← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7
هذا المزمور إنجيلي بحت، قد يكون داود كتبه بعد انتصاره على بعض الأعداء ومن ثم استتباب الأمن والسلام في مملكته، ولكن بروح النبوة، نطق الروح القدس على لسان داود فأخرج نبوة رائعة عن عمل المسيح العجيب، بل هذا المزمور كله عن المسيح الذي انتظره الآباء ووعدهم الله به. واليهود دائمًا اعتبروا هذا المزمور أنه عن المسيح المنتظر. ولذلك حيَّر المسيح الفريسيين في (مت41:22-46)، فهم يعرفون أن المسيح سيكون ابن داود، والمسيح سألهم وكيف يكون ابن داود ويدعوه داود ربًا فتحيروا فهم يعلمون أن هذا المزمور يتكلم عن المسيح (مر35:12-37 + لو41:20-44).
والمزمور يتكلم عن انتصار المسيح النهائي على أعدائه حينما يجلس عن يمين العظمة في الأعالي (أع34:2 + كو 3: 1 + عب13:1 + عب13:10). وقد يقول اليهود أن اليمين إشارة للقوة، وأن الله أقام من داود ملكًا وأعطاه قوة، ولكن كيف يُسَمَّي داود ربًا. لذلك فهذا المزمور يتكلم عن المسيح وليس سواه. الذي صار الشيطان تحت قدميه (1كو24:15-26).
هنا المزمور يتنبأ عن أن المسيح سيكون ملكًا وكاهنًا (على رتبة ملكي صادق). (عب6:5 + 17:7، 21). ونفهم من هذا انتهاء الكهنوت اليهودي ليبدأ الكهنوت المسيحي وتبطل الذبائح الدموية ليبدأ الكهنوت المسيحي وتقديم ذبيحة الافخارستيا من خبز وخمر. وانتهاء الكهنوت اليهودي أعلن عنه في شق حجاب الهيكل. ولكل هذه المفاهيم النبوية.
نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة، ففيه انتصر المسيح على الشيطان نهائيًا.
نرى في هذا المزمور المسيح متجسدًا وفي هيئة متواضعة بالجسد، ونرى ملكه ونرى امتداد كنيسته وهو يحكم فيها كملك وهو رئيس كهنتها. ونراه وقد صعد ليجلس عن يمين الآب.
آية (1): "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»."
الفِكْر البشري لا يمكنه أن يعرف مساواة الآب للابن إن لم يعلن الروح القدس لنا هذه الحقيقة. والسيد المسيح كشف هذا أن الروح القدس هو الذي أعلن ذلك لداود (مت43:22). قال= تشير لمسرة الآب بعمل الابن. الرب لربي= تشير لمساواة الآب للابن، فالابن سيجلس على نفس المستوى مع الآب. والابن بلاهوته مُلكه أزلي أبدي. ولكننا هنا نفهم أن الكلام عن الناسوت، فبعد أن أكمل تدبير تجسده الخلاصي وقام وصعد للسموات جلس عن يمين العظمة (عب3:1). وكلمة اليمين (يَمِينِي) = تشير للقوة والكرامة والمجد الذي حصل عليهما المسيح بجسده. فالناسوت المتحد باللاهوت صار في كرامة فنسجد له بلاهوته غير المنفصل عن ناسوته. أما المسيح بلاهوته فمجده أزلي ابدي. راجع تفسير (يو 17 : 5).
آية (2): "يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ."
قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك= لقد ملك المسيح ابتداء من صهيون ثم تسلط على العالم، الذين كانوا أعداء فآمنوا وجعلوا المسيح ملكًا عليهم. والقضيب يشير للملك، يعني صولجان الملك. والملك المسيح ملك بعز بصليبه (قضيبه) وكان انتشار ملكوت المسيح بالكرازة وسط الشعوب وليس بالقوة والسيف.
آية (3): "شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ، لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ."
شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ
= شعب المسيح الملك سيكونون له شعبًا، فهو اشتراهم بدمه وهم سيخدموه ويسبحوه ويكرسون أنفسهم له بإرادتهم الحرة واختيارهم = مُنْتَدَبٌ ، فهم أحبوه لأنه أحبهم أولًا وأدركوا أنه صلب لأجل خلاصهم. وهم صاروا له جنودًا يحاربون مملكة الشيطان بقوة، وستظهر فيهم قوة المسيح= فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ. وسيكون شعبه مقدسًا في فضائل= زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ فالمسيح هو رأس لكنيسته المقدسة ويعطيها قوة ويزينها . وجاءت الآية في السبعينية "معك الرياسة في يوم قوتك في بهاء القديسين". فهو رب الجنود، هو الذي غلب ويغلب فينا وهو الرئيس الذي يقود شعبه ويسندهم. مِنْ رَحِمِ الْفَجْر،ِ لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ = الفجر علامة إشراق نور الشمس، والمسيح هو شمس برنا. حين أشرق بنوره كان المؤمنين في بداية الكنيسة من الكثرة كأنهم الطل من السماء. هذه الكنيسة التي آمنت هي كنيسة قوية = حَدَاثَتِكَ أي كأنها في عنفوان الشباب، وهي سماوية فالطَلّ ينزل من السماء، وهي كنيسة تحارب بقوة، تحمل صليبها كما حمل رأسها صليبه في يوم قوته (يوم الصليب) يوم فتح أبواب الجحيم وأبواب الفردوس. وقوته ستظهر تمامًا يوم الدينونة. والجزء الأخير من الآية تترجمه السبعينية "من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك" = هنا يتكلم عن ميلاد المسيح الأزلي من الآب "نور من نور" وحينما ننسب لله أعضاء بشرية فيكون ذلك لشرح معنى ما. فاليد تشير لقوته وهكذا. والابن يولد من بطن الآب فهذا يعني مساواته له في الجوهر وهذه تساوي تمامًا قول المسيح ،"الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو1: 18) وتمييزًا للابن الوحيد عن الكنيسة التي تبناها الله. وقال أحد الآباء أن قوله من البطن يشير لولادته من العذراء بالجسد. وقوله قبل كوكب الصبح يشير لولادته أزليًا من الآب. والمعنى واحد في السبعينية وترجمة بيروت، فكوكب الصبح يظهر قبل الفجر مباشرة، وهذا يناظر ترجمة بيروت مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ أي قبل ظهور الشمس في الفجر. وقوله رحم يناظر القول ولدتك في السبعينية.
آية (4): "أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ»."
لم يجتمع الملك والكهنوت عند اليهود أبدًا (حدث هذا فقط لفترة بسيطة مع المكابيين ولكن المكابيين كانوا كهنة من سبط لاوي وأخذوا الملك فترة قليلة بعد أن هزموا ملوك اليونان. ولكن المكابيين كانوا من سبط لاوي ولكن داود هو من وعده الله بالملك ، أي سبط يهوذا كان هو سبط الملك)، فالملك من يهوذا والكهنوت من لاوي أما طقس ملكي صادق فيشير لملكي صادق الملك والكاهن، والمسيح هو الذي جمع كلا الوظيفتين. وأعطى لكنيسته الكهنوت على طقس ملكي صادق (ذبيحة الخبز والخمر) فملكي صادق كان رمزًا للمسيح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والله أقسم، أي ليظهر للبشر اهتمامه وجديته في أمر الخلاص (عب16:6) فالقسم هو الطريقة التي يفهمها البشر لإظهار الجدية.
الآيات (5، 6): "الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ رِجْزِهِ مُلُوكًا. يَدِينُ بَيْنَ الأُمَمِ. مَلأَ جُثَثًا أَرْضًا وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا."
قال في آية (1) أن قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي. وهنا يقول
الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = لنفهم أن اليمين ليس مكان بل يشير للقوة والكرامة. وفي يوم الدينونة سيحطم كل القوات المقاومة (تمثال نبوخذ نصر تناثر في الهواء كغبار). والمسيح بصليبه دان إبليس وجنوده في هذه المعركة، وانتصاره كان كانتصار ملك حَوَّلَ جيش أعدائه لجُثَث (جُثَثًا). وهو قد تلوثت ثيابه من دم أعدائه (إش3:63). وهذا ما سيتكرر في اليوم الأخير. وبالنسبة لفترة وجود المسيح بجسده على الأرض، فالقول الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = أن الله حفظ المسيح من كل محاولات قتله حتى حانت ساعة الصليب (يو 8: 59).
آية (7): "مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ."
