محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
زكريا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
نأتي الآن للقسم الأخير من سفر زكريا. فالقسم الأول كان يحدثنا عن أحوال اليهود في زمان تجديد وبناء الهيكل. وفيه تحريض على العمل والإنذار والتشجيع وبه بعض الرؤى. والقسم الثاني (ص7، 8) كان عن الصوم. أما هذا القسم الثالث (ص9-14). لا نجد فيه ذكر لزربابل ولا يهوشع. ولكن هذا القسم يتحدث بوضوح عن العصر الماسياني. ونبوات ضد بعض الأمم وهذه تشير طبعًا لأعداء شعب الله، ولكن أعداء شعب الله الحقيقيين هم الشياطين. والانتصارات على الأمم هي رمز على انتصار المسيح على إبليس. ونجد فيها أيضًا نبوات عن مجد أورشليم، وهو يشير لمجد الكنيسة.
الآيات (1-8): "وَحْيُ كَلِمَةِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ حَدْرَاخَ وَدِمَشْقَ مَحَلُّهُ. لأَنَّ لِلرَّبِّ عَيْنَ الإِنْسَانِ وَكُلَّ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. وَحَمَاةُ أَيْضًا تُتَاخِمُهَا، وَصُورُ وَصَيْدُونُ وَإِنْ تَكُنْ حَكِيمَةً جِدًّا. وَقَدْ بَنَتْ صُورُ حِصْنًا لِنَفْسِهَا، وَكَوَّمَتِ الْفِضَّةَ كَالتُّرَابِ وَالذَّهَبَ كَطِينِ الأَسْوَاقِ. هُوَذَا السَّيِّدُ يَمْتَلِكُهَا وَيَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ قُوَّتَهَا، وَهِيَ تُؤْكَلُ بِالنَّارِ. تَرَى أَشْقَلُونُ فَتَخَافُ، وَغَزَّةُ فَتَتَوَجَّعُ جِدًّا، وَعَقْرُونُ. لأَنَّهُ يُخْزِيهَا انْتِظَارُهَا، وَالْمَلِكُ يَبِيدُ مِنْ غَزَّةَ، وَأَشْقَلُونُ لاَ تُسْكَنُ. وَيَسْكُنُ فِي أَشْدُودَ زَنِيمٌ، وَأَقْطَعُ كِبْرِيَاءَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَأَنْزِعُ دِمَاءَهُ مِنْ فَمِهِ، وَرِجْسَهُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، فَيَبْقَى هُوَ أَيْضًا لإِلهِنَا، وَيَكُونُ كَأَمِيرٍ فِي يَهُوذَا، وَعَقْرُونُ كَيَبُوسِيٍّ. وَأَحُلُّ حَوْلَ بَيْتِي بِسَبَبِ الْجَيْشِ الذَّاهِبِ وَالآئِبِ، فَلاَ يَعْبُرُ عَلَيْهِمْ بَعْدُ جَابِي الْجِزْيَةِ. فَإِنِّي الآنَ رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ."
