← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
مقدمة من كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة:
خطية آدم وحواء هي خطية مركبة:-
1. هي خطية عصيان ومخالفة:- فالله أنذرهم وخالفوا فهي ليست خطية بجهل.
2. هي خطية معاشرات رديئة:- حوار مع الحية، وتستمر حواء في الحوار بينما الحية تشكك في كلام الله.
3. هي خطية شك وعدم محبة:- الشك في صدق كلام الله. والشك أيضًا في المحبة (يو 14: 21).
4. هي خطية انقياد:- انقياد للشر ضد كلام الله، فيها حواء انقادت للحية وآدم لحواء.
5. هي خطية ضعف إيمان:- حواء قبلت كلام الحية أكثر من كلام الله فالحية قالت "لن تموتا".
6. هي خطية استهانة وعدم خوف الله:- لأنهما قد مدا أياديهما وأكلا.
7. هي خطية شهوة:- فالشجرة كانت شهية للنظر. أصبحت النظرة للشجرة مُشَبَّعة بشهوة.
8. هي خطية كبرياء:- أرادا أن يصيرا مثل الله " هي نفس سقطة الشيطان" (أش 14:14).
9. هي خطية معرفة مخربة:- هي معرفة الشر واختباره "الذي يزداد علمًا يزداد غمًا".
10. هي خطية طلب المعرفة من غير الله:- كان يجب أن يكون الله هو المعلم والمرشد الوحيد.
11. هم حفظوا الوصية عقلًا وليس عملًا.
12. عدم القناعة:- فكان أمامهم كل شجر الجنة ولم يكتفوا به.
وخطايا بعد السقوط هي:
13. إعثار الآخرين:- فحواء أعطت رجلها أيضًا.
14. عدم الاعتراف والشعور بالخطأ:- فكل يبرر موقفه بلا إقرار بالذنب وبلا إدانة للنفس.
15. محاولة تبرير النفس وإلقاء التبعة على الآخرين.
16. إلقاء التبعة على الآخرين فيه عدم محبة لهم. فآدم يرجع السبب في خطيته لله ولحواء.
17. عدم اللياقة في الحديث:- المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني".
18. فقدان البساطة: فدخل الخجل لحياتهما وعرفا أنهما عريانين. وصار هناك الحلال والحرام. الخير والشر، ما ينبغي وما لا ينبغي. لقد تشوه فكر الإنسان بمعرفة الشر.
19. صارت هناك شهوة للمعرفة من طريق آخر غير الله بعد أن كان الله هو المعلم الوحيد.
20. تغطية الخطية بأوراق التين:- القلب صار فيه فساد ولكن هي محاولة للتستر من الخارج ولا فائدة للتغطية سوى بدم المسيح.
21. الهروب من الله:- اختباء آدم وحواء من الله (مثل من يهرب من الصلاة حين يخطئ).
22. الجهل بالله وقدرته:- ظنا في جهلهما أنهما حين يختبئان لا يراهما الله.
هذا الإصحاح نجد فيه خبر سقوط الإنسان وموته نتيجة ذلك فبإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت.. (رو12:5).
وسبب السقوط أن عدو الخير حسد الإنسان فأراد أن يهبط به إلى الموت فكان أن استخدم الحية في خداع الإنسان. وقد يكون إبليس اتخذ له شكل حيَّة فهو يمكنه أن يتخذ شكل ملاك نور (2كو14:11). أو أن إبليس استخدم الحية. فواضح من نفس الآية (2كو14:11) أن خدام إبليس يغيرون أشكالهم حتى يخدعوا البسطاء. وهذا يحدث في حياتنا حين يأتينا صديق رديء ليدعونا لارتكاب خطية معينة. إذن الحية هي إبليس وراجع (رؤ 9:12). وإبليس إذن قد يستخدم خليقة الله الصالح كوسيلة لتحطيم الإنسان.
آية 1: "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»"
كانت الحية أحيل:-
الحية تدور وتلتف وتخادع وهكذا إبليس.. وماذا قالت الحية "أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة".
قولها أحقًا: هي تريد أن تقول أن الله ظالم إذ أمر بهذا وعليكم أن لا تطيعوه.
وقولها من كل شجر الجنة: هذا كذب، هي دست الكذب وسط أقوال صادقة. فالله تكلم فعلًا مع آدم وحواء وأعطاهما وصية والوصية كانت أن يأكلا من كل شجر الجنة ولكن شجرة واحدة ممنوعة عنهما. ولكن الكذب هنا أنها ادعت أن الله منعهما من الأكل من كل شجر الجنة حتى تثير المرأة ضد الله. وكما قال المسيح عن الشيطان هو كذاب وأبو الكذاب وهدفه من الكذب والخداع هو هلاك البشر فهو كان قتالًا للناس منذ البدء (يو 44:8) ولاحظ طريقة إبليس فهو يدخل كذبة صغيرة في وسط كلام صادق.
