← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
آية 1 "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.".
هي كلمة تشير لمعنيان:
1. تشير للوقت الذي بدأ الله فيه خلقة الأشياء، أي حينما بدأت تدور عقارب ساعة الزمان فالله أزلي أبدي، غير زمني. ولكن الخليقة زمنية، تُقاس بالزمن، فحينما بدأت الخليقة بدأ معها الزمان. وكلمة في البدء تعني الحركة الأولى للخلقة وبداية الزمن. الله الابن يقول عن نفسه "أنا الأول والآخِر" وهذه تعني الأزلي الذي بلا بداية والأبدي الذي بلا نهاية. والأزلي والأبدي صفتان لله يقال عنهما السرمدي. والله الابن هو خالق كل شيء "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ" (يو1: 3). وحين بدأ الابن الكلمة أن يخلق في الزمن، قال عن نفسه "أنا البداية والنهاية". والله خلق الكل لمجد اسمه فكان البداية (إش43: 7). ولما تشوهت الخليقة بالخطية، تجسد الابن ليعيد القصد الإلهي ويتمجد الله فصار الابن هو النهاية.
2- في البدء = المسيح يسوع.
نضع أمامنا هذه الآيات:
"قال له اليهود من أنت فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به" (يو25:8).
"كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ.." (يو3:1).
"في البدء كان الكلمة" (يو1:1).
"بكر كل خليقة.." (كو 15:1) .
"هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل" (كو 17:1).
"الذي كان من البدء.." (1يو1:1 + 1يو2: 14،13).
"الذي هو البداءة..." (كو 18:1).
لذلك رأى كثير من الآباء أن في البدء = في الابن = في المسيح يسوع.
ويكون المعنى أن في المسيح يسوع خلق الله السموات والأرض. أو في كلمة الله خلق الله السموات والأرض. ولاحظ أن الابن الكلمة الأزلي صار هو البداية حين بدأ الخلق في الزمن. وتصبح الآية (يو1: 1) "المسيح يسوع كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله..".
هذا يثبت أن الله هو الذي خلق العالم. وهذا الكلام موجه لليهود الذين عاشوا وسط الجو الوثني في مصر وسمعوا عن آلهة كثيرة وبهذا يعلموا أن إلههم الواحد هو خالق السموات والأرض فلا يعبدوا هذه المخلوقات (الملائكة أو الشمس أو النار..) وهي تعني أن العالم مخلوق وليس أزلي وهذا ثابت علميًا الآن:-
1. قانون اضمحلال الطاقة: فالشمس تزداد فيها البقع المظلمة حسب قانون.
2. العناصر المشعة: تفقد إشعاعيتها مع الوقت ثم تتحول إلى رصاص.
3. استمرار تغير الكون.
فلو كان العالم أزلي لكانت الشمس قد انتهت والعناصر المشعة كلها تحولت لرصاص ولأخذ العالم شكل ثابت لا يتغير.
وكلمة خلق بالعبرية كما بالعربية برأ ومنها خالق = باري، وخليقة = بَرِيَّة وهي تعني إيجاد الشيء من العدم، وهي غير كلمة بَرِّيَة وتعني صحراء. والله خلق من عدم كل شيء في اليوم الأول ثم بدأ عبر الأيام الستة يستعمل ما خلقه في أن يصنع كل شيء مما خلقه من العدم والكلمة جاءت هنا بصيغة المفرد.
جاء بصيغة الجمع فكأنه يقول "في البدء خلق الآلهة السموات والأرض. آلهة بالعبرية آلوهيم وهذه صيغة الجمع. ومفردها آل أو إيل أو آلوه والمعنى الواجب التعظيم والخشوع والاحترام (عمانو ئيل = الله معنا). وهذا يشير للثالوث القدوس الذي خلق :-
الآب : يريد وهو الذات الذي يلد الابن وينبثق منه الروح القدس.
الابن : هو في البدء الذي يصنع كل شيء ويُكَوِّن كل شيء.
الروح القدس : كان يرف على المياه ليبعث حياة (آية 2).
وكلما ذُكِرَ اسم الله في العهد القديم يقال إلوهيم ويأتي الفعل أو الصفة بالمفرد، كما قيل هنا "خلق إلوهيم". ولكن حين يقال إلوهيم عن الآلهة الوثنية يذكر الفعل بالجمع "عملوا".
يشير بولس الرسول أنه اختطف للسماء الثالثة. والسموات الثلاث:-
1. الأولى: سماء العصافير ويوجد بها طبقة الهواء.
2. الثانية: سماء الكواكب. وكلا السماء الأولى والثانية سموات مادية.
3. الثالثة: السماء الروحية التي يستعلن فيها مجد الله وفيها مساكن الملائكة وميراث القديسين حيث يسكنون مع الله. وهذه لها مرحلتان *الأولى ما نسميه الفردوس، وهو مكان انتظار الأبرار الآن بعد انتقالهم. *والثانية نسميها سماء السموات حيث عرش الله، وإليها يذهب الأبرار بعد المجيء الثاني للمسيح. وكلمة عرش الله تشير لمجده الذي سنعاينه (يو17: 24).
4. الملائكة في السماء أي هم في سمو عن البشر. والله في سماء السموات أي أن الله يسمو عن الملائكة والبشر وكل الخليقة. فكلمة سماء عمومًا تشير لكل ما سما وعلا.
والسماء الأولى والثانية الماديتان هما اللذان سيزولان مع الأرض (والأدق تختفي صورتهما الحالية. فالصورة الحالية ملعونة من وقت قال الله لآدم ملعونة الأرض بسببك) لتوجد سماء جديدة وأرض جديدة [تختفي اللعنة ويشرق مجد الله على الأبرار وعلى الخليقة: راجع شرح (رو8: 18 - 22)]. وبالطبع فلن تزول السماء الثالثة الروحية. ولكن لماذا صمت الكتاب عن خلقة السماوات:-
1. الكلام في الكتاب موجه للبشر وهم لن يفهموا ما هو خاص بالسموات. وهذا ما عناه المسيح في كلامه مع نيقوديموس (يو 12:3).
2. بولس نفسه لم يستطع أن يصف ما في السماء فقال "ما لم تره عين ولم تسمع به أذن" لأن لغة السماء مختلفة تمامًا عن لغة البشر على الأرض.
3. نحن الآن على الأرض ونرى كل شيء فيها، فهل نفهم كل شيء عن الأرض، فإن كنا لا نعرف الأرض التي نحيا عليها، فهل نعرف معنى ما في السماويات. لذلك لم يحدثنا الله عما في السماويات، وسوف نفهمها حين نصل إليها.
والله خلق السماء قبل أن يخلق الأرض:
1. ذكرت السماء قبل الأرض في هذه الآية.
2. [راجع (أي 1:38-7)] فالملائكة كواكب الصبح رنموا حين خُلِقَت الأرض.
3. وكلمة السموات هنا تشير لخلقة الملائكة ثم الكواكب في مساراتها.
4. ذكر الله أنه الخالق لكل الخليقة - السماء وما فيها، والأرض وما عليها - وبعد هذه الآية تفرغ الكتاب المقدس لخلقة الأرض ومعاملات الله مع الإنسان.
