← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12
لا شك في أن عبد الرب هنا هو المسيح، وهكذا فسره اليهود حتى القرن 12. لكن نتيجة جدالهم مع المسيحيين اضطروا أن يفتشوا عن تفسير آخر. فقال بعضهم أن عبد الرب هو شعب اليهود والبعض قالوا أنه إرميا والبعض يوشيا. ولقد آمن كثيرون من اليهود بالمسيح بمطالعتهم لهذا الفصل ومقابلته بالعهد الجديد وفي الأيام الحديثة، أسقط اليهود هذا الفصل (أش 52: 13 - 53: 12) من القراءات المنتخبة للقراءة الأسبوعية، فهو نبوءة كاملة عن آلام المسيح قبل المسيح بحوالي 700 سنة. وهذه الآلام كانت حتى يفدي شعبه، لقد جعل نفسه ذبيحة إثم (أش 53: 10) وبهذه النبوة نقترب إلى الله وننظر إلى سر الفداء.
آيات (52: 13-15):- "هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا. كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ."
عَبْدِي يَعْقِلُ = عَبْدِي هو أقنوم اللوغوس λόγος العقل المنطوق به أو النطق العاقل. هو أقنوم الحكمة. هو حكمة الله وقوته (1كو 1 : 24). لكنه أخلى ذاته في تجسده، آخذاً صورة عبد (فى7:2). وأطاع لنُحسب فيه مطيعين. يَعْقِلُ = جاءت في الإنجليزية "يتعامل بحكمة".
والمسيح بالجسد كان إنسانا كاملا يشابهنا في كل شيء وكان ينمو في الحكمة، وكان كلامه كله بحكمة أذهلت الناس. المسيح لم يولد كامل النضج العقلي وإلا ما كان إنسانا طبيعيًّا مُشَابِهًا لنا في كل شيء. بل لنقل أنه كان يتميز عن أقرانه الذين في سنه بدليل أنه وبينما هو في سن الثانية عشر قيل عنه "وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ (أبواه) فِي ٱلْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ ٱلْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ" (لو47،46:2).
يتعالى ويرتقي = هو يتعالى ويرتقي لأنه تنازل وتواضع أولًا فنجاح عمله أي الفداء رفعه في أعين كل العالم. ولأنه تواضع رفعه الله وأعطاه اسمًا فوق كل إسم (في 2: 9، 10) والتعالي والتسامي صفات لله، فهكذا رأى إشعياء الله "جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ" (أش 6: 1) ونفس المفهوم نجده في (أش 57: 15) لذلك فالمسيح هو الله. وحتى وهو على الأرض تسامى جداً في أعين سامعيه "كَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لو22:4).
هكذا ينضح - ينضح لها معنيين:
1- يذهل. فهو كان اتضاعه مذهلًا فاليهود إنتظروا مسيحًا في صورة مجد لا مسيحًا متألمًا.
2- يرش فالمسيح رش دمه على المؤمنين من كل الأمم لأجل تطهيرهم.
فـ:مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أكثر من الرجل وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدم
= صورته في جروحه ودمه الذي غطى جسمه، حتى أن بيلاطس قال "هوذا الإنسان" (يو19: 5). فالإنسان بسبب الخطية وقعت عليه ألاما شديدة وفسدت صورة المجد التي خلقه الله عليها إذ كان الإنسان في الجنة يعكس مجد الله لأنه كان يرى الله. ومنظر المسيح على الصليب، والصليب لعنة فـ:"مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (تث21: 23؛ غلا 3: 13) وشكل جروحه وآلامه كانت أكثر من أي بني آدم، هو أراد أن يشابهنا في كل شيء حتى أبشع أنواع الآلام واللعنة فيكون إنسانًا كاملًا حتى في الآلام، وهذا معنى "يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ [خلاصنا] بِالآلاَمِ" (عب2: 10). وغني عن القول أن المسيح بجسده لم يكن له صورة المجد، بل هو طلبها لجسده ليتمجد الجنس البشري فيه (يو17: 5). هو قبل اللعنة لنتمجد نحن فيه.أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ
= هم رأوا في المسيح وعرفوا ما لم يخبرهم به كهنتهم وعرافيهم. هم رأوا في المسيح وفيما حدث للمسيح تحقيقًا ورأوا فيه تواضعا عجيباً ومحبة عجيبة للبشر. أما كهنتهم ومعلميهم فقد صوروا لهم المسيح ملكًا وقائدًا يهزم الرومان.. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ = الملوك في كبريائهم كملوك تخضع لهم شعوبهم، حين يُدركون تواضع ملك الملوك ورب الأرباب وقبوله كل هذه المهانة يسدون أَفْوَاهَهُمْ خجلاُ من كبريائهم الذي صار بلا معنى، فما قيمة ملكهم وعظمتهم أمام عظمة الله الحقيقية ومع هذا قبل الصليب.
