← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
المزمور السَّادِسُ والثمانون
صلوة لداود
"آمل يا رب أذنك. استجيب لي ..." (ع1)
كاتبه
متى كتب
يناسب النفس المحتاجة إلى الله، أو في ضيقة، ولكن إيمانها قوي به؛ فهذه الصلاة تسندها وتعطيها رجاء.
هذا المزمور ليتورجي، فكان يرنم من اللاويين والشعب في يوم الكفارة العظيم، الذي يرمز ليوم الجمعة العظيمة.
هذا المزمور صلاة شاملة، أي تشمل الطلبة والتوبة، والشكر، والتسبيح، فهي متعددة الجوانب، تظهر أن داود رجل صلاة، وتشجع كل من يحب الصلاة، فتغطي جوانب حياته المختلفة.
يوجد هذا المزمور في صلاة الساعة السادسة التي فيها صلب المسيح؛ لأنه مملوء بالصلوات والتضرعات من قلب محتاج تائب، فهو يتطلع إلى المسيح الفادي ليستجيب له، ويخلصه من أعدائه، ويفرح قلبه. وكذلك يمثل هذا المزمور صلوات المسيح المتألم على الصليب، والذي بموته انتصر على الشيطان وقيده، وداس الموت بموته.
(1) طلبات المحتاج (ع1-5)
(2) الله العظيم (ع6-10)
(3) شكر الله (ع 11 - 13)
(4) الله المعين (ع 14 - 17)
ع1: أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ. اسْتَجِبْ لِي، لأَنِّي مِسْكِينٌ وَبَائِسٌ أَنَا.
يطلب داود من الله أن يتنازل ويميل أذنه؛ لأنه هو الله العظيم، المتعالي فوق كل خليقته. ويعلن داود أنه مسكين وبائس؛ لأنه ضعيف، وخاطئ، ومطرود من أورشليم. وبالتالي لا يتمتع بعبادة الله في بيته، ويشعر باحتياجه إلى الله. ولذا يطلب أن يستمع إليه ويميل أذنه، أي يهتم بصلاته، ويستجيب له. فهذا يبين اتضاع داود، واعلانه لاحتياجه الشديد.
هذه الآية نبوة عن المسيح المتضع، والمتألم على الصليب، فيعلن أمام الآب أنه صار في صورة المسكنة والبؤس لفداء البشرية، ويطلب كإنسان من الآب أن يتنازل، ويستمعه، ويتسجيب له.
ع2: احْفَظْ نَفْسِي لأَنِّي تَقِيٌّ. يَا إِلهِي، خَلِّصْ أَنْتَ عَبْدَكَ الْمُتَّكِلَ عَلَيْكَ.
يعلن داود أن سبب تقواه هو اتكاله على الله، ولأنه يخاف الله، ويتكل عليه، فيطلب من الله أن يحفظه من الأشرار الذين يريدون إهلاكه. وفي نفس الوقت يدافع عن نفسه أمام الأشرار الذين يتهمونه بالشر، ويطاردونه، فيقول لله أني أخافك وأتقيك، وليس كما يتهمونني، وأنا عبدك الخاضع لك، والمتكل عليك.
هذه الآية أيضًا نبوة عن المسيح التقي، أو البار المتكل على الله، الذي أخذ صورة العبد بتجسده، ويطلب من الآب أن يحفظه أمام قسوة الأشرار، الذين صلبوه؛ ليؤكد ناسوته.
ع3: ارْحَمْنِي يَا رَبُّ، لأَنَّنِي إِلَيْكَ أَصْرُخُ الْيَوْمَ كُلَّهُ.
تبين هذه الآية مدى معاناة داود؛ لأن الضيفات أحاطت به طوال اليوم، ولفترة طويلة، فكان يصرخ إلى الله طالبًا رحمته؛ لأنه الرجاء الوحيد له، والقلب الحنون القادر أن يحتضنه مهما كانت شرور الأعداء، وهكذا استمر داود يصرخ إلى الله سنينًا كثيرة حتى تعود الصلاة، فصارت حياته كلها صلاة، ولم تعطله مسئوليات الملك عن الله، فهو ممسوح ملكًا منذ كان صبيًا، وطارده شاول، ثم بعد تملكه طرده أبشالوم؛ في كل هذا ظل يصرخ طالبًا رحمة الله.
ع4: فَرِّحْ نَفْسَ عَبْدِكَ، لأَنَّنِي إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي.