يعتمد كل من يهاجم الكتاب المقدس على هذه الآية قائلين - أن الخطأ هنا واضح علميا لأن الكواكب مخلوقة قبل الأرض؟! ولكن المعنى المقصود هنا أن الله هو خالق السماء والأرض. وبعد هذه الآية يكلمنا الكتاب المقدس عن الأرض وعمل الله فيها ليعدها لسكنى الإنسان. أما عن السماء وخلقتها وما حدث عن خلقة الملائكة وسقوطهم فلم يأتي عنه سوى القليل جدًا، فنحن لن ندرك شيء عن هذه السماويات والمخلوقات السماوية. كل ما أراده الله من هذه الآية أنه هو الخالق لكل الخليقة.
أما هؤلاء المنتقدين فيقولون أن المقصود من الآية أن الله خلق السموات (الأجرام السماوية) والأرض في زمن واحد. ولكن أي قارئ محايد لن يخطر على باله هذا المعنى. وتظهر عبارة السموات والأرض مرارًا عديدة في كل الكتاب المقدس للإعلان عن خليقة الله ككل.
لاحظ أن الله هنا يكلم شعبه الذي قضى مئات السنين في جو وثني، ولهم آلهتهم التي قالوا عنها أنها آلهة تخلق. وهنا الله يبدأ بتعريف نفسه لشعبه الذي لا يعرفه:-
1. يقول لهم الله أنه الخالق، بل خالق كل شيء في الكون.
2. يقول لهم الله بهذه الآية في البداية أنه معطي الحياة لكل الخليقة. هذه الآية كبداية للكتاب المقدس، فيها يُعلن الله عن طبيعته الخيِّرة التي تريد أن تعطي حياة للخليقة، وهذه الخليقة يسودها الفرح.
3. يقول لهم الله أن هذه هي إرادته أنه يخلق ويعطي حياة للبشر. وأن ما يُعاني منه البشر من موت وألام هو من صنع أيديهم. الله لا يخلق موت ولا ألم.
4. يوجه الله نظرهم لأنه توجد حياة في السموات، ليكون لهم تركيز على الحياة الأخرى. فالأرض ليست هي كل شيء. الأرض ليست هدف الحياة بل السماء.
كلمة أرض هنا تشير أنها كانت في حالة جنينية. والكلمة المستخدمة هنا تشمل أول حرف وآخر حرف في العبرية (ما يناظر الألف والياء) وهذا ما دعا العلماء لأن يقولوا أن الكلمة هنا تعني أن الله خلق كل المواد أولًا والتي سوف يستخدمها في الأيام الستة في خلقة العالم.
وعبارة "في البدء خلق السموات والأرض" تحتمل معنيين:
1. هي عبارة موجزة تعلن أن الله خلق السموات والأرض وباقي الإصحاح يشرح التفاصيل.
2. أن هذه العبارة تشير لأن الله خلق المواد الأولية في صورة غير كاملة، ثم تأتي باقي آيات الإصحاح لتشرح كيف استخدم الله هذه المواد الأولية (المشار لها هنا بكلمة الأرض) ليصنع منها أرضنا الجميلة. وهذا الرأي هو الأرجح. وتصبح كلمة الأرض هنا بمعنى المواد الأولية التي سيصنع الله منها الأرض.
أية 2 "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ."
الأرض هنا هو كل ما ينتمي للمادة. وهو ما يسمى الهيولي وهي المادة الأولية اللامتشكلة المفروض أنها سبقت الشكل الحالي للكون وبالإنجليزية CHAOS. وكلمة خربة وخالية بالعبرية توهو وبوهو وبالإنجليزية Without form & void أي مشوشة عديمة الشكل ومقفرة. لا تصلح للحياة فارغة من كل جمال، يكسوها الظلام. والترجمة السبعينية ترجمتها "غير منظورة وغير كاملة".
الغمر في العبرية تشير لمعنى العمق والتشويش. وكلمة غمر مستخدمة لأن المياه كانت تغمر كل شيء بعمق. والظلمة نشأت من أن حرارة الأرض الشديدة جدًا في بدايتها جعلت المياه تتبخر وتكون ضباب وأبخرة منعت النور عن وجه الأرض.
كلمة روح وكلمة ريح هي كلمة واحدة في العبرية واليونانية ومن عادات اللغة اليهودية أنهم إذا قالوا روح الله فمعناها ريح عظيمة وإذا قالوا رئيس من الله (تك 6:23) إذًا هو رئيس عظيم، وقول راحيل مصارعات الله قد صارعت أي مصارعات عظيمة، سبات الرب وقع عليهم أي سبات عظيم أي نوم عميق [فإضافة اسم الله على الشيء المقصود به عند العبرانيين أن هذا الشيء ضخم، وأيضًا "فقال يعقوب، هذا جيش الله" أي جيش ضخم جدا (تك32: 2)]. وهكذا فهم اليهود الآية أن هناك ريح عظيمة هي نفخة الرب لإعلان بدء الخليقة (مز 6:33 + أي 13:26). وهكذا كان تشبيه المسيح (يو 8:3) [فالرب شبه عمل الروح القدس بعمل الريح، فالروح حين يملأنا يغيرنا دون أن نراه، كما أن الريح تحرك الأشياء دون أن نراها]. ونحن المسيحيين نفهم هذه الآية على أن الروح القدس هو الذي كان يرف على المياه ليعطي حياة وليُكوِّن عالم جميل. وما يربط كلا المعنيين ما حدث يوم الخمسين يوم حل الروح القدس على الكنيسة فصار صوت كما من هبوب ريح عاصفة (أع 2:2).
وتعبير يرف استخدم في (تث 11:32 + أش 5:31 + مت 37:23) والمعنى المقصود بالكلمة يحتضن = وكأن الروح يشبه طائرًا يحتضن بيضًا ليهبه حياة خلال دفئه الذاتي (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولا يزال الروح القدس يحل على مياه المعمودية ليقدسها فيقيم من الإنسان الذي أفسدته الخطية وجعلت منه أرضًا خربة وخاوية، سموات جديدة وأرضًا جديدة.
ويقول العلامة ترتليان لقد أنجبت المياه الأولى حياة، فلا يتعجب أحد إن كانت المياه في المعمودية أيضًا تقدر أن تهب حياة. والروح القدس هكذا يحتضننا ويريد أن يعمل فينا ليصيرنا نورًا للعالم، يعمل فينا نحن المادة التي بلا جمال ولا قداسة ليخلق فينا ما هو حسن ومقدس. (راجع أيضًا حزقيال 37).
الآيات 3-5: "وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا."
أولًا: أنها أيام حقيقية كل منها 24 ساعة وأصحاب هذا الرأي يقولون الله قادر على كل شيء.
ثانيًا: أنها حقبات زمنية لا نعرف مقدارها فقد تطول لتصبح آلاف الملايين من السنين وهذا هو الأرجح للأسباب الآتية:
1. الأيام ليست أيام شمسية فالشمس لم تكن قد خلقت في اليوم الأول وحتى اليوم الثالث.
2. اليوم السابع بدأ ولم ينتهي حتى الآن. حقًا إن يومًا عند الرب كألف سنة (2 بط 8:3).
3. في (تك 4:2) "يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات" هنا أدمجت الستة أيام في يوم. فكلمة يوم هنا لا تعني بالقطع اليوم المعروف الآن بـ24 ساعة.
4. وحتى الآن ففي القطبين اليوم ليس 24 ساعة.
5. الكتاب المقدس يستخدم كلمة اليوم بمعاني مختلفة بمفهوم أوسع من اليوم الزمني:-
أ. قد يُقْصَد به الأزل.. أنت ابني أنا اليوم ولدتك (مز 7:2 + عب 5:1). وقد يكون المقصود أنت ابني (أزليًا) أنا اليوم ولدتك (الميلاد زمنيا من العذراء).