كان شعب الله يشعر بخوف من المدن القوية المحيطة بهم من الشمال كأرام وصور، ومن الجنوب كأشقلون وغزة وعقرون (أي فلسطين) وهذه كانت تمثل ضغطًا عليهم. لذا يحدثهم هنا عن غزو كاسح قادم عليهم غير أن قادة هذا الغزو سيرفقون بأورشليم وكل اليهود. وهذا قد تم تحقيقه تمامًا في غزو وفتوحات الإسكندر الأكبر. وقد هزم الإسكندر عددًا من مدن سوريا منها حَدْرَاخَ
= كانت مدينة بإسم حدراخ بجوار دمشق وحماة، وحدراخ قد يكون اسم ملك أرامي أو إله أرامي. والإسم مشتق من حَدَر وهو اسم عام لملوك أرام. وحين سمع اليهود بسقوط مدن سوريا وقع الرعب في قلوبهم لأن الدور آتٍ عليهم، فرفعوا عيونهم لله يطلبون العون والرب يطمئن شعبه بأنه رأى وسمع صلاتهم= للرب عين الإنسان = ولمن يذهب الإنسان في ضيقه سوى للرب، وهو يستجيب لمن يرفع عينه له. وَحْيُ كَلِمَةِ الرَّبِّ = هي كلمة ثقيلة (وحي تعني ثقل)(1) فهي تحمل الخراب والدمار وتسقط على دمشق بثقلها. ودمشق محله = أي دمشق محل هذه الدينونة التي يتكلم النبي عنها. وفي (2) ثم سقطت حماة وبعدها صور الغنية جدًا بتجارتها والمشهورة بحكمتها وغناها حتى كانت الفضة لها كالتراب والذهب كالطين (الْفِضَّةَ كَالتُّرَابِ وَالذَّهَبَ كَطِينِ الأَسْوَاقِ).صور وصيدون
= هما أكبر مدن فينيقية. ففينيقية كلها ستسقط.وفي (الآية 3
) وصور كانت مدينة ساحلية وأمامها جزيرة، وهم نقلوا تجارتهم للجزيرة لأسباب دفاعية، وحينما سقطت المدينة الساحلية هدمها الإسكندر وردم بحجارتها الممر بين الساحل والجزيرة، وأسقط الجزيرة أيضًا= يضرب في البحر قوتها (4) وقد قام الإسكندر فعلًا بهدم وحرق صور= وهي تؤكل بالنار. وفي (5) أتى الدور الآن على فلسطين، وهي سمعت ما حدث فإرتعبت وأصبحت تنتظر خرابها في خزي. ترى أشقلون= ترى سقوط صور فتخاف لأن صور أكثر تحصينًا. يخزيها انتظارها= أشقلون كانت تتوقع وتنتظر أن صور توقف زحف الإسكندر لكنها خزيت إذ سقطت صور. وفي (6) يسكن في أشدود زنيم= أي أن الإسكندر سيمتلك أشدود. وكلمة زنيم تعني ابن زنى، وهو الإسكندر نفسه، الذي اعترفت أمه بأنها ولدته من زنا، لكنها إدعت أنها ولدته من جوبيتر إله آلهة الرومان. وفي (7) أكل اللحم مع الدم حرام عند اليهود، لكنها هي عادة وثنية، وكانت هذه عادة الفلسطينيين. والمقصود أن الله سينزع من هذه الأمم خطاياهم وقساوتهم وعباداتهم الوثنية التي فيها يأكلون الدماء، وهذه نبوة بأن تأديب الفلسطينيين بيد الإسكندر سينزع عنهم وثنيتهم وأنهم سيندمجوا في شعب إسرائيل كما إنضم اليبوسيون لهم (ومنهم أرونة اليبوسي) والتاريخ يؤيد أن هذا قد حدث، ولكن الآيات تنظر لدخول الأمم مستقبلًا للكنيسة. وقد آمن بالرب يسوع فعلًا هذه الشعوب أو كثير منها على الأقل. ومن فلسطين آمن أيضًا بقية. ومن آمن أصبح كأمير في يهوذا= هذه تشبه أجعلكم ملوكًا وكهنة في الكنيسة، فيهوذا إشارة للكنيسة. وشعب الله المؤمن هم أمراء وملوك إذ لا سلطان لإبليس ولا للخطية عليه.وعقرون كيبوسي =
عقرون من فلسطين واليبوسيون هم أهل أورشليم الأصليين، وأخذها منهم داود (2صم16:24). وهناك من سكانها من صار من أهل اليهود مثل أرونة اليبوسي. فكل من يؤمن ينضم لشعب الله ويكون الكل واحدًا في المسيح.وفي (8) نبوة بأن الله وسط حروب الإسكندر سيحمي شعبه=
وأحل حول بيتي. وقد حدث هذا فعلًا فلم يضر الإسكندر اليهود لا وهو ذاهب ولا وهو آئب، بينما أذل باقي الشعوب. وحينما قابله رئيس الكهنة لابسًا عمامته المكتوب عليها، على صفيحة ذهبية، قدس للرب. سجد الإسكندر له وحينما سألوه عن سبب تصرفه، قال أنه رأى هذا في حلم، وبالذات منظر الصفيحة المنقوش عليها اسم الله. ودخل الإسكندر لأورشليم وقدم ذبائح للرب. وكان يعبر على أورشليم في غزواته دون أن يجمع منها جزية أو يضطهدها. أني الآن رأيت بعيني= هذه قد تعني أن الله ينظر نظرة عطف على حال شعبه وسيتحنن عليه (مز18:33). وقد تعني أن النبي قد رأى كل شيء مسبقًا، فكل ما كان، كان مرتبًا بعناية الله.