جزء صدق + جزء خداع = خداع أكثر
وإذا قبل الإنسان هذا الطُّعْم ودخل في حوار مع إبليس يبدأ إبليس في زيادة الكذب فحواء كان يجب أن تصمت وألا تبادل الحية الحديث "المباحثات الغبية والسخيفة فإجتنبها" (2 تي 23:2) طالما هي اكتشفت أن هناك جزء من الكلام به كذب، كان عليها أن تكف ولا تسلم نفسها في أيدي من يتآمر عليها. لكنها طرحت دررها أمام الخنازير (مت 6:7) فداستها الخنازير والتفتت فمزقتها. إبليس لا يقتحم حياتنا بالعنف ولكن نحن الذين نقبل أضاليله فنسمح له بالتسلل إلى أعماقنا. ونحن الذين نسلم له قيادة إرادتنا فيسيطر على القلب والفكر والحواس وبذلك نسقط تحت عبوديته المرَة.
آية 2: "فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ،"
آية 3: "وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا»."
"فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا".
قوله لا تمساه: هو زيادة في الكلام تظهر الله بمظهر المتشدد (مبالغة في الكلام).
لئلا تموتا: هو تشكيك في قرار الله الذي قال "موتًا تموتا" بالتأكيد. إذن المرأة سايرت الحية في الاستخفاف بكلام الله والاستهانة به: هذه ثمرة معاشرة الأشرار.. إذًا في مجلس المستهزئين لا نجلس. إذًا بدأت المرأة هنا تستجيب للخداع بأن أظهرت الله في موقف المتشدد وشككت في قراراته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لذلك فهي أعطت الفرصة للحية بأن يكون هناك المزيد من التشكيك.
طريقة الشيطان المستمرة مع الإنسان:-
1. تشكيك في محبة الله مدعيًا أن الوصية ثقيلة: فإذا وافق الإنسان وتبرم وتذمر.
2. يقدم إقناعات ويسهل طريق الخطية لعقل الشخص (2 كو11: 3).
3. مخاطبة الشهوة وإثارة الحاجة إليها: ثم دفع الإنسان المستسلم للسقوط.
4. ترك الإنسان للموت واليأس.
الآيات4، 5: "فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ»."
" لن تموتا.. تنفتح اعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر"
الشيطان لا يملك سوى أن يقدم وعودًا كاذبة. "لن تموتا.. تنفتح أعينكما.. تكونان كالله" لكن الله لا يقدم وعود فقط، بل هو الذي خلق كل شيء لأجلي. وإبليس لم يعطني شيء سوى الكذب. وحتى المعرفة التي يدَّعِي إبليس أن الإنسان سيحصل عليها هي معرفة وإختبار شريرين لا يجد الإنسان من ورائهما إلا الغم "والذي يزيد علما يزيد حزنا" (جا1: 18).
ولاحظ كبرياء الإنسان الذي يريد أن يكون كالله. ورداءة فكر الإنسان أن ينظر للشيطان كمحل ثقة أكثر من الله، مع أن الله أظهر إرادته الحسنة بأعماله. مع أنه كان يليق بالإنسان أن يدرك العدو من كلامه المناقض لأقوال الله. حقا قال أغسطينوس:- القائد (الذي هو الله) يقدم وصيته لنا للحياة، والمهلك (إبليس) يقترح خدعة ليُهلِكنا، وذلك بتصوير أن وصية الله فيها حرمان من الملذات، ويخدعنا بأن يُصَوِّر لنا أن هذه الملذات هي طريق الفرح وهذا حق لنا. ولكن هذه الملذات لا تأتي لنا سوى بالغم. وهذا هو ما يفرح قلب الشيطان أن يرانا كأولاد الله ونحن في حزن فاقدين الفرح.
آية 6: "فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ."
حوربت حواء بالشهوة (وراجع 1يو2: 15-17 وراجع يع 14:1-16).
شهوة الجسد أو البطن: فرأت الشجرة جيدة للأكل في نظرها.
شهوة العين: كانت الشجرة= بهجة للعيون، شهية للنظر.
تعظم معيشة وطمع: = تكونان كالله.
ونفس الخطايا حورب بهما المسيح:
شهوة البطن: قل أن تصير هذه الحجارة خبزًا (مت 3:4).
شهوة العين: أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي (مت 9:4).
تعظم المعيشة: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك لأسفل.
وما نجح فيه المسيح فشل فيه آدم وحواء "إذ أن المسيح رد على الشيطان بأقوال الله دون أن يحرفها، أما حواء فقد حرفت في كلام الله فسقطت".
فأخذت من ثمرها:
الشيطان لا يمكن له ولا سلطان له إلا أن يغوي فقط. لكن ليس له سلطان أن يضع الثمرة في فم المرأة. بل هي فعلت "أنا اختطفت لي قضية الموت" (القداس الغريغوري).
وأعطت رجلها: فقدت حواء رسالتها الأصلية كمعينة وصارت فخًا لرجلها ومحطمة لحياته.
آية 7: "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ."
خاطا أوراق تين:
انفتحت أعينهما ورأيا أنهما عريانين هذا يعني أن الإنسان بالخطية يدرك أنه دخل إلى حالة من الفساد تظهر خلال أحاسيس الجسد وشهواته التي لا تضبط. بهذا يدخل الإنسان في معرفة جديدة، هي خبرة الشر الذي امتزج بحياته وأفسد جسده تمامًا، هو تعرف على جسده الذي صار عنيفًا في الشر بلا ضابط. هما صارا عريانين إذ فقدا النعمة التي حفظتهما من خزي عري الجسد. وحاولا أن يستترا فلم يجدا سوى أوراق التين. وخياطة أوراق التين تشير لمجهود الإنسان الذي لا يستر فهو ليس كافيًا بدون نعمة المسيح. فهما فقدا رداء الفضيلة والبراءة والمجد والفرح وصارا في عوز للكرامة بل للحكم المنطقي فهما حاولا الاختباء من الله الذي يرى كل شيء بعد أن كان آدم مثال للحكمة والسلطان.
