← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40
الإصحاحات (30، 31، 32، 33) هي إصحاحات تعزية.
يستمر هذا الإصحاح في رسالة العزاء لشعب الله المسبي في بابل أو شعب الله في كل مكان الذي ينتظر مجيء المسيح ليحرره من عبودية إبليس. ويؤكد هنا للمسبيين أنه في الوقت المحدد سيعودون هم وأولادهم لأرضهم ويكونون أمة عظيمة سعيدة. وهذا التأكيد موجه للكنيسة التي سيأتي لها المسيح ويكوِّن منها جسدًا لهُ فتزدهر وتنمو. فالمسيح فيه وحده تحقيق هذه الوعود بالكامل.
الآيات 1-9:- "«فِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَكُونُ إِلهًا لِكُلِّ عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، الشَّعْبُ الْبَاقِي عَنِ السَّيْفِ، إِسْرَائِيلُ حِينَ سِرْتُ لأُرِيحَهُ». تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: «وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ. سَأَبْنِيكِ بَعْدُ، فَتُبْنَيْنَ يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. تَتَزَيَّنِينَ بَعْدُ بِدُفُوفِكِ، وَتَخْرُجِينَ فِي رَقْصِ اللاَّعِبِينَ. تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا فِي جِبَالِ السَّامِرَةِ. يَغْرِسُ الْغَارِسُونَ وَيَبْتَكِرُونَ. لأَنَّهُ يَكُونُ يَوْمٌ يُنَادِي فِيهِ النَّوَاطِيرُ فِي جِبَالِ أَفْرَايِمَ: قُومُوا فَنَصْعَدَ إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا، وَاهْتِفُوا بِرَأْسِ الشُّعُوبِ. سَمِّعُوا، سَبِّحُوا، وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. هأَنَذَا آتِي بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. بَيْنَهُمُ الأَعْمَى وَالأَعْرَجُ، الْحُبْلَى وَالْمَاخِضُ مَعًا. جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجعُ إِلَى هُنَا. بِالْبُكَاءِ يَأْتُونَ، وَبِالتَّضَرُّعَاتِ أَقُودُهُمْ. أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا. لأَنِّي صِرْتُ لإِسْرَائِيلَ أَبًا، وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي."
إنتهى الإصحاح السابق بوعد بمجيء المسيح المخلص (آية21)، الذي يؤسس الكنيسة شعب الله (آية22). ثم غضب الله ودينونة الشيطان بالصليب (آية23). ثم دينونته النهائية في نهاية الأيام (آية 24). وهنا نرى المسيح يكون الكنيسة هيكل جسده من اليهود ومن الأمم ورمزهم هنا إسرائيل المملكة الشمالية التي كانت قد إنحرفت للعبادة الوثنية.
في (1) الله يعد شعبه إسرائيل، المملكة الشمالية والجنوبية معًا وأيضًا إسرائيل الروحي، إسرائيل الله (غلا16:6) أي الكنيسة، أنه سيدخل معهم في عهد من جديد بعد أن إنسكب غضبه على الأشرار (إر 24،23:30) وبعد رجوع الشعب من بابل إنضم يهوذا مع إسرائيل فعلًا بعد أن عوقبت بابل. وبعد الصليب إجتمع ليس إسرائيل فقط مع يهوذا بل العالم كله. ونلاحظ أن انضمام يهوذا لإسرائيل يشير لانضمام العالم كله أي الأمم لليهود بعد
المسيح = كل عشائر إسرائيل. وبعد أن كان الأمم مرفوضين يصيروا من شعب الله = وهم يكونوا لي شعبا. فإسرائيل بعد انقسامها عن يهوذا وانفصالها لم يعد الله في وسطها فليس لهم هيكل ولا كهنوت لذلك جعلهم يربعام بن نباط أول ملك لهم بعد الانفصال يعبدون عجلًا ذهبيًا. إذن فهم يشيرون للعالم الوثني الغارق في عبادة الأوثان ولكنهم ما زالوا شعب الله. وبعد المسيح سيجتمع شمل جسد المسيح ثانية (المسيح جعل الاثنين واحدًا (أف14:2).وفي (2) سيصنع الله للناجين من بابل كما صنع للناجين من مصر وكما قصد بهم دائمًا حين اختارهم كشعب فهو دائمًا يفيض عليهم ببركاته. ولذلك يذكرهم بما صنعهُ مع آبائهم في خروجهم من مصر حين كانوا شعب متبقي من السيف، سيف فرعون، الذي قتل أطفالهم أولًا، وهذا السيف هددهم حتى وصولهم إلى البحر الأحمر وهكذا قصد الشيطان قتل وهلاك كل أولاد آدم، أولاد الله. وكما نجا أبكار الشعب بدم الخروف، خروف الفصح هكذا الكنيسة خلصت بدم المسيح. ثم دخلوا البرية، برية سيناء حيث ظنوا أنهم منسيين مثل حالهم الآن في بابل، فهم يظنون أن الله قد نسيهم تمامًا بينما الله كان يعد لهم راحة في أرض كنعان. وهكذا في العهد القديم كان
