إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو5: 17).
لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة (غل6: 15).
ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد وعمله وعاء آخر
كما حسن في عيني الفخاري أن يصنع. (إر18: 4)
أولًا:- ماذا كان حال الإنسان قبل السقوط.
ثانيا:- ماذا صار إليه حال الإنسان بعد السقوط.
رابعا:- محبة الله العجيبة لشعبه.
خامسا:- كيفية إصلاح الفساد الناتج عن الخطية.
سادسا:- الشيطان والأمم وتأديب الله لشعبه.
سابعا:- موقف الخطاة من التأديب الإلهي.
ثامنا:- ماذا يطلب الله من شعبه.
تاسعا:- الآلام التي واجهها إرمياء النبي.
حادى عشر:- إرمياء النبي كإنسان.
ثانى عشر:- المسيح والكنيسة في سفر إرمياء النبي.
نفهم أن أسماء إسرائيل وأورشليم وصهيون كلها رمز للكنيسة أو النفس البشرية. فحينما نصلي إلى الله: لِتُبْنَى أسوار أورشليم: "ابْنِ أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ" (مز51: 18) فنحن نطلب الحماية للكنيسة. وحينما نصلي "سبحي إلهك يا صهيون لأنه قد شدد عوارض أبوابك، بارك أبناءك داخلك" (مز147: 13)، فنحن نسبح الله الذي حصَّن حواسنا وقدسها.
فماذا قال إرمياء النبي عنها؟
في سفر المراثي يقول "كَيْفَ اكْدَرَّ الذَّهَبُ؟!" (مرا4: 1). والذهب رمز للسماويات فهكذا كانت.
"غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُورَقَ، زَرْعَ حَقّ كُلَّهَا" (إر 2: 21) الكرم مصدر الخمر، والخمر رمز الفرح، وكرمة سورق هي أفضل أنواع الكروم. وهذا يعني فرح الله بها وأنه خلقها في أجمل صورة.
"إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إر 2: 3) هي مخصصة للرب وهو يحميها ويحرسها.
"زَيْتُونَةً خَضْرَاءَ ذَاتَ ثَمَرٍ جَمِيلِ الصُّورَةِ دَعَا الرَّبُّ اسْمَكِ" (إر 11: 16) ومن الزيتونة يؤخذ الزيت وهذا يشير أنها حية ومثمرة بالروح القدس فالزيت يرمز للروح القدس.
في عتاب الله لها بعد السقوط يقول: هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا.. أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي" (إر 2: 32) وهذا يعني أن مجد الله كان ينعكس عليها قبل السقوط (كما حدث مع موسى حينما رأَى جزء يسير من مجد الله) . وبعد سقوط الإنسان (آدم) كانت بركات الله تغمر شعبه ويراها الآخرين.
في إصحاح 52 يتكلم إرمياء النبي بحزن عن تكسير البابليين لأعمدة الهيكل، وهي كانت ثابتة وللزينة أو ليستند عليها البناء. وهذا يرمز لأهمية أولاد الله عنده (رؤ3: 12).
"وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا. اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ.. وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟ هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً. «أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ الْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟ زَمْجَرَتْ عَلَيْهِ الأَشْبَالُ. أَطْلَقَتْ صَوْتَهَا وَجَعَلَتْ أَرْضَهُ خَرِبَةً. أُحْرِقَتْ مُدُنُهُ فَلاَ سَاكِنَ. وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ" (إر 2: 7 - 16).
خلق الله الإنسان في الجنة = "أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ". وبالخطية تنجست الأرض ولعنت = "نَجَّسْتُمْ أَرْضِي". وتركوا الله وذهبوا وراء آلهة وثنية. فصاروا غنيمة وهجم عليها الأشبال أي عدو الخير.
وكيف بدأ الانحراف؟
"وَالآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ لِشُرْبِ مِيَاهِ شِيحُورَ؟ وَمَا لَكِ وَطَرِيقَ أَشُّورَ لِشُرْبِ مِيَاهِ النَّهْرِ؟" (إر 2: 18) شيحور هو نهر النيل والكلمة تشير لسواد اللون بسبب الطمي، والنهر يشير لنهر الفرات. والمعنى أنها بدأت تتذوق شهوات العالم، لذلك يقول لها: "يَا أَتَانَ الْفَرَإِ، قَدْ تَعَوَّدَتِ الْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ" (إر 2: 24). ولكن هذه الشهوات كلها تحمل في داخلها مرارة، لذلك قال عن مياه النيل شيحور لأن المياه تحمل في داخلها الطمي (الطين). والنهاية اعلمي وانظري ان تركك الرب الهك شر ومر فالخطية تحمل في داخلها سم قاتل ومرارة.
والخطوة التالية
"حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ" (إر 2: 27) وهذا معنى كلمة الخطية... أن أفعل ما أريده أنا وليس ما يريده الله والنتيجة ضياع البركة والمجد "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23).
ويستمر الإنحدار
فيعبدوا الأوثان تاركين الله، فعبادة الأوثان تشمل الزنا الجسدي. ولأن عبادة الأوثان خيانة لله يسميها الكتاب زنا (هو زنا روحي) زنت مع الحجر والشجر (إر 3: 9) والحجر والشجر يعملون منهما تماثيل الأصنام. ويستمر الإنحدار بعدد مدنك يا يهوذا صارت آلهتك (إر 2: 28) = كثرت الآلهة التي يعبدونها.
ويستمر الإنحدار فنجد الكل قد فسد بل ويصل الفساد للكهنة.
فالإنحدار إذا بدأ لا يتوقف كمن يتدحرج على منحدر. فلقد صار الفساد جماعي، "لأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالْكَهَنَةَ تَنَجَّسُوا جَمِيعًا، بَلْ فِي بَيْتِي وَجَدْتُ شَرَّهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إر 23: 11). "طُوفُوا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ وَانْظُرُوا، وَاعْرِفُوا وَفَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا، هَلْ تَجِدُونَ إِنْسَانًا أَوْ يُوجَدُ عَامِلٌ بِالْعَدْلِ طَالِبُ الْحَقِّ، فَأَصْفَحَ عَنْهَا؟" (إر 5: 1).
وصار لا أمل في إصلاح بل هناك إستحالة كاملة.
"هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ (قطعًا لا يستطيع الكوشي تغيير لون جلده الأسود والإنسان كان لا يستطيع أن يتبرر بدون المسيح) فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ!" (إر 13: 23) والمعنى أنه... إن كان الكوشي يقدر أن يغير لون جلده فأنتم تقدرون أن تصنعوا الخير. ولذلك قال الرب "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5) + "خَطِيَّةُ يَهُوذَا مَكْتُوبَةٌ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، بِرَأْسٍ مِنَ الْمَاسِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى لَوْحِ قَلْبِهِمْ وَعَلَى قُرُونِ مَذَابِحِكُمْ" (إر 17: 1). "فَإِنَّكِ وَإِنِ اغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ، وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ الأُشْنَانَ، فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (إر 2: 22).
ولأن الفساد كان جماعي كانت الضربة جماعية فإحترقت أورشليم وخربت. وهذا تفسير قول الله "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ" (خر20 5).
موت: "لِذلِكَ هَا هِيَ أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُسَمَّى بَعْدُ تُوفَةُ (فرن محرقة) وَلاَ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ. وَيَدْفِنُونَ فِي تُوفَةَ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَوْضِعٌ" (إر 7: 32).
قحط ولا ماء: "كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ الْقَحْطِ: نَاحَتْ يَهُوذَا وَأَبْوَابُهَا ذَبُلَتْ. حَزِنَتْ إِلَى الأَرْضِ وَصَعِدَ عَوِيلُ أُورُشَلِيمَ. وَأَشْرَافُهُمْ أَرْسَلُوا أَصَاغِرَهُمْ لِلْمَاءِ....
لا فرح: لا يُسْمَع صوت عريس وعروس (إر 7: 34 + 16: 9).
لا بركة ولا طعام: "فَامْتَنَعَ الْغَيْثُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ مُتَأَخِّرٌ. وَجَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ. أَبَيْتِ أَنْ تَخْجَلِي" (إر 3: 3) + "وَأُبِيدُ مِنْهُمْ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ، صَوْتَ الأَرْحِيَةِ" (إر 25: 10).
خراب: "نَظَرْتُ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا هِيَ خَرِبَةٌ وَخَالِيَةٌ، وَإِلَى السَّمَاوَاتِ فَلاَ نُورَ لَهَا. نَظَرْتُ إِلَى الْجِبَالِ وَإِذَا هِيَ تَرْتَجِفُ، وَكُلُّ الآكَامِ تَقَلْقَلَتْ. نَظَرْتُ وَإِذَا لاَ إِنْسَانَ، وَكُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ هَرَبَتْ. نَظَرْتُ وَإِذَا الْبُسْتَانُ بَرِّيَّةٌ، وَكُلُّ مُدُنِهَا نُقِضَتْ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، مِنْ وَجْهِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: خَرَابًا تَكُونُ كُلُّ الأَرْضِ، وَلكِنَّنِي لاَ أُفْنِيهَا" (إر 4: 23 - 27).
فساد القلب: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" (إر 17: 9).
ضياع الحكمة بل والعاطفة الإنسانية: "وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ" (إر 7: 31).
تتحول الحياة إلى مرارة فيفضلون الموت على الحياة: "وَيُخْتَارُ الْمَوْتُ عَلَى الْحَيَاةِ عِنْدَ كُلِّ الْبَقِيَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ هذِهِ الْعَشِيرَةِ الشِّرِّيرَةِ الْبَاقِيَةِ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ... لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا قَدْ أَصْمَتَنَا وَأَسْقَانَا مَاءَ الْعَلْقَمِ، لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَى الرَّبِّ" (إر 8: 3، 14).
ينفض من حولها محبيها كما حدث مع الابن الضال: "وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الْخَرِبَةُ، مَاذَا تَعْمَلِينَ؟ إِذَا لَبِسْتِ قِرْمِزًا، إِذَا تَزَيَّنْتِ بِزِينَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، إِذَا كَحَّلْتِ بِالأُثْمُدِ عَيْنَيْكِ، فَبَاطِلًا تُحَسِّنِينَ ذَاتَكِ، فَقَدْ رَذَلَكِ الْعَاشِقُونَ. يَطْلُبُونَ نَفْسَكِ" (إر 4: 30).
