← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14
ما أحلى أن نبدأ يومنا في صلاة باكر بهذا المزمور، فنشعر بثقة واطمئنان في حماية الله لنا وفيه أيضًا نرى شهود الزور محيطين بالمسيح (آية 12) والرجاء في القيامة (آية13) وقيل عن مناسبة كتابة داود لهذا المزمور عدة أسباب، فقيل أنه كتبه في أثناء فترة اضطهاد شاول له، وقيل أنه كتب في آخر معركة دخلها داود وهو شيخ وكاد أن يقتل فيها لولا أن أنقذه أبيشاي (2 صم 16:21، 17) (هذا الرأي يقوله اليهود). ولكن كلمات هذا المزمور الرائع هي تسبحة حب وثقة وإيمان في الله ربما قالها داود وهو في قمة مجده شاعرًا بحماية الله له الدائمة (1-6). أما في باقي المزمور فنراه لا يكف عن الصلاة والتضرع فأن نكتشف معونة الله فهذا ليس مبررًا لنا أن نكف عن الصلاة والتضرع.
وعنوان المزمور أنه لداود قبل مسحِه. وداود مُسِحَ ثلاث مرات (في بيته على يد صموئيل ثم عندما ملك على يهوذا ثم عندما ملك على كل إسرائيل) (قبل مسحِه وردت في السبعينية).
آية (1): "اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟"
الله نور (لو79:1 + يو5:1+5:9 + 1 يو 1: 7 + 9:2). ويقول المزمور
"سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي". فالخاطئ أعمى يتردد ويتخبط في الظلمة وهكذا المهموم بهموم العالم. أما من كان الرب نورًا له يرى قوة الله وأن الله قادر أن يخلصه من أحزان العالم وهمومه وخطيته. والقديسين هزموا إبليس بعلامة الصليب. وعلمنا الآباء ترديد صلاة يسوع اليوم كله فـ"اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ" (أم 18: 10). ولا يستطيع أن يردد هذه الآية من كان لا يزال ملقيًا إتكاله على إنسان أو مادة أو ذاته. فيجد في الله حمايته من الأعداء الروحيين وخلاصًا وعاضدًا له في تجارب العالم التي تعصف بحياته. والكتاب المقدس يقدم لنا الرب بألقاب كثيرة (نور/ خلاص/ حصن) ليجد كل واحد حاجته فيه.
الآيات (2، 3): "عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ."
الأشرار لو أكلوا لحمي فلن يقدروا أن يهلكوا روحي، فلا نخاف ممن يقتلون الجسد ولكن ليس لهم سلطان على الروح (مت28:10). ونحن في حروبنا الروحية تواجهنا قوات شر روحية (أف12:6) ولكن إن كان المسيح في سفينتنا فلا خوف من أن تغرق. (دانيال في جب الأسود) (الـ3 فتية في أتون النار).
هذا قول داود الذي أنار الله عينه فرأى الله معه. الخائف من الشراك المنصوبة فينظر إليها ليتحاشاها، قد يرى البعض ولا يرى الآخر فيعثر فيما لم يراه. أما من ينظر إلى الله الذي يرى كل شيء ولا ينظر ولا يهتم بالشراك ليتحاشاها، فالله قادر أن يحميه من الشراك الظاهرة والخفية.
الآيات (4، 5): "وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ. لأَنَّهُ يُخَبِّئُنِي فِي مَظَلَّتِهِ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. يَسْتُرُنِي بِسِتْرِ خَيْمَتِهِ. عَلَى صَخْرَةٍ يَرْفَعُنِي."