الله يُعِّد الخلاص بالمسيح والآن يُعِّد لنا أمجاد السماء حيث الراحة الأبدية. فهو لم ينسانا. وحين تضيق بنا الأمور يجب أن نثق أن الشمس خلف الغيمة وأن هناك كنعان بعد البرية، وهناك خلاص بعد إنقضاء فترة السبعين سنة ومجيء المسيح لخلاص وتحرير شعبه. وفي (3) تراءى لي الرب من بعيد= يقولها اليهود في السبي أنهم نظروا خلاص الرب مع آبائهم في مصر. ولكن كان هذا من بعيد أما الآن فلا نرى خلاصًا، نحن سمعنا عن خلاص الله لأبائنا في مصر ولكن نحن الآن في بابل بلا أمل. ويقولها من كان ينتظر مجيء المسيح ولكنه كان يظن أن مجيئه بعيدًا، ويقولها كل متضايق... أنا أثق أن الله يمكن أن يعين البشر ولكنه بعيد. ولكن الله يرد.... محبة أبدية أحببتك فأصبر وإنتظر الرب لأني رَحَمْتُكِ، ورحمتي أبدية لشعبي = أدمت لك الرحمة = ولن أنساكِ أبدًا. حتى [إن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم] (إش15:49). فالله يحبنا ويرحمنا، محبة ورحمة أبدية. حتى لو بدا لنا لبعض الوقت أن محبته ورحمته غير ظاهرة. ومن يحبه الرب هذا الحب يدخل معهُ في عهد ويقربه منهُ ويبنيه (5،4) . ويشبهها هنا بعذراء (التوبة تُحَوِّل الزاني لبتول) أعاد الله زينتها بعد أن فقدتها وأعاد لها أفراحها ودفوفها. فمن يشعر بمحبة الله هذه يسبحه طول العمر. ولكن من هو في السبي لا يستطيع أن يسبح. لذلك كان لسان حالهم في السبي [علقنا قيثاراتنا على الصفصاف (فنحن لا نستطيع أن) نسبح تسبحة الرب في أرض غريبة] (مز137). وهكذا كل من هو في سبي الخطية مستعبد من شهواته لا يستطيع أن يسبح بفرح ولكن حينما يحرره الله منها يسبحه. وهكذا سبحت مريم ورقصت حين سبح موسى مع كل الشعب بعد خروجهم من مصر أرض العبودية وهكذا سيسبح السمائيين بعد وصولهم للسماء (رؤ1:14-3). ولاحظ أنه حين نخدم الله ونعيش لهُ تلازمنا أفراحه. وسوف تغرس كرومًا (الخراب والحزن تحولا لثمار وأفراح) في يهوذا والسامرة حيث أصبح هناك سلام بينهما (يهود وأمم)، فالسامرة هنا رمز للأمم الذين كانوا في عداء مع اليهود. ولكن تلاميذ المسيح الذين خرجوا من اليهود ومن أورشليم ذهبوا وبشروا في السامرة بعد أن بدأوا بأورشليم فهم غرسوا كرومًا (تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا) أي مؤمنين في السامرة. يغرس الغارسون ويبتكرون = أي أن الغارسون سيفرحون بالباكورات أي بالمؤمنين الذين سيؤمنون بكرازتهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا نفس المعنى الذي في (6) فالنواطير أي حراس الكرم. فهم بشروهم وكرزوا لهم وهم حراس إيمانهم ويدعونهم دائمًا إلى الصعود إلى صهيون = إلى الكنيسة كنيسة الرب إلهنا . وهذا عمل خدام المسيح دائمًا حراسة شعبه من العدو إبليس وجمع أولاد الله للكنيسة (7)، وحينما يجتمع الشعب في الكنيسة عليه أن يصلي لله أن يخلص بقية شعبه. بل يخلص الجميع ويدعو غير التائبين للإيمان والتوبة. وفي (8) الله سيجمع الجميع حتى غير الصالح وغير القادر على المشي = الأعرج ومن هو غير قادر على رؤية الطريق = الأعمى. فمن يقوده الله لن يصبح أعرج ولا أعمى، فالله سيصبح قوته ، بل سيجمع أيضًا للكنيسة الحُبلى والماخض معًا = لاحظ أن الأعرج والأعمى والحبلى والماخض كل هؤلاء يبدو أن عودتهم من بابل عبر الطريق الصعب إلى أورشليم، يبدو انها مستحيلة ، ولكن "هل يستحيل على الرب شيء" والحُبلى تشير لمن هو مثقل بالخطايا والشهوات (يع15:1).فمن يدعونا هو يقوينا ويزيل العقبات من الطريق. بل أن الله سيجمع شتاتهم، فهم كانوا قد تفرقوا في كل أنحاء الأرض، مما يستدعي التفكير في صعوبة جمعهم لأورشليم ثانية لكن حتى
هذا الله سيدبِّرَه. ويجمعهم والمعنى الروحي فبعد الخطية تشتت الإنسان بعيدًا عن الله. وها هو الوعد الْمُعَزِّي أن الله سيجمع الكل من كل مكان. وفي (9) وسط وعود الفرح نسمع أنهم بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم = فنحن كنيسة المسيح علينا أن لا نكف عن البكاء على خطايانا والتضرع إلى الله ليرحمنا ويغفر فنحن مازلنا في حرب ضد إبليس طالما نحن في العالم. وبالصلاة والتضرع يشتعل فينا الروح القدس = أسيرهم إلى أنهار ماء. وحين يقودنا الله، يقودنا في طريق مستقيم فهو الطريق، حتى لا نعثر ولا نضل والسبب أن الله هو أب ونحن أبكاره. وهذا هو نفس سبب خروجهم من مصر، فقد أرسل الله موسى لفرعون قائلا أَطْلِقِ "إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ" (خر 4: 22) = أفرايم هو بكري. ونحن في المسيح نصير أبكارًا. وهنا وعد آخر بزيادة الكنيسة عدديًا، حتى بالرغم من أن الظاهر يبدو قليل = جمع كثير يرجع إلى هنا (جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجعُ إِلَى هُنَا).
