← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
تحدث سابقًا عن دعوة الله المجانية للعطاش كي يشربوا من ينابيع الخلاص، وعن بيت الرب المفتوح للجميع. وفي الإصحاحات (إش 57-59) نجد عوائق التمتع بعمل الله الخلاصي مثل الرجاسات والزنى والظلم والقتل. ومع هذا يفتح باب الرجاء أمام الراجعين إليه. هنا يذكر خطايا الشعب التي دفعت الرب أن يؤدبهم بالسبي. وهذا الكلام موجه لكل خاطئ حتى بعد خلاص المسيح.
ونرى في هذا الإصحاح أيضًا توجيه التهمة لليهود على صلبهم المسيح فهذا آخر إصحاحات مجموعة الإصحاحات التي تتكلم عن الخلاص بصليب المسيح، وكان هذا لكبرياء اليهود فرفضوا المسيح وصلبوه. لذلك نسمع في آية 15 في هذا الإصحاح أن الله يسكن عند المتواضعين والمنسحقين. وبسبب كبريائهم رفضهم الرب وفارق أمتهم فما عاد لهم سلام، وهذه آخر آية في الإصحاح.
آيات (1، 2):- "بَادَ الصِّدِّيقُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ. وَرِجَالُ الإِحْسَانِ يُضَمُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ يَفْطَنُ بِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الشَّرِّ يُضَمُّ الصِّدِّيقُ. يَدْخُلُ السَّلاَمَ. يَسْتَرِيحُونَ فِي مَضَاجِعِهِمِ. السَّالِكُ بِالاسْتِقَامَةِ."
الأشرار إضطهدوا الصديقين وقتلوهم، وهذا تكرر كثيرًا في عصر منسى الملك. والأشرار فرحوا بالخلاص من الأبرار القتلى. ولكنهم لم يفهموا أن الصديقين إنما استراحوا وذهبوا إلى الله، والله لابد وسيعاقب هؤلاء الأشرار، فالشر آتٍ عليهم وقد سمح الله بموت الأبرار حتى لا يروا الشر الآتي = ومِنْ وَجْهِ الشَّرِّ يُضَمُّ الصِّدِّيقُ.
الله يضم الصديق حتى لا يرى الشرور ولا يعاني من العقوبات التي ستقع على الأشرار. وهكذا لم يأتي الشر على سدوم وعمورة إلا بعد خروج لوط. وغرق العالم بعد دخول نوح الفلك. فالله لا يريد لأحبائه أن يتألموا بدون داعٍ.
آيات (3، 4):- "«أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا يَا بَنِي السَّاحِرَةِ، نَسْلَ الْفَاسِقِ وَالزَّانِيَةِ. بِمَنْ تَسْخَرُونَ، وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ وَتَدْلَعُونَ اللِّسَانَ؟ أَمَا أَنْتُمْ أَوْلاَدُ الْمَعْصِيَةِ، نَسْلُ الْكَذِبِ؟"
الله يعدد التهم ضد يهوذا التي بسببها ضربتهم بابل. فهم فاسقين وزناة وأولاد فاسقين تاركين الرب ساجدين للأصنام. يَا بَنِي السَّاحِرَةِ = أي أمكم تعاملت مع الشياطين والسحرة. وهؤلاء الأشرار يسخرون من الأبرار بل ومن الله = تَدْلَعُونَ اللِّسَانَ، أما الأبرار فلا يسخرون من أحد. نَسْلُ الْكَذِبِ = هذه صفة إبليس، وهكذا قال عليهم المسيح "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 44)، وهم بشرورهم أولاد إبليس (1 يو3: 10). ولأنهم أولاد إبليس قيل عنهم هنا = يا بني الساحرة . وهم بإهانتهم للمسيح وسخريتهم قال عنهم هنا = بمن تَسْخَرُونَ وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ.
آية (5):- "الْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى الأَصْنَامِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، الْقَاتِلُونَ الأَوْلاَدَ فِي الأَوْدِيَةِ تَحْتَ شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ."
كانوا يقدمون العبادة تحت أشجار يقدسونها. ونحن نقدم طاقاتنا وأموالنا ذبيحة لعدو الخير حين نرضي شهواتنا
الخاطئة . كانوا يقدمون أولادهم ضحايا ومحرقات للأوثان. أنظر تضحية هؤلاء الوثنيين حتى بأولادهم في سبيل أوثانهم، فماذا نقدم نحن لله؟ شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ = الأماكن الموحشة في البراري.
