← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40
المزمور السَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ
لداود
"لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمال الإثم..." (ع1)
كاتبه
متى كتب
مشجع للأبرار في أية ضيقات تقابلهم، وحتى لا يضطربوا من نجاح الأشرار المؤقت.
من المزامير المسيانية، إذ يتكلم عن المسيح وبركات كنيسة العهد الجديد.
هذا المزمور تعليمى، إذ يمتلئ بالنصائح، ويشبه مزامير (73، 94)، وكذلك يشبه أسفار أيوب، والأمثال، ويشوع بن سيراخ.
هذا المزمور مرتب على الأبجدية العبرية، بمعنى أن تبدأ كل آية، أو آيتين بحرف من الحروف الهجائية، والأربعين آية يندرجوا تحت اثنين وعشرين حرف عبري. وهذا هو المزمور الثالث من المزامير المرتبة على الحروف الهجائية العبرية.
هذا المزمور غير موجود بالأجبية.
(1) نصائح للأبرار (ع1-11)
(2) نصرة الأشرار مؤقتة (ع12-21)
(3) حماية الأبرار مؤكدة (ع22-34)
(4) عقاب الأشرار ومكافأة الأبرار (ع35-40)
ع1، 2: لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ.
هاتان هما أول نصيحتان ينصح بهما داود أولاد الله؛ لكي يثبتوا في الإيمان المستقيم، وهما أول النصائح الثمانى التي يوردها في هذه الفقرة. فينصح الأبرار ألا ينبهروا بالنجاح المؤقت للأشرار، ولا يسقطوا في الغيرة والحسد.
إن الغيرة والحسد خطيتان ينبهنا داود النبي ألا نسقط فيهما، سواء من نحو الأشرار، أو من جهة أي إنسان؛ لأنهما يظهران عدم اكتفائنا وشبعنا بالله، وكذلك عدم محبتنا للآخرين الذين نحسدهم.
نجاح الأشرار مؤقت، ويشبههم بالحشائش، أو العشب الأخضر، الذي ينمو سريعًا في الأرض، ثم يجف ويزول أمام حرارة الشمس. أما الأبرار فيشبههم الكتاب المقدس بالنخلة ذات الجذور العميقة، والتي تزهو وتزهر، ومثل أشجار لبنان، وكل الأشجار القوية ذات الأصل العميق (مز92: 13).
إن نجاح الأشرار لا يدوم كثيرًا، ولو استمر طوال العمر، فهو ينتهى بيوم الدينونة، حيث لا راحة لهم، بل عذاب، فلا يقوم المنافقون في الدينونة (مز1: 5).
النجاح المادي للأشرار يصاحبه اضطراب في القلب، فلا يمكن أن يكون لهم سلام داخلي، كما قال أشعياء النبي "ليس سلام قال الرب للأشرار" (اش48: 22).
إن تشبيه الأشرار والمنشغلين بالعالم بالحشائش والعشب استخدم في الكتاب المقدس بعهديه (اش40: 6-8 ؛ يع1: 11).
ع3: اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ.
النصيحة الثالثة هي الاتكال على الله، فمن يؤمن بالله يعلم أنه صاحب القدرة الكاملة، والمحبة غير المحدودة، وبالتالي فهو الوحيد الذي يتكل عليه الإنسان بكل ثقة، فينال راحة وسلام.
من يبتعد عن التعلق بماديات الأرض ونجاح الأشرار، فلا يغير منهم، أو يحسدهم، يسهل عليه أن يركز نظره على الله، فيرى جماله وقوته ويتكل عليه.
إذا التصق الإنسان بالله واتكل عليه يصير إيجابيًا، فيستطيع أن ينفذ النصيحة الرابعة، وهي عمل الخير. لأن من أحب الله واتكل عليه يستطيع أن يحب الناس ويسعى لخدمتهم.
إذا انشغل الإنسان بعمل الخير يساعده الله، فيشعر بمحبة الله ورعايته، ويزداد في عمل الخير، وهكذا ينمو في محبة الآخرين؛ إذ يتحرر تدريجيًا من أنانيته، فيصبح شعلة حب تنير وتدفئ العالم كله.
النتيجة الطبيعية التي ينالها المبتعد عن الغيرة والحسد والمتكل على الله، والمنفتح بالحب نحو الآخرين أن يهبه الله الاستقرار في الأرض، فيسكن فيها، ولكن بشرط أن ينفذ النصيحة الخامسة، وهي الأمانة فى كل أعماله على الأرض، ومعاملاته مع الآخرين، فيستقر في حياته وأعماله، ويكون أمينًا في زراعة الأرض، أو إتمام واجباته نحو الآخرين، فيرضى عنه الله ويباركه.
إن سكنى الأرض قد يقصد به -كما قال القديس جيروم- هو السكن في أرض الأحياء؛ أي الكنيسة، فيتغذى بأسرارها المقدسة ووسائط النعمة، بشرط الأمانة في تنفيذ وصايا الله.
السكن في الأرض يمكن أن يعنى أيضًا السكن في الأبدية، أي نوال الميراث الأبدي لمن كانوا أمناء في حياتهم على الأرض؛ لأن الأمين في القليل، أي حياته الأرضية، يقيمه الله على الكثير، أي حياته الأبدية (مت25: 21).