الآيات 10-17:- "«اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ أَيُّهَا الأُمَمُ، وَأَخْبِرُوا فِي الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ، وَقُولُوا: مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ قَطِيعَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ مِنْ يَدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا، وَلاَ يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ. حِينَئِذٍ تَفْرَحُ الْعَذْرَاءُ بِالرَّقْصِ، وَالشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ مَعًا. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ، وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ. وَأُرْوِي نَفْسَ الْكَهَنَةِ مِنَ الدَّسَمِ، وَيَشْبَعُ شَعْبِي مِنْ جُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ. «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ، بُكَاءٌ مُرٌّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْ أَوْلاَدِهَا لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: امْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ الْبُكَاءِ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ الدُّمُوعِ، لأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لآخِرَتِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجعُ الأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ."
في (10) الكارزين أو الرسل ومن جاء بعدهم عليهم أن يُسمعوا خبر الخلاص
للأمم كلها وللجزائر أي أقصى الأرض (الأُمَمُ.. الْجَزَائِرِ). ولاحظ أن الله هو مبدِّد إسرائيل = فهو الذي شتتهم وأسلمهم للعدو بسبب خطاياهم "إذ أخضعت الخليقة للباطل..." (رو8: 20). ولكن شكرًا لله فهذا ليس نهاية الموضوع. فالله يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ = حين يجمع الجميع في جسده. وفي (11) نبوة ناطقة بالفداء الذي عملهُ المسيح. ومعنى الفداء في المفهوم اليهودي أنه حين يرهن إنسانًا ابنه أو يبيعه لسداد دين عليه، يأتي فادي، وهو إنسان قريب ويدفع الثمن ليفك الرهن ويحرر ابن المستعبد وهكذا فإبليس إستعبدنا لأننا كنا مديونين بما قبلناه من يده من شهوات وملذات، فجاء المسيح ودفع الثمن بدمه "عالمين أنكم إفتديتم لا بأشياء تُفْنَى... بل بدم كريم" (1بط18:1-19). ولأن إبليس أقوى من الإنسان فلم يكن ممكنًا أن يفدي الإنسان إنسانًا آخر ففداه الله، وفكنا من يد الذي هو أقوى منا (أي إبليس). وفي (12) ومن تحرر يرنم ويسبح وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ = الجسد والدم لنشبع ونرتوي روحيًا. وَعَلَى الزَّيْتِ = الزيت يشير للروح القدس فنحن نجاهد لكي نمتلئ من الروح القدس. ومن يمتلئ ويفرح بالله سيعرف يقينًا أن هذا العالم هو نفاية (في 8:3) وعليه أن يُقَدِّم نفسه ذبيحة حية (رو1:12). والذبائح كانت تقدم من أبناء الغنم والبقر. وفي (مزمور 29) "قدموا للرب أبناء الكباش" حسب الترجمة السبعينية "وقدموا للرب مجدًا وعزًا" حسب الترجمة البيروتية. والمعنى أنه حينما نقدم أنفسنا ذبائح حية وحينما نقدم ذبائح التسبيح والشكر لله = "عجول شفاهنا" (هو2:14) يكون هذا لمجد الله. فنحن نمجد الله برفض كل إغراءات العالم وخطاياه بل برفض الحياة إذا كانت ستعوقنا عن الشهادة لله (مثل الشهداء) = "مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ" (رو 8: 36). والكارزين والخدام يَجْرُونَ.. عَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ = حتى يؤمنوا ويعرفوا فيقدموا أنفسهم ذبائح حية ويفرح بهم خدامهم (في 17:2) ومن يعرف كيف يقدِّم نفسه ذبيحة حية تصبح نفسه كجنة رياَ ولا يعودون يذوبون بعد. فالجسد وإن كان ضعيفًا ومقدم كذبيحة إلا أن النفس مبتهجة كجنة وتسبح في مرتفع صهيون (وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ) = أي في الكنيسة السماوية، فالله "أقامنا وأجلسنا معهُ في السماويات". ومن تذوق هذه النعمة السماوية لا يمكن أن يذوب مرة أخرى في السبي ولا يعود مرة أخرى للخطية. ويشبع الجميع كهنة وشعبًا (14) والكل يفرح (13) ويسبح = أحول نوحهم إلى طرب = حزنكم يتحول إلى فرح (يو20:16).وفي الآيات (15-17) يبدو أن الرامة كانت المكان الذي جمع فيه نبوزارادان المسبيين استعدادًا لنقلهم إلى بابل،
ومن هناك ردَّ إرمياء حُرًا فعاد إلى أورشليم. وكأن رَاحِيلُ هنا تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا الذين ذهبوا للسبي ولا تريد أَنْ تَتَعَزَّى.. لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ = بل هم في السبي. وكان قبر راحيل بين الرامة وبيت لحم. وقد رأى متى البشير في هذه الآية أنها تطبيق لقتل هيرودس لأطفال بيت لحم (مت18،16:2).وقد تشير راحيل للكنيسة الأم فهي أم يوسف
وبنيامين، ويوسف يشير لابنه أفرايم رمز المملكة الكبرى إسرائيل ، وبنيامين يشير للملكة الصغرى يهوذا فبنيامين بقى في يهوذا. والكنيسة الأم تبكي على عبودية أولادها لإبليس. ولكن في (آيات 17،16) رجاء في الخلاص ولا يجب أن تحزن الكنيسة بعد ذلك، فالمسيح حرر أولادها من السبي.
