← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
الإصحاح السابق كله إنذار وتهديد أما هذا فدعوة للتوبة وتشجيعهم على ذلك.
الآيات 1-5:- "« قَائِلًا: إِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ، فَهَلْ يَرْجعُ إِلَيْهَا بَعْدُ؟ أَلاَ تَتَنَجَّسُ تِلْكَ الأَرْضُ نَجَاسَةً؟ أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ زَنَيْتِ بِأَصْحَابٍ كَثِيرِينَ! لكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ إِلَى الْهِضَابِ وَانْظُرِي، أَيْنَ لَمْ تُضَاجَعِي؟ فِي الطُّرُقَاتِ جَلَسْتِ لَهُمْ كَأَعْرَابِيٍّ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَنَجَّسْتِ الأَرْضَ بِزِنَاكِ وَبِشَرِّكِ. فَامْتَنَعَ الْغَيْثُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ مُتَأَخِّرٌ. وَجَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ. أَبَيْتِ أَنْ تَخْجَلِي. أَلَسْتِ مِنَ الآنَ تَدْعِينَنِي: يَا أَبِي، أَلِيفُ صِبَايَ أَنْتَ؟ هَلْ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ، أَوْ يَحْفَظُ غَضَبَهُ إِلَى الأَبَدِ؟ هَا قَدْ تَكَلَّمْتِ وَعَمِلْتِ شُرُورًا، وَاسْتَطَعْتِ!»"
هذه الآيات تصور كيف هم خطاة ولكن الله مستعد أن يقبلهم لو رجعوا إليه. ويفتح لهم باب الرجاء. ويصور الله هنا قضيتهم بامرأة طلقها زوجها فتزوجت بآخر. فبالناموس أنها لا تعود لزوجها الأول. والمرأة هنا هي يهوذا فهي قد تركت عريسها الرب وذهبت لغيره من الأوثان، ومن بشاعة خطيتها فهي لم تذهب لواحد فقط بل ذهبت لكثيرين. وكان من حق الله أن يرفضها للأبد لكنه لمحبته لها أعطاها فرصة ثانية. اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ إِلَى الْهِضَابِ = فهم كانوا يقيمون معابدهم الوثنية عليها وهناك تم الزنا الروحي بعبادة الأوثان والزنا الجسدي داخل هياكلهم. بل صارت كأعرابي في الطرقات (فِي الطُّرُقَاتِ جَلَسْتِ لَهُمْ كَأَعْرَابِيٍّ) = وهذه لها تفسيرين:
1. أن هذا الأعرابي هو بائع متجول يساوم التجار ويعرض بضاعته وبضاعته هي الزنا.
2. أن هذا الأعرابي هو لص يتصيد المارة ليجعلهم فريسة.
وهكذا هم يتجولون لاستيراد آلهة جديدة ويرغمون الآخرين على عبادتها فهم ليسوا فقط خطاة بل شياطين نجسوا الأرض بزناهم وغوايتهم للأبرياء وزادت وقاحتهم في الخطية وصارت لهم جبهة امرأة زانية = أي بلا خجل والذي له قلب زاني سريعًا ما تكون لهُ جبهة نحاسية فلا تهتم بأن تتكلم وتعمل شرورًا (وَعَمِلْتِ شُرُورًا). وَاسْتَطَعْتِ = لأن الله في غضبه رفع ستره عنكِ فهيأ لكِ الشيطان كل وسائل الشر. ومن هو ليس أمينًا لإلهه كيف يكون أمينًا مع الآخرين. والنتيجة الطبيعية = امتنع الغيث = أي امتنعت بركات الله عنهم. ولكن هاهو الله يعلن أن مع كل هذا فهو على استعداد أن يقبلهم بل ويعلمهم ما يقولونه لهُ: يَا أَبِي، أَلِيفُ صِبَايَ = أي يا من كنت مرشدًا وصديقًا لي في صباي وفي محبة غريبة يعلن الله أنه هَلْ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ (هَلْ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ) = أي محبة هذه!! أليس مخجلًا أن نستمر في الخطية؟ (تث1:24-4) فبحسب الشريعة حتى لو طلق الزوج الثاني زوجته، وحتى لو مات الزوج الثاني، فالمرأة لا تستطيع أن تعود لزوجها الأول الذي طلقها، فدخول طرف ثان في العلاقة الزوجية يفسدها. ولهذا السبب سمح السيد المسيح بالطلاق لعلة الزنا، فالزنا قد أفسد العلاقة الزوجية وكسرها.
