محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41
الله يتكلم= في معظم المجادلات ينتصر أحد المتنازعين وتكون له الكلمة الأخيرة. والنزاع هنا كان أولًا بين أيوب وأصدقائه، وتنازل الأصدقاء وتركوا الحلبة لأيوب وحده، إلى أن دخل أليهو فإنسحب أيوب. وكان أليهو خادمًا للرب يهيئ الطريق أمامه، مثلما كان يوحنا المعمدان قبل المسيح، وهذا لأن المناقشة إنتهت بتدخل الله شخصيًا. وكان كلام الله لأيوب أنك لا تعرف كذا وكذا.. من الأمور الطبيعية التي تجري أمام عينيك كل يوم، فكيف تجرؤ أن تناقش الله في أحكامه، ولنعلم أن الله يتخذ قرارا في أحداث الحياة وهذا القرار مبني على معرفة الله الأزلية والأبدية وهو الوحيد الذي يعرف سرائر الناس، فكيف نناقش الله ونحاسبه بل نتجاسر ونعترض على أحكامه في أمر ما له خلفيات قد تكون لها بدايات قبل أن نولد، ولها استمرارية قد تمتد لأجيال بعدنا وقد وجدنا نحن في لحظة من الزمن وسنختفي بعدها. وما يحرك الله في اتخاذ قرار هو 1) حكمته اللانهائية 2) محبته فهذه هي طبيعته. فأين نحن من كل هذا لنناقش الله. والله هنا يلجأ لأمثلة من الطبيعة التي يراها كل إنسان، وعلى كل إنسان أن يرى الله فيها، فلم يكن هناك كتاب مقدس يكلم الله البشر به، فخاطبهم بما يفهمونه ويرونه. وهكذا كان السيد المسيح يكلم الناس بأمثال مما يرونه في حياتهم (الزارع والصياد... إلخ.). والله بدأ هنا بذكر المخلوقات التي بلا روح كالأرض والبحر والنور والمطر والأجرام الفلكية (أي 1:38-38) ثم إنتقل لما له روح كالوعول والفرا والثور الوحشي... إلخ. ووبخ أيوب على جسارته فإنه كان قد نسب الظلم إلى الله (أي 6:16-17 + 7:19-12). فقال له الله "هل يخاصم القدير موبخه أم المحاج الله يجاوبه (أي 2:40). وقال أيضًا لعلك تناقض حكمي. تستذنبني لكي تتبرر أنت. فأظهر له الله أن الإنسان لا يقدر أن يدبر العالم ولا يليق به أن يجعل نفسه في مكان الخالق.
وربما وجد العلم الحديث إجابات بعض الأسئلة التي وردت هنا، واكتشف العلماء بعض القوانين الطبيعية التي تحكم حركة الأجسام والكواكب مثل قوانين الجاذبية والطرد الذاتي وقوانين القوة... إلخ. ولكن من كان وراء هذه القوانين ومن الذي وضعها ومن الذي يضمن لها أن تنفذ؟ الله وحده الذي قيل عنه أنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته، لذلك نسميه ضابط الكل و"حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3). فهو الذي يدبر ويضبط الطبيعة ويهتم بها، الجامدة كالكواكب مثلا والحية كالحيوانات. فإذا كان يظهر أنه يطعم الحيوانات فكم وكم بالأولى يهتم ويشفق على الإنسان الذي يحبه، وهو خلقه لأنه يحبه وليظهر له أعمال محبته، ثم لم تظهر محبته كما ظهرت في الصليب. فإذا كان الله يحب الإنسان فكيف يسمح بأذيته وضرره. وهذا الكلام موجه لأيوب الذي يحتج على أحكام الله بل اعتبرها موجهة ضده.
وهكذا شرح المسيح أنه إن كان الله يهتم بزنابق الحقل وطيور السماء فبالأولى يهتم بالإنسان. ونلاحظ هنا أن الله لم يشرح لأيوب لماذا سمح له بهذه الآلام، بل لقد استخدم الله معه طريقة جميلة. هنا يضع الله في قلب أيوب الثقة فيه. الله يضع في قلب أيوب الثقة بعدالة حكم الله وحكمته ومحبته حتى للحيوانات، وحفظه لخليقته كضابط الكل، فهو لو ترك البحار أو الصواعق... مثلا بلا ضابط لهلك كل البشر. هو أتَى بأيوب وجهًا لوجه أمام إمكانياته فظهر لأيوب عجزه، وأمام عجزه وأمام قوة الله التي رآها ووثق فيها ارتمى أيوب في أحضان الله طالبًا حمايته.
وهكذا بالنسبة لكل إنسان يعترض على أحكام الله كما إعترض أيوب، عليه أن لا يطلب تفسيرًا لما يحدث له بل يطلب الثقة والإيمان بالله والشعور بمحبته. ولو شعرنا بمحبة الله سنقول مع بولس الرسول "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمْ...." (رو 35:8). وذلك لأن بولس شعر أولًا بأن محبة المسيح تحصره (2كو5: 14).
