St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   28-Sefr-Armia
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري

إرميا 15 - تفسير سفر إرميا

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب إرمياء:
تفسير سفر إرميا: مقدمة سفر إرميا | إرميا 1 | إرميا 2 | إرميا 3 | إرميا 4 | إرميا 5 | إرميا 6 | إرميا 7 | إرميا 8 | إرميا 9 | إرميا 10 | إرميا 11 | إرميا 12 | إرميا 13 | إرميا 14 | إرميا 15 | إرميا 16 | إرميا 17 | إرميا 18 | إرميا 19 | إرميا 20 | إرميا 21 | إرميا 22 | إرميا 23 | إرميا 24 | إرميا 25 | إرميا 26 | إرميا 27 | إرميا 28 | إرميا 29 | إرميا 30 | إرميا 31 | إرميا 32 | إرميا 33 | إرميا 34 | إرميا 35 | إرميا 36 | إرميا 37 | إرميا 38 | إرميا 39 | إرميا 40 | إرميا 41 | إرميا 42 | إرميا 43 | إرميا 44 | إرميا 45 | إرميا 46 | إرميا 47 | إرميا 48 | إرميا 49 | إرميا 50 | إرميا 51 | إرميا 52 | دراسة في إرميا | الخلاص بالخليقة الجديدة

نص سفر إرميا: إرميا 1 | إرميا 2 | إرميا 3 | إرميا 4 | إرميا 5 | إرميا 6 | إرميا 7 | إرميا 8 | إرميا 9 | إرميا 10 | إرميا 11 | إرميا 12 | إرميا 13 | إرميا 14 | إرميا 15 | إرميا 16 | إرميا 17 | إرميا 18 | إرميا 19 | إرميا 20 | إرميا 21 | إرميا 22 | إرميا 23 | إرميا 24 | إرميا 25 | إرميا 26 | إرميا 27 | إرميا 28 | إرميا 29 | إرميا 30 | إرميا 31 | إرميا 32 | إرميا 33 | إرميا 34 | إرميا 35 | إرميا 36 | إرميا 37 | إرميا 38 | إرميا 39 | إرميا 40 | إرميا 41 | إرميا 42 | إرميا 43 | إرميا 44 | إرميا 45 | إرميا 46 | إرميا 47 | إرميا 48 | إرميا 49 | إرميا 50 | إرميا 51 | إرميا 52 | إرميا كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آية (1):- "ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: «وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ. اِطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا."

رفض الله لشفاعة النبي بل وشفاعة موسى وصموئيل ليس رفضًا لشفاعتهما، فموسى بشفاعته أنقذ الشعب في البرية من أن يدمِّره الله. وصموئيل نجد استجابة الله لهُ مثلًا في (1صم9:7). وهذه الآية هي من الآيات التي تثبت رأي كنيستنا في الشفاعة فبالرغم من أن الله هنا لم يستجب للنبي وهو لن يقبل شفاعة موسى وصموئيل، إلا أن قول الله هذا لا يشير لعدم قبوله لشفاعتهم فهو قبلها سابقًا، ولكن يشير أن حالة الشعب أصبح ميئوسًا منها. والله يُكرِمْ الذين يكرموه. ومعلمنا يعقوب يطلب "صلوا بعضكم لأجل بعض" وربما يتعلل البعض بأن هذه الآية للأحياء وليس للقديسين الذين إنتقلوا ولكن الله إله أحياء وليس إله أموات (مت32:22). الله رفض شفاعة صموئيل لأنه قرر تأديب الشعب وعقابهم وهذا يتضح من أن الله طلب من النبي حتى أن لا يصلي لأجل الشعب، بل الله لن يستجيب لصلاة الشعب (إر 14: 11-12) فقد صدر قرار الله ضد الشعب بطردهم من أمامه = اِطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا. الله يرى في محبته ما هو الأسلوب الأفيد لعلاج شعبه.

