ضياع مملكة إسرائيل على يد آشور يمثل كسر الإناء الخزفي (أر19). وتجديد يهوذا يمثله مثل الفخاري (أر18).
1. ظلت مصر متسلطة حتى هزيمتها سنة 606 ق. م. في معركة كركميش على يد بابل وبدأ تسلط بابل.
2. انتهت مملكة يهوذا سنة 586 ق. م. وسقطت نهائيًا ودمر الهيكل وأحرقت أورشليم وسقط سورها.
3. حدث السبي على 4 مراحل. وكان السبي الأول أيام يهوياقيم والسبي الثاني قُتِلَ فيه يهوياقيم والسبي الثالث أُسِرَ فيه يكنيا إلى بابل والسبي الرابع انتهت به المملكة أيام صدقيا وكلهم بواسطة بابل.
1. يوشيا:- كان ملكًا قديسًا ورث الحكم من أبيه منسى الملك أشر ملوك يهوذا الذي نشر العبادة الوثنية في يهوذا، ومع أنه تاب في أواخر أيامه إلا أن هذه العبادة كانت قد انتشرت كالنار في كل المملكة. وجاء يوشيا فأزال مظاهر العبادة الوثنية ولكنه غالبًا لم يستطع أن يزيل ما في القلوب. بدأ في أيامه ضعف مملكة أشور فاستقلت مصر من قبضتها سنة 650 ق.م. على يد بسماتيك وفي أيامه ملك نبوبلاسر سنة 625 ق.م. على بابل وأخرب نينوى عاصمة أشور سنة 612 ق.م. ولأنه كان هناك تحالف مصر وأشور فحاول نخو ملك مصر مساعدة اشور ضد بابل، ولكن تصدى يوشيا ملك يهوذا لنخو ملك مصر وحاربه، ربما لأنه فضل انتصار بابل ولكن كان هذا خطأ منه فالمعركة لم تكن ضده. وهزم نخو ملك مصر يوشيا وقتله سنة 608 ق.م. وكان ليوشيا إصلاحات دينية كثيرة وأعاد للهيكل هيبته وأصلحه واحتفل بالأعياد خصوصًا بعد العثور على نسخة من كتاب الشريعة وقراءتها. بدأ إرميا خدمته في السنة الثالثة عشرة لحكمه. وهاجم إرميا الإصلاح الظاهري فالملك يأمر بالإصلاح ولكن الفساد داخل القلوب. وكان إرميا يطلب القلب التائب ولا يقتنع بالمظاهر. ولذلك هاجم اتكالهم على وجود الهيكل وسطهم بينما أبقوا على الخطية في داخلهم. والدليل على صدق إرميا في ذلك أنه بعد موت يوشيا جاء ملوك فاسدون للحكم ووجدوا قلوبًا مستعدة.
2. يهوأحاز:- ابن يوشيا وكان شريرًا وكان اسمه قبلًا شلوم وعزله نخو وأسره ومات في مصر.
3. يهوياقيم:- هو أخو يهوأحاز وكان اسمه إلياقيم وملكه نخو بدلًا من أخيه وكان شريرًا أيضًا وحدث في عهده ارتداد للوثنية وهو أرهق الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لمصر. وفي سنة 605 ق.م. هُزِمَ فرعون أمام نبوخذ نصر في معركة كركميش وجاء لأورشليم واستولى على جزء من آنية بيت الرب وسبا بعض سكانها ومنهم دانيال والثلاثة فتية (وكان هذا هو السبي الأول). ودفع هذا الملك الجزية لبابل 3 سنين ثم عصى وتمرد وحذره إرميا وأرسل لهُ نبواته بأنه يجب عليه الخضوع لبابل فأمسك بالدرج المكتوب به النبوات ومزقه بالمبراة وألقاه في النار إلى أن تحول لرماد. وصعد عليه نبوخذ نصر وأسره ومات في الطريق كنبوة إرميا (وكان هذا السبي الثاني).