الآيات (9-12): "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ. الْيَوْمَ أَيْضًا أُصَرِّحُ أَنِّي أَرُدُّ عَلَيْكِ ضِعْفَيْنِ."
ينتقل الآن النبي لذكر ملك أعظم من الإسكندر، وسيدخل أورشليم ليس على مركبة حربية كالعظماء من ملوك العالم بل وديعًا على حمار وجحش ابن أتان وهو عادل ومنصور (وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ) = ليس كملوك الأرض الذين يظلمون. وهو دائمًا منتصر. فهو انتصر على الشيطان في معركته التي قدم نفسه فيها ذبيحة، ليستوفي عدل الله وبذلك ملك على قلوب عبيده. ولئلا يظن أحد أن المقصود هو الخلاص في العصر المقدوني، انتقل للمسيح المخلص الذي يأتي وديعًا كأفقر الناس. وبمجيء المسيح فلتبتهج صهيون وتهتف بنت أورشليم (اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ) = وهذا ما حدث عند دخول المسيح لأورشليم إذ ابتهجت صهيون، وسبحت الكنيسة بنت أورشليم. وكلمة صهيون تعني ملاحظ الوصايا ومنفذها، وأورشليم تعني رؤية السلام. إذًا من يبتهج هو من يلاحظ الوصايا ويرى السلام الذي سيعطيه المسيح. وفي (10) وأقطع المركبة من أفرايم= أي شعب المسيح لن يعودوا يتكلون على الجيوش والسلاح أو قوة ذراعهم بل على الرب.من في حرب ويركب مركبة حربية فهو الذي يقود الحرب ضد العدو. لكن في الحرب ضد إبليس نحن عبارة عن فرس أبيض يقوده المسيح الذي "خَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ" (رؤ 6: 2). وهذه الحرب تتميز عن أي حرب بأننا مملوئين سلامًا، فالذي يقود المعركة هو الرب. وإذ يدخل الرب القلب يحل السلام = بنزع قوس الحرب (تُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ). ويكون المؤمنون من البحر للبحر= البحر ماؤه مالح ويقتل من يشربه، والبحر يشير للأمم الذين كانوا بدون الله كمن يشرب من البحر. ومن البحر للبحر تعني كل الأمم في كل العالم الوثني. ومن النهر إلى أقاصي الأرض= فاليهود كان لهم الناموس والأنبياء، لذلك كانوا يشربون من النهر، والمؤمنون إذًا يشملون من كانوا يشربون من هذا النهر أي اليهود والأمم الذين هم في أقاصي الأرض.
وفي (11) كان الفلاحين اليهود يحفرون في الصخور جبًا ليمتلئ بماء المطر وحين ينقطع المطر يصبح هذا الجب جافًا، وكان يتحول الجب عادة لمكان للهرب من الأعداء وقت الحروب، طبعًا في حالة جفاف هذا الجب. وكانوا يلقون في هذه الجباب المجرمين حتى يموتوا، وقد فعلوا هذا مع إرميا النبي. وكأن النبي يرى الشعب هاربًا في هذه الجباب، وهذه الجباب تشير للجحيم الذي بلا ماء الحياة الأبدية، محكومًا على كل من فيه بالموت والهلاك، إلى أن أتى المسيح فخلص الأبرار من هذا الجب (الجحيم). ومن المعروف أنه قبل المسيح كان كلا الأبرار والأشرار يذهبون إلى الجحيم، لكن الأبرار كان لهم رجاء في الخلاص بالمسيح لذلك يسميهم هنا أسرى الرجاء (12). وكان الشيطان يقبض على أرواح كل المنتقلين ويأخذهم للجحيم، أي يذهب بهم للجب فيكونوا أسرى إبليس. كان هذا حتى جاء المسيح الذي قال [رئيس هذا العالم يأتي (وقت موت المسيح) وليس له فيَّ شيء (أي سيجدني بلا خطية، وطالما لست مديونًا له فلن يستطيع أن يأخذني لهذا الجب)] (يو30:14). بل أن المسيح هو الذي قبض عليه وقيده 1000سنة، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب لينقذ كل الأبرار، ويحرر أسرى الرجاء (أف9:4 + 1بط19:3). لقد كان الجميع يذهبون أسرى لإبليس إذ ليس أحد بلا خطية حتى جاء المسيح الذي قال عن نفسه من "منكم يبكتني على خطية". بِدَمِ عَهْدِكِ.. أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ = في العهد القديم كان الدم هو دم الذبائح الحيوانية، وهذا لم ينقذ أحد من الجحيم، ولكن في العهد الجديد فإن دم المسيح أطلقنا من أسر إبليس من الجب الذي ليس فيه ماء= لذلك طلب الغني من إبراهيم أن يرسل له لعازر ليبلل شفتيه بالماء. أما السماء فهي مكان نهر صافي من ماء الحياة (رؤ1:22).
