← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
هدف إشعياء هو الكشف عن إنجيل الخلاص أو أن تتمتع البشرية بالمخلص لذلك يبدأ بكشف مدى ما وصلت إليه البشرية من فساد وخلال سفر إشعياء يقول الوحي أن كل الأمم (مصر وأشور... إلخ.) استحقت التأديب. إذًا فلا خلاص إلا بالتدخل الإلهي وهو فتح باب الرجاء بالمخلص الآتي:
آية (1):- "رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا:"
لفظة رؤيا = المشاهدة العقلية أو الإعلانات الإلهية وهو في حالة يقظة فالأنبياء رأوا الأمور المستقبلة كأنهم نظروا إلى صورها وهم لا يعرفون بعدها الزمني، أي متى ستحدث مثلما قال إشعياء "ها العذراء تحبل..." وحدث هذا بعد 700 سنة ولكنه ذكرها كأنما هي أمام عينيه. والرؤيا غير الحلم، فالرؤيا يكون فيها الرائي مستيقظًا ولكنها حالة روحية تعمل فيها النعمة لإزالة العوائق. لذلك يُسَمَّى النبي "رائي" فهو يرى ما يتكلم به ويتنبأ به (عد 24: 4) لذلك يتكلم بتأكيد.
آية (2):- "اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ."
فيها توبيخ للشعب وفي لغة شعرية يشهد السموات التي شهدت فجورهم والأرض التي لُعِنت. والسماء قد تكون الملائكة أو الطبيعة الجامدة والأرض قد تكون باقي الشعوب أو الطبيعة الجامدة. ربيت بنين = يكشف فيها عن أبوته لعلهم يتوبون، فهو لم يعاملهم حسب خطيتهم بل رعاهم في محبة وأمَّن لهم حياتهم كأبناء. ولا شيء يحزن نفس الأب سوى فشله في تربية أولاده.
السَّمَاوَاتُ وَ.. الأَرْضُ = أي كل الخليقة. ونلاحظ أن كل الخليقة خاضعة لله تنفذ أوامره ما عدا الإنسان والشيطان (راجع 1مل13). والله يعاتب الإنسان فهناك أمل في توبته أما الشيطان ففي عناده لن يتوب، لذلك فالله لا يوجه له أي عتاب.
آية (3):- "اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ»."
هنا نرى أن الحيوانات صارت أحكم منهم، فهي تعرف ما ينفعها وبالغريزة تسير وراء صاحبها. ولكن الخطية هي أسوأ أنواع الجهل، فهي تُسْقِط الإنسان لدرجة أقل من الحيوان، وهذا قيل عن من سبق الله وأسماهم ابني البكر.
آية (4):- "وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ."
الثقيل الإثم = فالخطية حمل ثقيل وهم خطاياهم قد ازدادت جدًا. أولاد مفسدين = أي يُعَلِّمون غيرهم الشر. قدوس إسرائيل = جاءت هذه العبارة في هذا السفر نحو 30 مرة ولم تَرِد في سائر أسفار الكتاب المقدس سوى 5 مرات وتكرارها إثبات أن إشعياء هو كاتب السفر كله.
الآيات (5، 6):- "عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ."
الله يضرب بواسطة وسائل متعددة ليجذب شعبه للتوبة. وهنا هو يضرب بواسطة الأمم المجاورة. وكانوا قبلًا يستفيدون ويتوبون ولكن الآن تقست قلوبهم فهم كالمريض الذي لا يرجي شفاؤه. "إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ.. أُؤَدِّبُهُ" (رؤ 3: 19). أما من ليس فيه أمل لا يؤدبه الله (هو4: 13 ، 14). فهذا قد أسلم نفسه للشيطان وهذا يكفيه كعقاب، فالشيطان يتلذذ بتعذيب من يقع تحت يده.
الرأس = إذًا لا قوة على التدبير ولا إرادة في عمل وصايا الله. القلب سقيم = إذًا لا عاطفة ولا حرارة حب نحو الله. وهذا ينطبق على الجميع. من القدم للرأس (مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ) = أي من أصغر فرد للشعب إلى الرئيس حتى الكهنة والقضاة (قارن مع عب 12: 5-11) على م تضربون بعد = صارت الضربات بلا فائدة. ضربة طرية لم تعصر = قروح لم تنظف بعد. إشارة لأن التأديب لم يأتي بثماره والخطية ما زالت فيهم كالقيح في الجروح (أثار الضربات). لم تلين بالزيت= كان هذا واجب الكهنة وخدام الله أن يشرحوا للشعب ويقربوه من الله ولكن الكهنة هم أيضًا غارقين في خطاياهم.