آية (6):- "فِي حِجَارَةِ الْوَادِي الْمُلْسِ نَصِيبُكِ. تِلْكَ هِيَ قُرْعَتُكِ. لِتِلْكَ سَكَبْتِ سَكِيبًا وَأَصْعَدْتِ تَقْدِمَةً. أَعَنْ هذِهِ أَتَعَزَّى؟"
قال داود نصيبي هو الله، أما هم فنصيبهم الأصنام. يأخذون حجارة من الوادي ملساء، صارت ملساء بجريان الماء عليها ويقيمون منها أوثان.
آية (7):- "عَلَى جَبَل عَال وَمُرْتَفِعٍ وَضَعْتِ مَضْجَعَكِ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتَذْبَحِي ذَبِيحَةً."
كانوا يختارون الجبال العالية لعباداتهم. مضجعك = هنا يُشَبِّه عبادة الأصنام بالزنى بالإضافة لأن عبادة الأصنام اشتملت على زنى فعلي في هياكل الأوثان.
آية (8):- "وَرَاءَ الْبَابِ وَالْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تَذْكَارَكِ، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْدًا مَعَهُمْ. أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. نَظَرْتِ فُرْصَةً."
كان التذكار علامة العبادة الوثنية وكانت هذه العلامة يضعونها وراء أبواب بيوتهم، تذكرهم بآلهتهم التي يعبدونها، كقديس حامٍ للبيت وكان كل من يدخل البيت يسجد لهذا التذكار عند دخوله، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ = أصبحتِ تقدمين عبادتك للأصنام علانية بعد أن كنتِ تفعلين ذلك متخفية، وصرتِ تصعدين علناً إلى حيث يقدم عباد الأصنام هذه العبادة، فالوثنيين يفضلون الأماكن العالية كالتلال أو حتى أسطح البيوت ليقدموا عباداتهم لأصنامهم. بل صرتِ تعشقين هذه العبادة = أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ = كأنهم تعاهدوا بمحبة الأوثان حتى الموت. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ = يشبه الأشرار بزانية توسع مضجعها (مضجع الزنى مع من تزني معهم إشارة لهياكلهم ومذابحهم التي يعبدون فيها آلهة وثنية = هذا هو الزنا الروحي)، فإذ لا تشبع من الشر، تزني مع أي إنسان. واليهود كانوا قد أفرطوا في عدد الأصنام التي عبدوها، بل تباهوا بزيادة عدد أوثانهم كما فعل أحاز حتى أنه غير مذبح الرب، ويقول لهم الرب في سفر إرمياء النبي "لِأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا" (إر28:2) ونجد أن الأمم لا يصنعون هذا، إذ هم لا يبدلون آلهتهم "هَلْ بَدَلَتْ أُمَّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُ" (إر11:2). فآلهة الأمم ليست آلهة ولكن الأمم لا يبدلونها. أما شعب الله فعبد آلهة كثيرة وهذا ما أغضب الله منهم جدًا.
قَطَعْتِ لِنَفْسِكِ = لم يعبدوا الآلهة الوثنية فقط بل تعاهدوا مع الشعوب الوثنية لتحميهم. نَظَرْتِ فُرْصَةً = هم كانت لهم النية ويتحينون الفرص لذلك.
الله في نهاية هذه المجموعة من الإصحاحات يوجه لليهود تهمة انقسام القلب بين آلهة كثيرة، ويقول لهم "الحاجة إلى واحد". يريد الله من شعبه أن يؤمن به كإله قدير قادر على حمايته وقادر على أن يشبعه فلا يحتاج إلى غيره "معك لا أريد شيئا في الأرض" (مز25:73). واليهود اليوم تركوا المسيح واحتموا بدول كثيرة واحتموا بأسلحة كثيرة، وهذه هي مشكلتهم دائما، رفض المسيح والاتكال على آلهة أخرى (دول أو أسلحة) لا تنفع. ومن تعتمدين عليهم لن ينقذوكِ وقت بليتك إذا ما صرختِ إليهم (آية 13).
