنا. ومن إيمانه ضعيفًا فليقُل: يا رب أعن عدم إيماني: "يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي" (مر9: 24). الله لنا سور من نار (زك5:2). وهو لنا مدينة ملجأ. فلا نثق في قوتنا بل فيه نحتمي.
* ولكن كيف نكتشف الله كملجأ لنا فينمو إيماننا؟
يكون هذا بأن يسمح الله لنا ببعض الضيقات وينتشلنا منها فنرى يده القوية الحامية. ومع تكرار وتنوع الضيقات ينمو الإيمان وتزداد الخبرة بتعاملات الله القوي. خصوصًا أن الله يسمح بالضيقات لنصرخ إليه فنقترب منه، ومن يقترب من الله تنفتح عيناه فيرى أعماله "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8). ولاحظ أن الله يعطي مع التجربة المنفذ، أي تعزيات وسلام لنحتمل التجربة (1كو10: 13). وتقول عروس النشيد في هذا "شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي" (نش2: 6). فشماله تشير للتجارب ويمينه التي تحتضني تشير للتعزيات. لذلك كانت البرية بالنسبة لشعب إسرائيل مدرسة الإيمان (راجع مقدمة سفر الخروج) فكان الإيمان ينمو مع كل تجربة. وكلما ينمو الإيمان والخبرة في معاملات الله معنا لا نلجأ لسواه، يكون هو لنا ملجأ وحصن نحتمي به.
إذا فهمنا أن التجارب هي وسيلة الله لنرى يده القوية فينمو إيماننا وأيضًا تعزياته المصاحبة للتجربة، لا بُد أن نضع أمام أعيننا الطريق للاستفادة من التجربة فينمو الإيمان، والطريق لهذا هو الشكر، فالتذمر تضيع معه تماما الفائدة من التجربة إذ أن التذمر يقسي القلب، والقلب المتذمر يرفض التجربة فلا يرى يد الله "مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ، وَمُوَطَّدِينَ فِي ٱلْإِيمَانِ، كَمَا عُلِّمْتُمْ، مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِٱلشُّكْرِ" (كو2: 7). لذلك قال القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح "من يهرب من الضيقة يهرب من الله".
ونقول هناك وسيلتين أساسيتين لنمو الإيمان:- 1* أن نقابل التجارب بشكر. 2* الخلوة الطويلة مع الله فنعطي الفرصة للروح القدس ليخبرنا عمن هو المسيح، وكيف أنه يحبنا ويشهد لأرواحنا أننا أولاد الله المحبوبين (يو16: 14 + رو8: 16) فنصرخ لله ونقول "يا آبا الآب" أي يا بابا – أبويا الآب [هي Abba Pater و Abba بابا بالعبرية وPater هي أب باليونانية فالله هو أبو الكل يهودًا وأمم] ونسلم حياتنا كلها لله واثقين أن كل ما يسمح به هو للخير فهو صانع خيرات.
آية (3): "لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ."
الْوَبَإِ الْخَطِرِ = مترجمة كلام باطل، أو كلمة مقلقة (سبعينية). فإبليس أوقع آباءنا آدم وحواء بكلامه المميت. فألاعيب إبليس وكلامه المضلل يسقطنا في الانفصال عن الله وهذا هو الموت. وهكذا كل تعاليم الهراطقة. بل هناك كلمات تشكيك وتخويف وأخبار مزعجة تدفع لليأس. كما قال داود النبي "يَا رَبُّ، مَا أَكْثَرَ مُضَايِقِيَّ! كَثِيرُونَ قَائِمُونَ عَلَيَّ. كَثِيرُونَ يَقُولُونَ لِنَفْسِي: «لَيْسَ لَهُ خَلَاصٌ بِإِلَهِهِ». سِلَاهْ. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِي. مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي. بِصَوْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ أَصْرُخُ، فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِ قُدْسِهِ" (مز3: 1-4).