4. يهوياكين:- ابن يهوياقيم واسمه كان يكنيا أو كنياهو وكان شريرًا وحاصر نبوخذ نصر أورشليم في أيامه فإستسلم وسباه لبابل (السبي الثالث) وملك متانيا عم يكنيا مكانه باسم صدقيا، وقد عاش يكنيا 37 سنة في بابل ثم رفع الملك البابلي وجهه.
5. صدقيا:- كان شريرًا وانتشرت أيامه العبادات الوثنية وتمرد بعد 8 سنوات من ملكه على نبوخذ نصر وكان ذلك بتشجيع من الأنبياء الكذبة، ولم يقبل أن يستمع لمشورة إرميا. فجاء نبوخذ نصر في السنة التاسعة لملكه وحاصر أورشليم 18 شهرًا. وفي آخر فترة الحصار نقب البابليون السور وهرب صدقيا ولكن أدركه الكلدانيون (البابليون) وقتلوا أولاده أمام عينيه ثم فقأوا عينيه (وكان هذا هو السبي الرابع). ولم يبق بعد هذا السبي في يهوذا سوى مساكين الأرض. وبنهاية ملك صدقيا انتهى كرسي داود وسقطت المملكة.
6. جدليا بن أخيقام:- أقامه الكلدانيون على الشعب المتبقي وحكم لعدة شهور ثم أغتيل بيد إسمعيل في مؤامرة. وهرب إسمعيل بعد ذلك. فخاف الشعب المتبقي من انتقام نبوخذ نصر منهم لأن بعض البابليون ماتوا في هذه المؤامرة، وصمموا على الهرب إلى مصر طلبًا لحمايتها. وكان هذا ضد رأي إرميا بعد أن سأل الله. ولكنهم لم يستمعوا لنبوته بهلاكهم في مصر بل أجبروا إرميا النبي على الذهاب معهم إلى مصر. حيث انتهت حياته فيها بالاستشهاد رجمًا بالحجارة على يد الشعب اليهودي الذي لجأ لمصر (وهذا بحسب التقليد).
1. اختاره الله في سن صغيرة ولذلك قال [جيد للرجل أن يحمل النير في شبابه]. وكان النير بالنسبة له خدمته واضطهاده من الجميع وأحزانه على ما سوف يحدث لشعبه (مرا27:3).
2. استمرت خدمته حوالي 41 سنة في مملكة يهوذا قبل سقوطها وبعد سقوطها. ثم استمرت خدمته ونبواته في مصر لمدة يصعب تحديدها. وكان كاهنًا من عائلة كهنوتية من بلدة عناثوث.
3. في مقارنة مع إشعياء نجد هناك فارقًا، فأسلوب إرميا أعنف وتهديداته أكثر والسبب زيادة فساد الشعب، فحينما تزداد الخطية يجب أن يكون التوبيخ أعنف. وكانت إنذاراته تتلخص في أنه إن لم يقدموا توبة عن خطاياهم فسيسلمهم الله ليد نبوخذ نصر، والله دائمًا ينذر قبل أن يضرب ولذلك لنلاحظ قول الله الذي تكرر كثيرًا في هذا السفر [أنذرتكم مبكرًا.. كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا.. عَلَّمْتُهُمْ مُبَكِّرًا..] (إر 7: 13، 25؛ 11: 7؛ 25: 3، 4؛ 26: 5؛ 32: 33؛ 35: 14، 15؛ 42: 19؛ 44: 4). لذلك يعتبر هذا السفر سفر إنذار مبكر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان الإنذار بالخراب بكلمات واضحة.
4. حينما ازداد عناد الشعب والملك تغيرت اللهجة إلى أن الاستسلام واجب لملك بابل. فقد كان حكم الله قد صدر. ومن مراحم الله أنه حتى بعد أن قضى عليهم، بهذا يرشدهم لأحسن وسيلة حتى تكون الخسائر أقل ما يمكن فبالتأكيد كان استسلامهم للسبي أفضل من حريق وخراب دولتهم وهيكلهم وكل شيء. ولكن اتهموا النبي بأنه خائن ومتواطئ مع ملك بابل لأنه كان يتنبأ بانتصاره ولكن هذا مردود عليه بالآتي:-
أ. هو نفسه تنبأ بخراب بابل عدة مرات، بل هناك إصحاحين كاملين عن هذا (إر 51،50) فلو كان عميلًا لملك بابل لما تجرأ على ذكر هذا الخراب الرهيب ضد بابل.
