← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
هذا الإصحاح هو تسبيح البقية بسبب الخلاص من بابل الذي هو رمز للخلاص من عبودية إبليس. فالشعب المفدي المُحَرَّر يُسَبِّح بينما تسقط أسوار بابل.
آية (1):- "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً."
لقد بدأ الحديث عن الخلاص بالصليب في إصحاح24 وهنا يحدد بوضوح أن هذا الخلاص تم في يوم محدد أزليًّا هو يوم الصليب الذي قال عنه فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى.
مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ = المَدِينَة القَوِيَّة هي أَرْضِ يَهُوذَا = هي الكنيسة التي يحرسها الله على الأرض أثناء جهادها حتى تصل إلى أورشليم السماوية. الله هو سور لها يحميها، أعمال الله الخلاصية هي أسوار المدينة. لا يستطيع عدو الخير إقتحامها، لكنه هو يحاول إغراء من بالداخل ليخرج منها كما كان ربشاقى يطالب شعب أورشليم بالخروج منها ويعدهم بأنه يعطيهم كروما ومساكن (إش36: 13-17). ولكن من يخرج يهلك ومن يثبت في الله ولا يترك كنيسته، يكون الشيطان غير قادر عليه. وهذا ما حدث، فلقد أحرق ربشاقى 46 مدينة من يهوذا لكن من إحتمى بأورشليم (الكنيسة) فقد نجا. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ = يوم الخلاص بالصليب.
آية (2):- "اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ."
اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ
= الأبواب تُغلَق من الخوف من الأعداء وتفتح في حالة السلام. وأبواب الكنيسة الآن مفتوحة بعد أن فتح المسيح ذراعيه على الصليب للكل. بل صار المسيح هو الباب الذي يدخل الكل منه.الأُمَّةُ الْبَارَّةُ
= لو فهمنا أن الإصحاح يتكلم عن عودة اليهود، فالبارة تعني أنهم هؤلاء الذين تخلوا عن عبادة الأوثان. ولو فهمناها عن الكنيسة فهي التي تبررت بالدم وبعد أن كانت مطرودة لخطاياها، قبلها الله وأدخلها بدمه وصار لها سلام. وذلك بالإيمان والثبات على الإيمان = الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ وهذا ما قيل عنهم في الآية التالية "ذو الرأي الممكن".
آيات (3، 4):- "ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ."
ذو الرأي الممكن = من استقر قراره على اختيار الله والثقة فيه هذا يحفظه الله سالمًا، هؤلاء هم ذوي أصحاب الهدف الثابت والعواصف لا تغير قرارهم. هنا نجد تأكيد يلذذ النفس أن الله يحفظ سلام شعبه كما حفظ الثلاثة فتية فـ:توكلوا على الرب = فالرجاء به خير من الرجاء بالرؤساء.
آيات (5، 6):- "لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ، يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. تَدُوسُهَا الرِّجْلُ، رِجْلاَ الْبَائِسِ، أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ."
هذه تساوي: [أنزل الأعزاء من على الكراسي ليرفع المتضعين]: "أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ" (لو 1 :53).
يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ = بابل أو الرومان كرمز للشيطان وجنوده. تَدُوسُهَا الرِّجْلُ = أعطيتكم "سلطانًا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو19:10). وهذه نبوة بخراب كل متكبر على شعب الله وكل عدو للكنيسة. البائس والمساكين هم البسطاء والمتواضعين وهؤلاء يسكن الله فيهم فيدوسوا الشيطان .
آية (7):- "طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ."
الله طريقه مستقيم فليس عنده تغيير ولا ظل دوران، وهو يمهد سبيل الصديق. المسيح هو الطريق ومن يثبت في المسيح فسوف يجد نفسه في طريق مستقيم يصل للسماء. فإذا إنحرف الإنسان يبكته الروح القدس (يو8:16) ثم يعينه (رو26:8) ليعود للطريق أي يثبته في المسيح ثانية. والله يمهد الطريق لمن يريد العودة تائباً "أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلًا لِإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَٱلْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لِأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ" (إش40: 3-5).
