← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72
المزمور الثَّامِنُ والسبعون
قصيدة لآساف
"أصغ يا شعبي إلى شريعتي.." (ع1)
1. كاتبه:
آساف كبير المغنين أيام داود، وهو من نسل لاوى، وكان رئيسًا على كل فرق التسبيح التي نظمها داود النبي للترنيم أمام بيت الرب.2. متى كتب؟
أ- في أيام داود أو بعده مباشرة، وقبل انقسام المملكة؛ لأن أحداث هذا المزمور توقفت عند عصر داود.
ب- يرى البعض أن هذا المزمور كُتب بعد نقل تابوت عهد الله الذي كان في شيلوه، وأخذه الفلسطينيون ثم عاد إلى بلاد اليهود، وأرجعه داود إلى أورشليم، أي أن الله رضى عن شعبه، وقَبِل أن يسكن في وسط المدينة المقدسة أورشليم.
3. يعتبر هذا المزمور من المزامير التاريخية مع المزامير 105، 106، 107، 135، 136.
4. يعتبر هذا المزمور ثاني مزمور في طوله بعد المزمور 119 أطول المزامير.
5. هدف هذا المزمور إظهار رعاية الله واهتمامه بشعبه، منذ أخرجهم من عبودية أرض مصر، ثم كيف اعتنى بهم في برية سيناء، وأعتنى بهم في أرض كنعان حتى ملَّك داود العظيم عليهم. وفى المقابل يبين مدى خيانة شعب الله، وخدامهم له، ونسيانهم لوصاياه وعبادته، فاستحق العقاب.
6. اقتبس العهد الجديد من هذا المزمور كما فى:
أ- ع3: ← (1 يو 1: 1 - 4)
ب - ع 18: ← (1 كو 10: 9)
ج - ع 37: ← (أع 8: 21)
7. 7- هذا المزمور غير موجود بصلاة الأجبية.
(1) ضرورة حفظ الوصايا (ع1- 8)
(2) أعمال الله في مصر وسيناء ( ع9 - 32)
(3) خيانة شعب الله في البرية ونسيانهم لأعماله ( ع32-55)
(4) ابتعاد عن الله في عصر القضاة (ع56-64)
(5) مملكة داود (ع 65-72)
ع1:
اِصْغَ يَا شَعْبِي إِلَى شَرِيعَتِي. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ إِلَى كَلاَمِ فَمِي.الله يخاطب شعبه بني إسرائيل، ويطلب منهم أن يصغوا، أي ينصتوا باهتمام، ويميلوا آذانهم باتضاع إلى كلامه، وشريعته، فالكلام هو كلام الله الذي أعطاه لموسى والأنبياء، ولذا فهو أهم كلام، ويحتاج إلى إصغاء باتضاع، لنقبل ونفهم كلام الله.
تتكلم هذه الآية بروح النبوة عن المسيح، الذي ينادى رسله، وكهنته، وخدامه، بل وكل شعبه ليسمعوا كلمات العهد الجديد التي تكمل ما قاله في العهد القديم، كما أعلن في العظة على الجبل (مت 5 –7).
ع2: أَفْتَحُ بِمَثَل فَمِي. أُذِيعُ أَلْغَازًا مُنْذُ الْقِدَمِ.
الله يخبر شعبه عن طريق كاتب المزمور بكلامه عن طريق أمثال، لأن المثل يوضح الفكرة بطريقة عملية، فيكون قريب إلى القلب، كما فعل المسيح في العهد الجديد، بالإضافة لاتخاذ الله أنبيائه وسيلة لإعلان وتوضيح كلامه من خلال ما يفعلونه، ليكونوا مثلًا قدام شعبهم كما حدث مع إرميا وحزقيال، وهوشع .... والمثل يصعب على الإنسان أن يرفضه، أما الكلام المباشر فقد يرفضه؛ لأنه يظهر أخطاء سامعيه بوضوح.
أيضًا الله يعلن كلامه بألغاز، والمقصود أنه بالإضافة للكلام المفهوم البسيط المعطى عن طريق مثل، سيعطى الله أيضًا كلامًا عميقًا يصعب إدراك كل ما فيه، فيدرك الإنسان بعضًا من معانى كلام الله، إذ يجد نفسه أمام ألغاز، يكتشف تدريجيًا كلما قرأها معان جديدة، فيحيا بها ويشبع. وكلمة الألغاز المكتوبة هنا معناها في الأصل العبري الأسرار، أي أن كلام الله مملوء معانى عميقة مثل الأسرار، يكشفها للإنسان تدريجيًا.
ع3-6: الَّتِي سَمِعْنَاهَا وَعَرَفْنَاهَا وَآبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا. لاَ نُخْفِي عَنْ بَنِيهِمْ إِلَى الْجِيلِ الآخِرِ، مُخْبِرِينَ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ وَقُوَّتِهِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي صَنَعَ. أَقَامَ شَهَادَةً فِي يَعْقُوبَ، وَوَضَعَ شَرِيعَةً فِي إِسْرَائِيلَ، الَّتِي أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ، لِكَيْ يَعْلَمَ الْجِيلُ الآخِرُ. بَنُونَ يُولَدُونَ فَيَقُومُونَ وَيُخْبِرُونَ أَبْنَاءَهُمْ،يعلم الجيل الآخر بنون يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم.
الأخبار التي يريد أن يعلنها لنا كاتب المزمور قد سمعها وعرفها من الأباء الأولين لشعب الله، وأخبر الأباء أبناءهم بها، والأبناء بدورهم علموها لأولادهم؛ حتى وصلت إلى جيل كاتب المزمور. وهذه الأخبار تحوى التعليم بتسبيح الله وعبادته، وتمجيده على أعماله القوية وعجائبه مع شعبه.
