← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
في نهاية هذا السفر الذي تحدث عن الخلاص الذي قدمه المسيح، نرى ميلاد الكنيسة عروس المسيح (إش66: 7-9). والكنيسة هنا على الأرض بكل أفراحها وتعزياتها هي عربون لأفراح الكنيسة السماوية نصيبنا وميراثنا السماوي في المجد بعد المجيء الثاني.
الإصحاحين (إش 65، 66) يوجهوننا نحو السموات الجديدة والأرض الجديدة اللذين سيقودنا إليهما الإيمان بالمسيح. والله يعلن دعوته لكل البشر للتمتع بالحياة الجديدة التي تبدأ هنا على الأرض. ونرى أيضًا الفصل والتمييز بين ما هو صالح وما هو شرير. فالمسيح جاء لأجل هذا. وفي هذا الإصحاح نجد توقع قبول الأمم للنداء الإنجيلي.
آية (1):- "«أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي."
نرى هنا قبول الأمم آية (1).
ورفض اليهود لعنادهم وعدم إيمانهم [آيات (2- 7)].
ثم خلاص البقية منهم بجلبهم للإيمان بالمسيح [آيات (8- 10)].
ثم أن أحكام الله ستتعقب اليهود المرفوضين [آيات (11- 16)].
ثم البركات المحفوظة للكنيسة المسيحية التي ستكون لفرحها ومجدها [آيات (17-25)].
آيات (1، 2):- "«أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ."
هذه الآيات فسرها بولس الرسول برفض اليهود وقبول الأمم (رو 10: 20، 21) ولقد علق بولس الرسول أن إشعياء كان جريئًا حين واجه اليهود بهذا، أنهم سوف يُرفضون وأكمل أن هذا تتميمًا لنبوة موسى [أغيظكم بأمة غبية] (تث 32:21) الذين لم يسألوا = هم الأمم وهم أيضًا الذين لم يطلبوه (لَمْ يَطْلُبُونِي) فهم لم يعرفوه لكي يطلبوه أو يسألوه ولكنه هو عرفهم بنفسه وقال لهم هاأنذا. أما اليهود الذين بسطت [لهم] يدي = وذلك بفيض نعمه عليهم وبقيادته لهم بأنبيائه. وبمعجزاته، ثم جاء لهم وأرسل لهم تلاميذه. فهو بسط يديه لهم ليحتضنهم ويقبلهم ويعطيهم علامات محبته بل في صليبه ظل باسطًا لهم يديه بالحب ليحتضن الكل. وكان هذا طول النهار = أي طول عمر الكنيسة فالله سيقبل إليه كل من يرجع إليه ولكنهم شعب متمرد يسيرون وراء أفكارهم (شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ.. وَرَاءَ أَفْكَارِهِ) = أي شهواتهم الأرضية وخطاياهم.
آية (3):- "شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ، وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ."
يغيظني بوجهي = أي بوقاحة وبلا حياء وهم بدأوا يغيظون الله من أيام النبي في عبادة الأصنام ثم في تحديهم للمسيح وصلبه ثم في إصرارهم إلى هذا اليوم في رفضه يبخر على الآجُر = قارن هذا بما أعطاه لهم الله، أن البخور يكون أمام المذبح الذهبي. والآجُر هو ما يغطى به أسطح المنازل فهم وضعوا أصنامهم ومذابحها فوق بيوتهم (2 مل 23: 12). والأسطح هي أعلى مكان في المنزل وهذا لتكريم الصنم. ربما أن اليهود لم يفعلوا هذه العبادة الوثنية تمامًا ولكن كان معنى رفضهم للمسيح أنهم وقعوا في يد الشيطان وبهذا صاروا كعابدي الأوثان الذين يفعلون هذه الأمور.
آية (4):- "يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ."
يجلس في القبور = لسؤال أرواح الموتى. وهم لم يسألوا الرب. ويبيت في المدافن فهم ظنوا أن أرواح الموتى تظهر لهم في الليل أو بواسطة أحلام. ويأكل لحم الخنزير = فالخنزير نجس بحكم الشريعة، ولكنها طبيعة العصيان والتمرد التي أصبحت فيهم.
آية (5):- "يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ."
بالرغم من خطاياهم فهم في كبرياء يقولون للآخرين قف عندك لا تدن مني حتى لا تنجسني فأنا أقدس منك. وهؤلاء المتكبرون يثيرون ضيق الله كدخان في أنفه. وكانت هذه خطية الكتبة والفريسيين أيام المسيح.
