← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8
لإمام المغنين على ذوات الأوتار= داود كتب المزمور وأعطاه لقائد فريق الإنشاد (الخورس أو الكورال choir) ليرتلوا به مستخدمين الآلات الوترية. يرى بعض المفسرين أن داود كتب هذا المزمور أيضًا متأثرًا بموقف إبشالوم ابنه ضده ويرون أن داود كتبه بعد أن أحبطت مشورة أخيتوفل وفيها كان داود يدعو شعبه أن لا يسيروا وراء الباطل بل يقدموا توبة. فقد كان هناك من يريد إعادة تنظيم صفوف فريق إبشالوم ضد داود. وداود يقول لهم حتى متى تهينوا الكرامة الملكية التي أعطاها الله لي وتسيروا وراء الكذب، فخصومتكم ضدي هي خصومة ضد الله الذي اختارني للملك.
آية (1): "عِنْدَ دُعَائِيَ اسْتَجِبْ لِي يَا إِلهَ بِرِّي. فِي الضِّيقِ رَحَّبْتَ لِي. تَرَاءَفْ عَلَيَّ وَاسْمَعْ صَلاَتِي."
اسْتَجِبْ لِي
.. فِي الضِّيقِ رَحَّبْتَ لِي = في الشدة فرجت عني (سبعينية). داود يصرخ إلى الله أن ينصره على مضايقيه ويتذكر كل الشدائد التي سانده فيها الله ولم يتخل عنه (جليات..) وعلينا أن نصلي دائمًا ونذكر كل أعمال الله السابقة معنا "نشكر صانع الخيرات لأنه سترنا وأعاننا وحفظنا.." يَا إِلهَ بِرِّي = علامة اتضاع داود. فكل البر الذي يظهر في حياة داود أو حياتنا ليس هو استحقاق صلاتنا وجهادنا الشخصي، لكن بر الله أي عمل الله فينا. فبئس الإنسان الذي يكون بره من ذاته. هذا هو السر أننا بعد أن نتقدم روحيًا نعثر إذ نظن أننا أبرار. "لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ" (رو4:10) فربنا هو برنا. ونلاحظ أن داود لم يقل رفعت عني الشدة بل في الشدة فرجت عني أو رحبت لي، فهو ما زال في شدته لكنه شعر براحة (هذه هي طريقة الله، وهذا ما حدث مع الثلاثة فتية فالله لم يرفعهم من الأتون بل جاء إليهم وأعطاهم راحة وسط النيران). وبعد أن حصل داود على هذه الراحة لم يكف عن الصلاة كما يفعل الكثيرون فيدخلون إلى الفتور بل استمر في صلواته قائلًا= تَرَاءَفْ عَلَيَّ وَاسْمَعْ صَلاَتِي (مثال: بعد التناول علينا أن نستمر في جهادنا). المسيح تمم الفداء لكن علينا ألا نكف عن الصراخ.
آية (2): "يَا بَنِي الْبَشَرِ، حَتَّى مَتَى يَكُونُ مَجْدِي عَارًا؟ حَتَّى مَتَى تُحِبُّونَ الْبَاطِلَ وَتَبْتَغُونَ الْكَذِبَ؟ سِلاَهْ."
يَا بَنِي الْبَشَرِ، حَتَّى مَتَى يَكُونُ مَجْدِي عَارًا
= "لماذا تثقل قلوبكم لماذا تحبون الباطل" (سبعينية). الإنسان بطبعه ترابي يميل للأرضيات (ثقل القلب). وهذا يحدث لنا بالخطية والهموم العالمية ومحبة الدنيويات والإنشغال بها عوضًا عن الاهتمام بالسماويات التي ترفع القلب إلى فوق. ونفهم الآية عن داود، بأنه يعاتب مقاوميه بأنهم يسيرون وراء الأكاذيب التي أطلقها إبشالوم وأخيتوفل وحولوا مجد داود إلى عار. وهم بوقوفهم ضد داود الممسوح من الله يخطئون إلى الله الذي اختاره. وهذا راجع لثقل قلوبهم بسبب خطاياهم فصدقوا الأكاذيب (فالشيطان كذاب). ولكن هذه الآية توجه لكل خاطئ أحب العالم والخطية فثقل قلبه وسار وراء الباطل (العالم وأكاذيبه وخداعاته) حقًا قال سليمان عنه باطل الأباطيل. من إلهه المال يسعى وراء باطل. وهؤلاء يحولون مجد الله في حياتهم إلى عار في حياتهم. فالخطية مخادعة تظهر للناس أن فيها لذة وتخفي مرارتها.
آية (3): "فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ. الرَّبُّ يَسْمَعُ عِنْدَ مَا أَدْعُوهُ."
الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ
= "قد جعل قدوسه عجبًا" (سبعينية) إن من يحبه الله يحيطه بعنايته ورعايته بطريقة عجيبة، حدث هذا مع المسيح ومع داود ومع كل من يطلب الله بأمانة. هي دعوة لكل متألم أن يحول أفكاره عن أحزانه الداخلية إلى الرب السماوي غير المنظور. ونحن نتمجد في السيد المسيح إن قبلنا الحياة المقدسة بعمل روحه القدوس فينا.