أَحْبَاطٌ = كدمات وأثار جروح. صارت الجراحات قاتلة ونزف الدم غير متوقف وليس من يتحرك لينقذ ولا من يقدم زيت محبة ليلين الضربة القاسية.
الآيات (7-9):- "بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ. فَبَقِيَتِ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ، كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ."
قارن مع (تث 28: 15) بلادكم خربة = قد يكون في هذا إشارة لأن هذه النبوة كانت في أيام أحاز. تأكلها غرباء قدامكم = إشارة لمدى ذل إسرائيل. كانقلاب الغرباء = لو كان جيرانهم هم الذين أخذوا البيوت والحقول لحفظوها ولكن الغرباء يحرقون ويدمرون كل شيء. المظلة أو الخيمة (كَمِظَلَّةٍ.. كَخَيْمَةٍ) = هي وقتية، وتوجد وحدها بلا بيوت حولها، إذا هي مكشوفة بعد أن خرب ما حولها. مقثأة = حقل قثاء أي أن الخيمة مكشوفة في هذا الحقل كما كانت أورشليم أمام طالبيها وهذا حدث فعلًا في أيام غزوة سنحاريب إذ أحرق 46 مدينة من يهوذا وحاصر أورشليم نفسها بعد ذلك.
بقية صغيرة = من رحمة الله أنه يبقي بقية مثل نوح ولوط وكالب ويشوع وإيليا أيام أخاب من هذه البقية تخرج أمة جديدة. فالله لا ينسَى الأمناء وسط الضربات، وبسببهم لا يحطم كل الشعب الفاسد. وهنا يذكر إشعياء لأول مرة كلمة البقية التي اشتهر بها سفره واقتبسها منه بولس الرسول (رو 9: 29).
آية (10):- "اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ:"
قُضَاةَ سَدُومَ.. وشَعْبَ عَمُورَةَ = فهم شابهوهم في فسادهم.
الآيات (11-15):- "«لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا."
هنا يهاجم النبي العبادة المظهرية فهم يقدمون الذبائح وهم مصرين على خطاياهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يهتمون بكلام الناس وقلوبهم بعيدة عن الله، لذلك يقول الله هنا ذبائحكم ولا يقل ذبائحي تدوسوا دوري= كانوا يكثرون من دخول الهيكل لتقديم ذبائحهم وهم في خطاياهم بلا توبة. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا = أيديكم مملوءة دمًا من القتل وظلم المساكين. وكانوا يُعَبِّرون أولادهم في النار (كانوا يلقون أولادهم أحياء كذبائح على أيادي التماثيل المجوفة التي تشتعل النار داخلها لدرجة الاحمرار، لاسترضاء الآلهة. ومن كان يريد أن ابنه يتبارك من هذه الآلهة كان يمرره بين يدي التمثال). وكانوا يظلمون الفقراء ويستولون على ما عندهم. لذلك فالله هنا حين يقول ذبائحكم فكأنه يتبرأ مما يقدمونه بل منهم هم شخصيًا. وهذا الكلام قد يناسب عصر حزقيا وعزيا حيث سادت العبادة المظهرية خوفًا من الملك.
آية (16):- "اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ."
إغتسلوا = أي تطهروا من أعمالكم الشريرة وتنقوا ونحن نغتسل مرة بالمعمودية ثم بالتوبة. وما يعطي قوة للمعمودية والتوبة هو دم السيد المسيح "غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ.. فِي دَمِ الْخَرُوفِ" (رؤ 7: 14)، "اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ" (مز 51: 7). وطبعا هنا لا يقصد الله الغسل الظاهري والتطهيرات الناموسية بل يقصد التوبة أي قطع كل علاقة مع الخطية فهذا هو الطريق الوحيد للشركة مع الله.
آية (17):- "تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ."
سمعنا في آية (16) عن التوبة السلبية أي اعتزال الشر وهنا نسمع عن التوبة الإيجابية أي فعل البر وهنا نرى سمة السيد المسيح فينا.
آية (18):- "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ."