الآيات 6-11:- "وَقَالَ الرَّبُّ لِي فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا الْمَلِكِ: «هَلْ رَأَيْتَ مَا فَعَلَتِ الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ؟ اِنْطَلَقَتْ إِلَى كُلِّ جَبَل عَال، وَإِلَى كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ وَزَنَتْ هُنَاكَ. فَقُلْتُ بَعْدَ مَا فَعَلَتْ كُلَّ هذِهِ: ارْجِعِي إِلَيَّ. فَلَمْ تَرْجعْ. فَرَأَتْ أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا. فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لأَجْلِ كُلِّ الأَسْبَابِ إِذْ زَنَتِ الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ فَطَلَّقْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا كِتَابَ طَلاَقِهَا، لَمْ تَخَفِ الْخَائِنَةُ يَهُوذَا أُخْتُهَا، بَلْ مَضَتْ وَزَنَتْ هِيَ أَيْضًا. وَكَانَ مِنْ هَوَانِ زِنَاهَا أَنَّهَا نَجَّسَتِ الأَرْضَ وَزَنَتْ مَعَ الْحَجَرِ وَمَعَ الشَّجَرِ. وَفِي كُلِّ هذَا أَيْضًا لَمْ تَرْجعْ إِلَيَّ أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا بِكُلِّ قَلْبِهَا، بَلْ بِالْكَذِبِ، يَقُولُ الرَّبُّ». فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «قَدْ بَرَّرَتْ نَفْسَهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ أَكْثَرَ مِنَ الْخَائِنَةِ يَهُوذَا."
هذه النبوة كانت أيام يوشيا الذي عاد لله بقلبه، أما الشعب فلم تكن عودتهم مخلصة. لم تكن عودتها بكل قلبها بل بالكذب = إذًا الخطية هنا هي الرياء. وكان عليهم أن يتعظوا مما حدث لإسرائيل التي طلقها الله فعلًا، وهذا الطلاق هو سقوطها بيد أشور وسبيها، وكان ذلك بسبب وثنيتها. ولكنهم لم يتعلموا هذا الدرس. وكانت خطيتهم أسوأ من إسرائيل لسببين:-
1. أنها كانت يجب أن تتعظ من أحكام الله ضد إسرائيل.
2. لوجود الهيكل والشرائع والكهنة في وسطها.
فهل نتعظ نحن من:
1. الشر الذي يلحق بالخطاة أمامنا.
2. مما نقرأهُ في الكتاب المقدس ونسمعه من عظات.
بررت نفسها.. إسرائيل = أفعال إسرائيل صارت براً بالنسبة لما تفعله يهوذا: فلماذا؟
ملوك إسرائيل المملكة الشمالية حرموا شعبهم من الذهاب إلى هيكل أورشليم، وبهذا فهم حُرِموا من التعليم النقي. أما شعب يهوذا فكان الهيكل والكهنة واللاويين يعلمون الشعب. ومن يعرف كثيرا يدان على قدر معرفته كما يقول السيد المسيح "وَلَكِنَّ ٱلَّذِي لَا يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلًا. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لو48:12). ولكن هذه ليست دعوة للجهل، لأن الله يقول "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4). فإسرائيل الأقل معرفة هلكت.