ب. يقصد الكتاب بقوله عن الله "القديم الأيام" (دا 9:7) أنه أزلي.
ج. يقصد به الأبدية... "يوم الرب" (أع 20:2).
(ولاحظ أنه قبل خلقة الشمس لم يكن هناك مساء وصباح بالمعنى المفهوم الآن).
1. تعبير مساء وصباح هو تعبير يهودي عن اليوم الكامل. فاليوم يبدأ من العشية ثم الصباح. وهكذا نفعل نحن الآن في الكنيسة الأرثوذكسية؛ فيوم الأربعاء مثلًا يبدأ من غروب الثلاثاء وينتهي بنهاية صباح الأربعاء ثم يبدأ يوم الخميس من غروب الأربعاء وهكذا.
2. المساء هو ما قبل خروج العمل للنور والصباح هو ما بعد خروج العمل.
3. في اليوم الأول خلق الله النور فكان بعد خلق النور صباح هذا اليوم وما قبل خلقة النور مساء اليوم الأول.
4. في اليوم السابع استراح الله، والله استراح بعد الفداء الذي صنعه المسيح وكان ما قبل مجيء المسيح شمس البر هو مساء اليوم السابع، وما بعد المسيح صباح هذا اليوم.
5. لأن اليوم السابع الذي نحيا فيه الآن بدأ بمساء اليوم السابع (أي ما قبل مجيء المسيح شمس البر وفدائه) وبعد مجيء المسيح والفداء الذي تم بالصليب صار صباح اليوم السابع. فلهذا السبب صارت كل الأيام تبدأ بالمساء ثم الصباح. واليوم السابع هذا بدأ بسقوط آدم، وينتهي بالمجيء الثاني للمسيح ليدين العالم. وبمجيء المسيح الثاني يبدأ اليوم الثامن الذي بلا نهاية، وفيه نحيا أبديا في صباح دائم بلا مساء. ويكون المسيح هو نور هذا اليوم فلا نحتاج إلى شمس "وَٱلْمَدِينَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلَا إِلَى ٱلْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لِأَنَّ مَجْدَ ٱللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَٱلْخَرُوفُ سِرَاجُهَا" (رؤ23:21).
6. كان اليهود يسمون المساء "عرب" من غروب في العربية والكلمة في العبرية تعني مزيج أو خليط والمقصود به اختلاط النور مع العتمة. وكانوا يسمون الصباح "بقر" أي شق أو انفجر لأن النور هنا شق جلباب الظلام. ولسبق الظلمة على النهار بدأوا اليوم بالمساء.
7. اليوم الثامن هو الأبدية بعد القيامة العامة حيث النور الدائم وحيث تستمر حياتنا للأبد في هذا النور، ولكن حياتنا بدأت في مساء هذا العالم وستكمل في صباح الأبدية. وهناك يفصل الله بين النور (أبناء النور) والظلمة (أتباع إبليس سلطان الظلمة). وهذا اليوم الثامن بلا نهاية.
هناك نظرية تسمى نظرية السديم. والسديم هو كتلة غازية هائلة الحجم ذات كثافة
متخلخلة. وغازاتها ذات حركة دوامية. وهي تحتوي على كل مقومات الطاقة والمادة.
ومادة السديم خفيفة جدًا في حالة تخلخل كامل ولكنها أي ذرات هذا السديم تتحرك
باستمرار من الوضع المتباعد حول نقطة للجاذبية في مركز السديم وباستمرار الحركة
ينكمش السديم فتزداد كثافته تدريجيًا نحو المركز وبالتالي يزداد تصادم الذرات
المكونة له بسرعات عظيمة وهذا يؤدي لرفع حرارة السديم. وباستمرار ارتفاع
الحرارة يصبح الإشعاع الصادر من السديم إشعاعًا مرئيًا فتبدأ الأنوار في الظهور
لأول مرة ولكنها أنوار ضئيلة خافتة، فسفورية. وهذا يفسر ظهور النور في اليوم
الأول وخلقة الشمس في اليوم الرابع، ففي اليوم الأول لم تكن الشمس قد أخذت
صورتها الحالية، بل أخذت هذه الصورة في اليوم الرابع. وفي السموات الآن أعدادًا
هائلة من هذه السدم. " قد يكون أول مصدر للنور الشمس ذاتها في حالتها السديمية
الأولى أو أي سدم سمائية أخرى.
وهذا السديم كثير الانفجار والانكماش. ونتيجة لهذا الانكماش نشأ فراغات متخلخلة وحركة الغازات الدوامية سببت تمزيقًا أدى إلى تكوين ما يشبه الأذرع الخارجة عن جزءها المركزي وبزيادة التخلخل انفصلت هذه الأذرع متكاثفة بعيدًا عن الجزء الأم.
وكان أن الأجزاء المنفصلة كونت الكواكب المعتمة ولكن بفعل الحركة ظلت هذه الكواكب دائرة في فلك الجزء المركزي.
وباستمرار الاقتراب بين الذرات واستمرار تصادمها أدى هذا لارتفاع كبير في درجة الحرارة وأدى لتفاعلات نووية (كما هي حالة الشمس الآن). وهكذا كانت كل الكواكب مثل الشمس لكن مع الأيام بردت الكواكب مثل الأرض قبل الشمس لصغر حجمها بالمقارنة مع الشمس وبعد أيام كثيرة ستبرد الشمس أيضًا وتتحول لكوكب مظلم. وكانت دورة الكواكب (الأرض/المريخ.. إلخ) أسرع من الشمس فهي وصلت للسخونة والبرودة أسرع من الشمس لصغر حجمها بالمقارنة مع الشمس.
1) كيف علل الآباء هذا قديمًا:- عَلَّل توما الإكويني (1225-1274) نور اليوم الأول بأنه نور الشمس التي لم تكن قد اتخذت هيأتها قبل اليوم الرابع للخليقة. وفسره ذهبي الفم (344-407) بأنه كان نور الشمس التي كانت في اليوم الأول عارية من الصورة وتصورت في اليوم الرابع. لكن الذين ينتقدون الكتاب المقدس يقولون أن الخطأ واضح، إذ كيف يخلق الله النور في اليوم الأول، ثم يخلق الشمس في اليوم الرابع. فمن أين جاء النور قبل خلقة الشمس. ويتضح سذاجة هذا السؤال الآن أو سوء نية السائل، بعد اكتشاف حجم الكون وملايين المجرات وبلايين الشموس والنجوم التي تنير كلٌ منها في مكانه. فالله خلق طريقة وجود النور في أماكن كثيرة من الكون قبل خلقة شمسنا نحن ببلايين السنين.
2) بدء ظهور النور على الأرض: كانت الأرض محاطة بغيوم كثيفة تحجز النور عنها وعندما بدأ ينقشع هذا الضباب بدأ النور يظهر. وكان هناك مناطق بها غيوم كثيفة حجزت النور أما المناطق التي انقشع عنها الضباب فصارت منيرة. هذا هو أول معنى لفصل النور عن الظلمة. وأيضًا بدأ ظهور النور حينما تكون الغبار حول الأرض الذي تنكسر عليه الأشعة فيظهر النور. هنا نقف أمام قول بولس الرسول "لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر" (عب 11: 3).
3) والله فصل بين النور والظلمة: فإذا أشرق النور لا تصير هناك ظلمة. وبداءة كان هناك مناطق منيرة ومناطق مظلمة. ثم عين الله الشمس لهذا بعد أن أخذ كلا الشمس والأرض صورتهما النهائية، وإنقشع الضباب الكثيف وظهر غبار الهواء الذي تنكسر عليه أشعة الشمس فيظهر النور. فبشروقها يكون نور وبغروبها يكون ظلام وهذا ناشئ عن دوران الأرض والشمس.
