← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
رأينا في الإصحاح السابق أن الله ترك البشرية فترة بسبب الخطية ولكنه لم يطلقها ويرفضها نهائيا "أين كتاب طلاق أمكم"، فالله لم يعطها كتاب طلاق. وتساءل الله "هل قصرت يدي عن الفداء". ورأينا أن الصلح تم بأنه أرسل ابنه فرفضه اليهود، ولكن كان هناك سؤال هل يمكن لمن مات أن يحيا وهل يمكن أن تخرج حياة من الموت؟ ونجد الله يذكرنا بأن هذا ممكن فقد خرجت حياة من مستودع سارة وإبراهيم. إذًا من عملها مرة قادر أن يعطي حياة للبشرية المائتة. وجزئيا فالله قادر أن يعيد إسرائيل من السبي.
إصحاح فيه تعزية للمسبيين وللمؤمنين المتألمين في كل جيل. ويقول لهم النبي: أن الله الذي أعطى إسحق لإبراهيم من مستودع ميت كالصخر، هو قادر أن يخلص وأن يعطي حياة للكنيسة، ولكل إنسان كان ميتًا بالخطية. بل هو قادر أن يوجد كنيسة من لا شيء. ولكن ليذكر كل من ولد جديدًا كيف كانت ولادته صعبة مثل النحت في الصخر.
لقد تكلم عن عبد الرب وآلامه في الإصحاح السابق وسيتكلم عنه ثانية ابتداء من (إش 52: 13). وما بين هذين الفصلين كلام تعزية من الرب لشعبه. وهنا نجد ثلاثة أوامر بأن نسمع اسمعوا لي (آية 1) ثم أنصتوا لي (آية 4) ثم اسمعوا لي (آية 7) فإن كان ابن الله سمع وأطاع فبالأولى نسمع نحن ونطيع، فكلمة اسمعوا هي حث على الطاعة، ومن يسمع يصير تابعًا للبر.
آيات (1، 2):- "«اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ الطَّالِبُونَ الرَّبَّ: انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ."
الحديث الآن بدأ يقترب من الحديث عن المسيح وفدائه. ولاحظ كيف يمهد الوحي لعمل المسيح الذي سيخرج الحياة من الموت الذي نحن عليه. وكل ما نتقدم في الآيات تتضح صورة المسيح وعمله أكثر وأوضح. فإسحق إبن موعد (وعد الله لإبراهيم بأن يكون له إبن من سارة ذات المستودع الميت الذي كالصخر) وليس بحسب الطبيعة. وهكذا المسيح إبن موعد وليس بحسب الطبيعة. وهكذا نحن أصبحنا أولاد موعد.
التَّابِعُونَ الْبِرَّ
= هم كل من يريد أن يتبع وصايا الرب لكنه متشكك في إمكانية أن يتبرر فعلًا ويصير قديسًا بينما هو ميت في خطاياه. والله يذكر هؤلاء بأنه قد أعطى من قبل لإبراهيم وسارة نسل كرمل البحر بعد أن فقدا كل أمل في أن تخرج منهما حياة، فهل يعجز الآن. ما حدث لإبراهيم ليس بقوته بل من عند الله، وهذا يعطي لكل منا الأمل في القداسة، فما سيحدث لي من قداسة وبر هو من عمل الله فيَّ أنا الخاطئ الميت. ونرى في هذه الآيات أنه كما أتى إسحق من بطن ميتة هكذا أتى المسيح من بطن العذراء بدون زرع بشر بطريقة إعجازية ليعيد الفرح والبر.ونحن قبل المعمودية كنا أمواتا وكأننا صخر، وولدنا ثانية من الله في المعمودية بحسب وعد الله وصار إسمنا "أولاد الموعد" [راجع غل4: 21-31]. وأولاد الموعد هم أحرار لأنهم أولاد الله. وهذا أفضل من المولود بحسب الطبيعة بإرادة الجسد.
آية (3):- "فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ الرَّبِّ. الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. الْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرَنُّمِ."
