← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
المزمور التسعون
صلاة لموسى رجل الله
"يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور..." (ع1)
كاتبه
متى كتب
يتكلم هذا المزمور عن الزهد في الأمور العالمية، وترك هموم العالم؛ ليحيا الإنسان مع الله.
يتكلم هذا المزمور عن خلقة الله للإنسان، ثم سقوطه، ثم رجائه في القيام من هذا السقوط الذي سيتم بالمسيح القائم من الأموات.
هذا المزمور بداية القسم الرابع؛ أي الكتاب الرابع عند اليهود، الذي يبدأ بمزمور 90 وينتهي بمزمور 106.
لا يوجد هذا المزمور بالأجبية.
(1) الله الأبدي والإنسان الزائل (ع1-6)
(2) غضب الله وقصر حياة الإنسان (ع7-12)
(3) الرجاء في رحمة الله (ع13-17)
ع1: يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
الله هو ملجأ لأبناء لشعبه على مر العصور عندما يقابلون ضيقات وتجارب مختلفة، يسرعون إليه، فيسندهم. فقد حفظهم من أيام أبيهم إبراهيم في أرض كنعان، ثم في مصر، وأخرجهم وحررهم من عبودية فرعون بذراع رفيعة، وأغرق فرعون وكل جيشه.
عندما يتغرب الإنسان عن شهوات العالم يستطيع أن يشعر بالله، ويسرع إليه كملجأ بدلًا من أمور العالم الزائلة المتغيرة. فيختبر معونة الله ورعايته وحمايته.
ع2: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ.
الله الذي هو ملجأ لشعبه، فهو الذي خلق العالم كله بأعظم ما فيه؛ أي الجبال العالية، فهو موجود منذ الأزل، وهو حي إلى الأبد، فهو ثابت لا يتغير على مدى الأجيال.
إن كان الله ثابت، وموجود قبل كل الخلائق، فهو أعظم ملجأ، ولا توجد حماية أخرى مثله؛ لذا فشعبه يحيا في طمأنينة معه، وسيأخذهم معه إلى الأبد في الملكوت.
ع3: تُرْجعُ الإِنْسَانَ إِلَى الْغُبَارِ وَتَقُولُ: «ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ».
غضب الله على الإنسان هو بسبب انفصال الإنسان عنه، عندما سقط آدم وحواء، وبهذا نزل الإنسان من مرتبته وصار غبارًا، أي تراب، وهذا ما أعلنه الله للإنسان بعد سقوطه (تك 3: 19) ولكن في نفس الوقت يعطي الله رجاء للإنسان بدعوته إياه للرجوع إليه بالتوبه؛ حتى يقبله ويرفعه إلى مرتبته الأولى. وهذا يظهر مدى حنان الله وطول أناته.
ع4: لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ.
إن كان شعب الله يعيش ألف سنة في الخطية، فالله يطيل أناته عليه، وعندما يتوب شعبه يفرح به، بل يعتبر الألف سنة كيوم واحد. وهذا يبين طول آناة الله وغفرانه للإنسان.
يبين الله محبته في أنه يعتبر فترة عصيان شعبه؛ حتى لو امتدت ألف سنة كأنها هزيع من الليل، وينقسم الليل إلى أربعة أقسام، فيكون الهزيع ثلاث ساعات تقريبًا. يقول الله هذا ليؤكد محبته وغفرانه لأولاده مهما استمروا في خطاياهم، المهم أن يعودوا إليه بالتوبة، فيمسح الخطية عنهم، كأنها لم تكن.
ع5، 6: جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ. بِالْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ. بِالْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ.
كسنة: كالنوم.
الغداة: الصباح الباكر.
يشبه حياة الإنسان بأنها قصيرة وتمر كفترة نوم وكحلم يراه الإنسان أثناء الليل وينتهي سريعًا. وبالتالي يلزم الإنسان أن يسرع إلى التوبة، ولا ينشغل بالخطايا، أو شهوات العالم، بل يزهد فيها ليحيا لله.
