← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12
وهو مزمور شكر لداود، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي أنه قاله لما عرف أن الرب قد غفر إثمه، وتجددت بالتوبة نفسه الكائنة في بيت الرب والتي هي ذاتها بيت الله وبعد أن كان نتيجة الخطية (امرأة أوريا) مستوجبًا الموت والجب (آية 3)، شفاه الله بتوبته وقَبِله ثانية. وقد يكون عنوان المزمور "تدشين البيت" قد أضيف لاحقًا بعد أن انتهى سليمان من بناء الهيكل.
هذا المزمور مناسب جدًا وضعه هنا بعد المزمور السابق، الذي يحدثنا عن عمل الروح القدس في تجديد الإنسان وبناء إنسانًا جديدًا كهيكل لله، يملك الله عليه فالإنسان عمومًا كان بسبب خطيته هالكًا، وبعمل المسيح وتجديد الروح القدس صار له خلاص. فداود بسقوطه يرمز لسقوط الإنسان وفي توبته وقبول الله له ثانية يرمز لعدم هلاك الإنسان نهائيًا بل هناك رجاء في شفاء الإنسان من مرض الموت.
وترنم الكنيسة هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة لتذكر الأعداء الذين كانوا محيطين بالمسيح وحكموا عليه بالموت والله لم يجعلهم يشمتوا فيه بل أقامه وأصعد نفسه من الهاوية، وأصعد معه نفوس البشر الذين فداهم. وأقام منهم الروح القدس كنيسة مسبحة مرتلة تحيا في سلام، لقد شفاها الله. لقد فقدنا صورتنا الأولى، صورة الله، ولكن كان عمل المخلص أن يقيم منا مسكنًا له دشنه الروح القدس.
وهناك رأي بأن أفكار المزمور مأخوذة من حادثة نقل التابوت في أيام داود وموت عُزَّة حينما لمس التابوت، فخيَّم الحزن على داود وعلى الشعب. ووضعوا التابوت في بيت عوبيد أدوم الجتي. فبارك الله بيت عوبيد ففرح داود إذ أخبروه ببركة الرب لبيت عوبيد، وفهم من هذا أن الرب قد عاد للرضا عليهم. فعاد ونقل التابوت في احتفال عظيم إلى مدينة داود. وكان داود يرقص أمام التابوت فرحا. (القصة كلها موجودة في 2صم6).
الآيات (1، 2): "أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي. يَا رَبُّ إِلهِي، اسْتَغَثْتُ بِكَ فَشَفَيْتَنِي."
هذه صلاة شكر من داود لله الذي قبل توبته. وصلاة شكر ترفعها الكنيسة والطبيعة البشرية التي خلصت من الموت ولم تعد الشياطين تشمت فيها. والشفاء هنا هو شفاء من وباء يصعب وقفه (2صم16:24).. إني أنا الرب شافيك (خر26:15) وكم من أمراض جسدية ونفسية بل الموت نفسه قد لحقت البشرية بسبب الخطية. الشفاء المقصود هو شفاء كامل للنفس والجسد والروح، فيكون له حياة أبدية بجسد نوراني ممجد.
أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي = وفى السبعينية "إحتضتني" وهذا تعبير رائع عن التدخل الإلهي لينقذ الإنسان الذي كان غارقًا في الماء ولا أمل له في النجاة. التصوير هنا أن الله بنفسه نزل لينقذ الإنسان الغارق، وينتشله من الماء محتضناً إياه. والمسيح لم يحتضننا فقط ليخلصنا بل إتحد بطبيعتنا البشرية.
آية (3): "يَا رَبُّ، أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ."
نزل المسيح إلى الجحيم لينقذ من كان فيه ساكنًا على الرجاء (أف6:2). والآن فالفردوس مفتوح لكل من ينتقل من أولاد الله. بل لهم حياة أبدية ومجد أبدي عِوَضًا عن الجحيم = الْجُبِّ = ويقول في هذا أيضا زكريا النبي "وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ ٱلْجُبِّ ٱلَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، ٱرْجِعُوا إِلَى ٱلْحِصْنِ يَا أَسْرَى ٱلرَّجَاءِ" (زك12،11:9) وراجع تفسير هذه الآيات في مكانها.
الآيات (4، 5): "رَنِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَتْقِيَاءَهُ، وَاحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ. لأَنَّ لِلَحْظَةٍ غَضَبَهُ. حَيَاةٌ فِي رِضَاهُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ."