وَزَنَتْ مَعَ الْحَجَرِ وَمَعَ الشَّجَرِ
= الزنا الجسدي هو خيانة زوجة مع آخر غير زوجها، والزنا الروحي هو أن تترك النفس الله لترتبط بإله آخر، تحبه وتثق فيه أنه يحميها ويدافع عنها ويرزقها الخيرات المادية. والعجيب أن الآلهة التي ذهب شعب الله وراءها تاركين الله، كانت هذه الآلهة من حجر وخشب نحتها البشر بأيديهم.
الآيات 12-19:- "«اِذْهَبْ وَنَادِ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ نَحْوَ الشِّمَالِ، وَقُلِ: ارْجِعِي أَيَّتُهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُوقِعُ غَضَبِي بِكُمْ لأَنِّي رَؤُوفٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أَحْقِدُ إِلَى الأَبَدِ. اِعْرِفِي فَقَطْ إِثْمَكِ أَنَّكِ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكِ أَذْنَبْتِ، وَفَرَّقْتِ طُرُقَكِ لِلْغُرَبَاءِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، وَلِصَوْتِي لَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي سُدْتُ عَلَيْكُمْ فَآخُذَكُمْ وَاحِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاثْنَيْنِ مِنَ الْعَشِيرَةِ، وَآتِي بِكُمْ إِلَى صِهْيَوْنَ، وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي، فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ. وَيَكُونُ إِذْ تَكْثُرُونَ وَتُثْمِرُونَ فِي الأَرْضِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ، وَلاَ يَخْطُرُ عَلَى بَال، وَلاَ يَذْكُرُونَهُ وَلاَ يَتَعَهَّدُونَهُ وَلاَ يُصْنَعُ بَعْدُ. فِي ذلِكَ الزَّمَانِ يُسَمُّونَ أُورُشَلِيمَ كُرْسِيَّ الرَّبِّ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهَا كُلُّ الأُمَمِ، إِلَى اسْمِ الرَّبِّ، إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَلاَ يَذْهَبُونَ بَعْدُ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَذْهَبُ بَيْتُ يَهُوذَا مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَيَأْتِيَانِ مَعًا مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي مَلَّكْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. وَأَنَا قُلْتُ: كَيْفَ أَضَعُكِ بَيْنَ الْبَنِينَ، وَأُعْطِيكِ أَرْضًا شَهِيَّةً، مِيرَاثَ مَجْدِ أَمْجَادِ الأُمَمِ؟ وَقُلْتُ: تَدْعِينَنِي يَا أَبِي، وَمِنْ وَرَائِي لاَ تَرْجِعِينَ."
هنا نداء لإسرائيل المملكة الشمالية بالعودة إلى الله فما مناسبة هذا الآن وإسرائيل مرفوضة من الله وقد تشتت منذ حوالي 100 سنة؟ وإرمياء نبي مرسل لشعب يهوذا المملكة الجنوبية.