الآيات 18-26:- "«سَمْعًا سَمِعْتُ أَفْرَايِمَ يَنْتَحِبُ: أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْل غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهِي. لأَنِّي بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ، وَبَعْدَ تَعَلُّمِي صَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي. خَزِيتُ وَخَجِلْتُ لأَنِّي قَدْ حَمَلْتُ عَارَ صِبَايَ. هَلْ أَفْرَايِمُ ابْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ، أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟ لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ ذِكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ. رَحْمَةً أَرْحَمُهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. «اِنْصِبِي لِنَفْسِكِ صُوًى. اجْعَلِي لِنَفْسِكِ أَنْصَابًا. اجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ السِّكَّةِ، الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا. ارْجِعِي يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. ارْجِعِي إِلَى مُدُنِكِ هذِهِ. حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْمُرْتَدَّةُ؟ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا حَدِيثًا فِي الأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُل. هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: سَيَقُولُونَ بَعْدُ هذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِهَا، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ: يُبَارِكُكَ الرَّبُّ يَا مَسْكِنَ الْبِرِّ، يَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ. فَيَسْكُنُ فِيهِ يَهُوذَا وَكُلُّ مُدُنِهِ مَعًا، الْفَلاَّحُونَ وَالَّذِينَ يُسَرِّحُونَ الْقُطْعَانَ. لأَنِّي أَرْوَيْتُ النَّفْسَ الْمُعْيِيَةَ، وَمَلأْتُ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِبَةٍ. عَلَى ذلِكَ اسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ وَلَذَّ لِي نَوْمِي."
في (خروج 7:3-8) "فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ [يَد] الْمِصْرِيِّينَ
" . والله هنا سَمِعَ أفرايم ينتحب كما سمع شعبه في مصر يصرخ (فاليهود عاشوا مشتتين مذلولين في كل العالم ما يقرب من 2000 سنة بعد صلبهم للمسيح). وقلب الله يئن مع أنين أولاده. وهنا أشار الله لأفرايم بالذات ربما بسبب الحادثة المذكورة في (1أي22،21:7) حيثُ قُتِلَ أولاد إفرايم فبكى وناح. حتى عزاه الله بأولاد آخرين وفي هذا إشارة لهلاك أولاد الله بالخطية. ولكن خطيتهم جعلتهم يُستعبدون فبكوا وأنُّوا وسمع الله لهم ، وهنا الكلام بصيغة المفرد فبعد عمل المسيح أصبح الكل واحدًا (يو20:17-23). وهنا إفرايم يبكي على خطيته ويقول ويعترف أن الله أدبه، لأنه كان كعجل غير مروض لم يعتاد بعد على نير المسيح. هو إذن يذكر تمرده في شبابه. هو تمردنا وعصياننا قبل المسيح أو قبل قرار التوبة. هو تذمر إسرائيل في البرية، وهو تمرد أي إنسان قبل أن يتوب. ولكن الله يسمع صوت بكاء كل هؤلاء وينتظر أن نقول لهُ توِّبني يا رب فأتوب. إذن هو يبدأ وما علينا سوى أن نستجيب. وفي (19) بعد رجوعي ندمت = بعد أن عَرف المسيح نَدم على الوقت الذي إنقضى في الخطية وَصَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي = كما يخبط الإنسان على صدره إذ يدهش لصدور هذه الخطايا منهُ. وهو خجلَ من خطايا صباه (عَارَ صِبَايَ). نحن بدون نعمة الله سنظل شاردين دائمًا. حين نعود ونتلامس مع محبته وغفرانه، نحزن أننا أحزننا قلبه المحب يومًا [خَطِيَّتِي أَمَامِي في كل حين] (مز 51: 3). ولنلاحظ أنه عند العودة أي التوبة يشعر أفرايم بمراحم الله ويفهم حكمته الحقيقية في التأديب (18). وإذ يشعر بثقل الخطايا يبدأ يصرخ إلى الله طالبًا أن يعطيه توبة (19،18) . وما أن يطلب التوبة حتى يبدأ الله يكشف لهُ محبته (20) وهذا أيضا يشير لإيمان إسرائيل في آخر الأيام. وفي آية (20) يظهر حنان الله نحو أفرايم فالله إقتناه كطفل ثم صار ابن ضال وفقد صورته الأولى حتى أن الله تساءل: هَلْ أَفْرَايِمُ ابْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ، أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟ = هل هذه هي الصورة التي أردتها لهُ حتى أُسَّر بها، هل هذه هي صورتي التي خلقته عليها (لذلك بكى المسيح على قبر لعازر)، ولكن