← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8
نجد هنا مثل كثير من مزامير داود، نجده يبدأ بقلب حزين يشتكي باكيًا أعدائه المتربصين به، ولكنه ينتهي بأغاني التسبيح، لأن الله رفع نفسه وأعطاه الثقة في حمايته بالرغم من قوة الأعداء حوله، وحين شعر باستجابة الله له فرح وشكر إذ رأى نصرته قادمة.
ربما كان داود حين رنم هذا المزمور هاربًا من شاول أو إبشالوم والأغلب إبشالوم فهو يسمى نفسه ملكًا. ولكن هذا المزمور بشكل نبوي يحدثنا عن المسيح.
يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن في هذا المزمور شكر لله على عودة المسبيين.
نصلي هذا المزمور في الساعة السادسة فنذكر صراخ المسيح وهو على الصليب وأن الآب استجاب له وأقامه = إِلَى أَيَّامِ الْمَلِكِ تُضِيفُ أَيَّامًا (تزيد الملك أيامًا) (آية 6). والله استجاب له بأن أعطى ميراثًا لخائفي اسمه (أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ) (آية 5) = كل من آمن بالمسيح صار له نصيبًا في ميراثه.
الآيات (1، 2): "اِسْمَعْ يَا اَللهُ صُرَاخِي، وَاصْغَ إِلَى صَلاَتِي. مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوكَ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي."
مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوكَ
= قد تشير هذه للمسبيين في بابل (قالها بروح النبوة) وقد تشير أنه الآن بعيدًا عن المقادِس holy places، ولكنه حتى لو ابتعد إلى أقصى الأرض فسيظل يصرخ إلى الله، ولن تكون المسافات عائقًا، فهم طردوه وحرموه من المقادس لكنهم لن يستطيعوا أن يحرموه من الملجأ الوحيد الذي له وهو الله. وقد تعني أقصى الأرض، أنه في أهوال شديدة وشاعرًا بالوحدة والعزلة، ولا يجد سوى الله بجانبه وكل من هو شاعر بأنه عبد لخطية ما، أبعدته عن الله يصرخ هكذا وهو بعيدًا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي = المعنى الحرفي "طفح من الهم" أو هو يتلوى من الألم. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي = الصخرة هو ربنا يسوع المسيح (1كو4:10). وقوله أرفع مني يعني أنه يتوق إلى حماية أكبر من طاقاته هو، هو شاعر أنه أضعف من الأعداء المحيطين به عاجز أن ينقذ نفسه، ويطلب أن يتحقق له الأمان والحماية، وهو غير القادر أن يتوصل إليهما. أما السبعينية فترجمتها "على الصخرة رفعتني أرشدتني" بصيغة الماضي وصيغة الماضي تفيد الثقة في الأمر كأنه قد تحقق وهذه الثقة نتيجة خبراته السابقة في حماية الله له.
آية (3): "لأَنَّكَ كُنْتَ مَلْجَأً لِي، بُرْجَ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهِ الْعَدُوِّ."
هنا نسمع عن الخبرات السابقة وأن الله
مَلْجَأً وبُرْجَ حصين لمن يلجأ له بل برج قوة.
آية (4): "لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُورِ. أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ. سِلاَهْ."
اشتياقه للعودة إلى أورشليم وإلى الأقداس. الجناحين هما عنايته وحمايته. ونحن نسكن في الكنيسة بيت الله، لنحيا ونثبت في جسد المسيح من خلال الأسرار الكنسية. ثم نذهب إلى "أورشليم الجديدة مسكن الله مع الناس" (رؤ21: 1-3) لنسكن هناك إلى الأبد بعد المجيء الثاني.
آية (5): "لأَنَّكَ أَنْتَ يَا اَللهُ اسْتَمَعْتَ نُذُورِي. أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ."
اسْتَمَعْتَ نُذُورِي
= "إستمعت صلواتي" (سبعينية). فهو كان يصلي وينذر نذورًا لو تحققت صلواته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ = الله أعطى اليهود ميراث، هو أرض كنعان. وأعطى للمؤمنين بالمسيح ميراثًا سماويًا. بالنسبة لداود، وبعد أن حدثت له كل هذه المصائب بسبب خطيته، تفهم هذه الآية أنه نذر أن لا يعود للخطية بل أن يكون كله لله أي يتقدس لله، وهذا يتضح من (الآية8) أن نذر داود كان أن يسبح الله العمر كله، إذا أعاده الله لميراثه (أورشليم) = أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ.وبالنسبة للمسيح فلقد قدس نفسه (خصص نفسه لعمل الفداء) "وَلِأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي ٱلْحَقِّ" (يو19:17). ليعطي لمن يؤمن به ميراث الحياة الأبدية = أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ.
