← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10
هذا المزمور من أروع مزامير التوبة ويجب على المؤمن أن يردده باستمرار. وداود كان نبيًا باكيًا مثل إرميا. وعلى كل متألم أن يفعل مثله. والمزامير الثلاثة السابقة كانت تتحدث عن آلام الأبرار بسبب مضايقين خارجيين، وفي هذا المزمور وباقي مزامير التوبة نجد أن داود البار يعاني بسبب خطيته هو (مزامير التوبة 6، 32، 38، 51، 102، 130، 143). وغالبًا قالها داود بسبب خطاياه وأشهرها خطيته مع امرأة أوريا.
ولهجة المزمور تناسب الإنسان التائب فهي تعبر عن شدة الحزن على ارتكاب الخطية، وفيها بكاء وفيها كراهية للخطية وفيها أيضًا رجاء في مراحم الله. ونرى هنا داود يرى أثار الخطية وكيف أنها أثرت على نفسه (حزن شديد) وعلى جسده (عظامي قد رجفت).
الآيات (1-3): "يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ. ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، وَنَفْسِي قَدِ ارْتَاعَتْ جِدًّا. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى؟"
اعتراف بالخطايا بالرغم من كل إنذارات الله وسماع صوته، وإذا وقفنا أمام الله فلا نطلب إلا الرحمة، فنحن دنسنا أجسادنا وأسأنا لربنا الذي قدم لنا دمه وأسأنا لروحه القدوس الساكن فينا، وليس لنا وجه أن نطلب سوى الرحمة.
إشفني= من أمراضي الجسدية= عظامي قد رجفت.. وأمراضي النفسية = نفسي قد ارتاعت والمسيح هو الطبيب الماهر الذي يقدم الشفاء للأمراض المستعصية. وداود لم يطلب أن لا يبكته الله أو يوبخه، فالروح القدس هذا هو عمله أن يُبَكِّت: "وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ" (يو8:16) ولكن داود يطلب أن لا يكون هذا التبكيت يصاحبه سخط وغضب الله = يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ بل بكتني كأب يبكت ابنه، لا أريد أن أشعر أنني إنسان منبوذ، وغضب الله يُفنى أما حبه الأبوي فيصلح ويجبر ويخلص. وهنا نجد اعتراف داود بأنه ضعيف = وهكذا ينبغي أن نقف أمام الله شاعرين بأننا لا نقدر أن نخلص أنفسنا طالبين مراحم الله. وأنت يا رب فحتى متى = هنا شعر المرتل بعجزه، وأن خطيته تستحق الغضب الإلهي وأن كيانه كله (جسده ونفسه) آخذ في الانهيار، فصرخ لا تتركني إلى النهاية، إلى متى تتركني أعاني. ونحن إلى متى يا رب تنسانا نتيجة لأعمالنا الشريرة.
الآيات (4، 5): "عُدْ يَا رَبُّ. نَجِّ نَفْسِي. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟"
لا تتركني ولا تهملني ولا تنساني بسبب خطاياي بل قم يا رب أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا، لأجل مراحمك نجني، لأن العمر الحاضر فقط هو زمان التوبة =
لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. وقوله عُدْ يَا رَبُّ = الله موجود في كل زمان وفي كل مكان، ولكن بالخطية نسمع "لا شركة للنور مع الظلمة". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن قوله عُدْ إشارة لحضور النعمة حيث يسكن وسط شعبه، في داخل قلوبهم، معلنًا إتحادهم به. وإذ يشعرون بوجوده تكون لهم راحة، فأمَّر الضيقات على الإنسان هي التي فيها يشعر بغياب الله. لذلك يقول "ارْجِعُوا إِلَيَّ.. أَرْجِعَ إِلَيْكُمْ" (زك3:1). فقوله عد تفهم بأن إجعلني أعود يا رب إليك لتعود بحضورك إليَّ. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ مرَاحْمَكَ = أنا لا أستحق الخلاص ولكن خلصني من أجل رحمتك.
الآيات (6، 7): "تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي. سَاخَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي. شَاخَتْ مِنْ كُلِّ مُضَايِقِيَّ."
هي آيات تظهر أن المزمور مزمور توبة. هنا يحقق ما قاله في (مز4:4).
سَاخَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي = ساخت تعني غاصت أو إنخسفت من كثرة البكاء = "تعكرت من الغضب عيناي" (سبعينية). وغضبه هنا موجه إلى أعدائه الروحيين الذين أسقطوه في الخطية وهم محبة العالم وإغراءاته وشهوات الجسد والشيطان وحيله، فحربنا ليست مع لحم ودم بل مع قوات شر روحية: "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ.. أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ". ولاحظ أنه يبكي في الليل، حيث لا يراه إنسان فعلاقتنا مع الله علاقة خاصة في المخدع وهو في الليل يبكي يشير للخطية فالليل يشير لظلمة الخطية "في المساء يحل البكاء وفي الصباح السرور". أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي = التوبة هي معمودية ثانية. كل هذا الإنسحاق وهو الملك العظيم، لكن مركزه لم يمنعه من الانسحاق أمام الله. ومن هذا الذي لا يخاف ويبكي إذا تذكر دينونة الله الرهيبة.
الآيات (8-10): "اُبْعُدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الإِثْمِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ بُكَائِي. سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي. جَمِيعُ أَعْدَائِي يُخْزَوْنَ وَيَرْتَاعُونَ جِدًّا. يَعُودُونَ وَيُخْزَوْنَ بَغْتَةً."
علامة التوبة الحقيقية هي ترك كل أصدقاء السوء وكل علاقات الخطية، فمتى تلميذ الرب ترك مكان الجباية، وزكا ترك أمواله. وداود هنا يقول ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم وتأمل اضطراب داود في أول المزمور وثقته في استجابة الله وقبوله لتوبته. ولنعلم أن من ضمن فاعلي الإثم هم الشياطين الذين يشككون في قبول التوبة. ولذلك يرد داود عليهم بثقة.. سمع صوت تضرعي: سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. وسلاح داود في محاربة هؤلاء الأعداء هو الصلاة، وهو أحس وشعر بأن الله استجاب لدموعه، إذ ملأه قوة جديدة فتغيرت نغمة صلاته واستعاد هدوءه بل صار يتكلم بفرح، فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز5:126). ونصلي المزمور في باكر لنذكر هذه القوة والفرح وقبول التوبة.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 7 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 5 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fss9zvb