← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
آية (1): "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،"
فَإِذْ
= إذًا هذه الآية عائدة على ما قبلها. وآخر آية في الإصحاح السابق كان عن أننا تبررنا. تَبَرَّرْنَا = (راجع المقدمة). بِالإِيمَانِ = هذا هو المدخل. لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ = هناك سلام من الله وهو سلام داخلي يفوق كل عقل (في7:4). ولكن السلام مع الله، فهذا يعني تغيير شامل لمركزنا من حالة العداوة إلى حالة البنوة والصداقة والحب. نختفي في المسيح لنحسب أبرارًا فيه ومصالحين وهذا يعني المصالحة مع الله "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2كو19:5) . صرنا نحيا كأبناء في سلام حقيقي مع الآب. مثال:- زوجة خائنة طردها زوجها وصارت في الشارع، بل سلمها للقضاء لتأديبها (هذا كان حالنا قبل المسيح) وبرأتها المحكمة (هذه تساوي أُسْلِمَ لأجل خطايانا 25:4). ولكنها ما زالت مشردة. فإذا أعادها زوجها لبيتها وأولادها ومركزها السابق لعاشت في سلام مع عائلتها (= سلام مع الله) وكان هذا عن طريق قيامة المسيح (أقيم لأجل تبريرنا). فبالقيامة إتحدنا بالمسيح. وصرنا أبناء لله. بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ = كل ما حصلنا عليه كان بفداء المسيح. فإن كان المسيح قد فعل كل هذا وإذا كنا قد آمنا، فلماذا يوجد البعض في حالة خصام مع الله، لماذا لم يثبت الكل في هذا البر وهذا السلام ؟ الإجابة ببساطة أن الإيمان هو المدخل لكن بعد الإيمان هناك جهاد مطلوب. جهاد سلبي بأن لا نعود لحياتنا السابقة ولخطايانا القديمة بل نحيا حياة الإماتة الاختيارية بعد موتنا مع المسيح في المعمودية. وجهاد إيجابي في صلوات وأصوام. لنحافظ على حالة السلام.
آية (2): "الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ."
الزمن لم يعد مرعبًا. فالماضي.. نحن نذكر موت المسيح عنّا. والحاضر.. نحن في سلام. والمستقبل.. نحن نحيا على رجاء مجد الله. وبواسطة الإيمان حملنا المسيح وأدخلنا إلى حالة النعمة= أتحاد مع المسيح/ حلول الروح القدس/ مجد معد في المستقبل ومجد غير مرئي الآن/ سلام مع الله أي صرنا من أهل بيت الله (الكنيسة). الدخول إلى= تعني أننا لم نكن في هذه الحالة قبل الإيمان وذلك أننا قد ولدنا بالطبيعة أبناء للغضب (أف3:2). والمسيح نقلنا من حالة الغضب والمعصية التي ولدنا فيها إلى النعمة التي صرنا إليها.
مقيمون= تعني استمرارية هذه النعمة هنا وفي السماء، هي حق مكتسب في هذه الحياة وللأبد، لقد أصبحنا أولاد الله ولن يطردني من هذه البنوة سوى تركي أنا لبيت أبي. هي حق لن يستطيع أحد أن ينزعه مني، لا الموت ولا الشيطان، بل أن الموت سيؤكد هذه النعمة إذ سنشترك في المجد الإلهي.
وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ
= هذه الحالة التي نقيم فيها الآن والتي هي موضع فخر للمؤمنين، لأننا ننتظر على أساسها ونرجو ما سوف يهبه الله من مجد للمؤمنين فيما بعد. وبهذا ينتهي التبرير والتقديس للتمجيد المعلن في السماء.
الآيات (3-5): "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا."
بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ
= لاحظ أنه كان يتكلم على المجد، لكن قبل أن نتصور أننا وصلنا المجد، نجده يذكرنا بأننا مازلنا على أرض الشقاء (كانت خيمة الاجتماع وهي رمز للكنيسة على الأرض، حوائطها وسقفها في منتهى الجمال، ولكن أرضيتها تراب. وهذا يعني أننا ونحن في الكنيسة الآن حينما نتأمل السماء نفرح بجمالها، ولكننا نعود نذكر أننا مازلنا على الأرض بآلامها، ولكن التأمل في السماء يعطي فرحًا وتعزيات. أما السماء فيمثلها الهيكل وأرضياته من ذهب، فلا ألم في السماء). والمعنى أنه لا بُد أن تكون هناك آلام ونحن على الأرض. ولكن لماذا نفتخر في الآلام؟ هب أن الله أعطاني موهبة ما، وبها فرحت، فأنا لا بُد وسأشكر الله على محبته. والضيقة والألم هما أيضًا علامات حب الله لي "فمن يحبه الرب يؤدبه" (عب6:12). وهذا التأديب هو لإعدادي للسماء، لذلك نفتخر بالضيقات فهي علامة حب ولنفهم أن الله صانع خيرات، لا يمكن أن يسمح إلا بما هو خير. إذًا فالضيق خير حتى لو لم نفهم الآن لكننا سنفهم فيما بعد (يو7:13) مثل ابن فاشل أتى له أبوه بعصا للتأديب، ونجح وصار رجلًا لامعًا. مثل هذا الرجل سيظل يفتخر بهذه العصا العمر كله، فهي السبب فيما هو فيه من مجد. وبنفس المفهوم فأيوب الآن في السماء يذكر آلامه بكل فخر، فهي السبب في دخوله للمجد. لذلك علينا بالإيمان الآن أن نفتخر ونشكر الله على الضيقات فهي طريق المجد، هي تنشئ ثقل مجد أبدي (2كو17:4) عمومًا:- الله لا يسمح بأي شيء في حياتي إلا لو كان لازمًا لخلاص نفسي (1كو3: 21، 22). لذلك فنحن نشكره كصانع خيرات. والضيقات بهذا المفهوم هي خير نشكره عليه.عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا
= الصبر هنا ليس هو بالتمرين ولا شجاعة إنسانية ولا هو برود أعصاب أو انتظار لعوض مادي. بل الصبر هو عطية إلهية. فالله لا ينزع الضيقات، بل يعطينا أن نرتفع فوقها، الله يُغيِّر الفكر والقلب فنتقبل الضيقات، إذ نراها لازمة للخلاص، بل هي طريق الشركة مع المسيح المتألم، أما أولاد العالم فكثرة الضيق تضيع صبرهم. ولكن متى تأتي عطية الصبر وسط الضيق؟1. على أن أفكر هكذا: إذا كنت أنت يا رب قد احتملت كل هذا لأجلي فلأحتمل معك يا رب لنكون شركاء ألم، وشركاء الألم هم شركاء مجد (رو17:8). فلنكن كأم يتألم ابنها وتقول "يا ليتني كنت أنا بدلك" لذلك علينا في ضيقاتنا أن نتأمل في آلام المسيح ونقول يا ليتني كنت أنا.. وبهذا نحتمل الألم. فكلما زاد الحب يزداد اشتهاء الألم مع المسيح. وهذا ما دفع الشهداء للألم، وبعد أن انتهى عصر الاستشهاد بدأ عصر الرهبنة حبًا في مشاركة المسيح الألم. ولاحظ أن الله ما زال يتضايق ويتألم بسبب خطايا البشر.
2. إذا فهمنا أن الله يستخدم الألم كأداة تطهير وإعداد للسماء سنفهم أن الألم هبة من الله كما قال بولس الرسول (في29:1). فالألم هو أداة خير، ولخلاص النفس وشركة مع المسيح المتألم في الألم وفي المجد.
3. على ألاّ تخرج كلمة تذمر من فمي، بل شكر دائم، فالألم علامة محبة من الله (عب6:12). على أن أصمت وأحتمل الألم دون كلمة تذمر واحدة. ومن يفعل تنسكب العطية الإلهية وهي الصبر في داخله كنعمة إلهية بالإضافة لإصلاح الفساد الداخلي، الذي سمح الله بسببه بهذا الألم أي بالشكر والاحتمال تأتي التجربة بثمارها. بل أيضًا بالشكر ينمو الإيمان (كو2: 7) وحينما ينمو الإيمان تزداد الثقة في أن ما يسمح به الله هو للخير وهنا يأتي التسليم لله وقبول التجربة بشكر.
مثال:- مريض محتاج لعملية جراحية، يجب أولًا أن يخدروه حتى تنجح العملية، أمّا لو أجروا له العملية وهو مستيقظ فلسوف تفشل العملية. هذا المريض هو أنا، فالله يريد أن يشفيني من مرض روحي، وذلك يكون بالألم الذي يسمح به الله، فإن صمت بدون تذمر (يكون هذا مثل من خدروه) ينجح العلاج. والعكس. وليس فقط الامتناع عن التذمر بل الشكر وسط الضيقة. وهذا هو الإيمان بأن الله لا يسمح إلاّ بالخير. وليس من المهم أن نفهم (يو13: 7).
4. إذا فهمنا كل هذا فلُنسَلِّم حياتنا لله، أي لا نعترض على ما يسمح به وهنا تأتي نعمة الصبر.
ويقول القديس يوحنا في رؤياه "يوحنا شريككم في الضيقة وفي ملكوت المسيح وصبره" (رؤ9:1) + وفي رسالة كورنثوس الثانية (2كو3:1-8) وردت كلمة التعزية 10 مرات، وكلمة الضيقة والألم 10 مرات بمعنى أن الله يعطي العزاء وسط الضيقة وبقدر الضيقة. وهذا معنى الآية شماله تحت رأسي (الضيقة) ويمينه تعانقني (التعزيات) (نش6:2 + مثال الثلاث فتية في أتون النار (سفر دانيال) فالله طريقته هي أن لا يخرجني من الضيقة، بل يأتي ليحمل الصليب معي وتكون هذه هي التعزية. وبهذا يعني الصبر الثبات والاحتمال، والاحتمال راجع للتعزيات الإلهية والإقتناع بأن ما يسمح به الله هو للخير، والتعزيات الإلهية هي لِمَنْ يشكر الله ويطلب المعونة.
ومن يرى أولاد الله في تعزياتهم وسط الضيقات قد يقول أنهم غير متألمين. هذا كمن يطلب من شخص أن يحمل شخصًا آخر في الماء حينئذ سيقول لا أستطيع لأنه لا يفهم قانون الطفو. أما لو حاول فسيحمله بسهولة لأن الماء يحمل معه. وهكذا فمن يرى أولاد الله وسط ضيقاتهم لا يفهم كيف يحتملون الألم، من أين هذا الصبر؟
والإجابة أن المسيح يحمل معهم، أو بالأحرى هو يحملهم. إذًا هو قوة غير مرئية للآخرين، لكن يشعر بها المؤمن الذي يتألم لكن بشكر، وهذا معنى "احملوا نيري فهو هيِّن" (مت11: 30). وإذا أتت التجربة قد يخاف الإنسان، أو قد نخاف الآن أن تأتي علينا تجربة. ولكن هذا الشعور طبيعي. كشعور العطش إذا نقص الماء في الجسم، ولكن شعور العطش يدفعني للبحث عن الماء، فأحيا. وشعور الخوف يدفعني للالتجاء لله ليحميني فأجد التعزيات. ولكن بدون الالتجاء لله لن تأتي التعزيات. راجع (2كو5:12-10). الله دائمًا يخرج من الجافي (الألم) حلاوة (التعزيات والصبر)، بل وإصلاح طبيعتي كإعداد لي لدخولي السماء.
وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً
= التزكية هي نجاح المرء في امتحان واجتيازه له بنجاح. وفي العالم من يجتاز إمتحانًا بنجاح يرتقي لدرجة أعلى، أي يزداد ويعلو في مستواه. وهكذا من يصبر على الألم ينجح في إمتحانه، ويتخلص من شوائبه التي بسببها سمح الله بالتجربة، فالتزكية تعني التخلص من الشوائب، كتزكية الذهب بالنار (1بط1: 6، 7) . فمن يقابل الضيقات بثبات دون تذمر يعطيه الله الصبر والتعزيات، وإذا صبر على آلامه يتزكى أي يتنقى ويرتفع بهذا مستواه الروحي. ويظل يرتفع بالضيقات حتى يشترك مع المسيح في مجده. لذلك فأبناء الله يفهمون أن الخلاص من الضيقة ليس هو إنتهاء الضيقة بل إرتفاعهم فوقها، وبالتعزيات التي تملأهم يجتازون في الضيقة واثقين أنها لخيرهم، ويرافقهم فيها تعزيات المسيح. بل أن من يتألمون بصبر ينالون أعظم الاختبارات هذه التي لا يختبرها الذين هم بلا تجربة. ولهذا دعيت الضيقات إمتحان، فهي كما يُمتَحن الذهب بالنار ليتنقى.وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً
= مع الألم تزداد التعزيات ويزداد النقاء، ومن يتنقى يرى الله (مت8:5) لذلك قال الأنبا بولا "من يهرب من الضيقة يهرب من الله". وبزيادة التعزيات، ومع النقاوة نستطيع أن نرى الله أي نشعر بمحبته وأبوته (وهذه لا يختبرها غير المتألم). وبهذا يزداد الرجاء في هذا الإله الحنون الذي يعطينا العزاء. لذلك يطالبنا معلمنا يعقوب بالفرح في التجارب (يع1: 2، 12). والتزكية ليست أساس الرجاء، بل هي رفيق له. وكلما ازدادت التزكية، أي كلما تنقى الإنسان إنفتحت عيناه وازداد رجاؤه. وكلما تنقى الإنسان تزداد عطايا الروح فالإيمان والمحبة والرجاء يزدادوا. وهذا الرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ..= قد يسأل إنسان.. وكيف لنا أن نعرف أن الله ما زال سخيًا في عطاياه، أو ما الدليل أن الله سيدخلني السماء؟ نحن في داخلنا رجاء، فما الذي يؤكده ؟ الإجابة هنا واضحة أن الرجاء لن يخزي إذا امتلأ القلب محبة لله، بل أن الإنسان قد اكتشف محبة الله، "فنحن نحبه لأنه أحبنا أولًا" (1يو19:4). وهذا عمل الروح القدس، الذي يشهد للمسيح (يو14:16). ويعطيني أن أفهم مقدار حبه لي، ويعطيني أن أمتلئ من حبه، فهو يسكب حبه سكيبًا داخل القلب. فإذا وجدنا هذا الحب يملأ القلب فرجاؤنا لن يخزينا، لأنه من المؤكد أن لنا نصيب في السماء، فالمحبة لا تسقط أبدًا (1كو8:13) وهذه المحبة تتحول إلى فرح يملأ القلب يطغي على أي ألم، ويتحول الحب ليس فقط لله، بل لكل إنسان حتى أعداءنا، ويتحول لشهوة أن نقضي كل أيامنا وأوقاتنا مع الله، وفي طاعة وصاياه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والله يعطي هذه المحبة بفيض = إنسكبت = فهي محبة تلهب قلوبنا، محبة نارية لله. وهذه المحبة تعطي ثقة في وعوده، وهذا يزيد الرجاء. هذه المحبة هي التي دفعت الشهداء للاستشهاد حبًا في المسيح. هذا الحب يعطينا لذة في تنفيذ الوصايا الصعبة واحتمال الآلام، وهذا هو معنى قول السيد احملوا نيري فهو هيِّن، فالمسيح الذي نحبه يحمل كل الحمل عنا. هذه المحبة وهذا الرجاء عكس الإطمئنان الزائف الذي عند بعض الناس، الذين يقولون أننا سنخلص لأننا مسيحيين. فإنتمائي بالإسم للمسيح لا يكفي. والمحك... هل نحتمل الضيقة بصبر، هل القلب يستمر في محبته مع فقدان الخيرات المادية، هل نطيع الوصايا، هل لمحبتنا في المسيح نحن على استعداد لترك شرور وملذات العالم؟ مثل هؤلاء لا يتذوقون الحب الناري، بل هم من قال عنهم الكتاب أنهم مطمئنين على غير سبب للاطمئنان (إش47 : 8، 10+ دا 25:8). إذًا من لا يزال متمسكًا بشره، ليس له الحق في الاطمئنان.لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا.
1. الله محبة (1يو8:4) وهذه تعني أن المحبة هي جوهر الله وهو يشعها في كل مكان وفي كل اتجاه. ولكل الخليقة.