حين ناح إفرايم على نفسه تحسَّر الله عليه. ولكن الله لم ينسه لحظة واحدة = لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَذْكُرُهُ.. ذِكْرًا. هو دائمًا في فكره يذكره بالخير حتى لو تكلم ضده بالتهديد ولكن أحشاء الله تئن عليه وسيرحمه (حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ. رَحْمَةً أَرْحَمُهُ). ولنلاحظ أن الله حتى لو عاقب شعبه تظل مراحمه نحوهم ولا يطردهم من أمام عينيه ويظل يخطط لخيرهم فتأديبه ممتزج بمراحمه. وفي (21) صُوًى = الصُوًى هي علامات يضعها المسافرون لتكون علامات لهم في الطريق. وهذا لهُ معنيان فالأول: هم الآن ذاهبون للسبي، وعليهم أن يعرفوا لماذا ذهبوا في هذا الطريق "أذكر من أين سقطت وتب" (رؤ5:2) ماذا كان السبب وراء سبيهم حتى يمتنعوا عن ذلك الطريق بعد عودتهم. والثاني: لتكون هذه علامات لأولادهم فالذين ذهبوا للسبي لن يعودوا ثانية لكن أولادهم سيعودون بخبرات الآباء. إذن هي علامات وأنصاب للهداية في الطريق من بابل لأورشليم (من سبي الخطية إلى حضن الكنيسة) وهذه فائدة الإرشاد الروحي . ونجد في هذه الآية تشجيع لعودة المسبيين لأورشليم وعودة كل إنسان تائب ليترك طريقه الشرير. إرجعي يا عذراء إسرائيل = فبالتوبة صارت بتول ثانية كما يقول الآباء "التوبة تُحَوِّل الزاني لبتول" وهاهو الله يسميها عذراء ثانية وأعاد خطبتها لنفسه. وفي رجوعهم يشكرون الله الذي أعد هذا الخلاص بعد أن يروا علامات آبائهم والآلام التي ساروا فيها في طريق العبودية ثم الخلاص الذي أعدَّه لهم الله. وفي (22) حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة = هذا عمل الخطية فهي تجعل الإنسان مرتد عن الله ، وهذا المرتد لا يجد راحة في أي مكان فهو دائمًا يطوف يحاول أن يجد راحة، ولكن لن يجد راحة إلا في حضن أبيه، لذلك يدعوه الله متسائلًا إلى متى لن تدرك هذه الحقيقة خصوصًا بعد أن خَلَقَ [الله] شَيْئًا حَدِيثًا فِي الأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُل = هذا حدث بعد التجسد حين كانت العذراء تحيط بالمسيح طفلًا في رحمها ثم على يديها، ثم أحاطت الكنيسة به كعروسه، كجسده ويفيض عليها من بركاته هذا هو الشيء الجديد. وفي ذلك الشكل الجديد "هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (2 كو 5: 17) يلمح الناس فينا شكلًا جديدًا متميزًا، فرح وسلام دائم وعدم اهتمام بالعالميات. وفي (23) سوف يبارك الكنيسة كل من يراها في هذه الحالة. لأنها صارت مسكنًا للبر. ألم يحدث هذا في صدر المسيحية في مصر حينما كان الوثني عندما يقابل وثنيًا آخر مبتهجًا يقول لهُ "هل قابلت اليوم مسيحيًا" وهذا ما قاله معلمنا القديس بطرس [كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سِرِّ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ] (1 بط 3: 15) . والكنيسة مسكن للبر لأن [الْمَسِيحُ بِرُّنَا] (إر 23: 6؛ 33: 16؛ 51: 10) ساكن في وسطنا وهي عالية مقدسة = جبل مقدس (الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ). وفي (24) يهوذا = هي الكنيسة فيهوذا كان فيها كرسي داود والكنيسة يسكن فيها المسيح فهي كنيسته. هو يملك على قلوب شعبه. وَالْفَلاَّحُونَ هم الخدام والرعاة، وَالَّذِينَ يُسَرِّحُونَ الْقُطْعَانَ = الفلاح يرمي البذرة ويحرث الأرض والذين يسَرِّحون الْقُطْعَانَ = هم الذين يرعون الشعب، فالشعب هو قطيع المسيح. وفي (25) المسيح يملأ كنيسته من روحه القدوس الذي يشبع ويشفي ويروي النَّفْسَ الْمُعْيِيَةَ. وبعد أن رأى النبي في رؤياه صورة الكنيسة المبهجة هذه كان كأنه في حلم وإستيقظ وكان نومهُ لذيذًا (اسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ وَلَذَّ لِي نَوْمِي) (26) ، هو فرح النبي بالخلاص وملكوت الله. وهذا سر فرحنا الآن أننا ننتظر أفراح السماء ومجدها. إستيقظ = هذه نبوة عن قيامة المسيح الذي قام وفرح بالخلاص الذي عمله.وهذه الآيات نبوة واضحة عن عودة اليهود الذين رفضوا المسيح وصلبوه وظلوا مشتتين وضالين عن طريق الخلاص وكانت ألامهم تأديبا لهم (آية18). والله يسأل وإلى متى هذا الضلال (آية22) وأمامكم الكنيسة عروس المسيح يهوه إلهكم الحقيقي، وهي تحيط بها كعريس، وهو وسطها (آية22). ولكن هناك عودة لليهود وسيندموا على ما فعلوه وعلى عنادهم طوال هذا الزمن (آية19)، والله يشتاق لرجوعهم وليرحمهم (آية20) ويدعوهم للعودة (آية21). واليهود يعودون (آية23) وهذا ما جعل النبي يفرح (آية26).