ع4: وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ.
النتيجة السادسة هي التلذذ والفرح والتنعم بالله، وهي مبنية على النصائح السابقة، فمن يحيا في عشرة الله ويتكل عليه، ويعمل الخير ويكون أمينًا في كل شيء، تفيض عليه مراحم الله وعطاياه، فيشكر الله، ويفرح بعشرته.والمقصود بالفرح والتلذذ أن يعى الإنسان عطايا الله، وينظر إلى شخصه الحبيب، فيفرح به، أي يفرح بوجوده مع الله ويتمتع بعطاياه.
نلاحظ هنا في هذه النصيحة أن داود ينقلنا من التلذذ بعطايا الله، والاتكال عليه، إلى اكتشاف جمال الله والتأمل فيه، وهذا هو الفرح الحقيقي واللذة الكاملة.
نتيجة الفرح بعشرة الله أن يهب الله محبيه طلبات قلوبهم، ويقول هنا طلبات القلب، وليس طلبات الفم، أي ما يتمناه الإنسان، حتى لو لم ينطق به. وتمنيات القلب أعمق من تمنيات الشفاه، ولكن الله الغنى المعطى بسخاء يهب أولاده سؤل قلوبهم، فبولس الرسول طلب الشفاء من شوكة الجسد، لكي يتمكن من خدمة الله بكل حرية، فلم يستجب الله لطلبته في شفائه، ولكنه أعطاه سؤل قلبه، فكرز أكثر من جميع الرسل، وكتب أسفارًا في الكتاب المقدس أكثر من الكل.
ع5، 6: سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ.
يؤكد هنا النصيحة الثالثة وهي الاتكال على الله، وتسليم الحياة له؛ حتى يقود الله بنفسه طريق الإنسان، فيرشده في كل خطواته، ويحميه من العثرات؛ حتى يوصله إلى الملكوت.
عندما يؤمن الإنسان بالله، ويسلم له حياته يجرى الله له كل أموره باستقامة؛ أي يعمل في حياته، فيستطيع تنفيذ وصايا الله، ويسلك حسنًا، ويشعر بمعية الله، فيفرح قلبه بمرافقة الله طوال حياته.
إن الأشرار يتضايقون من بر البار، فيحاربونه، ويتهمونه زورًا، ويسيئون إليه بكلمات ردية، ويحتمل البار كل هذا من أجل الله، وحينئذ يتدخل الله، ويظهر بر البار كالنور بعد ظلمة الكلمات الردية التي قالها الأشرار عنه، أي يعلن الله - الذي اتكل عليه البار - أن هذا ابنى وأنا معه، وهذا التمجيد الإلهي هو عربون لمجد ملكوت السموات.
إن كان الأشرار يسلبون حق البار؛ سواء حقوقه المادية، أو كرامته، فإن الله يتدخل بعد هذا ويعلن حقه، ويباركه ببركات كثيرة تكون قوية، كما تكون أشعة الشمس قوية وقت الظهيرة. فالله يكافئ البار على احتماله، كما ظهر لإبراهيم البار الذي ترك كل شيء من أجله وذلك وقت الظهيرة، واستضاف الله مع الملاكين (تك18: 1) وكما أكرم يوسف أخوته بطعام شهى في وقت الظهيرة مظهرًا لهم حبه (تك43: 16)، وكما أعلن المسيح حبه الكامل للبشرية عندما علق على الصليب ليفديهم في وقت الظهيرة (لو23: 33، 44).
ع7: انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ.
النصيحة السابعة هي الصبر، فعندما تتوالى الضيقات، ويتمادى الشرير في إساءاته نحو البار، يتعب البار، ولكن الله ينصحه على فم داود أن يصبر، وينتظر خلاص الله، فالله يراقب كل شيء، وسيتدخل حتمًا، ويكافئ البار، بل هو أثناء الضيقة يسانده، فيعطيه سلامًا، ويثبته في الطريق المستقيم.
لكى يستطيع البار أن يصبر يلزمه أن يتمسك بوصايا الله ووعوده، فلا يهتز من تشكيكات الشيطان له، ولا يغر من نجاح الأشرار؛ لأنهم يفعلون الشر والمكايد لكي يحققوا نجاحاتهم.
لكيما يستطيع الإنسان أن يصبر يحتاج إلى معونة إلهية، فيرفع قلبه بالصلاة في كل حين لينال معونة في كل وقت، ويتعزى قلبه أثناء الضيقة.
الصبر معناه أن يقبل الإنسان الضيقات برضا وشكر، ولا يتذمر، فكلمة "اصبر" في الأصل العبري يعنى بها "أن يسكت ولا يتذمر"، فيفرح الله بإيمانه وثباته ويكافئه على صبره.
إن من ينتظر الرب لا يحدد له وقتًا ليتدخل في حياته، ولكنه يثق في حكمة الله، وينتظره فقط، كما أعلنت يهوديت لأهل مدينتها وعاتبتهم أنهم لم يصبروا لله واثقين من خلاصه، ومن أجل إيمانها تدخل الله وأنقذ بلادها من الأعداء بقتلها أليفانا رئيس جيوش الأشوريين (يهوديت8: 11-14).
