← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
في الإصحاحات من 13 حتى 23 (إش 13-23) نبوات ضد 10 دول هي بابل وأشور وموآب ودمشق ومصر وكوش وأدوم وبلاد العرب ويهوذا وصور بسبب فسادهم. ولاحظ وجود يهوذا وسط الأمم فلقد صارت بسبب خطاياها مشابهة للأمم. وظهور رقم 10 كان لأن الكل قد كسر كل الوصايا (الآية 5). وهذا إشارة لفساد كل الأرض، بل وفساد جسد الإنسان المأخوذ من تراب هذه الأرض. لقد خلق الله الإنسان في فرح حقيقي (جنة عَدْنْ تعني الفرح). ولكن بسبب هذا الفساد إختفى الفرح (الآيات 7-9). بل ودخل الموت واللعنة لكل العالم كما قال الله لآدم حين أخطأ "ملعونة الأرض بسببك". فلجأ الإنسان للملذات الحسية عوضاً عن الأفراح الروحية (آية 11). فهل يقف الله عاجزاً عن أن يخلص الإنسان الذي خلقه وقال عنه "لذاتي مع بني آدم" (أم31:8)؟! وفي (إش65: 17-21) نرى أن فرح الله في أن يرى حبيبه الإنسان فرحاً. فهل يعجز الله في أن يعيد الفرح لحبيبه الإنسان؟!
والله هنا يتكلم عن خلاص قادم. نجد هنا لمحات عنه، ثم نجد الفرح والترنيم بهذا الخلاص في إصحاحات (إش 26،25). بل نجد اشتياق الله ليوم الصليب في إصحاح27. ويقال صراحة أن هناك يوم محدد للخلاص بالصليب قال عنه "في ذلك اليوم" المحدد في علم الله منذ الأزل (إش 1:26 + 2،1:27). فماذا يعني هذا الخلاص:-
1. رمزياً هو خلاص شعب الله من أشور وكان هذا رمزاً للخلاص الحقيقي من العدو الحقيق لجنس البشر وهو إبليس وكان رمزه أشور. ونفهم أن خضوع شعب الله لأشور أو غيرها، وتخريب الأرض كان بسماح من الله لتأديب شعبه. وكان هذا رمزاً لما فعله الله لتأديب كل البشرية "إذ أُخْضِعَتِ ٱلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِي أَخْضَعَهَا - عَلَى ٱلرَّجَاءِ" (رو20:8). ولكن بعد أن ينتهي التأديب تعود الخليقة لسابق مجدها ويُلقَى إبليس في البحيرة المتقدة بالنار "لأَنَّ ٱلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ ٱلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ ٱللهِ" (رو21:8). ويشبه الوحي تجديد الأرض بل الخليقة كلها بطبق يسكب الله ما فيه إذ أن ما فيه قد فسد ليعيد ملأه من جديد. وشرح الوحي هذا أيضاً في "مثل الفخاري" (إر18).
2. الخلاص الحقيقي هو خلاص الإنسان بدم المسيح وتجديد خليقته بالمعمودية، إذ بالمعمودية يموت الإنسان العتيق (كو9:3)، ويقوم إنسان جديد (كو10:3) ثابتا في المسيح هنا على الأرض.
3. الخلاص النهائي سيتم في نهاية العالم في "يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا" (2بط10:3). حين تقلب الأرض تماما وتفرغ، وتنحل العناصر محترقة، لتقوم كخليقة جديدة ويقوم الإنسان بعد أن مات وصار تراباً بأجساد ممجدة ندخل بها إلى الأمجاد السماوية.
في الإصحاحات من 24 حتى 27 نبوات خاصة بيهوذا وإسرائيل بل والشعوب المحيطة، نبوات عمومية تخص الأرض كلها عند كمال الأزمنة: وتعبير كمال الأزمنة يعني كلا المعنيين:-
1. مجيء المسيح وفدائه، وهذا ما أشرنا له في النقطة رقم 2 عاليه.
2. نهاية العالم، وهذا ما أشرنا له في النقطة رقم 3 عاليه.