آيات (6-7):- "هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا قَالَ الرَّبُّ، الَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى الآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ الأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ»."
هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي = هذا التشبيه لنعرف أن الله لا ينسى. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ = فالخطية تحرق يد الخاطئ، ومَنْ يحتضن الخطية تحرقه. قال سليمان الحكيم عن خطية الزنا ليرى الزاني ما سيحدث له "أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟!" (أم27:6).
آيات (8، 10):- "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ الْكُلَّ. بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلًا وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ، وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي."
وهذا شرحه بولس الرسول في
(رو11 : 1-5) وهو مبدأ قبول البقية. فالله لم يرفضهم نهائيًا. وشبههم الله هنا بكرمة تبدو أنها جفت وتستحق أن تقلع، ولكن عين الكرام الخبير تكشف أن بعض الأغصان ما زال فيها عصارتها وتبشر بمحصول فيبقى عليها. ولقد رفض اليهود المسيح، ولكن قلة منهم قبلوه، هم البقية وستكون في نهاية الأيام، بقية تؤمن بالمسيح. وما هي مواصفات هذه البقية؟ هم عَبِيدِي = هم يعبدون الله وليس شهواتهم الأرضية، هؤلاء كفوا عن العناد وآمنوا بالمسيح. وَشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي = فهم أصبحوا يطلبون الله ومن يطلب الله لا بُد ويستجيب له الله ويضمه لكنيسته أي جسده.بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلاً وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي = هذه البقية التي ستؤمن بالمسيح في نهاية الأيام سيضمها الله لكنيسته التي تحيا في السماويات وترث الأمجاد السماوية المعدة لكنيسة المسيح = جبالي. وهؤلاء ستكون لهم إقامة سعيدة فهم سيرثون في جبال الله وأين؟ من وادي شارون على الحد الغربي وإلى وادي عخور على الحد الشرقي للأرض. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هي الأرض المقدسة، أرض ميراث الرب كلها، والآن الأرض كلها للرب. ووادي شارون هو سهل منبسط وأرض صالحة للزراعة والرعي، وهذا يعني أن الله يرعى البقية من اليهود التي كانت تؤمن عبر التاريخ من بعد صعود المسيح حتى اليوم، فكل يوم يدخل للمسيحية من يؤمن من اليهود، وهؤلاء يدخلون إلى مرعى الكنيسة الفسيح أرض ميراث الرب.
أما وادي عخور ففيه رُجِمَ عاخان بعد أن كدر إسرائيل وتعني عخور تكدير وإزعاج. فيصير المعنى أن هناك من سيؤمن في نهاية الأيام من اليهود، والله يحفظ بركات لهم، هؤلاء الذين كانوا يوما مكدرين لسلام الآخرين ناكرين لمعاني نبوات توراتهم فيضللوا المسيحيين. يمكن القول أن هؤلاء من يقال عنهم أصحاب الساعة الحادية عشرة.
آية (11):- "«أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الرَّبَّ وَنَسُوا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ مَائِدَةً، وَمَلأُوا لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ خَمْرًا مَمْزُوجَةً،"
أما أنتم = هذا الكلام موجه لليهود ويوجهه إشعياء لقومه ومن سيأتي بعدهم الذين سيعبدون النجوم = السعد الأكبر والأصغر (لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ.. وَ.. لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ). وهي عبادة فيها سكر وعربدة. وحتى يومنا هذا، فهناك من يؤمن بالأبراج وحظك اليوم ويتفاءلون ويتشاءمون. مرة أخرى ربما أن اليهود لا يعملون هذا ولكن المعنى أن من يرفض المسيح يقع في يد إبليس فيكون كالوثني.
آية (12):- "فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ."
فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ = من يرفض المسيح كمخلص لن يجد سوى المسيح الديان، ويكون قوله إني أعينكم لِلسَّيْفِ أن المسيح سيدينهم لرفضهم الإيمان. والمعنى المقصود في الترجمة الأصلية أنني أُعَيِّن العدو = فمن هو عدو لله سيهلكه الله بالسيف أو بالطريقة التي يراها. والله يحدد من هو العدو وما نوعية العقاب والدينونة هل بالسيف أو الوباء أو الطوفان ... إلخ. والسيف لا يقتل عشوائياً، بل هو في يد الله. والسيف تركه الله عليهم لأنه تكلم = بواسطة الأنبياء أو في ابنه الكلمة المسيح فلم يجيبوا بل عملوا الشر (عَمِلْتُمُ الشَّرَّ) = صلبوه.
