← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11
المزمور السَّابِعُ والخمسون
لإمام المغنين. على لا تهلك. مذهبة لداود عندما هرب
من قدام شاول في المغارة
"ارحمني يا الله ارحمني.." (ع1)
كاتبه
متى كتب
يناسب هذا المزمور كل إنسان يمر بضيقات كثيرة، ويحيط به أعداؤه، فيرفع قلبه إلى الله مخلصه، وبعدما ينقذه يشكر الله، ويسبحه.
هذا المزمور تم تلحين كلماته بلحن يسمى "لا تُهلك"، وقد تم تلحين المزمورين التاليين لهذا المزمور وهما (مز58، 59) وكذلك (مز75) على نفس اللحن. وقد تشير كلمة لا تهلك إلى آلة موسيقية ذات تسعة أوتار، صاحبت تقديم المزمور.
يعتبر هذا المزمور من المزامير المتميزة التي ألفها داود؛ لذا يسمى مذهبة، وكان يكتبه اليهود بماء الذهب.
هذا المزمور كان يرنمه جماعة من اللاويين بقيادة قائد يسمى إمام المغنين. فهو مزمور ليتورجى ترنمه جماعة بني إسرائيل المجتمعين في هيكل الله، خاصة في أوقات الضيقات والألم.
يعد هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأنه يحدثنا عن أحداث كثيرة في حياة المسيح، مثل قيامة المسيح باكرًا في فجر الأحد (ع8)، ويحدثنا عن صعوده إلى السموات (ع5).
الجزء الأخير من هذا المزمور (ع7-11) مكرر في (مز108: 1-5).
يوجد هذا المزمور في الأجبية في صلاة الساعة السادسة، التي تم فيها صلب المسيح؛ لذا فهو يحدثنا عن الضيقات التي قابلها المسيح، ولكن بعد أن مات قام من الأموات.
(1) طلب الحماية (ع1-6)
(2) أغنية الخلاص (ع7-11)
ع1: اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ ارْحَمْنِي، لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي، وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ.
يطلب داود الرحمة مرتين من الله؛ لاحتياجه الشديد لمعونته وحمايته. وطلب الرحمة مرتين يشير إلى حاجة اليهود والأمم للرحمة.
يطلب داود حماية الله تحت جناحيه، وقد شبه الله نفسه بدجاجة تجمع فراخها تحت جناحيها (لو13: 34). وحماية الله كاملة تحمى من جميع المصائب والمشاكل. وقد يرمز جناحى الله إلى تجسده في ملء الزمان. والجناحان يتميزان بالقدرة على الحماية والخطف بسرعة لمن يحتاج للحماية، أي تشير لسرعة استجابة الله لمن يطلبونه.
ع2: أَصْرُخُ إِلَى اللهِ الْعَلِيِّ، إِلَى اللهِ الْمُحَامِي عَنِّي.
لشدة حاجة داود إلى الله ليخلصه من مطاردة شاول، صرخ إليه، وهذا الصراخ أيضًا يؤكد إيمانه بالله القادر على حمايته.
بروح النبوة يصرخ داود إلى المسيح المخلص، المصلوب في الساعة السادسة ليخلصه مع باقي المؤمنين به من البشرية. بل المسيح الذي يصرخ وهو على الصليب، يعلن حاجة البشرية أن تصرخ إلى الله ليخلصها.
ع3: يُرْسِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيُخَلِّصُنِي. عَيَّرَ الَّذِي يَتَهَمَّمُنِي. سِلاَهْ. يُرْسِلُ اللهُ رَحْمَتَهُ وَحَقَّهُ.
يتهممنى
: مزمع أن يفترسنى.طارد شاول داود، وحاول قتله، ولكن الله حفظ داود، وعلى العكس أسقط شاول تحت يد داود، وحينئذ ظهرت فضيلة داود، وهي التسامح. فهنا يظهر الله المخلص الذي أرسل ودبر من السماء خلاص داود، وعير وأظهر ضعف شاول الساقط عند قدمى داود. فتحول من يريد افتراس داود إلى شخص ضعيف ساقط عند قدمى داود. وهكذا ظهرت رحمة الله التي أنقذت داود، وحقه، وعدله اللذان أسقطا شاول ضعيفًا عند قدمى داود.
هذه الآية نبوة عن المسيح المتجسد، الذي أرسله الآب؛ ليخلص البشرية، وعير إبليس، بل قيده بالصليب، وتكاملت الرحمة والحق في شخص المسيح، الذي فدى البشرية، ودان الشيطان بصليبه.
توجد كلمة سلاه في هذه الآية، بعد تعيير العدو، وإعلان الخلاص من السماء؛ ليتأمل الإنسان في هذه الوقفة الموسيقية قوة الله المخلص لأولاده من يد الشياطين والأشرار.