أية (1):- "فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَة وَقَالَ:"
فأجاب الرب أيوب من العاصفة = عادة تسبق الرعود والبروق والزلازل والنار والسحاب الثقيل كلام الرب للإنسان، أو ظهور مجد الرب للبشر (خر 16:19-18 + 1مل 19: 12،11 + مز 9: 8-13) وهذا ما حدث في سيناء مع موسى ثم مع إيليا ولكن حين يتكلم الرب يتكلم بصوت منخفض خفيف يصل للقلب. وكان أيوب قد طلب أن يتناقش مع الله "ليرفع عني عصاه ولا يبغتني رعبه" ولكن الله لم يستجب له في ذلك، وكانت العاصفة المرعبة أولًا ليرعبه فينسحق، وذلك لتوبيخه أولًا على جسارته، ثم ليضعه في موقف الخاشع أمام مجد الله، فلن يسمع صوت الله إلا المتواضع المنسحق (إش57: 15). ومن هذا الموقف يمكنه أن يستفيد من الكلام الذي سيسمعه من الله، ويدخل صوت الله المنخفض الخفيف إلى قلبه، حينئذ تزول الشكوك وتُحَّلْ مشاكل الذي يسمع. والله يقصد أن يرعب السامع أولًا إن كان في موقف كبرياء وتعالي، فالكبرياء تضع حاجزًا بيننا وبين الله، فكيف يتقابل المتكبر مع الله المتواضع. فأيوب حين شعر أنه أبر من الله كان في موقف كبرياء. وبعد أن تواضع وصل كلام الله لأيوب فيصرخ مع إرمياء "أقنعتني يا رب فإقتنعت (إر20: 7).. وحين إقتنع أيوب صرخ قائلًا أخطأت.. توِّبني يا رب فأتوب بعمل روحك القدوس داخلي الذي يقنعني بأن أتوب. فلن يندم إنسان ويتوب إن لم يعمل الله في داخله ويبكته على خطيته ويقنعه أن يتوب عنها، بشرط أن لا يقاوم الإنسان عمل روح الله فيه بل يتجاوب معه. أما خدام الله فمثل أليهو عملهم التمهيد لعمل الله في الداخل. وسيسمع صوت الله ويتوب كل من يريد حقًا مثلما كان أيوب هنا في حالة استعداد. والله تكلم ثم عاد الروح القدس ليوحي ويملي على كاتب سفر أيوب ما قاله الله ليسجل في الكتاب المقدس. فالروح القدس يذكرنا ويعلمنا ولنعلم أن الكتاب كله موحَى به من الله (2تي 16:3 + 2بط 21:1).
أية (2):- "«مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ "
من هذا الذي يُظْلِم القضاء= يظلم أي يحيط الأحكام بظلمة ويجعلها تبدو كما لو كانت خاطئة، أحكام الله منيرة ولكن الإنسان في جهله وظلمته يبدو له أنها غير ذلك، أو هو بآرائه الإنسانية وحكمته البشرية المحدودة يصدر أحكاما خاطئة ظالمة مظلمة ضد أحكام الله، تجعل الصورة الظاهرة لأحكام الله أمام الناس أنها مظلمة وليست كلها نيرة. وهذا الكلام يشير لأيوب الذي نسب الظلم لقضاء الله وتكلم بلا معرفة (بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ) أي بجهل وكبرياء. من هذا= من هذا الإنسان الضعيف الذي يجسر أن يوجه إلى القدير الظلم؟! هل هو أيوب الذي نسبت له الكمال فيتهمني هو بالظلم، هل وصل أيوب إلى أن يقف في موقف الأشرار، هل هذا أيوب الذي كان كاملًا. وكانت هذه الكلمة هي التي أثرت في قلب أيوب وقادته للتوبة فعاد وكررها في (أي 3:42). وقرر أنه كان غبيًا بلا معرفة حين نسب الظلم لقضاء الله.
أية (3):- "اُشْدُدِ الآنَ حَقْوَيْكَ كَرَجُل، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي."