آيات (13، 14):- "لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ الْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ الْقَلْبِ، وَمِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ."
مقارنة بين حال عبيد الرب ورافضي الرب. فعبيد الرب مكتفين قانعين حتى في الطعام والشراب وأفراح السماء لهم أفراح أبدية، وأما هؤلاء الذين وضعوا أمالهم في الأرض فهم في عطش وحزن وجوع، يجرون ويلهثون وراء هذه الأرض الفانية. أما عبيد الرب فهم يشتركون فرحين في مائدة الرب الدسمة فيفرحون ويشبعون ويسبحون.
وقد رأينا تنفيذ هذه الآية في اليهود الذين ظلوا مشتتين ومرفوضين من العالم 2000 سنة تقريبا بعد صلبهم للمسيح.
آيات (15، 16):- "وَتُخْلِفُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ اسْمًا آخَرَ. فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ."
هناك فرق أيضًا بين عبيد الرب والخطاة من ناحية الذكرى والسمعة، فإسم من عبد الأوثان من اليهود ثم صلبوا المسيح سيترك
لَعْنَةً. وسوف يُهمل ويكون استخدامه بائسًا وسيئًا. فكان هناك مثل أوروبي "يجعلك الله بائسًا كاليهود " ويكون كل هذا كإنذار ليتساءلوا لماذا نحن كذلك، ويكون هناك خوف من أن تنزل اللعنات على الناس مثلما تنزل على اليهود، فالله تركهم للعنة = وَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أما عبيد الرب فذكراهم دائمًا بالبركة، والله سيدعوهم باسم آخر، فإسم شعب الله اليوم مسيحيين وهم جسد المسيح. وتحت هذا الاسم سيكون لهم كل بركات ومميزات العهد الجديد. ولن يكون هذا الشعب المسيحي شعبًا واحدًا في أرض معينة، بل المسيحية هي لكل الأرض فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ كلها يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ = والمسيح هو الحق، وهؤلاء سوف ينسبون كل نجاح لهم وكل تعزية لله وهؤلاء سينسون أيضًا كل آلام الماضي في أفراح الحاضر. والله هو الذي سيجعلهم ينسون مشاكل الماضي، بل الله يقول إنها اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّه (اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ) أي أزيلت. فهو في كل ضيقنا تضايق، وإذا كان مازالت هناك مشاكل لكانت بقيت أمام عينيه، فهو يحس بالآلام التي نحسها ويرتاح حينما نرتاح، وهنا على الأرض يتحقق جزء من هذا وأما تحقيقه الكامل فهو في السماء. سأل أحد الملوك حكيماً "ما الدليل على صحة الكتاب المقدس" فقال له "اليهود". فما قاله الله عنهم حدث وما زال يحدث عبر 2000 سنة.
آية (17):- "«لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال."
هذه الآية وجدت تحقيقها جزئيًا أولًا في عودة اليهود من السبي لأرض جديدة بلا أوثان وسماء جديدة أي بعلاقة جديدة بينهم وبين الله. ثم ثانيًا في الكنيسة فصارت الكنيسة هي الأرض الجديدة فأعضائها من المؤمنين في حب يتعاملون مع بعضهم، وهي السماء
الجديدة أي في علاقة حب بين هؤلاء المؤمنين وبين الله وبين السمائيين، بل هي علاقة بنوة نقول لله فيها "أبانا الذي في السموات". ولكن الآية ستتحقق كليًا في الحياة الأبدية فهي بحق الأرض الجديدة والسموات الجديدة (رؤ 21: 1).
آية (18):- "بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا."
فرح القديسين بالرب فرح أبدي فكل ما سيخلقه الله جديدًا سيكون مصدر فرح لقديسيه ومن تألم مع الكنيسة سيفرح (رو 8: 17).
لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وشعبها فرحا = هنا نرى الله يفرح بكنيسته التي إشتراها بدمه وصارت ميراثه (أف1: 18). "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو15: 7).
آية (19):- "فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ."