الله قد عزى شعبه وكنيسته، هذه التي كانت خِربًا فصارت كجنة. هذا عمل نهر الروح القدس الذي كان له ثماره من فرح ظهر في التسبيح والترنيم. كيف يعيد الله البرية لتعود كجنة عَدْنْ؟ كان الوضع في عَدْنْ أن المحبة متبادلة بين الله وآدم، لذلك كان هناك فرح، (عدْنْ עֵדֶן كلمة عبرية تعني فرح). وبالخطية ضاعت المحبة فضاع الفرح. والمسيح بفدائه أرسل الروح القدس للكنيسة فسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). فصار من ثمار الروح القدس محبة ثم تبعها الفرح فاستعادت الكنيسة الحالة الفردوسية الأولى.
آية (4):- "«اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي اصْغِي إِلَيَّ: لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ."
يا شَعْبِي ويَا أُمَّتِي = هي كلمات معزية، فالله ما زال يعتبرهم ويعتبرنا خاصته لأَنَّ شَرِيعَةً = هي شريعة العهد الجديد التي أعطاها الله = من عندي تخرج ليس لإسرائيل وحدها بل لكل الشعوب = نورًا للشعوب. وشعب الرب هو من يخضع لشريعة الرب. وهذه الشريعة ليست ثقيلة بل هي نورًا للشعوب هي انطلاق وحرية وفرح وتسبيح وترنم وامتلاك للسماء وليست قيودًا. وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا = المسيح هو الحق وقد أُظهِر ليكون نورا للشعوب.
آية (5):- "قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي."
قَرِيبٌ بِرِّي = لقد اقترب البر والخلاص الذي للمسيح وهو للجميع حتى الْجَزَائِرُ= عند اليهود الجزائر تعني أبعد الأماكن. فهم شعب محدود في تجارته الخارجية ويعتبرون الجزائر مثل كريت وقبرص أنها بعيدة فما بالك بما هو أبعد، فيكون المقصود بالجزائر كل العالم. وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ = ذراعاي الممدودتان على الصليب ستأتيان بالبر لمن يؤمن ويسلك بالبر. أما من يعاند فسأدينه.
إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي = الشعوب أي الأمم التي لا تعرفني تنتظر هذا الخلاص وهذا البر الذي سيأتي به المسيح. وَذِرَاعَايَ = أي قوتي أي المسيح المنتظر، فالمسيح هو "قوة الله" هو الذي سيأتي بالبر والخلاص (1كو24:1).
آية (6):- "«اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ."
في الآيات السابقة من الإصحاح رأينا أن الله يبشرنا بخبر سار وهو أن الموت الذي فينا يتحول إلى حياة، كما خرجت حياة من أحشاء إبراهيم وسارة. فنتغير من برية إلى بستان مثمر. والله يعطي وعد بأن هذا الخلاص قريب وسيتمم هذا الخلاص ذراعه (المسيح). ولكن هذا الخلاص مبني على البر ولذلك تتكرر كلمات إسمعوا وإنصتوا لأن هذا الخلاص وهذه الحياة التي يعدنا بها الله قائمة على السلوك في البر. فمن يريد الحياة عليه أن يسلك في البر. وفي هذه الآية يدعونا الله أن نختار طريق البر فنحيا. هذه الآية هي دعوة أن نضع السماء أمام أعيننا بدلًا من الشهوات الأرضية، حينئذٍ نستفيد من الخلاص ونحيا. أما لو لم نستجب لعمل المسيح الخلاصي وسلكنا في البر الذي أتى به المسيح لنسلك فيه فسوف ندان. والوحي يضع أمامنا الطريقين:-
طريق الشهوات الأرضية:- بعيداً عن السلوك بالبر وطريق البر.
ويقول الله أن السموات والأرض اللتين نراهما سيزولان، فهل نسلك وراء ما هو زائل؟!
فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ = السماوات إشارة لزوال الصورة التي نراها الآن والدخان يشير إلى غضب الله (إش5:65 + رؤ8:15). فبسبب غضب الله تضمحل أي تقل إلى أن تختفي الصورة الحالية. وحالياً بالنسبة للخاطئ المعاند تُفهم الآيات على غضب الله الذي بسببه تختفي البركات السماوية. وهذه تساوي تهديد الله "وَتَكُونُ سَمَاؤُكَ ٱلَّتِي فَوْقَ رَأْسِكَ نُحَاسًا، وَٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي تَحْتَكَ حَدِيدًا" (تث23:28).
وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى = صورة الأرض التي نراها الآن ستختفي "وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا" (2بط10:3. وأيضاً بالنسبة للمعاند الآن تفهم الآية روحياً بأنه سوف تختفي البركات الأرضية. وهذه كما قال الرب لقايين لا تعود الأرض تعطيك قوتها (تك12:4).
طريق السلوك في البر:
المسيح أتى بالخلاص والبر وبه نسلك في البر وبدونه لا نستطيع أن نعمل شيئا "لِأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو15: 5). ولاحظ وعد الرب بالحياة الأبدية لمن يسلك بالبر = أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ.
وهذه الآية تذكرنا بقول القديس بولس الرسول "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق ..." (كو1:3) . علينا أن لا نعود نشتهي الأرضيات أو نضع رجاؤنا فيها فهي ستنتهي، بل نركز فكرنا في السماء. والله هنا ينبه على تفاهة الأرضيات وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أما خلاص الله وحياة الإنسان في السماء فيقول عنها خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ. وكأن الله يسأل ماذا تختار، البر الذي أتى به المسيح أم ملذات الأرض التافهة والفانية. هل سترفع عينك طالبا الحياة السماوية، أم تظل عينك ناظرة لتفاهة الأرضيات. ماذا تختار الحياة الأبدية أم الموت. وهذا هو نفس ما قاله موسى للشعب "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْمَوْتَ. ٱلْبَرَكَةَ وَٱللَّعْنَةَ. فَٱخْتَرِ ٱلْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث19:30).
آيات (7، 8):- "اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي الْبِرِّ، الشَّعْبَ الَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ: لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ النَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ»."
من يسلك في بر المسيح عليه أن يتوقع سخرية الناس وأنظر ماذا عملوا مع نحميا.
المخاطبون هنا هم المؤمنين بالرب وهم عرضة للخوف من كثرة المضطهدين وقوتهم، والله يطمئنهم بأن هؤلاء المضطهدين كبابل مصيرهم الزوال وهم كالعث.
ولنا نحن المؤمنين الذين عرفنا خلاص المسيح علينا أن لا نضطرب من شتائم الآخرين ضد البر والخلاص الذي كان بالصليب .
آيات (9-11):- "اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ."
ذِرَاعَ الرَّبِّ
= قوته أي المسيح (1كو 24:1) وهذا نداء له ليقوم أي ليتجسد ويخلص شعبه. كما فعل في الماضي مع رَهَبَ = أي مصر أيام موسى. إستيقظي = إشارة أيضًا على القيامة. الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ = قصة خروج الشعب من مصر ترمز تمامًا لخلاص العالم بدم المسيح على الصليب. وإن كان موسى يرمز للمسيح المخلص، نجد أن فرعون يرمز للشيطان (التنين) هذا الذي سيهزمه المسيح بصلبه وقيامته. فالصليب سيكون سيف المسيح الذي سيطعن به الشيطان التنين "فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ" (إش1:27).
آيات (13،12):- "«أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟"
جواب الرب لصلاة شعبه فحواه أن ينظروا إليه وحده ولا يخافون من بشر الذين يموتون وهم مهما بلغت قوتهم فهم ضعاف كالعشب يداسون.