آية (4): "اِرْتَعِدُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. تَكَلَّمُوا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى مَضَاجِعِكُمْ وَاسْكُتُوا. سِلاَهْ."
"اغضبوا ولا تخطئوا"= (سبعينية) واستشهد بولس الرسول بهذه الترجمة في (اف26:4) وهي تعني أنه إن كان هناك مبرر للغضب فلا يوجد مبرر للخطأ. وعلى الإنسان أن يتخلص من حالة الغضب هذه بأسرع ما يمكن، ويا حبذا لو كان الغضب على أنفسنا بسبب خطايانا فنقدم توبة، هذا أفضل من أن نغضب على أحد. الذي تقولونه في قلوبكم إندموا عليه عَلَى مَضَاجِعِكُمْ = بحسب السبعينية ومعناه الذي أخطأتم فيه وفكرتم فيه بسبب أي إثارة مفاجئة، قدموا عنه توبة وأنتم على فراشكم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). داود هنا يحول الفراش إلى مذبح للصلاة فيبتعد الفكر عن أي أفكار شريرة أو تشتيت، فيظل الفكر مشغول بحساب النفس وإدانة النفس. وفي الترجمة العربية طبعة بيروت نجدها ارتعدوا ولا تخطئوا = فهي دعوة أن نخاف من الله فلا نخطئ، وهي دعوة داود لشعبه أن يرتعد من التمرد عليه الذي هو تمرد على الله وبهذا يخطئ.
آية (5): "اِذْبَحُوا ذَبَائِحَ الْبِرِّ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ."
اِذْبَحُوا ذَبَائِحَ الْبِرِّ = بعد تبكيت النفس، والتوبة، إذا اتخذت النفس قرارًا بالامتناع عن الخطية المحببة فكأنها قدمت ذبيحة بر: قدموا أنفسكم ذبائح حية: "تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً" (رو1:12). هذه النفس تقدم نفسها ذبيحة على مذبح الإيمان، فهي تتوقف عن ممارسة خطية محببة.
وَتَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ = "ضعوا ثقتكم في الرب" (الترجمة الإنجليزية). قد يتصوَّر الإنسان الذي يقدم نفسه ذبيحة أنه خاسر لمتع الحياة، والمرنم يقول له:
1. ثق في أن الله سيعينك ولن يخذلك وستنتصر على الخطية المحبوبة عندك.
2. ثق في وعود الله بأن لك حياة أبدية ومجد أبدي. والرب يسوع يقول بنفس المعنى "مَنْ طلب أن يخلص نفسه يُهلكها، ومن أهلكها يحييها" (لو33:17).
آية (6): "كَثِيرُونَ يَقُولُونَ: «مَنْ يُرِينَا خَيْرًا؟». ارْفَعْ عَلَيْنَا نُورَ وَجْهِكَ يَا رَبُّ."
كثيرون يقولون من يرينا خيرًا= هناك مسيحيون شكليون، إذا طلبت منهم أن يمتنعوا عن الخطية المحببة إليهم يقولون.. من يرينا الخيرات. أي ماذا يضمن لنا أننا لو توقفنا عن الخطية المحببة لنا الآن أن الله سيجازينا خيرًا في الأبدية. فهم محبون لخطاياهم متذمرون على الرب، ناكرون أعماله الحسنة، بدون إيمان، ناقدين للرب والإجابة التي يجيب بها داود، إن عربون عطايا الله في الأبدية لعبيده الأتقياء يظهر هنا على وجوه عبيده "قد أضاء علينا نور وجهك يا رب" (سبعينية) فالله وهو نور يضيء علينا ونحن في ظلمة هذا العالم ويملأهم سلامًا يظهر أمام الآخرين كدليل على عمله الداخلي فيهم. وحسب الترجمة العبرية وضعت هذه الآية بروح الصلاة.. ارفع علينا نور وجهك يا رب = ليرى هؤلاء المتشككين أي سلام نحن فيه، وبنورك هذا نضئ لهم ولكل متشكك.
الآيات (7، 8): "جَعَلْتَ سُرُورًا فِي قَلْبِي أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِهِمْ إِذْ كَثُرَتْ حِنْطَتُهُمْ وَخَمْرُهُمْ. بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي."
هي شهادة داود عن عمل الله معه، فهو يشبعه ويقوده إلى ينابيع ماء حية وهكذا كل مسيحي ملأه الله بروحه القدوس، ويشبع من ذبيحة القداس، ويتغذى على كلمة الله في كتابه المقدس وصار الرب يسوع موضوع شبعه، يشبع أكثر ممن يشبعون من خيرات هذا العالم، الحنطة والخمر.. الخ. بل هو يحيا في سلام وينام في سلام.
لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي = لا يوجد في العالم مصدر حقيقي للسلام سوى في المسيح. فالمال والملذات الحسية ... إلخ. هي خادعة. تعطي لذة مؤقتة تنتهي سريعًا ويعود الحزن. أما السلام الحقيقي والأمان الحقيقي هما في المسيح وحده "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33) وهكذا قال داود أيضًا: الرب يعطي لأحبائه نومًا: "يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا" (مز127: 2).
ونصلي هذا المزمور في صلاة باكر لنطلب نور الله وسلامه بالرغم من المضايقين.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 5 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kfgc26v