آية (8):- "فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ."
الأتقياء ينتظرون الرب وهو يجري أحكامه وهو ينصر شعبه ولكنه قد يؤدب. لذلك على شعبه أن ينتظر بثقة خلاصه، ينتظر وهو ينفذ وصاياه، فالوصية ليست ثقلًا بل هي علة فرح الإنسان المستقيم (مز 119: 14، 16، 24) وفي تحقيق الوصية تلاقي مع المسيح نفسه. والانتظار معناه أيضًا تسليم لأحكام الله بدون تذمر، وهذا يعني أن نثق في أن الله صانع خيرات، وأن كل تدبيره هو لخلاص النفس. بل في كل تجربة أو ضيقة إنتظر الرب واثقا أنه سيتدخل في الوقت المناسب. ومَنْ يسلم أمره لله منفذًا وصاياه يتمتع به كسر خلاص وحياة.
آية (9):- "بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ."
التأمل في صفات الله وتدبيرات الله الحكيمة وتعزيات الله وسط الضيقات، يدفع للشوق إليه وأن يبكر الإنسان بالصلاة له (أم 8: 17، 18) ومن أحكامه وكتابه المقدس نتعلم العدل. في الليل = في ليل هذا العالم تشتهي النفس اللقاء مع المسيح لأن النفس تعبت طول النهار من حر الشمس (آلام العالم) منتظرة في شوق أن تشرق عليها أفراح الأبدية، "لي إشتهاء أن أنطلق" (فى23:1).
حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ = الله يجري أحكامه في الأرض ويعاقب ويؤدب. والصديق يلاحظ طرق الرب بحب ويتأدب ويتعلم = يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ. بينما نجد العكس في الآية التالية، فنجد الله يفيض بمراحمه ونعمه على المنافق وهو لا يتعلم.
آية (10):- "يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ."
الله يمطر على الأبرار وعلى المنافقين، ولكنهم المنافقين للأسف لا يشعرون بكل عطاياه بسبب عماهم الروحي الناشئ عن خطيتهم. في أرض الاستقامة يصنع شرًا = قد يصنع الأشرار خطاياهم بينما هم في الكنيسة، ولكن المقصود أنه في وسط مجتمع أبرار، وكل الظروف مهيئة للسلوك في البر ولا توجد عثرات، تجد هؤلاء الأشرار يصنعون شراً. هؤلاء الأشرار سيحرمون من معاينة عزاء الرب هنا ومن مجده في الأبدية = جلال الرب.
آية (11):- "يَا رَبُّ، ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ."
ارْتَفَعَتْ يَدُكَ = الله يبدأ مع المنافق بأن يمطر عليه من خيراته لعله يخجل (الآية السابقة). ومع عناده يبدأ التأديب بالضربات. وهؤلاء الأشرار لعماهم الروحي لاَ يَرَوْنَ = لا يفهمون أن تأديب الله كان من محبته ليتوبوا فلا يهلكوا، فتجدهم يعاندون ولا يتوبون. يرون ويخزون = في النهاية سيرون ما حدث لهم من خراب ويخزون إذ يقارنون بالبركات والنصر الذي كان لشعب الله = يخزون من الغيرة على الشعب. والغيرة هي غيرة الله على شعبه، والله ينتقم لشعبه ويكون نارًا آكلة للأعداء.
وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ = هم إختاروا الشيطان عدو الله، لذلك سيذهبوا معه إلى المكان المُعَّد له أي النار الأبدية (مت25: 41 + رؤ20: 10 ، 15).
آية (12):- "يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا."
كل أعمالنا صنعتها لنا = كل البركات التي نحن فيها صنعها الله لنا.
آيات (13، 14):- "أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ."