الله أقام خيمة الشهادة، أي خيمة الإجتماع التي تحوى تابوت عهد الله في وسط شعبه نسل يعقوب، وأعطاهم أيضًا شريعته ليحيوا بها. وعندما يذكر "يعقوب" يقصد به الذي تعقب أخيه، وأمسك به، ويرمز للجهاد الروحي. وعندما يذكر "إسرائيل" يقصد الذي رأى الله في فنوئيل (تك 32: 31). فهو يدعو شعبه إلى التمسك بالجهاد، فينالون نعمة رؤية الله. فالله يحب شعبه ويعلن نفسه لهم، ويسكن في وسطهم بخيمة الاجتماع، ويريد أن يريهم ذاته إن جاهدوا روحيًا، وتمسكوا بوصاياه وشرائعه. كل هذا قد كمل في العهد الجديد عندما تجسد المسيح، وولد وسط شعبه اليهود، وأراهم نفسه بآيات وتعاليم عظيمة، ليؤمنوا به ويخلصوا.
يوضح كاتب المزمور أن المؤمنين بالله مسئولون أن يخبروا أبناءهم، أي الأجيال التالية، ويعرفوهم من هو الله، ووصاياه، وشرائعه، ليخبروا أيضًا أبناءهم، ويعلموهم إياها حتى يأتي ملء الزمان، ويتجسد المسيح، ويتمم خلاصنا على الصليب، ويذهب الرسل، وكل خلفائهم الكهنة والخدام، ليبشروا العالم، وينقلوا الإيمان من جيل إلى جيل حتى اليوم. وهذا التعليم والتسليم هو ما نسميه التقليد المقدس، أي التعليم الشفاهى بالإيمان وكيف نحياه، الذي تسلمناه من الآباء ونعطيه لأولادنا من بعدنا ويطلق عليه بولس الرسول الوديعة (2 تى 2: 2).
ع7، 8: فَيَجْعَلُونَ عَلَى اللهِ اعْتِمَادَهُمْ، وَلاَ يَنْسَوْنَ أَعْمَالَ اللهِ، بَلْ يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ. وَلاَ يَكُونُونَ مِثْلَ آبَائِهِمْ، جِيلًا زَائِغًا وَمَارِدًا، جِيلًا لَمْ يُثَبِّتْ قَلْبَهُ وَلَمْ تَكُنْ رُوحُهُ أَمِينَةً لِلهِ.
إذا تسلم الأبناء الإيمان والتعاليم السليمة من الآباء يجذبهم هذا إلى الاتكال على الله، وليس على أنفسهم، ويتمسكون بوصايا الله، ويحيون بها.
يحترس الأبناء من السلوك الشرير الذي اتبعه أباؤهم فيمايلى:
1- "جيلا زائغًا": أي مرتدًا عن الإيمان، كما فعل الآباء بعبادتهم العجل الذهبى (خر 32: 4).
3- "وماردًا": أي متذمرًا ومتمردًا على الله، كما تذمر بنو إسرائيل مرات كثيرة في سيناء.
ج- جيلًا لم يثبت قلبه: أي خانوا الله وحاولوا قتل موسى وهارون عدة مرات (عد 16: 42) وحاولوا الرجوع لمصر (عد 14: 4).
د- " لم تكن روحه أمينة لله": أي لم تكن نيتهم نقية، وقلبهم مخلصًا، بل كانوا مرائين يتظاهرون بتبعية الله، ولكن قلوبهم متعلقة بشهوات العالم. والخلاصة يقصد أن يكون الأبناء مطيعين لله، وخاضعين لوصاياه، يسلكون معه بقلب نقى، ويعبدونه بأمانة.
† تذكر أعمال الله السابقة معك؛ ليثبت إيمانك، وتتكل عليه، ولا تستطيع شهوات العالم أن تغريك، فتكون بكل قلبك معه.
ع9، 10: بَنُو أَفْرَايِمَ النَّازِعُونَ فِي الْقَوْسِ، الرَّامُونَ، انْقَلَبُوا فِي يَوْمِ الْحَرْبِ. لَمْ يَحْفَظُوا عَهْدَ اللهِ، وَأَبَوْا السُّلُوكَ فِي شَرِيعَتِهِ،
النازعون في القوس
: الذين يشدون وتر القوس ليصوبوا سهامهم.يتكلم عن بَنِي إِسْرَائِيل سبط أفرايم المشهورين بكثرة عددهم وقوتهم في الحرب، والذين اعتمدوا على أنفسهم وليس على الله. هؤلاء انقلبوا في الحرب، ولم يثبتوا أمام الآشوريين الذين سبوهم عبيدًا. فقد تم السبي لسبط أفرايم قبل غيره من الأسباط. وقد يكون المقصود بأفرايم كل ممكلة إسرائيل، حيث أنه أكبرها عددًا، فكان يرمز لكل مملكة إسرائيل الشمالية، التي عبدت الأوثان، وابتعدت عن عبادة الله في هيكله في أورشليم.
لم يحفظ أفرايم عهد الله وشريعته، ولم يطيعوا أوامره بطرد الكنعانيين سكان الأرض الأصليين، عندما دخلوا أرض كنعان وتملكوها أيام يشوع (يش 16: 10).
ع11-13: وَنَسُوا أَفْعَالَهُ وَعَجَائِبَهُ الَّتِي أَرَاهُمْ. قُدَّامَ آبَائِهِمْ صَنَعَ أُعْجُوبَةً فِي أَرْضِ مِصْرَ، بِلاَدِ صُوعَنَ. شَقَّ الْبَحْرَ فَعَبَّرَهُمْ، وَنَصَبَ الْمِيَاهَ كَنَدٍّ.
صوعن
: مدينة مصرية قديمة كانت تسمى تانيس، وكان يقيم فيها فرعون، وهي في محافظة الشرقية، أي شرق الدلتا ومكانها الآن قرية "صان الحجر".ند: نظير ومقابل.