2. وقبل أن تكون هناك خليقة كان الآب يفيض هذا الحب للابن لذلك نسمع في (أف6:1) أن الابن هو "المحبوب".
3. والروح القدس هو روح المحبة، يحمل الحب من الآب للابن.
4. بالتجسد والفداء، اتحد المسيح بنا وصار الروح القدس الذي يحمل المحبة من الآب للإبن، يحمل هذه المحبة لمن اتحدوا بالابن وصاروا أبناء.
5. حين انسكبت محبة الله في قلوبنا بالروح القدس. صرنا نحب الله كما عبَّر بولس الرسول عن ذلك في (رو35:8-39).
6. وعلامة هذا الحب حفظ الوصية (يو15:14-21).
7. المحبة في القلب تحوله من قلب حجري إلى قلب لحمي (حز19:11).
8. وبذلك فبدلًا من أن تكتب الوصايا على ألواح حجرية كما في العهد القديم صارت تكتب على القلوب بالحب (أر31:31-33). لذلك فمن يحب الله يحفظ وصاياه. وهذه تشبه زوجة تحب زوجها، هذه لا تحتاج لمن يقول لها وصية لا تزني (غل23:5) فهي لمحبتها لزوجها، لا يمكن أن تفكر في خيانة زوجها.
ونلاحظ عمل الثالوث معنا فالآب يعطينا الحب الأبوي "أبانا الذي في السموات" والابن هو عريس نفوسنا وهو كأخ بكر وسط إخوته. إذًا الآب والابن يعطياننا كل أنواع الحب التي تحتاجها النفس. أما الروح القدس فيعطينا أن نحب الله بشدة. وبهذا نكون أسوياء. فعلم النفس يقول أن الشخص لا يكون سويًا إلاّ بأن يُحِّب ويُحَّب. وهكذا نفهم كيف يحيا الراهب في وحدته.
تعليق:
الروح القدس يعطي:
1. أن نحب الله.
2. أن نشعر بمحبة الله لنا.
وبالنسبة للأولى قال بولس الرسول "من سيفصلنا عن محبة المسيح..." (رو35:8).
وبالنسبة للثانية قال بولس الرسول:
1. "محبة المسيح تحصرنا" (2كو14:5).
2. "ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا آبا الآب" (غل6:4).
ومن تبادل هذا الحب مع الله يقوى رجاءه أي أمله في الخلاص وبالتأكيد فإن رجاءه هذا لا يخزى. فهل من تذوق هذا الحب يتصور أن الله سيرفضه بعد ذلك ويلقيه في جهنم. وحتى نصل لهذه الدرجة من المحبة يجب أن نمتلئ بالروح الذي يسكب هذه المحبة في القلب. وهذا يحتاج للجهاد (أف5: 18 – 21).
آية (6): "لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ."
في آية 5 رأينا الروح القدس يسكب محبة الله فينا. وهنا نرى عمل الروح القدس كيف يسكب المحبة؟ الروح القدس يعطينا أن ندرك محبة المسيح (1) بأنه يفتح أعيننا فنرى بشاعة خطايانا. وطريقة الروح القدس هي الإقناع (إر7:20)، فهو يقنع المؤمن بأن المسيح أحبه بأنه يفتح عينيه على خطيته (2) وكلما شعرنا بها سنشعر بما قدمه لنا المسيح، الذي مات لأجل الفجار ليغفر لهم ويجدد طبيعتهم ويثبتهم في المسيح فيجعلهم محبوبين لدى الله. ومن يغفر له أكثر يحب أكثر (لو47:7). 3) والروح القدس لا يقدم معرفة فكرية فقط، بل معرفة إختبارية، بها نختبر حب المسيح، فنحبه لأنه أحبنا أولًا ويرسم لنا الروح صورة حية لصليب المسيح الذي غفر به كل خطايانا، فيلتهب القلب بمحبته ونشتهي أن نرد الحب بالحب.
لأن المسيح = تترجم وبالأكثر المسيح. إذ كنا بعد ضعفاء= عاجزين عن إنقاذ أنفسنا من الخطية التي لها سلطان ساحق علينا (كمثال لهذا.. الشعب في مصر لا أمل لهم في النجاة من عبودية فرعون وأرسل الله لهم موسى، والعبودية لفرعون هي رمز للعبودية للشيطان). هكذا أرسل الله لنا المسيح في أرض عبوديتنا. ومات في الوقت المعين= أي في ملء الزمان حينما أتم الناموس مهمته، وحينما ظهر فشل اليهود في الالتزام بالناموس. بل لاحظ أن الناس وصلوا في خطيتهم أن صاروا فجار. ومع هذا مات المسيح عنهم.
آية (7): "فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ."
تعريف يهودي:- البار= هو من يقول لصاحبه ما هو لي فهو لي وما هو لك فهو لك (أي يحكم بالحق). الصَّالِحِ = من يقول ما هو لي فهو لك، فهو بذلك قادر على العطاء. التعريف المسيحي= البر هو بالمسيح والصلاح هو بحمل المسيح فينا. ومعنى الآية أنه من الصعب وبالجهد يموت أحد لأجل صالح أو بار. ولكن المسيح بَيَّنَ محبته في أنه مات عنا ونحن خطاة فجار.
آية (8): "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا."
هل هناك حب أعظم من هذا أن يموت المسيح لاسترضاء الآب نحو هذا العالم والإنسان الخاطئ (1يو10:4).
آية (9): "فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ!"