هذه آيات إنجيلية يتضح فيها قبول الله لتوبة أي إنسان وتأسيس كنيسة واحدة من كل المشتتين بعيدًا. وما يشير إلى ذلك، عودة إسرائيل بعد أن تشتتت على يد أشور. ويتضح من هذه الآيات أن الله لم ينس إسرائيل بالرغم من خطاياها وعقوبتها فسيعود الله ويجمعهم. وهذا أيضًا لتتعظ يهوذا فإن كان الله سيقبل إسرائيل المشتتة فبالأولى سيقبلهم هم، وهم لم يعاقبوا ولم يرفضوا بعد، هذا إن تابوا. الدعوة لإسرائيل هنا فيها نظرة بعيدة للأمم، وهنا الله ينظر لكنيسة المسيح التي يقبل فيها الجميع والتي فيها لن يكون هناك داعٍ لتابوت العهد وكل الطقوس اليهودية. ففي آية (12) دعوة لإسرائيل للرجوع ومن خلالها فالدعوة موجهة للجميع يهودًا وأمم، ونلاحظ أن تشتت شعب إسرائيل وسط الأمم ثم دعوة الله لإسرائيل بعد أن شتتتها أشور بحوالي 100 سنة هو رمز لدعوة الله الأمم للإيمان. وتصير هنا يهوذا رمزا لليهود وإسرائيل المملكة الشمالية رمزا للأمم (إسرائيل المملكة الشمالية تم تشتيتها على يد أشور سنة 722 ق.م وإرمياء بدأ نبوته سنة 626 ق.م). وفي آية (13) إعرفي.. إثمك.. وَفَرَّقْتِ طُرُقَكِ لِلْغُرَبَاءِ = هذا لأن الأمم عبدوا كل أنواع الأوثان وتشتتوا بعيدا عن الله. والله هنا يوجههم لطريقة الرجوع. "أذكر من أين سقطت وتُبْ" (رؤ5:2) فعليهم أن يعرفوا أنهم أخطأوا إلى الله. فهي قد فرقت طرقها للغرباء (فَرَّقْتِ طُرُقَكِ لِلْغُرَبَاءِ) = أي سلكت طرقًا مختلفة في شهوتها للغرباء وعباداتهم التي يمارسونها تحت كل شجرة خضراء وفي آية (14) دعوة بالتوبة = إرجعوا... لأني سدتُ عليكم = وفي ترجمة أخرى "فقد تزوجتكم، أي أنتم لي" = أنتم أبنائي، حتى لو كنتم عصاة. والأب يؤدب أبنائه بالعصا. فالله كأنه يقول: أنا سُدْتُ عَلَيْكُمْ وبدلًا من أن أؤدبكم لترجعوا، فالأفضل لكم أن تتوبوا. وإذا تابوا سيردهم الله حتى لو تشتتوا. والله قادر أن يجمعهم واحدًا واحدًا. وهذا تم جزئيًا في العودة من السبي وتم كليًا في الكنيسة التي جمع فيها الله الجميع من كل العالم = وَآتِي بِكُمْ إِلَى صِهْيَوْنَ. وكل من يعود بالتوبة يعيده الله لصهيون أي الكنيسة، للتعزية والراحة. هؤلاء التائبين هم الذين يجدون الباب الضيق، وهؤلاء لن يضيع منهم أحد حتى لو كان واحد في مدينة (وَاحِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ) فالله قادر أن يجد هذا الواحد ويأتي به في سلام لصهيون. وفي آية (15) نرى تأسيس الكنيسة ويسميها هنا صهيون وتأسيس الكهنوت المسيحي ويسميهم هنا الرعاة. هذه هي الكنيسة التي يؤسسها المسيح. وهذه الكنيسة ينبغي أن يكون لها رعاة حسب قلب الله (أُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي). وهذه الكنيسة بلا تابوت عهد (لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ) (16) لأن المسيح نفسه فيها. وعلى مذبح هذه الكنيسة يوجد المسيح بجسده ودمه. وهذه الكنيسة يدخلها الجميع = إذ تكثرون وتثمرون في الأرض. وفي (17) الكنيسة هنا هي أورشليم كرسي الرب أو عرش الرب. وإليها يأتي الجميع يهودًا وأمم ويقدمون توبة صادقة = لا يذهبون.. وراء عناد قلبهم. وفي آية (18) انضمام يهوذا لإسرائيل حدث بعد العودة من سبي بابل إذ وقعت أملاك بابل وأشور في يد كورش ملك فارس الذي أصدر نداء بعودة اليهود كلهم لأرضهم وهذا تنبأ عنه حزقيال في (حز 17،16:37) . ولم نسمع بعد هذه العودة عن عداء بين يهوذا وإسرائيل وفي هذا إشارة لوحدة الكنيسة يهودا وأمم. ويكون الكل رعية واحدة لراعٍ واحد. والله هنا في آية (19) يشرح صعوبة هذا الأمر. فهو يسأل كيف أضعك وسط البنين (كَيْفَ أَضَعُكِ بَيْنَ الْبَنِينَ) وأنتِ عاصية فاسدة؟! وكيف.. أعطيك أرضًا شهية = أي كيف يرث الأمم مع اليهود ميراث مجد السماء. قطعاً هناك إجابة واحدة وهي التجسد والفداء الذي به يصير كل المفديين الثابتين في المسيح أبناء لله = تَدْعِينَنِي يَا أَبِي، وَمِنْ وَرَائِي لاَ تَرْجِعِينَ. والروح القدس يشهد داخلنا أننا أبناء وبنعمة المسيح نرث معه الأمجاد. وبه نصرخ "يا آبا الآب". وهو يجعلنا لا نرجع فهو الذي قال "الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي.. لَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ" (يو 12:17).