أوراق التين أصبحت تشير للبر الذاتي، وكل مجهود لتبرير أخطائي هو ورق تين.
عندما خلق الله آدم كان يحب الله لأنه مخلوق على صورة الله والله محبة. ولأن هناك محبة متبادلة بين آدم والله كان آدم يحيا في جنة الفرح (عدن=فرح). ولما خُلقت حواء استمرا كلاهما في النظر نحو الله وكانا يحبان الله فاستمرا في حالة الفرح أي استمرا في الجنة.
وعندما سقطا صارا ينظران لبعضهما فانشغلا بجسديهما ونسيا النظر لله، بل هم اختبأ من الله فما عادا يرياه، فقلَّ الحب، فضاع منهما الفرح وهذا معنى أنهما طردا من الجنة. فدخل الحزن إلى العالم. وحينما فقدا الفرح، إذ بدأت محبة الله تبرد في قلوبهم إذ صاروا لا يرونه. فحولوا طاقة الحب التي كانت داخلهم إلى الاهتمام بأجسادهم. فاستبدلوا الفرح باللذة الحسية. وللآن فهذا هو خداع إبليس أن الفرح هو اللذة. ولكن شتان الفارق بين عطية الله وعطية الجسد. فاللذة ثوان عابرة يعقبها حزن، بينما الفرح دائم، بل ينتصر على أي ألم خارجي "لا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22). وهل تستطيع الملذات الحسية أن تعطي فرحًا لإنسان مهدد بالموت. لذلك فبولس الرسول الذي يقول أن الزواج مكرم (عب 13: 4) + (1 كو 7: 2-4) يعود ويطلب في الآية التالية مباشرة، الامتناع لفترة يقضيها الزوجان في الصوم والصلاة (1 كو7: 5) وواضح أنه يطلب هذا من كل المؤمنين ليتفرغوا لله محولين طاقة الحب داخلهم إلى الله، فيتذوقوا الفرح الحقيقي بدلا من اللذة الحسية.
وبعد الفداء صحح الله الوضع فجاء الروح القدس ليسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) وبذلك صارت ثمار الروح القدس محبة فرح... وبهذا كان من ثمار الفداء استعادة الحالة الفردوسية. ولهذا طلب الرسول منا أن نمتلئ من الروح لنفرح بدلًا من الخمر أي الملذات العالمية. وطريقة الامتلاء شرحها الرسول في الآيات الآتية (اف 5: 18-21).
أية 8: "وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ."
قابل الإنسان حب الله بالعصيان. وقابل الله عصيان الإنسان بالحب حتى يرجع له الإنسان.
صوت الله: الصوت لا يمشي، لكننا نسمع هنا أن صوت الله كان ماشيًا. إذًا هو كلمة الله، الابن الوحيد الجنس الذي جاء مبادرًا بالحب ليقتنص الإنسان الساقط ويقيمه (عب 16:2).
ماشيًا: الكلمة العبرية تفيد أنه يمشي للمسرة، فهذا هو فرح الله أن يخلص الإنسان بابنه.
عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ: كلمة ريح وكلمة روح بالعبرية هي كلمة واحدة. والمعنى أن الروح القدس هو الذي يعطينا معرفة المسيح الكلمة نور العالم: ريح النهار "ذاك (الروح القدس) يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14). فبنورك يا رب نعاين النور ولاحظ أن الله لم ينتظر الإنسان ليأتي إليه معتذرًا عن خطاياه، بل تقدم هو له بالحب يجتذبه ليعرف خطاياه ويعترف بها.
هنا نرى أول عمل للثالوث القدوس في عمل الخلاص للإنسان. فالآب يرسل صوته (كلمته) وروحه لآدم ليبشره بأن هناك خلاص آتٍ فلا ييأس، فما أتعس حالة إنسان يائس بلا أمل. وهذا ما رأيناه يوم عماد المسيح في الأردن. ولذلك نسمع هنا عن الفرح في كلمة ماشيًا = هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
آية 9: "فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟»."
أين أنت؟
هذه لا تعني أن الله يسأل عن مكانه بل عن حاله، فهو صار ضائعًا مفقودًا من الشركة مع الله. والله يسأل آدم ليستدرجه للاعتراف كما عمل مع السامرية، لذلك هو لم يسأل الحية فلا رحمة للشيطان لأنه لن يتوب. هنا صوت الله يبحث عن خروفه الضال. هذا سؤال الله لكل خاطئ ومعناه "لماذا صرت بعيدًا عني" فآدم كان يسعى قبل ذلك للقاء الله والآن يختبئ! لو عرف كل خاطئ أين هو من الله بعد أن ترك حضنه، وأنه بانصرافه عن الله صار في مزبلة لرجع فورًا. ومع هذا فمن محبة الله أنه يريد أن يدخل في حوار مع الإنسان، ويكشف له أن خطيته جعلته غير مستحقًا أن يكون موضع معرفة الله وأنه بالخطية صار مختفيًا عن النور الإلهي " الله صار لا يعرفه معرفة الصداقة والشركة معه".