ولاحظ الإنهيار الروحي:- فإذا بدأ الإنسان في السقوط فإنه لا يتوقف بل من إنحدار إلى إنحدار. فهم كانوا يقدمون عبادتهم لتماثيلهم خلف أبواب المنازل خفية = وَرَاءَ الْبَابِ وَالْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تَذْكَارَكِ. ثم صارت هذه العبادة علنا = لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ = كشفتِ نفسك وصرتِ تقدمين هذه العبادة دون تخفي. ثم صارت تصعد لأماكن العبادة الوثنية. ثم صارت العبادة لعدد كبير من الأوثان = أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ. بل صار هناك عهود معهم وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْدًا مَعَهُمْ. بل صارت هذه العبادة محبوبة لديكِ أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. ثم صرتِ تتحينين الفرصة لتذهبي وتقدمي هذه العبادة نَظَرْتِ فُرْصَةً.
حينما يبدأ الإنسان في السقوط فهو ينحدر كمن يتدحرج على تل.
آية (9):- "وَسِرْتِ إِلَى الْمَلِكِ بِالدُّهْنِ، وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ، وَأَرْسَلْتِ رُسُلَكِ إِلَى بُعْدٍ وَنَزَلْتِ حَتَّى إِلَى الْهَاوِيَةِ."
يشير للمعاهدات السياسية، ربما مع فرعون لينقذهم من أشور، والله حسب هذا زنًا روحيًا أي الاتكال على ذراع بشر. وهم في سبيل عقد هذه المعاهدات تجملوا جدًا أمام الشعوب الغريبة حتى ينالوا إعجابهم فوضعوا الدهن وأكثروا الأطياب وهم ظنوا أنهم بالمعاهدات مع الأقوياء قد ارتفعوا جدًا. ولكنهم في نظر الله انخفضوا جدًا حتى إلى الهاوية. وقد يقصد بالهاوية سؤال العرافين وسؤال الموتى.
وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ = ما معنى أن تتجمل الدولة؟ أي تظهر أن لها قوة عسكرية وأسلحة.. إلخ. حتى يقبل الطرف الآخر التحالف معها [وكانت هذه سقطة حزقيا الملك مع أمراء بابل (إش39)]. فما معنى أن يلجأ شعب الله لأمة قوية لتحميه، فهل عجز الله عن حماية شعبه؟! هذا يعتبر إهانة لله.
آية (10):- "بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ، وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذلِكَ لَمْ تَضْعُفِي."
تعبوا وراء الملوك (كَمَنْ يتعب ويجري وراء شهوات العالم الآن) بلا تعب ولا يأس مثل من يتعب ليحصل على شهوته ثم لا يقدر أن يصلي.
وهم سيظلوا إلى النهاية يتعبون وراء الملوك ليبحثوا عن سند رافضين المسيح الذي صلبوه ومنتظرين آخر.
آية (11):- "وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ، وَذلِكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ، فَإِيَّايَ لَمْ تَخَافِي."
هم خافوا من الملوك الذين حولهم ولم يعرفوا أنهم بشر وهم في قبضة الله، ولكنهم لم يذكروا الله وخانوه والله لم يؤدب فورًا ولم يقتص منهم فورًا فتقست قلوبهم ولم يعودوا يخافون الرب، مع أن الله يطيل أناته لعلنا نتوب.
آية (12):- "أَنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ وَبِأَعْمَالِكِ فَلاَ تُفِيدُكِ."
الله يعرف وها هو يظهر أن برهم
ناقص، هو بِر ذاتي فيه كبرياء، هو بر ظاهري غير حقيقي ويُظهر أن أعمالهم الشريرة وعبادتهم للأصنام لن تفيدهم.
آيات (13، 14):- "إِذْ تَصْرُخِينَ فَلْيُنْقِذْكِ جُمُوعُكِ. وَلكِنِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ. تَأْخُذُهُمْ نَفَخَةٌ. أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ فَيَمْلِكُ الأَرْضَ وَيَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي». وَيَقُولُ: «أَعِدُّوا، أَعِدُّوا. هَيِّئُوا الطَّرِيقَ. ارْفَعُوا الْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي»."
إذ تحدث لهم مصيبة يصرخون
لجُمُوع (جُمُوعُكِ) ملوكهم وأصنامهم لينقذوهم، ولكنهم سيكتشفوا مؤخرًا أن ملوكهم وأصنامهم هم كَالْعُصَافَةِ.. تُذَرِّيهَا الرِّيحُ (مز 1: 4)، ثم نجد بعد ذلك وعود لمن يرجع للرب = أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ (عَلَى الرب) = الكلام هنا موجه للأتقياء التائبين، وَهؤلاء سيَرِثُوا جَبَلَ قُدْسِي (يَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي) = بالنسبة لليهود سيرثوا الأرض أي يعودوا لأورشليم وبالنسبة لنا سنرث السماء. وفي طريق شعب الله لميراث السماء، يعد الله لهم الطريق ويهيأه ويرفع المعثرة من أمامه. ويدعو رجاله أن يساعدوا ويرشدوا من يريد الرجوع = أعدوا أعدوا.. إرفعوا المعثرة.هناك ضربة كبيرة في المستقبل لليهود ولن ينفعهم مَنْ يعتمدون عليهم.