 

أيات 2-9:- "وَيَكُونُ إِذَا قَالُوا لَكَ: إِلَى أَيْنَ نَخْرُجُ؟ أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: الَّذِينَ لِلْمَوْتِ فَإِلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِينَ لِلسَّيْفِ فَإِلَى السَّيْفِ، وَالَّذِينَ لِلْجُوعِ فَإِلَى الْجُوعِ، وَالَّذِينَ لِلسَّبْيِ فَإِلَى السَّبْيِ. وَأُوَكِّلُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، يَقُولُ الرَّبُّ: السَّيْفَ لِلْقَتْلِ، وَالْكِلاَبَ لِلسَّحْبِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الأَرْضِ لِلأَكْلِ وَالإِهْلاَكِ. وَأَدْفَعُهُمْ لِلْقَلَقِ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ فِي أُورُشَلِيمَ. فَمَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ يَا أُورُشَلِيمُ، وَمَنْ يُعَزِّيكِ، وَمَنْ يَمِيلُ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِكِ؟ أَنْتِ تَرَكْتِنِي، يَقُولُ الرَّبُّ. إِلَى الْوَرَاءِ سِرْتِ. فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ. مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ. وَأُذْرِيهِمْ بِمِذْرَاةٍ فِي أَبْوَابِ الأَرْضِ. أُثْكِلُ وَأُبِيدُ شَعْبِي. لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ. كَثُرَتْ لِي أَرَامِلُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلِ الْبِحَارِ. جَلَبْتُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أُمِّ الشُّبَّانِ، نَاهِبًا فِي الظَّهِيرَةِ. أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا بَغْتَةً رَعْدَةً وَرُعُبَاتٍ. ذَبُلَتْ وَالِدَةُ السَّبْعَةِ. أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا. غَرَبَتْ شَمْسُهَا إِذْ بَعْدُ نَهَارٌ. خَزِيَتْ وَخَجِلَتْ. أَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلِلسَّيْفِ أَدْفَعُهَا أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ»."

هذه آيات مؤلمة نرى فيها نتيجة غضب الله بسبب الخطية. وربما أشار لمنسى الملك فهو قضى فترة طويلة في الملك، ونشر فساده ونتيجة عمله ما زالت باقية. وقوله منسى ابن حزقيا يضاعف خطيته فهو ابن ملك قديس. والضربات المذكورة هنا سبق وحذرهم منها موسى النبي في (تث15:28-28)، وهي نفسها التي تكلم عنها حزقيال في إصحاح (14). وفي (5) من يهتم بأورشليم إذا كان الرب قد رفضها ومن يستطيع أن يعزيها حينئذ. وفي (6) مَلِلْتُ.. النَّدَامَةِ = أي تقديم توبة مؤقتة يعقبها ارتداد ثم توبة ثم ارتداد، هذه طرق خائنة يرفضها الرب، هذه ليست ندامة قلبية ولا توبة صادقة. هم مترددين بين الدعاء لله بسبب الكوارث التي هم فيها وبين قلبهم الميال للخطية. وفي (7) وصف للتشتت الذي يصيبهم. وفي (9،8) أُمِّ الشُّبَّانِ وَوَالِدَةُ السَّبْعَةِ = قد تعني أنه حتى الأم التي لها أولادًا كثيرين لن يخلصوها في الشدة القادمة وقد تعني أورشليم التي كان لها أولادًا كثيرين، رمزًا لقوتها وفرحها. وها هي تفقد الجميع وتصبح كأرملة حزينة بلا زوج وبلا أبناء. فقد أسلمها الله ليد نبوخذ نصر الذي جاء ليس كلص في الليل يهاجم خائفا بل عدوًا قويًا= ناهبًا في الظهيرة. ورقم 7 هو رقم كامل لذلك فأم الشبان والدة السبعة تشير لأورشليم بشبانها، وهؤلاء الشبان سيشتتهم الله كقش تبعثره الريح = أذريهم بمذراة. في أبواب الأرض = هي أبواب بابل، في مقابل أبواب أورشليم مدينة الله السماوية.

 

تعليق وتأمل في الآيات السابقة

لقد ظن إرميا أن الله لا يقبل صلاته عن أورشليم لعيب فيه، ولكن الله يقول لهُ أبدًا، حتى وإن وقف أمامي موسى وصموئيل لن أعفو، فموقف الله الذي أراد أن يشرحه لإرميا، أنه رافض للشعب وليس رافضًا لصلاته هو، وذلك بسبب خطاياها البشعة ولنرى نتائج رفض الله لشعبه:

 1. مَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ.. وَمَنْ يُعَزِّيكِ (5) الله وحده هو من يملأ القلب سلامًا. وهذا هو سبب كثرة حالات الانتحار في أغنى دول الغرب، لأنهم فقدوا علاقتهم بالله الْمُعَزِّي.