ع8: كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ،
النصيحة الثامنة والأخيرة هي عدم الغضب؛ لأن الغضب يعنى التذمر على الله، وعلى الناس، بالإضافة إلى الإساءة للآخرين، وفقدان الإنسان سلامه، فيبتعد عن الله، ولا يستطيع أن يصلى بنقاوة، ويفقد عشرته مع الله.
إذا تهاون الإنسان مع خطية الغضب تزداد، وتتحول إلى الغضب الشديد وهو السخط، وإذا لم يمنع الإنسان نفسه من السخط يتحول إلى فعل الشر، مثل باقي الأشرار. ولذا يلزم قطع الخطية من بدايتها وهي فكر الغضب.
الله أعطى وصاياه للإنسان، ووعد أن يساعده في إتمامها مهما بدت ثقيلة، فلماذا يغضب الإنسان ولا يواصل جهاده. فالله لم يعدنا بالطريق السهل والباب الواسع، وبالتالي ينبغى أن نقبل الضيقات ولا نغضب.
ع9-11: لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ.
الأشرار يُقطعون من أمام الله، أي أن انشغالهم بالماديات، وفعل الشرور هو مؤقت، وبعد قليل لا يكونون، أي تنتهي حياتهم على الأرض، ويبعدون عن الله ويلقون في العذاب الأبدي.
الأبرار يرثون الأرض، ويكرر داود ميراث الأرض في هذا المزمور ست مرات. والمقصود بالأرض - كما قلنا - أرض الميعاد، أي أرض كنعان، وكذلك يتمتع الأبرار بحياتهم على الأرض لأن الله يكون معهم، ويباركهم.
والأرض أيضًا يُقصد بها كنيسة العهد الجديد، أرض الأحياء حيث ينال المؤمنون أسرار الكنيسة ووسائط النعمة، ويتمتعون بالأكثر بعشرة الله.
الأرض المقصود بها أيضًا الأرض الجديدة، أو أورشليم السمائية، وهي الميراث الأبدي، فيدوم المؤمنون في عشرة الله، والتمتع برؤيته في الملكوت.
الودعاء هم الذين يحيون مع الله، فيهبهم سلامه الداخلي، ولا ينزعجون لأى مكسب، أو خسارة مادية. هذا السلام يكون كثيرًا في قلوبهم، ويزداد في كنيسة العهد الجديد، ثم يكمل في ملكوت السموات، إذ يكون كثيرًا بلا حدود، أي يحيون في السلام إلى الأبد.
الودعاء هم الأبرار الذين يقابلون ضيقات كثيرة ويحتملونها من أجل الله، فيعطيهم سلامه الداخلي، ويتزكون أمامه، فيهبهم أيضًا الحياة الأبدية.
إن كثرة السلامة تكون للودعاء مهما أحاطت بهم الضيقات؛ لأن الله الغير محدود هو مصدر السلام، ويهبه بسخاء لأولاده. ويزداد السلام كلما نموًّا روحيًا؛ حتى يكمل في الملكوت.
† طريق البر هو طريق السعادة، فتمسك به، واحفظ وصايا الله، فتنال بركاته، بل تمتلك الله في قلبك، وتتذوق الملكوت وأنت على الأرض، وحينئذ تستهين بالضيقات ولا تنزعج منها.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع12: الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ.
الشرير يتفكر بالشر ضد البار منذ بدء الخليقة، هذا ما فعله الشيطان مع آدم وحواء، ثم أسقطهم، وفعله قايين مع هابيل، وما زال حتى الآن.
إذا فشل الشرير في إيذاء البار يغتاظ، فيحرق عليه أسنانه، أي يجز على أسنانه من الغيظ؛ لأن البار تمسك بالله ووصاياه، فنجى من يد إبليس.
هذه الشرور التي يثيرها الشرير ضد البار مؤقتة في هذه الحياة، ولكن الله يرفعها في فترات كثيرة عن الأبرار، ثم يرفعها تمامًا في ملكوت السموات.
ع13: الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ!
الرب يضحك بالشرير الذي يدبر مؤامرات للأبرار، ويثق في قوته، ويظلم غيره لأن كل هذا مؤقت، سينتهى قريبًا بنهاية حياته، وكذلك يمكن أن ينهيه الرب إذ يفضح خططه ويحمى البار منه. فالله أقوى من الشرير، ولكنه يطيل أناته عليه لعله يتوب.
كما يضحك الشرير على البار ويؤذيه، أو يحاول أذيته، يضحك الله على الشرير، ويوقف شره، بل وينهى حياته، فيذهب إلى العذاب الأبدي، فكما يفعل الشرير يُفعل به. هذا الكلام المقصود منه أن ينتبه كل إنسان ولا يفعل الشر.
اليوم الآتي هو يوم الدينونة حيث يدان الشرير عن كل فكر، أو كلمة، أو فعل شرير؛ لذا فالبار الذي يخاف الله ويتذكر الدينونة يبتعد عن الشر ويحفظ وصايا الله.
ع14، 15: الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ، لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ، وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ.
المستقيم طريقهم: الذين يسيرون في طريق الرب المستقيم.
