← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
رنم داود هذا المزمور وهو في ضيقة، ربما أثناء هروبه من شاول. ويصلي كل مؤمن في ضيقته بكلمات ليطلب الحماية من الله من أعدائه المتشامخين.
الآيات (1-8): "عَلَيْكَ يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى الدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ نَجِّنِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ. سَرِيعًا أَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةَ حِصْنٍ، بَيْتَ مَلْجَإٍ لِتَخْلِيصِي. لأَنَّ صَخْرَتِي وَمَعْقِلِي أَنْتَ. مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ تَهْدِينِي وَتَقُودُنِي. أَخْرِجْنِي مِنَ الشَّبَكَةِ الَّتِي خَبَّأُوهَا لِي، لأَنَّكَ أَنْتَ حِصْنِي. فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلهَ الْحَقِّ. أَبْغَضْتُ الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً. أَمَّا أَنَا فَعَلَى الرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. أَبْتَهِجُ وَأَفْرَحُ بِرَحْمَتِكَ، لأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى مَذَلَّتِي، وَعَرَفْتَ فِي الشَّدَائِدِ نَفْسِي، وَلَمْ تَحْبِسْنِي فِي يَدِ الْعَدُوِّ، بَلْ أَقَمْتَ فِي الرَّحْبِ رِجْلِي."
نجد المرنم وقد حاقت به المخاطر حتى الموت يلقي كل اتكاله على الله، فالله عادل يرى ظلم أعداؤه وسينجيه طالما وضع ثقته فيه. أَمِلْ.. أُذُنَكَ = ميل الأذن يشير للاستعداد لسماع حتى الهمسة، والله يسمع حتى تنهدات القلب الداخلية. وهنا المرنم يشعر بأن عدوه نصب له فخًا، ويطلب من الله الحماية. ويصل المرنم إلى أقصى درجات الاتكال = فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي = فهو لا يسلم أموره فقط في يدي الله لينجيه من ضيقة ألمَّتْ به، بل هو يستودع روحه في يدي الله. ولقد كانت هذه آخر كلمات الرب يسوع على الصليب وآخر كلمات اسطفانوس (أع59:7). وحين تصل النفس إلى هذه الدرجة من التسليم تشعر بأقصى درجات الأمان لذلك رأى اسطفانوس السماء مفتوحة، بل صلَّى طالبًا لمن يرجمونه غفران خطيتهم. وما السبب الذي به نشعر بكل هذه الثقة في محبة الله؟ الفداء = لقد فديتني يا رب= فإن كان قد بذل ابنه لأجلنا فهو لن يبخل علينا بأي شيء (رو32:8) ونلاحظ الاستجابة الإلهية لهذه النفس التي ألقت اتكالها على الله، فنرى نغمة الفرح في كلامه بعد ذلك ابتهج وأفرح.. بل ثقته في أن الله سيخلصه = ولم تحبسني في يد العدو ونجد بغضه للشر = أبغضت الذين يراعون أباطيل كاذبة. ونلاحظ أيضًا شعوره بالحرية الحقيقية = أقمت في السعة رجلي: أَقَمْتَ فِي الرَّحْبِ رِجْلِي. فالله حررنا من قيود إبليس لندخل إلى سعة الفردوس. لقد اختبر المرنم سعة طريق الرب وسعة قلب المؤمن، ولم تعد الآلام تحطمه، ولم يعد قلبه يحمل سوى الحب لله وللجميع حتى أعداؤه.
الآيات (9-18): "اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي فِي ضِيْق. خَسَفَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي. نَفْسِي وَبَطْنِي. لأَنَّ حَيَاتِي قَدْ فَنِيَتْ بِالْحُزْنِ، وَسِنِينِي بِالتَّنَهُّدِ. ضَعُفَتْ بِشَقَاوَتِي قُوَّتِي، وَبَلِيَتْ عِظَامِي. عِنْدَ كُلِّ أَعْدَائِي صِرْتُ عَارًا، وَعِنْدَ جِيرَانِي بِالْكُلِّيَّةِ، وَرُعْبًا لِمَعَارِفِي. الَّذِينَ رَأَوْنِي خَارِجًا هَرَبُوا عَنِّي. نُسِيتُ مِنَ الْقَلْبِ مِثْلَ الْمَيْتِ. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ. لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. الْخَوْفُ مُسْتَدِيرٌ بِي بِمُؤَامَرَتِهِمْ مَعًا عَلَيَّ. تَفَكَّرُوا فِي أَخْذِ نَفْسِي. أَمَّا أَنَا فَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ يَا رَبُّ. قُلْتُ: «إِلهِي أَنْتَ». فِي يَدِكَ آجَالِي. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَعْدَائِي وَمِنَ الَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي. أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. خَلِّصْنِي بِرَحْمَتِكَ. يَا رَبُّ، لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى لأَنِّي دَعَوْتُكَ. لِيَخْزَ الأَشْرَارُ. لِيَسْكُتُوا فِي الْهَاوِيَةِ. لِتُبْكَمْ شِفَاهُ الْكَذِبِ، الْمُتَكَلِّمَةُ عَلَى الصِّدِّيقِ بِوَقَاحَةٍ، بِكِبْرِيَاءَ وَاسْتِهَانَةٍ."
