← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18
هذا المزمور يتكلم عن إقامة المسيح ملكًا، فبعد أن رأيناه في المزمور السابق متضعًا نراه يجلس ملكًا على كرسي داود (آية 11) وأعداؤه يلبسون الخزي (آية 18).
من ناحية المصاعد، فهذا المزمور يرتفع درجة عن المزمور السابق، الذي إتضعت فيه النفس تماماً فسكن الرب فيها وعندها، وأنظر ماذا يقول الكتاب عن من ينسحق أمام الله "لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ ٱلْأَبَدِ، ٱلْقُدُّوسُ ٱسْمُهُ، فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ وَٱلْمُتَوَاضِعِ ٱلرُّوحِ، لِأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ، وَلِأُحْيِيَ قَلْبَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ" (إش15:57) فيقول المرنم هنا الرب إختار صهيون، إشتهاها مسكناً له.
ونصلي هذا المزمور في النوم لنذكر أننا يجب أن نجد مكاناً للرب في قلوبنا قبل أن ننام. ومهما كان الجسد متعباً ومرهقاً، علينا أن لا نستسلم للنوم قبل أن نجد مكاناً للرب في وقت نقضيه مع الله.
يقال أن داود هو الذي كتب المزمور معبرًا عن اشتهائه أن يبني بيتا للرب. أو حين نقل تابوت العهد في حفل ورقص. ويقال أيضًا أن الذي أنشده سليمان حين نقل التابوت إلى الهيكل، وربما هذا هو الأدق، إذ نجد بعض آيات هذا المزمور في صلاة سليمان (2أي41:6، 42).
الآيات (1-5): "اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ، كُلَّ ذُلِّهِ. كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ، نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: «لاَ أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لاَ أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. لاَ أُعْطِي وَسَنًا لِعَيْنَيَّ، وَلاَ نَوْمًا لأَجْفَانِي، أَوْ أَجِدَ مَقَامًا لِلرَّبِّ، مَسْكَنًا لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ»."
لم يجد المرتل فضيلة في داود أثمن من ذله ووداعته وتواضعه (ذله جاءت دعته في السبعينية). فحيثما يوجد التواضع نجد الله ساكنًا. وكل نفس مؤمنة لا تستريح ولا تهدأ، إلا إذا صارت هيكلًا لله، والله يرتاح فيها كمسكن له(1). والمرتل يذكر أن داود حينما بَنَى بيته لم يهدأ لأنه لم يكن قد بَنَى بيتًا للرب يستريح فيه الرب. أو أجد مقامًا للرب = أي أنه لن يستطيع أن ينام في قصره إن لم يجد مسكنًا يقيم فيه إله يعقوب، هكذا نذر داود للرب ولكن الرب طلب من داود أن يبني سليمان البيت، فابن داود أي سليمان الملك يرمز للمسيح ابن داود الذي سيبني الهيكل أي جسده (يو21:2). وسليمان هنا لو كان هو مرتل هذا المزمور، نجده بعد أن أتم بناء الهيكل يرتل بهذه الكلمات بمعنى أنه وفي نذر أبيه.
آية (6): "هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ الْوَعْرِ."
داود أراد أن يبني بيتاً ليسكن فيه الرب. وكان تابوت العهد هو ما يمثل عرش الله. والمعنى أنه سواء كان داود أو سليمان هو كاتب المزمور، يكون أن بناء الهيكل هو ليسكن الله بمجده في هيكله وسط شعبه. وهنا يبدي المرنم أسفه لأن تابوت العهد لا يوجد في مكان يليق به. ولكن أيضا تاريخياً فإن داود أراد أن ينقل تابوت عهد الرب إلى أورشليم بعد أن كان في قرية صغيرة هي يعاريم التي تعني وعر (1أى1:13-1أى29:14). ولكن كان وجود تابوت العهد الذي يرمز للمسيح في قرية يعاريم الصغيرة إشارة لتواضع المسيح الذي وُلد في بيت لحم الصغيرة وعاش في الناصرة الصغيرة.
هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ = حينما أعاد الفلسطينيون تابوت العهد لليهود وضعوه في بيت أبيناداب في قرية يعاريم (1صم1:7). وراجع القصة في (1صم4-7).