هذه النبوات عن الـ10 شعوب كانت لتظهر شمولية الفساد، وأن الخلاص القادم هو لكل إنسان يقبل ويؤمن. وفي ثنايا الحديث في الآيات التالية تظهر بشري الخلاص وما إدخره الله للمفديين من فرح وسرور أبدي وميراث أبدي لا يضمحل.
وسط النبوات بالخراب نسمع صوت الرجاء والخلاص فتتمازج هنا وعود الله للأبرار ووعيده للأشرار. فنسمع أن الأرض فسدت وتبدأ النبوات عن دينونة الأرض بإظهار أن الخطية ضربت جذورها في الأرض كلها وأمام الدينونة العامة، الجميع تحت الحكم سواء الكاهن أو النبي أو الشيخ أو الحكيم. فالجميع يستحق الموت فقد أخطأ الجميع. ثم نجد في النبوات تلميح ببشارة الخلاص.. فنجد أن الرب يخلي الأرض ويفرغها.. وكأن الرب يعيد من جديد صياغتها، ويعيد خلقتها خليقة جديدة كما صنع منذ البدء حين خلق العالم وقت أن كان كل شيء خراب (تك 1: 2). وهذا هو الخلاص الذي صنعه المسيح لذلك قال بولس الرسول "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 5: 17). فالأرض تشير للجسد الذي أخذ منها. وتفريغ الأرض ثم تجديدها إشارة لما يحدث في المعمودية من موت الإنسان العتيق ليقوم الإنسان الجديد. هي الولادة الجديدة.
والخراب المشار إليه قد يكون إشارة للخراب الذي عمله أشور، لكنه يشير صراحة للوضع المأساوي الذي وصل إليه البشر نتيجة الخطية، ويشير لحال الخاطئ الآن الذي مازال غير ثابت في المسيح وانعدام تعزياته الداخلية.
وهذه الآيات ستتكرر في نهاية الأيام حين تزول الأرض وتخرب وتنتهي صورة العالم القديم ثم القيامة من الأموات والخلاص النهائي في الأبدية. وجزئيًا فستخرب بابل إسرائيل ويهوذا لتأديبهما، ثم تسقط بابل أيضًا، والمصائب التي تصيب اليهود هدفها تطهيرهم أما مصائب الأمم غير التائبين فهي للهلاك.
آية (1):- "هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا."
الأرض = يهود وأمم، فالخلاص لكل بني آدم. ويقلب وجهها = تصير كصحن تقلبه فلا يصير فيه شيئًا. التصوير هنا كمن أمامه طبق به طعام شهي، وسقطت فيه حشرة قذرة، فما كان من الشخص الذي يأكل إلا أنه يقلب الصحن بما فيه ويضع أكلاً نظيفاً. والأرض خربت بسبب الخطية (هذه هي الحشرة التي سقطت في الطبق)، "ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ" (رو12:3) كما سنرى في الآية القادمة. شرح البابا أثناسيوس هذه الفكرة فقال "كأن رسَّامًا رسم لوحة جميلة فأتى من شوهها بألوان غريبة، فسألوا الرسام أن يصلحها، فقال الأسهل أن أرسمها من جديد" فأنا من رسمت الأولى، فمسح الرسم الأول وأعاد رسم اللوحة من جديد.
آية (2):- "وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا الأَمَةُ هكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا الشَّارِي هكَذَا الْبَائِعُ. كَمَا الْمُقْرِضُ هكَذَا الْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا الدَّائِنُ هكَذَا الْمَدْيُونُ."
الكل سواء في الخراب الواحد الذي يعم جميع الناس بدون استثناء ومراتب الناس لن تحميهم من الخراب أو من غضب الله. "الجميع زاغوا وفسدوا ..." (رو3).
آيات (3، 4):- "تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغًا وَتُنْهَبُ نَهْبًا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهذَا الْقَوْلِ. نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ."
سبب
الخراب والحزن هو الخطية والكبرياء. مُرْتَفِعُو = متكبرون.