آيات (15، 16):- "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: «فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ. لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ أَغْضَبُ إِلَى الدَّهْرِ. لأَنَّ الرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي، وَالنَّسَمَاتُ الَّتِي صَنَعْتُهَا."
الله يوجه لهم دعوة هنا ليتواضعوا ويرجعوا إليه، فيعود لهم بل يسكن فيهم. الله الذي لا تسعه السموات يسكن في القلب المتواضع.
سَاكِنُ الأَبَدِ. الله ليس كالملوك الأرضيون الذين يموتون بل هو أبدي. فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ = الله قدوس والكلمة تعني اللاأرضي السماوي المرتفع عن الأرضيات. ولكنه يسكن عند الْمُتَوَاضِعِين ومن يسكن عنده الله يحييه الله. لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ فالله لو خاصم إنسان لا بُد وأن هذا الإنسان يفنى = لأَنَّ الرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي = فمن يحتمل الوقوف أمام الله. وكثيرين من القديسين الذين رأوا الله كان يسقطون كأموات، والله في محبته كان يقيمهم (حزقيال، يوحنا الرائي). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فالإنسان نَّسَمَاتُ ضعيفة خلقها الله. الله هنا يقول تعالوا إليَّ فسأقبلكم، ولكن تواضعوا وكفوا عن كبريائكم فهذه صفة الشياطين. وإذا تواضعتم فسأسكن فيكم...فلماذا يسكن الله عند المتواضع؟ ببساطة لأنه هو متواضع ، بل هو الوحيد الذي يمكنه أن يتواضع، فهو العالي السماوي نزل إلى الأرض، أما المتكبر فهو من التراب ويريد أن يعلو فكيف يتقابل مع الله. لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ = هذه عن عودة البقية في نهاية الأيام.
آية (17):- "مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ غَضِبْتُ وَضَرَبْتُهُ. اَسْتَتَرْتُ وَغَضِبْتُ، فَذَهَبَ عَاصِيًا فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ."
مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ = مكسبهم عن طريق ظلم الآخرين، والله لن يسكت على هذا.
إثم مكسبه = يشير لخطية الطمع، ونلاحظ أنه أمام الخطية يستتر الله، وإذا استتر الله عن خليقته تموت فهو المحيي (مثال الشمس). والله إذ سمح بضربة ثم أعطى عزاء للإنسان لاحتمل الإنسان، أما لو ضرب الله ثم استتر أي لا يعطي عزاء لِمَنْ ضربه تكون الضربة موجعة جدًا.
فَذَهَبَ عَاصِيًا فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ = الله يضرب عن طريق تجربة تصيب الخاطئ ليتأدب، وقد يصاحب هذا أن يستتر الله = تختفي تعزياته أثناء التجربة – وهنا نجد للإنسان المُجَرَّب موقفان:-
1. يلجأ لله ويصلي وينتظر مراحمه (كان هذا موقف حبقوق النبي).
2. أن ييأس هذا الإنسان ويترك الله كما حدث هنا في هذه الآية = فَذَهَبَ عَاصِيًا فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ يترك الله في عناد (كان هذا موقف يونان النبي). ولاحظ محبة الله العجيبة في (آية 18) أن الله في محبته يبحث عنه ويشفيه.
آية (18):- "رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ،"
الطرق المذكورة هي طرق الخطية والعصيان. ولكن الله يَعِد بالشفاء ولكن لِمَن؟ لِمَن يتجاوبوا مع عمل روحه القدوس الذي يبكت ويعين ومن يتجاوب يصير من التائبين النائحين الذين يشفيهم الله.
آية (19):- "خَالِقًا ثَمَرَ الشَّفَتَيْنِ. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ، قَالَ الرَّبُّ، وَسَأَشْفِيهِ."
ثمر الشفتين = ذبيحة التسبيح (عب 13: 15) ويعطي شعبه سلام. للبعيد = أي للأمم والقريب = أي اليهود. ومن ثمار السلام التسبيح.
آيات (20، 21):- "أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا. لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ."