وفي (12) كانوا في الجب وذلك في العهد القديم، لكن كان لهم رجاء فهم
أسرى الرجاء، وهؤلاء أطلقهم المسيح. وهنا دعوة لهؤلاء المفديين أن يرجعوا إلى الحصن (ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ) ومن هو الحصن الذي نلجأ إليه ونحتمي سوى المسيح. ومن يثبت فيه فله مكافأة ضعفين (أَرُدُّ عَلَيْكِ ضِعْفَيْنِ) = والضعفين هي إشارة لنصيب البكر (الأبكار خلصوا بدم خروف الفصح) ونحن في المسيح فصحنا صرنا أبكارًا مُخَالَّصين لنا ميراث السماء. وأيوب إسترد ما فقده مضاعفًا، فهو في آلامه كان رمزًا للمسيح.
الآيات (13-17): "لأَنِّي أَوْتَرْتُ يَهُوذَا لِنَفْسِي، وَمَلأْتُ الْقَوْسَ أَفْرَايِمَ، وَأَنْهَضْتُ أَبْنَاءَكِ يَا صِهْيَوْنُ عَلَى بَنِيكِ يَا يَاوَانُ، وَجَعَلْتُكِ كَسَيْفِ جَبَّارٍ. وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنْفُخُ فِي الْبُوقِ وَيَسِيرُ فِي زَوَابعِ الْجَنُوبِ. رَبُّ الْجُنُودِ يُحَامِي عَنْهُمْ فَيَأْكُلُونَ وَيَدُوسُونَ حِجَارَةَ الْمِقْلاَعِ، وَيَشْرَبُونَ وَيَضُجُّونَ كَمَا مِنَ الْخَمْرِ، وَيَمْتَلِئُونَ كَالْمَنْضَحِ وَكَزَوَايَا الْمَذْبَحِ. وَيُخَلِّصُهُمُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. كَقَطِيعٍ شَعْبَهُ، بَلْ كَحِجَارَةِ التَّاجِ مَرْفُوعَةً عَلَى أَرْضِهِ. مَا أَجْوَدَهُ وَمَا أَجْمَلَهُ! اَلْحِنْطَةُ تُنْمِي الْفِتْيَانَ، وَالْمِسْطَارُ الْعَذَارَى."
أوترت يهوذا.. وملأت القوس أفرايم= هذه نبوة بما حدث بعد ذلك. فمن جاء بعد الإسكندر اضطهد اليهود جدًا. ولكن الرب دبر قيام المكابيين لهزيمة اليونانيين (في القرن الثاني قبل الميلاد). فهذه الآيات إشارة لانتصارات المكابيين، والتصوير هنا أن يهوذا مشبه بقوس وإفرايم بسهام، وهذه يستعملها الله في حربه ضد اليونان. ولكن لماذا أتت هذه الآيات بعد الأخبار المفرحة السابقة والتي تحدثت عن الخلاص؟ والسبب بسيط أنه بالصليب لم تنتهي المعركة مع إبليس، فما زال إبليس يحارب شعب الله ولذلك قيل عن المسيح أنه "خَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ" (رؤ2:6) وهو يغلب بواسطتنا، فنحن في يده، كقوس وسهام، أوترنا لنفسه ليضرب بنا الشيطان. نحن الآن كسيف في يد المسيح الجبار ضد إبليس (كَسَيْفِ جَبَّارٍ)، وكفرس يقوده المسيح (نش 1: 9) وبهذا نستطيع أن نضع تصور لهذا الإصحاح بتقسيمه كالتالي:-
1. الشعب في حالة ذعر من دمشق وفلسطين.. إلخ. = الشعب في حالة ذعر من الشياطين.