ويقول المرنم أنه سمع به في أفراتة بينما أن التابوت في حقول الوعر التي هي يعاريم. فلماذا يشير المرنم إلى أفراتة بينما التابوت موجود في يعاريم؟ حقاً كلاهما أفراتة ويعاريم قريبتان من أورشليم، ولكن كان هذا بروح النبوة لأن أفراتة وهي بيت لحم (تك19:35) حيث وُلِد المسيح يهوه له كل المجد والذي يرمز له تابوت العهد. فتكون هذه نبوة بمكان ميلاد المسيح. التابوت كان فعلاً في يعاريم، ولكن التابوت كان الرمز أما مولود بيت لحم أَفْرَاتَةَ هو المرموز إليه، وكان هذا كما ظهرت الملائكة للرعاة المتبدين الذين يقومون بحراسة الخراف المعدة لتكون ذبائح للهيكل، وهذه الذبائح كانت ترمز لمولود بيت لحم، وسمع الرعاة من الملائكة عن مكان المسيح المرموز إليه. وهكذا هنا سمع المرنم بروح النبوة عن مكان ميلاد المسيح المرموز له بتابوت العهد. والمسيح وُلِد في وسط عالم مات بالخطية فصار كشجر الوعر بلا ثمر. وأتى المسيح لهذا العالم ليحييه فيثمر.
وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ الْوَعْر= كان تابوت العهد في قرية يعاريم (1أي5:13) وهي تبعد عن أورشليم 11 ميل من جهة جنوب الغرب. وسميت موضع الغابة لأن المنطقة مقاطعة مملوءة بالأشجار. وكلمة يعاريم تعني لغوياً غابات أو وَعْر (قاموس الكتاب). جاء المسيح ليولد في أفراتة ليحول الإنسان غير المثمر = المرموز له بأشجار الوعر إلى إنسان حي مثمر لأنه هو خبز الحياة
والكنيسة تفسر هذه الآية عن إهتمام داود في البحث عن التابوت وذكره لأفراتة التي هي بيت لحم وتعبه في إعداد مكان مناسب له ليضعه فيه:- على شهوة كنيسة العهد القديم في أن يتجسد ربنا يسوع المسيح من القديسة العذراء حيث ولدته في بيت لحم وذلك لأن تابوت العهد يرمز للمسيح (كان التابوت من خشب مغشى بذهب رمز لاتحاد اللاهوت بالناسوت). والمعنى أن الكنيسة التي كانت تنتظر مجيء المسيح سمعت أنه وُلِد في أفراتة. وهذا قد عبَّر عنه إشعياء حين قال "ليتك تشق السماوات وتنزل" (إش1:64). ونلاحظ معاني الكلمات. بيت لحم= بيت الخبز، والمسيح هو خبز الحياة ومن يأكله يحيا به فيثمر، أَفْرَاتَةَ = مثمر. فالمسيح جعلنا أعضاء جسده، وصارت لنا حياته، وقدم جسده لنا خبزاً نأكله لتثبت فينا حياته (يو6: 35-59). ومن تكون له حياة يثمر (يو5:15). لذلك بعد أن كنا غير مثمرين كشجر الوعر صرنا مثمرين. وهو موجود وسط كنيسته يعمل دائما ليحول كل من كان وعراً غير مثمر في شعبه إلى شخص مثمر.
آية (7): "«لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ»."
المعنى المباشر، لندخل إلى الهيكل مسكن الله وموطئ قدميه. وهذه كانت نبوة فالرعاة ذهبوا وسبحوا لمولود بيت لحم. والمجوس سمعوا عنه وأتوا ليسجدوا له. وأيضاً فهذه بروح النبوة فمولود بيت لحم المتواضع هو يهوه الذي ينبغي السجود له "ذَاتِي أَقْسَمْتُ، خَرَجَ مِنْ فَمِي ٱلصِّدْقُ كَلِمَةٌ لَا تَرْجِعُ: إِنَّهُ لِي تَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ" (إش23:45) ، "لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَمَنْ عَلَى ٱلْأَرْضِ، وَمَنْ تَحْتَ ٱلْأَرْضِ" (فى10:2).
آية (8): "قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ، أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ."