رأينا في الآية السابقة خلاص المسيح، وأنه أخرج القديسين من الجب. وهنا يسأل المرتل كل من آمن بخلاص الله أن يسبح الله معه، ودعاهم داود قديسين أو أَتْقِيَاءَ، فالله قدسهم، ومن تقدس يسبح الله فلا انفصال بين حياة القداسة وحياة التسبيح، فالروح القدس الذي حل علينا هو يقدس (أي يكرس قلوبنا لله) ومن ثماره أيضًا الفرح (غل 5: 22)، ونتيجة الفرح الطبيعية هي أن نسبح (وهذا ما حدث مع زكريا واليصابات لو 1). ونرى هنا مراحم الله، فغضبه لا يمتد طويلًا = لأن للحظة غضبهُ = فالله يغضب ليؤدب لا لينتقم. أما السبعينية فترجمتها لأن سخطًا في غضبه وهما متكاملان. فالله في غضبه سخط على الإنسان فمات، ولكن في رحمته لم يتركه طويلًا في الموت بل دبر فداءه سريعًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا هو ما قاله الله "لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ" (اش 54: 7) وحياةٌ في رِضاه = أعطانا قيامة مع المسيح. فبموت المسيح عنا جلب علينا رضا الله ووهبنا حياة أبدية برضاه وليس باستحقاقنا.
وهذا المزمور هو تسبحة البشرية التي كان محكوما عليها بالموت، وأحياها المسيح بفدائه، وتسبحة كل خاطئ تائب حتى الآن فبخطيتنا نستحق الهلاك في الجب وبتوبتنا يرضى الله علينا فننجو من الجب، ونسبح الله على قبوله لنا. والتسبيح هو عمل الروح القدس فينا الذي يدفعنا لنسبح كما عَلَّم داود المرتل لغة التسبيح. عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ = ففي المساء دفن المسيح وبكَى أحباءه وفي باكر الأحد قام فرنموا. وفي مساء هذا العالم يكون لنا ضيق وحزن وفي فجر الحياة الأبدية يحل السرور والترنم. فالعالم مساء والأبدية صباح لأن شمس البر ضياؤها. وفي مساء المسيحي (سقوطه في الخطية) بكاء وحزن وفي صباح توبته سرور وفرح.
ولاحظ أن الحزن الذي يتكلم عنه حدث في حادثة موت عُزَّة، والترنم عاد والفرح عاد حينما بارك الله بيت عوبيد فقام داود بنقل التابوت في احتفال عظيم.
الآيات (6، 7): "وَأَنَا قُلْتُ فِي طُمَأْنِينَتِي: «لاَ أَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ». يَا رَبُّ، بِرِضَاكَ ثَبَّتَّ لِجَبَلِي عِزًّا. حَجَبْتَ وَجْهَكَ فَصِرْتُ مُرْتَاعًا."
هنا يحدثنا المرتل عن حالته قبل الخطية إذ ظن نفسه
أنه لن يتَزَعْزَعُ (لاَ أَتَزَعْزَعُ) وكان مطمئنًا لذلك، وإذ إتكل على ذاته أخطأ فحَجَبْ الله وَجْهَه عنه (حَجَبْتَ وَجْهَكَ)، فصار محرومًا من نعمة الله ورحمته. وكان موت عُزَّة إشارة لحجب الله وجهه عن داود وعن الشعب . ولقد حدث مع داود هذا فعلًا إذ في كبرياء قلبه أراد إحصاء الشعب فسقط سقطة عظيمة. وهنا يعترف أن كل ما كان جميلًا وعظيمًا فيه إنما هو برضاء الله وليس لبر فيه= يَا رَبُّ، بِرِضَاكَ ثَبَّتَّ لِجَبَلِي (لبهائي) عِزًّا والعكس حين صرف الله وجهه عنه تحوَّل الجمال والقوة إلى قلق واضطراب. وهذا ما حدث للبشرية إذ بسقوطها فقدت سلامها وقوتها وسلطانها. جَبَلِي = شعر داود أنه في حصن عالٍ كالجبال محصنا حينما كان الله راضيًا عنه. ولقد صرنا في المسيح جبالاً " اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ، ٱلَّذِي لَا يَتَزَعْزَعُ" (مز1:125). في المسيح صرنا جبالا أي نحيا في السماويات وثابتين في إيماننا وراسخين فيه كالجبال الثابتة، والمسيح "جَبَلَ.. فِي رَأْسِ الْجِبَالِ" (إش 2:2). والروح القدس هو يُثَبِّتْنَا في المسيح فنستمر جِبالًا (2كو 1: 21-22) وهذا الثبات في المسيح هو ما يعطينا العز والمجد فالمسيح مجدنا (زك 2: 5) والمسيح وسط كنيسته للأبد يعطيها مجدا وعزا وبهاء. والآية مترجمة وبنفس المفهوم في السبعينية "يا رب بمسرتك أعطيت جمالي قوة" فجمالنا راجع لثباتنا في المسيح.
