← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22
هنا يتكلم عن مجد المسيحية ودخول عديدين لها وأنها ستُدخِل السلام للعالم، وتبدأ هذه الموعظة بأيام مجيء المسيح حين تبدأ أورشليم السماوية بنهاية أورشليم الأرضية (عب 12: 22 + غل 4: 26) فحينما حزن إشعياء على خراب أورشليم رفع الله عينيه ليرى أورشليم الجديدة أي الكنيسة.
وغالبًا فهذا الإصحاح كتب في أوائل أيام أحاز حيث الأرض مملوءة ذهبًا وفضة وأيضًا امتلأت الأرض أصنامًا وهذا لم يكن في أيام عزيا أو حزقيا أو يوثام.
آية (1):- "اَلأُمُورُ الَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ مِنْ جِهَةِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ:"
انشغل قلب النبي بمصير يهوذا وأورشليم وربما بكَى عليهم فعزاه الرب بهذه الرؤيا كما فعل الرب مع دانيال وحزقيال.
الآيات (2-4):- "وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ."
هذه الآيات وردت بالنص في (مي 4: 1-4) وكأن الله يريد أن تقوم كلمته على فم شاهدين. فالروح القدس الذي أوحَى لإشعياء بهذه المواعيد الثمينة التي تشير لكنيسة العهد الجديد هو نفسه الذي أوحَى لميخا بهذا. هنا نرى تأسيس الكنيسة المجيدة وسر مجدها أن مسيحها في وسطها.
آية (2):- ويكون في آخر الأيام = عبارة اصطلاحية عند الأنبياء تعني إما أيام الإنجيل ونهاية اليهود كشعب الله أو نهاية العالم.
جبل بيت الرب = المسيح هو الجبل الذي رآه دانيال يملأ الأرض كلها (دا 2: 35) وهو صخرتنا (1 كو 10: 4) والمسيح أسس كنيسته على جِبال، فهو هزم الشيطان على جبل وقدم تعاليمه على جبل وصلب على جبل، وتجلَّى على جبل وصعد على جبل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لأن الجبال تدل على الثبات والعلو، وهو صخرتنا الثابتة. فيه نحتمي وهو العالي السماوي وهكذا الكنيسة فهي ثابتة وسماوية. وبيت الرب هو جسد المسيح أي كنيسته التي سيؤسسها في آخر الأيام أي أيام مجيئه وفدائه. فيكون جبل بيت الرب هو المسيح بجسده. يكون ثابتًا في رأس الجبال = فهو رأس الكنيسة والمؤمنين فيها تشبهوا بمسيحهم فصاروا جبالًا، وهو رأس هذه الجبال. ويرتفع فوق التلال مهما ارتفع أي شيء آخر (كالناموس وشرائعه) لن يزيد عن كونه تلًا بالمقارنة بالجبال، وهذا هو سمو المسيحية. وتجري إليه كل الأمم = أمام هذا السمو يجري إلى المسيح وكنيسته جميع الشعوب معلنين إيمانهم به، حين يرون تأثير وجود المسيح في وسط كنيسته، وأنه سر قوة وفرح وعزاء كنيسته.
آية (3) هلم نصعد إلى جبل الرب = كل واحد يدعو الآخر للإيمان بالمسيح. ولنلاحظ أن القانون الطبيعي أن الماء ينزل من الأعالي ومن رؤوس الجبال للوديان ولكن عمل نعمة الروح القدس هو أن يأخذهم الروح ويصعد بالمؤمنين إلى السماويات. تسير شعوب كثيرة = هنا نرى زيادة عدد المؤمنين بكثرة والكل يحاول أن يحيا في السماويات. بيت إله يعقوب = يعقوب هنا إشارة للكنيسة التي شابهت يعقوب في إيمانه وجهاده مع الله. فيعلمنا من طرقه هنا نرى دور الروح القدس الذي يعلمنا كل شيء (يو 14: 26) لأن من صهيون تخرج الشريعة = معروف أن شريعة اليهود خرجت من سيناء لذلك فهو هنا يتحدث عن شريعة جديدة هي المسيحية التي تخرج من أورشليم للمسكونة كلها. الشريعة هنا هي الكتاب المقدس الذي سيصير دستورًا للإيمان. ومن صهيون كان يجب أن يخرج الإنجيل لكي تتضح العلاقة بين العهد الجديد والعهد القديم وأنه لا تعارض بينهما. وفي أورشليم عاش المسيح وصلب وقام وصعد إلى السموات وتلاميذه بدأوا خدمتهم أولًا من أورشليم. وإذًا فالمسيح خرج من أورشليم وهو كلمة الرب ومنها خرجت الكرازة (من أورشليم) بواسطة الرسل.
