الكلمة الخامسة: أنا عطشان (يوحنا28:19)
من أجل خطاياي -أيها الأخ- ومن أجل خطاياك، جف حلق الرب عل الصليب، و"لصق لسانه بحنكه، ويبست مثل شقفة قوته" (مز15:22)..
مياه جسده قد تصفَّت ونزفت، وذلك لأسباب كثيرة:
بعضها لأجل العرق الكثير الذي سال منه كقطرات دم، وهو يجاهد لأجلنا في بستان جثسيماني (لو44:22). والعرق الذي سال منه في الطريق وهو يحمل الصليب، وطوال المدة تحت أشعة الشمس المحرقة في نصف النهار... وبخاصة من أجل التعب والإرهاق والإنهاك الذي تعرض له في كثيرة المحاكمات وكثرة اللطمات.
يُضَاف إلى كل هذا الدم الكثير الذي نزف منه، بسبب الجلد المريع، وبسبب إكليل الشوك، وبسبب المسامير...
لكل ذلك جف حلقه، واحتمل حتى لم تبق في جسده قوة، فقال "أنا عطشان"..
وبهذا أعلن أن الطريق اخذ سبيله إلى الحديد المحمى بالنار، أو أعلن أن النار بدأت تلتهم ذبيحة المحرقة... أو أعلن أن العدل الإلهي يتقاضَى أجره، وان اللاهوت- كعهده- لم يتدخل لتخفيف الألم عن الناسوت، فكان ألما كاملا، تَنَسَّم منه الآب رائحة الرضا، وعبر عنه الابن بعبارة "أنا عطشان".. فليخز الآن أوطيخا الذي قلل من حقيقة ناسوت الرب. فلو لم يكن ناسوته كاملا، ما قال "أنا عطشان"..
عجيب أن يعطش الينبوع، الذي يهب الماء الحي لجميع العطاش (يو37:7). الذي قال للمرأة السامرية "مَن يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطية، يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو14:4).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ماذا كان يقصد بعبارة "أنا عطشان"؟
لا شك أنه كان عطشانا فعلا من الناحية الجسدية. ومن الناحية الروحية كان عطشانا أيضًا لهذا الخلاص الذي يقدمه للعالم، كان عطشانا لعبارة "قَدْ أُكْمِلَ" التي سيقولها بعد... مثلما قال للمرأة السامرية "أعطيني لأشرب" ولم يكن يقصد هذا الماء المادي "الذي كل من يشرب منه يعطش أيضًا" (يو7:4، 13)، والذي لم يأخذه منها. وإنما كان عطشانًا إليها هي والى أهل السامرة، إلى خلاصها وخلاصهم.
ولم يقل "أنا عطشان" لكي يأخذ من الناس ماء... كان يعرف أنهم سيقدمون له خلًا! (متى44:27، 48). كان يعرف ذلك بلاهوته الذي ينكشف أمامه الغيب والمستقبل. وكان يعرف ذلك من حيث معرفته بالنبوءة التي تقول "وفي عطشى يسقونني خلًا" (مز21:69).
لم يقل "أنا عطشان" ليطلب منهم ماءا، فالله لا يمكن أن يلتمس معونة من البشر. وأيضًا لأنه كان عازمًا أن يشرب كأس الألم حتى التمام. لذلك اكتفى عندما قدموا له خلًا ممزوجًا بالمر، كنوع من التخدير لتخفيف ألمه، و"لم يرد أن يشرب "- (متى 34:27).
إنما أراد الرب إن يتمم النبوءات عنه وإن يعلن إن الثمن قد دفع، لكي يطمئن البشر...
أما البشرية الخاطئة فاستهزأت به فيما هو يدفع ثمن خلاصها. فقدموا له خلًّا في عطشه، لكي يزيدوا ألمه ألمًا... أترانا نحن نفعل ذلك أيضًا، وكلما يطلب الرب أن يرتوي بخلاصنا، ويشرب من نتاج كرمته التي يسرى عصيرها في عروقنا، أترانا نقدم له خلا بأفعالنا الرديئة وبلهونا وعبثنا وإهمالنا؟!
يا أخي اخفض تلك القصبة التي ترفعها إلى فم المسيح، وابعد عن شفتيه تلك الإسفنجة المملوءة خلًّا، واندم على جرحك لمشاعر من أحبك واعمل إعمالًا تليق بالتوبة.
وإذا سمعت الرب يقول "أنا عطشان" فقل له: أنا يا رب الذي جففت حلقك بخطاياي ليتني أستطيع أن أرويك بدموعي. ليتك تضرب بعصاك هذه الصخرة الصلبة -التي هي قلبي- وتفجر منها ماءًا يرويك...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/7-words-on-the-cross/i-thirst.html
تقصير الرابط:
tak.la/3c2fg4m