2. نبوة بهزيمة هذه الأمم بواسطة الإسكندر = هزيمة الشياطين بواسطة المسيح.
3. نبوة واضحة عن المسيح الذي يملك بوداعته وصليبه على اليهود والأمم.
4. استمرار المعارك مع الشيطان ولكن بوعد أن نغلب = حروب المكابيين.
أنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان
= هذه تساوي [أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا أَنْ تَدُوسُوا عَلَى الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ] (لو 10: 19) = الله أعطى للمؤمنين سلطانًا على إبليس.وفي (14) يرى الرب فوقهم= أي قائدهم المحارب عنهم. سهمه يخرج كالبرق= هو ينير لأولاده ويصرع أعدائه وَيَنْفُخُ فِي الْبُوقِ = كان النفخ في البوق وظيفة الكهنة في الأعياد وأيضًا في الحروب للتنبيه ضد الخطر القادم. والله الآن بروحه القدوس ينذرنا بأننا مازلنا في حرب حتى ننتبه ونغلب به وهو يَسِيرُ فِي زَوَابعِ الْجَنُوبِ = وهذه تكون ساخنة (رمزًا للحرارة الروحية). وحرب الحارين بالروح ضد إبليس حرب رهيبة وبقوة مثل زوابع الجنوب الشديدة جدًا (هي تأتي من بلاد العرب الحارة جدًا). وفي (15) لأن رب الجنود يحامي عنهم فهم أصبحوا يأكلون= كأسد لا ينام إن لم يأكل فريسته. ويدوسون حجارة المقلاع= فإن الشيطان لن يكف عن أن يرسل ضرباته وتجاربه ويرسل آلامًا شديدة ضد شعب الله، وهذه كحجارة المقلاع. ولكن النصرة في المفهوم المسيحي ليس أن يتخلص المؤمن من التجربة، بل أن يدوسها، يدوس الآلام أي لا ترهبه ولا تفقده فرحه أو سلامه. والله يستخدم الشياطين (أو اليونانيين بالنسبة لليهود) كحجارة المقلاع يصوبها الله ضد شعبه لتأديبهم، وبعد رجوعهم إليه يرجع لهم ويعطيهم أن يدوسوا هذه الحجارة، فهذا وعد المسيح "تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو". ولنطمئن فإن الشياطين ما هم إلا حجارة مقلاع ولكن المقلاع نفسه في يد الله، هو الذي يسمح بالألم، وبقدر يحدده هو، ولصالح أولاده، كما حدث في قصتي أيوب وبولس الذي ضربه ملاك الشيطان [راجع أي12:1 + أي6:2 + 2كو7:12]. ولم يعد لنا سلطان فقط على إبليس بل صار في الانتصار عليه فرح. فالمؤمنين يفرحون بالنصرة عليه. وهذا يصوره هنا بأن الشيطان صار فريسة للمؤمنين يأكلونها= ويأكلون. والفرحة يعبر عنها كمن يشرب كأس الانتصار= ويشربون ويضجون= يشرب الشعب المنتصر كأس الفرح والبهجة لنصرته على أعدائه الشياطين. لكنه ليس كأس خمر مسكر لكنه فرح التسبيح بالانتصار. فالنصرة على إبليس صارت مصدرًا للفرح. ويمتلئون كالمنضح= المنضح هو الوعاء الذي يملأونه من دم الذبيحة ويسكبونه على زوايا المذبح، وسكب الدم عند المذبح هو عمل الكهنة في العهد القديم (لا 1: 5) والدم في الكتاب المقدس هو إشارة للحياة، وحينما نسكب حياتنا حتى الموت نصير كهنة العهد الجديد. وفي سر الافخارستيا نتناول من المسيح الذبيحة فنمتلئ حياة، ونصير نحن المنضح المملوء حياة، هي حياة المسيح، وهذه الحياة هي حياة أبدية لانها حياة المسيح. والمسيح القائم من الأموات لن يموت ثانية (رو6: 5 – 11). ولنلاحظ أننا نمتلئ بالأكثر من هذه الحياة لو سكبناها حتى الموت حبًا في المسيح المصلوب لأجلنا حاملين صليبنا حتى الموت:-