4) وروحيًّا فصل الله بين الملائكة الذين إختاروا النور والشيطان الذي اختار الظلمة، وصار سلطان الظلمة (لو22: 53) وطرد الشيطان من السماء وبقى الملائكة .
5) ولاحظ أن الله نور، والنور هو طبيعة الله. فهناك إذًا نور الخالق، ولكن هناك النور المخلوق وهو شيء آخر. النور المخلوق هو ما نراه بعيوننا الآن، أما الله فنوره ومجده محتجبان عن عيوننا. إلا أننا في السماء سنرى نور الله ولن نحتاج للنور المخلوق كالشمس مثلا (رؤ22: 5). والله خلق النور أو قل المادة المنيرة قبل خلقة شمسنا ربما ببلايين السنين. ثم خلق شمسنا.
6) وقبل خلقة النور كان هناك ظلمة (إكتشفوا في تسعينيات القرن العشرين أن هناك ما يسمى المادة المظلمة وهي تمثل 99.73% من العالم. بينما ما يراه العلماء بتليسكوباتهم هو مجرد .27% فقط من الكون وهو الجزء المضيء. [راجع شرح الآية (أى38: 19)]. أي أنه ما زال حتى الآن معظم الكون مادة مظلمة.
7) والله كانت أول أعماله خلقة النور لنرى نحن أعماله فنسبحه كما تسبحه ملائكته. والنور هو بكر خلائق الله. لأن الله نور (1ي1: 5). والإبن (المسيح) الخالق، الذي "به كان كل شيء" هو النور الحقيقي (يو1: 9)، وهو نور العالم (يو8: 12).. والعكس هو الشيطان سلطان الظلمة الذي أعماله تكون ليلًا حيث يسرق وينهب أما الله فأعماله في النور فكلها حب وعطاء وكلها حسن وجميل.
المسيح هو كلمة الله وقوته ويده، به صنع كل شيء (مز 9:33) وكلمة قال هنا لا تعني أن الله تكلم ليسمعه أحد بل هو أراد فنفذ كلمته (الأقنوم الثاني) إرادته. فالمسيح كلمة الله به كان النور فهو النور الحقيقي. (راجع كو1: 16، 17).
لم يقل هذا عن الظلمة على الأرض. بل أن الظلمة على الأرض ناشئة عن غياب النور، هي حرمان من النور، بل بظهور النور انفضحت الظلمة وعرفت. لكن الظلمة جعلها الله نتيجة لدوران الأرض، والإنسان المتعب من العمل نهارًا يحتاج إلى الليل لينام ويعطي جسده راحة. أما في الأبدية فلا تعب ولا حاجة للظلمة أبدًا. وكون أن الله يجد الشيء حسن فهذا ليس راجعًا فقط لشكله وجماله بل لأنه كاملًا ونافعًا ومناسبًا. وكان أن الله خلق كل شيء حسن ولكن الإنسان بفساده أفسد استخدام الخليقة الصالحة. وبعد أن جاء المسيح ليجدد طبيعتنا الساقطة وكأنه يخلقها من جديد لا نعود نرى في العالم شيئًا شريرًا.
هنا الله يعلم الإنسان أن يدعو الأشياء بأسمائها ويميزها حتى لا يسقطوا تحت الويل النبوي " ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا" (أش 20:5). فالله فصل بين النور والظلمة لكي نقبل النور كأبناء للنور ونرفض الظلمة فلا نسقط تحت ليل الجهالة المهلك. وفصل النور عن الظلمة يشير لفصل الملائكة عن الشياطين بعد سقوطهم فصاروا ظلمة، وفصل القديسين في السماء وهم في أحضان إبراهيم عن الأشرار في الجحيم مثل الغني وبينهما هوة عظيمة.
وكان أول أعمال الله هو النور ورأت الملائكة فمجدته (أي 7:38). وهكذا في بداية الخليقة الجديدة حينما قام المسيح من القبر المقدس انطلق منه نور ما زال ينطلق حتى اليوم في يوم سبت النور لأن الرب أشرق علينا بنوره الإلهي. وهكذا في المعمودية ننعم بالنور الإلهي، نور قيامته عاملًا فينا، كأول عمل إلهي في حياتنا. ولذلك نسمى المعمودية "سر الاستنارة" فنوهب روح التمييز بين النور والظلمة (أف 8:5).
الآيات 6-8: "وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا."
الكلمة العبرية هي "رقيع" وتعني أي شيء مبسوط وممتد (أش 22:40).
وتشير الكلمة لغطاء ممتد أو خيمة مبسوطة. والكلمة اللاتينية Firmamentum والإنجليزية Firmament وتعني "دعامة" أو "أساس ثابت" (ربما من نفس مصدر كلمة Firm أي ثابت ومتين). معنى الكلمة جَلَدْ في العربية = حينما يقال أن شخصا تجَلَّدْ فهذا يعني الصَّبْرَ، القُوَّةَ، الاسْتِمَاتَةَ والتَحَمُّلْ والصمود. وبهذا يصبح الجلد إشارة لطبقة الهواء التي تتحمل حمل السحب فوقها دون أن تتمزق. وهناك جلد السماء (تك1: 14) وهو القبة الزرقاء التي تحمل الكواكب (جوجل).
والقديس باسيليوس فسر كلمة جلد بأن الهواء هو جسم له صلابة (أي كثافة وشدة) فيستطيع أن يحمل السحاب فوقه. إذن الجلد هو الجو المحيط بالأرض. ونرى هنا أن موسى لم يأخذ بالرأي القديم أن الهواء هو فراغ وعدم فموسى لا يردد ما يسمعه من الناس بل من الروح القدس. والجلد إذن هو سماء الطيور، وليس سماء الكواكب. وطريقة تحقيق ذلك كانت بأن الأرض كانت في غليان مستمر وبخار فكانت محاطة بغلاف بخاري كثيف. وفي الفترة بين اليوم الأول والثاني أي الحقبة الأولى والثانية أخذت درجة الحرارة تهبط، وبالتالي هدأ البخار وبدأ الجو يصير صحوًا. أما تسمية الجلد سماء فذلك من قبيل إطلاق الكلمة على ما هو سام ومرتفع.
كان جو الأرض مدفونًا تحت سطحها. وتشمل خاماته الأولية والمواد الطيارة الحبيسة في البلورات أو الداخلة في تركيب الجزيئات الثقيلة في الأيام الأولى لتكوينها.. وكل هذه الخامات تحررت من البراكين مع الرماد والحمم وتحررت من الينابيع والنافورات مع مائها وأملاحها وغازاتها.. وهكذا تكون جو الأرض بعد أن هدأت الغيوم وخرجت الغازات.