آية (1):- "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟"
من صدق خبرنا = المسيح أتى لليهود ولكنهم لم يصدقوه. والصليب كان سرًا مذهلًا لم يصدقه أحد.
لِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ = في المسيح (ذِرَاعُ الرَّبِّ) إستُعلِنت محبة الله وقوته. والسؤال فيه استنكار لموقف اليهود من المسيح فهو تجسد منهم وأتى لهم لكنهم لم يؤمنوا به فقد إنتظروه ملكًا وقائدًا. "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله". والعجيب أن اليهود أعجبوا بتعاليمه ولكنهم رفضوه لأنه إبن نجار بسيط "كَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هَذَا ٱبْنَ يُوسُفَ" (لو 4: 22).
آية (2):- "نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ."
نبت قدامه = أي قدام الرب، "فكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح" (لو 2: 40) كفرخ = لم يخرج في صورة قائد عظيم، بل جاء كفرخ (غصن) من أصل شجرة جافة. خرج كقضيب (فرع شجرة) من جذع يسى الشجرة اليابسة (فأسرة داود انتهت أيام سبي بابل سنه 586 أيام صدقيا الملك آخر ملوك أسرة داود) أو تفهم أن المسيح خرج من الطبيعة البشرية التي هي أرض يابسة. لا صورة له ولا جمال = كانت عيون اليهود مغلقة فلم يروا جماله الداخلي، جمال قداسته، وفي هذه كان أبرع جمالًا من بني البشر (مز 45: 2) اختفى جماله من أمام عيونهم فلم يروا سوى فقره وتواضعه وصليبه، بل كان مكروهًا لتوبيخه الناس على خطاياهم. يقول البعض في أيامنا لو رأينا المسيح لآمنا به. ولا يعرفون أن الإيمان بالمسيح الآن وهو في مجده أسهل من الإيمان به في هذه الصورة المحتقرة التي لا تتناسب مع ما يريده الناس من قوة ومن عظمة.
آية (3):- "مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ."
مختبر الحزن = كانت ملحوظة أحد نبلاء الرومان عن المسيح وقد أرسلها لمجلس الشيوخ الروماني أن المسيح لا يضحك، بل قيل في الكتاب المقدس عن المسيح أنه بكى ولكن لم يقال ولا مرة أنه ضحك. محتقر ومخذول = هكذا احتقر اليهود ورؤساءهم المسيح وقالوا عنه مجنون، وقالوا به شيطان.. إلخ. (مر 3: 21؛ يو 7: 20؛ 8: 48، 52). وكمستر عنه وجوهنا = هم ستروا وجوههم عنه كأبرص، هم إحتقروه إذ إعتبروه ابن نجار بسيط، وهم يعرفون بساطة عائلته وإخوته ويعرفون أمه (مت13: 55 + لو4: 22) فلم يهتموا بتعاليمه وأقواله فأداروا وجوههم ولم يهتموا بها، إذ شعروا أنه لا يستحق الإهتمام. وحينما رأوا المسيح على الصليب قالوا هذا من غضب الله. كما قالوا سابقًا أأخطأ هذا أم أبواه فعندهم أن الألم عقوبة للخطية ولم يعرفوا أنه يتألم لأجلهم هم.
آيات (4-6):- "لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا."
قال المسيح على الصليب "يا أبتاه إغفر لهم" والمقصود من هذا ليس أن المسيح سامحهم عما فعلوه، بل إنه وهو معلق على الصليب غارقًا ومغطى بدمائه بدأ شفاعته الكفارية. فالمسيح على الصليب وجسده كله مغطَّى بالدماء، كأنه يقول للآب: جسدي الذي هو كنيستي هو الآن مُغَطَّى بالدم، وهذه هي الكفارة، فلتبدأ أيها الآب القدوس في غفران خطايا الكنيسة التي هي جسدي (أف5: 30).