هنا نرى المسيح في أيام جسده وآلامه، واحتياجه لأن يشرب من النهر كما حدث لداود حين عطش في معركته (1صم9:30، 10 + 1أي17:11). والمسيح عطش على الصليب وقال أنا عطشان. وشمشون عطش وأرسل له الله ماءً ليشرب (قض18:15، 19) والمسيح حين صلَّى في بستان جثسيماني ليلة صلبه أرسل له الله ملاكًا ليقويه (لو43:22) فنفسه كانت حزينة جدًا حتى الموت (مر34:14)، بل في ضعفه الجسدي جاع وعطش واضطربت نفسه وطلب أن يجيز الآب عنه هذه الكأس، واحتاج لأن يأتي له ملاك ليقويه ويعزيه
. فالمسيح كان كإنسان مشابها لنا في كل شيء ، وكل منا في آلامه يحتاج أن يشرب من نهر تعزيات الروح القدس لكي يرفع رأسه ولا تنحني نفسه فيه. لقد اختبر المسيح ألامنا وإذ تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين (عب18:2). ولكن بعد انتهاء تجربته رفع رأسه ووطأ أعداءه، إذ قام وداس الموت والشيطان.
آية1) بعد أن أتم المسيح عمل الفداء جلس عن يمين الآب أي صار له بجسده نفس مجد لاهوته. وكان هذا سبب مسرة للآب لأن هذا سيعيد للبشر المجد، ويعيدهم للأحضان الأبوية للآب. وحين يتمجد المسيح سيصير أعداءه تحت قدميه.
آية2) المسيح بصليبه (عصا القوة + قضيب عزك) القضيب هو صولجان ملك المسيح. وسيسود على شعبه بالمحبة، وسيبدأ هذا الملك من صهيون. ثم ساد المسيح على كل العالم الذي كان خاضعا للشيطان ومعاديا لله = تسود في وسط أعدائك. بل عاشت الكنيسة فعلا ونمت وإمتدت وسط حروب شيطانية، وهذا ما قاله الرب لتلاميذه "ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب". ولم تفلح مع كنيسة المسيح كل القوَى الشيطانية عبر التاريخ بل إمتدت وساد المسيح وسط هؤلاء. هؤلاء أعطاهم الآب للابن "كانوا لك وأعطيتهم لي" (يو17: 6 ، 9) = (يرسل لك الرب + يرسل الرب قضيب عزك).
آية3) حين يرى الناس عمل المسيح يسلمون له حياتهم ويملكوه عليهم بحريتهم = (شعبك منتدب volunteers + معك الرئاسة) وهذه التبعية للمسيح تعطيهم بهاءً هو جمال القديسين (بهاء القديسن + في زينة مقدسة). هم إنجذبوا عندما رأوا جمال المسيح وسيرته وأعماله وأقواله، وإنجذب غيرهم للمسيح حينما رأوا جمال زينة هؤلاء المؤمنين وسيرتهم ومحبتهم، فصاروا نورا للعالم فهم تحولوا ليكونوا صورة للمسيح نور العالم (مت5: 14 + يو8: 12 + غل4: 19). وما الذي جذب الجميع للمسيح؟ قوة الكلمة وعمل الروح القدس فيهم (في يوم قوتك) (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). فصليب المسيح لم يكن ضعفًا بل له قوة جذب جبارة هي محبته التي جعلت العالم ينجذب إليه. وسينجذب إليه الكثيرين ويكرسوا أنفسهم له. وسيكونوا كقطرات الندى التي تنهمر في الفجر (من رحم الفجر، لك طل حداثتك) فكنيسة المسيح أي جسده بدأ في النمو سريعا جدًا منذ بداية الكنيسة = حداثة جسد الكنيسة أي شباب وبداية المسيحية. بل نقول أن جسد المسيح أي كنيسته بدأت في التكوين منذ ولادة المسيح جسديا من العذراء، لذلك قال المرنم في المزمور أن شعوب الأمم وُلِدت هناك في صهيون (مز87).
(من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك) سبعينية + (من رحم الفجر، لك طل حداثتك) بيروت.
المسيح شمس البر ومع ميلاده أشرق فجر الكنيسة وكانت قوية شابة = حداثتك، سماوية كالطل من السماء. ونمت سريعا كطل منهمر. فبحسب ترجمة بيروت نرى ميلاد المسيح شمس البر ومعه كنيسته القوية السمائية. وبحسب السبعينية التي تتكامل في المعنى مع ترجمة بيروت، فالمسيح وُلِد جسديا من بطن العذراء لتولد معه الكنيسة جسده. والمسيح ابن الله مولود من الآب أزليا. فقوله من البطن إشارة للميلاد الجسدي من العذراء. وقوله ولدتك إشارة لميلاد الابن الأزلي من الآب. فهو ابن الله المولود منه أزليا (ولدتك).