هنا قدم المياه التي تحت لأنها الأصل والمنشأ لما فوق وهذا الجلد يفصل ما بين المياه التي من فوق أي السحب، والمياه التي من أسفل أي البحار وقد حمل هذا مفهومًا روحيًا. فحينما يستنير الإنسان (بعمل نور المعمودية - اليوم الأول) عليه أن يحمل داخله الجلد الذي يفصل بين مياه ومياه فيتقبل مياه الروح القدس العلوية واهبة الحياة (يو 14:4) ويسمو فوق المياه التي هي أسفل، مياه البحر المالحة التي من يشرب منها يعطش أكثر. وإذ يرتبط المؤمن بالمياه العليا التي هي فوق في السماوات يصير سماويًا، ويطلب الأمور المرتفعة العلوية، فلا يكون له فكر أرضي بل سماوي (كو1:3) ونلاحظ أنه لم يقل هنا أنه حسن. ولعل هذا راجع أن السماء لم تكن قد اكتملت زينتها بالكواكب والنجوم أو لأن عمل اليوم الثاني والثالث كان متصل حيث اجتمعت المياه معًا في اليوم الثالث ولما تم العمل قال إنه حسن في اليوم الثالث. وهناك رأي يقول أن اليهود كانوا ينظرون إلى الهواء كمسكن للشياطين حين طردهم الله من السماء. وأكد بولس الرسول هذا المعنى وأطلق على الشيطان رئيس سلطان الهواء (أف2:2) فهو يثير الهواء، والهواء بدوره يثير البحر (والبحر يرمز للعالم) وهكذا أثار الشيطان الجميع على السيد المسيح فصلبوه. وراجع (مت14: 24). وبهذا المفهوم لم يقل هنا أنه حسن فالجلد مسكن الشيطان. لذلك فحين علق المسيح على الصليب حاربهم في عرينهم. ولذلك قال بولس الرسول "سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1تس 17:4) فإن كانت الشياطين تقطن الهواء، فالرب قد غلبهم في عرينهم وسيحملنا في ذات الموضع كأبناء الميراث عوضًا أن كنا أبناء المعصية. والهواء يشير لخروج النفس من الجسد خلال الموت لتنطلق في الهواء. وبعد أن كانت النفس قبل المسيح تنطلق من الجسد فتجد الشياطين تحاصرها في الهواء، أصبحت تقابل الرب في الهواء.
الآيات 9-13: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا.
آية 9: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ."
حين بردت الأرض ظهرت القشرة الأرضية، وحين بردت أكثر أدى هذا إلى تَقَلُّص القشرة الأرضية Crust وتشققها، فنشأت المجاري العميقة، ومنها المحيطات والبحار والأنهار وكل مجتمع البحار متصل بعضه ببعض، أما البحار المعزولة الآن فجاءت نتيجة عوامل طبيعية مختلفة. ونلاحظ أن ¾ مساحة الأرض عبارة عن مياه لتكون كمية البخر كافية لتكوين سحاب كافي ليروي الأرض ويرطب جوها.
آية 11: "وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ."
نجد هنا خلقة النبات ولم يخلق الله النبات إلا بعد أن خلق مستلزمات نموه من أرض وحرارة معقولة وأنوار. وخلقة النباتات لازمة في هذه الحقبة قبل خلقة الحيوان والإنسان، فجو الأرض الآن مشبع بغازات كربونية والنبات يمتص هذه الغازات ويخرج بدلًا منها أكسوجين فيتنقى جو الأرض. وحين يخلق الله الحيوان يجد النبات غذاء له، ويجد أيضًا الجو نقي فيستطيع الحياة. وأثبت العلم الحديث أن ظهور النباتات التي تنمو بوجود الضوء (photosynthetic communities) منذ 850 مليون سنة.
L.Paul Knauth and Martin J. Kennedy "The Late Precambrian Greening of the Earth" Nature 460 (August 6, 2009) 728-32.
وموسى قد رتب بالوحي الإلهي ترتيب ظهور الحياة النباتية (عشب فبقل فشجر) والعشب مثل الطحالب والحشائش القصيرة والبقل يشمل نباتات الحبوب (قمح/ ذرة/ فول....) والنباتات حتى تنمو في اليوم الثالث قبل شمس اليوم الرابع فلهذا احتمالات:
1. الله قادر أن ينبت النبات دون شمس فهو خالق الكل. ألم يخلق للمولود أعمى عينان.
2. ربما استفادت النباتات من حرارة الأرض الذاتية ومن الأنوار السديمية أو من الشمس ذاتها قبل أن تأخذ صورتها الحالية أو دورتها الحالية بينها وبين الأرض.
3. أن يكون الله اكتفى بالحشائش لتنقية الجو وأعطى للأرض إمكانية الإنبات في هذا اليوم ثم أنبتت الأرض البقول والأشجار في أيام لاحقة. ونجد في (تك8:2) أن الرب الإله غرس جنة ليسكن فيها آدم فربما تكون في هذه المرحلة أن النباتات بدأت تأخذ شكلها المعروف. وأما نباتات اليوم الثالث فكانت شيء خاص لتنقية الجو. كانت نباتات ليست مثل ما نعرفه اليوم.
4. والتفسير المنطقي بالطريقة التي يفهمها المتشككون أتى ذكره في حديث الله لأيوب "ومن حجز البحر بمصاريع حين اندفق فخرج من الرحم، إذ جعلت السحاب لباسه والضباب قماطه" (أى38: 4 - 9). فالشمس مخلوقة من قبل ولكن الضباب الكثيف كان سببا في وجود الظلمة على سطح الأرض، هذا بالإضافة لمخلفات البراكين وغبارها الكثيف. فكل هذا كان يحجب نور الشمس عن الأرض، وما كان يصل للأرض من نور الشمس كان شيئا قليلا، وبدأ نور الشمس يتزايد حين بدأ الضباب ينقشع، فالنور كان موجودا، لأن الأرض هي جزء منفصل من الشمس. ولكن النور لم يكن ظاهرا بسبب الضباب ومخلفات البراكين. وبدأ ظهور النبات على الأرض بعد أن كان مستوى ظهور النور الواصل للأرض كافيا للإنبات. ومع نهاية هذا الضباب والغبار ومخلفات البراكين ظهرت الشمس بصورتها الحالية وهذا ما نراه في الآية القادمة عن اليوم الرابع وتم التعبير عنه بقول الوحي = لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ = ويكون قوله لتكن أي لتظهر الشمس بنورها وبصورتها التي نعرفها الآن بعد أن إنقشع الضباب وغبار البراكين. ومع بداية اليوم الخامس كان الضباب قد انقشع تمامًا وصارت السماء صافية مناسبة لخلقة الحيوانات، هذه التي بدأت خلقتها في اليوم الخامس واستمرت في اليوم السادس.
الترتيب الذي أعلنه موسى للخليقة وهو أعشاب/ بقل/ شجر/ حيوانات مائية/ طيور/ حيوانات أرضية/ إنسان، يتفق مع الترتيب الذي تضعه علوم الحياة الحديثة.
ولاحظ أن اليوم الثالث هو الذي ظهرت فيه الأرض المثمرة بعد أن كانت مدفونة لمدة يومين تحت الماء. واليوم الثالث هو يوم قيامة المسيح.
والأرض تشير للإنسان (خرج الزارع ليزرع.. وبعض البذور وقعت على أرض صالحة فأعطت ثمرًا). وكون الأرض غارقة تحت مياه البحر فهذا يشير لغرق الإنسان وموته في خطايا وشهوات العالم. وتوبة الإنسان تجعله يقوم مع المسيح فيكون له ثمر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فالأرض الصالحة طالما كانت مدفونة فلا فائدة منها (الأرض هنا تشير لحياتنا أو لوزناتنا) (مت 8:13 + 25:25) (راجع تك 27:27). إذن في إنبات الأرض علامة على قيامة الجسد، فكما تخرج الأرض حياة بأمر الرب، هكذا بأمره يرد الحياة لجسدنا المائت. وهذا بأن نخرج من مياه المعمودية كخليقة جديدة لنا حياة جديدة هي المسيح (رو6 + فى1: 21) فنثمر بالروح القدس (غل5: 22، 23).
