← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15
كما وجه الله يونان برسالة إلى نينوى، هكذا يوجه إشعياء برسالة إلى بابل، فالله يحذر قبل أن يضرب. في الإصحاح السابق نبوة بسقوط آلهة بابل وفي هذا الإصحاح نبوة بسقوط بابل نفسها بسبب خطاياها وهي الكبرياء والتنعم والحكمة البشرية والوثنية والاتكال على المال وممارسات السحر والخرافات. ونلاحظ أن أول أسفار الكتاب المقدس "التكوين" أشار لبابل كمركز للكبرياء والتجديف وآخر أسفار الكتاب "الرؤيا" يشير لها كمركز لقوة العالم الشرير. ونلاحظ تسمية بابل هنا بعذراء، وهو تشبيه شائع في الكتاب المقدس عن المدن الجميلة التي لم يستعمرها أحد من قبل ، مثل العذراء التي لم تتزوج من قبل، ولكن هي كعذراء لابد أن تخطب لأحد. فإما تخطب لله وتصير عروس مقدسة (مثل أورشليم في حالة طهارتها) أو تصير عروسًا لعدو الخير تتحد معه، وهذا ما حدث لبابل فصارت كما يسميها الكتاب المقدس "أم الزواني" (رؤ 17: 5).
الله لم يرى الجمال الخارجي لبابل وإنخدع به لكنه رأى العفونة التي في الداخل. وهذا ما سيتسبب في خرابها سريعًا، وهذا ما نراه هنا انها ستستعبد لكورش. وهكذا كل نفس هي عذراء، وكلٌ حر فيمن يرتبط به. ويا ليتنا نتجاوب مع دعوة بولس الرسول "خَطَبْتُكُمْ.. لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ.. لِلْمَسِيحِ" (2 كو 11: 2). وقد تشير كلمة "عذراء" لأنها لم تَلِد فلا زوج لها. وعدم الإنجاب راجع لخرابها المحتم، فهي ستكون بلا ثمر قريبًا.
آية (1):- "«اِنْزِلِي وَاجْلِسِي عَلَى التُّرَابِ أَيَّتُهَا الْعَذْرَاءُ ابْنَةَ بَابِلَ. اجْلِسِي عَلَى الأَرْضِ بِلاَ كُرْسِيٍّ يَا ابْنَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ نَاعِمَةً وَمُتَرَفِّهَةً."
بلا كرسي = فبعد سقوطها لم يعد كرسي العرش فيها بل انحطت جدًا. ناعمة ومترفهة = تمثل بابل هنا النفس الساقطة خلال الكبرياء مع الترف والأفراح الزمنية وطلب الشهوات الأرضية. وكانت بابل مولعة بالسكر والخلاعة، ونهاية هذا فبعد أن كانت بهاء الممالك ستصير خربة وتذهب للذل والعبودية.
آية (2):- "خُذِي الرَّحَى وَاطْحَنِي دَقِيقًا. اكْشِفِي نِقَابَكِ. شَمِّرِي الذَّيْلَ. اكْشِفِي السَّاقَ. اعْبُرِي الأَنْهَارَ."
يشير لسبيهن فالطحن على الرحى هو عمل النساء الفقيرات والعبيد، فهي شابهت شمشون إذ أذلته الخطية. والنقاب هو عادة السيدات المترفهات وعبور الأنهار إشارة لأخذهن سبايا.
آية (3):- "تَنْكَشِفُ عَوْرَتُكِ وَتُرَى مَعَارِيكِ. آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَدًا»."
المعنى تباد ثروتها وكنوزها. ويؤخذ منها كل شيء والكلام يشير لغضب الله العظيم لعذاب شعبه في بابل، وعلى خطاياها.
تنْكَشِفُ عَوْرَتُكِ = هذا ما حدث مع آدم وحواء فالخطية تسبب العرى والفضيحة، أما بالتوبة فالله يستر علينا. ولكن تعبير عورة المدن يشير لأنها إنكشفت مداخلها ونقاط الضعف فيها لجواسيس الأعداء (تك42 : 12).
آيات (4، 5):- "فَادِينَا رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. «اجْلِسِي صَامِتَةً وَادْخُلِي فِي الظَّلاَمِ يَا ابْنَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ سَيِّدَةَ الْمَمَالِكِ."
كلام النبي بالنيابة عن إسرائيل التي سمعت بأخبار الخلاص فقالت لله فادينا.. وقدوس لأنه صادق في وعوده. صَامِتَةً = الصمت يشير للخراب فلا بائع ولا مشتري.
آية (6):- "«غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي. دَنَّسْتُ مِيرَاثِي وَدَفَعْتُهُمْ إِلَى يَدِكِ. لَمْ تَصْنَعِي لَهُمْ رَحْمَةً. عَلَى الشَّيْخِ ثَقَّلْتِ نِيرَكِ جِدًّا."
