← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
هنا نرى سيامة إشعياء كنبي وإرساليته كرسول للشعب لأنه مملوء غيرة على شعبه،
بأن رأى الله وغفر الله له. وهذه الرؤيا كانت غالبًا قبل النبوات السابقة أي في أول خدمته ويذكرها هنا غالبًا ليثبت صدق نبواته السابقة، أي أن ذكر إشعياء هنا هذه الرؤيا ليؤكد للسامعين صدق ما يقوله. وهذا ما عمله بولس الرسول (2كو12). وهو لم يذكرها سابقًا لتواضعه فنحن نلمس طاعة إشعياء وتواضعه ورقة قلبه. وربما لم يذكرها لأنه خاف أن ينفروا منه ويتشككوا فيه. ولعل إشعياء في أحزانه بخصوص عزيا الملك المعزول الأبرص والذي مات يريه الله هذه الرؤيا لله الذي لا يموت.
آية (1):- "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ."
رأيت السيد = هو المسيح قبل التجسد فالله لم يره أحد قط (يو 1: 18) وهذا ما نسميه ظهور للمسيح. لكن إشعياء لم يرى مجد لاهوت الله، فهذا لا يراه أحد ويعيش. كرسي عالٍ = إشعياء رأى المسيح على عرشه فهو الملك الحقيقي لشعبه. والجلوس رمز للاستقرار فهو الملك العظيم الذي لا يتزعزع ملكه أبدًا وهو عالٍ فالرب عال ومرتفع وأفكاره تعلو على أفكار البشر، وهو مرتفع فوق السموات.
وأذياله تملأ الهيكل = ربما تشير هذه إلى هيبته ورهبته التي ملأت المكان وقد يكون إشعياء في ذلك الوقت داخل الهيكل يصلي لما رأى هذه الرؤيا. ولكن إذا رجعنا إلى (را 3: 9) نرى أن بَسْط ذيل الثوب من بوعز على راعوث تعني أنه سيحميها وأنه هو وليها. وتكون رؤيا إشعياء هنا تشير لأن الله قبل شعبه كعروس له تتحد معه يحميها ويرعاها ويفديها كولي. فهذه هي إرادة الله أن يحمي شعبه "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت23: 37)، فجناحي الدجاجة هنا تساوي أذياله التي تملأ الهيكل. الله يريد أن يحمي شعبه لكن هم لا يريدون. ونلاحظ أنه طالما كان مجد الله في هيكله لا يستطيع إنسان أن يعتدي عليه ولكن إن فارق مجد الله هيكله (حز 10: 4 + 10: 18، 19 + 11: 22، 23) داسه البابليون.
آية (2):- "السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ."
السرافيم = معناها المتوهجون الذين منظرهم ساطع كلهيب النار، هم الملائكة المشتعلون حبا، وهم واقفون للتسبيح فهذا هو عملهم وهذا سيكون عملنا في السماء. الله جالس أما هم فوقوف مستعدين للخدمة. وهذه الأجنحة رمزية فمعنى يغطي وجهه = أنه لا يحتمل نور وعظمة مجد الله ولا يدرك كل البهاء الإلهي. ويغطي رجليه = تشير للخشوع والاحترام والحياء. ويطير = هذه تشير لاستعدادهم لأداء أي خدمة سريعًا.
آية (3):- "وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ»."
الثلاث تقديسات تشير للثالوث القدوس وقارن مع آية (8) أيضًا.
كل الأرض = وليس إسرائيل فقط، رب الجنود = أي السمائيين والأرضيين ونلاحظ أن لفظ رب جاء بالجمع في إشارة للثالوث. راجع تفسير لفظ قدوس في مقدمة سفر اللاويين.
آية (4):- "فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا."
اهتزت أساسات العتب = من سمو مجد الله. دُخَانًا = والدخان هو انفصال كحجاب بين الله والبشر، فلا يوجد إنسان يحتمل أن يرى مجد الله. فلكي يعيش إشعياء كان هذا الدخان، كالسحاب يحجب نور الشمس فنستطيع أن ننظر إليها، أما الذي ينظر بلا سحاب فَسَيُصَاب بالعَمَى. الصارخ = هي شهادة قوية لله من الملائكة الذين يعرفونه حقيقة.
ولكننا نسمع في (رؤ15: 7 ، 8) "وواحد من الاربعة الحيوانات اعطى السبعة الملائكة سبعة جامات من ذهب، مملوَّة من غضب الله الحي إلى ابد الآبدين. وامتلا الهيكل دخانًا من مجد الله ومن قدرته، ولم يكن احد يقدر ان يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة". فنجد هنا أن الدخان علامة على غضب الله وعلى العقوبات المنتظرة على الناس حينما تُسكب الجامات. وأيضًا نسمع في (إش65: 5) "يقول قف عندك. لا تدن مني لأني اقدس منك. هؤلاء دخان في انفي نار متقدة كل النهار" وهنا الدخان أيضًا علامة على غضب الله. وبهذا يكون معنى الدخان في هذه الآية إشارة لغضب الله على شعب يهوذا لغلاظة قلوبهم ورفضهم لإنذارات النبي.