يشبه أيضًا حياة الإنسان بالعشب الذي ينمو في حيوية في فترة الشباب، ثم يزهر في فترة الرجولة، ولكن بعد هذا يذبل في فترة الشيخوخة، المشار إليها بالمساء، ويقطع هذا العشب ويزول. أي أن حياة الإنسان مهما بدت عظيمة، ولكنه ضعيف فينبغي ألا ينشغل بإزدهار ومراكز العالم الزائلة؛ لأن كل هذا فانٍ، وينبغي أن يحيا الإنسان لله، ويسرع إلى التوبة دائمًا، ويستعد لأبديته.
† إن كانت حياتنا قصيرة ومتغيرة، وكل ما في العالم زائل، فينبغي علينا أن ننظر إلى الله الدائم والباقي إلى الأبد، والذي حياتنا منه، وبه، وله. وإن أخطأنا نسرع إليه بالتوبة، فهو رحيم فيقبلنا ويعيدنا إلى أحضانه، فنتمتع بمحبته إلى الأبد.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع7، 8: لأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ وَبِغَضَبِكَ ارْتَعَبْنَا. قَدْ جَعَلْتَ آثامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضَوْءِ وَجْهِكَ.
يتقدم موسى نائبًا عن شعبه، ليقدم توبة عنه، وبهذا يستدر مراحم الله، ويتضرع إليه لأن الشعب في رعب، ويكاد يفنى من غضب الله عليه؛ لأنه أخطأ ويستحق العقاب عندما طلب الرجوع لمصر بدلًا من الدخول لأرض كنعان، فأتاههم الله في برية سيناء أربعين سنة، ليفنى كل الكبار ويدخل أبناؤهم فقط.
الذي أظهر شر الشعب أمام الله أن الله نظر إليه بوجهه المضىء، الذي يكشف الخفيات، حتى لو لم تكن ظاهرة للناس، أو حتى للإنسان المخطئ نفسه، فالله يظهرها؛ ليتوب عنها الإنسان.
إن ضوء وجه الله قد كمل في المسيح المتجسد، الذي أظهر خفيات خطايا البشر، ودفع الدين عن البشرية وفدانا على الصليب.
ع9: لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ.
يشعر موسى أن غضب الله استمر مدة طويلة على شعبه وهي أربعين سنة حتى انقضت كل أيام الخارجين من مصر، والله غاضب عليهم، وماتوا جميعًا في البرية؛ حتى موسى نفسه لم يدخل أرض الموعد، ولكن نظرها من بعيد، ودخل فقط الأبناء الأطفال، الذين كبروا، ومعهم يشوع وكالب، اللذين أطاعا الله عند إرسالهم؛ ليتجسسوا أرض الميعاد.
يبين موسى أن حياة الإنسان قصيرة ومحدودة، ويشبهها بقصة تحكى، ولها نهاية، وبالتالي لا يتعلق الإنسان بالأرضيات، ولكن يزهد العالم، وينظر إلى الله، الذي سيذهب إليه ويحيا معه إلى الأبد.
ع10: أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ.
يؤكد موسى أن حياة الإنسان قصيرة، فهي في الغالب لا تزيد عن سبعين سنة، وقد تصل إلى ثمانين، فمعظم الناس يموتون قبل هذا السن. ومهما كانت بركات الله للإنسان، ولكن آلام الحياة لا تفارق الإنسان من أتعاب الجسد، والأمراض، ومشاكل الحياة المختلفة. وهكذا تنتهي حياة الإنسان سريعًا، كما يطير القش مع الهواء.
إن كان موسى قد عاش أكثر من ثمانين سنة؛ إذ عاش مئة وعشرين عامًا، فهذه إن هبة من الله يهبها لبعض الناس؛ ليتمموا مقاصد إلهية، مثل قيادة شعب الله حتى حدود أرض كنعان، وإن انتهت الحياة سريعًا للمؤمنين بالله، فأرواحهم تطير وتصعد للسماء.
ع11: مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ؟ وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ.