الله يفرح بكنيسته وكنيسته تفرح به. وإذا طبقنا هذه الآية على الأرض فيكون المعنى أننا لن نحزن على الأرضيات
الفانية، ولكن تطبيقها الكامل سيكون في السماء.
تعليق على الآيات 17 ، 18
آيات يقولها الله الأب الحنون يُعبِّر فيها عن أن فرحته هي حين يرى أولاده فرحون، ونفهم منها أن فرح الله هو فرح متبادل بينه كأب حنون لنا -وبيننا كأولاده. حين نفرح يفرح هو وحين يفرح نفرح نحن- كما قال رب المجد "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم" (يو15 : 11). وكان هذا واضحًا من بدء الخليقة - ألم يخلقنا الله في جنة عَدْن وجنة تعني مكان جميل جدًا، وعَدْن كلمة عبرية تعني فرح. وحينما دخلت الخطية ضاع الفرح وهذا معنى طرد آدم من الجنة (تك3: 23 ،24) = أي ما عاد يفرح. والمسيح أتى ليعيد الفرح للمؤمنين مع أن العالم الذي نحيا فيه كله حزن وضيقات، لكننا نجد المسيح يعِدْنا بأن الفرح الذي سيعطيه يتغلب على الضيقات "فأنتم كذلك، عندكم الان حزن. ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع احد فرحكم منكم" (يو16: 22). وهذا ما إختبره بولس الرسول فقال "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" + "سلام الله الذي يفوق (يتفوق على) كل عقل (كل حيرة واضطراب وقلق)" (2كو6: 10؛ في 4: 7).
والرب يسوع يقول "عندكم الآن حزن" فطالما نحن في هذا العالم فسيوجد حزن وخوف وقلق، ولكن نعمة المسيح تسكب في القلب سلاما وفرحا يتغلبان على ما في هذا العالم من حزن وخوف ...إلخ. هذا السلام والفرح هي عطايا الله الروحية التي تجعلنا نتذوق طعم الحياة السماوية بينما نحن ما زلنا على الأرض (أف1: 3) إلى أن نذهب إلى الفرح والمجد الأبديين، وهناك لا حزن ولا قلق بل يمسح الله كل دمعة من العيون، هناك نسمع "أدخل إلى فرح سيدك".
آية (20):- "لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَالْخَاطِئُ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ."
لن يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ ولا شيخ لم يكمل أيامه
= بعد المسيح تغيرت النظرة للموت، فلم يعد يقال "قد أعدمت بقية سني" أو "من النول يقطعني" (إش 38: 10، 12) وقائلها هو حزقيا الملك حينما أخبره النبي بموته، فإعتبر ذلك بمثابة أنه يموت ناقص عمر بلغة هذه الأيام. فكلمة طفل أيام هي المضاد لكلمة يموت شبعان أيام التي قيلت كثيرًا فيمن عمروا طويلًا. ولا يقال اليوم بعد المسيح أن فلان مات ناقص عمر لأن:1) العمر محدد من الله. والله يعطي مدة محددة ننهي فيها عملًا خلقنا من أجله. ثم ننضم لمن سبقونا في الفردوس حيث الراحة (دا12: 13؛ أف2: 10) إلى أن ننتقل للمجد السماوي.
2) ليس موت لعبيدك يا رب بل هو إنتقال. فالذي مات ذهب إلى السماء ولا مقارنة بين السماء والأرض خاصة بعد أن قال القديس بولس آيته الشهيرة "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا". بل نحن بدأنا حياتنا الأبدية بعد المعمودية.
3) المسيح نفسه مات في سن 33 سنة. وهكذا كثير من الشهداء القديسين (أبانوب وقرياقوص وونس...).
4) بل حتى في العهد القديم لنتساءل ماذا إستفاد حزقيا من زيادة عمره أو لنقل ماذا خسره حزقيا؟ 1) أنجب منسى أشر ملوك يهوذا. 2) أخطأ في موضوع أمراء بابل.
5) فلنترك تحديد العمر لله ولا نطلب عمرا طويلا لسببين :- 1) هو وحده يعلم متى ينتهي العمل الذي خلقنا من أجله. 2) هو وحده الذي يعلم متى نكون في أحسن أحوالنا الروحية، فالله يظل يؤدبنا طوال العمر، وهو وحده الذي يعلم متى يتم هذا ونكون أنقياء. ونفهم ان الله خلال مدة حياتنا يعمل هو أيضا. هو يعمل على إعدادنا
وتنقيتنا لنؤهل لذلك المكان الذي ذهب إليه السيد المسيح كسابق ليعد لنا المكان.
لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ
طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُلأَنَّ
الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ وَالْخَاطِئُ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍلاحظ أن الآية شقين:-
الشق الأول يذكر
طفل في مقابل شيخ.والشق الثاني يذكر
صبى في مقابل خاطئ.ولنضع أمامنا قول الرب [الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات] (مت18: 3). فنستنتج أن
الصبي هو من عاش حياته مجاهدًا وقبل تجديد الروح القدس ولم يقاومه، فعاد وصار كالأولاد وهذا يخلص. فالخلاص يتم على مرحلتين: 1) عمل المسيح (المعمودية). 2) عمل الروح القدس (التجديد). وهذا بحسب قول القديس بولس الرسول "وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللهِ وَإِحْسَانُهُ، لَا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ، خَلَّصَنَا (1) بِغُسْلِ ٱلْمِيلَادِ ٱلثَّانِي (2) وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (تى5،4:3). فالمسيح مات وقام، وبالمعمودية نموت ونقوم فيه بخليقة جديدة. وخلال رحلة حياتنا وإحتكاكنا بالعالم نخطئ والروح القدس يعمل فينا العمر كله ليجدد طبيعتنا ومن يقبل عمل الروح القدس ولا يعاند يخلص.أما الخاطئ فهو عاش حياته مقاوما للروح القدس ولم يقبل التجديد وقيل عنه شيخا، فهو شاخ عمرا وشاخ روحيا أي لم يتجدد. ولكن من يشيخ عمرا ولكن يتجاوب مع الروح القدس ولا يقاومه [يجدد مثل النسر شبابه] (مز103: 5) ويعيده صبيًّا روحيًّا.
الصبي هنا في مقابل الخاطئ وكلاهما يعيش 100 سنة ثم يموت. (الـ100 سنة هي رمزيًّا المدة التي حددها الله لننهي العمل الذي خلقنا الله من أجل أن نتممه) ولكن الصبي قيل عنه يموت، أي ينتقل من حياة على الأرض إلى حياة في السماء. وأما الخاطئ فقيل عنه يلعن فهو كان ميتًا بالخطية على الأرض وإنتقل إلى جهنم بعد موته وهي مكان لعنة.
من هو الصبي؟ هو من تعلق بالمسيح وأنار المسيح حياته، وهذا يستعيد بساطة الأطفال فيكون صالحًا لملكوت السموات.
ومن هو الشيخ؟ هو من قاوم عمل الروح القدس فلم يثبت في المسيح، فهذا لن تشفى طبيعته (لاحظ أن المسيح هو طبيب أنفسنا) وسيظل كما هو بطبيعة العصيان والخطية، ولا ينطبق عليه الشرط الذي قاله الرب [أنه عاد وصار مثل الأولاد] (مت 18: 3) فهذا يهلك.
وكلاهما يموت.. ولكن الصبي وهذا من تم شفاؤه يموت وتحمله الملائكة (مثل لعازر) والخاطئ يموت وتحمله الشياطين لمكان اللعنة الأبدية (حيث ذهب الغني).
ولكن كلاهما عاش 100 سنة فما هي هذه الـ100 سنة؟
هي مدة حياتهما على الأرض وتمثل رمزيًا بـ100 سنة.
فرقم 100 يشير للكمال فهم أتموا ما حدده لهم الله من عمر لينهوا أعمالهم.
وهو أيضًا يشير للمكافأة أو المجازاة عن الأعمال "كل مَنْ ترك.. أبًا أو أمًا.... يأخذ 100 ضعف" (مت 19: 29).
إذًا هي فترة نحياها على الأرض فإما نحياها بأمانة ونتمم الأعمال التي خلقنا من أجلها فنكافأ 100 ضعف، وإما أن لا نكون أمناء فلا مكافأة بل لعنة.
قيل عمن يكون بارًا وأمينًا صبي إذ قبل تجديد الروح القدس وعاد كطفل صغير فيكون له ملكوت السموات، أما غير الأمين فقيل عنه شيخ لم يكمل أيامه وهذا يدل على أنه استمر فترة طويلة وأخذ فرصا متعددة، فهو بلا عذر حين يقول "لو كان الله أعطاني عمرا لكنت صرت قديسا" هو أخذ فرصته ولكنه استمر كما هو ولم يرجع ليصير كطفل فلا نصيب له في ملكوت السموات = يلعن .