ب. تنبأ برجوع الشعب من السبي (إر 16: 15؛ 21:31؛ 5:32).
ت. بل هو حدد فترة السبي بـ70 سنة يعقبه خراب بابل (إر 12:25 + 10:29).
ث. كان مفهوم النبي عن السبي أنه علاج للخطية المتفشية وبالذات الوثنية ويشرح هذا بوضوح في إصحاحي 19،18 ففي إصحاح (إر 18) الفخاري يعيد تشكيل الإناء الذي فسد وفي إصحاح (إر 19) إذا وصل الفساد إلى الحد الذي لا يُرجى منه صلاح يكسر الفخاري الإناء وهذا ما حدث مع إسرائيل. وكان هذا العلاج ناجحًا جدًا فلم ترجع إسرائيل أبدًا لعبادة الأوثان بعد عودتها من السبي.
5. كان نبيًا مُعذَّبًا مضطهدًا من شعبه ومن الكهنة ورؤسائهم ومن الملوك بل ومن عائلته. وهو عاش وتنبأ في أيام ما قبل خراب أورشليم بيد بابل كما عاش المسيح أيام ما قبل خراب أورشليم بيد الرومان. وكانت أخلاقيات الشعب في الحالتين متشابهة وعلى درجة كبيرة من الانحطاط، فكما اضطهدوا الرب يسوع (شعبًا وكهنة وملوكًا) هكذا كان الحال مع إرميا فالخطاة لا يحتملوا الأبرار، ولا الشيطان يحتمل أولاد الله ولذلك جاء عليهم الغضب لنهايته (1تس16،15:2). وانتهت حياته رجمًا بيد اليهود وحين جاء الإسكندر الأكبر لمصر أخذ عظامه المدفونة بإهمال وحملها للإسكندرية ودفنها هناك.
6. كان نبيًا باكيًا وَسُمِّيَ بالنبي الباكي لبكائه على خطايا شعبه ومصيرهم الذي أعلنه الله له، وَسُمِّيَ كذلك بسبب كتابته للمراثي. ولذلك ظن بعض معاصري المسيح أنه إرمياء لأنه كان باكيًا أيضًا وكان رجل أحزان مختبر الألم (مت14:16).
7. نبوات إرميا غير مرتبة زمنيًا ويمتزج فيها التهديدات بالمراحم الإلهية للتائبين.
8. وعود الخلاص من السبي تشير بوضوح للخلاص بواسطة المسيح.
9. في نبوة باروخ (الأسفار القانونية الثانية) توجد عظة من ارمياء للمسبيين يدعوهم لعدم عبادة الأوثان وبطل ذلك وغباء عباد الأوثان (باروخ 6) وفي أسفار المكابيين (2مك4:2) نرى أن إرميا خبأ تابوت العهد ومذبح البخور في كهف بعد خراب الهيكل.
10. عانى كثيرًا إرميا النبي من الأنبياء الكذبة الذين يعطون للشعب وعودًا كاذبة بالسلام، بينما كان النبي إرميا ينذرهم بالخراب بسبب الخطية. ولكن هكذا الناس في كل جيل يميلون لسماع الكلام الناعم المعسول عوضًا عن الحقيقة. وكان النبي لا يرى وسيلة للسلام سوى التوبة وإصلاح الداخل. "سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ" [لأنكم أشرار] (إر 14،13:6).
11. بالمقاييس البشرية كان إرميا في خدمته فاشلًا فلا نرى أن أحدًا تاب بسببه ولكن كان هو صوت الله الذي بسببه سيدين الله هذا الشعب غليظ الرقبة فهم قد سمعوا ورفضوا.