آية 4) كيف يتم هذا الفداء؟ بأن المسيح رئيس كهنتنا يقدم نفسه ذبيحة ويكمل الصليب بالإفخارستيا (طقس ملكي صادق). فالصليب والإفخارستيا هما عمل واحد متكامل.
آيات 5 ، 6) وبالصليب داس المسيح الشيطان وجنوده (يقضي بين الأمم ويملأهم جثثا) وكان ذلك حال وجوده على الأرض (يسحق رأس كثيرين على الأرض) وداس الموت بموته ودان الخطية (راجع تفسير رو 8: 3). ولكن حاول اليهود قتله مرارا وحفظه الله حتى يتمم عمل الصليب (الرب عن يمينك). وكما قال بولس الرسول "أخضعت كل شيء تحت قدميه. لأنه إذ اخضع الكل له لم يترك شيئا غير خاضع له. على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعا له" (عب2: 8). ولكن في المجيء الثاني سيخضع له الكل إما في حب أو بالقوة ليكونوا تحت قدميه (آية 1 في هذا المزمور).
آية 7) كانت آلام ومعاناة المسيح على الأرض شديدة، وهي على نوعين:-
أ) حروب من اليهود بتحريض من الشيطان.
ب) حروب شيطانية مباشرة كالتجربة على الجبل.
1) حارب اليهود المسيح من بداية خدمته، ووصلت الحروب لتدبير الصليب. وكانت آلام المسيح على الصليب وما قبل الصليب شديدة جدًا، إذ كان له جسدا كاملا فلقد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، كما نقول في قانون الإيمان "تجسد وتأنس، فكان يعطش ويجوع ويحتاج لأن يشرب وقال على الصليب "أنا عطشان" (من النهر يشرب في الطريق + وفي الطريق يشرب الماء من الوادي). بل حتى تلاميذه نجدهم قد هربوا وتخلوا عنه يوم الصليب. وقوله يشرب إشارة لشدة الآلام واحتياجه كإنسان لما يهدئ من حرارة ومرارة هذه الآلام. ولقد "ظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ" (لو 22: 43) وهو يصلي في بستان جثسيماني (لو22: 43). وإن كان الجبل يشير للسماء في إرتفاعه وعلوه، فالوادي يشير للأرض التي نزل إليها الابن متجسدا. وانتصر كإنسان دون معونة من لاهوته (لذلك يرفع رأسه) وبنصرته كان خلاصنا.
2) وقد يعني الشرب من الماء:- * الشرب المادي فعلًا واحتياجه له إذ يعطش ويتألم. * وقد يعني احتياجه لمساندة وتعزية كما حدث من الملاك في جثسيماني. * وقد يكون إشارة للروح القدس الذي حل عليه يوم المعمودية (نقطة 3).
3) فإذا كان النهر يشير للروح القدس (يو7: 37 - 39) والطريق هو طريق الخلاص الذي بدأه المسيح بتجسده وحتى الصليب ثم القيامة والصعود، يكون معنى الشرب من النهر هو حلول الروح القدس على جسد المسيح. والروح يعطي قوة وعزاء (وهذا العزاء والمعونة لا تعني مساندة اللاهوت للناسوت، بل هي معونة للمسيح بالجسد وهي لحسابنا نحن البشر. فكل من هو ثابت في المسيح منا يحصل على تعزية مماثلة من الروح القدس عند ضيقته وتجربته). والروح القدس حل على المسيح يوم المعمودية، فالروح القدس هو الذي سيكمل عمل الخلاص مع الكنيسة جسد المسيح، ليثبتنا في جسد المسيح ويعطينا نعمة وقوة ومعونة لنظل ثابتين.
4) ونلاحظ أن المسيح بعد 40 يومًا من الصراع مع الشيطان، وقت التجربة على الجبل والتي انتصر فيها المسيح كإنسان، إذ قيل "وكان هناك في البرية أربعين يومًا يجرب من الشيطان. وكان مع الوحوش" (مر1: 13). يقول القديس لوقا أنه "رَجَعَ.. بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ" (لو4: 14). ونلاحظ أن التجربة على الجبل لم تكن مجرد 3 تجارب فقط إنما هذا ما سمح الله لنا بأن نعرفه، أما باقي التجارب وعلى مدى أربعين يوما مع وحوش الشياطين فهذه فوق مستوى إدراكنا لذلك لم يعلنها الله لنا. ويكفي أن نسمع عن حروب الشيطان مع عظماء القديسين كالأنبا أنطونيوس مثلًا.