هذه قيلت غالباً عند نقل التابوت إلى الهيكل، عوضاً عن التنقل مع الخيمة، فصار الهيكل مكان راحة واستقرار. ولقد وجد السيد المسيح راحته في بطن العذراء مريم ليأخذ الجسد الذي به يتمم الفداء. وتعتبر الآية نبوة عن قيامة الرب يسوع بجسده الممجد = قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ ثم صعوده بهذا الجسد إلى السموات وجلوسه وراحته عن يمين أبيه. والكنيسة المقدسة هي مكان راحته الآن. ونصلي الآن وسط ضيقات الكنيسة في هذا العالم "قم وإظهر أن الكنيسة هي مكان راحتك وإظهر مجدك فيها". وأخيراً ستكون راحته في أورشليم السمائية حيث مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم ..." (رؤ3:21).
أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ = "أنت وتابوت موضع قدسك" (سبعينية) من على التابوت وبين الكاروبين اللذان فوق التابوت كان يظهر مجد الله (الشاكينا). فالتابوت كان يشير لله في مجده، الجالس على الشاروبيم، ولذلك ترجمت السبعينية غطاء التابوت بـ "كرسي الرحمة"أي عرش الله الذي يظهر فيه رحمته، فالدم المرشوش على الغطاء يوم الكفارة كان يغفر خطايا الشعب. فتابوت العهد كان الموضع الذي يظهر فيه مجد الله.
آية (9): "كَهَنَتُكَ يَلْبَسُونَ الْبِرَّ، وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ."
هنا المرنم يتطلع إلى واجب الكهنة إذ حل الله بمجده وسط هيكله بدخول تابوت عهد الله، ويوصي الكهنة بأن يلبسوا البر. والشعب الأتقياء يهتفون ويسبحون لوجود الله وسطهم. وهذه الصورة يجب أن تكون في الكنيسة، كهنة قديسين وشعب مسبح ولكن يلبسون البر= البر الذي بالمسيح، وليس البر الشخصي. فنحن تبررنا بدمه. والكنيسة كلها تبررت بدم المسيح، وعليها أن تحيا حياة الشكر والتسبيح.
آية (10): "مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لاَ تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ."
سليمان هنا يتشفع بأبيه داود المحبوب جدًا عند الله (عقيدة الشفاعة) أن يرضى عليه ويسمع له ويبارك الهيكل الذي بناه ويسكن فيه ويتقبل صلواتهم فيه، ولقد استجاب الله بنزول نار من السماء وأكلت المحرقة (2أي1:7) ويصلي سليمان أيضًا أن يستجيب الله له بشفاعة داود أبيه أن يجلس على كرسي داود أبناء سليمان دائمًا، كما وعد الله داود بذلك. شفاعة المسيح عنا هي شفاعة كفارية، المسيح غطانا بدمه حين ثبت فينا وثبتنا فيه. ولكننا نخطئ، وهنا نصرخ مع المرنم لله أن يقبلنا من أجل هذا الدم ويقبل أن نظل في حماية هذا الدم الثمين مقبولين أمام الآب.
الآيات (11، 12): "أَقْسَمَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ بِالْحَقِّ لاَ يَرْجعُ عَنْهُ: «مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ. إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي الَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، فَبَنُوهُمْ أَيْضًا إِلَى الأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ»."
راجع وعد الله لداود في (2صم12:7-16). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وتحقق وعد الله جزئيًا في ملك سليمان وابن سليمان ونسله لفترة طويلة حتى سبي بابل (إستمر كرسى داود أكثر من 400 سنة). وتحققت هذه النبوة في المسيح فعلًا الذي سيملك على كنيسته إلى الأبد.
الآيات (13، 14): "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ: «هذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ. ههُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا."
الله أحب صهيون أي أورشليم لأن عبادته في الهيكل كانت فيها، وهناك يذكر اسمه بالتسبيح وبالحب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن قوله إلى الأبد= يجعلنا نفهم أن المقصود ليس أورشليم نفسها فأورشليم خربت أثناء سبي بابل سنة 586 ق.م.، ثم عادوا وبنوها. وخربت نهائيًا بعد سنة 70م على يد تيطس. أما صهيون التي أحبها الله ويرتاح فيها للأبد هي الكنيسة هنا على الأرض وفي أورشليم السمائية حيث "مسكن الله مع الناس" (رؤ21: 3) وهذا سيكون للأبد.