الأشرار الذين لن يقبلوا الله في قلوبهم يكونون كالبحر، وكما تُهَيِّج الرياح أمواج البحر، تهيج الشهوات الجسدية الأشرار، وتهيج عليهم تجارب العالم والمصائب والضيقات. والنتيجة لا سلام لهؤلاء الأشرار = ليس سلام قال إلهي للأشرار. وبهذه الآية يختتم إشعياء هذا الجزء الذي يعاقب فيه الرب اليهود على رفضهم للمسيح والآلام التي وضعوها عليه، وهم لن يجدوا سلامًا في هذا العالم طالما هم رافضين للمسيح.
كانت الإصحاحات (إش 40 - 48) بشارة بالخلاص الذي يأتي به المسيح ليحررنا من عبوديتنا ويؤسس مملكة الحق، ملكوت الله. وفي الإصحاحات (إش 49 - 57) نرى طريقة تنفيذ خطة الخلاص. فنرى صورة واضحة للتجسد "من البطن دعاني من احشاء أمي ذكر اسمي" (إش 49: 1). ويشير للتجسد أيضًا قوله "قد شمر الرب عن ذراع قدسه امام عيون كل الامم فترى كل اطراف الأرض خلاص الهنا" (إش 52: 10). وواضح أن قوله شَمَّرَ تعني أن الابن الذي كان لا يُرَى صرنا نراه ونلمسه. ونرى رفض اليهود وقبول الأمم (إش 49). ونرى طريقة الفداء أي آلام المسيح على يد اليهود (إش 49: 7 + 50: 6 + 53 كله). ونفهم أن الابن تجسد ليقبل في جسده الألم والموت بالنيابة عنا "هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي" (إش 51: 22). هو حمل عنا كأس غضب الله. وكان ذلك لنحيا نحن أبديا بعد أن كان ميئوسا من خلاصنا (إش 51: 1، 2) + "سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ" (إش 51: 14). وأن هذا الفداء دفع المسيح وحده تكلفته على الصليب (إش 55 : 1). والله يدعونا بعد هذه الحرية أن نهرب من كل شر حتى لا نعود لعبودية ثانية لإبليس "اِعْتَزِلُوا، اعْتَزِلُوا. اخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِسًا" (إش 52: 11). ونرى في الإصحاح (إش 54) امتداد الكنيسة في كل العالم، ولكنها ستتعرض لمؤامرات وضيقات ولكن الله يسمح بها للتأديب. وفي الإصحاح (إش 55) نرى أن الشبع والفرح هما فقط عند المسيح، ودعوة أن لا ننخدع ونذهب للماء الذي يشرب منه يعطش. وتزداد الصورة وضوحا لشعب المسيح الآن في إصحاح (إش 56) من سيذهب للعالم ليجد لذته في خطاياه ستلتهمه الوحوش الموجودة في العالم. ومن يبقى داخل الكنيسة يصنع الحق والبر يعينه الله ويحميه. وهناك وعد دائم بأن الخلاص الأبدي والمجد الأبدي قريب. وهنا نجد دعوة لكل يائس حتى لو كان شجرة يابسة أن لا ييأس فالله قادر أن يخرج حياة من الموت.
وحقًا في هذا الإصحاح (إش 57) نرى إدانة لليهود على كبريائهم وصلبهم للمسيح، ولكن هو أيضًا فيه إدانة لشعب الله -أي الكنيسة- لكل مَنْ يرتد في كبرياء رَافِضًا الخضوع لوصايا الله. ونرى دعوة الله لنا أن الطريق الوحيد للحياة أي لسكنى الله فينا هو الانسحاق والتواضع (إش 57: 15) بلا كبرياء كاليهود. وطاعة الله ووصاياه لتثبت فينا حياته الأبدية. ولا يغيب عن أعيننا أن الله حقا يعاتب ويدين اليهود على تبديد ما أعطاهم الله من نعم على أوثانهم، والمسيحي الآن لا يفعل هذا فلا توجد عبادة وثنية الآن، ولكن هذه الإدانة موجهة لكل مسيحي يبدد وزناته على التلذذ بخطايا العالم وشهواته. ويفتح الله باب الرجاء لكل تائب ويحذر من الانسياق وراء كذبة الشيطان أنه أقوى منا أو أن الخطية ستغلبنا فهي أقوى "وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي" (إش 57: 11). والتحذير الأخير أنه "لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ" (إش 57: 21).
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 58 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 56 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k8hjrwq