لا يبرر بابل في ظلمها للشعب أنها تُجري أحكام الله، كما لا يبرر اليهود أنهم في صلبهم المسيح تحقق الخلاص للعالم. دنست ميراثي = بدخولهم الهيكل المقدس. لم تصنعي لهم رحمة = صور الآثار القديمة تشير لملك بيده رمح يقلع به عيني يهودي راكع أمامه، ويداه مربوطتان خلف ظهره وأخرى لبابلي يقود يهودي كدابة ممسوكًا من أنفه ومع هذا كان بعض اليهود في راحة في بابل. وهذه الآية تشير لقول بولس الرسول أن الله [أسلم الخليقة للباطل]: "أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ" (رو8: 20).
غَضِبتُ عَلَى شَعْبِي. دَنَّسْتُ مِيرَاثِي = الله يقول هنا أنا الذي دنستُ ميراثي لأني غضبتُ على شعبي، وها أنا أؤدبهم. فلا يوجد مخلوق قادر أن يتعدَّى على بيت الله بدون موافقة الله. وكان الله قد غادر الهيكل قبل أن يدخله البابليون (راجع حزقيال 8-11).
آية (7):- "وَقُلْتِ: إِلَى الأَبَدِ أَكُونُ سَيِّدَةً! حَتَّى لَمْ تَضَعِي هذِهِ فِي قَلْبِكِ. لَمْ تَذْكُرِي آخِرَتَهَا."
لَمْ تَذْكُرِي آخِرَتَهَا
= أي آخرة خطاياك واتكالك على قوتك وجيشك ومالك. وتعبير لم تذكري آخرتها موجه لكل من يسير في طريق الخطية الذي نهايته الهلاك.
آية (8):- "فَالآنَ اسْمَعِي هذَا أَيَّتُهَا الْمُتَنَعِّمَةُ الْجَالِسَةُ بِالطُّمَأْنِينَةِ، الْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي. لاَ أَقْعُدُ أَرْمَلَةً وَلاَ أَعْرِفُ الثَّكَلَ."
الطمأنينة = الطمأنينة التي تضايق الله هي الطمأنينة الوهمية بينما الإنسان غارق في خطاياه، أما الطمأنينة الحقيقية هي ثمره علاقة مع الله. أنا وليس غيري = سبب آخر لخرابها أنها قالت أنا وليس غيري فساوت نفسها بالله الذي وحده يقدر أن يقول هذا فهو دائم للأبد وغير متغير، موجود بذاته، كامل ولا نهائي. أَرْمَلَةً وَ.. الثَّكَلَ (الأرملة والثَّكْلَى) = أصعب من الفقر، الحزن.
آية (9):- "فَيَأْتِي عَلَيْكِ هذَانِ الاثْنَانِ بَغْتَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ: الثَّكَلُ وَالتَّرَمُّلُ. بِالتَّمَامِ قَدْ أَتَيَا عَلَيْكِ مَعَ كَثْرَةِ سُحُورِكِ، مَعَ وُفُورِ رُقَاكِ جِدًّا."
بداية المصائب يوم دخول كورش = فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. سُحُورِكِ = لكثرة السحر.
ورُقَاكِ = كان سحرتها يكتبون كلمات على أحجار يلبسها الناس لتحفظهم في الأخطار، وكانوا يحددون أن هناك أيام فأل وأيام نحس. وكان هذا السحر والأباطيل يطمئنانها. الاثنان = الثكل والترمل.
آيات (11،10):- "وَأَنْتِ اطْمَأْنَنْتِ فِي شَرِّكِ. قُلْتِ: لَيْسَ مَنْ يَرَانِي. حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ هُمَا أَفْتَنَاكِ، فَقُلْتِ فِي قَلْبِكِ: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي. فَيَأْتِي عَلَيْكِ شَرٌّ لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ، وَتَقَعُ عَلَيْكِ مُصِيبَةٌ لاَ تَقْدِرِينَ أَنْ تَصُدِّيهَا، وَتَأْتِي عَلَيْكِ بَغْتَةً تَهْلُكَةٌ لاَ تَعْرِفِينَ بِهَا."
أي الشر يأتي كليل لا فجر له فلا أمل في خلاص من هذا الشر.
بَغْتَةً = فكيف يَدَّعون معرفة المستقبل. وبالنسبة للشيطان وتابعيه من الاشرار الذين يتبعونه، سيكون مصيرهم الظلمة الخارجية =أي خارج أورشليم السمائية = لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ = هو ليل بلا نهاية. وهذه الآيات موجهة لكل من يتصور أن الله لا يراه، فيفعل ما يريده ولا يهتم بما يريده الله، مثل هذا يفاجأ بالمصائب تنهال عليه فالله قدوس لا يطيق الشر، ولا يشمخ عليه (غل6: 7) = أي لا يسمح ببركة لشخص يتحداه سائرًا في خطاياه غير مكترث بغضب الله.