آية 10: "فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ»."
آية 11: "فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟»
يتضح أن آدم فهم سؤال الله أنه ليس سؤال عن المكان بل عن حاله "لماذا هو مختبئ" وواضح أن الخوف والخشية دخلا نتيجة الخطية، فالظلمة لا تطيق معاينة النور (1يو 17:4، 18).
واختباء آدم من وجه الله يساوي هروب يونان من الله وكلاهما جهل فالخطية تعمي نظر العقل. والإنسان إذ طلب المعرفة خلال خبرة الشر أظلمت عيناه فاختبأ من وجه الرب وابتعد عن معرفة الله النقية (أر 27:2). الإنسان لم يعد يستطيع أن يعاين الرب لا لأن الرب مرعب ومخيف. وإنما لأن الإنسان في شره فقد صورة الله الداخلية التي تجتذبه بالحب نحو خالقه محب البشر. فصار الله بالنسبة له مرعبًا وديانًا للخطاة. فالعيب في الإنسان الذي فقد نقاوة طبيعته وهذا هو سر خوفنا من الموت الآن. بل إن الله من محبته توارى عن الإنسان فآدم لم يعد يحتمل نور الله، وحتى لا يموت الإنسان.
الآيات 12، 13: "فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ»."
كان قصد الله أن يعترف الإنسان بخطيته ولكن هذا لم يحدث، بل برر الإنسان نفسه وألقى اللوم على الغير. وربما يكون جواب حواء أفضل من جواب آدم إذ هي تقر بأنها خدعت وعيب أن آدم وهو رأس المرأة يختبئ وراء امرأة كان المفروض أنها هي تمتثل به وتتعلم منه. ونلاحظ أن الله لم يدخل في حوار مع الحية (إبليس) فهو لا أمل له في الخلاص.. وللأسف فما زالت هذه هي عادة الإنسان، فكثيرين حين يذكرون خطاياهم يقولون أن الله هو السبب.
الآيات 14، 15: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»."
1. هذه اللعنة موجهة لإبليس في الحقيقة فهو الذي صار مكروها من كل الناس.
2. واللعنة موجهة للحية كأداة أعثر بها الشيطان الآخرين. والله بهذا يشرح لنا أن عقوبة من يعثر الآخرين كبيرة. والله هنا يستخدم الحية كوسيلة شرح كما لعن المسيح التينة.
3. الله يعاقب الحية لأنها كانت الأداة في الخطية، هكذا الجسد لأنه أداة الخطية لا بُد وأن يعاقب مع النفس يوم الدينونة. وهذه الفكرة نجدها أيضًا في عقوبة الثور الذي ينطح إنسانًا فيقتله، فكان لا بُد من قتل الثور (خر29،28:21).
4. هناك احتمال بأن الحية كان لها قبل اللعنة أرجل تمشي عليها وترفع نفسها عن الأرض، ولكن المهم الآن أن الحية تسعى على بطنها وتلحس التراب أو هي تحصل على طعامها ملوثًا به. هكذا كل إنسان يقبل أن يكون أداة للعدو الشرير يصير كالحية، يسعى على بطنه محبًا للأرضيات، ليس له أقدام ترفعه عن التراب، ولا أجنحة تنطلق به فوق الزمنيات والأرضيات الفانية. يصير محبًا أن يملأ بطنه بالتراب. وإذ يملأ نفسه بالتراب يصير هو نفسه ترابًا أي مأكلًا للحية. يا ليت لنا أجنحة الروح القدس نرتفع بها عن الأرضيات للسماء.
5. والشيطان بعد أن كان جميلًا قبل سقوطه صار كريهًا. وأكل التراب رمز للدناءة.
6. صارت العداوة دائمة بين الشيطان (الحية) وبين الإنسان فالحية دائمًا تعض الإنسان في قدمه والإنسان يقتل الحية بضرب رأسها. ولاحظ أن الإنسان والحية كانا قد اتفقا في الشر والنتيجة كانت كراهية وقطيعة بينهما فالكراهية والقطيعة مصاحبان للخطية.
"حَوَّلت لي العقوبة خلاصًا.. القداس الغريغوري"
نجد داخل الكلمات التي لعن بها الله الحية بركات كثيرة للإنسان.
1. نسل المرأة: هو المسيح.. إذن هي نبوءة بتجسد المسيح. ولم يقل نسل الرجل فهو ولد من العذراء بدون زرع بشر. أما القديس لوقا حين رجع بنسب المسيح إلى آدم كان ليظهر أن المسيح الذي سحق رأس الحية له جسد بشري من نسل آدم. وكان كل القدماء من الآباء ينتظرون مسيا حتى السامرية توارثت هذا الرأي (يو4). ووجدوا في مصر صورة للإله "هاو" يسحق رأس حية.
2. تسحق عقبه: هذه تشير لألام المسيح ومعاناته التي لحقت بطبيعته البشرية. فالشيطان أهاج الكل ضد المسيح، بل أقنع بطرس تلميذه بإنكاره. وحاول اليهود قتله مرارًا. ثم أقنع اليهود باضطهاد المسيح وصلبه.
3. يسحق رأسك: راجع (رو 20:16 + لو17:10-20) المسيح بصليبه سحق إبليس (كو15،14:2).