الذى سبب انكسار أفرايم، أو إسرائيل هو نسيانهم أفعال الله وقوته مع آبائهم عندما كانوا في أرض مصر، عندما قابل موسى فرعون في صوعن، ونزل الله بالضربات العشر على فرعون. وعندما قسى قلبه وخرج وراء شعب الله، ولحق بهم عند البحر الأحمر، ضرب موسى البحر فشقه، ووقفت مياه البحر يمينًا ويسارًا كسد، وعبر بنو إسرائيل إلى برية سيناء، أما فرعون وجيشه، فلما تبعوا شعب الله غرقوا في البحر الأحمر.
أيضًا وقفت المياه كالند في نهر الأردن أيام يشوع عندما دخل تابوت عهد الله في النهر، وعبر الشعب إلى البر الثاني إلى أرض كنعان.
ع14
: وَهَدَاهُمْ بِالسَّحَابِ نَهَارًا، وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ.بعد الضربات العشر التي ضرب بها الله المصريين، وسمحوا لبني إسرائيل أن يخرجوا من مصر، عمل الله معجزات كثيرة مع شعبه، أولها أنه ظهر لهم في النهار بعمود من السحاب يظلل عليهم، فلا تحرقهم الشمس. وفى نفس الوقت يتحرك عمود من السحاب يظلل عليهم، فلا تحرقهم الشمس. وأيضًا يتقدمهم إلى الأمام، فيتحركون معه ويقودهم، وهذا يرمز لعمل الله في حماية أولاده من التجارب التي ترمز لها الشمس، وإرشاده لهم في طريق الحياة بروحه القدوس.
وباقى هذه الأعجوبة أن عمود السحاب في النهار يتحول ليلًا إلى عمود من النار يمتد من الأرض إلى السماء، ويتقدم أمام الشعب ليضئ لهم طريقهم، ويبدد ظلمة الليل، ويهديهم إلى الطريق الذي يريده الله لهم. وعمود النار يرمز لعمل الروح القدس الذي ينير، ويهدى أولاد الله إلى طريق الملكوت، ويبدد ظلمة الخطية، ويحرق كل الشر، ويحميهم كما فصل بينهم وبين جيش فرعون عند عبورهم البحر الأحمر.
ع15، 16: شَقَّ صُخُورًا فِي الْبَرِّيَّةِ، وَسَقَاهُمْ كَأَنَّهُ مِنْ لُجَجٍ عَظِيمَةٍ. أَخْرَجَ مَجَارِيَ مِنْ صَخْرَةٍ، وَأَجْرَى مِيَاهًا كَالأَنْهَارِ.
لجج
: مياه كثيرةالعمل المعجزى الثاني الذي عمله الله مع شعبه هو أنه سقاهم ماء في البرية اليابسة، برية سيناء، وذلك بأن فجر ماء من الصخرة، فخرجت مياه كثيرة سقت كل الشعب.
ذكر خروج الماء من الصخرة مرتين لأن الله كرر إخراج الماء من الصخرة في البرية مرات كثيرة، سواء شكره الشعب، أو شكوا فيه، أو تذمروا عليه. ونلاحظ أن كلمتى الصخرة المذكورتين مختلفتان في أصلهما العبري ونص كلمة الصخرة المذكورة في ع (16) هو نفسه المذكور في (عد 20: 1 - 11) حين شك الشعب في الله وتذمر عليه ولكن بمحبته ورعايته سقاهم ماء بوفرة.
إن الصخرة ترمز للمسيح كما قال بولس الرسول (اكو 10: 4)، والعصا التي ضربها ترمز للصليب، وخروج المياه الكثيرة يرمز للروح القدس الذي يسقى المؤمنين، بالإضافة إلى أن ضرب الصخرة يرمز إلى طعن المسيح وهو على الصليب وخروج دم وماء من جنبه.
ع17: ثُمَّ عَادُوا أَيْضًا لِيُخْطِئُوا إِلَيْهِ، لِعِصْيَانِ الْعَلِيِّ فِي الأَرْضِ النَّاشِفَةِ.
تكرر تمرد بني إسرائيل على الله في برية سيناء رغم عنايته الشديدة بهم بأعمال معجزية عظيمة، أولها الضربات العشر، ثم عمود السحاب، وعمود النار، وبعد ذلك شق البحر الأحمر، بالإضافة إلى إطعامهم بالمن وسقيهم بالماء من الصخرة. كل هذا حدث في ظروف صعبة جدًا، أي في الأرض الناشفة وهي برية سيناء.
ع18-20: وَجَرَّبُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ، بِسُؤَالِهِمْ طَعَامًا لِشَهْوَتِهِمْ. فَوَقَعُوا فِي اللهِ. قَالُوا: «هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ هُوَذَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ. هَلْ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا، أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟».
وقعوا في الله
: شكوا في الله وتمردوا عليه.سقط بنو اسرائيل في خطيتين في تعاملهم مع الله في برية سيناء وهما:
أ- عصيان الله، أي عدم طاعة أوامره في رفض دخول أرض كنعان، ثم تجاسرهم ودخولهم أرض كنعان ضد أمر الله، الذي منعهم لضعف إيمانهم، فهزمهم أعداؤهم كما ظهر في (ع 17).
ب- تجربتهم لله كما ظهر في (ع 18-20) لأنهم شكوا في قدرته على إطعامهم لحمًا، رغم أنهم رأوا معجزاته وقدرته على سقيهم بالماء، ثم إطعامهم بالمن.
خطية الشك في الله وتجربته بدأت من القلب، ثم ظهرت في كلامهم، وتطاولهم على الله.
إن من حق بني إسرائيل كأولاد الله المؤمنين به أن يطلبوا منه طعامًا، أو أي احتياج لهم، وهو بالطبع سيعطيهم، ولكن الخطية كانت في:
أ- شكهم في الله.