فدمه لا يطلب الثأر مثل دم هابيل بل الغفران (عب 12: 4).الشفاعة الكفارية = "كفارة" من الفعل "يغطي". وكل من هو ثابت في المسيح هو مغطى بدم المسيح. ومن هو في المسيح أي ثابت في المسيح يعتبر *بلا لوم (أف1: 4) *وكامل (كو1: 28) *وبلا دينونة (رو8: 1) فالآب لا يرى عيوبنا بل يرانا في ابنه. لذلك يطلب منا المسيح قائلا "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). وهذا يُفسِّر لماذا كانت ذبائح المحرقات يتنسمها الله رائحة رضا (تك8: 21 + لا1: 9)، فذبائح المحرقة تشير لطاعة المسيح حتى الصليب (في 2: 8). ففي المسيح نُحسب نحن طائعين وهذا يفرح الآب - عودة أبنائه إليه "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". بل في النهاية نرى أن المسيح يسوع كرأس لجسده أي الكنيسة يقدم الخضوع للآب (1كو15: 28).
أحزاننا حملها = الأحزان ناتجة عن الخطية فهو حمل خطايانا وأثارها ليعطينا سلام الله الذي يفوق كل عقل. تأديب سلامنا = هو احتمل نيابة عنا التأديب ونتيجة هذا حصلنا على السلام. وبحبره = هي أثار الجروح التي نتجت عن ضربات السوط والقصبة والشوك وجروح المسامير واللكم واللطم. وهكذا وضع [الرب] عليه إثم جميعنا = جميعنا فالجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.
أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا =
والسؤال هنا كيف تحمل المسيح ألامنا ونحن ما زلنا نتألم في هذا العالم؟
المسيح إحتمل الألم رافضًا أن يشرب خلًا به مر، لأنهم كانوا يعطون المصلوب خلًّا ممزوجًا بالمُر، والمر يعمل كمخدر للآلام. ومن يرتبط بنير المسيح [احملوا نيري (وصيتي) فهو هين] (مت 11: 29-30)، أي أن من يلتزم بوصاياه يحمل عنه المسيح آلامه. لذلك رأينا الشهداء يدخلون ساحات الاستشهاد فرحين مهللين، إذ أن الله يسكب في داخلهم فرحًا يسود على ألامهم. وفي ضيقاتنا يسكب سلاما يسود علينا ويتغلب على أي اضطراب وخوف وحيرة وهذا معنى قول الرسول "سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (في 4: 7) وقوله أيضًا "متحيرين لكن غير يائسين" + "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو4: 8 + 2كو6: 10).
ويعطينا فرحاً ينتصر على أي ألم أو حزن أو خوف من مرض أو حتى الموت "فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ، عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلَا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو22:16).
آية (7):- "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ."
ظُلِم = محاكمته كانت ظالمة وأتوا له بشهود زور. أما هو فتذلل = أي سلم نفسه للظلم. ولم يفتح فاه = فهو سكت أمام قيافا وبيلاطس وهيرودس. وكان كشاه تساق للذبح (كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ) = أي بلا مقاومة، فهو يعرف ما جاء لأجله وهو عرف نية محاكميه وظلمهم، وكان سكوت المسيح هذا أبلغ دليل على قوته، فهو لم يستخدم قوته ضدهم وإلا كان الفداء قد تعطل.
آية (8):- "مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟"
من الضغطة = الشدة والضيق والمشقة. ومن الدينونة = المحاكمة أمام رؤساء الكهنة ثم الملوك. إذاً كان موته ليس فقط فيه معاناة من مسامير الصلب، والصلب نفسه وآلامه، بل ألام نفسية مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ = فقد ظلمه الكهنة ورؤسائهم والكتبة والفريسيين والكتبة ....إلخ، بل هرب تلاميذه وشمت فيه اليهود الذين أتى لخلاصهم. وفي جيله = أي الشعب الذي رآه يصلب لم يفهم أنه صلب ومات من أجل ذنب الشعب وليس من أجل ذنبه هو. قطع من أرض الأحياء = مات من أجل ذنب شعبي وليس لخطية فيه. ولنقرأ الآية هكذا أَنَّهُ قُطِعَ من أرض الأحياء، وأَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟" فهو تألم وصُلِب ومات من أجل خطايانا وليس لعيبٍ فيه.