آية (5):- "وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ."
سبب الخراب هو الخطايا = تعدوا الشرائع " ملعونة الأرض بسببك" ولهذا تأثرت الأرض بخطايا الإنسان إذ صارت ملعونة. العهد الأبدي = هو ناموس الله المطبوع في الإنسان أي الضمير ثم وصايا الناموس لشعب الله.
آية (6):- "لِذلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ."
من مراحم الرب أن هناك بقية.
ولكن الأرض فقدت بركتها وما عادت تعطي قوتها.
آيات (7-9):- "نَاحَ الْمِسْطَارُ، ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ، أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ. بَطَلَ فَرَحُ الدُّفُوفِ، انْقَطَعَ ضَجِيجُ الْمُبْتَهِجِينَ، بَطَلَ فَرَحُ الْعُودِ. لاَ يَشْرَبُونَ خَمْرًا بِالْغِنَاءِ. يَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرًّا لِشَارِبِيهِ."
إنصبت الدينونة على من يفرحون بهذا العالم فرحًا زائفًا ويصير الخطاة بلا تعزية وبلا سلام داخلي.
الله خلق الإنسان ليفرح والخطية أفسدت الفرح، جنة عَدْنْ تعني جنة الفرح، وبالخطية طُرِد الإنسان من الجنة أي ضاع منه الفرح.
آية (10):- "دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ."
قَرْيَةُ الْخَرَابِ
= ربما تكون 1) أورشليم، وربما 2) أي مدينة تخرب بسبب الخطايا. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ = بسبب الحزن والخراب. أو أن قرية الخراب هي 3) إشارة إلى الخليقة الأولى التي فسدت ودمرت بسبب الخطية وخرب العالم. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ = من يدخل بيته فهو ينشد الراحة لكن مع هذا الخراب فلا توجد راحة. . أو تُفْهَم العبارة بالرجوع للآيات 13،6) إذ نرى أن هناك هلاك للشعب في قَرْيَةُ الْخَرَابِ لكن نجد هناك بقية. والشعب الذي هلك قد يكون هذا بسيف الأعداء، أو بوباء إجتاح المدينة. فأغلقت البيوت فالساكنين فيها هلكوا، أو أنه قد أُغلقت البيوت التي خرج منها الوباء القاتل.
آية (11):- "صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. انْتَفَى سُرُورُ الأَرْضِ."
إذ طُرِد الإنسان من الجنة ضاع منه الفرح الإلهي، فالجنة هي جنة الفرح. لذلك نرى هؤلاء البائسين يتصارعون على الخمر لعلهم يتعزون ولا فائدة. فمصدر الفرح الحقيقي الذي لا يُنزع منا هو الله (يو22:16). هذا معناه أنه حينما فقد الإنسان الفرح الحقيقي صار يسعى ويتصارع على الملذات الحسية.
آية (12):- "اَلْبَاقِي فِي الْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ الْبَابُ رَدْمًا."
سلامة المدينة في سلامة بابها، وهنا نجد الباب مضروباً، وإذا ضُرِب الباب فالمدينة كلها ستخرب. والباب يشير روحيًّا للحواس بمعنى أن الإنسان لو أهمل تقديس حواسه، وتركها للعالم يقال أنها ضُرِبت. وهذا يشير لتسلل الخطايا للإنسان. ويتبع ذلك خراب روحي له، ومعه يزداد الحزن والألم. هذا تعبير عن فساد كامل للإنسان الذي صارت حواسه (أبوابه) مفتوحة لكل خطية، وقال القديس بولس الرسول عن هذا الإنسان المفتوحة حواسه على الخطية "الإنسان العتيق" (كو9:3).
آية (13):- "إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ، كَالْخُصَاصَةِ إِذِ انْتَهَى الْقِطَافُ."
مرة ثانية في نفس الإصحاح نرى أن هناك بقية ستخلص. ولكن دائما هناك بقية تعرف الله وتنتظر خلاصه كما قال الله لإيليا "وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلَافٍ، كُلَّ ٱلرُّكَبِ ٱلَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ" (1مل18:19).