[طريقك وأعمالك صنعت بك هذا] (إر 4: 18)
ولمحبة الله للإنسان ما كان ممكنا أن يتركه لهذا المصير المؤلم
بل هو متعجل لحل مشكلة الإنسان أي الخليقة الجديدة رؤيا شجرة اللوز (ص 1)
والخليقة الجديدة ستكون بهدم القديمة وبناء خليقة جديدة (ص 1)
والخطية درجات
"فَقَالَ الرَّبُّ لِي: قَدْ بَرَّرَتْ نَفْسَهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ أَكْثَرَ مِنَ الْخَائِنَةِ يَهُوذَا" (إر 3: 11) وهذه كما قال الرب... "الحق أقول لكم ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة اكثر احتماًلا مما لتلك المدينة" (مت10: 15).
والعقوبات درجات
ولنأخذ ثلاث أمثلة لآخر ثلاث ملوك ليهوذا-
يهوياكين- "أَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ شَلُّومَ (اسم آخر ليهوياكين) بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، الْمَالِكِ عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ: الَّذِي خَرَجَ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَعْدُ. بَلْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبُوهُ إِلَيْهِ، يَمُوتُ. وَهذِهِ الأَرْضُ لاَ يَرَاهَا بَعْدُ" (إر 22: 12، 13). بل بعد سنين في السبي رفعه ملك بابل ليأكل معه. فالله أعطاه الفرصة ليتوب بل كان هذا رمزًا لقصة الخلاص كما سنرى فيما بعد.
يهوياقيم- أسوأ الكل فهو حين قرأوا أمامه نبوات إرميا بالخراب الآتي إن لم يتوبوا مزق النبوات وألقاها في النار، وطلب القبض على إرمياء ليقتله هو وباروخ ولكن الله خبأهما لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). "لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا أَخِي! أَوْ آهِ يَا أُخْتِي! لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا سَيِّدُ! أَوْ آهِ يَا جَلاَلَهُ! يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ" (إر 22: 18، 19).
صدقيا- كان أفضل من يهوياقيم، فكان يطلب مشورة وإرشاد إرمياء النبي ويطلب أن يسمع منه أقوال الله، لكنه لا يعمل بها خوفا من الناس (إر 38: 17 - 24). وكان يطلب منه أن يصلي لأجله (إر 21: 2 + 37: 3) بل كان ينقذه في بعض الأحيان من يد رؤساء يهوذا. ورأى الله أنه فتيلة مدخنة فلم يطفئها بل... "فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا فِي رَبْلَةَ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ كُلَّ أَشْرَافِ يَهُوذَا. وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا، وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَأْتِيَ بِهِ إِلَى بَابِلَ" (إر 39: 6، 7). فهو في بابل محبوسا فاقدا لنظره سيتأمل نتيجة عناده، وبهذا يعطيه الله فرصة للتوبة. وكانت أكبر خطية لصدقيا أنه أهان اسم الله أمام ملك بابل، فهو قد حلف له أن لا يخونه، ونقض بعهده معه وتمرد عليه.
بالرغم من كل أعمال اليهود التي أغاظت الله لنرى ماذا يقول عنهم-
"عتاب برقة ماذا وجد فيَّ أباؤكم من جور حتى إبتعدوا عني" (إر 2: 5). "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لانفسهم آبارًا، آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (إر 2: 13). ولنسمع هذا القول العجيب بالرغم من كل أعمالهم محبة أبدية أحببتك (إر 31: 3). "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه" (عب12: 6).
الله هو الذي أنقذهم من عبودية مصر ومع هذا يقول لهم: "اذهب وناد في اذني أورشليم قائلا. هكذا قال الرب. قد ذكرت لك غيرة صباك، محبة خطبتك، ذهابك ورائي في البرية في ارض غير مزروعة" (إر 2: 2).
ومع كل غضبه عليهم نجد الله يقول... "قد تركت بيتي رفضت ميراثي دفعت حبيبة نفسي ليد أعدائها" (إر 12: 7). ويقول أيضًا.. "لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الانسان هكذا الصقت بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا يقول الرب ليكونوا لي شعبا واسما وفخرا ومجدا ولكنهم لم يسمعوا" (إر 13: 11).
حين قرر الله التأديب وطلب من إرمياء أن لا يصلي لأجلهم... لاحظ كيف يتكلم عن شعبه: "وانت فلا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة لأني لا اسمع في وقت صراخهم إلى من قبل بليتهم. ما لحبيبتي في بيتي. قد عملت فظائع"، فما زال الله يسميها حبيبته (إر 11: 14، 15). ولا يعني قول الله لا تصلي أن الله لا يقبل الشفاعة بل أن القرار صار نهائي وليس مجرد إنذار. بل الله اللطيف رقيق المشاعر نجده يلاطف إرمياء ويقول له: "ثم قال الرب لي وان وقف موسى وصموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب. اطرحهم من أمامي فيخرجوا" (إر 15: 1) وهذه كما قيل في سفر الرؤيا "امتلأ الهيكل دخانا من مجد الله ومن قدرته، ولم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبع الملائكة" (رؤ15: 8). وهذا ما حدث مع باروخ الذي تصور أنه حين أرسله إرمياء لقصر الملك ومعه نبوات إرمياء أنهم سيكرمونه، فلما طلب يهوياقيم قتله أُحْبِط وحزن. ونجد الله يرسل له رسالة تعزية مع إرمياء ليلاطفه (إر 45).
يتكرر في السفر تعبير الإنذار المبكر، لذلك هناك من يسمونه سفر الإنذار المبكر. فالله في رحمته ينذر مرات قبل أن يضرب داعيا شعبه للتوبة. ولو قدموا توبة ما أتت الضربات.
يقول بولس الرسول "الذي يحبه الرب يؤدبه" (عب12: 6). ونسمع هنا ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب. فيرجع الابناء إلى تخمهم (نبوة بعودة الميراث السماوي لأبناء الله بعد التأديب). "سمعًا سمعت افرايم ينتحب. أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض. توبني فأتوب لانك أنت الرب الهي. لأني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي (هذه علامة الندم والخزي). خزيت وخجلت لأني قد حملت عار صباي. هل افرايم ابن عزيز لدي، أو ولد مسر. لأني كلما تكلمت به اذكره بعد ذكرًا. من أجل ذلك حنت احشائي إليه. رحمة ارحمه يقول الرب" (إر 31: 18 - 20).
والله أنذرهم أنه سيرسلهم للسبي في بابل وتخرب أورشليم والهيكل إن لم يتوبوا: "لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الشرير فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بهم من أجل شر اعمالهم. وتقول لهم هكذا قال الرب. ان لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها امامكم، لتسمعوا لكلام عبيدي الانبياء الذين ارسلتهم انا اليكم مبكرا ومرسلا اياهم فلم تسمعوا. اجعل هذا البيت كشيلوه، وهذه المدينة اجعلها لعنة لكل شعوب الأرض" (إر 26: 3 - 6).
كانت الزوجة لو طلقها زوجها وصارت لآخر لا
يمكن أن تعود لزوجها الأول، فهذا بحسب الشريعة يعتبر زنى. ولكن الله يقول
لشعبه على عدد مدنك صارت الهتك يا يهوذا وهذا ما يسمى
زنا روحي (إر 2:
28). لقد صار لهم آلهة كثيرة وتركوا الله. فبحسب الشريعة لا
يمكنهم العودة لله. ولكن الله لمحبته لهم يقول: "لكن ارجعي إليَّ يقول الرب...
نجست الأرض بزناك وبشرك. فامتنع الغيث
ولم يكن مطر متأخر.. ابيت ان تخجلي. الست من
الان تدعينني يا ابي اليف صباي انت. هل يحقد إلى
الدهر أو يحفظ غضبه إلى الابد" (إر 3: 1 - 5).
وحين صار القرار نهائي،
كان الله يرشدهم لأحسن الحلول، وأن يستسلموا للبابليين بلا مقاومة حتى لا
يقتلهم البابليون ويحرقوا المدينة.
يقول الرب: "ان حاربتم
الكلدانيين لا تنجحون" (إر 32:
5). والله يرشدهم للخضوع لملك بابل:
"فلا تسمعوا
انتم لانبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلموكم قائلين
لا تخدموا ملك بابل،
لانهم انما يتنبأون لكم
بالكذب... والأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه اجعلها تستقر في ارضها يقول الرب وتعملها وتسكن بها" (إر 27:
9 - 11). والخضوع لملك بابل
كان رمزا لخضوعنا للتأديب الإلهي، ومن يخضع للتأديب يكون ابنًا لله
ويستعيد الميراث السماوي = أجعلها تستقر في أرضها.
وبالرغم من غضب الله
عليهم ما زال يرشدهم عما سيحدث: وخرج جيش فرعون من مصر. فلما سمع الكلدانيون
المحاصرون أورشليم بخبرهم صعدوا عن أورشليم.
فصارت كلمة الرب إلى
إرميا النبي قائلة. هكذا قال الرب اله إسرائيل هكذا تقولون لملك يهوذا الذي
ارسلكم إلى لتستشيروني. ها ان جيش فرعون الخارج اليكم لمساعدتكم يرجع إلى
ارضه إلى مصر.
ويرجع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة وياخذونها ويحرقونها بالنار.
هكذا قال الرب. لا
تخدعوا أنفسكم قائلين ان الكلدانيين سيذهبون عنا لانهم لا يذهبوا" (إر 37:
5 -
10) ويقول لصدقيا إستسلم لكي تحيا فالقرار نهائي.
(إر 38:
17).