 2. أَدْفَعُهُمْ لِلْقَلَقِ = يعيشوا في قلق (4) فالله وحده هو الذي يعطي السلام (غل23،22:5).

 3. الْمَوْتِ = بالسيف.

 4. الْكِلاَبَ لِلسَّحْبِ = المهانة = فالكلاب تَسْحَب الشخص، لأنه هو الذي اختار أن يتمرغ في تراب العالم.

 5. الْجُوعِ = المجاعة = جسديًا وروحيًا ونفسيًا.

 6. السبي إلى العبودية لإبليس ورمزه هنا بابل (راجع أيات3،2).

ولاحظ ما هو وراء كل ذلك.. أنت تركتني (6) فالذنب ليس ذنب آباءهم فقط، بل ذنبهم أيضًا. لقد ارتدوا هم أيضًا إلى الوراء = مثل امرأة لوط، أي عادوا يشتهون الشر بعد أن تركوه. وعودتهم للشر = عودة الخنزير لمراغة الحمأة (2بط22:2). وفي هذا انفصال عن الله، وراجع نتائج هذا الانفصال.

 

الآيات 10-14:- "وَيْلٌ لِي يَا أُمِّي لأَنَّكِ وَلَدْتِنِي إِنْسَانَ خِصَامٍ وَإِنْسَانَ نِزَاعٍ لِكُلِّ الأَرْضِ. لَمْ أَقْرِضْ وَلاَ أَقْرَضُونِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَلْعَنُنِي. قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَحُلُّكَ لِلْخَيْرِ. إِنِّي أَجْعَلُ الْعَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي وَقْتِ الشَّرِّ وَفِي وَقْتِ الضِّيقِ. « هَلْ يَكْسِرُ الْحَدِيدُ الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ وَالنُّحَاسَ؟ ثَرْوَتُكَ وَخَزَائِنُكَ أَدْفَعُهَا لِلنَّهْبِ، لاَ بِثَمَنٍ، بَلْ بِكُلِّ خَطَايَاكَ وَفِي كُلِّ تُخُومِكَ. وَأُعَبِّرُكَ مَعَ أَعْدَائِكَ فِي أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفْهَا، لأَنَّ نَارًا قَدْ أُشْعِلَتْ بِغَضَبِي تُوقَدُ عَلَيْكُمْ»."

هذا حديث بين النبي وإلهه يكشفه النبي لشعبه لعلهم يفهمون. والنبي هنا يبدأ بشكوى من الآلام التي يقابلها فصار إنسان نزاع لكل الأرض = الكل ضده ولا أحد يقبل كلامه. هو يتكلم معهم بالسلام أما هم فقد قالوا وفعلوا ضده الكثير حتى يمنعوه من أن يؤدي رسالته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا طبيعي لكل من يخدم بأمانة. وهم حاولوا تلويث سمعته. مع أنه حين دعاه الله حرر نفسه من كل المعاملات المالية والاهتمامات المادية فلم يقرض مالًا ولم يقترض (لَمْ أَقْرِضْ وَلاَ أَقْرَضُونِي) منهم فالمعاملات المالية عادة توجد مشاكل. وهو اهتمَ فقط ووضع قلبه في خدمته فقط وزهد في كل شيء وبالرغم من كماله فإن شعبه وأيامه كانوا أشرارًا ولعنوه = كل واحد يلعنني وفي (11) الله يطمئنه أنه سيمر في العاصفة بسلام. فبالرغم من أن الكل تركه لكن الله يقف بجانبه. وقد تكون إجابة الله ردًا على تساؤل من النبي. إذا كان أهلي فعلوا بي هذا فماذا سوف يفعل بي هذا العدو المنتظر؟ وهنا الله يطمئنه من ناحية هذا العدو، ولنثق أن الكل في خدمة الله فلا نخاف إنسان. ولنطمئن فحين تأتي المصائب قد يكون فيها خير عما هو موجود الآن. وهذا حدث فعلًا وعامله الأعداء الكلدانيين معاملة حسنة كريمة جدًا (إر 11:39، 12).

إني أحلُّك للخير= الكل سيذهب للسبي، وسيترك البابليون بقية في الأرض. وسيكون إرمياء من هذه البقية التي لن تغادر يهوذا بل تظل حالَّة في أورشليم= أَحُلُّكَ.

إِنِّي أَجْعَلُ الْعَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ = وسيعامله البابليون حسنًا (وهكذا ترجمت في الإنجليزية Old KJV: entreat thee well). وتعني أَحُلُّكَ أيضًا، فك قيوده كما في (إر4:40) وهذا فعله البابليون.