إن داود يثق في الله ليس فقط أن يحفظه أثناء الضيقة، بل أيضًا أن يفرح قلبه. وقد سعى داود، وجاهد برفع قلبه إلى الله، أي ارتفع عن انشغالات العالم وشهواته، وهمومه، طالبًا رؤية الله التي تعطيه الفرح.
ع5: لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ، وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِكُلِّ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ.
يختم داود هذا الجزء من صلاته بإظهار صفات الله التي شجعته أن يطلب إليه الطلبات السابقة. وهذه الصفات هي:
أنه صالح فلا يرضى عن الشرور الموجهة لداود.
أنه غفور، فيشجع هذا داود أن يتقدم نحو الله، القادر أن يغفر خطاياه، وهذا يبين اعتراف داود بأنه خاطئ محتاج للغفران.
كثير الرحمة فيهتم بداود المسكين المطرود من الأشرار والمحتاج لرحمة الله.
† مراحم الله تشجعك أن تتقدم نحوه مهما كانت خطاياك، ومهما كان ضعفك فهو يعتني بك، ويحفظك، ويحميك من كل شر، بل ويعطيك سلامًا ويفرح قلبك، فتفرح ولا تتوانى؛ لأنه يحبك.
ع6: اِصْغَ يَا رَبُّ إِلَى صَلاَتِي، وَأَنْصِتْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي.
يتقدم داود نحو الله باتضاع طالبًا أن يسمع صلاته، وتضرعاته. ومن شدة احتياجه يقول "اصغ" وانصت" ؛ لأن آلامه كثيرة، ويحتاج أن يستمعها الله بتدقيق، وينقذه منها. وواضح أنه يصلي مرات كثيرة، إذ يقول تضرعات؛ لأن آلامه متوالية، ولكن رجاءه واثق في الله.
ع7: فِي يَوْمِ ضِيقِيْ أَدْعُوكَ، لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي.
اختبر داود مساندة الله في حياته واطمأن إلى الاتجاء إليه، لذا عندما حلت به ضيقة يدعو الله سريعًا، فيستجيب له، فقد تعلم، وتعود أن يطلب الله في كل ضيقة، فينقذه منها.
ع8: لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ.
تدخل الله لإنقاذ أولاده في ساعة الضيقة تدخل قوي جدًا؛ لأنه الله قادر على كل شيء، وهو بالطبع أعلى من جميع الآلهة الوثنية التي هي شياطين. وأعماله أعظم من أي أعمال، كما خلص شعبه من يد فرعون مصر، وكذلك فيما بعد من يد سنحاريب ملك آشور.
ع9، 10: كُلُّ الأُمَمِ الَّذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ، وَيُمَجِّدُونَ اسْمَكَ. لأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ.
قوة الله الظاهرة في شعبه أمام باقي الشعوب تجذب هؤلاء الشعوب، أي الأمم إلى الإيمان، ويعلنون إيمانهم بحضورهم إلى أورشليم،والسجود لله، الذي هو عظيم وصانع العجائب. وأعظم عجائبه هي تجسده، وفدائه، وقيامته، بالإضافة إلى معجزاته المتعددة، والتي تثبت إيمان شعبه، وكذلك الأمم المؤمنة به، وهكذا تتكون الكنيسة من اليهود والأمم المنتصرين.
† إن كانت أعمال الله قوية وعجيبة، فلا تضطرب إذا واجهتك أية ضيقة، أو مشاكل، فإلهك قادر على كل شيء، فهو ينقذك، ويحفظك، بل يهبك سلامًا يفوق كل عقل.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع11: عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ. أَسْلُكْ فِي حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ.
يطلب داود من الله أن يعلمه طريقه. والطريق هو المسيح، أي أعطني يا الله معرفتك، خاصة وأنه لا يمكن معرفة الله بدون مساندته، وعندما أعرفك استطيع أن أسلك في حقك، الذي هو الابتعاد عن الخطية، واقتناء نقاوة القلب، ومن ناحية أخرى السلوك في الفضائل المختلفة، وهي الحياة الروحية المعاشة.
يطلب أيضًا داود من الله أن يوحد قلبه لمخافته، فلا يكون قلب منقسم بين محبة العالم، ومحبة الله، بل يكون هدفه هو مخافة الله، فيرفض كل شر، وحينئذ يستنير روحيًا، ويتمتع بعشرة الله.
ع12: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ إِلهِي مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَأُمَجِّدُ اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ.
إذ توحد قلب داود بمخافة الله انطلق قلبه، وكل مشاعره لتسبيح الله، وإذ تلذذ بها على الأرض اشتاق أن يظل فيها إلى الأبد في ملكوت السموات.