ع4: نَفْسِي بَيْنَ الأَشْبَالِ. أَضْطَجعُ بَيْنَ الْمُتَّقِدِينَ بَنِي آدَمَ. أَسْنَانُهُمْ أَسِنَّةٌ وَسِهَامٌ، وَلِسَانُهُمْ سَيْفٌ مَاضٍ.
المتقدين
: الأشرار المشتعلين بنار الشر.أسنة: مفردها سنان وهو سلاح الرمح، أي نهايته المدببة.
يشبه داود شاول وجماعته الذين يطاردونه بالأشبال، أسنانهم مثل أسنة الرماح والسهام، وألسنتهم مثل السيوف؛ ليبين مدى شراسة أعدائه، وعنفهم ومؤامراتهم. ولكن كل هذا لم يجعل داود مضطربًا، بل نام بين أعدائه المتقدين بنار الشر مطمئنًا؛ لأن الله يحميه، فلا يستطيع أحد أن يقترب إليه، بل على العكس أسقط عدوه شاول عند قدميه في المغارة.
هذه الآية أيضًا نبوة عن مؤامرات اليهود، التي انتهت بصلب المسيح، لكنه نام مستريحًا على صليبه في الساعة السادسة، ثم قام ليقدم فداء للبشرية.
ع5: ارْتَفِعِ اللَّهُمَّ عَلَى السَّمَاوَاتِ. لِيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ مَجْدُكَ.
يطلب داود من الله أن يرتفع على السموات، أي يظهر مجده فوق كل الملائكة، وفيما هو يظهر عظمته على السموات، يرفع داود، وكل المحبين لله ليتمتعوا بعشرته. وأيضًا يرتفع مجد الله على الأرض، أي يظهر مجد الله فوق كل أمجاد البشر، وأعمالهم التي هي عظيمة في نظرهم، ويظهر ضعف البشر وتصبح شرورهم لا شيء أمام مجده وقوته.
يتكلم داود بروح النبوة عن المسيح الذي يرتفع على السموات، وعلى الأرض، فبعد أن أخفى لاهوته بتجسده يقوم من الأموات، ثم يصعد إلى السموات، أي يرتفع فوق الأرض بمجد عظيم إلى أن يختفى بين السحاب؛ ليجذب قلوب أولاده إلى السماء، فيصلون كل حين.
ع6: هَيَّأُوا شَبَكَةً لِخَطَوَاتِي. انْحَنَتْ نَفْسِي. حَفَرُوا قُدَّامِي حُفْرَةً. سَقَطُوا فِي وَسَطِهَا. سِلاَهْ.
فيما قلب داود متعلق بالله العظيم الممجد، كما ظهر في الآية السابقة، يظهر الجانب الثاني، وهو عمل الأشرار معه، ويظهر فيما يلى:
أ - الفخاخ التي أعدها الأشرار له خلال مطاردته سنينًا طويلة.
ب - التهديدات والمحاولات المستمرة لإهلاكه كانت شديدة التأثير عليه، حتى عبر عنها بأن نفسه قد انحنت تحت هذه الضغوط.
كل هذا يبين مدى عنف الأعداء، ومدى الآلام التي عاناها داود.
الفخاخ التي نصبها شاول لداود للقبض عليه تحولت إلى فخ لشاول نفسه، ففيما شاول يطارد داود، دخل، واستراح في المغارة التي يقيم فيها داود، فتحول العدو المطارد - وهو شاول - إلى فريسة سهلة، وتقدم داود؛ ليقطع طرف جبة شاول، وكان في إمكانه أن يهلكه، ولكنه سامحه. فشاول سقط في الحفرة التي حفرها لداود، وتحول المطارد إلى فريسة، أما المطارد وهو داود فتحول إلى جبار بقوة الله.
تنطبق هذه الآية على المسيح الذي وضع له اليهود فخاخًا كثيرة، وأحنوا نفسه بالحزن طوال خدمته على الأرض، وفى النهاية حفروا له حفرة وهي الصليب، وأهلكوه، فظهرت قوته؛ إذ بموته قيد الشيطان؛ لأنه أوفى الدين عن البشرية المؤمنة به، وهكذا أسقط الشيطان في الحفرة، فلم يستطع أن يقيد المسيح، ولكن هو الذي قُيد، فلم يعد يستطيع بعد الصليب أن يلقى أولاد الله في الجحيم.
في نهاية هذه الآية نجد كلمة سلاه، وهي وقفة موسيقية ليتأمل المرنم في قوة الله المغيرة للأحوال، والمنقذة لأولاده، حتى تخلصهم من كل أعدائهم.