وعلينا بدلًا من أن نعطي أذاننا للكلام المقلق فلنتكلم مع الله كما فعل داود، والروح القدس يعطي سلامًا في القلب لكل مَنْ يصلي. لذلك نجد داود النبي ينهي المزمور بقوله "لِلرَّبِّ ٱلْخَلَاصُ. عَلَى شَعْبِكَ بَرَكَتُكَ". فلا نتشاءم أو نخاف أو نضطرب فلنا الله حاميًا لنا.
ويكون بهذا أن الوبأ الخطر هو الأخبار المقلقة المزعجة التي نتلقاها بالخوف فيضيع سلامنا الداخلي لذلك قيل عنها أنها مقلقة. والقلب الفاقد السلام لا تظهر فيه ثمار الروح (يع3: 18). وإذ ننقل هذا القلق وننشره للآخرين ننشر الخوف وسط الآخرين، بدلًا من أن نكون رسل للمسيح ننشر سلامه بين الناس بإيماننا وثقتنا فيه. ومن ينشر السلام بين الناس قال عنه رب المجد "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبنا الله يُدْعَون" (مت5: 9).
فَخِّ صَّيَّادِ = الشيطان قد يدبر خطط لإسقاط أولاد الله وقد تؤدي للموت الجسدي أو الموت الروحي، أو أي نوع من الخسائر روحية كانت أو مادية. (هرطقات/ تشويه لتعليم الله/ خطايا وشهوات/ شكوك/ إشاعات /مشاكل مدمرة لنا). ويستخدم رجاله من البشر في نصب هذه الفخاخ. والفخ عادة يوضع بحيث يكون مخفيًا عن عين الفريسة، ولكن لنثق أن الله لا يُخفَى عليه شيء. ولكن لنثبت في الله، والله فينا، فيكشف لنا الله عن الفخاخ المنصوبة لنا، بل هو ينقذنا من الفخ دون أن ندرك أن هناك فخ. كان المرنم ينظر إلى الله غير مهتم بالفخاخ ولا يلتفت للفخاخ المنصوبة لأنه يؤمن أن الله ينقذه دائما، هو في حماية إلهية. وكان الله ينقذه لأنه ينظر إليه "عَيْنَايَ دَائِمًا إِلَى ٱلرَّبِّ، لِأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ ٱلشَّبَكَةِ" (مز25: 15). لاحظ أنه ينظر إلى الله غير مهتم بالشبكة (الفخاخ المنصوبة له) فهو قد إختبر عمل الله الذي كان ينقذه دائمًا. وهذا يحدث مع نمو الإيمان وزيادة الخبرات في تدخل الله وإنقاذه لنا (راجع تفسير آية 2).
آية (4): "بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ."
وفي السبعينية في وسط منكبيه يظللك = وهنا نرى صورة المسيح الراعي الصالح الذي يحمل خروفه على كتفيه. وهذا ما قاله موسى النبي عن حمل الله لشعبه خلال رحلتهم في سيناء "كَمَا يُحَرِّكُ ٱلنَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هَكَذَا ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ ٱقْتَاده" (تث32: 11-12).
خَوَافِيهِ = هو الريش الناعم في صدر الطائر (من تعاليم أبونا القمص تادرس يعقوب)، الذي يحيط به الطائر أفراخه الصغيرة التي لا تحتمل الريش الكبير. وهذه ترديد لقول الرب يسوع "كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا" (مت23: 37).
وفي فلسطين نرى الراعي يحمل الخراف الصغيرة بطريقتين،
1- إما على كتفيه. أو 2- في جراب على صدره وذلك للخراف الصغيرة جدًا.
*وكلمة حقه قد تعني بره أو عدله. فما يحميني أن المسيح صُلِب عني ليستوفي عدل الله، فحمل عني ما كنت أستحقه من عقوبة. بل صرت في المسيح أحسب كاملًا (كو1: 28). فلنقل يا رب أنا غير قادر أن أحيا بارًا في هذا العالم، بل أنا أول الخطاة، "وَلَا تَدْخُلْ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ (مز143: 2)، لكن فيك يا ربنا يسوع المسيح نتبرر ونستتر "لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللهِ" (كو3: 3). فلنختبئ فيه وهو يحميني. البر الإلهي يحيطني، فلا يستطيع عدو الخير أن يشتكي عليَّ (رو8: 33-34). لذلك يقول الرب "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).
* تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ = "عدله يحيط بك كالسلاح" (سبعينية). هذا هو الصليب الذي يحمينا، فالصليب ظهر فيه عدل الله ورحمته، فعلامة الصليب تحمينا.
* وهذه تعني أيضا أنه إن التزمنا بأن نسلك في وصاياه فهو يحمينا= كتُرْسٌ وَمِجَنٌّ = وهو يعطي المعونة لكي نسلك في طريق الحق، فبدونه لن نقدر أن نفعل شيء (يو15: 5)، لذلك قال السيد المسيح في صلاته الشفاعية للآب (يو17:17) "قدسهم في حقك كلامك هو حق" وقدسهم أي خصصهم ليسلكوا في الحق، وإحمهم من حرب إبليس فلا يضلوا.
* تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ = His truth shall be your shield and buckler من يلتزم بالسلوك بالحق (وصايا الله) = حَقُّهُ، فالله يكون له معين وحماية = ترسٌ ومجن. كما قال الله لإبراهيم "لَا تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا" (تك15: 1).
إذًا ضع في قلبك أن تلتزم بالوصية التي هي حق، والله سيحميك من شراك العدو الذي سيحاول أن يغريك لتحيد عن طريق الحق.
إذًا الملخص أن معنى الترس والمجن الذي يحمينا:-
1) أن المسيح الحق "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). بصليبه استوفَى عدل الله وحمل العقوبة عني، فلا يستطيع عدو الخير أن يشتكي عليَّ. طالما أنا في المسيح الحق فأنا مستتر فيه.
2) علامة الصليب تحميني كالسلاح.
3) كل من يثبت في المسيح يصير كاملا، وبلا لوم، وبلا دينونة (رو8: 1 + أف1: 4 + كو1: 28). لذلك يقول الرب "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).
4) كيف نثبت في المسيح؟ نجاهد ونتغصب بأن نسلك في الحق (مت11: 12)، أي نلتزم بالوصايا. وهكذا يكون الله لنا معين = تُرْسٌ وَمِجَنٌّ.
الآيات (5-8): "لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ. يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ."
هنا نرى المناعة ضد الأخطار المذكورة (ولكن ثق أنه لن تغرق السفينة والمسيح فيها). المرنم يضع أمام عينيه عناية الله بشعبه في مصر، ونجاتهم من كل مؤامرات واضطهادات فرعون (رمز لإبليس)، ونجاتهم من الضربات التي لحقت بالمصريين، أي الخبرات السابقة في حماية الله لنا. ونفهم أن "يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ" (عب13: 8)، أي أنه كما كان الله يحمي شعبه في سيناء فهو سيحمينا في برية هذا العالم. وهكذا فهمها المرنم.
خَوْفِ اللَّيْلِ = الليل هو المجهول أو الخيانة المجهولة والمؤامرات الخفية أو المفاجئات. ولكن عند الله لا توجد مفاجئات ولا مجاهيل. فالله يرى كل شيء وقادر على حمايتنا كما يقول القديس بولس الرسول "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذَلِكَ ٱلَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا" (عب4: 13).
سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ = المقاومة الظاهرة في العلن، أي حرب معلنة صراحة ضدنا.
وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى = أي هجمات القوات الشريرة المضادة في نصف الليل، بينما الإنسان نائم. إشارة لمن هو في غفلة غير مستعد لحرب تأتي عليه من أحد. بل هي خطية تبدأ صغيرة وتتسلل بين الناس حتى تصير وبأ منتشر والناس غافلون.
هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ = تراخي الإنسان واستسلامه للشبع واللذات وشهوة الجسد، هذا يدفع للفساد = يُفْسِد. ولنتساءل متى سقط داود النبي؟ 1- حينما كف عن رعاية الغنم والتأمل في عمل الله وترنيم المزامير أثناء رعايته للغنم. و 2- عندما كفَّ عن النزول للحرب (كف عن الجهاد) وأخذ يتمشَّى على سطح بيته.