السيف والقوس هما أداتان حربيتان تظهران مؤامرات الأشرار ضد البار المسكين، الذي بلا سلاح. فهذا يبين مدى ظلم الأشرار وقسوتهم، واستغلالهم لضعف البار ماديًا، فيتآمرون عليه.
السيف يمثل الأداة الحربية الظاهرة التي يهجم بها الشرير على المسكين، والقوس يمثل الأداة الحربية الخفية التي يلقى بها الشرير السهام عن بعد، فتصيب المسكين، فالشرير يستخدم كل الوسائل الشريرة لإهلاك المسكين. ولذا فعقابهم قاسى من الله.
إن بر أولاد الله يثير ويفضح شر الأشرار، فبدلًا من أن يتوبوا ويعودوا إلى الاستقامة يغتاظون، فيهاجمون البار ليتخلصوا منه؛ حتى لا يظهر شرهم بقداسته.
العجيب أن الله يرد شرور الأشرار على رؤوسهم، فيحمى الأبرار، وترتد المؤامرات على الأشرار، فتصيب سيوفهم قلوبهم، أى تهلكهم، وإن بقوا على قيد الحياة تكون قلوبهم معذبة من الشر. ويظهر الله ضعف قسيهم فتنكسر، أي تفشل مؤامراتهم. والله يقصد بهذا تثبيت الأبرار في إيمانهم ودعوة الأشرار للتوبة، أما من لا يتوب فيؤذيه شره، كما هلك هامان وعلق على الخشبة التي أراد أن يصلب مردخاى عليها (أس7: 10)، وكما هلك شاول الملك في الحرب وهو الذي أراد أن يهلك داود (1 صم31: 4) وكما هلك أبشالوم ومات في الحرب وكان قد أراد إهلاك أبيه داود (2 صم18: 15).
ع16، 17: اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ، وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ.
سواعد: جمع ساعد وهو الذراع.
عاضد: مساند ومؤيد، أي المقوى عضد الإنسان وهو ذراعه.
إن كان الصديق يمتلك القليل، ولكن ببركة الله تكفيه وتفيض، أما الشرير فمهما كثرت ثروته لا يستفيد منها، بل يظل قلبه مضطربًا ولا يتمتع بحياته.
إن قوة الأشرار مؤقتة، وتنكسر سواعدهم أي يعجزوا عن العمل؛ سواء أثناء حياتهم على الأرض، أو بانتهاء هذا العمر، فلا يجدوا راحة في الأبدية؛ لأنهم يلقون في العذاب الأبدي.
الله عاضد ومساند للصديقين؛ لذا فقوتهم جبارة وبلا حدود؛ لأنها من الله نفسه، فلا يستطيع أن يغلبهم أحد ما داموا مع الله، كما انكسر فرعون وجيشه الجبار أمام بني إسرائيل بالضربات العشر، ثم بالغرق في البحر الأحمر.
الله يساند أولاده، ليس فقط في هذه الحياة؛ ليثبتوا في الإيمان به ويحفظوا وصاياه، بل يساندهم إلى الأبد في الملكوت؛ حيث يمتعهم بمجده العظيم.
ع18، 19: الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ، وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ. لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ.
الكملة: الكاملين.
الكملة هم الذين أحبوا الله، ويدركون أنهم صورة الله ومثاله، فيتشبهون به في كماله، في جهاد روحي، مرتفعين عن الماديات والكرامة، ومنشغلين بالوجود مع الله، وعمل الخير مع كل إنسان.
الله يعرف كل شيء فلماذا يذكر هنا أنه عارف أيام الكملة؟ المقصود أنه مهتم برعاية أيام الكملة؛ أي يعتنى بحياة أولاده الذين يسعون في طريق الكمال، فهو يحبهم لأنهم يتشبهون به.
الله عارف أيام الكملة، أي يلاحظ جهادهم وتعبهم في طريق الكمال، ويعد لهم مكانًا عظيمًا في الملكوت؛ ليعوضهم فيه عن أتعابهم على الأرض. هذا هو الميراث الأبدي.
الله يهتم بأولاده الكاملين أثناء الضيقات، وهي أيام السوء والجوع، وليس من الضرورى أن يرفع عنهم الضيقة، ولكنه يستطيع أن يحفظهم داخل الضيقة، كما حفظ إيليا أثناء المجاعة (1 مل17: 4، 9).
الله أثناء أيام السوء والجوع يشبع أولاده روحيًا، فلا ينزعجون من نقص الطعام، أو ضغوط الحياة رغم أنها تمر بهم، ولكن انشغالهم بالله يعطيهم سلامًا وراحة، فيعبرون الضيقة بهدوء.
ع20: لأَنَّ الأَشْرَارَ يَهْلِكُونَ، وَأَعْدَاءُ الرَّبِّ كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي. فَنُوا. كَالدُّخَانِ فَنُوا.
بهاء المراعى: الأعشاب التي تنمو في المراعى.
الأشرار هم أعداء الله، الذين يبتعدون عن وصاياه لانشغالهم بفعل الشر. فلأنهم منفصلون عن الله ومتمسكون بالشر، فلابد أن تكون نهايتهم الهلاك.
