← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12
هذا الإصحاح هو تكملة للصلاة التي بدأت في الإصحاح السابق والصلاة هي لكي نتمسك بالله كما يتمسك إنسان بشخص يريد أن يغادره وهو يمسك به لكي يمنعه من تركه. كمن يصارع معه مثل يعقوب. وحين نتمسك بالله نكون مثل شخص في قارب معه حبل مربوط بخطاف على الشاطئ، والقارب يصارع الأمواج في ليلة عاصفة مظلمة، هو هنا لا يجذب الشاطئ إليه، بل هو ينجذب للشاطئ. وكل ما يقترب يشعر بالاطمئنان هكذا نحن نصلي ليس لنحضر الله لعقولنا وقلوبنا ولكن لنحضر أنفسنا إلى الله. ومثال الشخص الذي في القارب ممسك بحبل مثبت في الشاطئ هو تعريف بولس الرسول للرجاء، في (عب 6: 18، 19) فنحن نصلي برجاء وليس بيأس. والآيات من (1-7) فيها اعتراف بالخطأ، والآيات (8- 12) فيها استدرار لمراحم الله.
آية (1):- "لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ."
في ضيقتهم أثناء الاضطهاد الناشئ عن خطاياهم صرخوا ليظهر الله قوته ويخلصهم، فليس من يستطيع أن يصلح الأمر سواه، ونحن لن نستطيع أن نصعد لك يا رب فأنزل أنت لنا، هي صرخة الناس قبل مجيء المسيح قائلين ليتك تتجسد لتخلصنا = تشق السماوات وتنزل، وهذا ما نصرخ به الآن في انتظار المجيء الثاني "آمين تعال آيها الرب يسوع" (رؤ 22: 20). الصورة هنا كأن الله حجب وجهه وراء السحاب لغضبه، وهناك من يضعف إيمانه في وقت الضيقة إذ هو لا يفهم طرق الله. ولكننا في هذه الآية نرى النبي يصلي بإيمان أن الله موجود وراء السحاب والضباب، وراء الضيقات، ومهما طالت الضيقات فهو سيتدخل. هناك ترتيلة لطيفة تقول "ثق حبيبي أن الشمس خلف الغيمة". وتنزل = أي لتظهر أعمالك للذين على الأرض، ويعرف الناس أنك إلهنا ونحن شعبك. وزلزلة الجبال حدثت في سيناء فعلًا. ولكن ما حدث لفرعون من مصائب وما حدث لسنحاريب (هؤلاء كانوا في جبروتهم كالجبال) مشبه بزلزلة، زلزلت هؤلاء الأقوياء.
لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! (ليتك تشق السموات وتنزل
) = سمع إشعياء اشتياق المسيح لعمل الخلاص " ليت عليَّ الشوك والحسك في القتال..." (إش27: 4)، فصرخ إسرع بالتجسد وإنزل وتعال إلينا على الأرض لتخلص.وسمع القديس يوحنا في رؤياه "أنا آتي سريعًا"، فصرخ " آمين تعال أيها الرب يسوع " (رؤ22: 20)، وشعر من نفوسهم تحت المذبح أن الأيام قد اقتربت فصرخوا للرب أن يظهر مجده سريعًا (رؤ6: 10). وهذا هو حال كل من عرِف حلاوة شخص المسيح، فهو يشتهي مجيء هذا اليوم.
مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ = قبل المسيح ظن الشيطان وأتباعه أنهم جبابرة كالجبال، وإستعبدوا البشر. والنبي هنا يتضرع للمسيح المخلص أن ينزل ليدوس هؤلاء الأعداء الأقوياء ويزلزلهم، وقد فعل بتجسده بل أعطانا أن ندوسهم.
آية (2):- "كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ."
لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ
= أي ليعرفوا قوتك. وِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ هؤلاء الذين قلوبهم كالجبال ليرتعدوا ويكونوا كـ:الْهَشِيمَ المشتعل بنار غضب الله ويكونوا ضعفاء كالماء، وبنار غضبك يكونون كمِاء يغْلِي (الْمِيَاهَ تَغْلِي) = يغلون من نار غضبك وينسكبون كماء فلا يكونون بعد ذلك. وهناك تأمل في هذه الآية لتكن نار الله نارًا تحرق الخطايا التي فينا كما تحرق الهشيم. وبرودة حياتنا التي كالماء فلتتحول بنارك يا رب لماء مغلي أي تشتعل بالحب قلوبنا.
آية (3):- "حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ، تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ."
نرى هنا ضربات الله المميتة لأعداء شعبه. ولكن نفس الشيء حدث حين أراد الله أن يتكلم مع الشعب ويسلمهم الوصايا (خر18:19 – 21:20). وهذا لأن الله لا يمكن للإنسان أن يراه سواء كان هذا الإنسان من شعب الله أو من أعداء الله. والسبب "الجميع زاغوا وفسدوا" (رو12:3). حتى أن موسى العظيم في الأنبياء لم يستطع رؤيته وقال الله له [لا يراني الإنسان ويعيش] (خر20:33). بل أن موسى نفسه إرتعب مما حدث حين ظهر الله للشعب "وَكَانَ ٱلْمَنْظَرُ هَكَذَا مُخِيفًا حَتَّى قَالَ مُوسَى: «أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ" (عب21:12) والسبب أن الله كان غاضبا من حال الشعب، أما حين كان يتكلم الله مع موسى القديس كان يتكلم معه كما يكلم الإنسان صاحبه (خر11:33)، فموسى لم يختبر غضب الله في حديثه معه من قبل. لكن حين رأى موسى وجه الله الغاضب والمخيف حين تكلم مع الشعب المتذمر إرتعب موسى. الخطية أفسدت الطبع الإنسانى فما صار قادرا أن يعاين مجد الله، وهذا بالضبط كما لا تستطيع العين الإنسانية أن تحدق في نور الشمس. فإن كان شعب الله لا يحتمل رؤية الله فما بالك بأعداء الله إذا ظهر الله لهم في غضبه.