آيات (14، 15):- "هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. لِذلِكَ فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ."
هنا نجد لمحة عن خلاص قادم ونور قادم وترتيل وترنيم لبزوغ النور الإلهي شعرت به هذه البقية المذكورة في (الآية13). هذه البقية هي كل من شعر في هذا العالم بهذا الخلاص من الشرق ومن الغرب، العالم المرموز له هنا بالبحر = يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. وهذه اللمحة شعر بها أنبياء شعب الله وأن هناك مخلص قادم، فصرخ إشعياء [شُق السموات وانزل]: "لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ!" (إش1:64). شعب الله في المشارق شعروا ومجدوا الرب. بل شعرت بقية في جزائر البحر (إشارة لكل من في الغرب)، وهؤلاء قد شعروا بلمحة الخلاص الآتي. فمثلاً كان في اليونان شاعر إسمه أبيمينيدس Ἐπιμενίδης صاحب فكرة الإله المجهول الذي قال عنه أننا "به نحيا ونتحرك ونوجد" وإقتبسها منه بولس الرسول (أع17: 23-28). هذا الشاعر عمل تمثالا قال عنه الإله المجهول وكتب تحته شعراً قال فيه "عجباً أيها الإله كيف أقاموا لك قبراً وأنت إله حي لا يموت – "وبك نحيا ونتحرك ونوجد". الآيات هنا تعبر أن الله وضع في قلوب الشرق وشعبه في الشرق عن طريق أنبيائه، وألم يتنبأ بلعام عن المسيح، وبلعام كان من الأمم. وفي الغرب عن طريق حكمائه وشعرائه أن هناك خلاصا قادماً فإنتظروه بشوق. وقارن مع ترنيمة المفديين الذين حصلوا على هذا الخلاص بالفعل (رؤ 15) وترنيمة موسى بعد الخروج. البقية التي آمنت بالمسيح وفرحت بالخلاص فرنمت وهذه هي ترنيمة الذين خَلَّصهم المسيح من هذا الخراب الذي حل بالأرض. وهؤلاء المخلصين سيكونون في كل العالم من الْمَشَارِقِ إلى غرب الأرض = جَزَائِرِ الْبَحْرِ الكل يمجد. هذه أفراح البقية الأمينة المؤمنة، وبينما تتوقف الأفراح العالمية لا تتوقف الأفراح الروحية للقديسين (حتى في أوقات إستشهادهم أو موتهم).
فحينما فقد الإنسان الفرح أتى المسيح ليعيده وقال "أَرَاكُمْ.. فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ" (يو16 : 22). ولكن هذا الخلاص هو للبقية التي تؤمن فتفرح وترنم (أطفال أورشليم الذين سبحوا المسيح عند دخوله لأورشليم)، ولكن هناك من سيتركوا أبوابهم مفتوحة للشيطان فيهلكوا (قيافا والفريسيين) الآية القادمة.
آية (16):- "مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْدًا لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي، يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْبًا»."
عند ظهور مجد الرب هناك من يرنم كما سبق، والإيمان سيمتد لكل العالم وليس فقط لليهود = مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْدًا لِلْبَارِّ. ولكن هناك أيضاً من رفض الإيمان ومن عاش في خطيته هؤلاء الذين يهلكون يصرخون يَا تَلَفِي = هذه شكوى النبي حينما رأى أبناء شعبه يرفضون خلاص المسيح وهذا ما ردده بولس الرسول. "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لَا أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لَا أَلْتَهِبُ" (2كو29:11). هنا النبي في شفقته عليهم يتكلم بلسانهم.
النَّاهِبُونَ نَهَبُوا = من كان إبنا لإبليس في حياته رافضاً التوبة سينهبه إبليس في النهاية. هنا نرى صورة للدينونة العامة في نهاية الأيام ، فهناك من يسبح إلهنا البار حينما يظهر في مجده ، وهناك من يكون نهبا للشيطان . والنبي هنا يصرخ حزناً عليهم .