أشدد الآن حقويك كرجل= أي تشدد لأنني سوف أسألك عدة أسئلة، حاول أن تجاوب عنها لو كنت تقدر، قبل أن أجاوب أنا أسئلتك، وهنا يرد الله على قول أيوب إدع فأنا أجيب (أي 22:13). بمعنى أنا مستعد يا رب أن أجيب على أي سؤال لك، وطبعًا أيوب كان يقصد بهذا أنه مستعد أن يجاوب عن أي إتهام قد يوجهه الله وذلك ليبرر نفسه، ولكن الله كما قلنا لم يسلك طريق الحوار العادي، يوجه لأيوب تهمة وينتظر تبريره أو دفاعه عن نفسه، ثم يشرح له لماذا فعل ما فعل، هذه الطريقة في الحوار طريقة بشرية تصلح للحوار بين إنسان ومثيله الإنسان، ولكن الله كما قلنا إستخدم طريقة أخرى هي وضع الثقة في قلب أيوب من نحو الله، وبعد أن يثق أيوب فليتصرف الله كيفما شاء. لأنه حتى لو حاول الله أن يدين أيوب في أي تصرف لحاول أيوب أن يبرر نفسه وهذا ما فعله مع أصحابه، وهَبْ أن أيوب إقتنع بأنه أخطأ فهل كان سيقتنع بالتأديب، فأي إنسان يرفض أن يتألم، وهَبْ أن أيوب إقتنع بأن الله يجب أن يؤدبه فهل هو يعرف طريقة التأديب. لذلك لا يدخل الله في المناقشة مع أولاده لأنهم لن يعرفوا أين هو الصالح لهم، وعليهم فقط أن يثقوا فيه. وأيضًا إن كان الله قد جاوب أيوب وشرح له كيف أخطأ وكيف يعالجه الله ليشفيه، كان على الله أن يجاوب كل منا لو تساءلنا لماذا وكيف. لكن طريقة الله هنا أن يظهر لأيوب ولنا مقدار عظمته وإمكانياته، فإن كان الله لم يخطئ في كل هذا فهل يخطئ معي؟! وكيف ولماذا يخطئ الذي لا يخطئ لا في الخلقة ولا في تدبيرها وحفظها.
وكلمة رجل هنا تعني رجل مقاتل وهي تهكم، فأيوب تصور أنه في صراع مع الله. ولنرَى طريقة الله في الحوار مع أيوب وكيف أثمرت، فأيوب المقاتل بعد أن انتهى الله من كلامه نجده وقد تواضع وإعترف بأنه لا شيء وازداد كماله في نظر الله. فتعلمني= هي سخرية من أيوب، فهل يقدر الإنسان أن يعلم الله، وبالتالي لا حق للإنسان أن يعترض على الله أو على ما يعمله، وأن لا يشكك في عدله وحكمته لذلك يتحدى الله أيوب أن يظهر حكمته ليبرر تساؤلاته عن الحكمة الإلهية التي كان يشكك في عدالتها. والله لن يتأثر جلاله لو إعترضنا على حكمته، وهو لن يزيد مجدًا لو نسبنا إليه الحكمة في تصرفاته، ولكن الله يهتم جدًا بأن نسبحه ونمجده وأن نتصالح معه ليس من أجله هو ولكن لصالحنا نحن، فالطريق الوحيد للحصول على البركات السماوية هو الإيمان بأن الله إله عادل محب لنا وهو صانع خيرات وصلت لبذل نفسه على الصليب، وبدون هذا الإيمان لا يمكن إرضاءه (عب11: 6). ولقد رأينا أيوب وهو في حالة صراع مع الله كيف كان هو نفسه ممزقًا متألمًا، وكيف إنتهت مشاكله حين تصالح مع الله، ولهذا أتى المسيح للمصالحة بين الله والإنسان (2كو5: 19).
الآيات (4-7):- "أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟ "
سؤال الله الأول عن الأرض ليدعو أيوب للتواضع، فها هو يحيا على الأرض ويراها كل يوم، فهل هو يا تُرَى يفهم أسرار خلقة الأرض، هل كان مع الله حين أسسها أو هو أشار على الله كيف يؤسسها، هل تعلم يا أيوب كيف وضعت قياسات الأرض ثم يضع الله عدة تشبيهات للشرح. فصوَّر الله تأسيس الأرض كمن يبني بيتًا فهو أولًا يضع القياسات والرسومات ثم يبدأ في البناء والبنائين يستعملون المطمار ليكون البناء مستويًا رأسيًا حتى لا يسقط (المطمار خيط به ثقل يتدلى لأسفل ليُظهِر إستقامة البناء).
ثم ليشير لثبات الأرض وأنها لا تسقط من الفضاء يقول أن لها قواعد ثابتة عليها ولها حجر زاوية في بنائها، فهي متماسكة ثابتة، وبالتالي يستحيل أن يكون كل هذا قد تم بالمصادفة. وحجر الزاوية يربط حائطين معا، وقد يشير حجر الزاوية هنا إلى ترابط النظام الشمسي كله مع بعضه البعض بل وكل مجرة مع الأخر وهكذا. وكان عمل الله في خلقته كاملًا. وفرح الملائكة= كواكب الصبح= بما عمل الله، فرنموا تسبيحًا للخالق، وأولاد الله عموما يفرحون بكل عمل يعمله الله، فهم يدركون كمال عمله. والنور عمومًا هو صفة لله، والملائكة هم أول خليقة الله أبي الأنوار وأورشليم السمائية لن يكون فيها مساء (رؤ25:21+ 5:22). وهم بني الله لأنهم يحملون صورته، ويخدمون الله كما يخدم الإنسان أباه. ونرى هنا الله الممجد في خليقته أي الملائكة فعمل الله وخلقته تستوجب منا أن نسبحه عليها، وهذا معنى قولنا في التسبحة "سبحي الرب يا كل الجبال والبحار... إلخ. أي هذه الخليقة تشهد بعظمة الله التي يجب أن نسبحه عليها.