الآيات (15، 16): "طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. مَسَاكِينَهَا أُشْبعُ خُبْزًا. كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصًا، وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافًا."
حين يسكن الله وسط جماعة أو كنيسة يباركها (تث2:28-6) = طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. ومَسَاكِينَهَا أُشْبعُ خُبْزًا= هنا يتكلم عن الخبز الروحي أي التناول من جسد المسيح ودمه، فنجد في هذه الآية أن الله يبارك بركة مادية وبركة روحية لمن يسكن عنده. ومن يشبع هم المساكين أي المتضعين، فهؤلاء يسكن الله عندهم (اش 57: 15).
كهنتها ألبس خلاصًا= هذا رد على آية (9) للتأكيد. فالله سينفذ وعده ويخلص ويبرر.
الآيات (17، 18): "هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْنًا لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجًا لِمَسِيحِي. أَعْدَاءَهُ أُلْبِسُ خِزْيًا، وَعَلَيْهِ يُزْهِرُ إِكْلِيلُهُ»."
هذه نبوة صريحة عن المسيح (لو68:1-72) فالمسيح هو
القَرْن إشارة لقوة عمله. وهو السِرَاج فهو نور العالم. والله هيأ جسدًا لمسيحه من بطن العذراء= رَتَّبْتُ سِرَاجًا لِمَسِيحِي = وهذا الجسد كان سراجًا، ينير للعالم بل يضيء لكل من يقترب منه فيصير أيضًا نورًا للعالم. والمسيح ألبس أعداءه الخزي (أَعْدَاءَهُ أُلْبِسُ خِزْيًا) = فإبليس إندحر واليهود قد تشتتوا في العالم كله. وملك هو على كنيسته= عَلَيْهِ يُزْهِرُ إِكْلِيلُهُ. وجاءت العبارة في السبعينية "عليه يزهر قدسي" وفي الإنجليزية "لكن عليه هو نفسه تاج يشع منه بريق مجده" وبهذا نفهم المعنى أن جسد المسيح صار يشع منه مجده وقداسته التي ازدادت إزدهارًا أو وضوحًا وأصبحنا ندركها بعد قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، وانتصاره القوي على إبليس وعلى الموت وعلى الخطية. وهذه العبارة جاءت بعدما تكلم عن جسد المسيح الذي ظهر في اتضاع أولًا، ثم ظهر أنه يهوه نفسه، خاصة بعد قيامته. وهذا ما كان يعنيه بولس الرسول بقوله "تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو4:1). وهذا ما رأى التلاميذ الثلاثة قبسًا منه في التجلي، وهذا ما رآه يوحنا من صورة المسيح في (رؤ1). إِكْلِيلُهُ = فهو ملك الملوك.قدسي (سبعينية) فهو القدوس وحده.
وكلما تأملنا في عمل المسيح وتجسده وفداءه وعظم محبته يزداد إكليله لمعانًا واشراقا وبهاءًا،
إكليله الذي على رأسه الذي هو علامة ملكه علينا. ونحن نملكه علينا ليس بالإجبار ولكن بهذا الحب الذي ملأ قلوبنا.
الآيات 1 - 5:- كان سليمان ابن داود رمزًا للمسيح ابن داود بالجسد. وبهذا تصير شهوة قلب سليمان لبناء الهيكل هي تعبير عن شهوة قلب ابن الله لبناء هيكل جسده أي الكنيسة (يو2: 21). ونرى أن الإشارة إلى ذل داود أو دعته (سبعينية) هو إشارة لألام المسيح وصليبه ليتمم الفداء.