ب- شهوتهم وتعلقهم باللحم والأطعمة التي كانوا يأكلونها في مصر (عد11: 4-6).
تشكك بنو إسرائيل في الله وقدرته إذ قالوا أنه أعطانا ماء من الصخرة، فهذه المياه تأتي من المياه الجوفية التي في الأرض، ولكن هل يستطيع الله أن يعطينا لحمًا؟! أي أنه بالطبع لا يستطيع.
ع21، 22: لِذلِكَ سَمِعَ الرَّبُّ فَغَضِبَ، وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي يَعْقُوبَ، وَسَخَطٌ أَيْضًا صَعِدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى خَلاَصِهِ.
غضب الله عليهم بشدة نتيجة جحودهم واستعلت النار في طرف المحلة لأجل تذمرهم، ولكن الله الحنون سمع صلوات موسى عنهم وأطفأ النار (عد 11: 1-3). ثم بعد ذلك أطعمهم لحمًا كثيرًا عندما أتت عليهم أسراب السلوى.
ع23-25: فَأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ. وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ، وَبُرَّ السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ. أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ.
مصاريع
: أبواب. والمصاريع جمع مصراع (ضلفة الباب)بر: قمح
زاد: طعام
رغم تذمر وتشكك بني إسرائيل في الله لكنه أفاض عليهم نعمته، فأعطاهم المن من السماء، الذي هو خبز السماء لذا أطلق عليه "بر السماء". وهذا الطعام سماه أيضًا خبز الملائكة؛ لأنه نزل من السماء، بل وقال عنه بولس الرسول أنه طعامًا روحيًا (اكو 10: 3) لأنه يحمل بركة خاصة، فأشبع بني إسرائيل ليس فقط جسديًا، بل أعطاهم طمأنينة أن الله معهم، وفرحوا أنهم يأكلون من يد الله، فشبعوا روحيًا.
ع26-28: أَهَاجَ شَرْقِيَّةً فِي السَّمَاءِ، وَسَاقَ بِقُوَّتِهِ جَنُوبِيَّةً. وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ، وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ طُيُورًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ. وَأَسْقَطَهَا فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ.
عمل الله عملًا معجزيًا عظيمًا مع شعبه في برية سيناء؛ ليطعمهم لحمًا رغم أن عددهم كان كبيرًا، إذ كانوا نحو إثنين مليون نفسًا تقريبًا، فقد كانوا 600 ألف رجل عدا النساء والأطفال (خر 38: 26)، ليرد على تذمرهم وشكوكهم، وذلك بأنه كانت هناك أسراب من طائر السلوى (يشبه السمان) مهاجرة من أفريقيا نحو الشمال متجهة إلى مصر وسيناء، فأرسل الله على هذه الأسراب ريحًا شرقية آتية من الخليج العربى صدتهم عن استكمال مسيرتهم، وأيضًا أرسل ريحًا جنوبية اصطدمت بهذه الأسراب فدفعتها نحو بني إسرائيل السائرين نحو برية سيناء، وأضعفت حركة هذه الأسراب التي تُعد بالملايين، فطارت بالقرب من الأرض، على ارتفاع متر (عد 11: 31). فصار من السهل على بني إسرائيل الإمساك بهذه الطيور التي تطير ببطء إذ أنها ضعيفة نتيجة اصطدام الرياح بها. ويصف الكتاب المقدس عددها الضخم بأنها كالتراب وكالرمل وتطير حول الخيام التي يسكنون فيها.
ع29-31: فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جِدًّا، وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ. لَمْ يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ. طَعَامُهُمْ بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَصَعِدَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ، وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ، وَصَرَعَ مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ.
أثبت الله قوته لشعبه المتذمر المتشكك، عندما أعطاهم اللحم بكثرة، إذ سقطت أسراب السلوى حول خيامهم، فأمسكوها بسهولة، لكنهم لم يخجلوا ويتوبوا عن خطاياهم، بل اندفعوا بشهواتهم ليأكلوا من اللحم كثيرًا بشراهة لمدة شهر (عد 11: 20-22). وفيما هم منغمسين في شهواتهم، ورافضين التوبة عن خطاياهم هاجمتهم الحيات السامة، فقتلت الكثيرين منهم، وخاصة أسمنهم، أي أكثرهم تماديًا في شهوته، وكذلك المختارين من إسرائيل، أي الأكثر قوة وكبرياء وتعظم، فهم ليسوا المختارين من الله، بل المختارين في نظر الشعب. فالعقاب الإلهي هاجم الشعب والطعام ما زال في فمه (عد 11: 33، 34). ولعل بعضهم قتلوا أنفسهم بكثرة الأكل، أي الشراهة، فحدثت لهم تخمة فماتوا، لأنهم انتهزوا فرصة وجود لحم بكثرة قد يحرمون منه، ولا يجدونه بعد ذلك في البرية لعدم إيمانهم، وهم الذين يعبر عنهم بأسمنهم .
† إن الله قادر على كل شيء، ويستطيع أن يعطيك كل ما تتمناه، لكن ليتك تنشغل بعطاياه الروحية أكثر من المادية. تمتع بالوجود مع الله، وثق أنه سيعطيك كل احتياجاتك المادية.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
ع32: فِي هذَا كُلِّهِ أَخْطَأُوا بَعْدُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعَجَائِبِهِ.
أعطى الله لشعبه عجائب كثيرة كما ذكرنا، فأخرج الماء من الصخرة، ونزل المن من السماء، وغطت السلوى محلة سكنه ورغم هذا أخطأ في حق الله بتذمره، وتشككه، وشهواته الكثيرة.
ع33: فَأَفْنَى أَيَّامَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَسِنِيهِمْ بِالرُّعْبِ.