قد يكون الدخان لحجب مجد الله عن إشعياء حتى لا يهلك. ولكن التفسير الأخير هو الأوقع لقوله الدخان ملأ البيت (امْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا)، لأن السحاب هو الذي يظهر ليحجب مجد الله حتى لا يهلك من يراه. وهكذا كان السحاب يرافق ظهور مجد الله دائمًا (خر 16:19؛ 34:40؛ 1مل11:8؛ أع9:1). أما الدخان فهو للتعبير عن غضب الله.
آية (5):- "فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ»."
حينما رأى النبي الله في قداسته أدرك مدى نجاسته، كذلك نحن حين نتلامس مع الله ندرك مدى بشاعة خطايانا، أما الذي لا يتقابل مع الله فيظن في نفسه أنه قديس لذلك صرخ بولس الرسول قائلًا "الخطاة الذين أولهم أنا" ونلاحظ أن النبي اعترف بخطيته أولًا ثم بخطية الشعب كله، وهذا فعله دانيال. نجس الشفتين = ربما أراد إشعياء أن يشترك مع السيرافيم في التسبيح فأدرك عدم استحقاقه، وكلما ازدادت الاستنارة الداخلية بالروح القدس ندرك عدم استحقاقنا ونجاستنا.
الآيات (6، 7):- "فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ»."
جَمْرَةٌ = الجمرة هي جسد الرب ودمه لأنها مأخوذة من على المذبح هذا ما جاء في القداس الكيرلسي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والجمرة هي إتحاد اللاهوت بالناسوت، وهي تقدس وتطهر ولا تحرق كنار العليقة. وتضرم نار الحب وتطلق اللسان بكلام الحق وكلام التسبيح. طبعًا إشعياء لم يتناول من جسد السيد المسيح ودمه فهذا السر كان لم يتأسس بعد ولكن ما حدث كان رمزًا لما سوف يحدث وإشارة أننا نتقدس في المسيح.
آية (8):- "ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» فَقُلْتُ: «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي»."
من أجلنا = الجمع إشارة للثالوث، والمتكلم واحد: مَنْ أُرْسِلُ.
هاأنذا أرسلني = هنا نرى استعداد النبي للخدمة بعد تطهيره، فهو اشتاق لطهارة شعبه أيضًا. وكان لا بُد لحصوله على قوة قبل بداية خدمته، نالها من هذه الجمرة وهكذا قال السيد [لا تبرحوا أورشليم قبل أن تلبسوا قوة من الأعالي] (لو 24: 49).
آية (9):- "فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِهذَا الشَّعْبِ: اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا."
هذه الآية معناها "لو إنسان معاند وعملنا معه كل الممكن وظل على عِناده نقول له اذهب اصنع ما تريد". ولاحظ قول الله هذا الشعب ولم يقل شعبي، وهذا علامة غضب الله على الشعب.
خدمة وكرازة إشعياء ستجعلهم ينضجون للخراب لأنهم سيرفضون كلامه فمن يغلق عينيه بإرادته عن كلام الله ولا يستمع للتحذيرات تغلق عينيه وأذنيه أكثر وأكثر. فَمَنْ يريد أن يرى ويفهم، سَيَرَى ويفهم، ومن لا يريد لن يرى ولن يفهم، ومن لا يريد ويترك الله يزداد إظلامًا.
وهذا ما حدث أيام المسيح فالتلاميذ أرادوا أن يفهموا ويعرفوا فرأوا وفهموا فآمنوا وقال لهم السيد المسيح
"طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولأذانكم لأنها تسمع" (مت 13: 11-16) وأما من رفض لأغراض شخصية، سمع ولم يدرك ورأَى ولم يبصر.:- "غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى». فَقُلْتُ: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟» فَقَالَ: «إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَالْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ، وَيُبْعِدَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ، وَيَكْثُرَ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ."
الخراب بدأ في عصر إشعياء بالأشوريين ثم على يد بابل ثم على يد اليونان وكان الخراب النهائي على يد تيطس القائد الروماني.
غلظ قلب.. الشعب = كلما تكلم إشعياء وأنذر الشعب ولم يبالوا بكلامه يزداد قلبهم قساوة إذ أنهم يقاومون الروح .
آية (13):- "وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا عُشْرٌ بَعْدُ، فَيَعُودُ وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ، وَلكِنْ كَالْبُطْمَةِ وَالْبَلُّوطَةِ، الَّتِي وَإِنْ قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ، يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعًا مُقَدَّسًا»."
عُشْرٌ
= بقية زهيدة (لفظ "البقية" يتكرر في سفر إشعياء). وإذا بقي هذا العشر بلا خراب يعود ويصير للخراب، ولكن دائمًا هناك جذع للشجرة بدليل أنهم باقون للآن. ومعنى زَرْعًا مُقَدَّسًا أنهم سيؤمنون في نهاية الأيام (رو 11: 25، 26).رأينا في هذا الإصحاح إرسالية إشعياء المملوء غيرة للشعب، ورأينا تنقية إشعياء بجمرة من على المذبح، فالمسيح وحده يطهرنا من خطايانا. هذه صورة رائعة تشرح من هو الفادي الآتي لينقي شعبه؟ هو يهوه الجالس على عرشه ، وسيقدم نفسه ذبيحة على المذبح (الصليب) لينقي شعبه. وتكون غيرة إشعياء رمزا لغيرة المسيح، فإلهنا إله غيور محب لشعبه. ورأينا رفض اليهود للمسيح ولكن هناك بقية تخلص.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 7 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 5 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9wcrfsm