ملحوظات
1. لاحظ إلحاح الله على دعوتهم للتوبة إعرفي فقط إثمك (13).. ارجعوا (14) فالله لن يذهب إلى أبعد من أن يكشف لنا أخطائنا ويدعونا للتوبة، وعلى المريض أن يدرك أنه مريض ويذهب للطبيب. الله يقنعنا بالتوبة ويرينا أخطائنا ولكنه لا يجبرنا على التوبة.
2. أخذكم واحدًا من المدينة واثنين (14). فالله يهتم بكل نفس، ويدعوها للتوبة. وكما أنها دعوة عامة لكنها هي أيضًا دعوة شخصية فردية لكل واحد، فحتى لو تركته المدينة كلها فهو يهتم بكل نفس تقبله.
الآيات 20-25:- "«حَقًّا إِنَّهُ كَمَا تَخُونُ الْمَرْأَةُ قَرِينَهَا، هكَذَا خُنْتُمُونِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ». سُمِعَ صَوْتٌ عَلَى الْهِضَابِ، بُكَاءُ تَضَرُّعَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنَّهُمْ عَوَّجُوا طَرِيقَهُمْ. نَسُوا الرَّبَّ إِلهَهُمْ. «اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ فَأَشْفِيَ عِصْيَانَكُمْ». «هَا قَدْ أَتَيْنَا إِلَيْكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهُنَا. حَقًّا بَاطِلَةٌ هِيَ الآكَامُ ثَرْوَةُ الْجِبَالِ. حَقًّا بِالرَّبِّ إِلهِنَا خَلاَصُ إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ أَكَلَ الْخِزْيُ تَعَبَ آبَائِنَا مُنْذُ صِبَانَا، غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ. نَضْطَجعُ فِي خِزْيِنَا وَيُغَطِّينَا خَجَلُنَا، لأَنَّنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا أَخْطَأْنَا، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مُنْذُ صِبَانَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَلَمْ نَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِنَا»."
في آية (20) خطيتهم هي خيانة الله في عبادتهم الوثنية فوق المرتفعات والهضاب. وفي آية (21) صوتهم بالبكاء على الهضاب حيث أخطأوا سابقًا والآن بعد أن ضُرِبوا تابوا، وهذا الصوت صوت بكاء التوبة. أو تفهم أنهم في حال رفضهم أن يتوبوا سيكون نصيبهم الآلام والبكاء في نفس المكان الذي أخطأوا فيه، أو أن ألامهم وبكائهم وتعاستهم التي كانوا فيها كانت بسبب خطيتهم التي إرتكبوها في هذا المكان. وفي (22) دعوة الله لهم بالرجوع وإستجابتهم للدعوة فَأَشْفِيَ عِصْيَانَكُمْ = يعيد لهم الله الفرح والسلام الذي فقدوه إذ ذهبوا وراء أوثانهم. والله هو الذي يشفي إرتدادنا (هو14: 4). وفي آية (23) إكتشفوا أن باطِل هو ترجي الإنسان حتى لو كان كـ:الآكام. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أو هو باطل السعي وراء الآكام بأصنامها وملذاتها. أو هم قد ظنوا أن عباداتهم الوثنية هي كثروة في ملذاتها وشهواتها ثم أدركوا بعد فوات الأوان بُطل كل هذا. وهكذا كل خاطئ سيكتشف إذا تاب أن ما ظنه ثروة يومًا ما، ما هو إلا نجاسة وأنه لباطل.