+ إذن نجد في نفس الكلمات لعنة للشيطان وبركات للإنسان. وهذه تشبه نار ناحية الشعب تضئ لهم ليلًا وسحابة تجاه المصريين تضللهم فلا يرون (خر20:14).
+ ولاحظ أن سحق رأس الشيطان يشير لحيله وأفكاره وخبثه.
+ نجد في هذه الآيات أول وعد بالخلاص.
+ مازالت الحية تسحق عقب كل من يقبل أن ينزل من الحياة السماوية.
آية 16: "وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ»."
تأديب المرأة:
1. يلاحظ أن أتعاب المرأة في ولادتها أكثر من أي خليقة أخرى.
2. الله وضع الزواج ليكون الرجل رأس المرأة يفيض عليها من حبه وهي تخضع له بالمحبة ولكن يبدو في هذا الكلام أنه نوع من الرياسة والخضوع حتى يقود المرأة للتواضع والتوبة.
3. إلى رجلك يكون اشتياقك: لشعورها بالضعف المستمر واحتياجها للحماية. ونلاحظ أن اشتياق المرأة للرجل دفعها للتغلب على المخاوف من الولادة وأتعابها وحتى لا ترفض الزواج. وأيضا كَون الرجل يسود عليها أعطى أن يكون للبيت رأس واحد.
1. رأينا سابقًا أن العقوبة أثمرت عن وجود رأس واحد للأسرة. واستمرارية الحياة بالنسل..
2. إلى رجلك يكون اشتياقك: الرجل هنا يشير للمسيح والمرأة تشير للكنيسة وهي تشتاق له.
3. يسود عليك: بالحب وبصليبه. وهي تشتاق لمجيئه عبر العصور.
4. أتعاب حبلك: (غل 19:4). فنرى هنا الكنيسة وخدامها يتألمون لكي يولد أي مؤمن، ويفرحون بعد أن يتوب هذا المؤمن، آلامهم هي جهادهم معه وصلواتهم لأجل توبته.
الآيات 17-19: "وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»."
1. لعنة الأرض: تعني أنها لم تعد سخية في عطائها بل صارت قاسية لا تعطي إلا بالتعب.
2. أكل الخبر بعرق الوجه يشير لأن العمل لم يعد لذة بل صار تعبًا.
3. الأرض تنبت شوكًا وحسكًا: أي عقوبتها الحريق (عب 8:6). والشوك يشير لأن آدم كان يجد في عمله آلامًا توخزه. والأمراض والأحزان هي شوك وحسك.
4. أكل عشب الحقل: كان العشب طعام الحيوانات فصار طعامًا للإنسان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا ما حدث مع نبوخذ نصر فرفع عينيه للسماء. فهذه العقوبة تشير لأن الله يريد أن نرفع أعيننا للسماء ونعرف أن هذه الأرض ليست مكاننا ولا فيها راحتنا، بل كلها تعب وأشواك وحسك وهي ملعونة فلا نشتاق أن نحيا فيها للأبد.
5. إلى التراب تعود: هي عقوبة الموت. أما من اشتاق للسماء وعاش في السماويات فيسمع الصوت أنت عشت في السماويات فللسماء تعود، هذا عمل نعمة المسيح.
6. يقول بولس الرسول "... وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12). وهذا يعني أن كلمات بولس الرسول عن دخول الموت إلى الإنسان كان بسبب الخطية، ولكن لم يكن هذا قصد الله من البداية. فالله خلق الإنسان ليحيا إلى الأبد. ولكن كلام بولس الرسول لا ينطبق سوى على الناس فقط في هذه الآية = إجتاز الموت إلى جميع الناس، وبالتالي نفهم أن بقية الخليقة كانت معرضة للموت. فالنباتات تموت والحيوانات كانت تموت. ومن بقايا الحيوانات الضخمة القديمة المدفونة في التراب يخرج البترول. وهذه الحيوانات خلقها الله في اليوم الخامس للخليقة. وكان الموت موجودا ليصير وسيلة ليحيا الإنسان الآن الذي لا يستغنى عن البترول. وكأن الله كان يُعّد الوسيلة التي نحيا ونتحرك بها الآن منذ ملايين السنين. وكان الموت وسيلة إنذار وإيضاح لآدم حتى يفهم نتيجة الخطية.
هذه اللعنة للأرض والآلام والأتعاب التي يعاني منها الإنسان صارت تدفعه للاشتياق للخلاص من أتعاب هذا العالم حتى يذهب للراحة. بل الموت نفسه صار طريقًا للخلاص من هذا الجسد ومن شهواته (رو24:7) وصارت السماء شهوة (في23:1) بل العمر القصير صار بركة حتى لا يعتمد الإنسان على طول عمره فيحيا في الخطية، بل يكون مستعدًا دائمًا.
قبل المسيح عنا كل آثار الخطية، وحمل كل ما كان يجب على آدم أن يحتمله (رو 12:5-20)
1. اللعنة: |
المسيح قبل اللعنة "ملعون كل من علق على خشبة" وصار لعنة لأجلنا (غل 13:3 + عب5: 7). |
||
2. التعب: |
المسيح صار رجل أوجاع ومختبر الحزن (أش 3:53، 4). |
||
3. الشوك: |
هذا حمله على رأسه. |
||
4. الموت: |
وقد تذوقه المسيح لأجلنا (عب 9:2). |
||
5. العري: |
فقد علق المسيح عاريًا على الصليب. |
||
6. تعب الولادة: |
هو يتعب ليأتي بالمؤمنين "مِن تعب نفسه يرى ويشبع" (أش 11:53). |
||
7. الخضوع: |
أطاع المسيح حتى الموت، موت الصليب بل خضع للناموس (غل 4:4 + في 8:2) |
||
8. العرق: |
هو عرق دمًا في بستان جثسيماني (لو 44:22). |
||
9. الحزن: |
صار رجل أحزان (أش 3:53). |
آية 20: "وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ."