آية (4) فيقضي بين الأمم = الأمم التي عاشت على العداوة والحروب سابقًا بعد أن آمنوا بالمسيح صاروا يسلكون بالسلام والمحبة، ويتحول بولس مضطهد المسيحية إلى بولس أعظم كارز بالمسيحية. وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ = هذه الأمم كانت بعيدة عن الله فظلمها الشيطان وجاء المسيح لينصفها ويخلصها من يده.
فيطبعون سيوفهم سككًا = السكة هي جزء حديدي تُحْرَث به الأرض، هنا نرى وصف للسلام الذي يتمتع به المؤمنين، وهم عوضًا عن الحرب سيحرثون أرضهم ويعيشون في سلام وفي عمل بناء. وروحيًا فعوضًا عن أن يهتم المؤمن بالحروب والخصومات مع أعدائه سيهتم بأن يحرث نفسه ليتوب وينقي أرضه، لكي تصير صالحة وتثمر فيها كلمة الله ويصبح بهذا سماويًا. مناجل = المناجل هي أدوات زرع وحصاد، وهكذا كان بولس يزرع ويروي والله ينمي، هو كان يكرز ويحصد في حقل الله. بل أن هذا حدث حرفيًا فالحروب قلت جدًا أيام المسيح وحدث سلام بين السماء والأرض، وأخذوا يعتنون بالمرضَى والأسرَى، أما في الماضي فكانت الحروب مذابح حتى للنساء والأطفال. فيطبعون سيوفهم = أي يتحول حديدها لأشياء نافعة. وروما تحولت من سفك الدماء إلى كرسي روما.
آية (5):- "يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ الرَّبِّ."
هلم فنسلك في نور = المسيح هو نور العالم والكنيسة صارت نور للعالم بالمسيح الذي فيها. هذه دعوة لليهود أن يرفعوا البرقع من على عيونهم ويؤمنوا بالمسيح الذي جاء ليخلصهم. أما في زمن إشعياء فهذه تعني أن لنا مستقبل مجيد فلنسلك بطهارة وتوبة وبما يليق بهذا المستقبل.
آية (6):- "فَإِنَّكَ رَفَضْتَ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ لأَنَّهُمُ امْتَلأُوا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُمْ عَائِفُونَ كَالْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَيُصَافِحُونَ أَوْلاَدَ الأَجَانِبِ."
الخطاب هنا موجه لله أنه رفض شعبه بسبب خطاياهم ولنلاحظ أن رفض اليهود كان بداية لقبول الأمم وانتشار المسيحية في العالم كله (رو 11: 12- 15). امتلأوا من المشرق = أي خرافات المشرق مثل السحر. عائفون = العائفون هم من يتفاءلون ويتشاءمون من أصوات الطيور وعليها يحسبون المستقبل (كَمَنْ يتشاءم الآن من صوت البوم owls) يصافحون أولاد الأجانب = معجبون بوثنيتهم. فإذا فهمنا (الآية 5) على أنها نبوة عن أن اليهود رفضوا المسيح، نفهم هذه الآية على أنها نبوة عن وضع رؤساء الكهنة (حنان وقيافا) يدهم في يد الأجانب (بيلاطس) ويتفقوا على صلب المسيح. وبصلبهم للمسيح رُفِضوا من أن يكونوا شعبًا لله.
الآيات (7، 8):- "وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ فِضَّةً وَذَهَبًا وَلاَ نِهَايَةَ لِكُنُوزِهِمْ، وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ خَيْلًا وَلاَ نِهَايَةَ لِمَرْكَبَاتِهِمْ. وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَانًا. يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ."
