← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9
هذا المزمور كتب في بابل أثناء فترة السبي، والشعب في ذل، والبابليين يهزأون بهم في صلف وكبرياء السادة الذين يذلون عبيدهم. وربما قيل هذا المزمور بعد سقوط بابل بيد كورش، لأن المرنم هنا يقول يا بنت بابل المخربة (آية 8)، أو ربما دعاها كذلك بسبب خطاياها ونجاساتها، فتوقع خرابها كما خربت أورشليم بسبب خطاياها. والسبعينية تنسب هذا المزمور لإرمياء. والأرجح أن بنت بابل هي أدوم (الآية 7). وعندما ضربت بابل أورشليم هرب من إستطاع الهرب، فهجم الأدوميون على الهاربين وقتلوا منهم من قتلوا وباعوا الباقين عبيداً. وقوله بنت بابل المخرَبَة تشير لأن بابل خربتها بعد خراب أورشليم بفترة بسيطة.
وهذا المزمور يعبر عن حال كل خاطئ مستعبد لخطيته، فهو غير قادر على التسبيح طالما هو مستعبد. ومن تحرر من خطيته يسبح، فالشعب حين خرجوا من عبودية فرعون، كان أول ما عملوه هو أنهم سبحوا (خروج 15). ويعبر هذا أيضًا عن أننا في السماء سيكون فرحنا فرحًا حقيقيًا كاملًا، حين نخرج من هذا العالم ونخلع هذا الجسد. لذلك نجد في السماء الـ144000 (الذين خلصوا من العهد القديم والعهد الجديد) يرنمون (رؤ1:14-5). ولذلك في ترنيمنا لهذا المزمور نذكر كل إخوتنا الذين ما زالوا مستعبدين للخطية ونطلب لأجلهم أن يتحرروا. ونذكر أنفسنا وأننا مازلنا في آلام هذا العالم معرضين لتجارب وخداعات إبليس ومعرضين لاضطهاد أتباعه ونشتاق لمجيء المسيح الثاني لنسبح للأبد.
لذلك نرنم هذا المزمور في صلاة النوم للتعبير عن أننا نشتاق للسماء بعد نهاية عمرنا. قمة الحياة الروحية ظهرت في المزمور السابق، وهو الامتلاء من الروح والتسبيح. وهنا العكس تمامًا فمن لا يزال في عبودية الخطية نجده عاجزًا عن التسبيح.
آية (1): "عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ."
ناح اليهود المسبيين عند أنهار دجلة والفرات في بابل. وأنهار بابل ترمز لأمور هذا العالم إذا شغلتنا عن الله، فننجرف للفتور ثم للخطية وبالتالي العبودية. وكل مؤمن حقيقي حين يذكر إخوته الذين ما زالوا في هذه العبودية يبكي مصليًا ليعودوا للكنيسة (أورشليم).
بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ = هذا كان حال الإبن الشاطر الذي تذكر أفراح بيت أبيه وقارن مع حاله. فقام فوراً وقدم توبة وعاد لبيت أبيه.
آية (2): "عَلَى الصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا."
الصفصاف = شجرة تنبت على مجاري المياه وهي شجرة عديمة الثمر، شأن كل من ينغمس في ملذات العالم (أنهار بابل). وهناك علقوا قيثاراتهم (أعواد بحسب النص العبري وقيثارات بحسب السبعينية) والعود أو القيثارة هي لعزف أنغام الفرح، وكيف يفرحون وهم مستعبدين. ويذكر أنهم لم يكسروا أعوادهم كرمز لليأس، بل علقوها على رجاء استخدامها في المستقبل حين يعودون إلى أورشليم، حيث الثمار والأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا.
ولعل السبب في أن المرنم ربط بين بكائه (آية 1) وشجر الصفصاف في هذه الآية، أن هذه الشجرة تتدلى فروعها وتتلامس مع المياه بعض الأحيان ومع حركة الرياح تتحرك الأغصان المبللة فتقطر ماءً. وهنا رأى المرنم أن هذه الأغصان كأنها تبكي مثله.