الآيات 14-19: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ. وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلِتَحْكُمَ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا."
آية 14: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ."
هنا بالعبرية مأوروت وتعني حوامل نور أو نيرات والمقصود بها الشمس والقمر والنجوم أما كلمة نور في الإصحاح الأول فهي بالعبرية أور ومقصود بها مجرد إشعاع أو ضياء قد يكون سببه أنوار السدم أو أي مصدر كهرومغناطيسي أو كيميائي أو أنه نور الشمس السديم الأم التي ستشكل الشمس فيما بعد. أو كما رأينا في تفسير الآية السابقة أن هذا كان إعلانا عن ظهور الشمس في صورتها الحالية بعد أن إنقشع الضباب ومخلفات وغبار البراكين.
هذا غير جلد الأرض (آية 6) الذي يفصل بين مياه ومياه. فجلد السماء هو الذي يحمل الكواكب.
حتى اليوم الرابع كان نور الشمس أو الشمس ذاتها في حالة هيولية ولم تأخذ الشمس صورتها بعد. وكان هذا اليوم هو يوم ترتيب العالم الشمسي وفيه توالي الليل والنهار، كما هو معروف إلى يومنا هذا. وأخذ الفلك شكله المعروف. وهل يمكن أن ننسب حفظ الكواكب في مداراتها بهذا الإعجاز للصدفة!! حقا فالسموات تحدث بمجد الله. وهناك تأمل روحي فإن الشمس تشير للمسيح، شمس البر الذي قدمه الآب لنا ليحول ظلمتنا إلى نور. والقمر يشير للكنيسة التي لا تضئ من نفسها بل ينير عليها المسيح فتضئ والكواكب هم القديسون سواء على الأرض أو في السماء كل له موضعه في الفلك ويضيء.
فالشمس لها موعدها تشرق فيه كل صباح وهي تشرق وتغرب بحسب قانون معروف وحين يكسر هذا القانون فيكون بطريقة معجزية أو آية وهذا حدث 3 مرات:
1. يوم صلب المسيح حدثت ظلمة على الأرض ولم يكن وقت كسوف.
2. بصلاة يشوع توقفت الشمس ليكمل حربه ضد عدوه (يش 12:10).
3. رجوع الظل على المزولة كعلامة لتأكيد شفاء حزقيا الملك (2 مل 11:20).
الكلمة في العبرية تشمل الأعياد والمناسبات التي أمر الله بها (أش 13:66) وقد حدد الناس مواسم الزراعة وهجرة الطيور بحسب الوقت الذي يحدده مكان الشمس وفصول السنة ومواسمها (ربيع/ شتاء..) كل هذا راجع للشمس.
هناك تقويم شمسي وتقويم مبني على دورة القمر وتقويم مبني على الكواكب (الشِّعرَى اليَمَانِيَّة Sirius) وهم بالترتيب السنة الميلادية ثم السنة العربية ثم السنة القبطية.
آية 16 :"فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ."
أي الشمس تنير صباحًا والقمر ينير ليلًا. وكما سبق القول في شرح (الآية 11) فالشمس والقمر مخلوقين من قبل وهذه الآية تشير لأن الله هنا يحدد عملهم في التوقيت إذ أخذت الشمس والأرض والقمر وضعهم النهائي. وحين ذكر الشمس والقمر أضاف النجوم أيضًا فالله هو الخالق لكل الكون. والفعل فعمل في العبرية يشير بصيغته التي وردت في الأصل العبري إلى أنها معمولة في وقت سابق. وراجع (رو1: 20) لترى أن الرسول بولس يجد أن الخليقة حولنا تثبت لمن يتأمل في نظامها بأن هناك خالقًا وراء هذه الخليقة، وكل من لا يؤمن فهو بلا عذر. ونفس المفهوم قاله داود النبي (مز19: 1 - 6). فنحن لنا دليلين على عمل الله الخالق *1 الكتاب المقدس *2 الطبيعة. وقال الفلاسفة اليونان قديما أن من خلق العالم بقوانينه وجماله هو قوة أطلقوا عليها "العقل الأعظم" وباليونانية "اللوغوس". وترجمت كلمة اللوغوس في (يو1) الكلمة.
الآيات 20-23: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ السَّمَاءِ». فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الَّتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلًا: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا خَامِسًا."
آية 20: "وَقَالَ اللهُ: «لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ السَّمَاءِ»."
كل سمكة تضع آلاف من البيض فيفيض الماء سمك. وهناك كائنات مجهرية منها ألاف مؤلفة في نقطة ماء واحدة. وكما خرج من الماء أحياء مائية هكذا تلد مياه المعمودية كائنات حيَّة حسب النعمة. وأخذت السمكة رمزًا للمسيحية فكلمة سمكة بالقبطية ixquc "إخثيس" خمسة حروف كل حرف منها يبدأ كلمة من الجملة "يسوع المسيح ابن الله مخلصنا". (سمكة = إخثيس إخ ث ي س ... إيسوس = يسوع / خـريستوس = المسيح / ثـيئوس = الله / إيـوس = ابن / سـوتير = المخلص)
ولأن السمك يعيش في الماء ولا يموت، هكذا فالمسيحي يحيا في العالم ولا يموت روحيًا. والسمك له زعانف تعطيه القدرة على السباحة ضد تيار الماء، وهكذا المؤمن له وسائط النعمة التي يحيا بها ضد تيار الشر الذي في العالم.
ترجمت في الإنجليزية حيتان ولكن أصل الكلمة العبري يشير لكل الأسماك الضخمة.
آية 21: "فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الَّتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ."
التَّنَانِينَ الْعِظَامَ = هذه كالديناصورات ويقدر العلماء بدء ظهور هذه التنانين الضخمة أو الديناصورات بوقت يقدرونه بحوالي 251 - 200 مليون سنة وكانت نهاية ظهورها حوالي 65 مليون سنة. ولها أنواع متعددة. وإختفت هذه المخلوقات الضخمة من ملايين السنين نتيجة لظروف جوية تاركة وراءها ثروة من البترول الذي نحيا عليه الآن.
كل حيوان وكل طير بل كل نبات يخرج ويلد كجنسه ولا برهان على نشوء جنس جديد من يوم خلق الله هذه الأجناس كلها.
آية 22: "وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلًا: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ»."
أي أعطاها الله قوة للتوالد والإثمار.
الآيات 24-31: "وَقَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا». وَكَانَ كَذلِكَ. وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا."
في اليوم الخامس كانت خلقة المخلوقات المائية والطيور التي تطير في الهواء: جلد السماء.
وفي اليوم السادس خلق الله الحيوانات التي تعيش على الأرض وخلق الإنسان الذي يعيش على الأرض وقد خلقهم الله بعد أن هيأ كل شيء لإمكانية حياتهم.
الحيوانات المستأنسة التي يستخدمها الإنسان.
التي تدب على الأرض (حيات/ سحالي/ ديدان) أو ماله أرجل قصيرة كالفأر.
هي الوحوش المفترسة ويرى بعض القديسين أن هذه الوحوش لم تحمل روح الشراسة إلا بعد سقوط الإنسان. فالديناصورات كانت من آكلات الحشائش. فكما أخرجت الأرض شوكًا وحسكًا هكذا انعكست طبيعة العصيان على بعض الحيوانات فصارت شرسة ومفترسة. وهذا تفسير لأن الأرض صارت ملعونة بسبب آدم. والعكس فبركة برسوم العريان هدأت الثعبان. وهكذا كان دانيال مع الأسود في الجب ولم تمسه، وعندما ألقى داريوس الملك من دبروا الشر لدانيال عادت الأسود لوحشيتها وإفترستهم (دا6).