أجعل العدو يتضرع إليك= العدو هم اليهود شعبه الذين طالما أهانوه وعادوه. ولكن وقت أن تأتي الشدة سيأتون ويتضرعون إليه ليصلي من أجلهم. وهذا حدث فعلًا (إر 2:21).

هَلْ يَكْسِرُ الْحَدِيدُ الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ وَالنُّحَاسَ؟ = تطبق مرتين:-

الأولى:- مهما كانت قوتكم كحكام وكهنة وشعب لن تقووا على إرمياء فأنا أحفظه، وفي هذا سيكون إرمياء هو الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ.

الثانية:- تطبق على بابل وهي في قوتها كحديد من الشمال وسوف تسحقكم.

ثم يتوجه الله بكلامه للشعب في (12-14) ففي (12) الله أقام إرمياء عمود حديد (إر 18:1) بل حَدِيدَ.. مِنَ الشِّمَالِ وهو أصلب أنواع الحديد. وأقامه أسوار نحاس لا يستطيع عدوه أن يضره بشيء. فهم لو كانوا في قوتهم حديدًا لن يستطيعوا أن يكسروا حديد الشمال ولا أن يفتحوا أسوار النحاس. وسيكون جيش بابل كَـ:الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ فيكسركم وينهبكم وكل ثرواتكم (13) وتذهبون للسبي (14) . ولاحظ أن النبي الفقير لم يطمع فيه أحد. لكن الأغنياء فهم الذين كانوا فريسة للأعداء. بل كانوا فريسة سهلة بـ:لاَ بِثَمَنٍ فهم ليس لديهم أسوار نحاس، وهكذا كل من يبتعد عن الله يكون بلا حماية (مت25: 29).

ويل لي يا أمي = لماذا ولدتني يا أمي في هذا العالم، هل لأصير مرفوضًا من الجميع.

إنسان نزاع لكل الأرض = بالنسبة لإرميا فكل الأرض هم اليهود، ولكن إرميا يرمز للمسيح الذي رفضه الجميع، وحتى الآن فالمسيحية مرفوضة وموضع نقد، وكما رفضوا المسيح رفضوا كنيسته.

حَدِيدَ.. الشِّمَالِ = قد يفهم أنه بابل الآتية من الشمال، فإن ظنت يهوذا نفسها حديدًا، فلن تستطيع أن تكسر نير بابل. ومن يبتعد عن الله يأخذ ثرواته (ثَرْوَتُكَ) (مادية وروحية) (مت29:25).

 

الآيات 15-21:- "أَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ. اذْكُرْنِي وَتَعَهَّدْنِي وَانْتَقِمْ لِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ. بِطُولِ أَنَاتِكَ لاَ تَأْخُذْنِي. اِعْرِفِ احْتِمَالِي الْعَارَ لأَجْلِكَ. وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي، لأَنِّي دُعِيتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ. لَمْ أَجْلِسْ فِي مَحْفَلِ الْمَازِحِينَ مُبْتَهِجًا. مِنْ أَجْلِ يَدِكَ جَلَسْتُ وَحْدِي، لأَنَّكَ قَدْ مَلأْتَنِي غَضَبًا. لِمَاذَا كَانَ وَجَعِي دَائِمًا وَجُرْحِي عَدِيمَ الشِّفَاءِ، يَأْبَى أَنْ يُشْفَى؟ أَتَكُونُ لِي مِثْلَ كَاذِبٍ، مِثْلَ مِيَاهٍ غَيْرِ دَائِمَةٍ؟ لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ أُرَجِّعْكَ، فَتَقِفْ أَمَامِي. وَإِذَا أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ. هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْجعُ إِلَيْهِمْ. وَأَجْعَلُكَ لِهذَا الشَّعْبِ سُورَ نُحَاسٍ حَصِينًا، فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ وَأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ وَأَفْدِيكَ مِنْ كَفِّ الْعُتَاةِ»."