هذه الآيات هي عن العالم الذي إنجرف بعيدًا عن الله في وثنيته وقد ألَّه المال والقوة. إستغنوا من المظالم وإستغلال حقوق المساكين والضعفاء. وأعدوا لهم جيوشًا للحرب إعتمدوا عليها وليس على الله وهذا عكس ما يطلبه الله، فالله يطلب الاعتماد عليه وحده هو فقط وليس الاعتماد على المال والقوة، لذلك تركهم الرب.
لذلك يقول الرب "لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ .. الله والمال" (مت24:6). وعن القوة يقول المرنم "لَا يُسَرُّ بِقُوَّةِ ٱلْخَيْلِ. لَا يَرْضَى بِسَاقَيِ ٱلرَّجُلِ" (مز10:147).
هذه الآية تشير لغرور القوة: *ربما غرور المال (فضة وذهب) *أو قوة عسكرية (خيل ومركبات : خَيْلًا.. لِمَرْكَبَاتِهِمْ) *أو قوة مناصب: يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ (كما قال بيلاطس للرب "أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ" (يو10:19) أو قيافا كرئيس كهنة (يو 18: 14). وقد تشير لأي قوة يتصور الإنسان الذي يمتلكها أنه في غنى عن الحماية والمعونة الإلهية. *وقد تشير للشعور بالبر الذاتي والكبرياء الذي كان سببًا في أن اليهود لم يتعرفوا على المسيح، ولم يشعروا بالحاجة إليه. والله هنا يقول أن كل هذا ما هو إلا وثنية "وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَانًا". هؤلاء هم من قيل عنهم "أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي، لِأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ، وَلَا حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ" (رؤ3: 16-17). ونتيجة كل هذا سقوط الإنسان المتشامخ كما سقط الشيطان المتكبر أيضًا، وهذا ما سنراه في (الآية9). والحل في (الآية10) وهو الإيمان بالمسيح.
وفى الآيات (11-19) نرى ضربات يوجهها ربنا ضد المتكبرين.
وهذه الآيات هي نبوة بإنسحاق الشيطان أمام صليب المسيح. والشيطان في كبريائه قيل عنه هنا [المتعظم والمرتفع والعالي والأرز والجبال .... إلخ.]. وفي الآيات (20-21) بعد سقوط الشيطان يترك الذين آمنوا بالمسيح أوثانهم (آية20). وفي (آية21) أما من يظل على علاقته وعبادته للشيطان فسيأتي عليه يومًا ويقول "حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا! وَلِلْآكَامِ: غَطِّينَا" (لو30:23) + (رؤ6: 15-17).
والخلاص يكون بالإيمان بالمسيح والمعمودية (الآية 10) فبالمعمودية ندخل إلى الصخرة المسيح. أما الطريق للثبات في المسيح فهو التواضع والانسحاق "أختبئ في التراب" + (آية22). وهذا ما يطلبه المسيح إذ يقول "إثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو4:15).
آية (9):- "وَيَنْخَفِضُ الإِنْسَانُ، وَيَنْطَرِحُ الرَّجُلُ، فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ."
وَيَنْخَفِضُ الإِنْسَانُ = رأينا فيما سبق غرور القوة وإنتفاخ الإنسان، وهذا ما يحدث لِمَن يتكل على غير الله، فهو يسعى ويحتمي بالباطل. والنتيجة انخفاضه بل وهلاكه. وراجع ما حدث لسنحاريب (2 مل 19: 37) وأنطيوخس إبيفانيوس (المكابيين) (1 مك 6: 1-16) وهيرودس (أع23،22:12) ... إلخ. فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ = وهذه مترجمة "لا ترفع وجوههم ثانية" حين ينخفضوا هكذا لا تغفر لهم لئلا يعودوا إلى كبريائهم وغطرستهم.
الآيات (10 - 22) تشير للخراب الذي حدث لليهود بسبب كبريائهم، وهذا الخراب جزئيًا أيام أشور وكليًّا في أيام بابل ثم الرومان، بل يشير لخراب كل متكبر أمام الله ولا مهرب من هذا الخراب سوى بالالتجاء إلى الله والهروب له.
الآيات (10-11):- "اُدْخُلْ إِلَى الصَّخْرَةِ وَاخْتَبِئْ فِي التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ. تُوضَعُ عَيْنَا تَشَامُخِ الإِنْسَانِ، وَتُخْفَضُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ."