كأجناسها = قال داروين أن الفرق بين الإنسان والحيوانات العليا هو فرق في الدرجة وليس في النوع. ولكن الواضح هنا أن الفرق هو في النوع والدرجة. فالله خلق 3 أنواع مميزة من الخليقة:- * خليقة نباتية. * وخليقة لها حياة حيوانية ولها نفس. ويسميها هنا أنها أنفس وبالعبرية "نبش". وهذه لها مجال محدود في التفكير والعقل والإحساس. ولكن ليس لها روح. وواضح أن هذه الحيوانات مخلوقة لخدمة الإنسان وتحت سلطانه. * وخليقة لها نفس وروح هو الإنسان. وهنا يميز أن كلٌ له جنس مختلف.
أية 26: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»."
أخيرًا توج الله خليقته الأرضية بخلق الإنسان ولم يخلقه أول المخلوقات لسببين:-
1. حتى لا يظن الإنسان نفسه شريكًا لله في الخلق فيتضع (أي 4:38).
2. الله خلقه بعد أن أعد له كل شيء ليعيش في جنة غرسها الله له. بعد خلق المسكن خلق الساكن. والله لم يخلق الإنسان كخليقة وسط مخلوقات بلا حصر وإنما نلاحظ فرقين أساسيين
لم يقل الله كالعادة ليكن إنسان فكان إنسان. هذا التعبير المُسْتَخْدَم:-
أولًا) يشير للمشورة الثالوثية لخلقة الإنسان. إذ يلذ للثالوث القدوس أن يعمل معًا بسرور من أجل هذا الكائن المحبوب، الذي قال عنه "لذاتي مع بني آدم" (أم 31:8).
ثانيًا) إشتراك الثالوث في خلقة الإنسان كما سنرى في (تك2: 7).
ثالثا) يشير أن الإنسان خُلِق على شكل ثالوث فهو كائن عاقل حي.
عمومًا فخلقة الإنسان هي عمل الثالوث القدوس. الآب يريد والابن يخلق والروح يعطي حياة. لذلك ففي الخلقة الجديدة بالمعمودية ظهر الثالوث القدوس (عيد الظهور الإلهي) فالابن في الماء والروح القدس على هيئة حمامة والآب يقول "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" إعلانًا عن فرحة الآب بعودة البشر إلى حضنه في ابنه الوحيد بتقديس الروح القدس.
لاحظ أن الله لم يقل على صورنا فالله ثالوث في واحد. والله وضع صورته فينا علامة ملكه لنا كما يضع الملك صورته على العملات النقدية. والإنسان هو أقرب خليقة الله لصورة الله، مع الأخذ في الإعتبار الفارق الضخم بين الله والإنسان، وهذا الفارق الضخم هو ما تشرحه كلمة كشبهنا. ولكن لم تقال هذه الكلمة عن المسيح فهو صورة الله وهو بهاء مجده ورسم جوهره (عب 3:1). وهو الذي قال "من رآني فقد رأى الآب" لذلك لم يقال أن المسيح يشبه الله فهو الله نفسه. ونحن نشبه الله في الآتي:
1. الإنسان له طبيعة ثالوثية مثل الله:- فالله كائن عاقل حي، وهكذا الإنسان كائن عاقل حي مع الفارق. فالله أزلي واجب الوجود،هو الخالق، وهو كائن بذاته لا يعتمد وجوده على أحد. والإنسان مخلوق أعطاه الله حياة من محبته. ولكن حياته معتمدة على الله (هذا من ناحية الذات). والله بعقله خلق كل شيء وهو يحفظ كل شيء فهو ضابط الكل "فيه يقوم الكل" (كو1: 17). أما الإنسان فبعقله نجده بالكاد يفهم شيء مما خلقه الله. والله أعطاه هذه الإمكانية ليستطيع الحياة. (هذا من ناحية العقل). والله بروحه يعطي حياة. أما الإنسان بروحه يحيا هو، ولكنه لا يعطي حياة لأحد، بل حين تنفصل روحه عن جسده يموت (هذا من ناحية الروح).
2. الإنسان يشبه الله في صفاته.
أ. الحرية والاختيار: |
الله وضع أمامه شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة وخيره بينهما. ومعنى كشبهنا أن حرية الله مطلقة بينما حرية الإنسان محدودة. |
ب. القداسة: |
(راجع أف 24:4). وكشبهنا تعني أن الله قدوس قداسة مطلقة بينما الإنسان يسعى ليكون قديسًا. |
ج. الحكمة والمنطق: |
وهذا لم يوجد في أي خليقة أخرى. وكشبهنا تعني أن حكمة الله لا نهائية بينما الإنسان حكمته محدودة. |
د. سلطان: |
فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء.. (تك 26:1) لكن سلطان الإنسان كان محدودًا (فليس له سلطان على الكواكب ولا حتى الأمطار مثلًا...) فهو ليس إلهًا. وهذا معنى كشبهنا. |
ه. المعرفة: |
آدم أعطى أسماء للحيوانات (تك 19:2، 20) بعد أن أفهمه الله صفاتها. |
و. المحبة: |
محبة الله لا نهائية لكن محبة الإنسان مهما كانت فمحدودة. وهذا معنى كشبهنا. |
ز. الخلود: |
(راجع رو 12:5) فالله خلق الإنسان ليحيا للأبد ليس ليموت وأما الموت فدخل كعقوبة مؤقتة. ولكن الله أزلي والإنسان له بداية بمولده. |
ح. لا محدودية الله: |
الله غير محدود، والإنسان محدود. لكن لأن الإنسان على صورة الله فلن يشبعه سوى الله غير المحدود، أما العالم المحدود فلن يشبع أحد، وهذا ما جربه سليمان الملك وقال أن العالم باطل وفسرها بأنه قبض الريح أي مهما امتلكت فأنت لم تمتلك شيئًا (راجع سفر الجامعة). وهذا ما جربه سليمان، فالمال زاد أيامه جدًا فهو اغتنى جدًا، لكنه رفع الضرائب على الشعب وأتعب شعبه، وأكثر من نسائه ولم يشبع من زيادة هذا أو ذاك. فالله وحده هو الذي يشبع الإنسان (يرجى مراجعة مقدمة الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا لترى معنى الشبع الكامل). لن يشبع الإنسان سوى الله، وهذا ما نتذوق عربونه هنا ويكمل في السماء حيث نفهم تمامًا قول بولس الرسول "لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف3: 19). ولا نهائية الله شبهوها بالدائرة، فهي بلا بداية وبلا نهاية والله لا بداية له ولا نهاية له. ونقول أن داخل الإنسان لا يشبعه سوى الله. فهو مخلوق على صورة الله. لذلك نقول أن داخل الإنسان أيضًا على شكل دائرة لا يملأها سوى دائرة. |
ط. الله أزلي: |
فهل الإنسان أزلي هو الآخر؟! قطعًا الإنسان ليس أزليًا، ولكن لنسمع ما قيل في (يو13: 1) " أما يسوع....إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى " فقول الكتاب أن يسوع كان قد أحب خاصته يجعلنا نتساءل منذ متى بدأ هذا الحب؟ فلو قلنا أن الله بدأت محبته للبشر منذ أن خلقهم فنحن بهذا ننسب لله أنه متغير إذ كان لا يحب أحدا، ثم بدأ يحب الإنسان بعد أن خلقه....حاشا. إذًا.. كان.. هذه تشير لمحبة الله الأزلية للإنسان. لقد كنّا فكرة وصورة واضحة في عقل الله أزليًا ، ولما جاء ملء الزمان وبعد أن أَعَّد لنا الله الأرض لنمشي عليها، بل أعد لنا كل ما نحتاجه للحياة بفرح، خلقنا. الله أحبنا لذلك خلقنا. |
ولاحظ أنه لم يقل على صورتنا ومثالنا، فنحن نعم على صورة الله في الصفات التي ذكرناها ولكن نحن نشبهه. فصفات الله مطلقة، أما صفاتنا فنسبية فالله حر حرية مطلقة أما الإنسان فله حرية داخل دائرة معينة لا يتعداها كلاعب الكرة الذي إذا أتته الكرة هو حر أن يعطيها لأي لاعب آخر، ولكن ليس حرًا أن يضرب أي لاعب مثلًا. وفي القداسة، فقداسة الله مطلقة فهو المتسامي والمرتفع عن الأرضيات والخطايا، أما الإنسان فهو الساعي نحو القداسة. ومن ناحية السلطان فسلطان الله مطلق أما سلطان الإنسان فمحدود. وهذا معنى كشبهنا.