آية جميلة تعبر عن الصفح الكلي والسيد المسيح قال "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" هنا الرب كقاض وقد نزل عن كرسيه وجلس بجانب المذنب وأخذ يكلمه باللطف ويظهر له عظمة ذنبه، ويحرضه على الإصلاح ويعده بالغفران التام والبراءة، بشرط أن يعده بأن لا يعود يخطئ. هنا نرى شوق الله نحو خلاص كل إنسان، هو يطلب المصالحة ولا يواجه العناد بالعناد، إنما يسكب زيتًا مرطبًا على الجراحات. عظيمة هي قوة التوبة التي تنقي فنصير كالثلج في بياضنا.
هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ = تعالوا نتجادل بالحجة، فالله يود لو اقتنعنا بخطيتنا وأقررنا بها ونأتي طالبين الغفران فيغفر. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ = ولنفهم أننا بدون الله لن نقدر أن نبيض أي نتبرر. ولكن:- 1) دم المسيح ينقي (رؤ7: 14). 2) النعمة تعطي معونة لمن يجاهد.
لاحظ أن فساد يهوذا هنا هو حقيقة تسببت في خراب أمتهم، والله يشير لهم كيف يتصرفون حتى ينتهي غضبه (آيات 16، 17). ولكن هو أيضًا رمز لفساد الجنس البشري كله من رأسه القديم آدم وحتى آخر إنسان من نسله "مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ" (آية 6). والخراب المشار إليه الحادث في يهوذا (آيات7 - 9) رمز إلى اللعنة التي حلَّت بالأرض بسبب الخطية.
وفي هذه الآية نرى الخلاص يأتي من السماء بفداء المسيح الذي ينقي. فسفر إشعياء يدور حول المسيح المخلص لكل العالم.
آيات (19، 20):- "إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ."
قارن مع (لا 26 + تث 28: 15) هنا يضعنا الله أمام حرية الاختيار والله في العهد القديم كان يعطي وعودًا مادية كرمز للبركات الروحية في العهد الجديد.
آية (21):- "كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ."
زانية = هناك زنى جسدي وزنَى روحي أي الانفصال عن الله وتركه لنسير وراء خطايا أو وراء آلهة أخرى. ويا للأسف بعد أن كانت ملآنة حقًا وكانت يبيت العدل فيها (كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا) صارت زانية يملؤها القاتلون.
آية (22):- "صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلًا وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ."
فِضَّتُكِ = الفضة تشير للكنوز التي أودعها الله في نفس الإنسان (الوصايا وتقوَى الله والإيمان والمحبة والطهارة أي كل الوزنات الروحية). زغلًا = رمز لشكليات العبادة ودخول حكمة العالم البشرية لحياة الإنسان. والفضة رمز لكلمة الله (مز 12) والإنسان الشكلي لا يحمل كلمة الله في داخله فيحيا بها بل يرددها دون تنفيذ.
خَمْرُكِ = الخمر يشير للفرح الروحي. وخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ = الخمر المغشوشة بماء = ماء العالم ولذاته التي من يشرب منها يعطش. وطبعًا كل من كانت عبادته مظهرية لن يكون له فرح حقيقي، بل ستكون أفراحه أفراح عالمية مغشوشة خادعة، فقلبه لا يحمل حبًا حقيقيًا، إذًا هو بلا فرح حقيقي.
زغلًا = الزغل هي رغوة المعادن التي تطفو على السطح حين يُصْهَرْ المعدن. والكلمة تستخدم خصوصًا مع الفضة. والصائغ يصهر الفضة ثم يغترف هذه الرغوة ليلقيها، فما يلقيه الصائغ من الرغوة يُسَمَّى الزغل. فما يطفو على السطح هو الشوائب أو النفايات التي تكونت في المعدن نتيجة الأكسدة (ما يسمى بالصدأ). وزغل الفضة مجازًا يسُتخدم للتعبير عن الفساد الأدبي.