ونرى شهوة قلب الرب ليوم الصليب في قول الوحي لإشعياء النبي "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ (لوياثان والحية والتنين رموز لإبليس) الَّذِي فِي الْبَحْرِ (العالم المخدوع من إبليس). فِي ذلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشَتَهَاةِ: (الكنيسة) - أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ (إشارة لإرسال الروح القدس). لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ (أثار الخطية) فِي الْقِتَالِ (يوم الصليب يوم كللوا الرب بإكليل شوك) فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي (رو5: 10). صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي. فِي الْمُسْتَقْبِلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ، وَيَمْلأُونَ وَجْهَ الْمَسْكُونَةِ ثِمَارًا" (إش27: 1 - 6). وأيضًا "الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب ينهض غيرته (على خلاص شعبه بصليبه). يهتف ويصرخ ويقوى على اعدائه. قد صَمَتُّ منذ الدهر سَكَتُّ تجلدت (حتى يأتي ملء الزمان). كالوالدة اصيح. انفخ وانخر معًا. اخرب الجبال والآكام (الشيطان وأتباعه المتكبرين) واجفف كل عشبها واجعل الأنهار يبسا (هي أنهار بابل أي مصادر شرور العالم التي يستغلها الشيطان رئيس هذا العالم ليخدع أولاد الله) وانشف الآجام" (إش42: 13 - 15).
الأيات 6 - 7:- هذه نبوة بمكان ولادة المسيح (إفراتة) وعمل المسيح (تحويل البشر الساقطين المشبهين بالوعر إلى مؤمنين مثمرين). والكنيسة التي سمعت بمولود بيت لحم وفهمت لماذا تجسد، تسجد له شكرًا = نسجد عند موطئ قدميه. فهذا المولود المتواضع هو يهوه بنفسه. وكانت دعوة الملائكة للرعاة ليذهبوا ويروا المسيح المخلص [فذهبوا وعادوا وهم يمجدون الله ويسبحونه] (لو20:2)، دعوة الملائكة للرعاة هذه، هي دعوة لنا جميعاً أن نسبح مولود بيت لحم ونمجده ونسجد له شكراً على الخلاص الذي قدمه لنا. وإستخدم الوحي هنا تابوت العهد للإشارة إلى مولود بيت لحم (وهذا يتضح من آية 8) والسبب أن مولود بيت لحم والمولود في مذود هو رب المجد نفسه. وتابوت العهد هو إشارة لله على عرشه.
وإستخدم الوحي هنا تابوت العهد للإشارة إلى مولود بيت لحم (وهذا يتضح من آية 8) والسبب أن مولود بيت لحم والمولود في مذود هو رب المجد نفسه. وتابوت العهد هو إشارة لله على عرشه.
الآيات 8 - 9:- صراخ الكنيسة ليحل المسيح بمجده في كنيسته. ويقيم لها كهنة أبرار وشعبًا مبررًا يسبحونه "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21). ولكن الآية تمتد لكل شعب الكنيسة، فبالمفهوم العام، كل المؤمنين هم ملوك وكهنة (رؤ6:1)، الكل كهنة يقدمون أجسادهم ذبائح حية، ويقدمون صلواتهم وتسابيحهم = وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ (مز2:141 + رو1:12 + عب15:13). (كاهن أي يقدم ذبائح) وهنا نفهم أن على كل شعب المسيح أن يقدم ذبائح التسبيح.
الآيات 10 - 12:- صراخ الكنيسة لله ليقبل شفاعة المسيح عنها، وهذه تنفيذا لطلب رب المجد يسوع من تلاميذه "إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. إلى الان لم تطلبوا شيئا باسمي. اطلبوا تاخذوا، ليكون فرحكم كاملا" (يو16: 23 - 24). ولهذا تختم الكنيسة الصلاة الربية وتقول "بالمسيح يسوع ربنا". فنحن لا نُقبل أمام الله إلا في المسيح يسوع وشفاعته الكفارية. ولكن هناك شرط أن نستمع لوصاياه.
كرسيك = سليمان جلس على كرسي داود أبيه، وهكذا بنوه الذين من صلبه طالما أرضوا الرب. أما كرسي المسيح الذي جلس عليه هو عرشه الذي جلس عليه إشارة لمجده *كملك *وكرئيس كهنة:-
1. بالنسبة للكنيسة: جسد المسيح، يشير الكرسي لمجده الذي أعطى شعبه أن يكونوا هم أيضًا فيه (راجع رؤ3: 21). وكانت هذه طلبة رب المجد يسوع للآب (يو17: 5 ، 22 ، 24).