12. كان النبي يتعب كثيرًا من اضطهاده وتعذيبه واستمر صراخه (طوال العشرون إصحاحًا الأوائل) ولكن أعقب هذا الصراخ سلام فهو كان صراخًا لله وليس شكوى للناس فالله قادر أن يسمع ويحل المشكلة ويعطي عزاء ولكن البشر غير قادرين على ذلك.
13. بالنسبة لموقف النبي من التحالفات مع الدول المحيطة فكان رأيه عدم الاعتماد عليهم (مصر مثلًا) وأن يكون اتكال الشعب على الله فقط. ولأن رأيه خالف أراء الرؤساء اضطهدوه.
14. معنى اسمه في العبرية الرب يؤسس (أرم = يرمم) وهذا هو موضوع النبوة، فالله أرسله "لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ" (إر 1: 10). فأورشليم فسدت ورأى الله أن وسيلة الإصلاح أن يهدمها ويبنيها من جديد. وكان هذا ما شرحه الله في موضوع الفخاري (ص18). والله بهذا يشرح أيضًا كيفية الخليقة الجديدة بالفداء والمعمودية (وهي موت وقيامة مع المسيح كخليقة جديدة). وإرمياء لم يهدم ولم يبني أورشليم جديدة بل هو تنبأ بهذا، وما تنبأ به حدث. ولاحظ أن تنبأ إشارة لكلمة قالها إرمياء، والخليقة الجديدة ستكون بكلمة الله المسيح. ونفس الفكرة شرحها الله في كيفية خلق خليقة جديدة في (حز37)، فحزقيال حين تنبأ على العظام الميتة صارت إنسانًا كاملًا (راجع شرح حز37؛ راجع نقطة 21).
15. وهو من عناثوث التي في أرض بنيامين (4 ميل شمال شرق أورشليم) ووجه الله لهُ الدعوة قائلًا "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك، قد جعلتك نبيًا للشعوب" وقد مسَّ الرب فمه ليعده للخدمة دون أن يذكر شيئًا عن تطهره كما ذُكرَ عن إشعياء (أش 6) ربما لأن سنه كان صغيرًا كما يقول القديس جيروم وقد واجه ظلم شديد من كل طوائف شعبه ولم يصنع شيئًا سوى البكاء والصلاة فشابه المسيح "ظُلِمَ أما هو فتذلل" وقد عاصره من الأنبياء صفنيا في يهوذا ودانيال وحزقيال في بابل (صف 1:1).
16. بعد اكتشاف سفر الشريعة الذي يشدد على أن العبادة تكون في أورشليم أخذ إرميا يبشر بهذا فحدث عداء بينه وبين الكهنة الذين كانوا يمارسون طقوسهم بعيدًا عن أورشليم وهاج عليه أهله في عناثوث لأنه خالفهم وكشف أخطاءهم فحاولوا قتله.
17. ظهور إرميا بعد موته:- يُذكر هذا في (2مك12:15-16) أنه ظهر في جلال وبهاء مع أونيا الحبر الأعظم في حلم ليهوذا قبل حربه مع نيكانور وتحدث أونيا مع يهوذا المكابي يعرفه بإرميا. فقال هذا محب الأخوة المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة، إرميا نبي الله. ثم مد إرميا يمينه وأعطى يهوذا سيفًا من ذهب وقال خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله تحطم به أعداؤك. وفعلًا فقد انتصر يهوذا المكابي في تلك الحرب وقتل نيكانور مع 35000 من جنده.
18. إرميا وباروخ:- باروخ بن نيريا هو الذي صاغ كلمات السفر حسب ما أملاه له إرميا وغالبًا فهو الذي أضاف الأحداث التاريخية وتاريخ إرميا الشخصي وباروخ هو أيضًا نبي وله نبوة باسمه في الأسفار القانونية الثانية ويجيء موضع نبوته بعد مراثي إرميا. وتشمل رسالة من إرميا للمسبيين.