داود لم ينشغل في ضيقته بالجيوش المحيطة به، بل ارتفع فكره ونظره إلى بيت الرب، وهذه دعوة لينشغل فكرنا بصلوات الكنيسة والشركة في التناول، وشركة الأمجاد الأبدية، علينا أن ننظر ومهما أحاطنا العدو بتجارب فلنرفع أفكارنا إلى بيت الله مشتاقين للسكنى معه كل أيام حياتنا، فهو مصدر حمايتنا، هو يرفعنا على صخرة، هو يعطينا غلبة على أعدائنا. وهناك نفرح بتسبيح الله ونقدم ذبائح الحمد. هنا نرى العبادة الجماعية بجانب العلاقة الفردية. وهنا يطلق المرتل على الكنيسة أسماء متعددة فهي بيت الرب إشارة لسكنى الله وسط شعبه وسكنى المؤمن مع الله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهي هيكله المقدس إشارة للقداسة التي تكون للهيكل حين يحل الله فيه، وهي خيمته (مَظَلَّتِهِ) إشارة أن الله يشترك معنا في غربتنا في هذا العالم وهي مظلته حيث يستر علينا من حر التجارب وهي صخرة ترفعنا فوق الضيقات. طلبة داود هنا ويجب أن تكون طلبة كل منا أن نكون دائمًا في هيكل الله، دائمًا مع الرب. وجسدنا هو هيكل الله والروح القدس ساكن فينا وطلبة المؤمن أن لا يفارقه الله بل يسكن فيه دائمًا. أَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ = هذا يعني الصلاة والتأمل في كل ما أعطاه الله لنا ونشكره عليه. وداود كان يسمع من رئيس الكهنة عن مجد الله الذي يراه حينما يدخل إلى قدس الأقداس، وداود بل كل الشعب محروم من رؤية هذا المجد، فلا يدخل إلى قدس الأقداس سوى رئيس الكهنة ومرة واحدة في السنة، فكان داود يتفرس في الهيكل ويشتهي أن يرى ما يراه رئيس الكهنة. وهكذا علينا أن نحيا نشتهي رؤية أمجاد السماء بعد أن دخل إليها المسيح كسابق لأجلنا، والمسيح هو رئيس كهنتنا ودخل إلى الأمجاد مرة واحدة ولا يعود يخرج، والآن هو ينتظرنا إذ أعد لنا المكان بدخول الجسد البشري للأمجاد السمائية. وخيمة الرب هي جسد المسيح الذي اختبأنا فيه، كما اختبأ موسى في نقرة الصخرة (خر33) وبذلك استطاع أن يرى مجد الله فيلمع وجهه.وجسد المسيح هو المظلة (مَظَلَّتِهِ) التي نحتمي فيها. ونحن إن كنا ثابتين في المسيح نستطيع أن نتفرس ونتطلع إلى الأمجاد السماوية. والذي يعيش شاعرًا بستر الله يكون ثابتًا على صخرة ، والصخرة هي المسيح (1كو4:10) وبهذا يرفع رأسه على أعدائه الشياطين.
آية (6): "وَالآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِي حَوْلِي، فَأَذْبَحُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ الْهُتَافِ. أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ لِلرَّبِّ."
من اكتشف المسيح صخرة له وتأمل في أمجاده ومحبته يرتفع رأسه على أعدائه ويقدم ذبائح التسبيح والشكر إذ تيقن من النصرة الأكيدة تحت قيادة الرب.
الآيات (7-12): "اِسْتَمِعْ يَا رَبُّ. بِصَوْتِي أَدْعُو فَارْحَمْنِي وَاسْتَجِبْ لِي. لَكَ قَالَ قَلْبِي: «قُلْتَ: اطْلُبُوا وَجْهِي». وَجْهَكَ يَا رَبُّ أَطْلُبُ. لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي. لاَ تُخَيِّبْ بِسُخْطٍ عَبْدَكَ. قَدْ كُنْتَ عَوْنِي فَلاَ تَرْفُضْنِي وَلاَ تَتْرُكْنِي يَا إِلهَ خَلاَصِي. إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي. عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، وَاهْدِنِي فِي سَبِيل مُسْتَقِيمٍ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. لاَ تُسَلِّمْنِي إِلَى مَرَامِ مُضَايِقِيَّ، لأَنَّهُ قَدْ قَامَ عَلَيَّ شُهُودُ زُورٍ وَنَافِثُ ظُلْمٍ."
