← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5
المزمور الخَامِسُ عَشَرَ
مزمور لداود
"يا رب من ينزل في مسكنك .." (ع1)
1. كاتب
هذا المزمور هو داود النبي، كما هو موجود في عنوانه.2. متى كتب ؟
أ - عندما احتفل داود بإرجاع التابوت إلى أورشليم.
ب - هناك رأي آخر وهو أن داود كتبه عندما كان هاربًا من وجه أبشالوم وخرج إليه صادوق رئيس الكهنة، حاملًا التابوت، فقال له إرجع به إلى داخل أورشليم؛ ليحفظ المدينة وإن أراد الله لى أن أعود إلى الملك، أتمتع بالسجود أمامه، ثم أعلن أشواقه للعبادة أمام التابوت أثناء فترة هروبه.
3. كان يقال هذا المزمور في الاحتفالات الدينية أمام هيكل الله، فيقول زائر الهيكل الآية الأولى وهي سؤال عمن يستحق السكن في بيت الله، فيجاوبه البواب، أي الحارس بباقى كلمات هذا المزمور.
4. إن كان المزمور السابق، أي الرابع عشر يتكلم عن الجاهل، فهذا المزمور يحدثنا عن صفات أولاد الله، الذين يستحقون الدخول والاستقرار في بيته.
5. يشبه هذا المزمور كلمات أشعياء النبي في (اش33: 15).
6. يوجد هذا المزمور في الأجبية في صلاة باكر برقم 14 لانضمام مزمورى 9، 10 في الترجمة السبعينية التي أخذت منها الأجبية.
7. يسرد داود صفات من يستحق السكن في بيت الرب ويظهر في هذه الصفات ما يلى:
أ - الذي يعبد الله لابد أن تكون له صفات تؤكد نقاوته وبره.
ب - هذه الصفات بعضها يختص بمشاعر القلب والبعض الآخر باللسان، ثم أخيرًا ما يختص بالسلوك.
ج - يقدم لنا داود إحدى عشر صفة للمستحق السكن في بيت الله؛ ستة منها إيجابية مذكورة في (ع2، 4) وخمسة منها سلبية مذكورة في (ع3، 5).
ع1: يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟
عندما فكر داود في الداخلين والساكنين في بيت الرب، إذ كانت توجد في داخله حجرات يقيم بها الكهنة،أيام سليمان، أو خيام أيام داود، شعر ان الله ساكن ومستقر داخل بيته، وبالتالي ينبغى أن يتميز الذي سيسكن بيت الله بالنقاوة وكتب مظاهرها في الآيات التالية.
عندما نشعر بسكنى الله في كنيسة العهد الجديد داخل بيته نمتلئ رهبة، بل نشعر أنه لا يمكن لأحد أن يدخل إلى الكنيسة، إلا من خلال دم المسيح الفادى، أي لا يستحق أحد أن ينال الأسرار المقدسة إلا إذا كان مؤمنًا بالمسيح الفادى ونال نعمته في سر المعمودية. كل هذه الأمور يتكلم عنها داود بروح النبوة في هذا المزمور، ناظرًا إلى المسيح، الذي تتم فيه المواعيد الإلهية. من أجل هذا عندما يقترب التناول من الأسرار المقدسة يصرخ الكاهن في القداس، معلنًا رهبة وعظمة الاقتراب إلى الله وتناول جسده ودمه، فيقول "القدسات للقديسين".
إن كانت السموات غير طاهرة أمام الله وينسب إلى ملائكته حماقة، فمن يستطيع أن يسكن في بيته، هذا ما شعر به داود، فقدم أقصى ما يستطع من صفات للبار هنا على الأرض، وبهذا يستعد لدخول الحضرة الإلهية في السموات.