19. في مقارنة بين إرميا ويونان النبيين: نجد فرقًا يشير لمحبة إرميا الفائضة، فنجد إرميا ينوح على ما سبق وأنبأ به من خراب، وما كان أبهج إرميا لو حدث وثبت خطأ كل نبواته أو أنها لم تتم ونجا الشعب، بالرغم من أن تنفيذ النبوات يثبت صدق إرساليته.
20. مصر في سفر إرميا:- أثناء حصار بابل لأورشليم أتى فرعون حفرع أو هفرع لمعونة صدقيا المحاصر فرفع نبوخذ نصر الحصار إلى حين يرد على هفرع (أر5:37) ولكن كان هذا لمدة أيام. وفي النهاية قُتل هفرع بيد شريكه في الحكم أحمس الثاني وفقًا لنبوة إرميا (إر 30:44) وفي أثناء حكم أحمس الثاني 570-526 ق.م. تقدم نبوخذ نصر زاحفًا كما تنبأ إرميا (إر 10:43-13)، (إر 13:46-26) والمدن المصرية المذكورة في السفر هي نو = (إر 25:46) وتسمى أمون نو أو آمون وهي طيبة والآن الأقصر. وكانت عاصمة مصر ومركز عبادة الإله أمون. وبيت شمس (إر 13:43) = وهي أون أو هليوبوليس أي مدينة الشمس مركز عبادة الإله رع. وهي بجانب المطرية. وتحفنحيس (إر 7:43-9) = واتخذها اليهود اللاجئين مسكنًا لهم وهي الآن تل دفنة على بعد 16 كم. من القنطرة ناحية غرب. وفتروس= استوطن بها بعض اليهود وهي في الجنوب (إر 15،2،1:42). ونوف = هي ممفيس = ميت رهينة جنوب القاهرة عند هرم سقارة. ومجدل = اسم في اللغات السامية بمعنى حصن وهي مدينة شمال مصر على حدودها تجاه فلسطين والعبارة "من مجدل إلى أسوان" تشير للأرض المصرية كلها من الشمال إلى الجنوب.
ونلاحظ أنه بعد سقوط أشور سنة 612 ق.م. على يد بابل حاولت مصر أن تتسيد على المنطقة كبديل لأشور، فخرج جيش مصر مستغلًا ضعف أشور بعد سقوطها خصوصًا وأن بابل ما زالت مملكة وليدة. ولكن يوشيا أخطأ في حساباته وخرج ليحارب نخو ملك مصر، فهزم نخو يوشيا وقتله، ولكن بابل هزمت مصر بعد ذلك في معركة كركميش، فعاد فرعون أدراجه إلى مصر. ولكن ملوك مصر لم يكفوا عن المحاولات، وكانوا يحرضون ملوك المنطقة ومنهم ملك يهوذا، على أن يتمردوا على ملك بابل، وكانوا يشجعون ملوك يهوذا أن يقيموا حلفًا مع مصر به يقاومون حكم بابل. إذًا لقد حاولت مصر أن تتزعم حلفًا في المنطقة ضد بابل. ولكن كان رأي إرميا أنه لا يوافق على هذا الحلف، بينما أن الأنبياء الكذبة في أورشليم شجعوا ملوك يهوذا على ذلك، وهذا مما حمل الجميع ملوكًا وكهنه، وأنبياء كذبة، بل والشعب، على الوقوف ضد إرميا واضطهاده.وكانت دعوة إرميا لصدقيا آخر ملوك يهوذا لأن يلتزم بتعهداته وحلفه (أقسامه) لنبوخذ نصر ملك بابل بأن يظل خاضعًا لهُ، ولكن صدقيا كان أضعف من أن يقف في وجه التيار المؤيد للتحالف مع مصر ضد بابل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان أن خيانة صدقيا ونقضه لحلفه الذي حلف به أمام نبوخذ نصر، قد أغضبت الله جدًا، إذ اعتبر الله أن القسم باسمه والرجوع عن ذلك هو إهانة له (حزقيال13:17-16) وقطعًا فلقد وجهوا تهمة لإرميا هي أنه ضد الوطن ومصلحته، وأنه خائن لشعبه ووطنه.
