← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10
المزمور المئة والثانى عشر
"هللويا طوبى للرجل المتقى الرب المسرور جدًا بوصاياه" ع1
كاتبه
متى كتب؟
يوجد تشابه بين هذا المزمور وسابقه، أي (مز111)، فإن كان المزمور السابق يطوب الله وأعماله، فهذا المزمور يطوب خائف الله ويظهر صفاته وبركاته.
يعتبر هذا المزمور من مزامير الحكمة كما يظهر من بدايته.
هذا المزمور -كما ذكرنا في مقدمة المزمور السابق- من المزامير التي تبدأ بكلمة هللويا، وهو ضمن ثلاثة مزامير (مز111، 112، 113) مملوءة بتمجيد الله الذي صعد إلى السماء كما يخبرنا (مز110) السابق لهذه الثلاثة مزامير.
ينقسم هذا المزمور إلى اثنين وعشرين جزء ومرتب على الأبجدية العبرية، حيث يبدأ كل جزء بأحد الحروف الأبجدية بالترتيب مثله مثل المزمور السابق له.
يتشابه هذا المزمور مع سفري الأمثال والمزامير، إذ توجد بعض الآيات المشتركة بينهما.
يوجد هذا المزمور في الأجبية بصلاة الساعة التاسعة التي فيها أتم المسيح الفداء، ومات البار على الصليب من أجلنا نحن الخطاة. فهذا المزمور يحدثناعن المسيح البار الذي يدوم بره إلى الأبد.
(1) صفات خائف الرب (ع1-4)
(2) بركات العطاء (ع5-10)
ع1:
هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبِّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ.يبدأ المزمور بالتهليل، أي تسبيح الله، فيطوب في البداية الخائف الرب، وهو كما عرفنا في نهاية المزمور السابق هو الإنسان الحكيم، والقادر بالتالى أن يسبح الله دائمًا، ويتهلل أمامه، ويسلك في وصاياه.
الشياطين يخافون الله وكذلك الأشرار، ولكنهم لا يحبون ولا يسلكون في وصاياه، لذا يكمل كلامه في هذه الآية أن خائف الرب الحقيقي هو المسرور بوصاياه، فيحبها ويهواها من كل قلبه، بل يكون مسرورًا جدًا بها. وهكذا تمتزج محبة الله ومخافته، وتتحدان بشكل عجيب لا يعرفه إلا من اختبره من خلال حفظه وصايا الله.
ع2:
نَسْلُهُ يَكُونُ قَوِيًّا فِي الأَرْضِ. جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يُبَارَكُ.يبارك الله ليس فقط خائفوه، بل أيضًا نسلهم على الأرض، بالإضافة إلى بركات السماء التي يهبها لهم. والمقصود بقوة النسل ليس كثرة عددهم وقوتهم الجسدية أو المادية، بل بالأحرى قوتهم الروحية، فيحيون في مخافة الله أيضًا، ويتمتعون ببركاته في حياتهم.
الله خيراته كثيرة ويهبها لأولاده المستقيمين، أي خائفيه حافظى وصاياه، وهم النسل المبارك، وليس فقط الأبناء الجسديين لخائفى الرب، بل أيضًا الأبناء الروحيين. فالبطاركة والأساقفة والرهبان والمتبتلين، سواء في العهد القديم، مثل إيليا وإرميا، أو في العهد الجديد، مثل بولس كان لهم أبناء كثيرون روحيون أكثر بكثير من أي أبناء جسديين لأى رجال أتقياء.
ع3:
رَغْدٌ وَغِنًى فِي بَيْتِهِ، وَبِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ.رغد
: رزق واسع وغنى كثير.يبارك الله خائفيه فيعطيهم ليس فقط احتياجاتهم المادية، بل يعطيهم غنى وراحة في الماديات حتى لا ينشغلوا بها ويكون اهتمامهم الوحيد بالحياة معه. وعلى قدر ما ينشغلون بالله يهبهم الماديات، فيوزعونها على المحتاجين، كما كان المؤمنون يضعون العطايا عند أقدام الرسل، فكان الرسل في غنى؛ ليشبعوا الكنيسة من تعاليمهم الروحية، وأيضًا احتياجاتهم المادية.