عندما قال داود من "ينزل في مسكنك". كان يقصد الإقامة المؤقتة؛ لأن كلمة ينزل في الأصل العبري تعنى الإقامة في خيمة، أي الإقامة المؤقتة. أما قوله "يسكن" في نفس الآية فتعنى الاستقرار؛ لأن كلمة يسكن في الأصل العبري هي فعل بمعنى يستقر. وبهذا نفهم أن داود لا يكرر الكلام في هذه الآية، بل يقصد أن من يقيم في خيمة بجوار خيمة الاجتماع، ثم يتمنى أن يستقر في مسكن الله السماوى يلزمه أن يتمتع بالشروط التالية. فداود لا يقصد فقط السكن في بيت الرب على الأرض، بل أيضا في السماء.
إن الإقامة في خيمة تكون أثناء الحرب، وبالتالي فكلمات المزمور تعنى أنه أثناء حياتنا على الأرض في خيمة هذا الجسد سنقابل حروبًا من الشيطان، ولكن بعد هذا العمر سننتقل إلى المسكن السماوى، الذي نستقر فيه وتبطل حروب الشياطين.
يقول داود "جبل قدسك" لأن الجبل يرمز إلى قمة السمو عن الأرضيات، فمن يريد أن يستقر في بيت الله يلزمه أن يرتفع عن الأرضيات لينال السماويات. ومن اختبر الإقامة مع الله في بيته يتمتع بعشرته، فيرتفع تدريجيًا على الجبل وقمة هذا الجبل تعنى قمة العلاقة مع الله، أي السكن معه في السموات.
إن النزول يرمز أيضًا إلى تنازل الله بسكنى روحه القدوس في مسكن جسدنا؛ لكيما يصعدنا ونستقر معه في المسكن السماوى.
إن كان داود قد كتب هذا المزمور إحتفالًا بنقل التابوت، فلعله كان يشعر بعظمة الله ورهبة الاقتراب إليه، إذ كان متأثرًا بموت عُزَّة الذي لمس التابوت (2 صم6: 7).
ع2: السَّالِكُ بِالْكَمَالِ، وَالْعَامِلُ الْحَقَّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ.
هذه الآية تشمل ثلاث صفات إيجابية وهي:
1. السالك بالكمال وتشمل ما يلي:
أ - الصفة الأولى هي صفة إيجابية وهي أيضًا سلوك عملى وتعنى السلوك بكل البر وليس السلوك بفضيلة.
ب - والسلوك بالكمال يعنى عدم وجود عيب، كما في الترجمة السبعينية (الأجبية) وتعنى عدم وجود عيوب ظاهرة تعثر الآخرين.
جـ- وكلمة بلا عيب التي في الترجمة السبعينية في أصلها العبري استخدمت في وصف للحملان التي بلا عيب التي تذبح في بيت الرب، وهذه الحملان ترمز للمسيح الحمل الذي بلا عيب، ومعنى هذا أن هذه الصفة تعنى الكمال والسلوك بلا عيب، أي التشبه بالمسيح في حياته على الأرض.
د - يقول السالك وتعنى حالة مستمرة، فهو مستمر في السلوك بالكمال وليس الوصول إلى الكمال، فيكون حريصًا، في الابتعاد عن الخطايا الظاهرة وإن سقط فيها يتوب سريعًا.
هـ- إن الله هو الكامل، فمن يسلك بالكمال هو الذي يعيش في شركة مع الله ويسعى نحوه كل يوم.
2. العامل بالحق: هذه هي الصفة الثانية، ويعنى بها ما يلي:
أ - الحق هو الله، فهو يعمل بوصايا الله وكل ما يرضيه.
ب - الحق أيضًا يعنى العدل، فهو يعمل باستقامة في كل تصرفاته، لا يحابى أحدًا ولا يظلم أحدًا؛ متشبهًا بالله.
ج - الذي يعمل بالحق، من المؤكد أنه يؤمن بالحق في داخله ويعبد الله بأمانة ويظهر ذلك في سلوكه بالحق.
3. المتكلم بالصدق في قلبه: وهي الصفة الثالثة، ويعنى بها ما يلي:
أ - أن قلبه نقى ويحيا بصدق في وصايا الله ويشعر بالله في داخله.