عاقب الله شعبه بأنه أتاههم في البرية أربعين سنة، فأضاع وقتهم، ومات كل الشعب الذي تذمر على الله، فكان سيرهم باطلًا لأنهم رفضوا الله، وتذمروا عليه. وكان باطلًا أيضًا لعدم طاعتهم، واستفادتهم من عمل الله معهم وانغماسهم في شهواتهم الباطلة وعدم إيمانهم بالله.
أفنى أيضًا الله شعبه بالرعب لعدم إيمانهم به، وخوفهم أن لا يجدوا طعامًا، فأكلوا بشراهة السلوى، ثم هاجمتهم الحيات السامة، فخافوا جدًا، بل مات منهم الكثيرون، ولكن من آمن بالله ونظر إلى الحية النحاسية نجا من الموت. ثم أفنى حياتهم بالرعب عندما استمروا في عدم إيمانهم فهلكوا في العذاب الأبدي.
ع34، 35: إِذْ قَتَلَهُمْ طَلَبُوهُ، وَرَجَعُوا وَبَكَّرُوا إِلَى اللهِ، وَذَكَرُوا أَنَّ اللهَ صَخْرَتُهُمْ، وَاللهَ الْعَلِيَّ وَلِيُّهُمْ.
عندما عاقب الله بني إسرائيل من أجل شهوتهم لللحم، وقتلهم بالحيات السامة، خافوا جدًا منه، ورجعوا إليه، وصلوا، وطلبوا الخضوع له، إذ علموا أنه قوتهم (صخرتهم)، وحمايتهم، وراعيهم (وليهم). بل أسرعوا إليه بالصلاة مبكرين لكي يسترضوه، ولكن ليس بكل قلوبهم، كما سيظهر في الآيات التالية.
ع36، 37: فَخَادَعُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَكَذَبُوا عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ. أَمَّا قُلُوبُهُمْ فَلَمْ تُثَبَّتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي عَهْدِهِ.
كان رجوع بني إسرائيل إلى الرب ظاهريًا، أي أن صلواتهم كانت كلمات من أفواههم، وليس من قلوبهم لأن الشهوة ظلت مسيطرة عليهم، ومحبة الله بعيدة عنهم، ونسوا أن الله هو فاحص القلوب والكلى، ولا يستطيع إنسان أن يخدعه.
هكذا أيضًا في كل جيل نجد هؤلاء المخادعين، مثل الهراطقة، والمبتدعين حتى اليوم يغوون الناس بكلامهم المعسول، وهم لا يحبون الله، ولا يخضعون لوصاياه، ويجتذبون البسطاء إلى طريقهم الشرير.
ع38، 39: أَمَّا هُوَ فَرَؤُوفٌ، يَغْفِرُ الإِثْمَ وَلاَ يُهْلِكُ. وَكَثِيرًا مَا رَدَّ غَضَبَهُ، وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ. ذَكَرَ أَنَّهُمْ بَشَرٌ. رِيحٌ تَذْهَبُ وَلاَ تَعُودُ.
أمام شر الإنسان وتمرده، وتشككه، بل ومخادعته لله نجد من ناحية أخرى أن الله رؤوف يشفق على الإنسان، فهو أب يحنو على أولاده، فيغفر لهم خطاياهم، ويوقف غضبه، فلا يعاقب الإنسان، وإن غضب يعاقب جزئيًا ليتوبوا؛ لأنه لو اشتعل غضبه لأهلك الإنسان. وهو يلتمس العذر للإنسان، لأن الإنسان ضعيف وحياته قصيرة مثل الريح التي تذهب ولا تعود، أي تضمحل، لهذا عندما يخطئ الإنسان يطيل الله أناته معطيًا إياه فرصة للرجوع إلى الله.
يعتبر معلمو اليهود (ع 38) هو محور سفر المزامير كله. فهو يقع في وسطه، ويظهر محبة الله للإنسان ورعايته له.
ع40، 41: كَمْ عَصَوْهُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَأَحْزَنُوهُ فِي الْقَفْرِ! رَجَعُوا وَجَرَّبُوا اللهَ وَعَنَّوْا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ.
عنوا
: أي أتعبوه وجعلوه يعانى ويحتمل إساءاتهم.تظهر طول أناة الله في احتمال عصيان شعبه عليه مرات كثيرة في برية سيناء، إذ أحزنوا قلبه. وجربوه مرات كثيرة واتعبوه لتمردهم (عد14: 22، 23) بدلًا من أن يتلذذوا بعشرته، إذ هم الشعب الوحيد في العالم الذي أنعم عليه الله بالسكن في وسطه، ورعايته من جميع الجوانب.
كل هذه الإساءات وجهها بنو إسرائيل إلى الله القدوس، إذ نسوا قداسته وعاملوه كإنسان شرير، فتمردوا عليه، وبهذا دون أن يدروا أظهروا قداسته التي تحتمل الخطاة المتمردين.
ع42، 43: لَمْ يَذْكُرُوا يَدَهُ يَوْمَ فَدَاهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ، حَيْثُ جَعَلَ فِي مِصْرَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَهُ فِي بِلاَدِ صُوعَنَ.
لم يتذكر بنو إسرائيل عمل الله معهم عندما أنقذهم من عبودية مصر بقوة عظيمة حين تمت مقابلة موسى لفرعون في مدينة صوعن، التي هي تانيس، التي تقع في محافظة الشرقية. وضرب الله فرعون بالضربات العشر على فم موسى. هذه أعمال عظيمة سمع بها العالم كله فكيف ينساها شعب الله، ويعودون ويتمردون عليه، خاصة أن الله حذر شعبه حتى لا ينسوا أعماله معهم (تث 4: 9).
يد الله التي حررت شعبه من العبودية ترمز لتجسد المسيح، الذي حرر أولاده بصليبه من عبودية الخطية.