"اللهِ.. يُعْطِي.. بِسَخَاءٍ وَلاَ
يُعَيِّرُ" (يع1:
5). فنجد أن الله بعد أن ذهب الشعب إلى السبي، تبقى
في الأرض الفقراء والمساكين، ونسمع أن الله أعطاهم بركات كثيرة... "فرجع كل
اليهود من كل المواضع التي طوحوا اليها واتوا إلى ارض يهوذا إلى جدليا إلى
المصفاة وجمعوا خمرا وتينا كثيرا جدًا" (إر 40:
12). فالله يفرح بأن يفيض من
بركاته الروحية والمادية على أولاده، ولكن ما كان يمنع البركات وجود
الأشرار، وهؤلاء ذهبوا للسبي ليتأدبوا. وهذا كما قال الرب يسوع للتلاميذ
أحلى وعود وأرق الكلمات (أناجيل الباراقليط) بعد أن خرج يهوذا (يو13).
الله الذي لا ينسى كأس
ماء بارد يحفظ إرمياء بل ويجعل ملك بابل يكرمه: "واوصى نبوخذراصر ملك
بابل على إرميا نبوزرادان رئيس الشرط قائلًا:
خذه وضع عينك عليه ولا
تفعل به شيئا رديئا بل كما يكلمك هكذا افعل معه" (إر 39:
11، 12). وحفظ الله
باروخ. أما عبد ملك الكوشي هذا الذي أنقذ إرمياء من الجب
بلطف شديد (إر 38) فيرسل الله له إرمياء برسالة خاصة يطمئنه فيها بأنه
لن يلحقه شر، بينما المدينة كلها ستخرب (إر 39:
16 - 18). والله يريد أن
يعطي كل خير لأولاده على أن يحفظوا شروط العهد أي وصاياه: "اسمعوا صوتي
واعملوا به حسب كل ما امركم به فتكونوا لي شعبا وانا أكون لكم الها.لاقيم
الحلف الذي حلفت لابائكم ان اعطيهم ارضا تفيض لبنا وعسلا كهذا اليوم. فاجبت
وقلت امين يا رب" (إر 11:
4، 5).
الله يتألم إذ يتألم شعبه من التأديب ولاحظ ماذا يقول: "اَلْجَمِيلَةُ اللَّطِيفَةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ أُهْلِكُهَا" (إر 6: 2).
الله هو الذي أمر بتأديب الشعب في بابل، ولكننا نجده كأب محب يتألم لما فعله بهم البابليون ويقول: "هكذا قال رب الجنود ان بني إسرائيل وبني يهوذا معا مظلومون وكل الذين سبوهم امسكوهم. ابوا ان يطلقوهم. وَلِيّهم قوي، رب الجنود اسمه يقيم دعواهم..." (إر 50: 33، 34). حقا "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم" (إش63: 9).
حين قرر الله أن يرسلهم للسبي، والله يعلم أكاذيب وضلالات الشيطان وأنهم يروجون أكاذيب عن هذه الأوثان، وأن شعبه قد يرهب هذه الأصنام. يقول لهم الله لا تخافونها فهي مجرد خشب وحجارة (إر 10: 3 - 10). ويعلمهم كيف يردون على الوثنيين هناك ويعطيهم ما يقولونه بلغة البابليين، وقد جاءت هذه العبارة بالأرامية لغة بابل... [هكذا تقولون لهم. الالهة التي لم تصنع السموات والأرض تبيد من الأرض ومن تحت هذه السموات] (إر 10: 11).
وحينما تألم إرمياء لما عرفه من عمل البابليين في شعبه، نجد الله يشرح له نتائج التنقية وأنه مضطر لذلك ليُخَلِّص من فيه رجاء. فنجد إرمياء يقول: "عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه. ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته، ادبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني" (إر 10: 23، 24).
بل نجد محبة الله تشمل الكل حتى الأمم فيقول لأدوم: "اترك ايتامك انا احييهم واراملك عليَّ ليتوكلن" (إر 49: 11).
وبسبب هذه المحبة الإلهية للإنسان
كان لا بد أن الله يدبر حلا لمشكلة الإنسان حتى لا يهلك
الفساد الذي حدث للخليقة كان كما رأينا بلا أمل في الإصلاح فلا أمل في تغيير لون الكوشي.
وكان محكومًا على الإنسان بالموت فلا بد أن يموت ليقيم الله خليقة جديدة.
لم يكن عمل الأنبياء أن يكشفوا للناس أخطائهم بل أن يتنبأوا بالمسيح الذي به الخلاص.
تنبأ إرمياء النبي عن المسيح بل كان إرمياء نفسه رمزا للمسيح-
كان إرمياء يعيش وسط حالة من الإنحطاط الفظيع على كل المستويات. وهكذا كان المسيح. وكما تنبأ إرمياء عن خراب أورشليم هكذا فعل المسيح (مت38:23).
وكما كان إرمياء نبيًا حزينا باكيًا، هكذا بكى يسوع عند قبر لعازر وبكى على أورشليم، وحزن المسيح على أورشليم وما سيحدث لها (لو28:23-31).
كان إرمياء نبيًا مرفوضًا من الجميع، وهكذا كان المسيح الذي قيل عنه "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يو11:1).
تنبأ إرمياء عن المسيح (إر 3:23-6) فأسماه غصنًا إشارة لتجسده وولادته من نسل داود. وأن المسيح يساق للذبح كخروف داجن (إر 19:11) وعن آلام المسيح وأحزانه التي صار إرمياء فيها رمزًا للمسيح (إر9:23) وأن المسيح هو الذي سيخلص شعبه (إر 16:33) وهو الذي يبررهم (إر 16:33).
وفي مثل الخزاف (إر18) نرى عمل المسيح في إعادة تشكيل الخليقة لتصير في المسيح خليقة جديدة (2كو17:5).
حين أرسل الله إرمياء قال له... "قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس" (إر 1: 10). وقام إرمياء بهذا العمل بالنبوات فهو تنبأ بخراب أورشليم لفسادها، ثم تنبأ بأنها تقوم جديدة.
أما المسيح فقام بالعمل فعلا، فهو مات (كخروف سيق للذبح) ليقوم ويقيمنا معه مبررين في خليقة جديدة، ويعيد لنا الميراث السماوي، وهذا عن اليهود والأمم: "هكذا قال الرب على جميع جيراني الاشرار (الأمم) الذين يلمسون الميراث (هم جيران يهوذا مثل عمون وموآب وآدوم) الذي اورثته لشعبي إسرائيل هانذا اقتلعهم عن ارضهم واقتلع بيت يهوذا من وسطهم. ويكون بعد اقتلاعي اياهم أني ارجع فارحمهم واردهم كل واحد إلى ميراثه وكل واحد إلى ارضه" (إر 12: 14، 15).
الخليقة الجديدة تكون بالقلع والغرس والهدم والبناء... "الكلدانيين يملاوها من جيف الناس الذين ضربتهم بغضبي وغيظي، والذين سترت وجهي عن هذه المدينة لأجل كل شرهم. هانذا اضع عليها رفادة وعلاجا واشفيهم واعلن لهم كثرة السلام والامانة. وارد سبي يهوذا وسبي إسرائيل (إسرائيل بوثنيتها وتشتتهم في كل الأمم على يد أشور صارت ترمز للأمم) وابنيهم كالاول. واطهرهم من كل اثمهم الذي أخطأوا به إليَّ واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ والتي عصوا بها عليَّ" (إر 33: 5 - 8). وهذا يكون بالمعمودية، التي هي موت بالخليقة الأولى مع المسيح وقيامة كخليقة جديدة فيه.
ويعلمنا بولس الرسول أن الخلاص بالخليقة الجديدة (غل6: 15).
ولأن لنا حريتنا بعد المعمودية كان لا بد من التنقية المستمرة لتجديدنا طول العمر: "هأَنَذَا أُنَقِّيهِمْ وَأَمْتَحِنُهُمْ. لأَنِّي مَاذَا أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ بِنْتِ شَعْبِي؟" (إر 9: 7).
(إر 18) نرى فيه تجديد الخليقة لمن هو حتى قصبة مرضوضة أو فتيلة مدخنة، وهذا لا يريد الله أن يقصفها. وهؤلاء يسميهم في (إر 24) "اَلتِّينُ الْجَيِّدُ".
أما لمن تقسَّى قلبه تمامًا فهذا يهلك (إر 19). وهذا يسميه "التِّينُ الرَّدِيءُ" (إر 24).
ونرى في رؤيا شجرة اللوز أن الله متعجل لهذا العمل الخلاصي
كما يقول في (إش27: 4) "ليت عليَّ الشوك والحسك في القتال فأهجم عليها"
هو يوم الصليب الذي إشتهاه الرب ليخلصنا
لكن كيف يتم التأديب والتنقية
الله ليس ضد الأمم بل هناك خلاص لكل من يؤمن بالمسيح. فيقول إرمياء عن مصر: "ثم بعد ذلك تسكن كالايام القديمة يقول الرب" (إر 46: 26) ونفس الشيء عن موآب وعن عمون (إر 48: 47 + 49: 6، 39).
الله ضد الوثنية في هذه الشعوب وضد خطاياهم. والإنذارات ضدهم والوعيد بالخراب ليتوبوا. وتنفيذ الضربات ضدهم ليتأدبوا.
الشيطان هو من يحرك هذه العبادة الوثنية. وحقيقة فهذه النبوات بخراب هذه الأمم هي نبوات بخراب مملكة الشياطين. والحديث بإسهاب عن خراب هذه الأمم هو تعبير عن رغبة الله في الانتقام من الشيطان الذي تسبب في موت الإنسان الذي أحبه الله فخلقه، ليمجده.
الله يظهر لنا حيل الشياطين من خلال أعمال هذه الشعوب لتحذيرنا
فحربنا ليست مع لحم ودم بل مع قوات الشر (الشياطين)
مصر- كبرياء مصر هو كبرياء الشياطين. ومصر تعد يهوذا بالمعونة والحماية، ولكنها لا تفي. والشيطان يعد بلذة في الخطية وفي مقابله ذل وإستعباد لنا. مصر بقوتها مخيفة ليهوذا شعب الله، والله يطمئن شعبه فرعون هالك (إر 46: 17) وتترجمها الإنجليزية HE IS BUT A NOISE فهو مجرد صوت يعد بالمعونة ولا يفعل (مسدس صوت. إزعاج بلا فعل) وهو بلا قوة. وعند توبة أي إنسان يخيفه الشيطان ليرتد ولو وضع الإنسان في قلبه الثبات بإيمان، يجد أن كل محاولات الشيطان لتخيفه ستنتهي كبخار. وترمز مصر أيضا للتعلق بالخيرات الزمنية.