إن غضب الله شديد جدًا ومخيف فوق كل تخيل، فإن كان الله غير محدود فغضبه أيضًا غير محدود؛ لذا يلزم كل إنسان أن يفكر في غضب الله عندما يحاول الشيطان أن يجذبه إلى الخطية، حتى يبتعد عنها سريعًا.
عندما سقط الإنسان في جنة عدن، وتتابع سقوطه، غضب الله جدًا من الشيطان، وقرر أن يتجسد ليفدي الإنسان، ويعيده إلى أحضانه.
ع12: إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ.
إن كانت أيامنا وإحصاؤها محدودًا؛ أي أن حياتنا قصيرة، فينبغي أن نسلك بتدقيق، وحكمة. وهذه الحكمة لا تكون من الأرض، بل من الله؛ لذا يطلب موسى النبي من الله أن يعلمنا الحكمة حتى نسلك حسنًا، ونبتعد عن الخطية، لأن القلب الحكيم يبتعد عن الخطية؛ لأنه يحيا مع الله.
إن قلب الحكمة هو المشاعر المملوءة حكمة؛ لنحيا بها وسط عالمنا المضطرب. والحكمة الحقيقية هي أقوم الحكمة؛ أي المسيح المتجسد، هذا ما يطلبه من الله، فموسى ينتظر على الرجاء تجسد المسيح؛ الذي يفدي البشرية، ويعطيها الحكمة؛ لتسلك في طريق الملكوت.
† ليتك يا أخى تنتهز فرصة هذه الحياة القصيرة لتحيا مع الله، وتبتعد عن كل خطية، فلا تغريك بجمالها وشهوتها لأن كل هذا زائل، والذي يبقى هو الله وحده.
ع13، 14: اِرْجعْ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى؟ وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ. أَشْبِعْنَا بِالْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا.
بما أن الحياة قصيرة فالرجاء كله في الله. لذا ينادي موسى النبي نائبًا عن البشرية، فيطلب من الله أن يأتي سريعًا، ويتحنن على البشرية، فيفديها من الخطية، ويشبعها بحبه، ويعلن ذلك بالغداة؛ أي في فجر الأحد بقيامته المقدسة.
إن تجسد المسيح يفرح كل قلوب المؤمنين به؛ ليس في الأرض فقط، بل بالأحرى في السماء إلى الأبد.
ع15، 16: فَرِّحْنَا كَالأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، كَالسِّنِينِ الَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرًّا. لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ، وَجَلاَلُكَ لِبَنِيهِمْ.
عندما كنا منغمسين في الخطية غضب الله وتخلى عنا، فصرنا في ذلٍ شديد. ولكن عندما نتوب يعوضنا الله عن ذل الخطية بفرح عظيم؛ هو هبة إلهية، يمنحها الله لعبيده التائبين، فيدعون الله ويمجدونه. وكذلك يراها نسلهم فيستمرون في تمجيده، ويبتعدون عن كل خطية.
حتى نتوب ونرفض الخطية نحتاج لعمل الله فينا، فينخسنا ويبكتنا لنتوب.
ع17: وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ إِلهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ.
في ختام المزمور يطلب موسى النبي أن تحل نعمة الله عليه، وعلى كل المؤمنين بالله. ولكي تحل نعمة الله يلزم أن يظهر الإنسان تجاوبه مع الله بالجهاد الروحي، الذي كرره في هذه الآية مرتين تأكيدًا لأهميته. ويقول "عمل أيدينا" الذي هو جهادنا، ويقصد به المحبة، سواء محبة الله، أو الآخرين، فلا يقول أعمال أيدينا، بل عمل أيدينا؛ لأن المحبة هي رباط الكمال.
† مهما كانت خطاياك، ومهما ازدادت المشاكل حولك لا تنزعج؛ لأن الله أبوك يراك، ويسمع طلباتك، وثق أنه سيتدخل، ويعطيك راحة، بل فرح وتحل نعمته عليك.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 91 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 89 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-090.html
تقصير الرابط:
tak.la/f2nx322