آية (12):- "«قِفِي فِي رُقَاكِ وَفِي كَثْرَةِ سُحُورِكِ الَّتِي فِيهَا تَعِبْتِ مُنْذُ صِبَاكِ، رُبَّمَا يُمْكِنُكِ أَنْ تَنْفَعِي، رُبَّمَا تُرْعِبِينَ."
قِفِي فِي رُقَاكِ = حقاً بابل هم أمم وثنية، ولكن هم خليقة الله، والله يحزن حين يرى خليقته تتعامل مع الشيطان الذي يؤذيهم. هو يخدعهم بعمل بعض الأسحار = رُقَاكِ ثم يؤذيهم.
كلما إبتعد الناس عن الله لجأوا للقوى الخفية فهتلر لجأ للمنجمين واستعان بخرائط للحظ ليحدد متى يهاجم، وكبار تجار نيويورك لا يعقدون صفقات إلا بعد أخذ رأي المُنَجِّمين. وهكذا سمعنا أن كبار زعماء العالم يتشاورون مع عرافين للآن مثل ريجان Ronald Reagan رئيس أمريكا الأسبق وميتران François Mitterrand رئيس فرنسا السابق. وهذا الأسلوب يلغي دور العقل فضلًا عن أنه تحدٍ لله الذي يعرف المستقبل وحده. رُبَّمَا يُمْكِنُكِ أَنْ تَنْفَعِي = كما كان دقلديانوس وأمثاله يَعِدون الشهداء بأموال وبمناصب عالية ليبخروا للأوثان، ولكن النفع هنا بأشياء هي دنيوية زائلة. رُبَّمَا تُرْعِبِينَ = فقد يحالفك النجاح العسكري فتثيرين الرعب في قلوب أعداءك.
آية (13):- "قَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ مَشُورَاتِكِ. لِيَقِفْ قَاسِمُو السَّمَاءِ الرَّاصِدُونَ النُّجُومَ، الْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ الشُّهُورِ، وَيُخَلِّصُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ."
نراهم معتمدين على سحرتهم الذين يسألون النجوم ورؤوس الشهور. قد ضعفت = عقل الإنسان يضعف من عدم استعماله واتكاله على السحر والشعوذة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكانت هذه مَشُورَاتِكِ. هذا بالإضافة لأن اعتمادنا على غير الله يحرمنا من معونة الله فنصير ضعفاء. ومن يعتمد على الله يصير الله قوته.
آية (14):- "هَا إِنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كَالْقَشِّ. أَحْرَقَتْهُمُ النَّارُ. لاَ يُنَجُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ يَدِ اللَّهِيبِ. لَيْسَ هُوَ جَمْرًا لِلاسْتِدْفَاءِ وَلاَ نَارًا لِلْجُلُوسِ تُجَاهَهَا."
علماؤهم وكهنتهم يكونون كالقش الذي لا يرد النار،
فسيتلاشوا. والنار لن تكون محدودة كنار للاستدفاء بل ستكون حريق عظيم.
آية (15):- "هكَذَا صَارَ لَكِ الَّذِينَ تَعِبْتِ فِيهِمْ. تُجَّارُكِ مُنْذُ صِبَاكِ قَدْ شَرَدُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَيْسَ مَنْ يُخَلِّصُكِ."
لم يهتم بها أحد لينقذها بل أن حتى تجارها هربوا، فتجارها كانوا ينتمون لبلاد أخرى غير بابل فلما ضُرِبَت بابل هرب كل واحد إلى بلده غير مهتم بما حدث لبابل.
حقاً كان الله يوجه هذا الكلام لبابل، ولكنه بالأولى يوجهه لشعبه حتى لا يتعلموا طرقهم ويعملوا مثلهم. والله يُظهر لهم أن هذا السحر وهذه الأعمال الشيطانية ومحاولة معرفة المستقبل عن طريق هؤلاء السحرة قد باءت بالفشل. فهم لم يعرفوا المستقبل وهجم عليهم مادي وفارس وحطموا بابل في ليلة واحدة (دا 5). فأين كانت محاولات كشف المستقبل التي كانوا يدعونها. ولعل في هذا درس لشعب الله أن هذه الممارسات السحرية هي كاذبة وخادعة وغاشة وبلا فائدة.
ملحوظة: الشرور التي كانت في بابل ما زالت موجودة حتى اليوم، ومازالت بابل الروحية تقاوم ملكوت الله.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 48 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 46 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sf8q6pd