فلسطين- ترمز للعداوة المستمرة والحروب المستمرة بين شعب الله والشيطان.
آدوم- يشير بلونه الأحمر لدموية الشيطان (كان قتالا للناس منذ البدء). ويشير للعداوة التقليدية بين أدوم (عيسو) وأخيه التوأم من البطن. وكان أدوم في حرب مستمرة مع اليهود. وعند هروب اليهود من حرب بابل إلتقط الأدوميون أطفالهم وباعوهم عبيد.
دمشق- تتحالف مع أعداء شعب الله في الحرب.
بني عمون- إستولوا على ميراث شعب الله من الأرض، والشيطان حرمنا من ميراثنا السماوي.
موآب- تشير للفساد والكبرياء.
وكما رأينا فإن هناك أمل ورجاء في الخلاص لكل الأمم مع شعب الله.
هي رمز واضح للشيطان ولمملكة الشر في العالم. ويقال أن هناك عريسين وعروسين في الكتاب المقدس، المسيح وكنيسته، والشيطان ومملكة الشر في العالم.
نسمع عن رجاء الخلاص لكل العالم ولكل الأمم ولكن لا توجد كلمة رجاء واحدة لبابل، فبابل في حالة تحدٍ وعناد مع الله من بدء الخليقة إلى النهاية [نمرود في (تك10: 8، 9 إلى رؤ18)].
الله خلق كل الخليقة لأنه يحبها ويريدها "لأنك تحب جميع الأكوان ولا تمقت شيئا مما صنعت فإنك لو أبغضت شيئا لم تكونه" (حك11: 25). بل خلق الله الكل لمجد اسمه.
والله خلق الملائكة في مجد ومن رفض الله منهم، سيكون له أيضًا دور في مجد اسم الله. ومن رفض الله كانوا الشيطان وأتباعه، والشيطان كان أولًا ملاك، كاروبا من طغمة الكاروبيم.
والله خلق آدم في مجد وأسقطه الشيطان، وبالمسيح صار كل من يقبل المسيح يخلص. ولكن صار للإنسان نفس متمردة. وكان دور الشيطان برغبته في التدمير هو تأديب البشر فيعودوا لله مبتعدين عن الطريق الخطأ فيمجدوا الله ويعكسوا صورة مجده. ومن يرفض التأديب يكون مصيره مع الشيطان وهؤلاء أيضًا في عقوبتهم سيمجدوا الله بإعلان قداسته ورفضه للشر.
والشيطان بالآلام التي يتلذذ بها حين يلحقها بالبشر، تكون هذه الآلام سببا في تأديبهم ورجوعهم، ولكن سيكون عقاب الشيطان رهيبا على هذه الآلام التي ألحقها بنا. فالله لمحبته ورغبته في خلاصنا لا بد أن يؤدب، ولكن يا ويل من يأتي بسببه التأديب (بابل أو الشيطان).
وفكرة التأديب الإلهي للإنسان، تم شرحها في تأديب يهوذا عن طريق سبي بابل، وخضوعهم لملك بابل 70 سنة خلال فترة سبي بابل. فالله بسبب خطايا وعناد يهوذا: "يقول هانذا اجلب عليكم امة من بُعْدْ (بابل بعيدة عنهم والشيطان مخلوق مختلف عن البشر) يا بيت إسرائيل يقول الرب. امة قوية امة منذ القديم (الله خلق الملائكة قبل أن يخلق آدم) امة لا تعرف لسانها ولا تفهم ما تتكلم به. جعبتهم كقبر مفتوح (من يخدعه الشيطان وينجذب لخطاياه يموت). كلهم جبابرة. فياكلون حصادك وخبزك الذي يأكله بنوك وبناتك. ياكلون غنمك وبقرك. يأكلون جفنتك وتينتك. يهلكون بالسيف مدنك الحصينة التي أنت متكل عليها. وايضا في تلك الأيام يقول الرب لا افنيكم (الشيطان يؤدب لكن لا يقتل)" (إر 5: 15 - 18) وبابل وما فعلته بشعب الله رمز لما فعله الشيطان بالإنسان.
"هانذا ارسل فاخذ كل عشائر الشمال [ويسميهم في (إر 20: 9) النار المحرقة فهي النار المطهرة] ... وإلى نبوخذ راصر عبدي ملك بابل واتي بهم على هذه الأرض وعلى كل سكانها وعلى كل هذه الشعوب حواليها فاحرمهم واجعلهم دهشا وصفيرا وخربا ابدية" (إر 25: 9).
وماذا فعل نبوخذ نصر: "وابيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس (اختفاء الفرح من العالم = الطرد من جنة عَدْنْ وكلمة عَدْنْ كلمة عبرية تعني فرح) صوت الارحية (لا بركة ولا شبع) ونور السراج. وتصير كل هذه الأرض خرابا ودهشا (ملعونة الأرض بسببك) وتخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة. ويكون عند تمام السبعين سنة أني اعاقب ملك بابل (يا ويل من يأتي بواسطته التأديب سواء نبوخذ نصر أو الشيطان) وارض الكلدانيين اجعلها خربا ابدية (بالصليب حررنا المسيح من الشيطان)" (إر 25: 10 - 12).
وهذه السبعين سنة هي ما كان بولس الرسول يعنيه بقوله "إذ أُخضعت الخليقة للبطل - ليس طوعًا، بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء" (رو8: 20). فكما كان لليهود في سبي بابل رجاء للعودة لأرضهم، خضعت البشرية كلها للبطل على رجاء مجيء المسيح المخلص الذي يحررها.
قيل عن نبوخذ نصر أنه مطرقة الأرض كلها (إر 50: 23) والشيطان يضرب كل البشر للتأديب.
لنرى صور واضحة نفهم منها تأديب الشيطان- 1) الله ينقي أيوب بضربات الشيطان. ونلاحظ في ضربات الشيطان لأيوب أن الله بسلطانه يحدد ما هو المسموح وما هو الغير مسموح به من ضربات. ولنفهم أننا في يد أبونا السماوي ضابط الكل أولًا وأخيرا. وهو لا يسمح للشيطان أن يجربنا فوق ما نحتمل ويعطي مع التجربة المنفذ (1كو10: 13) . 2) الله يحفظ بولس الرسول من الإستعلاء عن طريق ضربة الشيطان في جسده (أمراض). 3) بولس الرسول يستخدم نفس الأسلوب ضد زاني كورنثوس [لِهَلاَكِ الْجَسَدِ فَتَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ] (1كو5: 5) وهلاك الجسد أي آلام الأمراض التي أصابته.
نلاحظ أن الشيطان يضرب الكل رغبة منه في أن يؤذي البشر. يضرب محاولًا أن يوقع أي إنسان لكي يتصادم مع الله، فيصطاده ليهلكه معه. ولكن بالنسبة لأولاد الله، فالله الذي يعرف إمكانات أولاده لا يسمح للشيطان بتجربتهم أكثر مما يحتملون، وذلك بغرض تأديبهم.
الله يقول عمن ذهبوا للسبي أنهم التين الجيد، ومن بقوا في أورشليم ليحترقوا ويهلكوا بنيران
البابليين أنهم التين الرديء الذي لا يؤكل لرداءته (ص 24). والمعنى أن من
يجده الله فتيلة مدخنة يؤدبه حتى لا يهلك. والتأديب كان في بابل. وتأديب
البشر يكون بضربات الشيطان. [فَالَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ] (عب12:
6). والرب يقول [الْغُصْنَ الَّذِي لاَ
يَأْتِيَ بِثَمَرٍ يَقْطَعُهُ وَالَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ
يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ] (يو15: 2).
نتائج التأديب-
الناس الذين ضربتهم بغضبي وغيظي... "هانذا اضع عليها رفادة وعلاجًا واشفيهم واعلن لهم كثرة السلام والامانة (المسيح ملك السلام).
وارد سبي يهوذا وسبي
إسرائيل (رمز لدخول الأمم) وابنيهم كالاول.
واطهرهم من كل اثمهم
الذي أخطأوا به إليَّ واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ.. فتكون لي اسم
فرح للتسبيح وللزينة (الله يفرح بكنيسته عروسه) لدى كل امم الأرض الذين
يسمعون بكل الخير الذي اصنعه معهم فيخافون ويرتعدون من أجل كل الخير ومن
أجل كل السلام الذي اصنعه لها. (هذا خوف الشياطين من مصيرهم إذ عرفوا أن
المسيح تمم الخلاص)
هكذا قال الرب. سيسمع
بعد في هذا الموضع الذي تقولون انه خرب بلا انسان وبلا حيوان، في مدن يهوذا
وفي شوارع أورشليم الخربة بلا انسان ولا ساكن ولا بهيمة.
صوت الطرب وصوت الفرح
صوت العريس وصوت العروس (الفرح يعود بالمسيح)" (إر 33:
5 - 13). وهذا تم
جزئيا بعد العودة من السبي فلم يعد اليهود للعبادة الوثنية ثانية، لكن هذا
رأيناه واضحا في خلاص المسيح [الآنَ عِنْدَكُمُ حُزْنٌ، وَلكِن
أَرَاكُمْ فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ
فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ] (يو16:
22). ومن ثمار الروح الفرح (غل5:
22).
ارتباط عقاب الشيطان
بخلاص الإنسان-
رأينا في النقطة السابقة رعب الشيطان من فداء المسيح وخلاص البشر. لأنه كان
يظن أنه تسبب في هلاك البشر وأنه لا وسيلة لخلاصهم من الموت، وبالتالي لن
يعاقبه الله، فعقابه مرتبط بأن يجد الله وسيلة ليخلص البشر، فازداد كبرياءه
متصورا أن الله لن يقدر أن يعاقبه. وهو يعلم أنه لو وجدت وسيلة سيتم
عقوبته. لذلك صرخ الشيطان برعب أمام المسيح "آه ما لنا ولك يا يسوع
الناصري؟ أتيت لتهلكنا، أنا أعرفك من أنت قدوس الله" (مر1: 24).