آية (17):- "عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ."
هنا ينتقل إلى دينونة اليوم الأخير لمن رفضوا المسيح الذي "َلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أع12:4).
العدو يحارب شعب الله بالرعب والخداع والفخاخ. ومن ينجذب لهذه الفخاخ هو من ينهبه عدو الخير في النهاية. والآيات القادمة وصف لرعب يوم الدينونة.
وهناك فخ سينصبه الشيطان للبشر ليرفضوا خلاص المسيح، سواء فخاخ فكرية أو علمية أو تشكيكية أو أي نوع آخر. ولكن من يرفض فسيسقط في حفرة ولا يجد سوى رعب الدينونة. فكل هذا الدمار والحزن كان سببه الخطية. والوسيلة الوحيدة لغفران الخطية هو المسيح. فمن يتعثر في المسيح ويرفضه لن يجد سوى رعب الحفرة. التي سيسقط فيها.
آية (18):- "وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ."
المصائب مشبهة بميازيب إشارة لما حدث أيام الطوفان (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى)، وربما تتزلزل الأرض فعلًا في آخر الأيام، بل هي ستدمر وتحترق وتترنح كالسكران، أي هي غير ثابتة.
آيات (19، 20):- "اِنْسَحَقَتِ الأَرْضُ انْسِحَاقًا. تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ تَشَقُّقًا. تَزَعْزَعَتِ الأَرْضُ تَزَعْزُعًا. تَرَنَّحَتِ الأَرْضُ تَرَنُّحًا كَالسَّكْرَانِ، وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا، فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ."
انسحقت.... تشققت.... تزعزعت = النبي لم يجد كلمة واحدة للتعبير عما حدث. كل ما اعتبره الإنسان ثابتًا سيهتز. هنا نرى صورة لثقل الخطية التي حملها المسيح عنا فهي مثل كتلة ثقيلة ارتطمت بالأرض فسحقتها وشققتها وزعزعتها. كالعرزال كوخ يبنيه المراقب في أطراف الشجرة ليراقب الحيوانات في الغابة فيثقل على الفرع فينثني ولا تعود تقوم = إشارة لسقوط الممالك ونهاية بسقوط الأرض والسماء وزوالها لتقوم الأرض الجديدة والسماء الجديدة (رؤ 21: 1). نرى هنا كم هي بشعة وثقيلة هذه الخطية، فخطايا البشر الذين يعيشون عليها كانت ثقيلة لدرجة أن هذه الخطايا جعلت الأرض ثقيلة وتدلدلت كالعرزال. لكي نُدرك بشاعة الخطية وثقلها لنرى أنها كلفت الله دم إبنه.
لا ندرى ماذا سيحدث يوم الدينونة من رعب حقيقي يقع على الأرض؟! هل هي زلازل رهيبة أم ماذا لا أحد يدري. فإذا كان هناك الآن من الأهوال ما يُرعب فماذا عن ما سيحدث في اليوم الأخير؟! ليرحمنا الله.
آية (21):- "وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ."
يوم الدينونة سيدين فيه الله الشيطان جُنْدَ الْعَلاَءِ (الأشرار) وخطاة الأرض.
جُنْدَ الْعَلاَءِ
= هم أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ (أف 6: 12) (الشياطين) الذين سيحكم الله عليهم = يطالب.ملوك الأرض
= هم من إستغنوا من شهوات الأرض وملذاتها.
آية (22):- "وَيُجْمَعُونَ جَمْعًا كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ، وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ."
المعنى أن الله سيُحِّط من شأن الشيطان ويقيده بسلسلة حتى يأتي الزمان الأخير حين يلقيه في البحيرة المتقدة بنار (رؤ 20: 10). وسيذهب
معه كل من تبعه، أما حَطْ الشيطان وتقييده بسلسلة فهذا تم بالصليب. أَسَارَى فِي سِجْنٍ= أي موجودين في الجحيم مكان انتظار الأشرار حتى يأتي اليوم الأخير الذي فيه يَتَعَهَّدُونَ أي يعاقبون بدخولهم لجهنم.