المعنى لا تستصعبوا الخلاص الآن، فهو الآن أسهل بعد الصليب. فأيهما أسهل، خلاص روما التي كانت تقدم البشر للوحوش للتسلية، أم خلاصها الآن. وبنفس المفهوم فخلاصي أنا الآن أسهل. علينا ألا نصدق الشيطان الذي يوحي لنا بأن الخلاص صعب، فإذا كان الله قد حَوَّل وحوش روما إلى قديسين فهل لا يحولني أنا الآن إلى قديس. لقد مات المسيح عن فجار لم يسمعوا عنه من قبل ليبررهم ويخلصهم، أفلا يبحث عن خلاصي أنا الآن.
نَخْلُصُ = الخلاص عند بولس عمل مستمر بدأ بالصليب ولا ينتهي، لذلك فهو يستعمل 3 أفعال في صيغ الماضي والحاضر والمستقبل للتعبير عن الخلاص:-
1 الماضي:- لأننا بالرجاء خلصنا (رو24:8).
2 المضارع الدائم:- بالنعمة أنتم مُخَلَّصُونَ (أف 2: 5، 8).
3 المستقبل:- هذه الآية + (رو13:10 + 1كو 5:3).
فعمل الخلاص بدأ بميلاد المسيح وينتهي بالمجيء الثاني. وخلاصي أنا بدأ بالمعمودية أو بالإيمان لمن يعتمد كبيرًا، وسيستمر حتى نلبس الجسد الممجد في السماء (رؤ10:12).
آية (10): "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!"
أنظر تفسير الآية (رو25:4). جاء المسيح ليصنع الصلح مع الله بأن أرضي الله بطاعته حتى الموت فصولحنا مع الله بموته، إذ بالمعمودية نموت معه وبدمه ستر خطايانا. ونحن أيضًا نخلص بحياته أي بقيامته من الأموات وصعوده للمجد مع أبيه.
ونَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ تعني:-
1. أعطانا حياته التي أصبحت هي القوة لنا لنسلك في البر. والمسيح يستخدم أعضائنا كألات بر. وحياته هذه هي التي انتصر بها على الخطية وعلى الموت. صار يحيا فينا ونحن نمتلئ بنعمة حياته. وكلما نسلِّم أنفسنا للموت تظهر حياته فينا (عب7: 24 ، 25+ غل20:2 + في21:1 + 2كو11:4).
2. المسيح قائم أمام الآب ليشفع فينا، ليحملنا فيه إلى حضن الآب.
3. هذه الحياة هي حياة أبدية فالمسيح لن يموت ثانية، وبهذا فإن متنا بالجسد فسنقوم. فحياته التي أعطانا إياها هي حياة أبدية (كبذرة تدفن في التربة لكنها بعد فترة تخرج كشجرة جميلة).
آية (11): "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ."
نفتخر = سنرى في الآية 15 كم الحب الذي ظهر في عطايا الله والذي رأيناه في الفداء. وكلما إنفتحت أعيننا على الله ومحبته وعظمته ومجده، نفتخر بأننا ننتسب إليه. بل ونفتخر بأنه يحبنا كل هذا الحب وأننا أصبحنا أولاده. صار الله موضوع حبنا وفخرنا. نفرح بالله أكثر من عطاياه. وقد جاءت كلمة نفتخر في الإنجليزية rejoice بمعنى فرح. فمعرفة الله وإدراكنا لمحبته التي تحصرنا (2كو5: 14)، تؤدى إلى محبته (رو8: 35-39). وهذه المحبة المتبادلة تقود لحياة الفرح (وكان هذا هو وضع جنة عَدْنْ وعَدْنْ تعنى فرح).
ولكن لا يمكن لأحد أن يصل لهذا إلا لو عرف الله وأدرك محبته وأبوته، فحينئذ يمتلئ قلبه حبًا لله، فالله حقا يستحق هذا الحب. وهذه المعرفة وبالتالي هذا الحب يأتي:-
1. بالتأمل في محبته وفدائه لي أنا الخاطئ.
2. بالعشرة الطويلة معه لنعرفه.
3. بطلب الروح القدس بلجاجة ليملأني فالروح هو الذي يكشف لنا عن المسيح (يو16: 14). وإذ نكتشف حلاوة شخص المسيح سنحبه. لذلك قيل أن الروح القدس هو الذي يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5).
4. بتنفيذ وصاياه فمن يعاند ولا ينفذ الوصايا فهو يقاوم الروح بل يطفئه.
آية (12): "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ."
إنتهت (آية 11) بأننا نلنا المصالحة. وهنا يستكمل الرسول ماذا تعني المصالحة. ويبدأ الرسول أولًا بشرح كيف دخلت الخطية وما هي أثار الخطية وما جلبته الخطية من موت.
كَأَنَّمَا = يقولها بولس بتواضع إعلانًا منه بأنه غير فاهم تمامًا لكل أثار الخطية، هو لا يرى أمامه سوى انتشار الخطية والموت (راجع الدراسة عن فكر بولس الرسول عن الخلاص في المقدمة).