وتم تصوير هذا عن طريق كبرياء أدوم، فأدوم ترمز للشيطان بسبب
كبريائها. فهم ظنوا أنه لا يمكن لأي عدو أن يصل إليهم، فهم يسكنون في
الجبال (في علوها ترمز لكبرياء الشيطان)، ولا يمكن لعدو أن يقتحمها فهم
سيكونون أعلى منه ويضربونه ليرجع... فتكبروا. والله يقول لا بل عبدي نبوخذ
نصر سيضربكم ويخربكم، وأنقذ أنا شعبي لأني أريد فلن يمنعني علو جبالكم.
ولنرى التصوير لأني ها قد جعلتك صغيرا بين الشعوب ومحتقرا بين الناس
(الشيطان بعد الصليب) قد غرك تخويفك كبرياء قلبك يا ساكن في
محاجئ الصخر
الماسك مرتفع الاكمة (يصعب لأي عدو أن يقتحمها). وان رفعت كنسر عشك فمن
هناك احدرك يقول الرب...
هوذا يصعد كاسد
(المسيح) من كبرياء الاردن إلى مرعَى دائم (المسيح يرعَى كنيسته دائمًا).
لذلك اسمعوا مشورة الرب التي قضى بها على ادوم... ان صغار الغنم (المؤمنين
المنسحقين) تسحبهم (أعطيتكم سلطان على الحيات والعقارب)
هوذا كنسر يرتفع
(المسيح السماوي) (إر 49:
15 - 22).
لماذا 70
سنة؟
* 10 × 7
= الوصايا (10: عشرة)، 7 رقم كامل وهذا يشير لأن البشر كسروا كل الوصايا وفشلوا
في الالتزام بناموس الله تمامًا. * عدد شعوب العالم المذكورة في (تك10)
70. * عدد الأنفس النازلة مع يعقوب إلى مصر كانوا سبعين، وأيضًا مصر تشير
لعبودية شعب الله. والمعنى أنه لأن كل البشر كسروا كل وصايا الله، أخضع
الله كل البشر للبطل ولكن على رجاء. والله يشرح أن كل الشعوب ستخضع بأن
يذكر أن كل الشعوب المجاورة ليهوذا ستخضع لملك بابل (إر 25).
والله عند إرساله شعبه إلى بابل يرسلهم على رجاء بالعودة إلى أرضهم: "انه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن الانية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم. يؤتى بها إلى بابل وتكون هناك إلى يوم افتقادي اياها يقول الرب فاصعدها واردها إلى هذا الموضع" (إر 27: 21، 22). والآنية المقدسة تشير لشعب الله أيضًا. والله يعدهم بيوم يفتقدهم فيه ويعيدهم لأرضهم. ووعد الله بالعودة: "لأنه هكذا قال الرب. أني عند تمام سبعين سنة لبابل اتعهدكم واقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع" (إر 29: 10).
ولنلاحظ أن رجوع الشعب إلى أرضه هو رمز لإستعادتنا لميراثنا السماوي.
حينما عرف إرمياء ما سيحدث لشعبه ولأورشليم وللهيكل بكى وحزن، ولكن حينما عرف نتيجة التأديب من تنقية للشعب قال: "ويل لي من أجل سحقي. ضربتي عديمة الشفاء. فقلت انما هذه مصيبة فاحتملها. خيمتي خربت.. بني خرجوا عني... عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه. ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته. ادبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنينى. اسكب غضبك على الامم (الشيطان وجنوده).. لانهم اكلوا يعقوب. اكلوه وافنوه واخربوا مسكنه" (إر 10: 19 - 25).
بعض الخطاة يتوبون ويندمون ولكن البعض يعاند رافضًا التوبة.
هناك من لا يصدق أن خطيته ينتج عنها شر يصيبه: "جحدوا الرب وقالوا ليس هو ولا ياتي علينا شر ولا نرى سيفًا ولا جوعًا" (إر 5: 12). ونرى في نبوة إرمياء أن الأنبياء الكذبة، وهؤلاء يحركهم الشيطان يشجعون على هذا الفكر. وهذا الفكر مستمر لنهاية الأيام أنه لا نهاية ولا دينونة "عالمين هذا اولا انه سيأتي في اخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات انفسهم. وقائلين اين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الاباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة" (2بط3: 3، 4). ولكن هؤلاء الأنبياء الكذبة يصيرون ريحا أي يثبت كذب كلامهم (إر 5: 13).
وأيضا ينبه بولس الرسول لهذا قائلا "انه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلّمين مستحكة مسامعهم" أي يذهبون لمن عنده كلام مريح غاش (2 تي 4: 3).
يقول النبي عن الأنبياء الكذبة أنهم... "يشفون كسر بنت شعبي على عثم (كَمَنْ يغلق جرح وبداخله صديد) قائلين سلام سلام ولا سلام" (إر 6: 14) فهم يخدعون الشعب، بقولهم أن الله راضٍ عنهم وسيعطيهم سلام بالرغم من عدم توبتهم.
صاروا في عماهم لا يرون خطاياهم... "يقولون لك لماذا تكلم الرب علينا بكل هذا الشر العظيم فما هو ذنبنا وما هي خطيتنا التي اخطاناها إلى الرب إلهنا" (إر 16: 10). كَمَنْ يقولون الآن "عادي كل الناس بتعمل كدة، إحنا مش بنعمل حاجة غلط".
ويصلون في استهتارهم لعدم الخوف.. "ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب. لتأت" (إر 17: 15).
الشيطان "كذاب وأبو الكذاب" كما قال لنا الرب يسوع، ودائما يخدع أولاد الله، فنجد الأنبياء الكذبة يقولون للشعب لا تخضعوا لملك بابل فهو لن يقوى عليكم. وحين ضربهم نبوخذ نصر وأخذ سبايا وأخذ آنية الهيكل لم يخجلوا من كذبهم، بل قالوا كل ما أُخِذ، سنسترده بعد سنتين بينما إرمياء يقول لا بل بعد 70 سنة (إر 27: 16، 17؛ 28: 3، 11). والله يرسل للمسبيين في بابل أن يعيشوا في بابل فهم لن يعودوا قبل 70 سنة، لكن يقول لهم الأنبياء الكذبة لا بل ستعودوا بعد سنتين، وهذا يشتتهم وحين لا يعودوا في الموعد الذي حدده الأنبياء الكذبة يشكون في وعود الله فهم لا يدركون أنهم أنبياء كذبة وأن كلامهم ونبواتهم ليس من الله (إر 29: 5، 24 - 28).
هناك من يقدم توبة إذا جاءت التجربة ويرتد لخطيته بعد إنتهاء التجربة. فهم حرروا العبيد اليهود من إخوتهم إذ حاصرهم ملك بابل. وعندما إنفك حصار بابل لأورشليم، وكان ذلك لمدة أيام ردوا العبيد مرة أخرى مخالفين وصايا الله (ص 34).
هناك من يعاند ويصر على خطاياه بالرغم من التجربة. فالنبي ينبههم بعد إحتراق أورشليم أن يكفوا عن عبادة الأوثان التي سببت كل هذا الخراب فيصرون عليها (ص 44).
للخطاة عادة أسئلة تافهة ... فحينما أملى إرمياء على باروخ بنبواته، ذهب بها إلى الرؤساء فخافوا وسألوه سؤال تافه جدًا... "سألوا باروخ قائلين اخبرنا كيف كتبت كل هذا الكلام عن فمه. فقال لهم باروخ بفمه كان يقرأ لي كل هذا الكلام وانا كنت اكتب في السفر بالحبر" (إر 36: 17، 18).
هناك من يفعل مثل يهوياقيم الذي مزق نبوات إرمياء وأحرقها وتصور أنه بهذا تخلص منها. وهذا مثل من لا يقرأ الكتاب ولا يدرسه مثلًا.
بعد كل هذا نسمع الله يحذرنا وشعبي هكذا أحب.
(لكن) وماذا تفعلون في آخرتها (إر 5: 31).
فالحياة لها نهاية.
الله يدعو الكل للتوبة، ومن يتوب ويرجع يقبله الله: "اذهب وناد بهذه الكلمات نحو الشمال وقل ارجعي ايتها العاصية إسرائيل يقول الرب.لا اوقع غضبي بكم لأني رؤوف يقول الرب.لا احقد إلى الابد (إر 3: 12). "ارجعوا أيها البنون العصاة فاشفي عصيانكم. ها قد اتينا اليك لانك أنت الرب إلهنا" (إر 3: 22).
أشفي عصيانكم: تنفتح العينين ويكتشفوا الجوهرة الكثيرة الثمن فيبيعوا ما كانوا يعتبرونه لآلئ = "حقا باطلة هي الاكام ثروة الجبال. حقا بالرب إلهنا خلاص إسرائيل" (إر 3: 23) وهذه كما قال بولس الرسول [حسبت كل الأشياء نفاية] (في 3: 8) + يكتشفوا ويخزوا من خطاياهم: "نضطجع في خزينا ويغطينا خجلنا لأننا إلى الرب إلهنا اخطانا نحن واباؤنا منذ صبانا إلى هذا اليوم ولم نسمع لصوت الرب إلهنا" (إر 3: 25) وهذه كما قال بولس الرسول "الخطاة الذين أولهم أنا" .
أن يعترف الخاطئ بخطيته، ومن يعترف يقبله الله: "هانذا احاكمك لانك قلت لم اخطئ" (إر 2: 35). فهناك من يخطئ ويتبجح على الله ويقول "الله هو الذي خلقني هكذا".
"أإياي لا تخشون يقول الرب أولًا ترتعدون من وجهي انا الذي وضعت الرمل تخومًا للبحر" (إر 5: 22) فالحكيم عليه أن يفكر في قدرة الله وقداسته ورفضه للشر وعقابه للخاطئ، فيخاف ويتوب.
"إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب ان رجعت إليَّ وان نزعت مكرهاتك من أمامي فلا تتيه" (إر 4: 1) ..."اختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم لئلا يخرج كنار غيظي فيحرق... نادوا بصوت عال وقولوا اجتمعوا فلندخل المدن الحصينة. .. احتموا.لا تقفوا.لأني اتي بشر من الشمال وكسر عظيم" (إر 4: 4 - 6). والمعنى إما التوبة والرجوع أو الخراب.
الحكيم هو الذي يفهم أن ترك الشريعة يعني الخراب: "من هو الانسان الحكيم الذي يفهم هذه والذي كلمه فم الرب فيخبر بها. لماذا بادت الأرض واحترقت كبرية بلا عابر. فقال الرب على تركهم شريعتي التي جعلتها امامهم ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها" (إر 9: 12، 13) .
"هكذا قال الرب. قفوا على الطريق وانظروا واسالوا عن السبل القديمة اين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم. ولكنهم قالوا لا نسير فيه. واقمت عليكم رقباء قائلين اصغوا لصوت البوق. فقالوا لا نصغي" (إر 6: 16، 17). هنا نجد نصيحتين- 1) نتعلم طرق الآباء الأولين. 2) نسمع للمشورة، وصوت البوق قد يكون تحذيرات نسمعها من الكتاب المقدس أو من رجال الله أو من الإنذارات الإلهية كالأمراض والوفيات المفاجئة أو خراب الخطاة.
"هكذا قال الرب.لا تتعلموا طريق الامم" (إر 10: 2) فلنا حياتنا السماوية وللعالم طرقه. ولنقتدي بالأباء القديسين وليس بالعالم وانظروا واسالوا عن السبل القديمة (راجع النقطة السابقة).
شبعنا هو بالله وحده ولا نعتمد على سواه: [الالهة التي لم تصنع السموات والأرض تبيد من الأرض ومن تحت هذه السماوات] (إر 10: 11). لن نجد شبعنا سوى في الله. وكيف يعتمد أحد على إنسان يموت. هم ذهبوا لفرعون يحميهم ولنسمع ماذا قال الله: "هكذا قال الرب. هانذا ادفع فرعون حفرع ملك مصر ليد اعدائه وليد طالبي نفسه كما دفعت صدقيا ملك يهوذا ليد نبوخذ راصر ملك بابل عدوه وطالب نفسه" (إر 44: 30). وفعلا مات هذا الفرعون وتم تنفيذ هذه النبوة: "كذا قال الرب. ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه وعني يحيد قلبه... مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله" (إر 17: 5 - 7).
الله سيؤدبهم عن طريق بابل (إر 6: 22 - 25). ويرشدهم كيف يتصرفون... الإنسحاق أمام الله (إر 6: 26) "كذا قال الرب. هوذا شعب قادم من ارض الشمال وامة عظيمة تقوم من اقاصي الأرض تمسك القوس والرمح. هي قاسية لا ترحم.. سمعنا خبرها. ارتخت ايدينا. يا ابنة شعبي تنطقي بمسح وتمرغي في الرماد. نوح وحيد اصنعي لنفسك مناحة مرة لان المخرب يأتي علينا بغتة".
الله يطلب الطاعة ولنرى بركات الطاعة: "وقال إرميا لبيت الركابيين هكذا قال رب الجنود اله إسرائيل. من أجل انكم سمعتم لوصية يوناداب ابيكم وحفظتم كل وصاياه وعملتم حسب كل ما اوصاكم به. لذلك هكذا قال رب الجنود اله إسرائيل. لا ينقطع ليوناداب بن ركاب انسان يقف امامي كل الأيام" (إر 35: 18 - 19).
الله يرفض العبادة الشكلية، أي الممارسات بينما القلب يحتفظ بمحبة الخطية داخله رافضا التوبة... "لماذا يأتي لي اللبان من شبا وقصب الذريرة من ارض بعيدة. محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلذ لي" (إر 6: 20). هنا الله يرفض صلاتهم وبخورهم، فالله لا يريد البخور مع قلب نجس ومعتمد على البخور. بل الله يهتم بالقلب النقي أولًا "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ" (أم 23: 26). "هكذا قال رب الجنود اله إسرائيل. ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما" (إر 7: 21). فالمحرقات لا يأكل منها إنسان بل كلها للمذبح أي لله. أما ذبيحة السلامة فيشترك فيها المذبح مع الكاهن ومقدمها وأصحابه. وطالما أن الله لن يقبل محرقاتهم ولن يغفر لهم، فليأكلوا كل الذبائح فهي مجرد لحم طالما رفضها الله. "اصلحوا طرقكم واعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع. لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو" (إر 7: 3، 4) + "أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء الهة اخرى لم تعرفوها. ثم تاتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه وتقولون قد انقذنا... هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص" (إر 7: 8 - 11). هم تصوروا أن وجود الهيكل وسطهم فيه الحماية. لذلك سمح الله لبيته أن يهدم فهو رفضه وفارقه فصار كومة من الحجارة (حزقيال 8 - 11). وهكذا قال الله لملاك كنيسة أفسس [تُب وإلا فإني آتي وأزحزح منارتك] (رؤ 2).
وكيف تتزحزح المنارة؟ حينما يفارقها الله بسبب غضبه تصبح عرضة لضربات الشياطين، ورمزهم هنا جيش بابل هكذا قال الرب. "هوذا شعب قادم من ارض الشمال وامة عظيمة تقوم من أقاصي الأرض" (إر 6: 22). والحل هو الإنسحاق أمام الله فيسكن المسيح فينا (إش57: 15) وحينئذ لا يقوى الشيطان على أن يقترب.
الله يهتم بسماع وصيته فيبارك: "بل انما اوصيتهم بهذا الامر قائلا اسمعوا صوتي فاكون لكم الها وانتم تكونون لي شعبا، وسيروا في كل الطريق الذي اوصيكم به ليحسن اليك"م (إر 7: 23).
الله يطلب حفظ السبت وتقديسه: "هكذا قال الرب. تحفظوا بانفسكم ولا تحملوا حملا يوم السبت... ولا تعملوا شغلا ما بل قدسوا يوم السبت كما امرت اباءكم فلم يسمعوا... ويكون إذا سمعتم لي سمعا يقول الرب ولم تدخلوا حملا في ابواب هذه المدينة يوم السبت بل قدستم يوم السبت ولم تعملوا فيه شغلا ما... يدخل في ابواب هذه المدينة ملوك ورؤساء جالسون على كرسي داود راكبون في مركبات... وياتون من مدن يهوذا ومن حوالي أورشليم ومن ارض بنيامين ومن السهل ومن الجبال ومن الجنوب ياتون بمحرقات وذبائح وتقدمات ولبان ويدخلون بذبائح شكر إلى بيت الرب. "ولكن ان لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت فاني اشعل نارًا في ابوابها فتأكل قصور أورشليم ولا تنطفئ" (إر 17: 21 - 27). والله مهتم بالدرجة الأولى ليس بأن نمتنع عن العمل في السبت بل أن نقدس السبت أي يكون يومًا مكرسًا لله... للصلاة والعبادة فنذكر علاقتنا بالله وأننا غرباء في هذا العالم.
الله يريدنا أن نكون حكماء، وعكس هذا ما عمله جدليا الرجل الطيب والغير حكيم. وهذا ولاه نبوخذ نصر على اليهود بعد سقوط أورشليم. فلقد أتى لجدليا من يحذره من شخص اسمه إسماعيل وأنه ينوي قتله، ولم يهتم ويأخذ حذره فقتله إسماعيل (ص40، 41).
حين نصلي ونقول لتكن مشيئتك فلنصليها من القلب، وأن نطلب مشيئة الله ونقبلها فلا نكون مثل اليهود الذين طلبوا من إرمياء أن يسأل الله هل يذهبوا إلى مصر هربا من نبوخذ نصر أم لا... والله قال لا، وكان هذا عكس مشورتهم... فلم يهتموا برأي الله بل أجبروا إرمياء على الذهاب معهم إلى مصر (ص42). والهروب إلى مصر خوفا من الضيقة كان خطأ، ولنتعلم من الآباء أننا في الضيقة علينا أن نهرب إلى الله ولا نهرب من الله.
كان إرمياء إنسان رقيق المشاعر، محبا لشعبه ولأورشليم مدينة الله المقدسة وللهيكل. ولما كشف له الله ما سيحدث من خراب ودمار ظل يبكي، ولذلك سُمِّىَ بالنبي الباكي. "من مفرج عني الحزن. قلبي في سقيم. هوذا صوت استغاثة بنت شعبي من ارض بعيدة. العل الرب ليس في صهيون أو ملكها ليس فيها. لماذا أغاظوني بمنحوتاتهم باباطيل غريبة" (إر 8: 18) + "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فابكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي" (إر 9: 1). وحينما خربت أورشليم فعلا كتب سفر المراثي.
يضاف لهذا حزن النبي القديس على خطايا الشعب لانهم جميعا زناة جماعة خائنين. يمدون السنتهم كقسيهم للكذب (إر 9: 2، 3).
حزن النبي على أنه لا يجد رعاة حقيقيون: "أليس بلسان في جلعاد أم ليس هناك طبيب. فلماذا لم تعصب بنت شعبي" (إر 8: 22).
تآمر عليه أهله من كهنة عناثوث ليقتلوه لأنه تنبأ ضدهم، وأرادوا منعه ولو بالقتل (إر 11: 18) والله يكشف له المؤامرة.
كان إنسان خصام. كرهه الجميع بسبب نبواته، الملك والرؤساء والكهنة والشعب. "ويل لي يا أمي لانك ولدتني انسان خصام وانسان نزاع لكل الأرض. لم اقرض ولا اقرضوني (فالمعاملات المالية تسبب الخصام وهو لم يدخل في معاملات مالية مع أحد) وكل واحد يلعنني" (إر 15: 10).
تعرض لمؤامرات وإشاعات كاذبة خبيثة ضده: "فقالوا هلم فنفكر على إرميا أفكارًا لان الشريعة لا تبيد عن الكاهن ولا المشورة عن الحكيم ولا الكلمة عن النبي. هلم فنضربه باللسان ولكل كلامه لا نصغ" (إر 18: 18).