إن مصر في وثنيتها وكبريائها كانت ترمز لكبرياء العالم، وبخيراتها ونيلها وقوتها ترمز لخيرات هذا العالم وقوته الزمنية. وكان إرميا في تحذيراته بعدم الالتجاء لمصر، بل الالتجاء لله بتوبة حقيقية هو نداء الكتاب المقدس دائمًا لمن هم في شدة، أن لا يحاول إصلاح حاله بالاعتماد على قوة بشرية، بل أن يصلح من حاله، وقلبه، وحينئذ يصلح الله له كل ما وقع فيه من مشاكل. وأن نحتمي بالله وليس بالأموال والوساطات... إلخ.
21. معنى اسم النبي وموضوع النبوة
معنى اسم إرميا = الرب يؤسس. فالله يهدد بأن بابل ستخرب يهوذا وأورشليم وتضرب الشعب، لا لأن الله يريد أن ينتقم، بل لأن الله يريد أن يعيد تأسيس شعبه من جديد بعد أن فسد. وهذا معنى مثال الفخاري الذي أراه الله للنبي ارمياء (إصحاح 18) وهذه كانت أول كلمات الله لإرميا (أر10:1) وقد وكلتك اليوم على الشعوب لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس وهذا هو معنى إعادة التأسيس كما حدث في الطوفان أيضًا... هلاك الميئوس من إصلاحهم (مثل إبريق الفخاري أر 19) وإعطاء حياة جديدة لمن يوجد فيه رجاء فالله لا يقصف حتى القصبة المرضوضة (راجع نقطة 14).
وهناك من فسر اسم النبي هكذا "الرب يرمي" وبهذا المعنى، فالله قرر أن يرمي شعبه في يد بابل ليؤدب شعبه، وبعد أن ينتهي التأديب، يرمي الله عصا التأديب هذه أي بابل (وهذا هو موضوع إصحاح أر51). فبعد أن تؤدي العصا دورها، يرميها الله. وهذه هي طريقة الله دائمًا، فكما ألقى الله أو رمى شعبه في يد بابل ليتأدب هذا الشعب، أسلم الله الخليقة للباطل (رو20:8) حتى تتأدب. وبعد أن تنتهي عملية التأديب يُلقي الله هذه العصا (أي إبليس) في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20). لقد ظن اليهود أن نبوات إرميا ضدهم بأنهم سيقعوا في يد ملك بابل هي خيانة للأمة بينما أن الله كان يعد العدة وسيستخدم ملك بابل في إعادة تأسيس يهوذا روحيًا، وهذا نفس الأسلوب الذي اتبعه بولس الرسول في تأديب زاني كورنثوس" يُسَلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1كو5:5). وتهمة الخيانة الوطنية وجهت للرب يسوع نفسه، وأنه بتعاليمه سيجعل الرومان يأتون على دولة اليهود (يو47:11). بينما أن المسيح أتى ليعيد تأسيس البشرية وتجديدها، وما زال أسلوب المسيح في إعادة تأسيس الكنيسة هو موت وحياة، وهذا يتم بالمعمودية (رو2:6-8) وهذه تساوي تمامًا (أر10:1). وهذه أيضًا تساوي مثل الفخاري. وما زال المسيح يسمح بأن نقع في يد إبليس لنتطهر ونتأدب بالتجارب. وهذا ما حدث مع أيوب ومع بولس (2كو7:12) لذلك يفرح المؤمن بالتجارب (يع2:1) فمن تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط1:4) وكلما كان الجسد الخارجي يفنى بالتجارب والآلام يتجدد الداخلي يومًا فيوم (2كو16:4).
22. إرميا والمسيح
أ. كان إرميا يعيش وسط حالة من الانحطاط الفظيع على كل المستويات، وهكذا كان المسيح. وكما تنبأ إرميا عن خراب أورشليم هكذا فعل المسيح. قارن (أر16،15:1) مع (مت38:23) وكما كان إرميا نبيًا باكيًا، هكذا حزن المسيح على أورشليم وما سيحدث لها (لو41:9-44) + (لو28:23-31).