الآيات (8، 9): "إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ، وإِلَى السَّيِّدِ أَتَضَرَّعُ مَا الْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى الْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ التُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟"
إذ شعر داود بحالة فقدان السلام والقلق لم يكن أمامه سوى أن يصرخ إلى الله. هذا صراخ من كان قبل مجيء المسيح محكوما عليه بالموت ويتضرع لله، وهو صراخنا الآن حتى يحفظنا الله ثابتين في المسيح فتكون لنا حياة. ونجد داود في صراحة الحب يصرخ لله، ما المنفعة في هلاكي وفي أن تفقد يا رب أحد محبيك. هنا نجد عتاب الحب، فهو يستجدي بدالة مراحم الله ويطلب تحقيق مواعيده الإلهية.
آية (10): "اسْتَمِعْ يَا رَبُّ وَارْحَمْنِي. يَا رَبُّ، كُنْ مُعِينًا لِي."
جاءت في
السبعينية بصيغة الماضي. أي الله استجاب لتضرعاته وهذه لثقته في مراحمه.
آية (11): "حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا،"
حول الله حزنه إلى فرح [1] حينما قبل توبته شخصيًا [2] بفداء المسيح للبشرية كلها. لقد أبدل داود ثوب التوبة الذي يحيط بجسده مثل مسوح، بثوب عرس يتمنطق به. صارت له ثياب عيد ليشترك في احتفال بهيج ورقص روحي. فتغيير الملابس يكشف عن تغيير داخلي في نفس المرتل حيث أستجيبت صلاته (لذلك في كنيستنا القبطية نرتل هذا المزمور أثناء ارتداء ملابس الخدمة البيضاء قبل صلاة القداس) والمسيح ارتدى جسدنا الخاطئ ليكون قابلًا للموت عنا ليعطينا أن نرتدي بهاءه = ألبسنا المسيح (رو13: 14) فهو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له (تسبحة يوم الجمعة).
حولت نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا
= هذا ما حدث فعلا في يوم نقل التابوت إلى مدينة داود، إذ خلع داود جبته الملكية وصار يرقص بفرح أمام التابوت.
آية (12): "لِكَيْ تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي وَلاَ تَسْكُتَ. يَا رَبُّ إِلهِي، إِلَى الأَبَدِ أَحْمَدُكَ."
التسبيح هو النتيجة الطبيعية لنعمة الله التي شملتنا. تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي = يقول القديس بولس الرسول "الله الذي أعبده بروحي" = هنا الروح الإنسانية تكون خاضعة للروح القدس الذي يملأها من ثماره. ومن ثمار الروح الفرح، ومن يفرح يسبح ويرنم.
وهذه جاءت في السبعينية هكذا "لكي يرتل لك مجدي" ولنلاحظ:-
1. كلمة مجد هي كلمة خاصة بالله وحده. فيقول القديس بولس الرسول عن الله أنه "أبو المجد" (أف1: 17) بمعنى أن المجد هو طبيعته وهو يُشِّع منه. ويقول الله عن أورشليم "أكون
مجدًا في وسطها" (زك2: 5). وبنفس الطريقة نفهم أن الله هو مجد داود، حين يرضى الله على داود يصير داود في مجد لوجود الله فيه. ونحن الآن في مجد لأننا هياكل الله، والله ساكن فينا، ولكنه مجد غير مُستعلن، وسوف يستعلن عند مجيء المسيح الثاني (رو8: 18).2. فهم داود أن مجده ليس هو ملكه وتاجه.. إلخ بل هو الله قوته وخلاصه. وهذا قد عبر عنه داود في معظم مزاميره. وبهذا فإن داود حين يقول مجدي فهو ضمنا يفهم أن المجد هو مجد الله، ولأنه ثابت في الله فله مجد.
3. يقول المرنم "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 19) والمرنم جعل الجبال ترنم والأنهار تصفق (مز98) والمعنى أن الجبال بعظمتها وهكذا الأنهار والسموات والفلك بخلقتهم يشهدون بدون كلمة عن عظمة خالقهم وصانعهم. وهكذا حين يتمجد الإنسان فهو سيكون شهادة لعظمة عمل الله فيه الذي مَجَّدَهُ، وتكون هذه الشهادة كأنها ترتيل. هذه كما نقول في المزمور الـ150 "سبحوا الله في جميع قديسيه". وهذا معناه لننظر إلى عمل الله في موسى الأسود، وكيف عمل منه قديسا عظيما ولنسبحه على عظيم عمله.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 31 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 29 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/d5mwnsx