عاد النبي ليشتكي أنه بالرغم من كماله أمام الله فالإضطهاد مستمر ويزيد. ولكن شكوانا لله في الصلاة تعطي تعزية، أما الخطأ الشائع أننا نشتكي للناس الذين هم يعانون مثلنا ولا يهتمون حقيقة بنا وليس لديهم حل لمشكلتنا، وغير قادرين أن يعطونا العزاء وهذا كلهُ نجده عند الله. وهنا هو يطلب في (15) من الله أن ينتقم من أعدائه بل يطلُبْ من الله أن لا يطيل أناته في الانتقام، فهو مجروح ويقول لله إعرف احتمالي العار لأجلك. وهذه الطلبة نرددها كثيرًا كبشر حين يظلمنا إنسان فنتمنى أن ينتقم منه الله مباشرة. فطرق الله تختلف عن طرق الإنسان. فلو أهلك الله كل خاطئ فورًا لكنت أنا وأنت أول الهالكين. ولننظر كيف إنتقم الله من شاول الطرسوسي ومن الدولة الرومانية التي سفكت دماء القديسين الشهداء فتحول شاول لبولس الرسول العظيم والدولة الرومانية تحولت للمسيحية. فعلينا أن نصبر أمام الله. وفي (16) هو وَجَدَ كلام الله وكتابه حلوًا فكأنه أكله وكان كطعام لشخص جوعان فهضمه وتحوَّل لدماء وحياة (هكذا قال أيضًا داود وحزقيال ويوحنا في الرؤيا). وقد يكون كلام الله الذي أكله إشارة لخدمته لله حين دعاه للخدمة فبالرغم من صعوبة عمله لكنه وجده مفرحًا أن يشهد لله. بل كانت خدمة الله بالنسبة لهُ طعامهُ وشرابهُ (يو34:4) فهو سعيد بأن الله يستخدمه لمجد اسمه. وفي (17) كما قال سابقًا أنه مات بالنسبة لثروات العالم فهو هنا يعبِّر عن موته عن أفراح العالم والأصدقاء بل لأن الأصدقاء تجنبوه وكرهوه جلس وحده (جَلَسْتُ وَحْدِي) بلا صديق. وهذا ملأهُ غضبًا (مَلأْتَنِي غَضَبًا). فلماذا بينما هو أمين لله يجد نفسه مرذولًا هكذا. وفي (18) ما زال يشكو ألامه من الناس وفشله في خدمته فلا أحد يسمع لهُ، ويشتكي من جروح نفسه وأن الله لم يشفه منها. وهو هنا يتصوَّر تصورًا خاطئًا أن الله لم يرحمه ولم يفي بوعده. ولكن ما السر في أنه لا يحس بالتعزية، هل حقًا لا يريد الله أن يعزيه؟ نجد الإجابة في الكلمات القاسية التي وجهها إلى الله وهي أصعب كلمات وجهها لله " أتكون لي مثل كاذب مثل مياهٍ غير دائمة " ومن هنا نكتشف ان الله كان لهُ كمياه في بعض الأحيان أي كان يعطيه تعزيات وفي بعض الأحيان لا يجد هذه التعزيات والسبب نكتشفه هنا. راجع لروح الصراع مع الله وعدم القبول أن يخضع لنير الله وهو إن فعل لوجَدَه هين ولإمتلأ بالتعزيات ولكن رفضنا الدائم لأحكام الله وشجارنا معهُ حول أحكامهُ يفقدنا هذه التعزيات فنظن انه لنا مثل كاذب. إذًا المشكلة هي فينا وليست في الله. لن نشعر بأن الحمل خفيف ونشعر بالتعزية إن لم نخضع ونتحمل ونسلم الأمر تمامًا لله ولا نتعارك معهُ. ولكن الله الحنون الذي يعرف ضعف طبيعتنا لم يرفض إرمياء بعد هذا القول القاسي فهو يعرف قلبه ومحبته.