الآيات (8-11):-" «وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ. إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ، وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟"
سؤال الله الثاني لأيوب عن البحر، وهو يراه أمامه ويتعامل معه يوميًا ولكنه أبعد نسبيًا من الأرض، فهو لا يستطيع أن يصل إلى أعماقه. وخلق البحر هنا تشبه بولادة طفل لباسه السحاب وقماطه الضباب (السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ). وهنا إشارة إلى خلقة الله في اليوم الثالث (تك 9:1) حين جمع الله المياه، فأطاعت كما لو كانت طفل صغير مولود. والضباب مترجمة الظلام الكثيف في الإنجليزية. وكما أن الطفل نغطيه بلباس وقماط فالبحر مغطَّى من أعلى بالسحاب والضباب الكثيف. وكما يعد الوالدين سريرًا (مهدًا) لينام فيه المولود الجديد، أعد الله منخفضات كافية في القشرة الأرضية بقدر مياه البحار والمحيطات، لينام فيها البحر ومياهه في هدوء، ولكل منا قبل أن يخلقه الله مكانًا يأوى إليه. ولكن هذا الطفل طفل جبار فحينما تصدمه الرياح يثور، وثورته هذه تخيف الإنسان وكم دمرت ثورته مدنًا ساحلية، والآن عرف الإنسان بعض المعرفة عن القوي التي تؤثر في البحر (حركة الشمس والقمر وعلاقتها بالمد والجذر، والرياح والعواصف...) لكن هل يستطيع الإنسان أن يتحكم في مياه البحر ويمنع هياجها، أما الله فهو القادر أن يسيطر عليها= جزمت عليه حدي= أي فرضت عليه حكمي، فالله ألزمه بحدود ومغاليق ومصاريع، فلا يقدر أن يتجاوز الحد الذي وضعه الله له. وهذه اليد الرحيمة التي تحدد حدودًا للبحر فلا يتجاوزها هي يد الله التي تعتني بالإنسان حتى لا يغرق. ولنتأمل مع أيوب فالبحر المرعب بأمواجه وظلامه ما هو إلا طفل في يد الله قادر أن يسكته وقتما يريد. ولاحظ أن الله حين خلق آدم أعطاه سلطانا على الحيوانات والطيور والأسماك، لكنه لا سلطان له على باقي الخليقة كالبحر والأمطار والكواكب، فسلطان الإنسان محدود أما الله فسلطانه غير محدود.
الآيات (12-15):-" «هَلْ فِي أَيَّامِكَ أَمَرْتَ الصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ لِيُمْسِكَ بِأَكْنَافِ الأَرْضِ، فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟ تَتَحَوَّلُ كَطِينِ الْخَاتِمِ، وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لاَبِسَةٌ. وَيُمْنَعُ عَنِ الأَشْرَارِ نُورُهُمْ، وَتَنْكَسِرُ الذِّرَاعُ الْمُرْتَفِعَةُ."