تعرض للضرب كثيرًا (إر 37: 15). وضربه الكاهن فشحور ذات مرة ووضعه في المقطرة يوما كاملا ليراه الناس ويسخروا منه (إر 20).
حكم عليه الكهنة والأنبياء الكذبة والشعب بالموت لأنه يتنبأ ضدهم وبأن أورشليم ستخرب بيد بابل إن لم يتوبوا (إر 26: 8) ولكن الله يرسل من ينقذه (إر 26: 16).
الملك صدقيا يسجنه (إر 32: 2).
في أثناء حصار البابليين لأورشليم كان يقول لهم أن يستسلموا حتى لا تخرب المدينة، فإتهموه بتهمة سياسية وطنية وأنه يضعف يد الشعب. فيتركه صدقيا الملك في يد أعداءه فيرمونه في جب كله وحل، وبدون طعام ولا ماء فيغوص إرمياء في هذا الوحل. وكانوا يريدون موته ليسكتوا صوت التبكيت. (إر 38: 6). والله يحرك قلب عبد ملك الكوشي فيذهب للملك ليستعطفه طالبا إنقاذه فيسمح له بذلك ويأمر بنقله لسجن عادي بدلًا من هذا الجب. ويذهب هذا الكوشي رقيق المشاعر لينقذه بمنتهى الرقة. ويقيم إرمياء في هذا السجن حتى سقوط أورشليم (إر 38: 28). وهم سجنوه هذه المرة لأنه أراد الهروب من أورشليم عندما فك البابليون الحصار لأيام قليلة حاربوا فيها المصريين ثم عادوا للحصار ثانية. وكان هذا خطأ منه فلماذا الهرب إذا كان الله يحميه. والله يحول هذا الموقف لصالحه... فالله يخرج من الجافي حلاوة ... إذ كان وجوده في السجن وقت سقوط أورشليم سببا لنجاته فلم يقتله نبوخذ نصر بل أكرمه (إر 39: 12).
أراد يهوياقيم الملك قتله هو وباروخ بسبب نبواته ولكن الله خبأهما (إر 36: 26).
بعد السبي نجد أن اليهود يجبرونه بالقوة على الذهاب معهم إلى مصر.
الله يختار خدامه: "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيا للشعوب" (إر 1: 5). وهذا نفس ما قيل لبولس الرسول "ولكن لما سُرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته" (غل1: 15). والمسيح صلى ليختار تلاميذه (لو6: 2، 13).
ولكل منا خدمته التي خلقنا الله لنتممها [مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة سبق الله وأعدها لكي نسلك فيها] (أف2: 10).
والله يزود خدامه بالمواهب اللازمة ليقوموا بخدمتهم، وهذا ما يسمى بالوزنات [ليكن كل منا بحسب ما أخذ موهبة نخدم بها بعضنا البعض] (1بط4: 10). وهذا ما نراه مع إرمياء النبي: "ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك" (إر 1: 9). لكن لكل واحد موهبة غير الآخر لأن لكل واحد عمل وخدمة غير الآخر "فوضع الله أناسا في الكنيسة أولًا رسل ثانيا أنبياء ثالثا معلمين" (1كو12: 28).
الله يحمي خدامه. "هانذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد واسوار نحاس على كل الأرض. لملوك يهوذا ولرؤسائها ولكهنتها ولشعب الأرض. فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأني انا معك يقول الرب لانقذك" (إر 1: 18، 19).
ولكن مع كل الآلام التي واجهها النبي تشكك في وعد الله له وإشتكى بل قال: "لماذا كان وجعي دائما وجرحي عديم الشفاء يأبى ان يشفى. أتكون لي مثل كاذب؟! مثل مياه غير دائمة؟!" (إر 15: 18).
وكان السبب فهم خاطئ عند إرمياء النبي، إذ أنه فهم أن الحماية هي أنه لن يمسه أحد بسوء. ولكن حماية الله هي أنهم لن يستطيعوا قتله إلى أن يتمم رسالته. وهذا ما حدث مع المسيح فلم يستطيعوا قتله ولم يستطع أحد أن يمسه حتى تمم رسالته (لو4: 28 - 30). وهذا ما حدث مع إرمياء فحين أراد يهوياقيم قتله هو وباروخ خبأهم الله (إر 36: 26).
خدام الله يتعرضون لمشاكل وآلام كثيرة، ولكن هذه الآلام هي شركة صليب مع المسيح وشركاء الألم هم شركاء المجد (رو8: 17) . وتطبيقا لهذا نجد أن الله يقول لإرمياء عند إرساليته: "ها قد جعلت كلامي في فمك" (إر 1: 9). وبعد حمل الصليب يرتفع إرمياء درجات فيسمع مثل فمي تكون فهو تذوق آلام صليب المسيح (إر 15: 19).
والله يسمح بالتجارب تدريجيا فنجد أن الله يقول لإرمياء حينما بدأت التجارب وبدأ هو في الألم: "ان جريت مع المشاة فاتعبوك فكيف تباري الخيل. وان كنت منبطحًا في ارض السلام فكيف تعمل في كبرياء الاردن" (إر 12: 5). في البداية كانت ألامه ناتجة عن رفض الناس له، وفي النهاية وقف ضده الملوك والرؤساء ورؤساء الكهنة، وهؤلاء الكبار هم المقصودين بقول الرب كبرياء الأردن.
على الخادم أن يتحلى بالإيمان فلو بدا مضطربا لشك الناس في كلامه. لنا وعد بالحماية فلماذا الاضطراب. الخوف معناه عدم الثقة في الله الذي يتكلم الخادم بإسمه، وهذا يفسد عمل الخادم. لذلك نجد الله يقول لإرمياء: "اما أنت فنطق حقويك وقم وكلمهم بكل ما امرك به. لا ترتع من وجوههم لئلا اريعك امامهم" (إر 1: 17).
كتطبيق على هذا نجد الله يخبئ إرمياء وباروخ حين أراد يهوياقيم قتلهما، بينما أن هناك نبيا آخر خاف من يهوياقيم وهرب إلى مصر، فأرسل يهوياقيم رجاله وأتوا به من مصر وقتله (إر 26: 23).
خادم الله هو رجل صلاة لأجل شعبه (إر 14: 7، 19، 20). ودارس للكتاب المقدس يجد فيه شبعه وتعزياته: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ.. لِي لِلْفَرَحِ" (إر 15: 16).
بدأ إرمياء كإنسان بالتذمر على الله حينما بدأت الآلام تلاحقه فقال: "ابر أنت يا رب من ان اخاصمك. لكن اكلمك من جهة احكامك. لماذا تنجح طريق الاشرار. اطمان كل الغادرين غدرا. غرستهم فاصلوا نموا واثمروا ثمرا. أنت قريب في فمهم وبعيد من كلاهم" (إر 12: 1، 2).
وازدادت الشكوى وإرتفعت نبرة الغضب والتذمر فقال لله: "أتكون لي مثل كاذب؟!" (إر 15: 18).
والله في أبوته وحنانه وهو يعرف ضعف البشر نجده يلاطفه ويحاوره ويقنعه، وحينما يشعر بتعزيات الروح القدس نجده يقول: "أقنعتني يا رب فإقتنعت وألححت عليَّ فغلبت" (إر 20: 7).
ولكن إرمياء كإنسان يتعرض لحروب عدو الخير، فيذكره بألامه وما حدث له من إهانات فيعود للتذمر والشكوى ويقول: "ملعون اليوم الذي ولدت فيه" (إر 20: 14) ويستمر هذا التردد بين تعزيات الروح القدس وبين ما نسميه في القداس الباسيلي "تذكار الشر المُلْبِس الموت" (صلاة الصلح بالقداس الباسيلي). فيتذمر إرمياء ويقول صرت للضحك كل النهار. كل واحد إستهزأ بي وترتفع النبرة وحدة الشكوى فيقول ملعون اليوم الذي ولدت فيه. وهذا ما كان يحدث مع أيوب تمامًا، فبعد أن كان يستجيب لتعزيات الروح القدس بل ينطق الروح على فمه بنبوات، نجد عدو الخير يذكره بألامه فيعود للشكوى والتذمر.
ونصيحة الله التي كانت لإرمياء وهي أيضًا لكل منا إخرج الثمين من المرذول... فمثل فمي تكون (إر 15: 19) والثمين هو صوت الروح القدس الْمُعَزِّي الذي يشهد لنا بمحبة الله وبأننا أبناءه (رو8: 15، 16) والمرذول هو صوت عدو الخير الذي يشككنا في محبة الله.
ولكن ميزة إرمياء أنه لم يكن يشتكي لإنسان بل لله في مخدعه.
إرمياء الخادم رقيق المشاعر، النبي الباكي حينما يسمع بآلام شعبه وخراب أورشليم المزمع أن يحدث، كان يبكي (إر 4: 19 + 8: 18). ولكن حين كان شعبه يدبرون قتله قال: "فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى والقلب دعني ارى انتقامك منهم لأني لك كشفت دعواي" (إر 11: 20) وحينما أشاعوا ضده إشاعات رديئة قال: "لذلك سلم بنيهم للجوع وادفعهم ليد السيف فتصير نساؤهم ثكالى وارامل وتصير رجالهم قتلى الموت وشبانهم مضروبي السيف في الحرب" (إر 18: 21). وهذه تعتبر نبوة عما حدث لهم. ولكنه قطعا كإنسان كان يتألم حينما يلحقه الأذى.
إرمياء كان مرفوضًا من كل شعبه... المسيح جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله.
إهانات إرمياء ومحاولات قتله........ شتموا المسيح وحاولوا قتله مرارا.
وضعوه في جب ليموت... دفنوه في قبر.
ضربوا إرمياء.... ضربوا المسيح.
أهله وأقرباءه من الكهنة حاولوا قتله.... رئيس الكهنة طلب صلبه.
إتهموه بالخيانة الوطنية وأنه يضعف يد الشعب.... المسيح سيتسبب أن الرومان يأخذون الأمة.
اليهود أبغضوه... أبغضوا المسيح "أبغضوني بلا سبب" (يو15)... الظلمة تبغض النور والتوبيخ.
آلام إرمياء المستمرة (إر 23: 9) كانت رمزا لألام المسيح.