† أنظر إلى المسيح مخلصك، وحصنك وتأمل جماله، فيسبى عقلك، ويفرح قلبك، وتطمئن، فلا تعود مؤامرات الشياطين، أو كل الضيقات التي تمر بك تزعجك؛ لانشغال قلبك بالله. وهكذا ترتفع إلى السموات وأنت على الأرض.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع7: ثَابِتٌ قَلْبِي يَا اَللهُ، ثَابِتٌ قَلْبِي. أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ.
عندما تعلق قلب داود بالله المرتفع على السموات، إطمأن قلبه، وصار ثابتًا في الله، لا يضطرب مع تهديدات العدو، أو تقلبات الحياة، بل صار هذا الثبات دافعًا لنموه الروحي بهدوء، فتمتع بعشرة الله.
استمرار ثبات قلب داود دفعه إلى تسبيح الله، فلأن داود مستقر استنارت عيناه، فرأى الله بوضوح، فغنى له وترنم، وحينئذ كشف له الله مجده، وشارك السمائيين في تسبيحهم.
ع8: اسْتَيْقِظْ يَا مَجْدِي! اسْتَيْقِظِي يَا رَبَابُ وَيَا عُودُ! أَنَا أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا.
سحرًا
: السحر هو آخر الليل، وقبيل الفجر.رباب: هي آلات موسيقية كل منها له وتر واحد.
عود: آلة موسيقية وترية معروفة حتى الآن.
آمن داود بأن الله سينقذه من أعدائه لأنه رأى أعمال الله معه، فرغم أنه ما زال مطاردًا من شاول، لكن الله أنقذه عدة مرات، فاطمأن قلبه، وشعر أن مجده هو الله. وفى خلوته نادى الله مجده ليستيقظ في داخله، وشعر بالقوة التي فيه، فسبح الله بالرباب والعود، بل تعلق قلبه بالله فاستيقظ وقت السحر؛ ليسبح الله قبل الفجر.
هذه الآية نبوة عن قيامة المسيح التي أشير إليها بـ"مجدي"، فنسبحه بالآلات الموسيقية، بل نستيقظ وقت السحر؛ لنسبحه؛ لأن قلوبنا قد تعلقت به.
هذه الآية نبوة أيضًا عن الروح القدس الذي يشار إليه بكلمة "مجدى"، فنسبحه بقوة وفى كل وقت.
يشير وقت السحر للعمر كله الذي نحياه على الأرض، وينبغى أن نستيقظ فيه لنسبح الله، قبل أن يشرق فجر حياتنا وهو الحياة الأبدية.
يذكر التلمود أن داود عندما ينام كان يعلق فوق سريره عودًا، وفى منتصف الليل عندما تهب رياح الشمال كانت تحرك أوتار العود، فتصدر أنغامًا جميلة توقظه من نومه، ليقرأ في شريعة الله، ثم يسبح ويمجد اسمه القدوس حتى وقت السحر.
ع9: أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ. أُرَنِّمُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ.
إن داود لا يستطيع أن يستغنى عن الله، فحتى لو هرب إلى الفلسطينيين من وجه شاول فهو يظل يصلى، ويرنم، ويشكر الله؛ لأن الله هو حياته.
هذه الآية نبوة عن قبول الأمم في الإيمان بالمسيح، فيرنمون مزامير داود، ويؤمنون بالمسيح، ويسبحونه.
ع10: لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ.
الغمام
: السحب الداكنة.شعر داود أن رحمة الله قد غطت المؤمنين به، وسامحتهم عن خطاياهم الكثيرة جدًا، ورفعت هؤلاء الضعفاء إلى السموات في سلوكهم، ونقاوتهم، وحياتهم السامية، بل وتنتظرهم أمجاد السماء.
إن حق الله، وهو عدله يتجلى إلى السحاب، أي السموات، حيث يتمجد الأبرار مع الله، أما الأشرار فيلقون في العذاب.
ع11: ارْتَفِعِ اللَّهُمَّ عَلَى السَّمَاوَاتِ. لِيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ مَجْدُكَ.
يكرر هنا داود الآية الموجودة في (ع5)؛ ليؤكد أشواقه أن يتمجد الله، ويظهر هذا المجد في السموات، وعلى الأرض. وتتمتع البشرية بمجد الخلاص بالمسيح يسوع، كما سبق وشرحنا في (ع5).
† ما أجمل أن تستيقظ مبكرًا لتصلى، وتبدأ يومك بكلام مع الله. احرص أن تصلى قبل أي عمل آخر. اطلب من ملاكك الحارس ليوقظك مبكرًا، واعلم أن الله أبيك ينتظرك ليسمع صلاتك، ويفرح بها.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 58 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 56 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-057.html
تقصير الرابط:
tak.la/ss36z84