نقول في القداس الباسيلي "يا الله العظيم الأبدي... الذي جبل الإنسان على غير فساد" ونفهم من هذا أن الخطية غريبة عن الجنس البشري... ثم دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ بإنسان واحد هو آدم. وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ = لأن الخطية انفصال عن الله. فلا شركة للنور مع الظلمة. ونحن ورثنا من آدم طبيعة منفتحة على الخطية وعلى الشيطان أي صرنا نميل للخطية. صار احتمال الخطية وارد ولكنه ليس حتمي، بدليل وجود شخصيات بارة كإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وأيوب، والله دعا إبراهيم وإسحق ويعقوب أحياء. ولكن آدم سلَّمنا طبيعة تعرف الخير والشر وتميل للشر، وليس لها قوة كبيرة على مقاومته. ولاحظ قول بولس إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ = فالكل أخطأ ويموت بمسئوليته الشخصية والمعنى الموجه لنا.. لا داعي أن نقول أن آدم هو السبب فيما حدث لنا من موت لأن الكل قد أخطأ. ونلاحظ أن الإنسان لم يرث طبيعة محتم عليها السقوط وإلا لما كان الله يدينه. ولذلك قال الله لقايين عن الخطية "إليك إشتياقها وأنت تسود عليها" (تك7:4). ونلاحظ أننا نموت لا بخطية آدم، بل بطبيعة آدم وبسبب خطايانا التي نصنعها بإرادتنا نحن. فنحن نخطئ بطبيعة آدم وبإرادتنا نحن. وبذلك صارت الخطية منتشرة في الطبع البشري. أنا كنت في آدم حين أخطأ، فأنا جزءٌ منه، لذلك في آدم سَقَطتُ أنا ومُتْ. ورثت خطيته وأثارها وصرت أخطئ بسبب هذه الطبيعة الضعيفة الفاسدة. ولكن لاحظ أيضًا كما أنه بخطية واحد دخل الموت للجميع، هكذا ببر المسيح وفدائه صارت حياة لكل من يؤمن، على أن يظل ثابتا فيه، لذلك يقول الرب "إثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).
وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ = دخل الموت إلى الناس ولم يقل ودخل إلى الحيوانات، فكانت الحيوانات والطيور تموت والمزروعات تذبل. ولكن آدم خُلِقَ ليحيا أبديًا. وكانت الحيوانات تموت أمامه لتعطيه درسًا: ما هو الموت الذي سيتعرض له لو أكل من شجرة معرفة الخير والشر.
آية (13): "فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ."
قبل الناموس كانت الخطية موجودة وقاتلة، ولكن كان يمكن للإنسان أن يعتذر بأنه لا يعرف. ولكن بعد الناموس صارت الخطية تعدي، فصارت تميت:
[1] لكونها خطية. [2] أنها تعدي على ناموس الله.
كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ = أي لا تحسب أنها تعدي. قبل الناموس كانت الخطية منتشرة لكنها غير معروفة أو محددة بناموس مكتوب وجاء الناموس ليحاصرها. ولكن حتى قبل الناموس كان الموت يسري على الجميع بسبب خطية آدم وأخطاء الجميع. فالموت هو نتيجة طبيعية للخطية، ولكن بعد الناموس صارت العقوبة أكبر بسبب الخطية + التعدي، لهذا قيل عمن يرفض دعوة التلاميذ "ستكون لسدوم وعمورة حالًا أكثر احتمالًا يوم الدين" (مت15:10). وكمثال لذلك: ربما يأتي إبني بتصرفات خاطئة تنشئ غضبًا ولكن إذا قلت له يومًا لا تفعل كذا ثم خالف سيكون الغضب أكثر جدًا. أو السيجارة كانت خطأ (أن يحرق إنسان أمواله على لا شيء)، ولكن الآن بعد أن عرف أن السجائر تسبب السرطان فصار من يدخن ليس فقط يحرق أمواله، بل أيضًا صحته، صار كمن ينتحر. واكتشاف الطب لضرر السجائر مشابه لعمل الناموس الذي شخص الخطية وحددها.
آية (14): "لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي."
قد ملك الموت = لكونهم حاملين طبيعة قابلة للموت. من آدم إلى موسى وسيكون حساب هؤلاء بحسب ناموس الطبيعة (الضمير) الذي وضعه الله في كل إنسان. ولكن حتى لو وُجِدَ من لم يخطئ فهو أيضًا يموت بسبب طبيعته التي حملها من آدم. قد ملك الموت = كان الناس يعيشون في مملكة اسمها مملكة الموت والقانون الذي يسود فيها هو الخطية. وجاء المسيح ليؤسس مملكة الحياة ويسودها قانون البر.
وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم = هذه تعني:-
1. أي على كل البشر الذين لم يسقطوا في نفس خطية آدم.
2. بل حتى على الأطفال الذين لم يعرفوا خطية، هؤلاء ماتوا بالرغم من أنهم لم يتعدوا على شريعة الله كآدم.
3. تعني أن الناس صارت تخطئ نظرًا لطبيعتها الخاطئة، ولأن الخطية صارت ساكنة فيهم (رو20:7) أما آدم فلم تكن الخطية ساكنة فيه قبل أن يسقط.
الذي هو مثال الآتي: أي هو مثال ليسوع المسيح الذي سيأتي بالجسد:-
1. المسيح أخذ جسدًا كآدم.
2. آدم صار رأسًا للبشرية والمسيح صار رأسًا للكنيسة.
3. كان آدم مثالًا للمسيح إذ قضى فترة من عمره بلا خطية، لم تكن الخطية ساكنة فيه قبل السقوط، فشابه المسيح الذي بلا خطية. ولاحظ أن نوح كان أكثر شبهًا بالمسيح، فنوح صار رأسًا للخليقة الجديدة (رمز الكنيسة الخارجة من مياه المعمودية). ولكن نوح من يوم ميلاده كانت الخطية ساكنة فيه لذلك أخذ الرسول هنا آدم كرمز للمسيح إذ قضي آدم فترة بلا خطية.
4. كما بواحد الذي هو آدم صار الحكم على الجميع، هكذا بواحد الذي هو المسيح صار البر لكل المؤمنين. وكما سقط الكل مع آدم مع أنهم لم يأكلوا معه. هكذا مع المسيح تبرر الجميع دون فضل منهم.