الصَّخْرَةِ = كلمة صخر في العبرية هي "تسور" وهي تُترجم عادة صخر. ولكنها أيضاً تعني أصل / مصدر / نبع / السبب الأول. وهذه كلها تُفيد معنى الخالق، لذلك تترجمها السبعينية في بعض الأحيان "ثيئوس". وراجع (2صم3،2:22) "الرب صخرتي". على أن الترجمة صخرة مناسبة أيضاً لأنه يحتمي فيها المسافر في الصحراء من العواصف والصخرة تعني أيضاً أن شعب الله مؤسس عليه ومُتكل عليه فهو القوي غير المتزعزع. وبهذا نفهم هنا أن الصخرة الذي نحتمي فيه هو المسيح في هذه الآية. ولكن في (الآية19) نجد أن هناك من يدخلون في مغاير الصخور، لكن هذه مغاير عادية في الجبال ليختبئوا فيها.
هنا نرَى الله يعرض حلولاً للهرب من هذا الخراب:-
1- الاتضاع = إختبيء في التراب = قال إبراهيم حين وقف أمام الرب "أنا تراب ورماد". وموسى قال أنا مرتعب ومرتعد. والعكس حينما يبتعد الإنسان عن الله تزداد ثقته في نفسه وقدراته (برج بابل كمثال) ولكن يأتي يوم حين يقول هؤلاء المتكبرين للجبال غطينا (رؤيا 6:15)، حين يَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ.
2- اُدْخُلْ إِلَى الصَّخْرَةِ = الدخول إلى الصخرة = والصخرة هي المسيح. أي الثبات فيه والاختفاء فيه وهكذا دخل موسى إلى الصخرة ليرَى مجد الله (خر 33). وما هي طريقة الدخول في الصخرة؟ أن نختبئ في التراب أي الانسحاق والتواضع، فالله يسكن عند المنسحق والمتواضع (إش57: 15) وهذا لأن الله نفسه متواضع، وهذا ما رأيناه في المسيح "وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29). ولاحظ أن أيوب حين إنتفخ على الله ونسب لله الخطأ أدبه الله، وحينما إنسحق أمام الله وقال "لذلك ارفض واندم في التراب والرماد" كان أن تأديب الله قد أثمر مع أيوب (أي 42: 6). ولاحظ أن الله لمحبته لشعبه هو لا ينتقم منهم، لكنه يؤدبهم ويشفيهم من خطية الكبرياء، خطية إبليس. والله يؤدب شعبه ليضمن خلاص نفوسهم. وحينما شُفِىَ أيوب وتعظم الله في نظره رفعه الله. وهذا ما سنراه أيضًا في الإصحاح التالي.
الآيات (12-14):- "فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الْعَالِي الْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، وَعَلَى كُلِّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ التِّلاَلِ الْمُرْتَفِعَةِ،"
أرز لبنان العالي = كناية عن المتكبرين والملوك والقادة المتعجرفين، الجبال العالية = الممالك العظمَى، التلال المرتفعة = الممالك الصغرى المتكبرة. وليس شيء يحطم كبرياء الإنسان مثل ملاقاته مع الله فيكتشف أنه لا شيء ويتحطم كبريائه، ولكن لا تتحطم نفسه بل يشفي ويمتلئ رجاء في الرب.
ولماذا يكسر الله كبرياء المتكبرين؟ هذا من محبة الله، فالمتكبر لا يمكن أن يخلص، ببساطة لأنه لن يمكنه الثبات في المسيح المتواضع. والثبات في المسيح هو طريق الخلاص.
آية (15):- "وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَال، وَعَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ،"
كان عزيا قد بنَى أبراجًا في البرية وفي أورشليم (2 أي 26: 9، 10) وكذلك يوثام، ويكون المعنى ببطل الاتكال على الذراع البشري. وهذا هو معنى الآيات القادمة أيضًا (16، 17) أي بطل الاتكال على القوة. والأبراج العالية تشير أيضًا للبر الذاتي.
الآيات (16، 17):- "وَعَلَى كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ، وَعَلَى كُلِّ الأَعْلاَمِ الْبَهِجَةِ. فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ."
ترشيش هي الجزء الجنوبي من أسبانيا ولذلك كانت سفن ترشيش أكبر السفن وأعظمها. وترشيش تشير للإنهماك في التجارة والمال والترف والغنَى على حساب الاهتمام بالنفس ظانا في الغنَى أنه مصدر سلام.