وفي (24) إكتشفوا أن عبادتهم الوثنية كانت السبب في كل خسائرهم وتعاستهم وفقدانهم لكل بركة في حياتهم السابقة، فهم خسروا أولادهم حين قدموهم كذبائح، أو حين فقدوهم في السبي. وخسروا ماديا = غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ. ولاحظ أن الخطية هنا تسمى خزي، لكن لا يخزَى من الخطية سوى التائب الحقيقي. وفي (25) حالة الإنسان اليائسة من الخلاص قبل المسيح.
وهذه الآيات تُصور حالة الإنسان التي إنحدر إليها بالخطية فوقع في سبي إبليس وخسر كل شيء. ولكن بالفداء يشفي الله كل آثار هذا العصيان ويكتشف الإنسان مركزه الحقيقي كابن لله فيحتقر أمجاد العالم= الأكام ثروة الجبال بل يحسبها نفاية (في 8:3). وهذا معنى المثل الذي قاله الرب يسوع عن الإنسان الذي وجد لؤلؤة كثيرة الثمن (عشرة المسيح) فمضى وباع كل اللآلئ التي كان يعتبرها ثمينة عنده (ملذات الخطية ثروة الجبال) . وفي الترجمات الإنجليزية ترجمت الأكام ثروة الجبال "باطل هو الخلاص الذي يأتي من عبادات الآكام والجبال حتى لو كنا ننتظر من وراء هذه العبادات كنوزا". وهذا يتفق مع بقية الآية. ويصير المعنى باطل هو الخلاص الذي يأتي من العبادة الوثنية لأن الخلاص الحقيقي هو من الرب إلهنا.
لاحظ أن هناك الكثيرين لهم جبال عالمية يظنونها تحميهم، ويظنون أنه في عظمتها أنها آكام (تلال) وجبال، هم قادرين أن يحتموا بها مثل: كنوزهم وأموالهم – مراكزهم في المجتمع – أشخاص عظماء يحتموا بهم – شهوات تعطيهم سعادة لحظية ظنوا فيها شبعهم ... وهكذا. ولكن هل حقاً يوجد في هذا العالم ما يعطي الشبع والإطمئنان؟! هل يوجد في العالم ما يحمي من الأمراض التي ليس لها علاج – هل يوجد حماية مما يُسمَّى غضب الطبيعة كالبراكين والزلازل والفيضانات والتصحر والجفاف ...إلخ. بل هل لدى هؤلاء تصور لمن يحميهم من الموت ومما بعد الموت من دينونة؟!
في هذا الإصحاح: نرى اشتياق الرب لتوبتهم وتشجيعهم على التوبة وترك خطاياهم، حقًا فالله لا يُسر بموت الخاطئ بل بأن يرجع ويحيا (حزقيال 23:18). وكما رأينا أنه بحسب الناموس لا يستطيع الرجل أن يستعيد امرأته إذا تزوجت رجل آخر. وبحسب الطبيعة لا يقبل رجل أن يرد زوجته التي خانته ومع رجال كثيرين، ولكننا نرى الله في محبته مستعد لأن يقبل شعبه حتى بعد أن فعلوا هذا، ومع أن دخول طرف ثالث في العلاقة الزوجية يفسدها نجد أن الله في محبته يشتاق لرجوع شعبه الخاطئ إليه. ولذلك نجد أن كلمة ارجعي تتكرر كثيرًا في هذا السفر.
← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إرميا 4 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إرميا 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b6qq82t