آية (4):- "وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَصْغَوْا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ."
نرى هنا محبة الله وكرمه في العطاء لشعبه.
آية (5):- "تُلاَقِي الْفَرِحَ الصَّانِعَ الْبِرَّ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى الأَبَدِ فَنَخْلُصُ."
تُلاَقِي
= ليس فقط يقبل الله الصَّانِعَ الْبِرَّ، بل يلاقيه، كما خرج أبو الابن الضال ليلاقيه. فالله يفرح بأعمالنا الصالحة. والصانع البر هو من يعمل أعمال صالحة أي أعمال بر ويسلم قلبه لله، هذا يكون في حالة فرح = الْفَرِحَ.والعكس فالذي يصنع خطية يجعل الله يسخط عليه =
هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا.هِيَ إِلَى الأَبَدِ
أي طرق الرب = سخطه على الخطاة وقبوله للتائبين. وهكذا يقول القديس بولس الرسول "يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ" (عب8:13). ويقول القديس يعقوب الرسول عن الله "ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلَا ظِلُّ دَوَرَانٍ" (يع17:1).فَنَخْلُصُ
= إذا عدلنا عن طريقنا ورجعنا لله. إذًا ليكمل فرحنا ويلاقينا الله، علينا أن نترك خطايانا في توبة حقيقية.
آية (6):- "وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا."
في الآية السابقة رأينا أن من يقدم توبة يقبله الله ويلاقيه بالفرح . وهنا وقف إشعياء يتأمل حال البشرية فوجدها كما قال القديس بولس الرسول "الجميع زاغوا وفسدوا.. ليس مَنْ يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو3: 12). فوقف النبي واضعًا نفسه مع كل البشر معترفا بفشل الإنسان في أن يرضي الله، إذًا فالحاجة إلى مخلص يقول له أسرع وانزل.
ثَوْبِ عِدَّةٍ
= ثوب توسخ من جرجرته وراءنا في الطريق، هذا عمل الخطية حينما نلتصق بالأرض. والمعنى أن كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا = أي حتى كل أعمالنا الصالحة صارت غير كاملة وغير مقبولة، فهي مختلطة بالخطية. فمهما عملنا من بر ومعه خطية واحدة فقد تلوثنا بها تمامًا [مَنْ أخطأ في واحدة فقد أخطأ في الكل] (يع 2: 10). لذلك ذبلنا كورقة شجر منع عنها المياه. وهذه عكس صورة الأبرار الذين هم [كشجرة مغروسة على مجاري المياه] (مز 1: 3)، وورقها لا يذبل ولا ينتثر، والمعنى أن الشعب ترك ينبوع الماء الحي فذبل، وصار أوراقًا جافة فحْملته الرِيح (كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا) صار بلا منظر ولا حياة وسقط وضاع وتبعثر من أمام الرب وراح بعيدًا. أما لسان حال النبي هنا فهو يطلب فداء المسيح ليبرر الإنسان فهذا هو الحل الوحيد. ونحن لا نعتمد على برنا بل على دم المسيح وإلا وجدنا نجسون عُراة.
آية (7):- "وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا."
ليس من يدعو باسمك = أي يصلي بإيمان متكلًا على الرب متمسكًا به (لِيَتَمَسَّكَ بِكَ) = كما تمسك يعقوب بالرب قائلًا له [لن أتركك إن لم تباركني] (تك 32: 26)، لأنك حجبت وجهك عنا = فحين يحجب الله وجهه نشعر أن صلواتنا غير مقبولة وهذا بسبب آثامنا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أذبتنا = كما يذيب الصائغ الذهب ليعيد تشكيله. وهنا النبي يكمل الاعتراف بالفشل الإنساني أمام الله.
آية (8):- "وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ."
صلاة ابن لأبيه فيها استعطاف وحين يكون الطفل كالطين في يد أبيه الخزاف، فمن المؤكد أنه سيصنع منه إناءً للكرامة.
هنا النبي بعد أن قدم اعترافه بحال البشرية الساقطة ووضعها الميئوس منه يصرخ لله ليستعطفه كابن يصرخ لأبيه. ويكمل في الآيات التالية.
آيات (9-12):- "لاَ تَسْخَطْ كُلَّ السَّخْطِ يَا رَبُّ، وَلاَ تَذْكُرِ الإِثْمَ إِلَى الأَبَدِ. هَا انْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا. مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا، قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَابًا. أَلأَجْلِ هذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ الذِّلِّ؟"
هذا وضع أورشليم بعد السبي محروقة بنار ومنظرها يُبْكِي مَنْ يراها، وهذا حال كل نفس تركت المسيح لتجري وراء شهواتها وخطاياها. وأليس هذا حال كنائس كثيرة في أيامنا هذه عبث بها الشيطان فأنكروا حتى لاهوت المسيح ولكن ما زال هناك بقية أمينة لله ما زالت تصلي هذه الصلاة.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 65 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 63 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2xsd6wx