أين غضب المضايق = أين غضب فرعون وأين غضب ملك أشور وأين جنوده، هم أصوات تظهر فترة ثم تنتهي. بل وفي وقت الضيق الذي يثيره هؤلاء ضد شعب الله، لا يتركنا الله بل يعطي تعزيات. من أنتِ حتى تخافي = ليسأل كل منا نفسه "هل تدرك مَنْ أنت وأنك أصبحت ابن الله؟ فإن كنت ابنًا لملك الملوك القدير فكيف يهملك؟!"
آية (14):- "سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ."
الْمُنْحَنِي
= أي الأسير الذي يضعون رجليه في المقطرة ورأسه مربوط عند العنق إشارة للمسبيين (في بابل أو سبي الخطية أو الجحيم) ووعد بتحرير حتى هذا المنحني. والمسيح نزل إلى الجحيم لينقذ من كان قد مات على الرجاء.وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ = سيظل هناك وجود وحياة للمأسورين في بابل وسيعولهم الله لكي يحيوا ولا يموتوا. فهم سيرجعون لأورشليم سريعاً. والإشارة للخبز فهذا لأنه لا حياة بدون خبز، فيكون المقصود أنه ستكون لهم حياة في أرض السبي = الجب. وسيعودون سريعا لأرضهم. وأيضاً فقوله في الجب = فهو إشارة إلى الهاوية أو الجحيم الذي كانت النفوس تذهب إليه، وقوله وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ إشارة إلى أن فترة الانتظار في الجب الجحيم لا تعني أن نفوس الأبرار فيه هم موتى (أبدياً) بل لهم حياة، وسيكون هناك لهم خلاص، وسيكون لهم حياه أبدية، وهذا لمن يستحق. وهم في الجب أي الجحيم (بصفة مؤقتة) حتى يأتي المسيح ويفك أسرهم. الجب يشير إلى أن سبي بابل أو للنفوس التي في الجحيم وأن إقامتهم فيه ليست أبدية بل مؤقتة، حتى أتى المسيح وفك أسر من ذهبوا هناك على رجاء، كما فك كورش سبي اليهود فعادوا إلى أورشليم. لا يموت = لا يهلك أبديًّا.
آيات (15، 16):- "وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي»."
وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ = الرب إلهك = فمن ناحية ناسوت المسيح يقال أن الآب إلهه. والرب قال للمجدلية "قولي.. إلهي وإلهكم.." مُزْعِجُ الْبَحْرِ = لماذا تخافون والرب قادر أن يزعج البحر، البحر يشير للعالم عموما وهنا يشير لبابل التي كأنها أغرقتهم. والرب قادر أن يزعج ويرعب أعداء شعبه كما فعل مع المصريين وكما فعل مع المديانيين أيام جدعون. وطالما هو يستطيع أن يزعجهم فهو قادر أن يسكنهم أيضاً. وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ = المخاطب هنا هو المسيح كلمة الله وهو الذي سَيَغَرْسِ السَّمَاوَاتِ (لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ) = أي الكنيسة التي على الأرض ولكنها سماوية "فَإِنَّ سِيرَتَنَا (مواطنتنا) نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ" (فى20:3). يغرس السموات على الأرض "طأطأ السموات ونزل" فهو جعل كنيسته التي على الأرض كالسموات ( مز 9:18).
الآيات (17-21):- الحالة المؤلمة واليائسة التي كان عليها البشر قبل المسيح:
آية (17):- "اِنْهَضِي، انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ، ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ."
كانت هناك عادة أن يعطوا للمحكوم عليه بالإعدام كأس خمر شديدة ليترنح قبل إعدامه، والكلام هنا لأورشليم التي شربت من يد الرب كأس غضبه وذهبت تحت نير بابل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكانت خطاياها سبب هلاكها. والنداء لها هنا أن تنهض للحرية من بابل والنداء أيضًا للكنيسة. وللنفس البشرية التي طالما عانت من العبودية للخطية ولسلطان الشهوات ولإبليس. انْهَضِي! قُومِي = هي القيامة الأولى من موت الخطية كعربون للقيامة الثانية.