لَكَ قَالَ قَلْبِي قُلْتَ اطْلُبُوا وَجْهِي
= "لك قال قلبي طلبت وجهك" (سبعينية). هنا داود لا يكف عن الصلاة ومن قلبه، ليس من شفتيه فقط، وهو لا يطلب ولا يلتمس سوى الله. لو فقدت كل شيء في الدنيا فلن أخسر شيئًا، ولكن إذا حْجُبْت وَجْهَكَ عَنِّي (لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي)، فهذه لا أحتملها حتى إِن تركني أَبِي وَأُمِّي (أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي) فأنت يا رب لا تتركني، وعَلِّمْنِي الطريق المُسْتَقِيمٍ. بِسَبَبِ أَعْدَائِي: وَاهْدِنِي فِي سَبِيل مُسْتَقِيمٍ بِسَبَبِ أَعْدَائِي = حتى لا يشمتوا بسقوطي. مهما أحاط بي أعدائي وشهدوا زورًا فلا تتركني يا رب. وقوله لَكَ قَالَ قَلْبِي أي أصلي لك بقلبي ولكن بماذا يصلي؟ بما قاله الله سابقًا في وعوده أطلبوا وجهي. هو يتذكر وعود الله ويتمسك بها في ضيقته حين أحاط به الأعداء، فهو يطلب من الله أن لا يحجب وجهه عنه حين طلبه. فهو عوض الانشغال بالأعداء وتهديداتهم، ها هو ينشغل بوعود الله. ونلاحظ أن الله لا يحجب وجهه إلا بسبب الخطية ولكن مع ذلك فالله لا يهملنا بل يدبر أمورنا حتى لو أخطأنا. ربما الناس يرفضوننا بسبب خطايانا لكن الله لا يترك داود وهو أيضًا لا يتركنا، حتى إن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم: "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا..؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ" (إش 49: 15). ولم نسمع أن أبو داود أو أمه قد تركاه ولكن المعنى أنه في ضيقته لن يستطيع أحد أن يدركه بالخلاص حتى أباه وأمه، ليس سوى الله. لقد جعل داود الله أبوه وأمه بل كل شيء له.اطْلُبُوا وَجْهِي = وجه الله هو المسيح صورة الآب ورسم جوهره الذي تجسد ورأيناه وتمم خلاصنا. وبه رأينا الآب "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). وهذا كان إشتياق أباء العهد القديم كما قال إشعياء النبي "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش64: 1). وراجع تفسير الآية (رؤ19: 10) وهذه طلبة داود هنا بروح النبوة، فهو يطلب المسيح المخلص.
وَنَافِثُ ظُلْمٍ = "كذبوا عليَّ ظلماً" وأيضاً "كذب الظلم لذاته" (سبعينية) = شهود الزور مثل الشيطان أبيهم الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). نافث ظلم = مثل بخاخ ينفث كذبا أي يرش كذباً كله ظلم ولكن هذه طبيعة أولاد إبليس.
الآيات (13، 14): "لَوْلاَ أَنَّنِي آمَنْتُ بِأَنْ أَرَى جُودَ الرَّبِّ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ."
أَرْضِ الأَحْيَاءِ
= هي ملكوت السموات فهناك حياة لا يعقبها موت، فالموت ناتج عن خطية هذا العالم، أما السماء فليس فيها خطية، لذلك فهي أرض الأحياء الذي ليس للموت سلطان فيها "ليس للموت الثاني سلطان عليهم". خيراتَ الرَّبِّ: جُودَ الرَّبِّ = هي الوجود الدائم في حضرة الرب ومعاينة وجه الرب، وهذا لا يتم إلا في الحياة الأخرى. وهذا الإيمان بأن لنا نصيبًا في أرض الأحياء وبأننا سنعاين خيرات الرب، هو الذي يعطينا أن نصمد أمام تجارب وضيقات هذا العالم، والحروب الروحية التي تواجهنا. ولذلك يعلمنا المرتل في نهاية مزموره أن نصبر وننتظر الرب ونثق فيه وفي وعوده ونراقب عمله وتدبيره ونسبحه متأكدين من أبوته الحانية. ولأن التجارب قد تطول مدتها وبسبب هذا تخور قوة الكثيرين على الاحتمال يكرر المرتل عبارة انْتَظِرِ الرَّبَّ (14).
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 28 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 26 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h5r8fj6