طلبة داود التي نذر نذورا لأجلها كانت العودة لميراثه الأرضي الذي وعده الله به وفقده بسبب خطيته، فنذر أن يتقدس لله. أما المسيح فكانت طلبته أن يتقدس (بتكرس ليقدم نفسه ذبيحة) ليعيد لنا ميراثنا السماوي الذي فقدناه بسبب الخطية. داود نذر نذره ليستعيد مجده في أورشليم الأرضية. والمسيح كانت إرادته أن يتمجد بجسده الإنساني ليعيد للبشر المجد في أورشليم السماوية. وبهذا كان داود هنا رمزا للمسيح في طلبه إستعادة المجد. (راجع تفسير يو24،22،5،4:17). وسيكون ذلك بالحياة بعد موت (الآية القادمة).
آية (6): "إِلَى أَيَّامِ الْمَلِكِ تُضِيفُ أَيَّامًا. سِنِينُهُ كَدَوْرٍ فَدَوْرٍ."
بالنسبة إلى داود تفهم هذه الآية أن إبشالوم ورجاله لن ينالوا منه ويقتلوه بل سيحيا. هذه تمت حرفيًا مع حزقيا الملك من نسل داود إذ أطال الله عمره 15 سنة. وكان هذا يرمز لقيامة المسيح وأن الموت لن يسود عليه. سنينه كدور فدور= أي يزيد الله سنيه من جيل إلى جيل (سبعينية) ولأجيال عديدة (إنجليزية).
آية (7): "يَجْلِسُ قُدَّامَ اللهِ إِلَى الدَّهْرِ. اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ."
يجلس قدام الله إلى الدهر = عن داود تفهم هذه أن يعود إلى كرسيه كملك. ولكن كيف نفسر أن داود سيجلس إلى الأبد على كرسيه؟ قال البعض دوام مزاميره كصلوات للكنيسة حتى نهاية الأيام. ولكن هذه تفهم أيضًا عن جلوس المسيح بعد قيامته عن يمين الآب وللأبد، ويكون رجوع داود حيًا لعرشه وزيادة عمر حزقيا هما رمز لقيامة المسيح.
اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ
= داود يصلي ليحفظه الله برحمته له وبعدله إذ أنه لم يخطئ في حق من يريدون موته. وكنبوة عن المسيح فإن يحفظانه تعني أن الله حفظه حتى يتم رسالته وتعاليمه، فلقد حاول اليهود قتل المسيح مرات عديدة والله لم يسمح وحفظه حتى يتم عمله، ثم سمح بصلبه (ليستوفي رحمة وحق الله). ولكنه لم يرى فسادًا فهو قد قام. ومن أجل طاعة المسيح حتى الموت رفعه الله وجعل له إسمًا فوق كل اسم (في8:2-11).اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ = رحمته وحقه من يبتغيهما (سبعينية) = oh prepare mercy and truth, which may preserve him. .... لقد ظهرت رحمة الله للبشر في تدبير الفداء (وجاءت كلمة تدبير في الإنجليزية بمعنى تجهيز وإعداد)، فكانت خطة الفداء هي ليَخْلُص البشر من حكم الموت. وظهر حقه في أن ابنه هو الذي قَبِل أن يقوم بهذا العمل الفدائي. فقداسة الله وعدله كانت لا تقبل أنه يعفو عن البشر الخطاة بدون تنفيذ حكم الموت. وأيضا فرحمة الله بالبشر أنه حفظ حياة المسيح ثلاثة سنين ونصف من كل محاولات قتله ليكمل رسالته وتعاليمه. وأيضًا حفظه يوم الصلب حتى لا يموت قبل الصلب من شدة نزف الدم، فالمسيح أراد أن يموت مصلوبا، فموت الصليب هو الذي حمل اللعنة عن البشر (راجع تفسير يو17: 1). وكون أن الله حفظ المسيح وأن جسد المسيح لم يرى فسادا في القبر وأنه قام من الموت، فهذا راجع لأنه لم تكن له خطية (يو8: 46 + رو1: 4). ومن كل هذا نفهم معنى الترجمة السبعينية "رحمته وحقه من يبتغيهما" فكل من يسعى في حياته طالبا حماية الله عليه أن يحفظ نفسه من مخالفة وصايا الله. نبتغي الرحمة بدوام سؤال الله أن يرحمنا، وهذا ما تفعله كنيستنا التي لا تكف عن ترديد صلاة "يا رب إرحم – كيريي ليسون Κύριε ελέησον". ونبتغي حقه بالسلوك بحسب وصاياه.
آية (8): "هكَذَا أُرَنِّمُ لاسْمِكَ إِلَى الأَبَدِ، لِوَفَاءِ نُذُورِي يَوْمًا فَيَوْمًا."
في (الآية5) وجدنا داود ينذر نذوراً للرب. وهنا نفهم ما هي هذه النذور = تكريس نفسه لله وتسبيح الله بقية عمره = هكَذَا أُرَنِّمُ لاسْمِكَ إِلَى الأَبَدِ، لِوَفَاءِ نُذُورِي.
إذ رأى المرتل خلاص الله سبح ورتل. ونفهم أن التسبيح القلبي هو من ثمار عمل الروح القدس في النفس. والروح القدس حل على الكنيسة بعد صعود المسيح، فصارت الكنيسة كنيسة مسبحة إلى دهر الدهور. ونذر الكنيسة هي أن تعبد الله دائمًا.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 62 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 60 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xyy6t9t