ملحوظة: بابل في الكتاب المقدس ترمز لمملكة الشر من بداية الكتاب المقدس حتى نهايته ففيها تمرد الناس على الله فبلبل ألسنتهم (تك9:11). ومنها خرج نمرود الذي تجبر أمام الله (تك9:10، 10). وهي الزانية العظيمة في (رؤ1:17-6).
آية (3): "لأَنَّهُ هُنَاكَ سَأَلَنَا الَّذِينَ سَبَوْنَا كَلاَمَ تَرْنِيمَةٍ، وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا فَرَحًا قَائِلِينَ: «رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرْنِيمَاتِ صِهْيَوْنَ»."
حين رآهم البابليين على الأنهار سألوهم في سخرية أن يغنوا لهم أغنية على أعوادهم، وهل يمكن أن يشهد أحد لله أو يسبحه وهو في أرض عبوديته؟! هل نتصوَّر أن خاطئ في وسط مجلس مستهزئين يستطيع أو يقدر أن يفتح فمه بالشهادة لله أو تسبيح الله؟!
آية (4): "كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟"
هم رفضوا إذ تذكروا أن هذه الترانيم كانوا ينشدونها وهم في الهيكل في قداسة فهل تستخدم الآن لتسلية البابليين، في هذا إهانة لتلك التسابيح "لا تعطوا القدس للكلاب". وبنفس المفهوم نجد أن المستعبد للخطية هو في أرض غريبة عن مكان أولاد الله، فلا يقدر أن يسبح.
الآيات (5، 6): "إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ، تَنْسَى يَمِينِي! لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ، إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي!"
تنسى يميني= أي يُشَّل ذراعي وتنتهي قوتي. لو إنساني العالم بأنهاره ولذاته أورشليم. لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي (ويلتصق لساني بحنكي) = ليخرس لساني إن مدحت غيرك يا أورشليم. وهكذا ينبغي أن يكون ولاؤنا لكنيستنا واشتياقنا لوطننا السمائي، فلا نفضل أي شيء عليهما. وهكذا ينبغي أن ننظر لخلاص نفوسنا أن له الأولوية على أي شيء. من إبتعد عن الله وعن الكنيسة وإنغمس في شرور هذا العالم، هو قد إنفصل عن الله فصار بلا قوة = تنسى يميني. وهذا ما قاله الرب يسوع "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15). وهكذا رنم موسى بعد الحرية "ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلَاصِي" (خر2:15). وهكذا رنَّم داود النبي " أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي" (مز1:18).
الآيات (7-9): "اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ يَوْمَ أُورُشَلِيمَ، الْقَائِلِينَ: «هُدُّوا، هُدُّوا حَتَّى إِلَى أَسَاسِهَا». يَا بِنْتَ بَابِلَ الْمُخْرَبَةَ، طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا! طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ!"
بابل استعبدت يهوذا، شعب الرب وسبتهم إلى هناك، أما أدوم فقد كان لها موقفًا شامتًا لكل الآلام التي وقعت للشعب، حقًا كان الله يؤدب شعبه بعصا تأديب هي بابل، لكن الله لا يحب شماتة أحد في الشرور التي تصيب أولاده. بل إن أدوم كان لها موقفًا معاديًا بالأكثر فقد كانوا ينتظرون الهاربين من يهوذا أثناء ضرب البابليين لهم ويمسكونهم ويقتلونهم أو يبيعونهم عبيدًا (نبوة عوبديا) وأدوم له عداوة تقليدية بينه وبين يعقوب من البطن. فأدوم هو عيسو.