1)
مجاهدين ضد الخطية (عب12: 4) [صَالِبِين الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ] (غل5: 24). ومن ينتصر يفرح فيسبح. وسر الفرح هو هزيمة إبليس. ويضجون= أي يسبحون، وهذا هو عمل المؤمنين. فما يعطل المؤمن عن التسبيح هو عبوديته لإبليس (مز1:137-4) ولكن الآن هو قد تحرر منه، بل إفترسه، فإنطلق يسبح. ومن كثرة المسبحين= يضجون.2)
سَكْب الحياة أيضًا يصل لدرجة الاستشهاد فعلا "مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ..." (رو 8: 36).(رو8: 35 – 39) وكلما سكبنا حياتنا كلما ازداد الفرح فنسبح =
ويضجون. ألم يحدث هذا مع الشهداء.إذًا
زوايا المذبح هي الصليب الذي نحمله:-أ) بتقديم اجسادنا ذبيحة حية أي بصلب الأهواء والشهوات (رو12: 1 + غل5: 24).
ب) الاستشهاد فعلا حتى الموت.
وهذا سر أن المسيح يطلب من بطرس إنه إن كان يحبه فليقبل أن يموت مصلوبا (يو 21) بل يطلب منا كلنا أن من يريد أن يصير تلميذا له فليحمل صليبه ويتبعه. فهذا هو سر الفرح أي الصليب... ولكن لماذا الصليب هو سر الفرح؟ الصليب هو بذل الذات حتى الموت لأجل الحب، وهذا ما عمله المسيح لأجلنا. ومن يصل إلى هذه الدرجة يكون قد وصل لأعلى درجات الحب، والفرح نتيجة طبيعية للحب، لذلك نجد ثمار الروح القدس: محبة، فرح.... فكلما إرتفع مستوى الحب عند شخص يزداد فرحه. وهذه هي إرادة المسيح أن نفرح. وعلامة الفرح التسبيح =
ولكي نستمر في الحياة أعطانا المسيح جسده ودمه "مَنْ يَأْكُلْنِي.. يَحْيَا بِي" (يو6: 57) وهذا هو موضوع الآيات التالية.
ولكن كلمة يَأْكُلُونَ.. وَيَشْرَبُونَ
= قد تشير للتناول كسر فرح المؤمنين، خصوصًا إذا قارناها بآية (17) الحنطة تنمي الفتيان والمسطار العذارى = فالتناول هو سر نمو وفرح وتسبيح. وفي (16) كقطيع شعبه = وهو الراعي الذي يفرح بقطيعه كما لو كانوا حجارة تاج لهم قيمتهم الثمينة ومحروسون بحراسة قوية مرفوعة على أرضه = كما يرفع العلم الملكي علامة الانتصار ويراه الجميع ويمجدوا الرب. مَا أَجْوَدَهُ وَمَا أَجْمَلَهُ (17) = هذا قول الرب حين ينظر شعبه بجمال قداسته، وهم فرحين بانتصارهم على إبليس. وهذه هي تسبحة الشعب في هيكل الرب وهم ناظرين جماله، يشبعون روحيًا من جسده ودمه. عمومًا جمال الشعب هو في كونه أصبح عروسًا للمسيح "أنا سوداء وجميلة" (نش5:1)._____
(1) توضيح من الموقع: الكلمة المُترجمة "وحي" هنا أصلها في العبرية משׂא والتي من معانيها "ثقل" أو عبء" burden، كما تحمل معنى "نبوة" prophecy كذلك.
وها هو قائمة معاني كلمة משׂא حسب قاموس سترونجز Strong's (تحت رقم H4853):
From H5375; a burden; specifically tribute, or (abstractly) porterage; figuratively an utterance, chiefly a doom, especially singing; mental, desire: - burden, carry away, prophecy, X they set, song, tribute.
← تفاسير أصحاحات زكريا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير زكريا 10 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير زكريا 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q74pnfv