سَادَةٌ سِوَاكَ = السادة هم إما ملوك بابل أو هم رمز لإستعباد الشيطان لشعب الله. وهنا نجد أن شعب الله يشتكي من أن الله باعهم لسادة سواه فأذلوه. والأصح أنهم بخطاياهم، هم الذين باعوا أنفسهم، والله تركهم ليعرفوا الفرق بينه كسيد يحرر، وبين الآخرين. والله بحكمته سمح بهذا لتأديب البشر (رو20:8) (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهم وأي خاطئ إختاروا سادة غير الله فأذلوهم فصرخوا لله قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ، وهكذا كل من يختار طريق الخطية يذله الشيطان: [أعطيك كل هذه.. ولكن الثمن ... خر وأسجد لي] (مت 4: 9). فالشيطان رئيس هذا العالم يعطي ملذات كثيرة لكنه يطلب السجود له، وفي هذا عبودية، وفي العبودية ذل. ومُنْ يعاني من هذا الذل، ويقارن مع الراحة والسلام والتعزية التي كانت له مع الله، يصرخ لله قائلا قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. ولكن من يتنبه مثل الإبن الضال ويرجع لله، يعينه الله على الرجوع والتوبة. وبعد عودة التائب يذكر أيام العبودية هذه ويتأمل في حرية المسيح، يشكر الرب على أنه حرره من سيادة عدو الخير عليه.
بِكَ وَحْدَكَ = أي بواسطتك أنت، لكن كيف؟ هذا بروح الله القدوس الذي يُعيننا.
الروح القدس يحرك القلب ويدفع للتوبة "تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ ٱلرَّبُّ إِلَهِي" (إر18:31) وهو يذكرنا بقوة دم المسيح القوي الذي يحرر ويغفر = إسمك. الإسم هو تعبير عن قوة وقدرة الشخص. و"اِسْمُ ٱلرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ ٱلصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ" (أم10:18). نَذْكُرُ اسْمَكَ = هذه فائدة التجربة أنهم عادوا لله، وذكرهم الروح القدس بقوته وقوة فعل دمه فلجأوا إليه ليحتموا به ويحررهم من سلطان الخطية. فهم تركوا الله ونسوه وقت أفراحهم وعادوا بسبب التجربة التي أذلتهم وشعروا بمهانة أن يكون لهم سادة سوى الله (سَادَةٌ سِوَاكَ).
عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ = عَاقَبْتَ = الله إستخدمهم (بابل / أشور/ الشيطان) للتأديب والعقاب وبعد إنتهاء التأديب أَهْلَكْتَهُمْ فهم أموات أصلا بسبب خطاياهم = هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ = المقصود لا يحيون حياة أبدية ولا نصيب لهم في أورشليم السماوية.
آيات (15، 16):- "زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ."
هذه نبوة برجوع اليهود من السبي وزيادة عددهم بعد أن طلبوا الرب في ضيقهم. ملك بابل أخذ من يهوذا عدد كبير من السبايا عبر أربع مرات وكانت أول مرة سنة 606 ق.م وفي آخر مرة دمَّر أورشليم والهيكل تماما وأخذ كل من يصلح للعمل كسبايا، ولم يتبقى في الأرض سوى المساكين الذين لا فائدة منهم. وبعد سماح كورش بعودة الشعب، عادوا فإزداد عدد سكان أورشليم = زِدْتَ الأُمَّةَ.
وسَكَبُوا مُخَافَتَةً = أي صلوا بصلوات خافته لله، إذ إنخفض كبريائهم. ونلاحظ قوله هنا سكبوا، ولكنهم في أفراحهم كانت صلواتهم قليلة بل نادرة وربما كانت كقطرات. ولما صلوا أرجعهم الله ووسع أمتهم وزادها. ولكن قوله زِدْتَ الأُمَّةَ = هو نبوة أيضًا على الكنيسة ودخول الأمم وزيادة شعب الله، والرسل بلغت أصواتهم كل المسكونة. عموماً نرى في هذه الآيات أن الضيق والتأديب يوسعان الأمة ويؤديان للنمو المستمر. وهذا ما حدث في عصور الاستشهاد، إذ أن الكنيسة نمت وإمتدت في كل العالم وسط ضيق الإستشهاد.
آيات (17، 18):- "كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ."
لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ = ترجمها الـ Jerusalem) Bible) هكذا "لم نعطى خلاصاً للأرض، ولم يولد أي من سكان الأرض".
يسقط جاءت هذه الكلمة في الإنجليزية cast out وهي نفس الكلمة المستخدمة في الآية 19 والكلمة تعني الأرض تخرج سكانها.
كان كل اجتهاد للمسبيين في بابل ليتحرروا عبثاً، وما إكتشفوه في وقت الضيق هو ضعفهم، وإحتياجهم كل الاحتياج إلى الرب. وعلى قدر تعبهم لم يستطيعوا النجاة من حكم البابليين = وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ = لو فهمنا أن يَسْقُطْ تعني أن الأرض تخرج سكانها، يكون معنى العبارة أنه مهما حاولوا أن يخرجوا من بابل فقد لاحقهم الفشل ولم يستطع أحد أن ينجو من سبي بابل. وكانت كل محاولاتهم ليست سوَى ريح أو كبرياء فارغة. ونلاحظ أنه شبَّه الألام هنا بأنها ألام ولادة، والأم حين تتألم بألام المخاض تلد إبناً تفرح به ينسيها ألام المخاض. ولكن أي أتعاب ومحاولات بدون الله لا ينتج عنها مولودا يفرح بل ريحا. لقد حاول موسى وحده أن يحرر شعبه وفشل. بل لا يمكن التخلص من خطية واحدة بدون المسيح. وهذا القول ينطبق تمام الانطباق روحياً فمهما جاهد الإنسان وحده بدون الله للخلاص من خطية واحدة فلن يقدر. لأنه ليس "بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ (ليس بذراع إنسان) بَلْ بِرُوحِي [يَقُول] رَبُّ الْجُنُودِ" (زك4 :6). ويقول الرب "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15). إلى أن جاء كورش ملك فارس وحررهم وكان كورش هذا رمزاً للمسيح، وكان ذلك في ملء الزمان (الوقت الذي رآه الله مُناسِبًا).
وهكذا كان كل البشر تحت حكم الموت. مهما حاول الإنسان لم يستطع أحد أن ينجو من حكم الموت. لم يستطع أحد أن يعطي لنفسه قيامة ويخرج من الأرض التي دُفِن فيها = وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. كانت هذه الألام ليخرج من البشر إنسان جديد، كما تنتج ألام مخاض الأم طفلا جديداً. وهكذا حدث أن خرج من تأديب بابل يهوداً قد تحرروا من الوثنية. وكما باءت كل محاولات الخروج من عبودية بابل بالفشل، هكذا باءت كل محاولات البشر في أن يخلصوا أنفسهم، وكانت كل محاولاتهم كمن صنع ريحا. لأن ملء الزمان لم يكن قد أتى بعد. أي أن وقت الصليب كان لم يكن قد أتى بعد. ثم أشفق الله على البشر وقَدَّم الفداء وهذا ما سنراه في الآية القادمة.
آية (19):- "تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ."
هذا النص هو أول نص صريح عن القيامة من الأموات = تَحْيَا أَمْوَاتُكَ.. وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ = الأرض تُسقِط جاءت في الإنجليزية cast out = الأرض تخرج أو تطرد أمواتها إشارة لقيامة الأمة اليهودية، أو قيام الكنيسة، أو قيامتنا كبشر من الموت والأخيلة هي نفوس الذين ماتوا.
وهذا ينطبق على إسرائيل وقت السبي فهم كانوا كأموات قامت أمتهم حين سمح لهم كورش بالخروج من بابل. وينطبق على شعب الله قبل المسيح إذ كنا أموات، ولكن المسيح أحيانا بفدائه. طَلُّ أَعْشَابٍ = شبه النبي اليهود بعشب كان قد يبس من الجفاف ثم نزل عليه المطر = الـ:طل أي نعمة الله وإحساناته فإنتعش.