العار الذي تحمله إرمياء يوم ربط في المقطرة (إر 20: 2)... يرمز لعار صليب المسيح.
إرمياء هو من أطلق لفظ العهد الجديد (إر 31: 31).
أطلق على المسيح اسم غصن البر ويجري عدلًا وبرًّا أي هو سيولد من نسل داود (إر 33: 15).
قال عن المسيح الرب برنا (إر 23: 6) = نصير نحن بر الله في المسيح (2كو5).
إرمياء يسمي المسيح... داود ملكهم الذي يقيمه الرب لهم (إر 30: 9).
المسيح يساق للذبح كخروف داجن (إر 11: 19).
المسيح يعيد للبشر ميراثهم = فيسكنون في أرضهم بعد أن طردوا منها (إر 23: 8).
في أيامه يخلص يهوذا (إر 23: 6).
الكهنوت المسيحي لا ينقطع للكهنة واللاويين إنسان من أمامي يصعد محرقة (إر 33: 18).
قتل أطفال بيت لحم (إر 31: 15).
قصة الخزاف هي شرح لعمل المسيح الخلاصي في تشكيل الخليقة الجديدة (2كو5: 17).
بعد سقوط أورشليم إنتهت أسرة داود إلى أن خرج غصن جديد من نسل داود، لا ليملك على إسرائيل فقط بل على قلوب كل المسيحيين في كل العالم.
(إر 3: 16 - 18) "ويكون اذ تكثرون وتثمرون في الأرض في تلك الأيام = نمو الكنيسة وامتدادها لكل العالم ...لا يقولون بعد تابوت عهد الرب ولا يخطر على بال (التابوت رمز أما المسيح فهو في الكنيسة بجسده المتحد بلاهوته). في ذلك الزمان يسمون أورشليم كرسي الرب ويجتمع اليها كل الامم (الكنيسة للجميع يهود وأمم) إلى اسم الرب (يسوع)".
(إر 31: 11) فداء المسيح وتحرير الإنسان: "لأن الرب فدى يعقوب وفكه من يد الذي هو اقوى منه".
(إر 33: 7، 8) غفران الخطية بدم المسيح: "وارد سبي يهوذا وسبي إسرائيل وابنيهم كالاول. واطهرهم من كل اثمهم الذي أخطأوا به إليَّ واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ".
(إر 16: 14 - 16) "لذلك ها ايام تأتي يقول الرب ولا يقال بعد حي هو الرب الذي اصعد بني إسرائيل من ارض مصر. بل حي هو الرب الذي اصعد بني إسرائيل من ارض الشمال ومن جميع الأراضي التي طردهم اليها (عظمة خلاص المسيح بالمقارنة بالخروج من مصر). فارجعهم إلى ارضهم التي اعطيت اباءهم اياها (ميراث السماء يعود لنا)".
(إر 16: 16) "هانذا ارسل إلى جزافين كثيرين (الجزافين هم صيادي السمك وهؤلاء هم تلاميذ المسيح) يقول الرب فيصطادونهم. ثم بعد ذلك ارسل إلى كثيرين من القانصين (هم رعاة الكنيسة عبر العصور) فيقتنصونهم". والله يعطي للكنيسة الواحدة رعاة حسب قلبه: "واعطيكم رعاة حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم" (إر 3: 15).
(إر 30: 3) "لأنه ها ايام تاتي يقول الرب وارد سبي شعبي إسرائيل ويهوذا يقول الرب وارجعهم إلى الأرض التي اعطيت اباءهم اياها فيمتلكونها (عودة الميراث السمائي)".
(إر 30: 9) الكنيسة تخدم المسيح ملكها: "يخدمون الرب الههم وداود ملكهم الذي اقيمه لهم".
(إر 30: 18) "هكذا قال الرب. هانذا ارد سبي خيام يعقوب وارحم مساكنه، وَتُبْنَى المدينة على تلها والقصر يسكن على عادته". المسيح يرد المجد لكنيسته ويسكن فيها.
نهاية سلطان الشيطان.
(إر 31: 12، 13) عودة الفرح بخلاص المسيح: "فيأتون ويرنمون في مرتفع صهيون ويجرون إلى جود الرب على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى ابناء الغنم والبقر. وتكون نفسهم كجنة ريا ولا يعودون يذوبون بعد. حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معا واحول نوحهم إلى طرب واعزيهم وافرحهم من حزنهم".
(إر 31: 22) رأينا في (إر 18) أن الله كان يحيط نفسه بشعبه إسرائيل كمنطقة ثم إذ فسدت رفضها وهنا نجد الكنيسة تحيط بالمسيح: "حتى متى تطوفين ايتها البنت المرتدة. لان الرب قد خلق شيئا حديثا في الأرض. انثى تحيط برجل".
(ص32) في أثناء الحصار الله يطلب من إرمياء فك (أي شراء) أرض ابن عمه لتحريرها، ويكتب الصك ويضعه في إناء خزفي فهو سيبقى لفترة طويلة = ضمان عودة الميراث السماوي ولكن بعد مدة. وهكذا إشترى إبراهيم مغارة المكفيلة فبحسب وعد الله فهذه الأرض ستكون له ولنسله. وبنفس الإيمان يوصي يوسف شعبه بأن يأخذوا معهم عظامه وهم عائدين للأرض. والله وعدنا بميراث السماء وسيفعل بالتأكيد.
(إر 31: 29-30) وإذا كان المسيح أعاد لنا كل شيء وأكثر مما كان لآدم وحواء، فلماذا نلوم أبينا آدم وأمنا حواء ونقول هما السبب فيما نحن فيه = ""في تلك الأيام لا يقولون بعد الاباء اكلوا حصرما واسنان الابناء ضرست. بل كل واحد يموت بذنبه كل انسان يأكل الحصرم تضرس اسنانه".
(إر 33: 18) استمرار الكهنوت المسيحي وذبيحة الإفخارستيا لنهاية الأيام "ولا ينقطع للكهنة اللاويين انسان من امامي يصعد محرقة ويحرق تقدمة ويهيئ ذبيحة كل الأيام".
(إر 33: 21) المسيح ابن داود يملك على كنيسته للأبد كملك ورئيس كهنة: "فان عهدي أيضًا مع داود عبدي ينقض فلا يكون له ابن مالكا (المسيح يملك على الكنيسة) على كرسيه ومع اللاويين الكهنة خادمي. (الكهنوت هو كهنوت المسيح والكهنة هم وكلاء له)".
(إر 31: 33، 34) وصايا العهد الجديد مكتوبة على القلب وليس على ألواح حجرية: "هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم واكون لهم الها وهم يكونون لي شعبًا. ولا يعلمون بعد كل واحد". وهذا هو عمل الروح القدس في العهد الجديد.... 1) يسكب محبة الله في قلوبنا فنطيع الوصية لأننا نحب الله (يو14: 23). 2) الروح القدس يعلمنا كل شيء (يو14: 26).
نرى فيه قصة فَقْد الإنسان لمجده بسبب الخطية والخلاص بالمسيح.
راجع جدول أنساب السيد المسيح فترى أن يكنيا يختم المجموعة الثانية التي بدأت بسليمان = المعنى أن الله نفذ وعده بتأسيس مملكة قوية غنية فقدها البشر بسبب خطيتهم.
ويبدأ به القديس متى المجموعة الثالثة التي تنتهي بالمسيح الذي يخلص ويعيد لنا ما فقدناه.
يكنيا رفض لخطيته وذهب للسبي = "هل هذا الرجل كنياهو وعاء خزف مهان مكسور أو اناء ليست فيه مسرة. لماذا طرح هو ونسله والقوا إلى ارض لم يعرفوها (بسبب الخطية طرد الإنسان من جنة عدن)، (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). يا ارض يا ارض يا ارض اسمعي كلمة الرب. هكذا قال الرب. اكتبوا هذا الرجل عقيما رجلا لا ينجح في ايامه لأنه لا ينجح من نسله احد جالسا على كرسي داود وحاكما بعد في يهوذا (لم يجلس على كرسي الملك ابنًا ليكنيا بعده)" (إر 22: 28 - 30).
ابن يكنيا يبني الهيكل ولكن كان هناك ابن ليكنيا اسمه زربابل عاد من السبي كوال على اليهودية ليبني الهيكل وهو يرمز للمسيح الغصن الخارج من نسل داود ليخلص ويبني هيكل جسده. "كلم زربابل والي يهوذا قائلا.أني ازلزل السموات والأرض. واقلب كرسي الممالك وابيد قوة ممالك الامم واقلب المركبات والراكبين فيها وينحط الخيل وراكبوها كل منها بسيف اخيه. في ذلك اليوم يقول رب الجنود اخذك يا زربابل عبدي ابن شالتيئيل يقول الرب واجعلك كخاتم لأني قد اخترتك يقول رب الجنود" (حج2: 21 - 23).
وكرمز لخلاص الإنسان وهو ما زال على الأرض رفع ملك بابل يهوياكين وهو في السبي ليأكل على مائدته: "وفي السنة السابعة والثلاثين لسبي يهوياكين ملك يهوذا في الشهر الثاني عشر في السابع والعشرين من الشهر رفع اويل مرودخ ملك بابل في سنة تملكه راس يهوياكين ملك يهوذا من السجن. وكلمه بخير وجعل كرسيه فوق كراسي الملوك الذين معه في بابل. وغير ثياب سجنه وكان يأكل دائمًا الخبز امامه كل ايام حياته. ووظيفته وظيفة دائمة تُعْطَى له من عند الملك امر كل يوم بيومه كل ايام حياته" (2مل25: 27 - 31).
المجموعة الأولى |
المجموعة الثانية |
المجموعة الثالثة |
|
1- إبراهيم 2- اسحق 3- يعقوب 4- يهوذا 5- فارص 6- حصرون 7- أرام 8- عميناداب 9- نحشون 10- سلمون 11- بوعز 12- عوبيد 13- يسي 14- داود |
يكنيا <---- |
| | | | | | | | | | | | | |
|
----> (يكنيا) |
← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52
الفهرس |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
دراسة في سفر إرميا |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3k9mtc7