يشبه الأشرار بالأعشاب التي تنمو سريعًا وتجف وتذبل أيضًا سريعًا. فهم يمثلون الحياة السطحية، وليس لهم ثمر لذلك يفنون سريعًا، ولا يكون لهم تمتع بالله، حتى لو طالت حياتهم على الأرض، ولكن في الأبدية يهلكون، أي ينتهى تمتعهم المادي بانتهاء السيادة، ثم يكونون في العذاب إلى الأبد.
يشبه الأشرار أيضًا بالدخان، فإن كانت النار تبدو عظيمة ولكنها أيضًا تنطفئ، ولا تترك إلا الدخان الذي يرتفع إلى أعلى ويملأ مساحة كبيرة، ثم يتبدد ويفنى.
إن الأشرار إن وجدوا في المراعى التي ترمز للكنائس لكنهم مجرد عشب يفنى سريعا لأن حياتهم سطحية، أما المراعى فتمتلئ بقطعان الماشية، أي الكنائس تمتلئ بأولادها المملوئين دسمًا روحيًا، ويتمتعون بعشرة الله.
ع21: الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي.
الشرير طماع لا يكتفى بما عنده ويقترض ممن حوله ليشبع شهواته، ولكن لعدم وجود بركة الله معه يظل محتاجًا، ويعجز عن أن يفى ما اقترضه، فهو دائمًا يشعر بالحرمان بالإضافة إلى أنه يضايق من حوله، إذ يأخذ منهم ولا يعطيهم، وهذا ما أعلنته شريعة الله على يد موسى (تث28: 44).
الشرير أخذ من الله كثيرًا، ولكنه لا يفى بما عليه لله، فلا يشكر الله ولا يساعد غيره، فهو دائمًا يريد أن يأخذ ولا يعطى؛ لأنه أنانى، ويرفض فعل الخير.
شاول الملك استغل داود في قتل جليات، وكقائد حربى دافع عن بلاده ضد الفلسطينيين أعدائه، ولكن شاول لم يشكره، بل طارده، وحاول قتله طوال حياته؛ حتى مات شاول. وكذلك يهوذا الأسخريوطى أخذ من المسيح كثيرًا ولم يفِ له بأى شيء، بل على العكس باعه لليهود بدراهم، وكانت نهايته الهلاك؛ لأنه أنانى. واليهود استفادوا من المسيح في معجزاته، ولكنهم لم يشكروه، بل قاموا عليه وصلبوه، فهلكوا عندما دمر الرومان أورشليم عام 70 م.
أولاد الله الصديقون يتمتعون ببركة الله حتى لو كان الذي معهم قليلًا، فيشكرون الله عليه، ويميلون للعطاء، إذ أن قلوبهم مملوءة رحمة على المساكين، فيساعدون ويعطون كل محتاج، فتزداد بركات الله لهم، كما قالت الشريعة (تث15: 2).
† أشكر الله على عطاياه لك، فيزيدها لك لتتمكن من مساعدة من حولك. فعطايا الله ليست لك وحدك، بل لكل من حولك، أي لتعطى منها كل محتاج.
ع22: لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ.
الذى يرضى الله يباركه، فيرث الأرض، أي ينال بركات وخيرات على الأرض، ويشكر الله عليها، فيفيض عليه ببركات كثيرة، وهكذا يعيش في بركة الله وشكره.
المبارك من الله يرث الأرض، أي يرى الله على الأرض في كل عطاياه، فيتمتع بعشرته، ويمتلك الله؛ لأنه يشعر أن لله كل المسكونة، وهو ابن الله، فيدخل في أحضانه، ويراه في كل فضائل الآخرين، وكل ما على الأرض، فيحيا في فرح دائم.
المبارك من الله يرث الأرض الجديدة، وهي ملكوت السموات؛ لأنه عاش بأمانة على الأرض، فيستحق الحياة الأبدية معه.
الأشرار يفقدون بركة الله، فلا تبقى لهم إلا عدم البركة، أي اللعنة، فهؤلاء يحرمون من رؤية الله والإحساس به، فيقطعون من الوجود في حضرته، ويعيشون في ظلمة الخطية التي تؤدى بهم إلى ظلمة العذاب الأبدي.
ع23، 24: مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ تَتَثَبَّتُ خَطَوَاتُ الإِنْسَانِ وَفِي طَرِيقِهِ يُسَرُّ. إِذَا سَقَطَ لاَ يَنْطَرِحُ، لأَنَّ الرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ.
الله يحب أولاده المتمسكين بوصاياه، فيساعدهم في جهادهم الروحي، ويثبت خطواتهم في طريق الملكوت.
لأبوة الله ومحبته لا يترك أحد يعتنى بأولاده، بل بنفسه يهتم بهم؛ لأنه هو وحده الذي يعرف خفايا قلوبهم، وبالتالي يعرف ما يناسبهم، فهو يشعر بهم، ويثبتهم في طريقه مهما كانت العقبات. فالله قادر أن يزيلها، أو يعبر بهم فوقها.
يفرح الله جدًا بتجاوب أولاده معه وتمسكهم به، وفرح الله بأولاده الأبرار يفرحهم، ويدفعهم في جهاد أكبر للتمتع بعشرته.