ولكن لاحظ جمال النبوة فبعد القيامة = تَحْيَا أَمْوَاتُكَ يحل الروح القدس المحيي = طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ. فالروح القدس حلَّ على الكنيسة بعد قيامة المسيح. ويحل علينا بعد المعمودية في سر الميرون بعد أن كنا أعشاب جافة مائتة ليحيينا، بأن يثبتنا في موت المسيح وقيامته في المعمودية. فتكون لنا حياة المسيح الأبدية.
آيات (20، 21):- "هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ."
هذه الآيات كأنها إجابة على أسئلة الناس وهي "كيف تعدنا بالخلاص ونحن مازلنا في أحزاننا؟" هنا يدعوهم للدخول إلى مخادعهم ليتركوا العاصفة التي تشتت آخرين تقربهم لله أكثر. في المخدع نضع أنفسنا تحت الحماية الإلهية، وسبق لنوح أن احتمى بالفلك وقت الطوفان، واليهود إحتموا في بيوتهم وقت مرور الملاك المهلك وهم في مصر، وراحاب إختبأت في بيتها، ونحن الآن نختبئ في الكنيسة وفي مخادعنا أي بالعلاقة السرية مع المسيح. وفي
الضيقة العظيمة (وهذه في نظر الله لحيظة)، وهذه في أثنائها على الكنيسة أن تختبئ. فلندع العالم المضطرب الآن، وننهي أعمالنا ونعود إلى مخادعنا نحتمي في ظل علاقتنا مع مخلصنا المسيح. ولنعلم أن حياتنا كلها على الأرض لحيظة بعدها مجد أبدي (إش7:54).كانت نتيجة خطية آدم وخطايانا، أن لعن الله الأرض وما عدنا نراه، والله يعطينا رجاء أن كل أثار هذا الغضب هي مجرد لحيظة تعود لنا بعدها مراحم الله. ولنعلم ان الله يشتاق لعودتنا إليه، وإشتياق الله لعودتنا أكثر بما لا يقاس من إشتياقنا نحن للعودة إليه (إش4:27). والسبب أن الله يعلم ما أعده لنا ليفرح معنا بفرحنا بما أعده لنا. أما نحن فلا نعرف ولا نتخيل ما أعده الله لنا).
وفي الضيقة العظيمة هذه قد يكون على الكنيسة أن تختبئ ولكن أين، هذا ما سيعلن وقتها، وهذا ما يظهر من سفر الرؤيا "حيث لها موضع مُعَد" (رؤ 12: 6). وحتى الموت فنحن به ننتقل إلى راحة نبقى خلالها لحيظة بلا أجساد بعدها نحصل على الجسد الممجد.
الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ = يخرج الرب من مكانه عبارة تعني أن الرب سيعاقب أعداء شعبه وتظهر قوته في عقابهم، وينتقم لكل دم بريء سفك على الأرض سواء قتل وسفك دمه، أو ظلم أو هلاك نفوس، هو سيعاقب لوياثان (الشيطان) على كل نفس خدعها وأسقطها (إش 27 : 1) ويعاقب كل من إستجاب له وظلم شعبه = تَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ، فالله رأى كل دم برئ وكل ظلم حدث لشعبه كما قال لقايين "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ ٱلْأَرْضِ" (تك10:4). فالله يقول للخاطئ غير التائب أنت "تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ ٱلْغَضَبِ وَٱسْتِعْلَانِ دَيْنُونَةِ ٱللهِ ٱلْعَادِلَةِ" (رو5:2). وأنظر حكم الله على آخاب وإيزابل زوجته حين سفكوا ظلما دم نابوت اليزرعيلي (1مل21: 19-24).
والله بدأ هذا بصليبه وسيتم عقاب لوياثان النهائي في اليوم الأخير (كو 2: 14، 15 + رؤ 20: 10). وقوله يخرج من مكانه = إشارة لأن طبع الله الرحمة والعطاء وإظهار محبته وخيريته، وحينما يفعل هذا، فهذا يفرحه. فحين يكون تصرف الله عكس هذا يُقال أن الله يخرج من مكانه، ولكن العقاب الذي يتوعد به الله لوياثان ومن يتبعه فهذا لأنه عادل.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 27 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 25 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/thr7q5d