2. وبالنسبة للكهنوت: فإن كهنوت المسيح الذي هو على طقس ملكي صادق مستمر في كهنوت الكنيسة التي تقدم ذبيحة الإفخارستيا. وكما كان كهنة العهد القديم خارجين من صلب هرون كاستمرارية لاختيار هرون، فهذا كان إشارة ورمزًا لأن كهنوت الكنيسة هو استمرار لكهنوت المسيح وليس خارجا عنه. وراجع تفسير (مزمور 110).
مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ. إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي = هدد الرب ملاك كنيسة أفسس إن لم يقدم توبة فقال "فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلْأَعْمَالَ ٱلْأُولَى، وَإِلَّا فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ" (رؤ5:2). فالكنيسة هي كرسي المسيح ومكان راحته، يملك على شعبه ويكون مجداً في وسطهم (زك5:2) وجسده ودمه على مذبحه دائما. ولكن هذا له شروط إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي. وأما الكنيسة التي تعاند ولا تحفظ وصيته يتركها ولا تعود كرسيا يرتاح فيه (كرسياً لمجده وكرسياً لكهنوته). وهذا معناه أن هذه الكنيسة ما عادت كرسياً للرب يستريح فيها، وما عاد شعبها يستمتع بمجده، ويعكسوا مجده. وهو في وسطهم وبجسده ودمه. فتصير هذه الكنيسة بلا حماية، مما يعني نهايتها = أزحزح منارتها من مكانها (أُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا). وهذا ما حدث لهيكل سليمان، فبسبب الخطية التي أصروا عليها إنسحب مجد الله من الهيكل (حزقيال 4:8 ، 4:10 ، 18:10 ، 19:10 ، 23،22:11). فصار مجرد كومة من الأحجار فهدمه جيش نبوخذنصر.
الآيات 13 - 14:- الله يختار الكنيسة مسكنا أبديا له ومكانا لراحته.
الآيات 15 - 16:- استمرارية الكهنوت وسر الإفخارستيا. وجاءت كلمة طعامها أبارك في السبعينية بمعنى لصيدها أبارك فكلمة طعام تشير لصيد الحيوانات إشارة لمن يصطادهم خدام الله ليدخلوهم إلى شبكة الإيمان، كما قال الرب لبطرس وآخرين "أجعلكما صيادي الناس" (مت4: 19) وهؤلاء الداخلين إلى شبكة الكنيسة يباركهم الرب إذ يثبتهم في جسده فتكون لهم حياة أبدية.
الآيات 17 - 18:- المسيح القوي في كنيسته، سر انتصار كنيسته على الشيطان. ويومًا فيومًا تنفتح أعيننا بالتوبة ونقاوة القلب، وندرك نورانية وقدسية وجمال ومحبة وعظمة شخص المسيح.
تسلسل المزامير 132 / 133 / 134:
مزمور 132: هو مزمور يشير للمسيح الذي وُلِد في بيت
لحم ليجعل الكنيسة هيكل جسده، مُقَدِّما جسده ذبيحة على الصليب.
وكذبيحة حية مقدمة لكنيسته في سر الإفخارستيا إلى نهاية الزمن.
ويأتي بعده
مزمور
133: ليكلمنا عن انسكاب الروح القدس على شعب
الكنيسة المجتمعة في محبة، نتيجة لفداء المسيح. ثم يأتي بعده
مزمور
134: لنرى أن تسبيح الكنيسة هو نتيجة لانسكاب
الروح على الشعب، تعبيرا عن فرح الكنيسة بمسيحها وبالخلاص الذي
قدمه لها. فنرى الكنيسة تسبح وتبارك الله.
_____
(1) الإنسان عبارة عن جسد ونفس وروح:-
الجسد يجد راحته في الأكل والشرب وراحة الجسد.
والنفس تجد راحتها في تبادل المحبة مع الآخرين وعدم وجود
شيء يقلقها.
أما الروح فهي نفخة من الله، لذلك لا ترتاح سوى في الله،
حينما يسكن الله في الإنسان. ولنلاحظ أن الخطية هي السبب الذي يفصل الإنسان عن
سكنى الله فيه.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 133 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مزمور 131 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k5gbn6s