كما رأينا فالله حَمَّلَ آيات العقوبات ببركات الخلاص وقد فهم آدم الوعود المتضمنة في هذه الكلمات. وتسمية آدم لامرأته حواء (من كلمة حياة) هي ختم تصديق على وعود الله. كما غير الله اسم إبرام إلى إبراهيم كختم تصديق على الوعد. هو سبق له أن سماها امرأة والآن يسميها حواء على الرجاء في وعد الله بمخلص يأتي له بالحياة. ومن نسلها سيأتي المخلص الذي يسحق رأس الحية. فآدم فهم واستوعب أقوال الله بأن حواء ستصير أمًا للمسيح الحي الذي يعطي حياة للكل. وفي آدم نرى أبًا لكل البشرية وفي حواء نرى أمًا لكل البشرية. ولذلك من خلالهما سقطنا معهما تحت ذات التأديب حتى جاء آدم الثاني يهب الحياة للمؤمنين وصارت حواء الثانية هي الكنيسة والدة كل المسيحيين.
آية 21: "وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا."
الأقمصة الجلدية جاءت من ذبائح.
وفي الذبائح رأَى آدم حيوان بريء يموت ، ليلبس هو وفهم أهمية الذبيحة أن هناك بريء يموت ليستتر هو. إذًا الأقمصة الجلدية فيها يشرح الله طريقة الحياة. دخل الموت نتيجة للخطية، ولكن الله هنا يشرح أن الخطية يمكن أن تنتقل إلى بريء الذي هو الحيوان الذي سيموت بدلا من الخاطئ. وبهذا يمكن للخاطئ المحكوم عليه بالموت أن يعود للحياة مرة أخرى. وبهذا يشرح أيضًا كيف تكون حواء أم كل حي وليست أمًا لكل ميت. ولكن في الحقيقة فإن العذراء مريم هي التي صارت حواء الجديدة أو الامرأة الجديدة أم الجسد الحي الذي هو الكنيسة. وهذا معنى "فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقِفًا، قال لأمه يا امرأة، هوذا إبنك. ثم قال للتلميذ هوذا أمك" (يو19: 26 ، 27). لقد صرنا أبناء للعذراء مريم في شخص القديس يوحنا.
ونرى هنا كيف أن الله يهتم بملبسهم. وإذا وجدنا من يفتخر بملابسه نفكر في أنه يفتخر بعريه وخطيته فبدون الخطية ما كان في حاجة لملبس ولا حماية الملابس.
ونلاحظ أن الله وآدم تقاسما الذبيحة فالله حصل على اللحم كذبيحة محرقة وآدم حصل على الجلد يلبسه. والمسيح قدم نفسه ذبيحة محرقة للآب وكسانا برداء بره وسترنا وستر خطايانا كذبيحة خطية.
سؤال:- من الذي قدَّم الذبيحة؟
هناك خروف مذبوح فَمَنْ الذي ذبحه - الله أم آدم؟
قطعا لن يمد الله يده إلى سكين ليذبح الخروف ويسلخه ويصنع من جلده أقمصة ليُلبِس آدم وحواء ويسترهما. والمنطق أن آدم هو الذي صنع ذلك بإرشاد من الله. ولكن هذا لم يُذكر، بل كل ما قيل "صنع الرب الإله لآدم أقمصة من جلد وألبسهما". ومن هذا نفهم أن الذي قدم الذبيحة هو الرب الإله. وسبق شرح أن الرب الإله هو الابن الكلمة. فلماذا لم يقل الكتاب أن الرب الإله قدم الذبيحة؟ الحقيقة أن في هذه الآية إشارة واضحة لأن الذبيحة التي تستر حقيقة هي ذبيحة المسيح على الصليب. والمسيح هو الذي قدَّم ذاته "بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها" (يو10: 18). لذلك نسمع هنا صنع الرب الإله لآدم أقمصة فالذي صنع والذي ستر هو المسيح الابن، بأن قَدَّم نفسه ذبيحة على الصليب. ولكن إن فهمنا هنا أن آدم هو الذي ذبح الخروف، فهذا لأن البشر أولاد آدم هم الذين صلبوا المسيح. ومرة أخرى نرى أن المسيح صار من أولاد آدم، أتى ليقدم نفسه ذبيحة من أجل أن يستر آدم وبنيه. وكان ذلك بيد أولاد آدم كما ذبح آدم الخروف وقدمه ذبيحة، ولكن الذي ستره هو ابن الله الرب الإله.
آية 22: "وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ»."
قد صار كواحد منا: هذه قد تعتبر أسلوبا تهكميًا فهل صارت معرفة الإنسان كمعرفة الله وهذا ما كان الإنسان يأمله. فالله لقداسته يعرف الشر ويكرهه. أما الإنسان لضعفه فصار يعرف الشر ويشتهيه وهذا هو ما أورثه آدم للبشرية. وكون الإنسان صار كواحد من الثالوث فهذه تعتبر نبوة عن تجسد المسيح الأقنوم الثاني فهو الذي تجسد وصار كواحد منا.