ومَنْ يحتمي بالله يسقط كل مقاوميه عن يساره وعن يمينه، فهناك ضربات يسارية (شهوات وخطايا) وهناك ضربات يمينية (بر ذاتي، والظن أنني أفضل من الناس). عدو الخير يقاتل كل الأوقات في الليل وفي النهار وفي الظهيرة. يحارب في الخفية والعلن. ولكن كل تجربة بسماح من الله، والله يأتي في الهزيع الرابع. وكل ضيقة ستمر وتنتهي. لن يسمح الله بأن تلحقك أي أذية بسبب أي مؤامرة يدبرها الأشرار ضدك، وستكتشف يد الله التي تحميك. وذلك لأنك ساكن في عون وستر العلي (اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ). ولكن قد يسمح الله بأن تصيبك مؤامرة يدبرها الأشرار ضدك! لكن ثق أن هذا سيكون لخيرك: 1- لترى يد الله فينمو إيمانك. أو 2- لتنقيتك وتأديبك (أيوب كمثال). أو 3- لتمنع عنك خطية تفقد بسببها خلاص نفسك كشوكة الجسد لبولس الرسول (2كو12: 7).
وضع أمام عينيك دائمًا أن الله صانع خيرات ويؤدب ويوبخ كل من يحبه "لِأَنَّ ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ٱبْنٍ يَقْبَلُهُ" وأيضًا "إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ" (عب12: 6 + رؤ3: 19). وحينما يسمح الله بتجربة ليؤدبنا يأتي الشيطان الكذاب ليوسوس في أذاننا كذبًا أن الله قاسي ولا يحبنا، وهذا ما فعلته زوجة أيوب فهي كانت تثيره ضد الله بإيحاء من الشيطان. وعلينا أن نصدق قول الله أن التجربة هي للتأديب وليست قسوة من الله أو رفضا لنا من الله، ولا نصدق الحية كما فعلت أمنا حواء فسقطت.
إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ = الدولة الرومانية حشدت قوتها ضد المسيح وماذا كانت النهاية؟ 1- كانت نهاية الأباطرة العشرة الذين أثاروا الاضطهاد ضد المسيحية بشعة. 2- بل وأيضا فلقد تحولت الإمبراطورية للمسيحية.
يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ = لاحظ أنه وضع للأعداء الذين يضربوننا بالضربات اليسارية ألف وللأعداء الذين يضربوننا بالضربات اليمينية ربوات =عشرات الألوف. الضربات اليسارية هي الشهوات الخاطئة ومخالفة الوصايا، أما اليمينية فهي البر الذاتي والإحساس بالتفوق عن الآخرين عن استحقاق، مثل هذا لا ينسب الفضل لله الذي أعطاه هذا الفضل عن الآخرين بل ينحرف إلى الكبرياء والانتفاخ (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى) والضربات اليمينية أصعب، فنجد أن حزقيا الملك لم يسقط أمام حرب الأشوريين، لكنه سقط بضربة يمينية، إذ جاءه أمراء بابل يمدحونه لأنه كان السبب في رجوع الشمس إلى الوراء فانتفخ فسقط. وداود نفسه نجده قد ظل ثابتا أمام اضطهاد شاول ومحاولات قتله، ولكنه سقط في الزنى والقتل بعدما ارتاح وصار ملكًا عظيمًا وأخضع كل أعداءه. لذلك أعطى المرنم للضربات اليمينية ربوات ولليسارية ألف.
الآيات (9، 10): "لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ."
هذه راجعة للآيات السابقة .. لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ .... يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ .... هنا نتساءل من هو الذي لا يخشى بل ويسقط أعداءه حوله؟
لأَنَّكَ قُلْتَ أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي = هذه قال عنها داود في مزمور آخر "اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ، ٱلَّذِي لَا يَتَزَعْزَعُ" (مز125: 1).
ولكن متى يحمينا الله؟ حينما نثق فيه ونتكل عليه كملجأ لنا. وهذا يحتاج إيمانا قويًا. لكن تعال لله بعدم إيمانك أو ضعف إيمانك وقل له "أعن عدم إيماني" (مر9: 24). وهو قادر أن يشفي عدم إيمانك أو ضعفه، راجع تفسير (الآية 2) من هذا المزمور.
جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ = إن من يسكن حصنًا يكون مطمئنًا، فكم وكم من يجعل العلي مسكنه. وهذا يعني الالتصاق الدائم بالله والجهاد في حفظ الوصايا.
لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ = قد تصادفنا تجارب (أيوب مثلًا) ولكنها للخير وليست للشر.
وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ (الخيمة هي الجسد وراجع تفسير 2كو5: 1) = لاحظ أن الشيطان لم يضرب جسد أيوب إلا حينما سمح الله له بهذا. وإذا كانت الضربة بسماح من الله فهي للخير، لأن الله صانع خيرات. وهذا ما كان فعلا، وكانت تجربة أيوب لشفائه من البر الذاتي وبالتالي خلاص نفسه. وكانت شوكة الجسد عند بولس الرسول لحمايته من الكبرياء.
الآيات (11، 12): "لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ."
نرى هنا حراسة الملائكة لنا (عب14:1). وحاول إبليس بهذه الآية أن يستدرج مخلصنا لفخ الكبرياء فيطرح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل. ورد عليه المخلص "لا تجرب الرب إلهك". وعمومًا فالمسيح لا يحتاج لمعونة الملائكة فهو ربهم، ولكن هذه الآية مفيدة للقديسين، هؤلاء يحتاجون لحماية الملائكة. ولاحظ كذب إبليس فهو كذاب وأبو الكذاب (يو8: 44)، فالآية لم تقل القي نفسك والملائكة تحملك، بل قال أن الملائكة ستحفظك لو تعثرت رجلك. لذلك قال له المسيح "لا تجرب الرب إلهك" (مت4: 7).
آية (13): "عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ."
هي نفسها "هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلَا يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ" (لو19:10). فَـ:الأَسَدِ هو الشيطان في قوته "اُصْحُوا وَٱسْهَرُوا. لِأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بط5: 8). وَالثُّعْبَانَ هو الشيطان في مكره وخبثه، "في ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ" (إش27: 1). وأيضًا "فَطُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ، ٱلْحَيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ ٱلْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَٱلشَّيْطَانَ، ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى ٱلْأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلَائِكَتُهُ" (رؤ12: 9). وأيضًا "فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ" (رؤ20: 2-3).
وراجع (أف12:6). وكيف ندوسه [1] بالتواضع [2] ضبط النفس [3] التعفف.. هذا هو جهادنا. ولكننا ندوسه بقوة المسيح ونعمته حينما يكون لنا جهاد (عب4:12). الشيطان يخيفك بمكره كحية، وبزئيره كأسد. ولكنه كاذب وليس له قوة أن يغلبك. بل نحن نغلبه بإسم يسوع.
الآيات (14-16): "«لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي»."
لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ = هنا الله الذي يتكلم ويعطينا وعد. ولكن لنتساءل بصراحة هل نحن نتعلق بالله ونتكل عليه وحده وليس على البشر والمال ... إلخ. وإن لم نكن هكذا، تعالوا لنلتصق بالله ونناديه في صلاة متواصلة بلا انقطاع.
الله لم يعدنا بأنه لا أفعى ولا أسد يحارباننا بل أعطانا وعدا أن ينقذنا وندوس الحيات.
مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي = كانت البركة الموعود بها في العهد القديم هي بركة مادية (تطول أيامك على الأرض/ترى بنيك وبني بنيك ... كما جاء في الوصية الخامسة أ"َكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ" (خر20: 12). أما بركات العهد الجديد فقد صارت تشمل البركات الروحية والمادية.
على الأرض |
طول الأيام = بركات روحية ومادية وشبع من شخص المسيح. |
أريه خلاصي = ثمار الروح (غل 5) وهذه كعربون لما في السماء. |
||||
في السماء |
طول الأيام = حياة بلا نهاية. |
أريه خلاصي = فرح ومجد أبدي. |
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 92 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 90 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ytm2j28