ع44، 45: إِذْ حَوَّلَ خُلْجَانَهُمْ إِلَى دَمٍ، وَمَجَارِيَهُمْ لِكَيْ لاَ يَشْرَبُوا. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ بَعُوضًا فَأَكَلَهُمْ، وَضَفَادِعَ فَأَفْسَدَتْهُمْ.
خلجانهم
: خلجان جمع خليج وهو ممر مائى ينفتح على البحر من ناحية واحدة فهو يختلف عن القناة المفتوحة من الناحيتين. والمقصود بالخلجان هنا أفرع النيل والترع المتفرعة منها.يذكر هنا بعض الضربات التي ضرب بها الله مصر ليخرج شعبه منها، وأول هذه الضربات هو تحويل النيل إلى دم (خر 7: 17). والضربة الثانية هي الضفادع (خر 8: 2)، والضربة الثالثة هي البعوض (خر 8: 17).
ع46-48: أَسْلَمَ لِلْجَرْدَمِ غَلَّتَهُمْ، وَتَعَبَهُمْ لِلْجَرَادِ. أَهْلَكَ بِالْبَرَدِ كُرُومَهُمْ، وَجُمَّيْزَهُمْ بِالصَّقِيعِ. وَدَفَعَ إِلَى الْبَرَدِ بَهَائِمَهُمْ، وَمَوَاشِيَهُمْ لِلْبُرُوقِ.
الجردم
: أحد أطوار الجراد وهو الذي لم ينبت له أجنحة كافية للطيران، وهو شره جدًا للأكل، وبالتالي ضرره كبير جدًا في أكل المزروعات.البرد: شرائح من الثلج تسقط من السماء بقوة فتجرح وتقتل من يقابلها من الناس والبهائم، لأنها تسقط بغزارة.
يذكر أيضًا ضربة عنيفة ضرب بها الله المصريين وهي ضربة الجراد، الضربة الثامنة (خر10: 12) ثم ضربة البرد التي قتلت الناس والبهائم والأشجار والنباتات وهي الضربة السابعة (خر 9: 18). وهاتان الضربتان كانتا ساحقتين لمصر، فالجراد أكل كل شيء أخضر، والبرد أفنى الأشجار التي للأغنياء وهي الكروم، والتي للفقراء وهي الجميز، بالإضافة إلى أن خشب الجميز كان يستخدم في عمل التوابيت لوضع أجساد الموتى، وكان المصريون يهتمون جدًا بتحنيط ودفن الموتى.
ع49-50: أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حُمُوَّ غَضَبِهِ، سَخَطًا وَرِجْزًا وَضِيْقًا، جَيْشَ مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ. مَهَّدَ سَبِيلًا لِغَضَبِهِ. لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ، بَلْ دَفَعَ حَيَاتَهُمْ لِلْوَبَإِ.
يحدثنا المزمور عن تأديب الله للمصريين، فأظهر لهم غضبه الشديد في الضربات العشر، التي تبين لهم ضعف آلهتهم، وغضب الله عليهم بسبب شرورهم. وكانت الضربات العشر يحملها لهم ملائكة أشرار؛ ليسوا أشرارًا في ذواتهم، بل على العكس أطهارًا، ولكنهم يحملون ضربات قاسية، يعتبرها المصريون شرًا لحق بهم. وكانت الضربات التسع الأولى تمهيدًا للضربة العاشرة القاسية التي فيها ضرب أبكارهم، فمات الكثيرون في الضربات التسعة؛ سواء بالوباء، أو بالضربات المختلفة الأخرى وأعطى الضربات بالتدريج متزايدة في قسوتها، فمهد سبيلًا لغضبه الشديد الذي سيظهر في الضربة العاشرة؛ كل هذا حتى يتوب المصريون، ويؤمنون بالله، ويرفضون آلهتهم الضعيفة. وقد تأثر بعضهم ورافق بني إسرائيل، وأطلق عليهم الكتاب المقدس اللفيف (عد 11: 4).
ع51: وَضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ. أَوَائِلَ الْقُدْرَةِ فِي خِيَامِ حَامٍ.
في نهاية الضربات جاءت الضربة القاسية، وهي ضربة قتل كل أبكار مصر من الناس والبهائم. والأبكار هم أول المولودين حيث تكون صحة الوالدين قوية، وقدرتهم على الإنجاب عالية، بالإضافة إلى أن البكر يكون فخر لوالديه، فقد قتل الملاك أقوى، وأفخر من في مصر، الذين هم نسل حام بن نوح، وأبو مصرايم (تك10: 6).
ع52، 53: وَسَاقَ مِثْلَ الْغَنَمِ شَعْبَهُ، وَقَادَهُمْ مِثْلَ قَطِيعٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَهَدَاهُمْ آمِنِينَ فَلَمْ يَجْزَعُوا. أَمَّا أَعْدَاؤُهُمْ فَغَمَرَهُمُ الْبَحْرُ.
يجزعوا
: يخافوا خوفًا شديدًا.بعد ضرب المصريين بالضربات العشر خافوا جدًا، فترجوا بني إسرائيل أن يخرجوا من وسطهم، وساق الله شعبه من وسطهم، وعبر بهم البحر الأحمر، وقادهم، وعالهم في برية سيناء. وهكذا صار الأقوياء وهم المصريون خائفين، أما الضعفاء، وهم بنو إسرائيل، صاروا آمنين؛ لأن الله قوته معهم يحميهم ويرعاهم.
ع54-55: وَأَدْخَلَهُمْ فِي تُخُومِ قُدْسِهِ، هذَا الْجَبَلِ الَّذِي اقْتَنَتْهُ يَمِينُهُ. وَطَرَدَ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِهِمْ وَقَسَمَهُمْ بِالْحَبْلِ مِيرَاثًا، وَأَسْكَنَ فِي خِيَامِهِمْ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ.