قطيع المسيح الصغير (لو12: 32) رمزيا هو 100 خروف (لو15: 1 – 7)، لو ضل منهم خروف سيفتش عنه المسيح الراعي الصالح ليعيده، فنقول أن الصبي هو من عاد وصار من الـ100 خروف القطيع الصغير، ومن عاند ورفض هو الخاطئ الرافض.
أيضًا قطيع المسيح الذي يخلص هو رمزيًّا 153 [راجع يو 21].
وهذه مواصفات مَنْ يُخَلِّص 153 = 100 + 50 + 3:
1) يكونوا من القطيع الصغير الـ100 خروف.
2) ملأهم الروح إذ هم لا يقاومونه فجددهم الروح الذي حل على الكنيسة يوم الـ50.
3) قاموا القيامة الأولى من موت الخطية، ورقم القيامة هو 3.
فكل من الصبي والخاطئ أتم حياته وأخذ نصيبه على أعماله وأحدهم ذهب للسماء والآخر للجحيم ليلعن. والبعض يفسر الآية على أن هناك أطفال يموتون في عمر صغير ولكن بعد أن قضوا حياة كلها قداسة وامتلأوا من كل حكمة فهؤلاء كأنهم عاشوا 100 سنة، أو كأنهم في حكمة الشيوخ. أما الخطاة الذين يعيشون في العالم ولا يشبعون منه فحتى لو عاشوا 100 سنة فهم لن
يشبعوا ويموتوا ويلعنوا لخطاياهم. إذًا طول العمر ليس المقياس بل كيف نعيش عمرنا هذا هو المقياس.ونفهم الآن أن الله خلقنا لمدة محددة تكفي لنتمم العمل الصالح الذي خلقنا لنعمله (أف2: 10) اذن ليس المهم طول مدة العمر، بل كيف مجدنا الله خلال مدة حياتنا. إذن طول مدة عمر الإنسان ما عادت تعبيرًا عن رضَى الله.
آيات (21- 23):- "وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلًا وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي الرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ."
الله سيبارك عمل أياديهم، ويجنون ما يتمنونه، وبلغة ما كان يحدث قديمًا فحين كانوا يخطئون كان الله يسلط عليهم أمة تؤدبهم، بأن تطردهم من بيوتهم وتسكن فيها وتأكل محاصيلهم (راجع سفر القضاة) ولكن الآن في عهد النعمة فلا سلطان لأحد علينا حتى ولا الشياطين. وَكأيام شجرة أيام شعبي = مثل شجرة البلوط التي وإن قطعت أوراقها تعود وتستعيد شكلها ثانية، ونحن نستعيد شكلنا بالتوبة ونزدهر من جديد، وعندما نموت بالجسد نقوم مرة ثانية وإلى حياة أبدية ففي الترجمة السبعينية تترجم الآية كأيام شجرة الحياة = وشجرة الحياة هي المسيح، أي سيكون المسيح لنا شجرة حياتنا "لي الحياة هي المسيح" وفيه سنتمتع بكل التعزيات الروحية، وأيضًا لنا حياة أبدية.
ولا يلدون للرعب = الله سيجعل أولادهم مصدر تعزية لهم بأن يجعلهم يسيرون في طريق الحياة، طريق الحق وتكون أيامهم فرحة.
آية (24):- "وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ."
هناك اتصال جيد بينهم وبين الله، والله يتوقع ما يصلون لأجله، كما قابل الأب الابن الضال في طريقه. وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ فبحسب وعده هو وسطنا (مت20:18).
آية (25):- "الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ الرَّبُّ»."
ويكون هناك اتصال جيد بينهم وبين بعضهم فالله أرسلنا كحملان وسط ذئاب ولو آمن هؤلاء الذئاب لصار الكل حملان. وطبع البشر سيتغير، ومن منهم كالأسد يأكل الدماء سيصير كالبقر آكل تبن. أما الشيطان فمقيد بسلسلة والتراب طعامه. ومن عاش للأرضيات يصير ترابًا أي طعامًا لإبليس.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 66 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 64 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a9gx85m