إن أولاد الله معرضون للتجارب مثل باقى البشر، ولكن الله لا يجعل التجربة تسيطر عليهم، وتطرحهم على الأرض، فيفقدون قدرتهم على الجهاد الروحي، بل يمد يده ويسندهم؛ ليواصلوا الطريق معه إلى الملكوت.
أولاد الله أيضًا معرضون للسقوط في الخطية، ولكن إن سقطوا يلتجئون لله بالتوبة، فيسامحهم ويسندهم فلا ينطرحوا في الخطية، ولا يستسلموا لها. وبقوة الله يتغلبون على الخطية، بل يندفعون في جهاد أكبر ينميهم في محبة الله.
ع25، 26: أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا. الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ، وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ.
يقدم داود خبرة شخصية عملية وهي أن أولاد الله الصديقين لا يمكن أن ينساهم الله، بل يعتنى بكل احتياجاتهم، بل أيضًا يدبر احتياجات أولادهم فبركة الصديق تمتد إلى نسله، فيكونون أتقياء، ويباركهم الله، فلا يعوزهم شيء.
يرى القديس أوغسطينوس أن داود يتكلم بلسان الكنيسة، التي منذ بدايتها "فتى"، وحتى نهاية الأيام "قد شخت" لم يتخلَّ الله عن أحد أولادها الصديقين ولا عن نسله.
الصديق هو من أحب الله، وانشغل به، فطلب الملكوت السماوى قبل أي شيء، فهذا يدبر الله له احتياجاته، هو ونسله كما أعلن المسيح ذلك بوضوح في عظته على الجبل "أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم" (مت6: 33).
عناية الله بالصديق هي اشباعه روحيًا. والخبز الذي يعطيه لنسله هو الطعام الروحي، فهذا هو الأهم من الطعام المادي. وإن كان الله لا ينسى احتياجاته المادية أيضًا.
هناك صديقون جاعوا، مثل إبراهيم واسحق، اللذين ذهبا إلى جرار من أجل الخبز (تك26: 1) وبولس الذي تعرض للجوع (2 كو11: 27) ولكن الله لم يتخلَّ عنهم، ولم يموتوا جوعًا.
الصديق يتميز بالحنان والرأفة، فهو يشعر باحتياجات من حوله، وكما أحبه الله يحب من حوله، فيساعدهم، وإن احتاجوا للاقتراض منه يقرضهم.
إن حياة الصديق كلها انشغال بعمل الخير، فيومه كله يتراءف على من حوله في أنواع مختلفة من الخدمة، بل طوال عمره يظل يعمل الخير.
إن نسل الصديق يسير في طريق الرب مثله، فينال بركات الرب في حياته، كما يهتم أيضًا بمباركة من حوله، فيساعدهم ويعمل الخير معهم.
ع27: حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ، وَاسْكُنْ إِلَى الأَبَدِ.
يعلن داود أن صفات أولاد الله أمرين هما:
أ - الابتعاد عن الشر.
ب - صنع الخير.
ولا يكفى عمل واحدة من هاتين الوصيتين، بل يلزم تكامل الوصيتين معًا في حياة أولاد الله، فمن يبتعد عن الشر فقط ولا يصنع الخير هو إنسان لا يظهر بنوته لله المحب للخير، ومن يصنع الخير ولا يحيد عن الشر هو إنسان يعرج بين الفرقتين وليس ابنًا حقيقيًا لله.
مكافأة أولاد الله الذين يحيدون عن الشر ويصنعون الخير هي أعظم مكافأة، وهي الحياة الأبدية والسكنى فيها، أي الاستقرار إلى الأبد في الملكوت، بالإضافة لبركات الله في هذه الحياة، مثل نعمة السلام الداخلي.
ع28، 29: لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ. الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ.
الرب يحب الحق، وهو الفضيلة وصنع الخير، وهذا ما يفعله الأبرار، والصديقون؛ لذا يحبهم الله، ويباركهم ببركات كثيرة.
إن كان الشيطان يساند الأشرار في صنع الشر، فبالأولى الله لا يتخلى عن أولاده الصديقين، فيباركهم في حياتهم على الأرض ببركات كثيرة، وإن تعرضوا لآلام في الحياة الحاضرة، يعوضهم عنها بأمجاد لا يعبر عنها في ملكوت السموات.
الأشرار قد يزهون في الحياة الحاضرة، ويتمتعون ببعض الماديات، ولكنهم فاقدون سلامهم، ثم في الحياة الأبدية يقطعون من حضرة الله، ويلقون في العذاب الأبدي.
أما الصديقون، فيتمتعون بحياتهم على الأرض في عشرة الله، ثم يرثون الحياة الأبدية. وبهذا نجد تكرار ميراث الأرض ست مرات لبعض الفئات هم: أولًا منتظرو الرب المتكلون عليه (ع3، 9، 34) وثانيًا الودعاء (ع11) وثالثًا المباركون (ع22) وأخيرًا الصديقون (ع29). ونجد أنه في المرة الرابعة ذكر الصديقين وهم الذين يتصفون بالصفات الثلاث السابقة.
ع30: فَمُ الصِّدِّيقِ يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَلِسَانُهُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ.