ومن هنا نفهم أن بابل تمثل إبليس الذي يسقطنا في الخطية فنسقط، وإذا سقطنا يؤدبنا الله، ونفهم أن أدوم هي الشياطين التي تشمت في بليتنا. أو هم من يستخدمهم الشيطان في إسقاط شعب الله ووضع عثرات أمامنا، أو عمومًا هي الخطايا والعثرات والشهوات التي يلقيها الشيطان أمامنا فنسقط فيشمت فينا الشيطان، فبنت بابل هي المولودة من بابل. وكلمة أدوم تعني أحمر، والشيطان
"كان قتالًا للناس منذ البدء" (يو44:8).وفي (7) يذكر المرنم أن أدوم يوم كانت بابل تمزق أورشليم،أن أدوم هذه كانت تشجع في شماتة البابليين على أفعالهم، بل كانوا يطلبون هدم أورشليم حتى الأساس. وهنا المرتل يطلب الانتقام من أدوم على ما فعلته، فشريعة العهد القديم عين بعين وسن بسن وأما في العهد الجديد فنفهم هذا عن إبليس عدونا الذي يريد هلاكنا. والمرتل يُسَمَّي "أدوم" هنا "بِنْتَ بَابِلَ" لأنها شابهت بابل في تخريبها وشرها. وفي (9) يشير لحادثتين سابقتين، قتل فيهما الملوك المنتصرون شبان أدوم وأبطالها بأن يلقيهم الملوك من فوق الصخور العالية فينزلون مهشمين (1أي12:18) ويقول المفسرون أن أبيشاي قائد الجيش كان يسوق بني أدوم إلى صخرة عالية في وادي الملح، ومن هناك يطرحهم إلى أسفل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهناك حادثة أخرى أيام أمصيا الملك، إذ ذهب إلى وادي الملح وضرب من أدوم 10,000، وسبا 10,000 آخرين وأتى بهم إلى رأس سالع وطرحهم من عليها فتكسروا (2 أي 11:25، 12).
والمعنى الروحي لــ طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ (يدفنهم عند الصخرة – سبعينية)= يشبه القديس يعقوب الشهوة بالمرأة (يع15:1)، ومن ينخدع وينجذب من شهوته تحبل هذه المرأة التي هي الشهوة. والخطية إذا كملت تنتج موتاً (يع1). وفي (رؤ5:17) تسمى بابل "أم الزواني ورجاسات الأرض". ورأينا أن بنت بابل هي أدوم. وبهذا تصبح أدوم تشير للشهوات والعثرات التي يضعها الشيطان أمامنا. ومن ينجذب من شهوته تحبل هذه الشهوة وإذا كملت تنتج موتاً. فالأطفال في هذه الآية هم الخطايا الناتجة عن تنفيذ الشهوات الخاطئة التي يضعها الشيطان أمامنا وتكون نتيجتها الموت.
أما الصخرة فهي المسيح (1كو4:10). فطوبى لمن يضرب بنات بابل (الزانية العظيمة) وهن الخطايا والشهوات في هذه الصخرة الأبدية. وطوبى لمن يدفن شهواته أي أطفال بابل تحت الصخرة الثابتة أي يسوع المسيح الذي له قدمين نحاسيتين يدوس بهم خطايانا ويدينها (راجع تفسير رو3:8)، ويكون ذلك بالتوبة الدائمة والإعتراف والتناول. يرجى مراجعة شرح مزمور 127 لإستكمال شرح المعنى.
ونلاحظ أنه في مزمور 127 نرى الفضائل مشبهة بالبنون، وهنا نرى الشهوات مشبهة بالبنات، فهل هناك أفضلية للبنين عن البنات؟! قطعاً لا. فالعذراء مريم هي أطهر مخلوقات الله. ونفهم هذا من الآتي:-
1. في مزمور127 نرى البنين في حالة حرب ضد الأعداء المهاجمين للحواس، والحرب هي للرجال. لذلك يشبه الفضائل التي بها نحارب إبليس بالبنون. ولذلك كانوا في تعداد شعب إسرائيل يحصون الرجال فوق سن العشرين فقط، فهؤلاء هم القادرين على أن يحاربوا. وهذه الفضائل هي للرجال والنساء.
2. يشبه القديس يعقوب الشهوة بالمرأة، ومن ينخدع وينجذب من شهوته تحبل هذه المرأة التي هي الشهوة. والخطية إذا كملت تنتج موتاً (يع1). وبذلك فالمقصود ببنات بابل هن الخطايا المخادعة التي تجذب سواء الرجال أو النساء لتسقطهم.
3. يقول القديس بولس الرسول لكلا الرجال والنساء من شعب كورنثوس "اِسْهَرُوا. ٱثْبُتُوا فِي ٱلْإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالًا. تَقَوَّوْا. لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ" (1كو13:16). فالكل في حالة حرب ضد الشيطان وضد الشهوة الخاطئة.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 138 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 136 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9a8cpzg