خائف الرب من أهم صفاته أن يكون بارًا، أي يحيا مع الله ويحبه ويسلك في وصاياه، ويهوى الفضائل، ويشتهى السماوات، فيحيا روحيًا حتى يدخل الملكوت. والبار هنا ليس فقط البار على الأرض، بل يقصد بالأحرى المسيح البار القدوس.
وبهذا نرى أن البار يتمتع بغنى مادي في بيته، أي يستقر في هذا الغنى، بالإضافة إلى تمتعه بالبر، أي الحياة الروحية، فهو ينال نصيب مادي على الأرض بالإضافة إلى بر يدوم إلى الأبد في السماء.
ع4: نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هُوَ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَصِدِّيقٌ.
يتكلم هنا عن الله الذي أشرق بنوره على أولاده الأبرار المستقيمين في سلوكهم الروحي، وكانوا في ظلمة الضيقة، فتعزت قلوبهم، كمافعل مع الثلاثة فتية في الأتون، ودانيال في جب الأسود. وهذا النور أضاء نفوس أولاده الأبرار، فأصبحوا هم أيضًا نورًا لمن حولهم بحياتهم البارة التي نالوها منه. كما يستمد القمر نوره من الشمس.
الله أيضًا حنان ورحيم، فيشفق على أولاده في ضيقاتهم، وإن أخطأوا يقبل توبتهم، ولكنه في نفس الوقت صديق، أي عادل يكافئهم على كل أتعابهم، ويؤدبهم إن ابتعدواعنه، كما أدب شعبه بالسبي. وأولاد الله الأبرار تعلموا منه هذه الصفات، فامتلأت قلوبهم حنانًا ورحمة على كل من حولهم، ولكن في نفس الوقت يظهر عدلهم وحزمهم مع المتهاونين والمستبيحين، فيؤدبونهم لكي يتوبوا، كما حرم بولس خاطئ مدينة كورنثوس.
† تذكر الله وضعه أمامك في كل حين بترديد اسمه القدوس؛ حتى تحمى نفسك بمخافته وترفض الشر مهما كان صغيرًا، وتسرع إليه بالتوبة إن أخطأت، فيتنقى قلبك وتنكشف لك أسراره، فتتعلق به ويفيض عليك بمراحمه فتسبحه بفرح.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع5:
سَعِيدٌ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ. يُدَبِّرُ أُمُورَهُ بِالْحَقِّ.يقرض
: يعطيهم سلفيات.الإنسان البار يتشبه بالله، فيصبح رحيمًا ويتراءف ويشفق على الفقراء ويقرضهم، فيسعد قلوبهم ويصير هو بالتالى سعيدًا. فهو رحوم يهب الفقراء عطايا، ويعطيهم أيضًا سلفيات، ويساعدهم بكل طريقة؛ ليستطيعوا مواصلة حياتهم.
هذا البار يدبر أموره بالحق؛ أي بدون خبث، أو غرض شرير؛ لأن قلبه نقى، وفى نفس الوقت تدبيره حقانى، أي متزن لا يغالى في سلفياته للآخرين حتى أنه يحتاج ويدخل في ضيقات (2 كو8: 14)، أو يقلل جدًا من مساعدته للفقراء، فيصير قاسيًا. وهذا البار الرحيم لأنه ساعد الفقراء على الأرض يكون له راحة وسعادة في السماء؛ لأن"من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه" (أم19: 17) فيكافئه الله في السماء.
ع6:
لأَنَّهُ لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ. الصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ.لا يتزعزع خائف الرب الإنسان البار عن مبادئه، فيظل متمسكًا ببره ومخافته لله، فهو إنسان له مبادئ وقيم. ولا يتزعزع أيضًا عن عمل الرحمة والإشفاق على المحتاجين. فيثبت في الله، والله يثبته معه إلى الأبد.
هذا البار أو الصديق يدوم ذكره بعد موته، بل وإلى الأبد، حيث يكافأ في الأبدية. وكما أن أعمال الله تذكر إلى الأبد (مز111: 4) هكذا أيضًا أولاده الأبرار تذكر أعمالهم - التي عملوها بقوة الله - إلى الأبد، وهي أعمال البر والرحمة.