وفي (19) يقول لهُ إن رجعت أرجعك = بمعنى إن إمتنعت عن الخصام معي تعود لحالتك الأولى ويعود سلامُك وتعزياتك ، وتكون نبيًا لي وتكون فمًا لي فقط ميِّز بين الثمين والمرذول (أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ) = بين ما أضعهُ أنا في فمك وعقلك وقلبك من كلمات وتعزيات، وبين ما يزرعهُ الشيطان في قلبك من تشكيك ويأس وأفكار ضد الله فتتصادم مع الله. وسيأتي لك هذا الشعب تائبًا ولكن أنت لا تذهب إليهم يائسًا إلى طرقهم الشريرة. وتكون سور نحاس فلا يقدرون هم عليك وأنقذك (21،20) وهذه الآيات (21،20) هي تكرار للأيات (إر 19،18:1). فبعد أن تصادم إرمياء مع الله، رجع إلى الله، فأعاد الله لهُ درجته، بل أعلى ففي إصحاح (إر 1) نسمع قول الله له "هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ" (إر 9:1) أما هنا فنسمع قول الله "فمثل فمي تكون" والسبب في إرتفاعه هو قبوله الصليب، وبهذا يصير شريكًا للمسيح في صليبه، ومن يتألم مع المسيح يتمجد مع المسيح (رو17:8). وقول الله له أنه سيكون حديدًا ونحاسًا، ربما أساء النبي فهمه، فظن أنه لن يتعرض لأي هجوم وهذا غير صحيح، فالمسيح نفسه تعرض لكل أنواع الإهانات، فلماذا لا نقبل أن نهان لأجل اسمه، ومعهُ، ونتيجة فهم إرمياء الخاطئ امتلأ غضبًا مما كان يلاقيه على يد الأشرار (آية 17) وهذا لأنه ظن أن الله لم يفي بوعده. ولكن لنفهم معنى الحديد والنحاس، لنسمع آية (16) لنرى تعزيات الله لإرمياء. فالله يسمح بإهانة خدامه ولكنه:

1. يعطيهم تعزيات.

2. لا يستطيع أحد أن يضرهم إلا بسماح منه (يو11:19).

3. هو يحفظ حياتهم حتى ينهوا أعمالهم. وهذا ما حدث مع المسيح، فقد حاولوا قتله مرارا وكان يجتاز في وسطهم دون أن يتمكنوا منه. وحين أكمل عمله وخدمته على الأرض أسلم نفسه للموت. وهذه الحماية الإلهية للمسيح قيل عنها "الرب عن يمينك" (مز110: 5).

4. آلام إرمياء صارت شركة صليب يستحق عليها شركة المجد. بل صار إرمياء رمزًا للمسيح في ألامه وأحزانه. ومعنى شركة الصليب أن إرمياء حين تذوق من هؤلاء الأشرار إهاناتهم ورفضهم له، صار في نفس موقف الله وصارت له نفس مشاعر الله، فهؤلاء الأشرار يرفضون الله ويهينونه دائما،. وبهذا حين يعبر إرمياء عن ضيقه منهم فهو إنما يعبر عن نفس مشاعر الله وهذا معنى مثل فمي تكون. وهذا نفس ما حدث مع هوشع النبي حين طلب منه الله أن يتزوج زانية،. فكانت مشاعر الإهانة داخل هوشع هي نفس مشاعر الله الذي يعتبر شعب إسرائيل الخائنة عروسه. وكانت مشاعر إبراهيم حين قدم إسحق ذبيحة هي نفس مشاعر الآب يوم الصليب.

ولاحظ إن رجعت أرجعك = مكانك محفوظ لك، لكن كف عن المخاصمة مع الله وإرجع لعملك لتميز الثمين من المرذول (أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ) = هناك أفكار كثيرة تدور في الفكر منها ما هو من الروح القدس وهذا هو الثمين ، وهناك أفكار من الشيطان وهذا هو المرذول. والأفكار التي يضعها الروح القدس كلها تعزيات بل هو يعطينا مشاعر محبة لله كأب لنا، فالروح "يصرخ في داخلنا قائلا يا آبا الآب". وأن الله أبونا لا يعطينا ثعبان إن سألناه سمكة، وأن كل عطايا الآب هي لخلاص نفوسنا حتى لو كانت مؤلمة. أما الشيطان فيضع أفكار شك في محبة الله بل في وقت الضيقة يُصوِّر الله أنه إله قاسٍ. وهذا ما يجب أن نضعه في عقولنا لنستطيع أن نُميِّز.

هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْجعُ إِلَيْهِمْ = حين تكف عن المخاصمة مع الله يا إرميا تعود لنفس درجتك وقوة كلمتك، فيدرك هذا الشعب في محنتهم صدق نبواتك، ويدركون احتياجهم لصلاة وشفاعة نبي حقيقي فيرجعون إليك لتصلي عنهم. وأنت إذ تشعر بقوة الله فيك والعاملة معك والقادرة أن تحميك، لن ترجع إليهم طالبا حمايتهم أو الصلح معهم وبالتالي لن تكون مضطرا لمسايرتهم في مسلكهم الشرير.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/28-Sefr-Armia/Tafseer-Sefr-Armya__01-Chapter-15.html

تقصير الرابط:
tak.la/22mgxrq