آية (9):- "وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ."
جعل مع الأشرار قبره لها تفسيرين:
1- قد تشير لحراسة الجنود الرومان الأشرار وهم قد قبلوا الرشوة ليكتموا خبر القيامة، فهم كاذبين مرتشين، قالوا كنا نيام وأتى التلاميذ وسرقوه.
2- كان المخطط أن يلقوا جسده في وادي ابن هنوم ليحرق بالنار كما يعملون دائمًا مع المصلوبين. ولكن الله دبر أن يدفن في مقبرة يوسف الرامي الرجل الغني = ومع غني عند موته.
آية (10):- "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ."
الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ
= وإن كان الأشرار هم الذين دبروا هذا ضد المسيح إلا أن هذا كان في قصد الله وهو سُرَّ بأن يسحق ابنه بالحزن حتى نخلص نحن ونفرح. وقطعا فالرب لم يكن مسرورا بعذاب ابنه بل هو مسرور بالنتيجة وهي رجوع أولاده إلى حضنه ، فهل هناك حب أعظم من هذا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ليس هذا فقط بل أن من يرتبط به، إن أصابه حزن يحمله المسيح عنه فيتعزى، وهذا معنى [احملوا نيري.. فهو هيِّن] (مت 11: 29-30). وهذا سبب فرح الآب: رجوع الفرح والتعزية لأولاده.جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ = فالمسيح لم يتألم جسديًا فقط بل نفسيًا بالأكثر لحمله خطايا العالم ومن خيانة الكل له. ومن الشر الذي في البشر، هو تُرِك لنُقبل نحن = يَرَى نَسْلًا = النسل هم المؤمنين الذين فداهم. كان هو حبة الحنطة التي سقطت ليكون هناك حبوب كثيرة. تَطُولُ أَيَّامُهُ = أي لن تنتهي حياته بالموت وهذا نبوة عن القيامة. وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ = مسرة الرب هي خلاص الناس "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
آية (11):- "مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا."
يرى ويشبع = يرى أجر تعبه وهو خلاص النفوس الكثيرة ومن كثرتها يشبع. هذا معنى ما قاله المسيح للتلاميذ في قصة السامرية (يو 4: 32) "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم... طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4: 34). ولا يوجد شبع بعيدًا عن المحبة. ولا توجد محبة بدون تعب ولا يوجد تعب لا يُعَوَّض بالسرور وبقدر ما يكون التعب بما فيه من آلام ومرارة بقدر ما تكون البركة والشبع. بمعرفته يبرر كثيرين = من يؤمن به يتبرَّر أي يعطيه المسيح بره وتكون آثامه محسوبة على المسيح. وهو يغفر لنا كل يوم بشفاعته الكفارية.
بمعرفته
= هذه لها تفسيرين وكلاهما مكملين لبعضهما البعض:-هو بسابق معرفته يعرف من سيتجاوب معه وهذا هو مَنْ سيتبرَّر (رو8: 29).
كلمة معرفة تعني إتحاد، فإتحادنا بالمسيح تكون لنا حياته فتكون أعضاءنا آلات بر.
آية (12):- "لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ."
الأَعِزَّاءِ
= ملوك الأرض الأقوياء كملوك أشور وبابل والفرس الذين قهروا ممالك وأخضعوا الأرض كلها لهم، وهكذا أعطى الله المسيح أن يكون ملكًا يخضع الناس لنفسه. ولكن المعنى الأصح أن الشياطين التي كانت تملك على قلوب شعب الله من قبل وكانوا كأعزاء وهم ملوك هذه الأرض، بل أن كل من يموت يغتنموه لهم، أما الآن فقد رُبِط الشيطان وقُيِّد وأصبح هناك نسل للمسيح، غنيمة للمسيح، وأبدًا لن يكون الملكوت فارغًا والجحيم مملوءًا. وهذا ما رآه القديس يوحنا اللاهوتي (رؤ 7: 9) "بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل".والرب حين سألوه "أَقَلِيلٌ.. الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟" لم يجب بنعم بل قال "اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ" (لو 13: 23-24).
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 54 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 52 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ssg2vg4