ب. كان إرميا نبيًا مرفوضًا من شعبه (إر 18:11-21) ومن إخوته (إر 13:14-16 + 10:28-17) هم ضربوه ووضعوه في مقطرة وهددوه بالقتل (إر 2:20 + 8:26 + 26:36) هم سجنوه واتهموه بالخيانة الوطنية (إر 3،2:32 + 11:37-15) ووضعوه في جب ليموت (إر 6:38) وقيدوه بسلاسل (إر 1:40). إرميا كان مرفوضًا من الجميع ملوكًا وكهنة وشعب وأنبياء كذبة، وهكذا كان المسيح الذي قيل عنه " إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يو11:1) والشعب صرخ قائلًا أصلبه أصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا. وإخوته لم يقبلوه (مر21:3) + (يو5:7) ولقد ضُرِب السيد وصُلب ودفنوه. فاليهود أبغضوا إرميا وهكذا المسيح، فمن يحيا في الظلمة يبغض النور، الخاطئ لا يريد أن يوبخه أحد، (يو20:3+7:7).
ت. تنبأ إرميا عن العهد الجديد، بل هو الذي أطلق هذا الاسم (إر 31:31-34) وتنبأ عن المسيح (إر 3:23-6) فأسماه غصنًا وأنه يملك بعدل ويخلص ويعطي شعبه سلامًا وأنه برّنا. وأنه سيعيد للبشر ميراثهم (إر 8:23). ويسمي المسيح داود ملكهم الذي يقيمه الرب لهم (إر 9:30) وأن المسيح يساق للذبح كخروف (إر 19:11) وعن آلام المسيح وأحزانه التي صار إرميا فيها رمزًا للمسيح (أر9:23) ومرة أخرى يتنبأ عن ميلاد المسيح بالجسد ويسميه غصنًا (إر 15:33)، وأن هذا كان بحسب وعود الله ونبوات الأنبياء (إر 14:33) وأن المسيح هو الذي سيخلص شعبه وهو الذي يبررهم (إر 16:33) ويتنبأ عن الكهنوت المسيحي (إر 18:33). ولاحظ أن في قول إرميا الرب برنا (إر 6:23 + 16:33) نبوة عن لاهوت المسيح. ويتنبأ إرميا عن قتل أطفال بيت لحم (إر 15:31) + (مت18،16:2). وفي (إر 17،15:15) نرى إرميا رمزًا للمسيح في احتماله للعار، وفي احتماله للأحزان. وفي مثل الخزاف (أر18) نرى عمل المسيح في إعادة تشكيل الخليقة لتصير في المسيح خليقة جديدة (2كو17:5).
ث. إرميا في احتماله للآلام كان حامِلًا للصليب، وكل مَنْ يحمل الصليب يتمجد، فالصليب مجد (يو39:7)، ومن يحتمل الصليب يكون شريكًا للمسيح في صليبه وبالتالي في مجده (رو17:8). ولنرى هذا عمليًا، فلقد قال الله لإرميا يوم اختاره وكلفه بعمله النبوي "ها قد جعلت كلامي في فمك" (أر9:1). وبعد أن ذاق إرميا الآلام التي تحملها لأجل الله نسمع قول الله له "مثل فمي تكون" وهذه درجة أعلى وأمجد (أر19:15).
ج. في (أر1:1-3) يحدد النبي مدة نبوته، ولكن هذا التاريخ المدون هنا سجله النبي غالبًا وهو في أورشليم بعد أن سقطت في يد نبوخذ نصر ملك بابل وأحرقها، وتم ما تنبأ عنه إرميا النبي، لكن النبي استمر في نبواته حتى بعد أن أخذوه معهم عنوة إلى مصر. ولقد استمر إرميا في نبواته حوالي 50 عامًا، وذلك بإضافة مدة تقديرية قضاها في مصر قبل أن يرجموه هناك، فالمدة المسجلة التي قضاها في أورشليم هي 41 سنة.
← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/mfdvy3v