هنا الله كأب يحب ابنه ولكنه يضربه ليؤدبه بسبب خطأ ما إرتكبه، وبعد أن ينهي التأديب يشعر الأب بألم أنه ضرب ابنه فيقول له، قم ولا تفعل ذلك ثانية، وربما تكون دموع الأب في عينيه وهو يتكلم مع إبنه لأنه جعل ابنه يتألم.
آية (18):- "لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ."
ليس لها من يقودها = هذا الكلام عن شعب الله يهوذا. فملوكها أسرى ورؤساؤها هربوا. وأي أرض بلا قائد تخرب." أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ.. الرَّعِيَّةِ" (مت 26: 31)، والمعنى قبل المسيح لم يكن هناك قائد أو مرشد لطريق الخلاص فلا أحد يعرفه أما المسيح فهو الطريق.
آية (19):- "اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالانْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟"
اِثْنَانِ = الاثنان هما الخراب والانسحاق. الخراب = الجوع في الداخل والانسحاق هو السيف في الخارج. ولا محامٍ عنك.
آية (20):- "بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. اضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاق كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. الْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلهِكِ."
النبي هنا كأنه يرى ما حدث بعد السبي
كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ = يرفس ويضرب ويُعذِب نفسه ولا يقدر أن يخلص (اليهود في بابل). وكل ذاك لأنهم مَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ. وهكذا كل أسرى شباك الخطية. وهذا كان حال البشر قبل المسيح.
آية (21):- "لِذلِكَ اسْمَعِي هذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ وَالسَّكْرَى وَلَيْسَ بِالْخَمْرِ."
هنا الله يكلم شعبه. اللاهي في خطاياه وكأنهم سكرَى. وليس بالخمر = بل بالخطايا. وقطعًا جزاء الخطية غضب الرب وآلام كثيرة.
الآيات (22-23): المسيح يقوم لخلاص شعبه:
آية (22):- "هكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ، وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ."
الوضع الآن أن الشعب معذب بسبب خطاياه والرب أتى ليحاكم = وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ = هو قام كقاضٍ يُحاكم أعداء شعبه لصالح شعبه = لِشَعْبِهِ. وأعداء شعبه هم (بابل / الشيطان). لكن لم يكن هناك محام يدافع عن الشعب كما ذكرنا قبلاً (الآية19). وهنا قام الرب بهذا الدور. فكان هو المحامي عن شعبه هو الذي أخذ من يدها كأس الترنح فهو حمل خطايانا وحمل عقوباتها.
المسيح تجسد ليحمل عنا كأس غضب الله. هو حملها لكن هو أيضًا أعطاها للشيطان ليشرب مما فعله بالإنسان.
آية (23):- "وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ الَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: انْحَنِي لِنَعْبُرَ. فَوَضَعْتِ كَالأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ»."
كانت العادة أن المنتصر يدوس على رقبة المهزوم لذلك أمرها الغالبون أن
تنطرِح أرضًا ليسير العدو على ظهرها كزقاق ضيق يعبر
فيه،
هنا نرى مذلة الخطية، ولكن كما عذبهم البابليون هكذا عُذِّبوا
هم.
وبعد الفداء نال الشيطان كل الآلام التي كان يكيلها للبشر وأُعِّد
لهُ البحيرة المتقدة بالنار التي نارها لا تطفأ ودودها لا يموت.
بل وهذا ما وعدنا به رب المجد "أعطيتكم سلطانا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل
قوة العدو" (لو19:10). ملحوظة:- المسيح بفدائه القوي يشار له بالذراع. أما
الروح القدس فيشار له بالإصبع = إصبع الله. قارن (مت28:12) مع
(لو20:11). لأن الأصابع تعيد تشكيل الآنية التي يعملها الخزاف (إر 1:18-6).
والآنية هي نحن (2 تي 20:2، 21). والروح القدس يجدد طبيعتنا بناء على عمل
المسيح. فالأصابع لا تعمل بدون قوة الذراع.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 52 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 50 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pbh5z5q