تخوم
: حدود.بعدما عال الله شعبه في برية سيناء أدخلهم ليمتلكوا أرض كنعان، وطرد من أمامهم سبعة شعوب أقوى من شعبه، وأسكن شعبه في مدن وخيام هؤلاء الوثنيين، ودعا أرض كنعان أيضًا جبل قدسه، لأنها تقدست بوجود الله بين شعبه فيها، ودعاها أيضًا الجبل الذي اقتنته يمينه؛ لأن أرض كنعان مملوءة بالجبال (يش 14: 12) ومنها أيضًا الخمسة جبال التي بنيت عليها مدينة أورشليم وحل بهيكله المقدس فيها. وقسم أرض كنعان بين الأسباط الإثني عشر، وكانت مساحات الأراضي تُقَاس قديمًا بالحبل، كل هذا كان بقوة الله مع شعبه الضعيف، ويعبر الله عن قوته بيمينه.
في العهد الجديد يسكن المسيح المؤمنين به مكان الشياطين التي سقطت من السماء، وخلت أماكنها، فبعد جهاد هذه الحياة يملك المؤمنون مع المسيح إلى الأبد في السماء.
† عندما ترى المسيئين إليك أقوياء لا تنزعج من ضعفك؛ لأن قوة الله تتمجد في الضعف، ولكن تمسك بصلواتك، وثق أن الله سيحميك، بل ويعطيك سلامًا وفرحًا وسط الضيقات.
ع56-58: فَجَرَّبُوا وَعَصَوْا اللهَ الْعَلِيَّ، وَشَهَادَاتِهِ لَمْ يَحْفَظُوا، بَلِ ارْتَدُّوا وَغَدَرُوا مِثْلَ آبَائِهِمْ. انْحَرَفُوا كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ. أَغَاظُوهُ بِمُرْتَفَعَاتِهِمْ، وَأَغَارُوهُ بِتَمَاثِيلِهِمْ.
كانت نعمة الله عظيمة على شعبه عندما أسكنهم في أرض تفيض لبنًا وعسلًا، وطرد من أمامهم شعوبًا أقوى منهم. وكان من الطبيعي أن يشكره شعبه، ويتمسك بوصاياه، ولكنه للأسف تمرد على الله مثل آباء هذا الشعب، الذين تمردوا على الله في برية سيناء، وعاقبهم الله بعدم دخول أرض كنعان، وبهذا انحرف شعب الله عنه، وتركوا هدفهم وهو الله، مثل قوس ينحرف سهمها بعيدًا عن الهدف. بل أغاظوا الله بعبادة تماثيل وآلهة الشعوب الوثنية التي طردها الله من أمامهم، وذبحوا ذبائح لهذه الآلهة على المرتفعات، بدلًا من أن يعبدوا الله في مسكنه (تث32: 16، 17، 21).
ع59-61: سَمِعَ اللهُ فَغَضِبَ، وَرَذَلَ إِسْرَائِيلَ جِدًّا، وَرَفَضَ مَسْكِنَ شِيلُوِ، الْخَيْمَةَ الَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ النَّاسِ. وَسَلَّمَ لِلسَّبْيِ عِزَّهُ، وَجَلاَلَهُ لِيَدِ الْعَدُوِّ.
شيلو
: وهي مكان يسمى شيلوه استقرت فيه خيمة الاجتماع في أرض كنعان حوالي ثلاث مئة سنة، بعد أن انتقلت من الجلجال، وبعد ذلك استقرت في أورشليم.أمام جحود شعب الله، وإغاظتهم له بعبادة الأوثان، تخلى عنهم الله، ورفضهم مؤقتًا؛ حتى يتوبوا، بل ورفض الوجود في وسطهم، فأخذ الفلسطينيون تابوت عهد الله، الذي كان موجودًا في شيلوه (1 صم4: 1-11).
وهكذا أسلم الله عزه وهو تابوت عهد الله إلى الفلسطينيين، وفارق شعبه.
ع62-64: وَدَفَعَ إِلَى السَّيْفِ شَعْبَهُ، وَغَضِبَ عَلَى مِيرَاثِهِ. مُخْتَارُوهُ أَكَلَتْهُمُ النَّارُ، وَعَذَارَاهُ لَمْ يُحْمَدْنَ. كَهَنَتُهُ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ، وَأَرَامِلُهُ لَمْ يَبْكِينَ.
واصل الله تأديبه لشعبه الذين عبدوا الأوثان، وسقطوا في شهوات كثيرة، فأدبهم بأن أهاج عليهم سكان الأرض الأصليين، عندما تهاون بنو اسرائيل في طردهم، ولم يطيعوا كلام الله على لسان يشوع بن نون. فقامت هذه الشعوب واحتلت، واستعبدت بني إسرائيل، وقتلت بالسيف الكثير منهم (1 صم 4: 10). وهكذا أكلت نار غضب الله شعبه، ومات كثير من الرجال بنار الحروب، فلم تجد العذارى من يتزوجهن، ولم تحمد كما تعودا قديمًا ان يمدحوا العروس في يوم عرسها. والكهنة أيضًا مات منهم الكثيرون، مثل ابَنِي إِسْرَائِيل عالى الكاهن حفنى وفيخاس (1 صم 4: 11) والأرامل أيضًا رأين مصيبة الشعب، فأتت عليهن الصدمة والخوف، ولم يستطعن البكاء على رجالهن، إذ كانت مصيبة الشعب أكبر من أن يحتملنها، فلا مجال لتلقى العزاء، أو رثاء رجالهن. وسفر القضاه، وكذلك صموئيل الأول ملئ بالنكبات التي أتت على شعب الله.
† إن الله طويل الأناة، ويعطيك فرصة للتوبة، فأسرع واستغلها لئلا يتخلى عنك، فتحل بك ضيقات كثيرة يصعب احتمالها. إنه يحبك فلا تضيع فرصة التوبة لتتمتع برعايته.