آية (23):- "وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ."
هنا ينتقل من دينونة اليوم الأخير إلى يوم الصليب الذي به بدأت دينونة إبليس. وهذا ما حدث يوم الصليب وسيحدث في اليوم الأخير، فلقد خجل القمر والشمس أمام ما فعله الإنسان بمخلصه وفاديه وصلبوه ذبيحة على الصليب.
وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ
يوم الصليب |
حدثت ظلمة على كل الأرض (مت45:27). |
اليوم الأخير |
حين يظهر المسيح في مجده، وهو شمس البر، لن يظهر نور الشمس بجانب نور المسيح = تخزى. |
قُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ = الصليب هو مجد، فالمسيح قد تمجد بالصليب "لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ" (يو39:7). وقال الرب يسوع عندما أراد اليونانيين أن يروه "قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلْأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا" (يو24،23:12). لاحظ أن الرب يسوع يربط بين مجده مع موته ودفنه كحبة الحنطة. ولما خرج يهوذا ليلة العشاء الرباني "قَالَ يَسُوعُ: «ٱلْآنَ تَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ ٱللهُ فِيهِ" (يو31:13). وكان هذا إشارة للصليب. إبن الله بلاهوته ممجد منذ الأزل وإلى الأبد. ولن ينقص ولن يزيد من مجده شيئاً، لكن حينما نقول أن المسيح سيتمجد بالصليب فهذا يعني أن الكل سيرى محبته ويؤمنوا فيتمجد الله بالمؤمنين الذين آمنوا. بل أن الرب يسوع قال عن موت بطرس بالصليب أنه بهذا سيمجد الله "قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُمَجِّدَ ٱللهَ بِهَا" (يو19:21). وما يبدأ بالصليب ينتهي بالمجد، ما يبدأ بالصليب ينتهي بالجلوس عن يمين الآب. فحينما نقول المسيح تمجد بالصليب فبالضرورة أنه سيجلس عن يمين الآب.
والعجيب أن المسيح في محبته قدَّمَ لنا جسده المذبوح على الصليب ذبيحة إفخارستية، ذبيحة حية. نأكل جسده ونشرب دمه لغفران خطايانا ولنحيا حياة أبدية. نحن نؤمن أن الإفخارستيا هي إمتداد لذبيحة الصليب. المسيح قدم نفسه على الصليب "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ6:5) هو كان
على الصليب ميت لإنفصال روحه الإنسانية عن جسده ولكن هو حي لإتحاد لاهوته بناسوته، وهذا ما أشار له خروج دم وماء عندما طعنه الجندي بالحربة. وهو الآن على هيئة "خروف قائم كأنه مذبوح" وحينما يصلي الكاهن على الخبز والخمر يحولهم الروح القدس إلى جسد المسيح ودمه (الخروف القائم كأنه مذبوح).قُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ = كل من كانوا حول الصليب كانوا يرون المسيح ممجداً. فالمسيح تمجد بالصليب. والمسيح قدم لنا ذبيحة الصليب على مذبح الإفخارستيا. المسيح الذي على الصليب هو هو نفسه الجسد والدم اللذان على المذبح. الشيوخ (شُيُوخِهِ) = إشارة لكهنة الرب الذين يتقدمون لخدمة أسراره. فـ:قدام الكهنة على المذبح الآن في سر الإفخارستيا ذبيحة مجد = قُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ هي ذبيحة المسيح وهي نفسها ذبيحة المسيح على الصليب. وتتضح هذه الصورة تماما في قوله "وَيَصْنَعُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ لِجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيٍّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيٍّ مُصَفًّى" (إش6:25).
في هذا الإصحاح رأينا لمحة عن الخلاص ولكنها كانت مختلطة بآلام الدينونة، ولكن في الإصحاحات القادمة ستتضح صورة الخلاص وأفراحه.
← تفاسير أصحاحات إشعياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إشعياء 25 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 23 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bfd2ca3