الآيات 27-34:- "«هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِزَرْعِ إِنْسَانٍ وَزَرْعِ حَيَوَانٍ. وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلاقْتِلاَعِ وَالْهَدْمِ وَالْقَرْضِ وَالإِهْلاَكِ وَالأَذَى، كَذلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ. «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ."
فرح النبي بالرؤيا السابقة وهنا الله يكشف لهُ المزيد عن الأيام السعيدة القادمة
. وفي (27) غرس الله آدم في الجنة زرعًا جيدًا ولكنه سقط وفسد ولكن ها هو الله يزرعهُ جديدًا. [نُدْفَن مع الْمَسِيحِ ونقوم معهُ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ] (رو6) بزرع إنسان (زرع إنسان يشير لتجديد النفس وزرع حيوان يشير لتجديد الجسد) هذا تم بتجسد المسيح في أحشاء العذراء آخذًا جسدنا. وزرع حيوان = بعد أن أخذ المسيح ما هو لنا أي جسدنا أعطانا الذي لهُ. وحينما يكتشف أي شخص أية درجة رفعه لها المسيح يحتقر هذا العالم ويربط نفسه بنير المسيح، كحيوان مربوط بالنير ويقدم نفسه ذبيحة حية (أبناء الغنم والبقر إر12:31) ويتبع المسيح كغنم تتبع راعيها، الراعي الصالح. وكشاة سيقت للذبح. أي نتبع المسيح في تسليم كامل. وفي (28) كما ضربَ الربَّ وأدَّبَ وطَرد وقَلعَ قبل المسيح، كما طرد آدم من الجنة ها هو يردنا للسماويات ويعيدنا للبنوة، وكان هذا هو نفس ما قاله الرب لإرمياء في بداية اختياره (إر1: 10)، فهذه الآية هي محور السفر، إذ حينما فسدت الخليقة الأولى بسبب الخطية كان الحل أن يهدم الله هذه الخليقة الأولى ويقيم خليقة جديدة في المسيح . وفي (29) لأننا نحن أجزاء من آدم فحينما هلك آدم هلكنا معهُ وكان السؤال الدائم وما ذنبي! هل أخطأت أنا؟ ولكن الآن بعد الفداء والمعمودية تمحى خطية آدم فلا يعود أحد يموت بسبب الآباء. بل كل واحد يموت بخطية نفسه راجع (حز2:18) (30) بعد المسيح لا داعي أن يلوم أحدًا آدم. والأيات (31-34) نقلها بولس الرسول في رسالته للعبرانيين (عب7:8-13). ومن هذه الآيات عَرَف المسيحيون تسمية العهد الجديد (31). وفي (32) سمات العهد القديم أن الله أمسكَ بيدهم ليخرجهم من أرض مصر (أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ) = بآيات ومعجزات وشق بحر ومَنْ ينزل من السماء. هنا الله يكشف نفسه لهذا الشعب بالعيان فهم لم تكن قامتهم الروحية تسمح بالإيمان بشيء غير مرئي فكان لا بُد لهذه الآيات. ومع هذا بحثوا عن إله مرئي ليعبدوه وصنعوا العجل الذهبي = نقضوا عهدي فرفضتهم. وفي (33) سمات العهد الجديد، عهد الإيمان الذي قال عنهُ السيد المسيح [طوبى لمن آمن ولم يرى] (يو 20: 29)، وفيه يتعامل الله مع الإنسان داخل القلب، يعرفونه بقلبهم وهو يفتح عيون قلوبهم ليروه ويروا أعماله ويفتح أذانهم فيسمعوا صوتهُ ويميزوه [مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ] (رؤ 2: 7، 11، 17، 29؛ 3: 6، 13، 22). وخراف المسيح تعرف صوته فتتبعه (يو4:10) لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي وهذا عمل الرُّوحُ الْقُدُسُ (34) [الذي يعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل ما قاله المسيح لنا] (يو 14: 26)، وهو الذي "يَفْحَصُ.. أَعْمَاقَ اللهِ" ويكشف لنا محبته (1كو2) وهو الذي يشهد لنا ببنوتنا لله. ونحن حصلنا على عطايا الروح القدس بعد أن صفح الله عن إثمنا ولم يعُدْ يذكر خطايانا (آية34) . وهذا حدث بالفداء والصعود إلى السماء بجسده "خيرٌ لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الْمُعَزِّي". راجع التعليق على إصحاح 17 (فالوصايا تكتب على القلب حينما يسكب الروح القدس محبة الله في قلوبنا (رو5:5) فننفذ الوصايا عن حب يو23،21:14).
