← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10
المزمور المئة والحادى والأربعون
مزمور لداود
"يا رب إليك صرخت أسرع إلىَّ أصغ إلى صوتى عندما أصرخ إليك" ع1
كاتبه
متى كتب
يناسب كل إنسان يريد أن يحيا مع الله ويبتعد عن الشر، ويواجه امتحانات وتجارب، ويستعد لأبديته.
هذا المزمور ليتورجى، فكان يصلي في المساء عند تقديم المحرقة المسائية.
يوجد في الأجبية في صلاة النوم، لأنه في نهاية اليوم يراجع الإنسان نفسه ويطلب من الله أن يحفظه من الشر وينجيه.
(1) صرخة للحفظ من الشر (ع1-4)
(2) خلاص الأبرار وهلاك الأشرار (ع5-10)
ع1:
يَا رَبُّ، إِلَيْكَ صَرَخْتُ. أَسْرِعْ إِلَيَّ. أَصْغِ إِلَى صَوْتِي عِنْدَ مَا أَصْرُخُ إِلَيْكَ.يصرخ داود إلى الله، ويطلب منه أن يسمعه باهتمام، بل ويسرع إلى نجدته، وهذا يبين:
أ - ضيقته الشديدة، واحتياجه السريع لتدخل الله.
ب - دالة داود عند الله، وبنوته له، فيقول أسرع وأصغِ.
جـ- استمراره في الصراخ، وبالتالي احتياجه الدائم أن يسمعه الله. وهذا ما يحدث في حياة المؤمنين في العهد القديم، وفى كنيسة العهد الجديد.
الصراخ يعني صلاة ليست فقط بالشفاه، بل بالفكر وكل مشاعر القلب، وأحيانًا يكون الصراخ من داخل الإنسان ولا يصاحبه كلمات من الخارج، كما فعل موسى وهو أمام البحر الأحمر وخلفه جيش فرعون (خر14: 15).
ع2: لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ.
يقدم داود صلاته، ويتمنى أن تكون مثل البخور الذي يحترق أمام الله؛ ليفيح رائحة زكية ترضى الله. ويشبه رفع يديه بالذبيحة المسائية وهي المحرقة التي كان يقدمها اليهود كل مساء على المذبح النحاس لإرضاء الله. واليدان ترمزان دائمًا للأعمال، ورفعهما أمام الله يعنى تقديم الأعمال الصالحة التي عملها داود طوال اليوم، ويقدمها لله.
قدم البخور عن الذبيحة؛ لأن البخور يقدم في القدس وقدس الأقداس، أما الذبيحة فتقدم على المذبح النحاسى خارج القدس. والذبيحة المسائية تحرق كلها أمام الله؛ ليتنسم الله رائحة الرضا، وهكذا أيضًا البخور يحرق كله أمام قدس الأقداس إرضاءً للعدل الإلهي.
يوضع البخور على فحم مشتعل ليحترق البخور ويعطى رائحته الزكية، هكذا القلب إذا اشتعل بحب الله، يميل للبذل والتضحية ليرضى الله، وتكون صلواته حارة تصعد سريعًا إلى السماء.
هذه الآية نبوة عن المسيح الذي قدم نفسه وقت المساء على الصليب، ورفع يديه المسمرتين على الصليب، ومات لأجلنا، فهو المحرقة التي قدمها رئيس الكهنة ربنا يسوع المسيح، أي قدم ذاته على الصليب، وصعد كرائحة بخور، واشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة (تسبحة الأحد).
في كنيسة العهد الجديد يقدم الكهنة الذبيحة الحقيقية على المذبح، وهي جسد الرب ودمه. ولكن أيضًا كل المؤمنين هم كهنة بالمفهوم العام للكهنوت، وليس المفهوم الخاص للكاهن وكيل الله لإتمام الأسرار، فكل مؤمن يقدم صلواته، وتسابيحه، وخدمته، وكل أعماله الصالحة كذبيحة وبخور أمام الله كل يوم.
ع3: اجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِسًا لِفَمِي. احْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ.
اللسان عضو هام جدًا في الجسم إذ يخرج منه الكلام الذي يعبر عن الإنسان، سواء بالصالحات، أو الشرور؛ لذا يطلب داود من الله أن يحفظ فمه، وشفتيه اللتين تقفان أمام اللسان كباب، فهي تمثل ضبط اللسان، ويؤكد يعقوب الرسول خطورة اللسان (يع3).