7- لاَ يَخْشَى مِنْ خَبَرِ سُوءٍ. قَلْبُهُ ثَابِتٌ مُتَّكِلًا عَلَى الرَّبِّ. 8-قَلْبُهُ مُمَكَّنٌ فَلاَ يَخَافُ حَتَّى يَرَى بِمُضَايِقِيهِ.
ممكن
: ثابت.يرى بمضايقيه: يرى عقاب من يضايقه.
خائف الرب لا يخشى من الأخبار السيئة التي يثيرها الشيطان عليه، بل يظل قلبه ثابتًا في الإيمان؛ لأنه يتكل على الله، فالله يعطيه هذا الثبات الذي يفوق العقل؛ لأن العقل وحده ينزعج، ولكن الإيمان يفوقه، فيعطى ثباتًا لمشاعر الإنسان، ويظل يحيا ويسلك بطمأنينة ويعمل كل أعماله بنجاح. فالبار معرض أن يسمع أخبارًا سيئة، أو يتعرض لها، والله يسمح بهذا لاختبار إيمانه وثباته ونموه الروحي.
يظل قلب خائف الرب الرحيم على الفقراء في ثبات طوال حياته؛ حتى يرى في النهاية، أي في الأبدية، عقاب الشياطين الذين ضايقوه في العذاب الأبدي، بالإضافة إلى انتصاره على الشياطين مضايقيه في الحياة في توبته وجهاده وخدمته، وقدرته على عمل الرحمة مع المحتاجين.
ع9:
فَرَّقَ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ. قَرْنُهُ يَنْتَصِبُ بِالْمَجْدِ.قرنه ينتصب
: القرن هو أقوى جزء في جسم الحيوان، وانتصابه، أي وقوفه بتحدى استعدادًا للهجوم على الفريسة، يعنى إعلان قوته. والمقصود أن البار يعلن الله قوته ومجده أمام الكل.خائف الرب يتميز بالعطاء والإشفاق على المساكين، وبهذا يحقق العدل في مساواة الكل عندما يأخذ الفقير حقه ويعيش، فهذا حقه مثل حق الغنى في الحياة.
يكافئ الله البار الرحيم، فيعطيه قوة ومجد بارتفاع قرنه في هذه الحياة جزئيًا، أي في بعض المواقف، وينصره على الشيطان، ثم في الحياة الأبدية يكون له المجد الحقيقي. فمن يكرم إخوة الرب لابد أن يكرمه الرب ويكافئه في السماء.
ع10:
الشِّرِّيرُ يَرَى فَيَغْضَبُ. يُحَرِّقُ أَسْنَانَهُ وَيَذُوبُ. شَهْوَةُ الشِّرِّيرِ تَبِيدُ.يحرق أسنانه
: يصر ويضغط على أسنانه بعضها البعض تعبيرًا عن غيظه الشديد.لا يحتمل الشرير أن يرى الفضيلة وعمل الخير، والشرير هو الشيطان، أو كل إنسان يسلك في الشر، فيغتاظ إذا رأى الخير، ويتضايق في داخله، وضميره ينخسه، ويكون في حزن. فكاتب المزمور يعبر عن سوء حالة الشرير، ليس شماتة فيه، بل حزنًا عليه، ومحاولة تحذير له، ليتوب ويخلص من هذا الضيق الشديد.
كل شهوات الشر التي في قلب الشرير بلا فائدة فهي زائلة، أي لا تنفعه في الحياة، بالإضافة إلى أنها تنتهي في الأبدية، ويحل بعدها صرير الأسنان والغيظ في العذاب الأبدي. كل هذا لأن معرفة الله وعشرته غير موجودة عند الأشرار؛ لا في الأرض ولا في الحياة الأخرى.
† إن كانت الرحمة تعطى كل هذه البركات فأسرع إليها، أي ابحث عن كل محتاج، سواء ماديًا، أو نفسيًا، أو روحيًا وقدم له محبتك بأى شكل، فهي غالية جدًا عند الله، وتسعده، وتسعدك أنت أيضًا.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 113 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 111 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-112.html
تقصير الرابط:
tak.la/r2kx6fr