الآيات 35-40:- "«هكَذَا قَالَ الرَّبُّ الْجَاعِلُ الشَّمْسَ لِلإِضَاءَةِ نَهَارًا، وَفَرَائِضَ الْقَمَرِ وَالنُّجُومِ لِلإِضَاءَةِ لَيْلًا، الزَّاجِرُ الْبَحْرَ حِينَ تَعِجُّ أَمْوَاجُهُ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ: إِنْ كَانَتْ هذِهِ الْفَرَائِضُ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا يَكُفُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي كُلَّ الأَيَّامِ. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ تُقَاسُ مِنْ فَوْقُ وَتُفْحَصُ أَسَاسَاتُ الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، فَإِنِّي أَنَا أَيْضًا أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا عَمِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ، وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ الْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ، وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ، وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي الْجُثَثِ وَالرَّمَادِ، وَكُلُّ الْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ الْخَيْلِ شَرْقًا، قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى الأَبَدِ»."
ربما يتساءل إنسان كيف يمكن تحقيق كل هذه الوعود. كيف يمكن أن يقيمنا الله ونحن أموات بالخطايا بل أنهُ هو الذي أصدر حكم الموت؟ حقًا كان حال الإنسان قبل الفداء ميئوسًا منهُ
. ولكن هنا في (35)، (37) الله يكشف عن قدراته في خلق السموات والأرض وكيف يضبطها فهل يستحيل على الرب شيء، هل يستحيل على الرب أن يعيد إسرائيل بل كل نسل آدم ليكونوا أمة أمامه، بعد أن رُفِضوا = من أن يكونوا أمة أمامه (مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي). بالإضافة للآيات السابقة (27-34) نجد هنا نبوة واضحة عن عودة اليهود للإيمان بالمسيح، بل هي وعد أن الله سيعيدهم ويقبلهم في نهاية الأيام. حقًا إن الآيات (31-34) هي آيات إنجيلية تشير للعهد الجديد، لكن حين يؤمن اليهود سينضمون للكنيسة الواحدة. حقًا لم يكن إنسان يتصور أن محبة الله تجعله يخلي ذاته أخذًا صورة عبد حتى يفدي أبناء البشر. حقًا يا رب لا يستحيل عليك شيء ومحبتك لنا لا يقف شيء في سبيلها. وفي (38) تُبْنَى الْمَدِينَةُ = المدينة هي أورشليم = هي الكنيسة، هي جسد المسيح. من برج حننئيل إلى باب الزاوية = حننئيل أي حنان ومراحم الله وهي عالية كبرج. والزاوية تشير للمسيح حجر الزاوية الذي ربط العهدين، أي ربط كنيسة العهد القديم بكنيسة العهد الجديد وربط ووحد السمائيين بالأرضيين واليهود بالأمم. فإتساع الكنيسة بإتساع مراحم الله وهي مبنية على مجيء المسيح وتجسده وكونه حجرًا للزاوية. وفي (39) يخرج بعد خيط القياس = = حبل القياس يستخدم في تقسيم الأرض للميراث، ولنرى أن الرب في حنانه (برج حننئيل) ضم إلى ميراثه كل أنواع الخطاة من اليهود والأمم الذين طهرهم بدمه إذ آمنوا به وصار رأسًا للزاوية يجمع الكل فيه ويصيروا ميراثًا للرب. الله يعرف أولاده واحدًا واحدًا "الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي.. لَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ" (يو 17: 12). أكمة جارب ويستدير إلى جوعة = أكمة جارب بالقرب من أورشليم جهة الغرب وجارب معناها برص، مرض البرص أو الجرب وجَوْعَةَ معناها خفض وهو مكان بالقرب من أورشليم في الجنوب الغربي. والمعنى أن خيط القياس سيجمع كل الذين تلوثوا بالخطية (البرص) وإنحطت درجتهم، فبعد أن خلقهم الله سماويين إنحطوا وأصبحوا أرضيين لكن المسيح جاء لهذا: [هو جاء ليشفي الأبرص وإرتفع ليرفعنا معهُ]. هو قبل كل المرذولين وأعطاهم حياة سماوية. وفي (40) صورة حية لما حدث وعمله المسيح الذي حَوَّل الإنسان الذي مات بالخطية، ولعنت الأرض بسببه، وأصبحت وادي للجثث (وَادِي الْجُثَثِ). وَوَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ الْخَيْلِ = وَادِي قَدْرُونَ هو وادي يهوشافاط ومعنى يهوشافاط الله يقضي وكلمة قدرون عبرية ربما كان معناها أسود. والمعنى أن عمل المسيح هو أن أعطى حياة للجثث وقضاؤه بالموت على آدم تحمله هو نفسه. لذلك في (يو1:18) خرج يسوع مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه، وهناك سلمه يهوذا ليقضي عليه بالموت. وبذلك تحول الإنسان قُدسًا للرب بعمل دم المسيح الذي يُقدِّس. وهذا العمل حفظ الكنيسة للأبد لا تهدَم ولا تقلع. باب الخيل = المؤمنين هم الفرس الأبيض الذي يقوده المسيح (رؤ2:6). زاوية باب = المسيح هو حجر الزاوية وهو الباب الذي يدخل منه المؤمنين الذين كانوا أمواتًا فصاروا خيلا يقودها المسيح في معركة ضد حروب إبليس، والمسيح "خرج غالبا ولكي يغلب" (رؤ6: 2).