وألا يذكرنا هذا بالمزمور (مز42: 1 ، 2) "كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي اليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي" وهذه مأخوذة مما يحدث مع الأيائل الحادة البصر، إذ تكتشف جحور الثعابين فتذهب إليها وتظل تصارعها وتنتصر عليها وتقتلها وتدوسها بأرجلها. وهذه المعركة تصيبها بالعطش فتجري إلى مجاري المياه لترتوي فتتقوى.
وبهذا نرى أن المسيح قد واجه حربًا شرسة، ليس من اليهود فقط، بل من وحوش الشياطين ولمدة 40 يومًا. وهزمها وقيدها لذلك فهو حين قام بشفاء المجنون الأعمى والأخرس قال "أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولًا وحينئذ ينهب بيته؟" (مت12: 29). وأكمل الرب هزيمة الشيطان ووضعه تحت الأقدام بالصليب. وبعد المعركة مع هذه الوحوش رجع بقوة الروح.
كل هذا الصراع والانتصار وقوة الروح كانوا للمسيح كإنسان فلا معنى أن نقول أن المسيح بلاهوته قد انتصر على الشيطان. فلا مقارنة بين الله وخليقته من حيث القوة. ولكن كان هذا لحسابنا نحن البشر. فثباتنا في المسيح وتسليم حياتنا له يعطينا أن نسير في نفس الخط ـــــ نحارب الشياطين وننتصر وندوس عليها فنمتلئ من الروح القدس ـــــــ وهذا الامتلاء من قوة الروح والانتصار على حروب إبليس عبَّرَ عنه المزمور بقوله (من النهر يشرب في الطريق، لذلك يرفع الرأس). بالنسبة للمسيح كإنسان انتصر على الشيطان وعلى الموت وعلى الخطية. وبعد أن نكس رأسه على الصليب ومات قام من الأموات ليعطينا حياته الأبدية هذه التي قام بها من بين الأموات. وبالنسبة لنا أي لمن يقبل الثبات في المسيح، فهذا يعطينا النصرة والامتلاء من الروح والتعزية خلال التجارب والثبات في الحياة الأبدية.
ملخص المفاهيم العقيدية في الفداء بحسب المزمور
1) ابن الله الأزلي المساوي لأبيه يولد زمنيا، لتولد كنيسته، جسده، كنيسة قوية سماوية تنمو بسرعة. بل نمت وإمتدت وسط حروب الشيطان ضدها، إذ إستخدم أعوانه من الملوك والشعوب ليهدموا كنيسة المسيح ولم يفلحوا وساد المسيح.
2) الروح القدس يحل على جسد المسيح فيمسحه ليقدسه (يخصصه) كذبيحة ستقدم على الصليب. ويعطي معونة لجسده لحساب الكنيسة التي هي جسد المسيح يؤسسها ويقويها ويعزيها وسط ضيقات وحروب إبليس، ويثبتها في المسيح.
3) المسيح يصير رئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه على الصليب، ويكتمل الصليب بسر الإفخارستيا. فصار كهنوت المسيح على طقس ملكي صادق. وهذه الذبيحة الإفخارستية مستمرة في الكنيسة إلى الأبد.
4) هذا الصليب الذي كان مظهرا للضعف يصير صولجان ملك المسيح على شعبه.
5) الآب حفظ المسيح حتى لا يهلكه اليهود قبل الصليب.
6) شعب المسيح الذين أدركوا فداء المسيح العجيب وضعوا أنفسهم بحريتهم تحت سلطان ملك المسيح عليهم، وملكوه على قلوبهم في حب لمن أحبهم أولًا.
7) الآب هو الذي أعطى لابنه المتجسد كل هؤلاء الذين آمنوا به، فوحدهم الابن في جسده. وبهذا الجسد يقدم الخضوع للآب (1 كو 15: 28).
8) بعد أن أتم المسيح عمله الفدائي بالجسد صعد بجسده ليجلس عن يمين أبيه بجسده. أي صار لجسد المسيح نفس مجد لاهوته. وكان هذا سببا في فرحة الآب بعمل الابن إذ عاد أبناءه البشر إلى حضنه في المجد.
9) بالصليب هزم المسيح الشيطان ووضعه تحت قدميه لحساب الكنيسة، فصار هناك سلطان للمؤمنين أن يدوسوا الحيات والعقارب. وفي المجيء الثاني سيكمل هذا الانتصار ويخضع كل أعداء المسيح تحت قدميه وللأبد، ويلقون في البحيرة المتقدة بالنار.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 111 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 109 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dbxr3zs