السؤال الثالث الموجه من الله لأيوب عن شروق النور على الأرض. ها أنت يا أيوب تفرح بشروق الشمس يوميًا حين يخرج نورها، لكنك أنت لا تستطيع أن تحدد ميعاد الشروق أو تتحكم فيه فهو ثابت ومحدد قبل أن تخلق أنت= هل في أيامك أمرت الصبح= أي هل بدأ النور يشرق صباحًا في أيامك أنت ولأجلك أنت فقط أو بأمر منك. ولقد سبق وقال أيوب في (أي 13:24-17) أن الأشرار يخشون النور، وهنا يسأله الله هل لك فضل في شروق النور ليسدي خدمة للبشر بابتعاد الأشرار= فَيُنفَض الأشرار منها. لكن الله هو الذي يرسل النور فينفضح الأشرار ويدانون. ويمنع عن الأشرار نورهم= فنور الأشرار هو الظلام ففيه يعملون أعمالهم الشريرة، فهم يختفون نهارًا ويعملون ليلًا. وبالتالي فالنور هو علامة قدرة الله ورحمته بل هو صفة من صفاته، وهذا عكس الأشرار الذين يسلكون في الظلمة فيكون النور هو علامة أيضًا لقضاء الله العادل الذي يفضح شر الأشرار. ويُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا كما ينفض أحدًا بعض التراب من على ثوب. وتنكسر الذراع المرتفعة= أي يفقدوا قوتهم وتفسد تخطيطاتهم وحريتهم وربما حياتهم، وتنكسر ذراعهم التي إرتفعت على الله أو على شعبه فلا تعود لهم قوة أن يصنعوا شرورهم. وحين يظهر النور = لِيُمْسِكَ بِأَكْنَافِ الأَرْضِ = أكناف تأتي بمعنى جوانب أو نواحي أي يُغطي الأرض كلها فيبدأ شكل الجبال والأراضي والبحار..... إلخ. في الظهور. فحين يكون الظلام سائدًا والأرض غارقة في بحر الظلمة لا يكون لها شكل وحين يبدأ النور في الظهور يبدأ يكون لها شكل بجبالها ومياهها وألوانها. وهنا تشبيه لطيف بأن الأرض قبل أن يشرق عليها النور كانت كأنها طين بلا شكل، وحين أشرق عليها النور كأنها ختمت بخاتم شَكَّلَ هذا الطين وأعطاه شكلًا هو شكل الخاتم، وكأن الأرض لبست هذا الثوب النوراني. وما أجمل هذه الصورة هنا فالمسيح حين أشرق بنوره (هو شمس البر) كسر ذراع الشيطان وفضح عمله وختم المسيح فينا صورته في قلوبنا (حز 21:30، 22 + مل 2:4، 3 + لو 1" 51، 78 + 2كو 6:4 + غل 19:4 + كو 15:2).
أية (16):- " «هَلِ انْتَهَيْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَقْصُورَةِ الْغَمْرِ تَمَشَّيْتَ؟ "
السؤال التالي لأيوب. هل وصلت إلى أعماق البحر وعرفت من أين ينبع البحر. هل عرفت كيف يمتلئ البحر، وكيف يصب النهر في البحر ولا يفرغ. أو في مقصورة الغمر تمشيت= المقصورة هي الدار المحصنة أو المكان الخاص الذي في الدار ولا يدخله سوى صاحبه. ومعنى الكلمة الأصلية ما لا يفحص، والمعنى هل تعرف جميع أسرار قاع المحيط (مز 19:77). فهل من لا يدرك أسرار البحر سيدرك عمق مشورة الله.
أية (17):- " هَلِ انْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ الْمَوْتِ، أَوْ عَايَنْتَ أَبْوَابَ ظِلِّ الْمَوْتِ؟ "
السؤال التالي عن أبواب الموت= فالموت سر عظيم، ونحن لا ندري كيف أو متى نموت. ولا يمكننا وصفه أو كيف ينحل الرباط بين الروح والجسد. والقدماء تصوروا مكانًا للموت تحت أعماق البحر والأرض لا يعرفه أحد من الناس وقالوا لم يرجع أحد من الأموات ليخبرنا عن طريق باب الموت.
أية (18):- " "هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْ إِنْ عَرَفْتَهُ كُلَّهُ."
والسؤال التالي عن الأرض، وكأن الله يقول له لا داعي أن أسألك عن الموت الذي لم تختبره فأنا سأسألك عن الأرض التي تعيش عليها. هل تستطيع أن تعرف أبعادها، وفي أيام أيوب لم يكن أحد قد دار حول الأرض، والقدماء تصوروا أن الأرض منبسطة وليست كرة ولا يستطيع أحدًا أن يصل إلى أبعادها.
الآيات (19-24):- "«أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ؟ وَالظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا، حَتَّى تَأْخُذَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ بَيْتِهَا؟ تَعْلَمُ، لأَنَّكَ حِينَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ، وَعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثِيرٌ! «أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ الثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ الْبَرَدِ، الَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ، لِيَوْمِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ؟ فِي أَيِّ طَرِيق يَتَوَزَّعُ النُّورُ، وَتَتَفَرَّقُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟ "
نجد الله هنا يسأل أيوب عدة أسئلة محيرة له. هل تعرف كيف خلق النور، حين كانت الظلمة سائدة ثم بسط الله نوره على الأرض، هل كنت هناك يا أيوب لتشترك مع الله في خلقة النور، أو هل تعرف كيف يتوزع النور على الأرض (فِي أَيِّ طَرِيق يَتَوَزَّعُ النُّورُ). وربما يتوزع النور بمعنى أن يتحلل لألوان الطيف السبعة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن الاحتمال الأكبر أن المقصود هو انتشار النور في كل الأرض بمجرد طلوع الفجر، إذ أن ما كان يُحيِّر القدماء، كيف أن النور يبزغ فجأة وفي لحظات تنير الأرض كلها. ورسموا صورة لهذا:- أن نور الصباح يمتطي أجنحة الريح الشرقية ليتوزع سريعًا على كل الأرض (مز 9:139 + ملا 4: 2). والريح الشرقية سريعة جدًا وقوية جدًا فتنشر النور بسرعة وتشتت الظلام كما تصنع الريح الشرقية بالسحب فتنقشع. والريح الشرقية نسبة لشروق الشمس من الشرق. ولو عرفت أسرار النور هل تعرف طرقها وكيف يشرق النور، هل وصلت إلى منابع هذا النور حيث يسكن (حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ) = حتى تجعله يخرج متى تريد أو يغرب النور وقتما تريد.
وَالظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا = كانت هذه العبارة حتى سنوات قليلة تفسر على أن الظلمة هي تعبير عن اختفاء النور. ونجد الله هنا يتكلم عن الظلمة على أنه شيء يسكن في مكان ما وليس فقط أنها تعبير عن اختفاء النور. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية وجد علماء الفلك أن ما يرونه خلال تليسكوباتهم يمثل فقط ,27 % من كل مكونات الكون. والظلمة تمثل ,7399 % من الكون. وجد العلماء أن هذه الأشياء والطاقات المظلمة موزعة في الكون بطريقة عجيبة بل إعجازية لتحفظ توازن الإتساع الذي يحدث في الكون [(راجع تفسير الآية (أي 9: 8)] وبهذا تستمر الحياة على الأرض. وبدأ العلماء في دراسة أماكن وتوزيع هذه الأماكن المظلمة في الكون. ووجدوا أن هذه الأشياء المظلمة لها وزن وكيان وأن مجرتنا مستقرة داخل هالة عجيبة مظلمة حجمها عشر مرات قدر مجرتنا. وهكذا هذه الهالة المظلمة موجودة في داخل هالة أخرى مظلمة أكبر منها وهكذا. وكل هالة منهم لها وزن محدد وقطر محدد.
وفي الحقيقة وجدت أن موضوع المادة المظلمة هو موضوع ليس من السهل على من هو مثلي ضحل المعلومات أن يقوم بالكتابة عنه أو شرحه أو حتى ترجمته حتى لا يضيع معناه. ففضلت أن أنقل ما قرأته عنه كما ورد في أحد المراجع باللغة الإنجليزية. والكاتب أصلا من علماء الفلك وجد أن رسالته أن يشرح لغير المؤمنين بصحة الكتاب المقدس، أنه لا تعارض بين الكتاب المقدس والعلم. بل وإتخذ من موضوع المادة المظلمة التي تشكل معظم الكون مادة لإثبات أن الكتاب القدس تكلم عنها منذ ما يقرب من 4000 سنة قبل اكتشافها، فالذي كان يتكلم عنها هنا هو الله.
[Hidden Treasures in the Book of Job * Ross]
The Swiss American astronomer Fritz Zwicky was the first scientist to recognize that dark (nonradiant) must comprise a substantial portion of the universe's makeup. As far back as the 1930,s his study of the dynamics of nearby galaxies and galaxy clusters indicated their stability depends heavily on the abundance of some kind of matter characterized by mass but not by noticeable radiance.
In 1990,s detailed maps of the radiation left over from the big bang (the cosmic microwave background radiation) together with a fairly accurate measurement of the cosmic expansion rate revealed that only about a sixth of he universe's dark matter is what would be called "ordinary" matter-matter comprised of such ordinary particles as protons, neutrons and electrons. These ordinary particles can and do interact with light (photons). When highly concentrated in stars and nebulae, this ordinary matter begins to radiate and is no longer dark, but most (90%) either stays dark or returns to being dark. Ordinary matter makes up 17.5% of the universe's total matter.
Exotic dark matter accounts for the remaining 82.5% of the universe's matter and 23.3% of the universe's total "content" most of which is not matter at all. this exotic matter interacts only weakly, at best, with protons. It is made up of particles such as neutrinos and what physicists tentatively refer to as axions and neutralinos. Regardless of the form it takes, exotic matter is always dark.
The universe's main component is something called dark energy, or space energy density. some 72.1% of the physical universe is this "something," which is even harder to describe than it is to name. It can best be portrayed as the self-stretching property (like an anti-elastic band) of the space surface of the universe, and its abundance controls the rate at which the universe expands.
نستطيع أن نقل أن هذا الإصحاح يُكْمل ما هو مذكور في (تك1) عن الخليقة. (تك1) مرتب تاريخيا وزمنيا (chronologically) ولكن بدون تفاصيل ولكن نجد هنا بعض التفصيلات التي توضح نقاط كثيرة ولكنها غير مرتبة زمنيًّا.
والآية (21) سخرية من أيوب فهو لم يكن موجودًا وقتها.