هذا الإصحاح ينتمي للعهد الجديد. ومنهُ اشْتُقَّ اسم العهد الجديد وأُطلق على الإنجيل والفرق بين العهد القديم والعهد الجديد.
1. في العهد القديم يقول "افْعَلُوا هذَا وَاحْيَوْا" (تك 42: 18) [وفي العهد الجديد: "اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا" (لو 10: 28)]، إذن [مَنْ سقط في واحدة سقط في الكل] (يع 2: 10) وبذلك يكون الكل مدان محكوم عليه بالموت. وهنا تنفيذ الوصايا التي في الناموس هو مسئولية كل فرد الشخصية. تعتمد على قدرته في المحافظة على العهد ولذلك فشل الإنسان وثبت عجزه من جيل إلى جيل. أما في العهد الجديد [بدوني لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئًا] (يو 15: 5)، فالخلاص هبة من الله. والروح القدس يعين ضعفاتنا. وهو عهد أبدي بين الله وبيننا.
2. عمل الله في العهد الجديد داخل قلب الإنسان. فبدلًا من كتابة العهد القديم على ألواح حجرية خارجًا عن الإنسان كتبها على قلبه ونحفظ وصاياه بالمحبة [من يحبني يحفظ وصاياي] (يو 14: 15)، لذلك ففي العهد الجديد يطيع الإنسان لرغبة شخصية في الطاعة عن محبة لله وليس قسرًا أو كواجب. فعلامة محبة الله لنا هي عطاياه وعلامة محبتنا لله طاعتنا له.
3. هي ليست شريعة منقوشة بل خبرات شخصية يختبرها الإنسان بنفسه فيصير إيمانه حقيقيًا ودور أي خادم ليس أن يعطي هذه الخبرة للمخدوم فهذا عمل الروح القدس، بل أن يقوده للاقتناع بضرورة هذه العلاقة الشخصية والخبرة الشخصية. وإذًا فمعنى كلمة "لاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ" (34) لا تلغي دور المعلم والخادم. والروح القدس الذي يعمل في الخادم ويعطيه إمكانية أن يكون معلما (أف11:4) يعمل في المخدوم ليستمع ويقتنع.
في سفر الخروج قال الله لموسى "اصْعَدْ.. إِلَى الْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ.. الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ" (خر24: 12). وفي (خر31: 18) نسمع أن الله "أَعْطَى مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ الشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبعِ اللهِ" (خر 31: 18). وإصبع الله هو الروح القدس، قارن (مت12: 28 مع لو11 : 20). ولقد كتب الروح القدس الوصايا في العهد القديم على لوحي حجر ليشرح أنه بالخطية تحجرت قلوب البشر. ولكن نسمع في (حز11: 19، 20) "وأجعل في داخلكم روحا جديدا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم لكي يسلكوا في فرائضي......".
فكيف يعمل الروح القدس هذا التحول من قلب حجر إلى قلب لحم؟
بالرجوع لقول القديس بولس الرسول " لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعْطَى لنا " (رو5: 5)، نفهم أن هذا هو ما يعمله الروح القدس أنه يسكب محبة الله في قلوبنا. ومن يحب المسيح يحفظ وصاياه كما قال الرب (يو14: 21، 23).
ولكن كيف يجعلنا الروح القدس أن نحب المسيح؟
عمل الروح القدس في القلب عمل داخلي، هو يكشف للإنسان عمن هو المسيح، محبته ووداعته وعذوبة عشرته فنحبه "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو16: 14، 15). حينما نعرف المسيح معرفة حقيقية بالروح القدس الذي يفتح أعيننا، لن نحبه فقط بل نود لو مُتْنَا لأجله كما قال بولس الرسول في سيمفونية المحبة "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ.. " (رو8: 35 – 39).
← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إرميا 32 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إرميا 30 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3z8hsq4