اللهج هو الهذيذ، أي تكرار التفكير، والإحساس بأمر ما، وهذا يختص بالقلب، ثم يظهر على الفم، ففم الصديق يلهج بالحكمة، أي أن قلبه، وفكره، ولسانه وأيضًا أعماله كلها تتسم بالحكمة.
الحكمة هي كلمة الله، فعملها بالروح القدس في قلب الإنسان يظهر في اللسان، ثم الأعمال. فيتحدث الإنسان بكلمة الله، ومشيئة الله، وإرادته في كل حين.
الحق هو الله، فمن يحيا بالحكمة أى كلمة الله، بالطبع سينطق بالحق، أي كل شيء سليم، ويعلن الله في كلامه.
هذه أول مرة في سفر المزامير تذكر كلمة الحكمة، فمن يردد المزامير كثيرًا يمتلئ بالحكمة وينطق بها.
فم الإنسان أداة لتمجيد الله، ولذا يذكر سفر المزامير الفم واللسان كثيرًا (خمس وسبعين مرة) ليدعوا أولاد الله لتقديس ألسنتهم بترديد كلام الله، فيبتعد عنهم الشيطان، الذي يريد استخدام ألسنتهم في الشر.
ع31: شَرِيعَةُ إِلهِهِ فِي قَلْبِهِ. لاَ تَتَقَلْقَلُ خَطَوَاتُهُ.
ينشغل قلب الصديق بشريعة الله، فيتمتع بالتأمل فيها، ثم تظهر في سلوكه، أي خطواته، فهو يحيا بشريعة الله، ومن يحيا بها لا ينحرف عن طريق الله، ولا يهتز بشرور العالم، بل يسير في خطوات جادة نحو هدفه وهو الملكوت.
شريعة الله، أي وصاياه وأحكامه سند للإنسان في طريقه نحو الملكوت، فهي ليست ثقيلة عليه، أو تقيد خطواته، بل على العكس تشجعه، وتقوده في طريق الله، وتملأه سلامًا داخليًا.
ع32، 33: الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلًا أَنْ يُمِيتَهُ. الرَّبُّ لاَ يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ، وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ.
الشرير يستخدم سلطانه في هذا الزمان للإساءة إلى الصديق؛ لأن الشرير قد امتلأ شرًا، ولأن النور في حياة الصديق يكشف شر الشرير.
الشرير يراقب الصديق لا ليتعلم منه، ولكن ليسئ إليه؛ لأن الشر أعمى عينى الشرير؛ حتى أنه يريد أن يتخلص من الصديق.
يتدخل الله لينقذ الصديق من يد الشرير، مهما كانت قوة الشرير، كما خلص داود من يد شاول، ومردخاى من يد هامان، وسوسنة العفيفة من يدى الشيخين (دا13). في بعض الحالات يريد الله أن يعطى إكليلًا أعظم للصديق، فيتحمل إساءات الشرير طوال حياته، والله لا يتركه بأن يعطيه مجدًا أعظم في ملكوت السموات، بالإضافة إلى تعزيات وسلام وفرح على الأرض.
عندما يقف الصديق أمام الله في يوم الدينونة لا يحكم عليه، أو يدينه؛ أولًا لأنه يكون تائبًا عن خطاياه. وثانيًا يهمل الله الاتهامات الزور التي وجهها الشرير إليه في الحياة، فهي باطلة في نظر الله، وعلى العكس يعوضه عن احتماله للشرير ببركات عظيمة في السماء.
حاول الكتبة والفريسيون أن يهلكوا المسيح مرات كثيرة، وكانوا يراقبونه ليصطادوا عليه خطأ؛ فهذه النبوة تنطبق عليه، وقال لبيلاطس "لم يكن لك علىَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق" (يو19: 11).
ع34: انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ. إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ.
في النهاية هذا الجزء يحدثنا عن حماية الله لأولاده الصديقين، فيدعو الله أولاده إلى انتظاره، وحفظ طريقه، أي التمسك بوصاياه والسلوك المستقيم، وعدم الانزعاج من قسوة الأشرار، وتسلطهم لأنه مؤقت وزائل.
يعلن الله مكافأة الأبرار، وهي رفعهم إلى السماء؛ ليسكنوا في الأرض الجديدة وهي ملكوت السموات؛ لينالوا راحة وبركة عوض كل ما احتملوه على الأرض.
يُضاف إلى هذه المكافأة أن الأبرار يرون بعيونهم زوال مجد الأشرار، بل انفصالهم عن الله وإلقائهم في الجحيم. وهذه المكافآت هي هبة إلهية من الله الذي يرفعهم، ويعطيهم ما يفوق العقل في السماء.
† تمسك بوصايا الله ولا تتشكك في طريق الله، مهما رأيت نجاح الأشرار، بل صلى لأجلهم لعلهم يتوبون.
ع35، 36: قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ. عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ.
عاتيًا: جبارًا.
وارفًا: صفة للشجرة الممتدة ذات الأفرع والأوراق الكثيرة، والظل المتسع.
شارقة: شجرة تنمو في موطنها الأصلى وعلى مجارى الأنهار. فهي شجرة طبيعية تنمو بقوة في تربتها الأصيلة.