ب - الذي يحيا بالصدق في قلبه يكون نقيًا وبالتالي يستحق أن يعاين الله (مت5)، أي ينال الاستنارة الروحية، فيكشف الله له نفسه ويمتعه بعشرته.
ج - الذي يحيا قلبيًا بالصدق يكون كلامه صادقًا، فيكون فكره ومشاعره ظاهره في كلامه بلا رياء، ثم تظهر أخيرًا في أفعاله، أي السلوك بالكمال والحق.
وبالتالي فهو غير معرض للسقوط في الكذب، كما سقط جيحزى عندما كذب على أليشع النبي لأن قلبه كان متعلقًا بمحبة المقتنيات فسلك سلوكًا رديئًا بكذبه على نعمان السريانى وأخذ منه الثياب والفضة، ثم كذب على أليشع (2 مل5: 25).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع3: الَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ.
1. هذه الآية تشمل ثلاث صفات سلبية للبار، الذي يستحق السكن في بيت الرب.
2. الصفة الرابعة هي "لا يشى بلسانه" وهذه الصفة تعنى ما يلي:
أ - لا يصطاد خطأ على غيره ويوصله للآخرين للإيقاع بينهم، فهو يتمتع بالمحبة التي تستر على الآخرين (1 بط4: 8).
ب - عدم الافتراء بالكذب على شخص بغرض الإساءة إليه، فهذه خطية كذب واضحة، بالإضافة إلى عدم المحبة كما ذكرنا.
ج - إنسان واضح لا يعمل بخبث في الخفاء، فهو جرئ ومريح في التعامل وبالتالي يحبه الآخرون.
3. الصفة الخامسة هى "لا يصنع شرًا بصاحبه" وهي تشمل ما يلي:
أ - قلبه مملوء بالمحبة ومعاملاته كلها خير مع أصحابه ومن حوله.
ب - إنسان غير أنانى، فكما لا يقبل الشر على نفسه لا يمكن أن يصنع شرًا بالآخرين.
ج - إنسان أمين لا يمكن أن يخون صديقه، فيصنع به شرًا.
4. الصفة السادسة هى "لا يحمل تعييرًا على قريبه" وهذه الصفة تعنى الآتي:
أ - إنسان محب ورقيق لا يقبل أن يسمع تعيير الآخرين أمامه، أي يرفض الإدانة بكل صورها على كل إنسان؛ لأن القريب كما فسره المسيح في مثل السامرى الصالح هو كل إنسان (لو10: 29-37).
ب - لا يعير أحدًا غيره، أي لا يدين الآخرين.
ج - قلبه متسامح، فإن سمع إدانة أو تعيير لآخر يتناساها ويرفضها ويصلى من أجل الكل؛ ليحتفظ بنقاوة قلبه ومحبته لمن حوله.
ع4: وَالرَّذِيلُ مُحْتَقَرٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَيُكْرِمُ خَائِفِي الرَّبِّ. يَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ.
1. هذه الآية تشمل ثلاثة صفات إيجابية يتصف بها من يسكن في بيت الرب.
2. الصفة السابعة هى "الرذيل محتقر في عينيه" ومعناها ما يلي:
أ - يكره الرذيلة، أي الخطية وليس الرذيل، أو الخاطئ، مهما كانت الخطية مغرية.
ب - عينا هذا البار مرفوعة نحو السماء، فشهوات العالم كلها مرذولة أمامه ومحتقرة.
ج - لا يتأثر بمركز، أو سلطان الخطاة ولا ينساق وراءهم، بل يرفض شرورهم.
3. الصفة الثامنة هى "يكرم خائفى الرب" ويراد بها ما يلي:
أ - يهتم بالقديسين والفضلاء؛ ليتعلم فضائلهم ويمجدهم ويكرمهم.
ب - يشجع الأتقياء خائفى الرب، عندما يتمسكون بالفضيلة ويحتملون استهزاء الأشرار بهم.