يطلب داود حارسًا للفم، أي تنبيهًا خارجيًا لكي لا يخطئ اللسان، مثل حدوث أي حدث يعطل الكلام، أو مقاطعة إنسان آخر .. ويطلب أيضًا حفظًا لكلامه، أي ضبط داخلي من الإنسان، فينتبه ولا يتكلم بالشر.
يطلب داود من الله حراسة، وحفظ للسانه؛ حتى يتكلم بما يرضى الله، ويصمت عن الكلام الشرير، بالإضافة إلى صمته لأجل الحديث مع الله، وكذلك يسمع الآخرين فيفهمهم، ويطلب إرشاد الله فيتكلم بما يسمح له به.
ع4: لاَ تُمِلْ قَلْبِي إِلَى أَمْرٍ رَدِيءٍ، لأَتَعَلَّلَ بِعِلَلِ الشَّرِّ مَعَ أُنَاسٍ فَاعِلِي إِثْمٍ، وَلاَ آكُلْ مِنْ نَفَائِسِهِمْ.
بعد أن طلب داود ضبط لسانه انتقل إلى مصدر البركات، أو الشر، وهو القلب الداخلي، فطلب من الله أن لا يسمح لقلبه أن يميل إلى الشر، بل يميل دائمًا للخير، وبالتالي يتكلم لسانه بالصالحات. فليس المطلوب ضبط اللسان وترك القلب يميل إلى الشر؛ لأن الشر سيصير مكتومًا داخل الإنسان، وسينفجر ويظهر بعد ذلك، لكن المطلوب تنقية القلب، فيخرج الكلام الصالح تلقائيًا (لو6: 45).
طلب أيضًا داود أن لا يتمادى قلبه في الشر، ويدعم شره بأفكارٍ فاسدة، وأن لا يتفق مع فاعلى الإثم في شرورهم، ولا يختلط بهم فيجلس في مجالسهم ويأكل من نفائسهم، أي أطعمتهم اللذيذة التي يمكن أن تثير شهواته، بالإضافة لكلامهم وأعمالهم الرديئة، والمقصود كثرة الاختلاط مع الأشرار، وبالتالي يتأثر بسلوكهم. والخلاصة يطلب انضباطه مع الأشرار، وعدم إشتراكه في أفعالهم الرديئة.
† تذكر أن هدفك في الحياة هو الوجود مع الله وتسبيحه، وتقديم حياتك ذبيحة حب لله، واهتمام بالآخرين. ولا تشترك مع الأشرار في شرورهم، بل احفظ قلبك ولسانك في نقاوة من أجل الله.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع5:
لِيَضْرِبْنِي الصِّدِّيقُ فَرَحْمَةٌ، وَلْيُوَبِّخْنِي فَزَيْتٌ لِلرَّأْسِ. لاَ يَأْبَى رَأْسِي. لأَنَّ صَلاَتِي بَعْدُ فِي مَصَائِبِهِمْ.لا يأبى : لا يرفض أي يقبل.
حتى يحتفظ داود بنقاوة قلبه ولسانه يقبل ليس فقط تأديبات الله المباشرة، بل أيضًا تأديبات وضربات الصديقين، أى الأبرار. ويعتبر هذا رحمة له، إذ تمنعه عن الشر. وتوبيخات الأبرار تنخسه؛ حتى لا يسقط في الخطية، بل يعتبرها كزيت يدهن رأسه؛ إذ كان القدماء عند استقبال ضيوفهم في الولائم يدهنون رؤوسهم بزيت معطر، فيعتبر داود توبيخ الأبرار زيت معطر على رأسه يقبله؛ لأنه سيشفيه من خطاياه، مثل قبوله توبيخ ناثان النبي على خطيته ومن محبة داود للأبرار يصلى من أجلهم إذا أتت عليهم مصائب.
في الترجمة السبعينية يقول إن "زيت الخاطئ لا يدهن رأسى" وعلى الجانب الآخر لا يقبل داود الزيت الذي يدهنه به الخطاة، إذ أن اهتمام الخطاة به نفاق. ويصلى داود أن ينجيه الله من مصائبهم، أي نفاقهم، ويصلى حتى ينتبه الخطاة ويتوبوا ويرجعوا لله، كما كان يصلى من أجل ابنه أبشالوم المنافق الذي سعى لانتزاع الملك منه وطرده.