وفي (22، 23) هل تعرف كيف يتكون البَرَدْ والجليد، والله يستعملهم أحيانًا ضد الأشرار. حدث هذا مع فرعون ومع أعداء يشوع وسيحدث في نهاية الأيام (رؤ 7:8) وراجع (يش 11:10 + مز 14:68 + حز 13:13) = أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ.. أَمْ.. مَخَازِنَ.. أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ، لِيَوْمِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ = فكأن الله يبقي حجارة البرد كأسلحة في مخازنها حتى يأتي يوم القتال ينفتح المخزن فجأة. الثلج Snow هو بخار ماء تجمد في السحاب قبل أن يتجمع كقطرات. والبرد هو تحول أولًا لقطرات ماء وتجمعت في السحب ثم تجمدت.
الآيات (25-28):- "مَنْ فَرَّعَ قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ، وَطَرِيقًا لِلصَّوَاعِقِ، لِيَمْطُرَ عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ، عَلَى قَفْرٍ لاَ أَحَدَ فِيهِ، لِيُرْوِيَ الْبَلْقَعَ وَالْخَلاَءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ الْعُشْبِ؟«هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟ وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ الطَّلِّ؟"
السؤال هنا عن المطر. فهل لإنسان سلطان على المطر، لينزله في المكان الذي يريده، فالله وحده له هذا السلطان، لينزل المطر بالكمية التي يحددها وفي المكان الذي يحدده. وكأن المطر ينزل من خلال قنوات حددها الله. والمطر قد يكون قطرات حتى لا تفسد الأرض، وقد يكون طوفانًا يغرق الأرض، والله وعد نوحًا بعدم تكراره وبهذا نفهم أن مفاتيح قنوات المطر في يدي الله. وفي يده أيضًا البروق والصواعق، لأن الله في يده مفاتيح المطر فهو لا ينسى الأراضي القفر والخلاء والصحاري فهناك مخلوقات تحيا فيها فالله لا يهتم فقط بالإنسان، بل بكل خليقته= ليمطر على أرض حيث لا إنسان. والله هو مصدر المطر= هل للمطر أب= نعم فهو الله الذي يولده ويأتي به ويتحكم فيه، بل حتى في أصغر قطرات المطر أو الطل فهو يحكمها= مَآجِلَ. المآجل هي نقط الندَى الصغيرة جدًا.
الآيات (29-30):- "مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الْجَمَدُ؟ صَقِيعُ السَّمَاءِ، مَنْ وَلَدَهُ؟ كَحَجَرٍ صَارَتِ الْمِيَاهُ. اخْتَبَأَتْ. وَتَلَكَّدَ وَجْهُ الْغَمْرِ."
الله صاحب السلطان أن يجمد الماء. وربما تساءل الإنسان من أين جاء هذا الجليد= من بطن من خرج الجمد= ما هو مصدر هذه القدرة العظيمة.
الآيات (31-33):- "«هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ الثُّرَيَّا، أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ أَتُخْرِجُ الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ هَلْ عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ، أَوْ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ "
السؤال الآن حول الكواكب. والنجوم تحت سيطرة الله وحده (تك 14:1 + مز 4:147). وليس للإنسان سلطان على تغيير شيء. الثريا= مجموعة من النجوم مرتبطة بعضها ببعض كعقد من الجواهر. والجبار= اسم برج تصوره القدماء كجبار مربوط.
المنازل= مجموعة من الكواكب عبدها الوثنيين (2مل 5:23). النعش مع بناته= بنات نعش الكبرى 7 كواكب منها أربعة على شكل مربع فأسموها النعش. والثلاثة الباقين أسموها بنات نعش. وهناك مجموعة أخرى أسموها بنات نعش الصغرى. هَلْ عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ = ومهما عرف العلماء عن أسرار الكواكب فمعرفتهم لا شيء حتى اليوم. والله وحده وضع حركة الكواكب ويضبطها فتتسلط على الأرض= أو جعلت تسلطها على الأرض= فالشمس تحدد بحركتها مع الأرض الفصول (الربيع/ الخريف/ الشتاء/ الصيف) والقمر يحدد المد والجذر. ويلاحظ أن الثريا تظهر في الربيع والجبار في أول الشتاء. وإنتهاء فصل الشتاء وقدوم الربيع صوروه كأنه ربط الجبار= تفك ربط الجبار. فهل تتحكم أنت في هذا يا أيوب (تك 14:1-19). وربما قوله جعلت تسلطها على الأرض= تسلط الكواكب على حركة الأرض، أن الكون كله مرتبط بقوانين حركة، وكل الكواكب تؤثر على الأخرى. فحركة الأرض متأثرة بكواكب مجموعتنا الشمسية. ومجموعتنا الشمسية متأثرة بباقي كواكب مجرتنا. ومجرتنا متأثرة بباقي المجرات ووراء كل هذا ضابط الكل واضع قوانين الحركة لكل هذا. وهذا هو نفس مفهوم حجر الزاوية في الآية 6 من هذا الإصحاح .