ع65: فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ، كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ.
معيط:
صارخ وصائح بصوت عالى.يشبه المزمور الله بإنسان نائم من كثرة شرب الخمر، ثم استيقظ كجبار يصيح بصوت عالى على أعداء شعبه. والنائم لا يشعر بالوقت، ويظنه قصير، هكذا أيضًا الله تخلى عن شعبه وقتًا قليلًا لتأديبهم، ثم قام ليؤدب أعداءهم. كل هذا يبين محبة الله ورعايته لأولاده. فهو يبغى توبتهم، ثم يدافع عنهم ويحميهم.
ع66: فَضَرَبَ أَعْدَاءَهُ إِلَى الْوَرَاءِ. جَعَلَهُمْ عَارًا أَبَدِيًّا.
بعدما أعلن الله غضبه على الأعداء الذين أساءوا إلى شعبه، ضربهم ضربة شديدة، فصاروا خزيًا، وعارًا بين الشعوب. هذا ما حدث مع الفلسطينيين الذين ضربوا بني إسرائيل، وسمح الله بهذا لتأديب شعبه، وسرقوا تابوت عهد الله، فضربهم الله بالبواسير (1 صم 5: 6، 7).
عندما قام المسيح كجبار من الأموات أعلن أن الشيطان مقيد، وحرر المؤمنين به، وفتح لهم فردوس النعيم.
ع67، 68: وَرَفَضَ خَيْمَةَ يُوسُفَ، وَلَمْ يَخْتَرْ سِبْطَ أَفْرَايِمَ. بَلِ اخْتَارَ سِبْطَ يَهُوذَا، جَبَلَ صِهْيَوْنَ الَّذِي أَحَبَّهُ.
أكرم الله سبط أفرايم، إذ جعل عدده كبيرًا، فأفرايم هو ابن يوسف. وأكرمه أيضًا بأن خرج منه قادة روحيين منهم يشوع بن نون، وجدعون. ولكنهم لم يحفظوا وصاياه، وتكبروا، وتمردوا فغضب عليهم، ورفض أن يسكن في وسطهم. فأخذ الفلسطينيون تابوت عهد الله الذي كان في شيلوه، الواقعة في سبط أفرايم، ثم عاد التابوت من عند الفلسطينين إلى قرية يعاريم التي في سبط يهوذا، ثم نقله داود إلى أورشليم، فالله اختار سبط يهوذا الذي سيأتى منه المسيح المخلص، وفيه كان الهيكل، وكان سبط يهوذا أكثر تمسكًا في عبادة الله من باقي الأسباط.
سكن تابوت عهد الله في أرض كنعان أولًا في مدينة الجلجال فترة قصيرة، ثم نقل إلى شيلوه في سبط أفرايم، وبعد هذا نقل إلى أورشليم، حيث بَنِي إِسْرَائِيل الهيكل ووضع فيه التابوت، ولكن الهيكل أحرق بيد بابل عند السبي، ثم تم تدميره عام 70 م بيد الرومان. ولعل انتقال التابوت من أفرايم إلى يهوذا نبوة عن رفض الله عبادة مملكة إسرائيل التي ستنفصل عن سبطى يهوذا وبنيامين وقبوله للعبادة المقدمة في هيكله بسبط يهوذا.
ع69: وَبَنِي إِسْرَائِيل مِثْلَ مُرْتَفَعَاتٍ مَقْدِسَهُ، كَالأَرْضِ الَّتِي أَسَّسَهَا إِلَى الأَبَدِ.
بعد أن نقل الله التابوت المقدس إلى أورشليم بيد داود، بَنِي إِسْرَائِيل هناك بيد سليمان هيكلًا له، مثل المرتفعات المقدسة في السماء حيث الملائكة حول العرش الإلهي. وبناء هيكل سليمان كان رمزًا للكنيسة التي هي الأرض التي أسسها الله إلى الأبد؛ لأن المؤمنين بالله سيعيشون إلى الأبد، ويمجدهم الله معهم في السماء.
ع70-72: وَاخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ. مِنْ خَلْفِ الْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ، لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ، وَإِسْرَائِيلَ مِيرَاثَهُ. فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ.
اختار الله داود من بين سبط يهوذا لاستعداده الروحي، فعاش مع الله بالكمال، بعد أن تجرب في رعاية الغنم، إذ يذكر أن الله أخذه من وراء المرضعات، أي الأمهات التنى ترعى أطفالها باهتمام بين صفوف الغنم. فيستطيع بالتالى داود أن يرعى شعب الله. ورعاهم بمهارة وأبوة، وبقلب كامل يشبه قلب الله. رعى شعب الله يعقوب الذي هو إسرائيل، وكان رمزًا للمسيح الراعى الصالح، الذي يبذل نفسه عن الخراف، ويفدى شعبه على الصليب، ليقتنيهم له بيننًا في الملكوت.
† أطع وصايا الله حتى يختارك من بنيه ويعمل بك، وتهتم بكل من حولك، لتجذبهم إليه، فتتمتع بعشرته وبعمله فيك.
← تفاسير أصحاحات مزامير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 | 95 | 96 | 97 | 98 | 99 | 100 | 101 | 102 | 103 | 104 | 105 | 106 | 107 | 108 | 109 | 110 | 111 | 112 | 113 | 114 | 115 | 116 | 117 | 118 | 119 | 120 | 121 | 122 | 123 | 124 | 125 | 126 | 127 | 128 | 129 | 130 | 131 | 132 | 133 | 134 | 135 | 136 | 137 | 138 | 139 | 140 | 141 | 142 | 143 | 144 | 145 | 146 | 147 | 148 | 149 | 150 | 151
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير مزمور 79 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير مزمور 77 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/psalms/chapter-078.html
تقصير الرابط:
tak.la/7n6cj76