آية (15): "وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ!"
يبدأ الرسول من هنا يشرح عطايا المسيح التي أتى بها للمصالحة التي نفتخر بها (آية 11).
خطية آدم إنتقلت أثارها لكل البشرية. وفداء المسيح إنتقل أثره لكل المؤمنين. ولو كانت الخطية شيء بسيط لما إستلزم الأمر تجسد المسيح وفدائه. ولكن لنرى ونفهم مدى بشاعة الخطية. فخطية آدم هي خطية واحدة لشخص واحد، ولكن أنظر كم جلبت من دمار وموت وهلاك للبشر. ولم يأتي المسيح ليقدم فداءً عن خطية آدم وحدها ولكن أيضًا لنتأمل في عظم وروعة عطية المسيح التي فاقت بكثير أثار خطية آدم:-
خطية آدم انتقلت أثارها لكل البشرية. وفداء المسيح انتقل أثره لكل المؤمنين. ولكن عطية المسيح لم يكن من الممكن أن تساوي خطية آدم. ولكن عطية المسيح فاقت بكثير أثار خطية آدم:-
1. لم يعد البشر لما كان عليه آدم، فمثلًا لو رجعنا لنفس وضع آدم، لكان الأمر يحتاج لفداء جديد لكل خطية. ولكن فداء المسيح صار غفرانًا لكل خطايا الناس، ولكل زمان، ولكل مكان... لكل من يؤمن ويعتمد ويعترف بخطيته (1يو1: 9) ويداوم على سر الإفخارستيا الذي فيه غفران للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه.
2. آدم لم يكن إبنًا لأنه لم يكن متحدًا بالمسيح، فالمسيح لم يكن قد تجسد بعد ولكن بعد تجسد المسيح إتحدنا به فصرنا أبناء.
3. بالخطية خسرنا حياة آدم وصرنا نموت، وبالنعمة صارت لنا حياة المسيح، لقد صارت حياتنا هي حياة المسيح فينا (غل20:2 + في21:1).
4. كان آدم يحيا في الأرض، والآن نحن نحيا في السماء (أف6:2).
5. خطية واحدة لآدم، كان الحكم عليه بسببها الموت، أما الآن فالتوبة والاعتراف يمحوان أي خطية من خطايانا المتكررة. فدم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية (1يو7:1-10). الغفران صار مستمرًا لكل تائب.
6. بالخطية خسرنا جسدًا ترابيًا قابلا للموت وبنعمة المسيح سيصير لنا جسدًا ممجدًا له حياة أبدية هي حياة المسيح وهذه نحصل عليها بالمعمودية.
7. بالخطية خسرنا الفردوس، وهذا الفردوس ما هو إلا حديقة على الأرض وبنعمة المسيح صار لنا مكانًا في عرش المسيح (رؤ21:3).
8. بالخطية خسرنا جسدًا معرضًا للخطية لأنه معرض لتجارب إبليس، وبنعمة المسيح صارت الخطية بلا سلطان على الإنسان، لأننا تحت النعمة ولسنا تحت الناموس (رو14:6). بل أنه في السماء لن تدخل الشياطين إلى أورشليم السماوية فأبوابها لن يدخل منها شيئًا دنس (رؤ27:21).
الموضوع يشبه إنسان كان يسكن في الدور العاشر وبالخطية هبط إلى الشارع وجاء المسيح ليرفعه للدور المئة.
مات الكثيرون = يقصد مات الجميع (ماعدا إيليا وأخنوخ). ولكنه يقول الكثيرون:
1. فالكل قد يكونوا قليلون.
2. ليظهر بشاعة الخطية وأثرها الرهيب.
آية (16): "وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ."
معنى الآية بترجمة أبسط "ولكن العطية التي حصلنا عليها من المسيح لا تعادل الدينونة التي وقعت علينا بسبب آدم، فالدينونة التي وقعت علينا هي الموت. ولكن ما حصلنا عليه هو المجد والميراث والحياة الأبدية والبنوة.. إلخ". لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ = الواحد هو آدم والموت هو الدينونة وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ = أمّا الهبة التي أعطاها المسيح كانت لغفران خطايا كثيرة (بل هي خطايا كل البشر في كل مكان وكل زمان) وذلك ليتبرر الإنسان، ويصير بارًا (ليس غفران الخطايا فقط بل إمكانية صنع البر) إذًا النعمة والخطية ليسا متشابهان لأن المسيح والشيطان ليسا متساويان. الموت دخل بسبب خطية واحد، ولكن هبة المسيح صارت لغفران كل خطايا العالم بل ولتبرير كل من يريد أن يبرأ من كل العالم.
آية (17): "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ!"
قدم المسيح خيرًا كثيرًا، أكثر بكثير مما سببه سقوط آدم والخطية:-
ما قدمه المسيح يسميه الرسول هنا فيض النعمة =
1. نلنا التحرر من العقاب.
2. نلنا التحرر من الشر.
3. الميلاد الجديد.
4. الحياة المقامة.
5. صرنا إخوة للابن وشركاء الميراث.
6. اتحدنا به.
7. صرنا أبرارًا.
8. صارت لنا حياة المسيح.
9. غَرَسَ النعمة في حياتنا.
10. الله لم يمنح البراءة فقط من الخطية بل التبرير (راجع المقدمة عن التبرير).
11. صرنا هياكل للروح القدس ومنزلًا للآب والابن.
آية (18): "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ."