الإنسان لا يستطيع أن يحيا من ذاته للأبد لذلك وضع الله طريقة يحيا بها وهي شجرة الحياة. والآن بعد أن وقعت على الإنسان عقوبة الموت كان لا بُد أن يحرم من شجرة الحياة ولكن داخل كل عقوبة هناك بركة. فكان يجب أن يموت آدم حتى يتخلص من جسد الخطية. وصار الموت علاجًا لأنه يضع حدًا للشرور. فالله لا يريد للإنسان أن يحيا بجسد شوهته الخطية.
آية 23: "فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا."
1. الله بذلك يعلن عدم رضائه عن تصرف آدم.
2. هناك مراحم محفوظة للإنسان بعد موته.
3. خارج الجنة سيقارن بين حاله فيها وحاله خارجها فيتوب ويشتاق لله كما حدث مع الابن الضال.
4. إذا قدم توبة يسمع الصوت "تكون معي في الفردوس".
آية 24: "فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ."
لأنه صارت حالة عدم سلام بين السمائيين والأرضيين، لأن الإنسان في حالة تمرد على الله. وبنفس المفهوم كان هناك كاروبيم على حجاب قدس الأقداس، وصار الكاروبيم شاهدًا على تنفيذ العقوبة، فالحجاب كان رمزا لإحتجاب الله عن الإنسان بسبب الخطية "حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص" (إش45: 15). حتى جاء المسيح الراكب على الكروب وشق حجاب الهيكل وصار الصلح بين الأرضيين والسمائيين. بل صار فرح في السماء برجوع خاطئ واحد وتوبته.
بل أن الكاروبيم هذا صار شاهدًا على محبة الله الذي لا يريد للإنسان أن يحيا في جسد شوهته الخطية، بل عليه أن يموت أولًا بهذا الجسد ليحصل على الجسد الممجد بعد ذلك ويحيا للأبد في مجد. فالكاروبيم هو شاهد على مراحم الله الذي بدمه سوف يستعيد الإنسان مجده وحياته الأبدية. وهذا معنى وجود الكاروبيم لحراسة شجرة الحياة:-
1. شجرة الحياة من يأكل منها يحيا للأبد. والله لا يريد لنا أن نحيا للأبد بهذه الصورة المشوهة التي فقدت صورة الله، صورة المجد، بسبب الخطية. ولنقارن فحين رأى موسى جزء يسير من مجد الله لمع وجهه فماذا كان حال آدم الذي كان يكلم الله. وماذا صار حال الإنسان بعد أن إحتجب عنه الله.
2. شجرة الحياة هي المسيح الذي يأكل منه يحيا إلى الأبد (يو6: 48 – 58 + رؤ1: 7).
3. هل المسيح يحتاج لكاروبيم ليمنع أحد من الاقتراب إليه؟!!
4. بل كان الكاروبيم شاهدًا على رحمة الله ومحبته، الذي لا يريد لنا أن نحيا بهذه الصورة المشوهة.
5. ونجد الكاروبيم فوق تابوت العهد ينظران دم ذبيحة الكفارة على غطاء تابوت العهد. والدم يعلن غفران الله للشعب حتى لا يهلك الشعب. لذلك دعي الغطاء كرسي الرحمة في الترجمة السبعينية. فهم شهود على رحمة الله لشعبه.
وكما أن الكاروبيم كان شاهدًا على محبة الله وأن الله لا يريد أن نحيا في هذا الجسد الذي سكنت فيه الخطية فشوهته، وأن الله ينتظر حتى يتمم لنا الفداء ونلبس الأجساد الممجدة. هكذا فالكاروبيم شاهد على كلمة الله ووعده بأن يأتي المسيح نسل المرأة ليسحق رأس الحية. والسيف في يد الملاك هو كلمة الله النارية أي وعود الله = لهيب سيف. (عب 4: 12).
وهو متقلب = which turned every way
أي يظهر كلمة الله ووعده لكل الخليقة وكل لسان بأن المخلص آتٍ. أليس هو الملاك الكاروبيم ذو الأربع وجوه (حز 1: 5-7 + رؤ 4: 8-10). ونحن نرى هذه الوعود وتحقيقها في الأربع أناجيل، ورموز الأناجيل كما تعلمنا الكنيسة هي نفسها وجوه الكاروبيم. والسيف متقلب فهو كما أنه يعلن رحمة الله ووعوده للأتقياء بدخول الأمجاد السماوية، فهو يعلن في نفس الوقت عدل الله وهذا تحذيرا للسالكين في الشر بالهلاك.
متقلب = السيف له حدان:-
1. الحد الأول:- وعد للأبرار بأنه لهم أن يأكلوا من شجرة الحياة فيحيوا للأبد، إن أطاعوا كلمة الله.
2. الحد الثانى:- وعيد وإنذار للأشرار بأن ليس لهم أن يأكلوا فيحيوا للأبد، إن عاندوا ولم يطيعوا كلمة الله.