وبهذا نفهم أن الله أودع داخلنا كنوزًا، الوصية وهي مكتوبة على القلب (إر33:31) والروح القدس يعين على تنفيذ الوصايا (رو26:8). ومن ثمار الروح القدس الفرح (غل22:5). ولكن إحتكاك الإنسان بالعالم (الهواء الذي يؤكسد الفضة) والسعي وراء الملذات العالمية (الماء = بِمَاءٍ). فإن لم يلجأ الإنسان للروح القدس ليعينه تتغيَّر صورته، ويفقد صورة المسيح. فإن قدَّم توبة ولجأ لمعونة الله، يكون الروح القدس هو الصائغ الذي يزيل الزغل الذي أفسد صورته (آية 25)، كما قال بولس الرسول "يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غل19:4). وهنا يعود لهذا الإنسان الفرح الحقيقي (الخمر = خَمْرُكِ). والصائغ يظل ينظر في الفضة وهي تنصهر ويزيل الزغل ويراعي الآتي:-
1. أن لا تزداد الحرارة أو يترك الفضة لفترة طويلة على النار فتفسد. وهذه مثل "لِأَنَّهُ لَا تَسْتَقِرُّ عَصَا ٱلْأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ ٱلصِّدِّيقِينَ، لِكَيْلَا يَمُدَّ ٱلصِّدِّيقُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى ٱلْإِثْمِ" (مز3:125).
2. ومتى يُطفئ الصائغ النار؟ حين يزيل كل الزغل. ومتى يعرف أنه أزال كل الزغل؟ ذلك يكون حين يرى صورته في الفضة المنصهرة (غل19:4).
3. وهذا معنى ما قاله ملاخي النبي عن عمل الله مع شعبه "فَيَجْلِسُ مُمَحِّصًا وَمُنَقِّيًا لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لَاوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ" (ملا3:3).
آية (23):- "رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ."
لغفاء = هم أصدقاء اللصوص. جمع لغيف وهو مَنْ يأكل مع اللصوص ويحفظ ثيابهم ولا يسرق معهم. فالرؤساء هنا لهم منظر الرئاسة وصورة التقوى والدفاع عن الضعفاء ولكنهم يتسترون على الظالمين بسبب حب الرشوة.
آية (24):- "لِذلِكَ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: «آهِ! إِنِّي أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي،"
هناك أيات كثيرة تظهر إرادة الله في خلاص الأمم مثل "مبارك شعبي مصر وعمل يدي أشور" (إش25:19). "ولكنني أرد سبي موآب" (إر47:48). "ثم بعد ذلك أرد سبي بني عمون يقول الرب" (إر6:49). إذاً نرَى اشتياق الله لخلاص الإنسان يهوداً وأمم. وبهذا نفهم أن عدو الله الحقيقي هو الشيطان، الذي أسقط أبونا آدم وأمنا حواء في الخطية فماتوا هم ونسلهم. وأن هذا التهديد هنا معناه أن الله سينتقم من الشيطان بقوة. وهذا لأن الشيطان بخداعه تسبب في موت الإنسان الذي قال عنه الله "لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ" (أم31:8). راجع تفسير الآيات (إش27: 1-5؛ 42: 10-16).
آية (25):- "وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ بِالْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ،"
هنا نرى أن الله يضرب لينقي ويؤدب. البورق= يتم تنقية الفضة من الزغل بنار وبعض أنواع الأملاح.
آية (26):- "وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي الْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ الْعَدْلِ، الْقَرْيَةَ الأَمِينَةَ»."
الله يريد أن يعيد للإنسان كرامته الأولى فيكون كقاض حكيم. وقد تم ذلك بعد السبي فعلًا فقد أرسل الله لشعبه قضاة وولاة أتقياء مثل عزرا ونحميا وزربابل... إلخ. ولكن هذا الوعد سيتم بصورة واضحة في المسيح وكنيسته.
آية (27):- "صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ، وَتَائِبُوهَا بِالْبِرِّ."
الْحَقِّ= هو السيد المسيح. صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ = أي المسيح يفدي كنيسته .
وتائبوها بالبر = الخلاص ليس لكل الناس بل للتائبين. ولذلك يقول الرب "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13 : 3). خلاص المسيح والفداء ليس فقط هو غفران للخطايا، بل أن المسيح أعطانا حياته نسلك بها في البر وتكون أعضاءنا ألات بر (رو6). {بر المسيح = نلبس المسيح ليكون هو برنا}. ومن يعاند ويرفض السلوك في البر يبكته الروح أولاً (يو8:16) وإن أصر وعاند يُدان ولا يخلص. وقارن مع "فَرَحًا أَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي، لِأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ ٱلْخَلَاصِ. كَسَانِي رِدَاءَ ٱلْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا" (إش10:61). من يعاند ولا يلبس رداء البر أي لا يسلك في البر لن يدخل عُرس إبن الملك لأنه لن يكون لابسا ثياب العرس (مت22: 1-14).