الآيات (18، 19):- "وَتَزُولُ الأَوْثَانُ بِتَمَامِهَا. وَيَدْخُلُونَ فِي مَغَايِرِ الصُّخُورِ، وَفِي حَفَائِرِ التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ، وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ."
هذه تحققت حرفيًا بعد سبي بابل، فقد زالت العبادة الوثنية تمامًا بعد السبي، الذي اختبأ فيه الناس في مغاير الصخور و.. حفائر التراب = حين يتخلى الإنسان عن كل ما اعتمد عليه ويجد نفسه محرومًا من كل ما اعتبره حماية له.
آيات (20، 21):- "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَطْرَحُ الإِنْسَانُ أَوْثَانَهُ الْفِضِّيَّةَ وَأَوْثَانَهُ الذَّهَبِيَّةَ، الَّتِي عَمِلُوهَا لَهُ لِلسُّجُودِ، لِلْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ، لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ."
عندما يكتشف الإنسان بطل العبادة الوثنية يلقي بالأوثان التي كان يعبدها. وهذا سيحدث بعد أن تنكسر كبريائهم كما سبق. وهذا ما حدث بعد سبي بابل فعلًا. شقوق المعاقل = يهربون من الحصار المفروض عليهم وهذا ما حدث فعلا حين حاول صدقيا الملك الهرب من شقوق السور فألقَى البابليون القبض عليه وقتلوه.
ملحوظة : قد يكون تحقيق الآيات (10-21) في أيام المجيء الثاني بعد الختم السادس فكثير من آيات الدينونة.
تنطبق على الأيام الأخيرة.
آية (22):- "كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟"
أي لا تعودوا تعظمون البشر (حدث هذا مع هيرودس فأكله الدود ومع نبوخذ نصر فجن وصار كالحيوان) الذي في أنفه نسمة = أي ضعيف ويموت سريعًا. أي عليكم أن تدركوا خطأ الاعتماد على الذراع البشري وليصمت كل إنسان فهو لا شيء. وهذه الآية تأتي هنا بعد آيات الدينونة (10-21) لتقول.. إذا كانت هذه نهاية الإنسان فكيف تؤلهونه، بل كيف يؤله الإنسان نفسه. الله وحده هو الذي له المجد إلى الأبد آمين.
نرى في هذا الإصحاح تشبيه بالجبال، فالمسيح جبل ثابت في رأس الجبال الذين هم المؤمنين (آية2). وأيضًا الشيطان وأتباعه المتكبرين مشبهين بالجبال (آية14). وتكرر هذا في تشبيه المسيح بأسد يدافع عن شعبه كما يدافع الأسد عن عرينه وأشباله (رؤ5: 5)، وشبه الشيطان بأسد زائر مفترس (1بط5: 8). فمن المهم أن نفهم المعنى المقصود من التشبيه.
تشبيه المسيح بالجبل:- في إرتفاع الجبل يشير للمسيح السماوي القدوس الثابت الذي لا يهتز ولا يتغير، نحتمي فيه دائمًا. والمؤمن يشبه بالجبل في حياته السماوية (العلو) وفي ثباته على إيمانه مهما حدث. وفي (مزمور125) صورة جميلة = فالمؤمن كالجبل، والقديسين كالجبال يحيطون بهذا المؤمن، ويحيط بالكل المسيح، الجبل رأس الكنيسة السماوية والأرضية.
تشبيه الشيطان بالجبل:- علو الجبل يشير هنا لكبرياء الشيطان، وثبات الجبل يشير لعناده وإصراره على تحدي الله. وفي (الآيات 10، 11، 22) نصيحة لهؤلاء المتكبرين.
ملحوظة:- حين حل المسيح في بطن العذراء ذهبت بسرعة إلى الجبال لتخدم = والمعنى أنها تشبهت بالمسيح الذي في داخلها فصارت سمائية (لو1: 39). فكل مؤمن ثابت في المسيح يتشبه بالمسيح ويصير جبلا في حياته السمائية، ويخدم الآخرين كمسيحه الذي أتى ليَخدِم لا ليُخدَم. والعكس فمن لا يوجد فيه المسيح يتشبه بالشيطان في كبريائه.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/x4vjfxh