بخطية واحدة هي خطية آدم صار الموت للكل وهكذا ببر واحد أي المسيح صارت الحياة لكل المؤمنين. لتبرير الحياة= ننال حياة مبررة في المسيح، حياة لا تتبع الخطية والموت والدينونة. بر واحد= طاعة المسيح حتى الصليب.
آية (19): "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا."
لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ = أي آدم الذي سلم لذريته الطبيعة التي زَلَّت، الطبيعة الفاقدة النعمة والقابلة للموت، وكان الموت الجسدي صورة منظورة للموت الروحي. والله سمح بهذا الموت أن يسود على الإنسان ليخاف ويتهذب وينصلح حاله، وفي حالة تأدبه يصلح أن يتقدس فيتحصن من السقوط والموت الأبدي. جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً هو يقصد الكل ولكنه يقول الكثيرون، لأن الخطية ليست عملًا إلزاميًا فحرية الإرادة هي التي تجعل الإنسان خاطئًا، وكذلك حرية الإرادة هي التي ستجعل طالب البر بارًا.
مَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ = المعصية هنا هي التعدي على وصية الله التي سلمها لآدم.
هكَذَا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ = أرسل الله المسيح ليحمل طبيعة الإنسان ليرتقي بها إلى فوق الطبيعة الخاطئة التي للإنسان الساقط. فغرس في طبيعة الإنسان النعمة عوضًا عن الخطية فصرنا خليقة جديدة في المسيح. ووهبها روح الحياة الأبدية والقداسة لتقوى على سلطان الموت وتدوسه. كان هذا كله بإطاعة الواحد، أي إطاعة المسيح حتى الموت موت الصليب (في8:2). ولنلاحظ أن الطبيعة المبررة التي فينا تعطينا أن نطيع الوصية كما أطاع هو. فالنعمة لا تنزع الخطايا فقط، بل تهب البر. نحن ورثنا عن آدم عصيانه وحملنا هذه الطبيعة فينا. لذا جاء السيد المسيح بنعمته، يقدم لنا طاعته لنحياها ونحمل طاعة المسيح فينا.
آية (20): "وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا."
وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ (الترجمة الأدق التعدي) وقوله دخل يشير إلى أنه وقتي وليس أصيلًا (غل23:3) ولكن ما الذي جعل الخطية تكثر:-
1. الممنوع مرغوب والمنع جعل الشهوة تزداد. وهذا بسبب طبيعة العصيان التي صارت فينا (هذه عكس طاعة المسيح).
2. الخطية كانت غير معروفة، ولكنها صارت معروفة ومحددة، بل صارت تعدي على ناموس الله وكسر لوصايا وضعها الله.
ولم يكن السبب لعيب في الناموس بل لإهمال من قبلوه، وكان لا بُد لله أن يعلن عن الخطية ليتحاشاها الإنسان ولا يهلك. ولنلاحظ أن الناموس كان كالمرآة، فالمرآة لا تسبب العيب الذي في وجه الإنسان بل هي تكشفه. هي تكشفه لكن لا تصلحه، وهذا هو الفارق بين الناموس والنعمة.
وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا = كان هذا بمجيء المسيح في عالم ساده الإثم والخطية. ومعنى الآية أنه في الأماكن التي تكثر فيها الخطية يزداد عمل الله وتزداد النعمة جدًا ليحفظ أولاده في هذه الأماكن التي اضطرتهم مثلًا ظروف حياتهم أو عملهم أن يوجدوا فيها. وحيث كثر عمل الشيطان فإن الله لا يترك له المجال، بل يزداد عمل الله جدًا ليسند الله الإنسان بقوة، وليحفظ الله أولاده. ولنلاحظ تركيب الآية.
حيث كثرت الخطية................ ازدادت النعمة جدًا.
لو كانت الخطية 5 وحدات........ لكانت النعمة 10 وحدات.
لو كثرت الخطية إلى 10 وحدات... لازدادت النعمة إلى 100 وحدة.
آية (21): "حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا."
تقريبًا هي نفس المعنى في (آية 17).
أمامنا هنا مملكتان. مملكة تسودها الخطية ونهاية شعب هذه المملكة الموت. ومملكة يسودها البر ونهايتها حياة أبدية. في المملكة الأولى الخطية تملك على الناس (رو12:6). والثانية تملك النعمة على الناس فيها. وهم يعيشون في بر (رو14:6). ولاحظ كم هي مرعبة هذه الخطية فهي تملك كمَلِك يتسيَّد (تَسُودَكُمْ - رو 6: 14) وهي تقتل (رو11:7). فهي تقود الناس إلى الموت. لو كانت الخطية سهلة لما كان الأمر يستدعي تجسد المسيح وفداءه. فالخطية تعمل للموت، والناموس يساندها، ويحكم على الخاطئ بالموت. أما بعد المسيح وبعد أن قَدَّم المسيح نعمته، لم نعد نخاف الخطية ولا نرهب الموت، بل ننشغل بالأمجاد المعدة لنا. بر الله ألغى الموت فانكسرت شوكة الخطية وفقدت سلطانها الذي تحصنت فيه. والعكس فالنعمة أورثت الروح مُلْك الحياة الأبدية ببر الله. وهكذا تمامًا كما ملكت الخطية وسيطرت على الجنس البشري، وظهر سلطانها ومُلْكَها في الموت- فدولة الموت هي دولة الخطية- هكذا أيضًا تملك النعمة بواسطة عطية البر حتى تسود الحياة الأبدية بواسطة يسوع المسيح ربنا. فالنعمة تقود للحياة الأبدية. ودولة البر (التبرير) هي دولة الحياة الأبدية.
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 6 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6bfy7gy