فالإنسان صار ممثل لله يحمل صورته وهو كشبهه فصار له سلطان على كل المخلوقات، هو يحكم ويسيطر باسم الله على كل الخليقة. ولكن بعد الخطية فقد الإنسان هذه الصورة وهذا الشبه ففقد سلطانه على الحيوانات... وغيرها ولكن نسمع أن قديسين كان لهم هذا السلطان على الحيوانات لما عادت لهم هذه الصورة (الأنبا برسوم العريان).
الله خلق الإنسان على صورته ليقبل خالقه صديقًا له، يتجاوب معه لا على مستوى المذلة والضعف وإنما على مستوى الحرية والحب والصداقة. وليكون وارثًا لله مع المسيح وشريكا معه في المجد الأبدي يجري وراءه ليضمه إليه لا ليحطمه. وجود الله لا يقوم على إهدار حياة الإنسان وكرامته، وإنما نزل الله إلينا لكي يرفعنا إليه، صار إنسانًا ليرفع الإنسان إليه وليجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية.
الذين هم على صورة الله الآن لهم سلطان على شهواتهم. (راجع غل 19:4، 1يو 2:3).
آية 27: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ."
حواء لم تكن موجودة حتى الآن. ولكن لاحظ أنه لم يقل خلقهما بل خلقهم. وهذا باعتبار ما سيكون فحواء كانت في آدم والأولاد كانوا في آدم. وهكذا الكنيسة في المسيح. فكلمة خلقهم هنا تشير للجنس البشري كله. وتشير لبركة سر الزواج وللوحدة التي خلق الله العالم بها فالكل من واحد (آدم) وكان يجب أن تسود المحبة لكن الخطية دمَّرت صورة الوحدة. لهذا أتى المسيح ليعيد صورة الوحدة (يو 21:17). والكنيسة واحد مع المسيح فهي جسده.
آية 28: "وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»."
هنا هي بركة روحية وبركة جسدية للزواج ليزيد عددهم ويملأوا الأرض لذلك كل من يفكر في أن سقطة آدم هي أنه عاشر زوجته حواء يكون خاطئًا فهل تخرج بركة من خطية. والله قال لهم أثمروا قبل أن يسقطا. إذًا علاقة الزوج بزوجته عطية وليس خطية. ولكن قبل السقوط كان الإنجاب يتحقق لا كثمرة للشهوة، وإنما كجزء من مجد الزواج الذي أسسه الله. لقد خلق الله آدم وحواء لينجبا حتى لو لم يسقطا في العصيان. ولكن الشهوة أتت كثمرة من ثمار الخطية والعصيان.
آية 29، 30: "وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا». وَكَانَ كَذلِكَ."
الإنسان خلق كنباتي لا يأكل اللحوم. والله أعطَى له تصريح بأكل اللحوم بعد الطوفان، فالإنسان بخطيته فسدت طبيعته وصارت وحشية، وانظر كيف كان الرومان يتسلون ويلهون بمنظر الدماء الإنسانية والوحوش تفترس البشر، وللآن فهناك من يأكل لحوم البشر. وهذه الطبيعة الوحشية للبشر انعكست على بعض الحيوانات. وحتى لا يفترس البشر بعضهم البعض سمح الله بعد نوح بأكل اللحم الحيواني.
ولكن نلاحظ عند وجود قديس في مكان أن الحيوانات تتغير وحشيتها وتصير أليفة، هذا ما حدث مع دانيال في جب الأسود، ومع القديس برسوم العريان مع الثعبان.
آية 31: "وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا."
فكل الخليفة قد تمت، لا بل الإنسان موضع سرور الله قد خلق.
فخلق الله الإنسان على صورته... وباركهم.. املأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا.
الإنسان كالعملة المطبوع عليها صورة ملك البلاد، والإنسان مطبوع عليه صورة الله والله محبة، لذلك قال السيد المسيح "أحبوا أعدائكم" فمن امتلأ قلبه محبة للكل حتى أعدائه يصير عملة قابلة للتداول في السماء (أي يدخل الملكوت فيخلص)، ومن لا يعرف المحبة يصبح خارج الملكوت (عملة بَرَّأني) (1يو 10:3-16 +7:4-10). ونحن نحيا في العالم لنجاهد في الصلاة والصوم.. إلخ لنمتلئ من الروح القدس، ومن يمتلئ من الروح يمتلئ محبة (رو5:5 + غل 22:5). وفي النهاية من يغلب في جهاده ويمتلئ محبة يصبح عملة قابلة للتداول في السماء أي يخلص. وقطعًا فمن يوجد فيه صورة الملك مطبوعة فهو مِلْكْ لله " أنا لحبيبي وحبيبي لي" ونحن خلقنا على صورة الله لنصير قادرين على الحب والصداقة مع الله "لذاتي مع بني آدم". لقد صارت الخطية سببًا لفقدان الاتصال مع الله، فأرسل لنا الله أنبياء هم أقرب الناس له وهم قادرين أن يوصلوا للإنسان إرادة الله ومحبة الله وصداقته للإنسان، وهناك آية كانت تعبر عن اشتياق الإنسان لتجسد المسيح، فيصير الاتصال بالله مباشرة سهلًا ولتدخل النفس في علاقة الحب هذه مع المسيح " ليتك كأخ لي الراضع ثدييي أمي (تجسد) فأجدك في الخارج وأقبلك فلا يخزونني (نش 1:8) وفي علاقة الحب هذه لذة للنفس ولذة لله.
ومن هو على صورة الله يباركه الله: وباركهم. والبركة هنا نوعان:
1. أملأوا الأرض:
كثرة عددية وهذه للحيوان (آية 22) وللإنسان (آيه 28).
وهذه للإنسان فقط. فالسلطان هو بركة خاصة للإنسان فقط. ولكن لِمَنْ؟ لمن هو على صورة الله.
لذلك نفهم ضمنًا أن من يكون على صورة الله يكون له سلطان على شهوته، وعلى الخطية عمومًا، وكلما ابتعدنا عن صورة الله نفقد هذه البركة... وأنت تسود عليها (تك 7:4).
1. بالمعمودية.
2. بعمل الروح القدس الذي يجددنا يومًا فيوم لنصير على صورة الله (رو6: 5، 14 + غل19:4 + كو10:3).
← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير التكوين 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة عن أسفار موسى
الخمسة وسفر التكوين |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/btwb4hv