الآيات (34-38):- "أَتَرْفَعُ صَوْتَكَ إِلَى السُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ أَتُرْسِلُ الْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ مَنْ وَضَعَ فِي الطَّخَاءِ حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَةً؟ مَنْ يُحْصِي الْغُيُومَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ السَّمَاوَاتِ، إِذْ يَنْسَبِكُ التُّرَابُ سَبْكًا وَيَتَلاَصَقُ الْمَدَرُ؟ "
الله يظهر للإنسان هنا ضعفه وعدم مقدرته على التحكم في الطبيعة، فهو لا يستطيع أن يأمر المطر أن ينزل ليروي الأرض إن جفت. ولكن إن أردنا المطر فعلينا أن نرفع أصواتنا لله ونصلي فيعطي الله المطر، كما فعل إيليا وكما تفعل الكنيسة الآن إذ تصلي من أجل مياه الأنهار والزروع والرياح. ولكننا لا نستطيع أن نرفع أصواتنا بالأمر للمطر مباشرة فهو في يد الله لذلك لم ينزل المطر بصلوات كهنة البعل أيام إيليا فهم لم يرفعوا صلواتهم لله. الطخاء = السحاب المرتفع= أي الله بحكمته يضبط السحاب والشهب، فهو ليس فقط له السلطان عليها بل بحكمة يضبطها. وحكمة الله التي بها يضبط السحب تظهر في أنه يقدر كمية الماء المنسكب من السحاب= من يحصي الغيوم بالحكمة= ليحدد كمية المطر. أزقاق السموات = الغيوم هنا مشبهة بأزقاق (جمع زق) ملآنة ماءً. المدر = الطين. فالله يسكب مياه المطر على تراب الأرض فيتكون الطين وتصبح الأرض صالحة للزراعة. ودقائق التراب والرمل ومكونات التربة الأصلية تتجاذب وتلتصق كالمعدن المنصهر المنسكب وتصير مكونات التربة كلها متجانسة ذات كثافة واحدة ذائبة في كيان واحد. ثم تشرق الشمس عليها فتتجمد كما يتجمد المعدن المنصهر.
الآيات (39-41):- "«أَتَصْطَادُ لِلَّبْوَةِ فَرِيسَةً، أَمْ تُشْبعُ نَفْسَ الأَشْبَالِ، حِينَ تَجْرَمِزُّ فِي عَرِيسِهَا وَتَجْلِسُ فِي عِيصِهَا لِلْكُمُونِ؟ مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ، إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ، وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ الْقُوتِ؟"
ابتداءً من هنا بالإضافة للإصحاح 39 كله يتكلم الله عن سلطانه وجودة مشوراته وصلاحه من نحو خليقته الحيوانية. أتصطاد للبوة فريسة= هل تستطيع أنت يا أيوب أن تطعم الحيوانات مثل الأسود وتهتم بالخليقة كلها. حين تجرمز في عريسها = جرمز الرجل = إنقبض... وإجتمع بعض إلى بعض. عريس= عرين الأسد= تربض في العرائن (حسب ترجمة اليسوعيين). وتجلس في عيصها للكمون = العيص هو الشجر الكثير الملتف. والمعنى من يرزق هذه الحيوانات حين تكمن في وسط الأشجار، أو تربض في عرينها، ومن علمها أن تصنع هذا لتأكل وتعيش، ومن الذي يرزقها فلا تموت. من يهيئ للغراب صيده = اختار الله الغراب لأن الإنسان يحتقره ويكرهه، وإختار الأسد لأن الإنسان يخاف منه، بل لو وجده يقتله. وبينما لا أحد يهتم بهذه الحيوانات يهتم بها الله. تنعب فراخه = تنعق أي تمد عنقها وتصيح طالبة الطعام. ويظهر من حياة هذه الحيوانات والطيور صلاح الله الذي يحفظها ويطعمها لتبقَى حية. والله يهتم بكل خليقته حتى المتوحش منها، وهو لم يتكلم عن الدواب والحملان لأن الإنسان يستخدمها ويطعمها لتخدمه. فالله أعطى لكل الحيوانات حكمة وغريزة بها تعيش. وإن كان الله يهتم بالحيوانات المتوحشة فهل لا يهتم بالإنسان. كلام الله في هذا الإصحاح هو دعوة لأيوب أن لا يثق في ذاته بل يثق في الله المحب لخليقته ويدبر كل أمورها بحكمة، هو دعوة للتواضع بين يدي الله.
أسلوب الله في العتاب هنا هو مشابه لأسلوب السيد المسيح حين قال أن الله يرزق العصافير ويلبس زنابق الحقل ما هو أجمل مما كان سليمان يلبسه: "تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا"، فهل لا يرزقنا نحن البشر. هل مات المسيح من أجل العصافير وزنابق الحقل أم من أجلي؟!
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 39 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أيوب 37 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/vt45g9b