لحراسة طريق شجرة الحياة = مما سبق نفهم معنى هذه العبارة، أن هذا الكاروبيم يقف أمام العالم كله شاهدا على مراحم الله وصدق كلمته ووعوده بعودة الإنسان المطرود. وبنفس المعنى نجد أن يوحنا الحبيب رأى حول العرش في السماء قوس قزح شبه الزمرد، قوس قزح = الله لا يريد إهلاك البشر. الزمرد بلونه الأخضر= هو إشارة للحياة. إذًا المعنى أن الله يُعلن ويُظهر وعوده لكل العالم بأنه يريد الحياة للبشر، وسيفعل والكاروب شاهد على هذه الوعود.
طَرد الإنسان من الجنة
جغرافيا فان الجنة هي في أرض العراق كما رأينا من قبل. فما معنى طرد آدم من الجنة؟
الجنة كان اسمها جنة عدْن أي الفرح. وبالتالي نفهم أن آدم استمر في ارض العراق ولكنه ما عاد يستمتع بالفرح. فبسبب الخطية ما عاد قادرًا أن يعاين الله أو يراه فكان أن اختبأ من الله. وبدأ الحب يفتر والفرح يقل. فبحث عن اللذة الحسية عوضا عن الفرح
وهذا معنى أنهما علما أنهما عريانين ولكن شتان الفرق بين اللذة والفرح. هذا الذي أعاده لنا المسيح بفدائه "أراكم فتفرح قلوبكم" (يو 16: 22) والمسيح أرسل لنا "الروح القدس
الذي سكب محبة الله في قلوبنا" (رو5: 5) وأصبح من ثمار الروح المحبة والتي نتيجتها الطبيعية الفرح (غل 5: 22) وبهذا استعدنا الحالة الفردوسية الأولى.رأينا في هذا الإصحاح خطية آدم وهذه الخطية هي الخطية التي توارثها البشر باسم الخطية الجدية وهي التمرد والعصيان، لقد كان أمام آدم كل شجر الجنة لكنه اختار الشجرة الوحيدة الممنوعة. ودخل للقاموس الإنساني القول (كل ممنوع مرغوب). وصارت شهوة الإنسان أن يحصل على ما ليس له وهذا ما قاله سليمان الحكيم "المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ" (أم9: 17). والخطية تعريفها ببساطة أن الإنسان يبحث عما يريده هو وليس ما يريده الله، ولغويا فكلمة خطية تعني من يخطئ إصابة الهدف فيفقد المكافأة، وروحيًا فمن يصر على خطيته بلا توبة يفقد المكافأة التي هي الخلاص ويحرم من معاينة مجد الله (رو3: 23). وبالنسبة لآدم فهو حينما أخطأ فقد الجنة بكل أفراحها وجمالها وما عاد يرى الله ففقد بالتالي ما كان له من مجد وبهاء خلقته الأولى... إلخ.
إذا فمعنى طرد الإنسان = ما عاد يرى الله ففقد صورة المجد فالمجد هو انعكاس مجد الله عليه / فقد الحياة الأبدية ومات / فقد حالة الفرح.... إلخ. وراجع في مقدمة سفر التكوين موضوع نتائج الخطية.
خطية الإنسان أنه أراد أن يصير مثل الله - فما معنى هذا؟
مثال:- ملك عظيم اتخذ له زوجة من بنات الشعب وألبسها ملابس الملوك وجلست بجانبه. فسجد أمامها الوزراء والقادة. فقالت للملك "أنا مثلي مثلك" = "راسي براسك". هذا هو الخطأ. الملك رفعها وعظمها وجعلها تلبس مثله ملابس ملوكية ونالت كل الاحترام، فهو من محبته لها صنع لها كل هذا. فلماذا الشعور بالعظمة بالانفصال عنه؟!
وهذا ما فعله الإنسان. لقد خلقه الله على صورته وكان في جنة جميلة جدًا، ويحيا في فرح والله شريكًا له في عمله. والله يريده عظيمًا لكن فيه وليس بالانفصال عنه.
الإتحاد بالله يعطينا إمكانيات لا نهائية "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13). وأما الانفصال عن الله فيعني الوقوع في حيز المحدود. وكل ما له حدود فهذا = الموت. كوردة جميلة شعرت بجمالها فقالت للفرع الموجودة فيه - أستطيع أن أحيا لوحدي شاعرة بجمالي -مثلي مثلك- فماذا سيكون رد الفرع؟ ستموتين لو انفصلتي عني، فمن أين لك عصارة الحياة.
أمثلة على من هو في المسيح:- بولس الرسول في المسيح صار له إمكانيات لا نهائية - فهو ما زال يعمل حتى الآن وفي كل مكان من خلال ما كتبه في الإنجيل. ولنرى كيف أنتصر جدعون بعدد قليل على أعداد ضخمة.
أمثلة على من هو ليس في المسيح:- من هو أقوى إنسان في العالم؟ لم يوجد من هو مثل شمشون. ولكن ماذا تفيد القوة الخارقة لشمشون أمام مسدسات اليوم. وماذا يفعل ذكاء أي إنسان أمام مشكلة الموت؟
الذكاء الروحي إذًا أن ننسب كل ما ننجح فيه لله فيستمر هو المصدر اللانهائي لكل بركة في حياتنا. والغباء الروحي أن ننسب النجاح لقدراتنا فنقع في حيز المحدود.
← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير التكوين 4 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير التكوين 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/z62htfz