رأينا في هذا الإصحاح الحالة الرديئة التي وصل لها شعب الله، ولكن كما رأينا في المقدمة فعمل الأنبياء ليس فقط إظهار الحالة الرديئة، بل كشف الخلاص الذي بالمخلص المسيح. وهذا نراه في الإصحاح القادم، ولكن كمقدمة لهذا الخلاص الآتي نجد هذه الآيات (24-27). ففى (الآية24) نجد الرب يضرب الشيطان وكان ذلك بالصليب. وفي (الآيات25-27) نرى الرب يفدي وينقي كنيسته ويضع أمامها طريق السلوك بالبر. أما الآيات المتبقية من الإصحاح فنجد فيها مصير من يرفض المسيح المخلص.
آية (28):- "وَهَلاَكُ الْمُذْنِبِينَ وَالْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً، وَتَارِكُو الرَّبِّ يَفْنَوْنَ."
هنا نرى أن الفناء سيكون مصير من لا يقبل الفداء= وَتَارِكُو الرَّبِّ يَفْنَوْنَ = لماذا يهلك من يترك الرب يسوع ولا يؤمن؟ لأنه لا غفران للخطية سوى بدم المسيح (1 يو 1: 7).
آية (29):- "لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ الْبُطْمِ الَّتِي اشْتَهَيْتُمُوهَا، وَتُخْزَوْنَ مِنَ الْجَنَّاتِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا."
كانوا يقيمون مذابحهم تحت ظل أشجار البطم، وفي الجنات = أي الحدائق. والمعنى أن الشعب سيشعر بالخجل حين يعلم أن هذه الأوثان التي طالما عبدوها لم تستطع أن تخلصهم من الضربات التي أتت عليهم.
آية (30):- "لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ."
الصديق يكون كشجرة مثمرة وأما الخاطئ فكالهباء الذي تذريه الريح. فالذبول والجفاف علامة توقف الحياة في الجسد. ونلاحظ أنه حينما ذكر البطمة في آية 29 استغلها في تشبيهه هنا. ولكن المعنى أن من يسير وراء الأوثان يكون مثلها (بلا عقل ولا سمع ولا نظر ولا حواس ميت مثلها كشجرة بطم).
آية (31):- "وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ مَشَاقَةً وَعَمَلُهُ شَرَارًا، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعًا وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ."
مَشَاقَةً = المشاقة هي ما يبقى بعد مشط الكتان ويصلح لإيقاد النار. يصير القوي = أي الرؤساء الذين تقدم ذكرهم في عدد 26 وعمله شرارًا = فالشر يحرق صاحبه. وقد يقصد عمله أي الأوثان التي عملوها. ولكن بنظرة عامة فالشر يحرق صاحبه ويكون هلاك الخطاة بواسطة الشرور التي اشتهوها وسعوا وراءها كمن يترك الله لأجل المال. وبعد ما ينال المال يجده تعبًا وتجربة لبيته ولنفسه. أو من يتبع لذات العالم ويجدها مرارًا وليس فيها لذة حقيقية لا للجسد ولا للنفس. ومن يفضل مجد الناس على مجد الله فيكون نصيبه الإهانة والاحتقار من الناس. بل لا ينجح عمل الشرير ولا توجد بركة في عمله (2أي 20: 35-37). وهذا عكس ما قيل عن يوسف "وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا" (تك 2:39). وتكون ضربات الله هذه للشرير لعله يتوب فلا يهلك. ومن الذين يضربهم الله فتفسد أعمالهم؟ هم أولاده ليجذبهم إلى التوبة لعلهم يتوبون. أما مَن تركوا الله، فالله لا يؤدبهم إذ لا فائدة من تأديبهم كما قيل في هوشع النبي "لا أعاقب بَنَاتِكُمْ لِأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلَا كَنَّاتِكُمْ لِأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ" (هو14:4).
ليس من يطفئ = لا يكون لها منقذ ولا معين.
هذه الآية وأمثالها تفهم أيضًا أنها موجهة ضمنيًّا للشيطان المعدة له بحيرة نار أبدية لا تُطْفَأ (مت41:25 + مر9: 43-48)، وكل أعماله وقوته ستنتهي هو ومن يتبعه.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة سفر أشعياء |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kk969as