مزمور 131 (130 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3

مزمور يشير لتواضع داود النبي والملك، رمزًا لتواضع المسيح الذي أخذ صورة عبد ثم مات. ويقول معظم المفسرين أن داود قال هذا المزمور ردًا على افتراءات شاول وعبيده إذ اتهموه بأنه في كبرياء يفكر في اغتصاب المُلك من شاول الملك. ومن ناحية أخرى فهذا المزمور يأتي بعد المزمور السابق فهو يشير لدرجة أعلى في المصاعد. فكلما نرتفع روحيًا نتضع وكلما نتضع نرتفع.

آية (1): "يَا رَبُّ، لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ، وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي."

مَن يتفاخر بفضائله ليستجلب مديح الناس فهو مذموم بل يكرهه الناس، ويضيع أجر فضائله. والعظمة هي رأس كل الخطايا، فيها سقط الملاك من السماء فصار شيطاناً "وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ. (1) أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ ٱلِٱجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ ٱلسَّحَابِ. (2) أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ. لَكِنَّكَ ٱنْحَدَرْتَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجُبِّ" (إش14: 13-15). ويقول الكتاب "قَبْلَ ٱلْكَسْرِ ٱلْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ ٱلسُّقُوطِ تَشَامُخُ ٱلرُّوحِ" (أم18:16). ولاحظ أن بداية سقوط الشيطان أنه (1) إرتفع في قلبه على باقي الملائكة. وكانت الخطوة الثانية أنه (2) أراد أن يساوي نفسه بالله. وداود هنا يقول أنه لا ينظر إلى عرش شاول. وروحياً علينا أن نفعل نفس الشيء (رو3:12-6). وداود له الحق في أن يفكر في عرش شاول فالله سبق وإختاره وصموئيل مسحه .. ولكن الموضوع يتلخص في.. متى يتم وعد الله؟.

آية (2): "بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ."

رائع من داود أن يعترف بالحقيقة التي في داخل قلبه، فالقلب يشتهي فعلًا الملك كما يشتهي كل منا الدنيويات، هذه حقيقة. ولكنه قاوم هذه الشهوات= هدأت وسكت نفسي. والنفس هنا يقصد بها رغائبه العاطفية وشهوته للارتفاع والملك، فالنفس دائمًا صاخبة تشتهي. ولكنه جاهد ضد نفسه ليهدئ شهوته. كفطيم نحو أمه= الفطيم هو من حُرِمَ من ثدي أمه، فيظل يصرخ ولكنه مع امتناع أمه عن إرضاعه يهدئ نفسه ويقبل الأمر الواقع مكتفيًا بصدر أمه ينام عليه في راحة (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هنا يمثل داود مَن كان يشتهي العالم (لبن أمه) وحرمه الله من بعض شهوات العالم (فطام) فثارت نفسه فيه، وظل يجاهد ليستريح، وصبر لله فأعطاه ثقة مطمئنة في الله (راحة الفطيم على صدر أمه إذ هو يشعر بمحبتها ويثق فيها) عوضاً عن الطمع القلق (إشتهاء الرضاعة من صدر أمه). وجاءت الترجمة السبعينية "كذلك المجازاة على نفسي" والمعنى أن الله في مقابل جهاده في أن يُهَدِّئ نفسه منتظرا عمل الله. كافأه الله بهذا السلام والتسليم لإرادته والثقة في أن الله سينفذ وعده في الوقت الذي يراه مناسباً. بل أن الله في بعض الأحيان يفعل كما تفعل الأم حينما تريد أن تفطم إبنها. فبعض الأمهات يضعن سائل له طعم مر على ثديهن ليكره الأطفال الرضاعة. والله يسمح ببعض الألام وسط شهوات العالم وببعض الضيقات لتمتزج بملذاته فنكرهه طالبين أن نفطم منها. ولذلك يقول القديس بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (معاً = عطايا الله اللذيذة مع ضيقات يسمح الله بها) (رو28:8).

آية (3): "لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ."

إذا كان الله يعاملنا كما تعامل الأم ابنها فمن نرجو سواه في كل ضيقاتنا.

ملحوظة:- ما الذي يجعل أولاد الله أن يكونوا في سلام واضعين رؤوسهم على صدر أبيهم السماوي كالطفل على صدر أمه؟ الإجابة....الإيمان والثقة في وعود الله، وأن الله يتدخل حينما يرى الوقت مناسبًا = "ملء الزمان" كما يقول بولس الرسول (غل4: 4). فداود حصل على الوعد بالملك قبل أن يملك فعلا بعشر سنوات. لذلك تعلم داود أن يقول " انتظر الرب. ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب " (مز27: 14). وراجع المزمور السابق " من الأعماق صرخت إليك يا رب " ولاحظ تكرار قول المرنم إنتظرت الرب. هذا الإيمان وهذه الثقة في مواعيد الله تعطي لأحباء الله نومًا في سلام (مز 127).