ج - يخاف الله، فيحب خائفيه ويلتصق بهم ويتتلمذ على أيديهم، كما فعل القديسون في العهدين، مثل تلمذة أليشع على إيليا، وتيموثاوس على بولس.
د - يحب الله ويراه في خائفيه، حتى لو كانوا محتقرين من الأشرار، فهو يكرم الله عندما يكرم خائفيه.
4. الصفة التاسعة هى "يحلف للضرر ولا يغير" وهي تعنى ما يلي:
أ - كان القسم مسموحًا به في العهد القديم، فمن يقسم بشئ يتحمل نتيجته حتى لو أتى بضرر عليه ولا يتراجع في كلامه.
ب - إنسان صادق وأمين في كلامه، فيثق به الآخرون ويتعاملون معه بطمأنينة.
ج - يخاف الله، فيفى بقسمه، أو وعده، مهما كانت التضحية.
د - غير متعلق بالماديات، بل محبة الله والآخرين أفضل عنده، مهما بذل، أو ضحى.
ع5: فِضَّتُهُ لاَ يُعْطِيهَا بِالرِّبَا، وَلاَ يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ عَلَى الْبَرِيءِ. الَّذِي يَصْنَعُ هذَا لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ.
1. هذه الآية تشمل صفتين سلبيتين، ثم ختام معزى جدًا.
2. الصفة العاشرة هى "فضة لا يعطيها بالربا" ومعناها الآتي:
أ - لا يعطى قرضًا ماليًا من الفضة، أو الذهب، أو أى مقتنيات لفقير وينتظر أرباحًا، فهو يشفق على المحتاجين ويساعدهم، أو على الأقل يقرضهم دون أن يستفيد منهم.
ب - إعطاء الفضة، أو الأموال بغرض الربح للبنوك، أو الشركات حتى تتاجر بها، فتربح هي جزءًا وتعطيه جزءًا آخر ليس خطأ.
ج - الفضة ترمز لكلمة الله، وهذا معناه أن من يعطى فضته بالربا، أي يتاجر بكلمة الله، مثل من يعظ لينال كرامة وتمجيد من الآخرين، فهذا خطأ جدًا لا يمكن أن يفعله الأبرار، الذين يسكنون بيت الرب.
د - غير متعلق بمحبة المال، بل يستخدم المال لسد نفقاته واحتياجات من حوله.
3. الصفة الحادية عشر والأخيرة هي "لا يأخذ الرشوة على البرئ" وهى تشمل هذه المعانى.
أ - إنسان عادل لا يعوج القضاء بسبب الرشوة (خر23: 8).
ب - إنسان يحب البر ويشجعه فلا يمكن أن يؤذى الأبرار، مهما كانت إغراءات الرشوة.
ج - غير متعلق بمحبة المال، بل يحب الحق بكل قلبه.
4. يختم المزمور بهذه العبارة المعزية وهي "الذى يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر" وتعنى ما يلي:
أ - يتمتع من يتميز بهذه الصفات بالسلام الداخلي، فيحيا مطمئنًا.
ب - يساعده هذا السلام على النمو في علاقته بالله والفرح الروحي، فيتأصل ويثبت في الله.
ج - لا يتزعزع، أو يضطرب إذ تصير حروب الشيطان ضعيفة أمامه، أي لا يقوى عليه إبليس.
د - هذا الاستقرار يتمتع به ليس في هذه الحياة فقط، بل يمتد إلى الأبدية في ملكوت السموات.
هكذا يختم داود المزمور بأن من يتمتع بهذه الصفات ليس فقط يسكن في بيت الرب، ولكنه يتعدى هذا بالثبات إلى الدهر، أي التمتع بالله في هذه الحياة، ثم في السماء.
† إن طريق الملكوت واضح، فإن كنت تحب أن تكون مع الله في الأبدية، فبالطبع ينبغى أن تتمتع بعشرته على الأرض، بأن تحفظ وصاياه وتبتعد عن الشر، فتحتفظ بسلامك الداخلي كل أيامك.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 16 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 14 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-015.html
تقصير الرابط:
tak.la/ky9k27z