ع13: لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى.
رأي داود بروح النبوة تجسد المسيح وفدائه، فأعلن أن رحمة الله عظيمة عليه، والتي سينالها في ملءالزمان، فيصعده المسيح من الهاوية السفلى؛ لأن الجحيم فيه درجات. فالمسيح ينجي أولاده من كل خطاياهم، حتى لو كانوا في أسفل الجحيم، أي أصعب درجاته.
† لا تنسى أن تشكر الله كل يوم على عطاياه، فهذا يملأ قلبك فرحًا ويزيد تمتعك بعطاياه، بالإضافة إلى فيض عطايا جديدة يسكبها الله عليك.
ع14: اَلَّلهُمَّ، الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ، وَجَمَاعَةُ الْعُتَاةِ طَلَبُوا نَفْسِي، وَلَمْ يَجْعَلُوكَ أَمَامَهُمْ.
العتاة:
الجبابرةإن أعداء داود قاموا عليه ليهلكوه، ولأنهم تركوا الله ففقدوا مخافته، وبالتالي أصبح من السهل أن يظلموا غيرهم، بل ويقتلونهم، ولذا لم يكن فرصة للنجاة من يدهم إلا بقوة الله؛ لأنهم جبابرة، ومتكبرين، ومصرين على الشر.
اليهود الذين قاموا على المسيح هم المتكبرون، والجبابرة، الذين استعانوا بالسلطة الرومانية، وصلبوا المسيح؛ لأنهم لم يخافوا الله، فقتلوا المسيح، ولكنه بقوته قام من الأموات. وهكذا يفعل أيضًا الشياطين في حروبهم ضد البشر، ولكن الله ينجي أولاده، وينصرهم على الشياطين.
ع15: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ.
إن كانت الشياطين، وكل الأشرار التابعين لهم قساة القلوب، ويريدون إهلاك الأبرار؛ لأن ليس خوف الله أمامهم؛ لذا يتدخل الله برحمته، ورأفته ليحمي أولاده، بل أيضًا يطيل أناته عليهم مهما كانت خطاياهم، ويعطيهم فرصة للتوبة، خاصة وأنه أكمل الحق والرحمة في صليب المسيح؛ لأنه بفدائه وفيَّ دين الخطية، وقدم برحمته خلاصًا لشعبه.
ع16: الْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي. أَعْطِ عَبْدَكَ قُوَّتَكَ، وَخَلِّصِ ابْنَ أَمَتِكَ.
يطلب داود من الله أن ينظر إليه، ويرحمه، وينقذه من أيدي أعدائه. ويطلب بدالة لأنه عبد الله، وابن أمته؛ أي التابع له، والمولود في بيته، وبالتالي يستطيع أن يتمتع برعاية الله وحمايته.
هذه الآية نبوة عن المسيح المصلوب، الذي صرخ قائلًا - وهو على الصليب - إلهي إلهي... (مت 27: 46) لأنه وضع نفسه كإنسان وصار في صورة العبد، وهو ابن العذراء أمة الله، أي عبدته. فهو ابن بالجوهر، وليس مثل باقي البشر الذين هم أولاد بالتبني.
ع17: اصْنَعْ مَعِي آيَةً لِلْخَيْرِ، فَيَرَى ذلِكَ مُبْغِضِيَّ فَيَخْزَوْا، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ أَعَنْتَنِي وَعَزَّيْتَنِي.
يطلب داود من الله أن يصنع معه آية صالحة يراها من حوله ممن يبغضوه، فيخجلوا ويخزوا، وذلك بأن ينقذ داود من أيديهم، ويمجده، وهذا ما حدث فعلًا. وتكرر هذا مع المسيح الذي التفت إليه الآب وظهرت فيه أعظم آية في العالم وهي قيامته من الأموات، فخزيت الشياطين.
إن كان المزمور كله يطلب رحمة الله ومعونته، فيعلن داود بإيمان وثقة في نهاية المزمور أن الله قدم له معونة كبيرة، وعزى قلبه، وبعد هذا تمت نعمة الله لداود بعد قتل أبشالوم، إذ رجع داود لعرشه بإكرام عظيم.
† اطلب باتضاع كل ما تريده من الله، فيستجيب لك؛ لأنه يحب المتضعين ويسرع إليهم، وينقذهم من كل شر.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 87 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 85 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-086.html
تقصير الرابط:
tak.la/fz7cvgn