الآيات (1-8) رأينا فيها مراحم الرب السابقة. وفي هذه الآيات نجده يصرخ إلى الله لينعم عليه بالرحمة، فهو في ضيق، وطالما نحن في العالم سيكون لنا ضيق من حروب داخلية وحروب خارجية، ومن يستسلم للحزن والضيق يصيبه الضرر في بصيرته= خسفت من الغم عيني، وفي نفسه وجسده. ولا أمل في الإصلاح بدون تدخل الخالق نفسه. ولاحظ في آية (10) ميل الإنسان المتألم أن يتصور أن عمره كله كان أحزان، لم يكن هناك يوم حلو وهذا الاندفاع في الغم يزيد المرارة داخل النفس، ولكن ميزة داود والتي يجب أن نتعلمها منه أنه يحول هذه المشاعر إلى صلاة فيتعزى، وعندما يتعزى يسبح، فنجد تضرعاته ممزوجة بتسابيحه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وفي (11) نراه مرفوضًا بل عارًا (هو رمز للمسيح أش3:53) إذ حسبه معارفه مرفوضًا من الله بسبب خطاياه. ولقد تخلى عنه أصدقاؤه رعبًا من شاول، وحتى لا ينتقم منهم شاول لأنهم أعانوه حاسبًا إياهم خونة (ألم يترك المسيح كل من كانوا حوله حتى تلاميذه) نسيت من القلب مثل الميت= هو في عزلته صار كميت. صرت مثل إناءٍ متلف= (أش14:52 كان منظره كذا مفسدًا..) + [(أش2:53) لا صورة له ولا جمال..] وفي (13) نجد صراحةً مؤامرة الأعداء ليقتلوه وإثارة الإشاعات الرديئة ضده (ألم يحدث هذا مع المسيح تمامًا) ثم نجد صراخه لله. مهما اشتدت العزلة ومؤامرات الأعداء المحيقة فنحن نجد في الله المعونة والعزاء، مهما اشتد ظلام الآلام وينعكس هذا على النفس بأحزان مرة، فالله يضيء بوجهه علينا فنتعزى = أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. وهي صرخة العهد القديم ليأتي المسيح.
الآيات (19-22): "مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ! تَسْتُرُهُمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ مِنْ مَكَايِدِ النَّاسِ. تُخْفِيهِمْ فِي مَظَلَّةٍ مِنْ مُخَاصَمَةِ الأَلْسُنِ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ عَجَبًا رَحْمَتَهُ لِي فِي مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ. وَأَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: «إِنِّي قَدِ انْقَطَعْتُ مِنْ قُدَّامِ عَيْنَيْكَ». وَلكِنَّكَ سَمِعْتَ صَوْتَ تَضَرُّعِي إِذْ صَرَخْتُ إِلَيْكَ."
نسمع هنا نغمة التسبيح والشكر. وما جعل داود ينتقل من الألم والصراخ إلى التعزية،
هو صوت الروح القدس الذي يعطي الثقة في مراحم الله وهذا ما يقودنا للتمتع بالتعزيات والمراحم الإلهية فنرتفع فوق الألم وينفجر القلب شكرًا وتسبيحًا إذ شعر بالاستجابة الإلهية حتى وإن كنا ما زلنا تحت الآلام. ويساعدنا في هذا أن نتذكر مراحم الرب في الماضي معنا. وحينما نشعر بأننا نرى المسيح وندخل إلى عذوبة الحوار معه لن نلتفت إلى الآلام بل نلتفت له ونرى جوده وعذوبته = مَا أَعْظَمَ جُودَكَ.. تَسْتُرُهُمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ (تُخْفِيهِمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ) = الله بنفسه يخفي عبيده ويحميهم. تُخْفِيهِمْ فِي مَظَلَّةٍ = المظلة هي خيمة = إشارة للكنيسة فهي موجودة الآن على الأرض وسترحل للسماء.
الآيات (23، 24): "أَحِبُّوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَتْقِيَائِهِ. الرَّبُّ حَافِظُ الأَمَانَةِ، وَمُجَازٍ بِكِثْرَةٍ الْعَامِلَ بِالْكِبْرِيَاءِ. لِتَتَشَدَّدْ وَلْتَتَشَجَّعْ قُلُوبُكُمْ، يَا جَمِيعَ الْمُنْتَظِرِينَ الرَّبَّ."
هنا دعوة لكل إنسان مؤمن أن يتمتع بالخبرات التي تمتع بها هو. لتتشجع قلوبكم يا جميع منتظري الرب= الشجاعة تأتي من انتظار الرب بثقة في أنه يوفي بوعوده وسيتدخل في الوقت المناسب، فهو قد سمع الصلاة وسيستجيب.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 32 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 30 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gphr5d5