ع6: قَدِ انْطَرَحَ قُضَاتُهُمْ مِنْ عَلَى الصَّخْرَةِ، وَسَمِعُوا كَلِمَاتِي لأَنَّهَا لَذِيذَةٌ.
إنطراح قضاة الأشرار، أي عظمائهم من على الصخرة؛ هذا ما حدث لشاول وعظماء جيشه إذ قتلوا في الحرب مع الفلسطينيين. أما داود فلم يقتل شاول عندما سقط بين يديه، بل عاتبه بكلمات لذيذة تحمل الحب والخضوع، وأيضًا بعد موت شاول اهتم بنسله وهو مفيبوشث، وهذه المحبة تعتبر ككلمات لذيذة.
القضاة، أي عظماء الأشرار المتكبرين انطرحوا من أجل كبريائهم، أما المتواضعون، مثل داود فوهبهم الله كلمات لذيذة، وارتفع وصار على عرش الملك.
تنطبق هذه الآية على المسيح عندما قام عليه عظماء العالم من اليهود والأمم وصلبوه، وسقطوا في خطية عظيمة، واصطدموا بالصخرة التي هي المسيح، والشيطان نفسه محركهم قيده المسيح بالصليب. وتنطبق أيضًا هذه الآية على الهراطقة الذين قاوموا تعاليم المسيح، فسقطوا تحت دينونته، وفى الترجمة السبعينية يقول أن هؤلاء العظماء قد "ابتعلوا عند الصخرة" أى أن المسيح اجتذبهم وغيرهم وآمنوا به، كما حدث مع شاول الطرسوسى، أي بولس الرسول.
ع7: كَمَنْ يَفْلَحُ وَيَشُقُّ الأَرْضَ، تَبَدَّدَتْ عِظَامُنَا عِنْدَ فَمِ الْهَاوِيَةِ.
يشبه داود ما حدث له هو ورجاله عند هروبهم أمام شاول بالتراب الذي يتناثر عندما يشق الفلاح الأرض بالمحراث، هكذا أيضًا تبددت نفوس رجال داود عند فم الهاوية، أي قاربوا الموت من شدة ما تعرضوا له من الجوع والعطش والإجهاد نتيجة الجرى والهرب. فهو يعبر عن المعاناة الشديدة التي احتملها أمام مطاردة شاول.
لأَنَّهُ إِلَيْكَ يَا سَيِّدُ يَا رَبُّ عَيْنَايَ. بِكَ احْتَمَيْتُ. لاَ تُفْرِغْ نَفْسِي. احْفَظْنِي مِنَ الْفَخِّ الَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ لِي، وَمِنْ أَشْرَاكِ فَاعِلِي الإِثْمِ. لِيَسْقُطِ الأَشْرَارُ فِي شِبَاكِهِمْ حَتَّى أَنْجُوَ أَنَا بِالْكُلِّيَّةِ.
أشراك : جمع شرك، أي فخ أو مصيدة.
يختم داودالمزمور برجاء في الله الذي رفع إليه عينيه باتضاع؛ حتى يحميه من الأشرار، ولا يفرغ نفسه، أي يتركه يهلك، أو تفرغ نفسه من الإيمان والشجاعة، فيصير ضعيفًا، ويبتعد عن الله.
يطلب أيضًا من الله أن يحفظه من فخاخ الأشرار التي تبغى إهلاكه، بل على العكس يسقط الخطاة في شباكهم وفخاخهم، أما داود فينجو وحده بالتمام، وهذا ما حدث إذ مات شاول وأبناؤه في الحرب، ونجا داود وملك على بني إسرائيل.
هذه الآيات نبوة عن المسيح الذي صلى في بستان جثسيماني إلى الآب، ونصب له اليهود الصليب كفخ وقتلوه، ولكنه نجا بقيامته، أما هم فهلكوا عام 70 م بيد تيطس الروماني، الذي دمر أورشليم وقتل عددًا ضخمًا من اليهود.
† إن اتضعت وقبلت تأديب الله وتوبيخ المحبين لك، فالله ينجيك من كل شر، مهما كانت مؤامرات الأشرار، بل تأتى على رؤوسهم، وتظل أنت في سلامك.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 142 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 140 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-141.html
تقصير الرابط:
tak.la/b44yjzj