ناضرة: مملوءة حيوية.
الشرير يتعاظم في مجد كبير على الأرض كجبار، وله سلطان كبير مثل الشجرة الوارفة التي تغطى على غيرها، ولكن كل هذا مؤقت، وينتهى سريعًا أثناء حياته على الأرض، أي يبدل حاله، ويفقد عظمته ويصير ذليلًا، كما حدث مع نبوخذنصر ملك بابل العظيم عندما طُرد من مملكته وعاش كالحيوانات. وقد تمتد عظمته على الأرض طوال حياته، ولكن يكون له العذاب في الأبدية، ولا يوجد في حضرة الله.
الشرير يبدو قويًا كالشجرة التي تنمو في موطنها الأصلى، وتشرب من مياه الأنهار القريبة منها، وتمتلئ حيوية، ولكن كل هذا ظاهرى لأن في داخل الشرير اضطراب، فهو فاقد سلامه رغم مجده الخارجي.
إن حياة الشرير إن قيست بالأبدية فهي لا شيء، وتشبه شخصًا عبر سريعًا واختفى، فهو بلا قيمة أمام الله، رغم إبهاره للناس حوله في حياته على الأرض، لكن ليس له وجود أمام الله؛ لأنه لم يعرف الله ولا عاش نقيًا، ولم يعمل الخير. وكذلك البار لا يلتفت للشرير مهما كان مجده، إذ يرى أفعاله الشريرة التي لا تبنى ولا تفيد.
من يتكبر ويتعاظم تنتهي حياته سريعًا ويظهر ضعفه، مثل فرعون مصر أيام موسى؛ الذي تكبر على الله، فضربه الله بالضربات العشر، ثم غرق في البحر.
ع37، 38: لاَحِظِ الْكَامِلَ وَانْظُرِ الْمُسْتَقِيمَ، فَإِنَّ الْعَقِبَ لإِنْسَانِ السَّلاَمَةِ. أَمَّا الأَشْرَارُ فَيُبَادُونَ جَمِيعًا. عَقِبُ الأَشْرَارِ يَنْقَطِعُ.
العقب: النهاية.
يدعو داود لمراقبة الإنسان البار الذي يسلك بالكمال والاستقامة، فهو يحيا مع الله، وحياته قدوة لمن حوله، ويستحق أن يتتلمذ على يديه الآخرون.
نهاية الإنسان تظهر طبيعة حياته وسلوكه، فالبار الذي تمتع بالسلام، وصنع السلام في كل خطواته تكون نهايته السعادة الأبدية في الملكوت. أما الشرير الذي انغمس في شروره، فيهلك ويبيده الله، ويلقى في العذاب الأبدي، ولا يتمتع بشئ من أمجاد الملكوت.
ع39، 40: أَمَّا خَلاَصُ الصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، حِصْنِهمْ فِي زَمَانِ الضِّيقِ. وَيُعِينُهُمُ الرَّبُّ وَيُنَجِّيهِمْ. يُنْقِذُهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ وَيُخَلِّصُهُمْ، لأَنَّهُمُ احْتَمَوْا بِهِ.
إن كان الصديقون يتعرضون لضيقات كثيرة، ويظهر ذلك أمام الشرير، لكن الله يتدخل بقوته ونعمته، ويخلصهم، لذا فهم مطمئنون مهما أحاط بهم الأشرار، لأن الله يعتنى بهم ويخلصهم.
إن خلاص الأشرار ليس المقصود به الخلاص من الضيقات المادية، فهي الأمر الأقل أهمية، ولكن بالأحرى الخلاص من الخطية، ومكايد إبليس، فالله ينجيهم ما داموا يلتجئون إليه.
حماية الله للصديقين تشبه حصن لا يمكن اقتحامه، فهي حماية دائمة وقوية، ولذا يتمتع الصديقون بالسلام الداخلي.
زمن الضيق هو وقت السقوط في الخطية، فالصديق يلتجئ لله فينجيه منها، وإن سقط يتوب، فيرجعه الله لأحضانه.
وزمن الضيق هو حياتنا في العالم حيث نقابل ضيقات، ولكن الله ينجى أولاده منها، ويحولها لخيرهم.
وفى النهاية زمن الضيق هو يوم الدينونة حيث يصير الله حصنًا لأولاده، ويأخذهم للملكوت، ويحميهم من سلطان إبليس. أما الأشرار فيذهبون للعذاب الأبدي.
إن كانت الضيقات توجد في هذا العالم والأشرار يحيطون بالأبرار، ولكن الله يصير حصنًا لأولاده طوال العمر حتى يأخذهم للملكوت، أما الأشرار فيرسلون للهلاك، مثل الحنطة والزوان اللذين ينميان معًا، فتجمع الحنطة للمخازن، أما الزوان فيحرق بالنار (مت13: 30).
† التجئ إلى الله بثقة في كل ضيقاتك، وفى كل حروب إبليس التي يحاربك بها، فهو قادر ان ينجيك مهما كان ضعفك، ويحميك مهما أحاطت بك التهديدات.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 38 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 36 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-037.html
تقصير الرابط:
tak.la/7wrrbc3