← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
آية 1: "بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا قَائِلًا: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا»."
لا تخف: هو مهدد بحرب الآن مع كدرلعومر ورجاله كنوع من الانتقام من هزيمته، وهو ساكن وسط أناس غرباء. وقد ترك أهله في أور وأهله الذين في حاران، وحتى لوط ابن أخيه ورجاله تركوه، وهو بدون أبناء يساعدونه. ولكن نجد أن الله الذي اختار له هذا المكان ليعيش فيه يقول له لماذا تخاف وأنا الذي أحميك = أنا ترس لك . وهذه عادة الله أنه إذا سمح لأحد أبنائه أن يوجد وحيدا تجد الله يشعره بوجوده حتى يطمئن، وهذا ما فعله الله حين غادر يعقوب بيت أبيه وأمه وسار وحيدًا في صحراء، إذ ظهرت له رؤيا السلم الواصل إلى السماء.
ترس = هو الدرع الذي يحمي الصدر في أثناء القتال. والمعنى أن الله هو الذي يدافع عنه ويحميه.
أجرك كثير جدًا: ما سبق كان عن حماية الله ولكن هذا ليس كل شيء بل هناك مكافأة من الله لأبرام. هو ترك أهله وترك الراحة والأمان في أور وحاران. والله هنا يكافئه بما لا يستطيع البشر أن يعطوه، فيكون نسله كنجوم السماء ومن نسله يتبارك الأمم. فالنسل الموعود به ليس إسحق فقط بل المسيح الذي فيه تتبارك كل الأمم.
ولاحظ قوله بعد هذه الأمور: كأن ما تمتع به إبرام من كلام الرب ووعوده له جاء نتيجة مواقفه الإيمانية، فهو ترك أور وترك حاران ونفذ كلام الله بإيمان ولأنه عرَّض نفسه للخطر من أجل إنقاذ لوط. وبالنسبة لنا فكلما جاهدنا في علاقتنا مع الله وأطعناه كلما اقترب الله منا.
آية 2: "فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيمًا، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟»"
حينما شعر أبرام باقتراب الله إليه تحدث أبرام في جرأة ودالة مع الله وقال ماذا تعطيني وأنا ماض عقيمًا: ماض في طريق الأرض كلها أي سأموت دون وريث يحمل اسمي= ومالك بيتي = أثبتت الآثار أن العبد كان يرث سيده إن لم يكن له أبناء. اليعازر الدمشقي: فربما صار له عبدًا وهو في طريقه من حاران إلى كنعان مرورًا بدمشق. معنى كلام أبرام هنا أنني قد كبرت فحتى لو كافأتني يا رب بمكافآت مادية فماذا أنتفع بها وأنا أيامي قد اقتربت وليس لي وريث فكل ما ستعطيني سيذهب إلى أليعازر.
آية 3: "وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضًا: «إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلًا، وَهُوَذَا ابْنُ بَيْتِي وَارِثٌ لِي»."
ابن بيتي: هذه تعني مالك بيتي أو عبدي، ومن تواضعه ومحبته يسميه "ابن"، أي بمنزلة ابن.
آيات 4، 5: "فَإِذَا كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: «لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ». ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا». وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ»."
حياة إبراهيم سلسلة غير منقطعة من اللقاءات مع الله والتمتع بالوعود بسبب إيمانه الحي العملي وطاعته للرب في كل شيء. وعد النجوم: إذًا هذه الرؤيا كانت ليلًا وحين قال له نسلك كتراب الأرض (تك 16:13) كان هذا في نور النهار وهو يرى التراب.
أية 6: "فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا."
فآمن بالرب فحسبه له برًا: بحسب الطبيعة كان يبدو مستحيلًا تنفيذ هذا الوعد. وهنا نسمع لأول مرة كلمة "آمن" (عب 4: 2 + رو 4: 3 + غل 6:3 + يع 23:2) وصرنا نحن أولاد لإبراهيم بالإيمان. هو فتح لنا طريق البر خلال الإيمان. وفي المقابل قال الرب عن اليهود أنهم أبناء إبليس لأنهم يعملون نفس أعماله (يو8: 44).
آية 7: "وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا»."
الله لم يخرجه من أور ليتركه في الصحراء بل أعد له كنعان ليرثها. من هذه الآية فهم إسطفانوس أن الله ظهر لإبراهيم وهو ما زال في أور (أع7: 2). مع أنه في (تك12: 1) نجد أن أول حوار بين الله وإبراهيم كان في حاران.
آية 8: "فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟»"
بماذا أعلم أني أرثها: هو سؤال لا يحمل الشك فالله قد أعلن إيمانه من قبل (آية 6) وهو لم يقل كيف أعرف؟ كما لو كان لم يؤمن بعد أنه يرث. وإنما قال بماذا أعلم كأنه يطلب علامة ليعرف الطريق الذي به يتحقق ما قد آمن أن يناله أو أن يكون معنى السؤال هو كيف سيحدث هذا. وهذا ما صنعته العذراء مريم فهي سألت عن الوسيلة التي بها تلد وهي لا تعرف رجلًا لذلك أجابها الملاك "الروح القدس يحل عليك" ولأن سؤال إبراهيم كان عن ميراث كنعان، وكنعان تشير إلى كنعان السماوية جاءت إجابة الله تحمل جوانب ذبيحة المسيح وعهده الجديد الذي به يكون لأولاد إبراهيم بالإيمان الدخول لكنعان السماوية. وسؤال إبرام لله هنا يظهر الدالة بينه وبين الله. وقد جاءت العلامة تكشف لنا سر الكنيسة الخارجة من صلب أبرام. فالله وعده بنسل كنجوم السماء، والآن يكشف له عن هذا النسل الذي يصير كنيسة مقدسة للرب تضم أهل الختان (اليهود) والأمم. وهنا نفهم الآيات التي سبقت بمفهوم جديد:
لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ
(الآيات 4، 5).لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا
(الآية 7).وقارن مع "فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك" (مز2: 8) + ".. لتعلموا .. ما هو غنى مجد ميراثه في القديسين" (أف1: 18). إذًا المؤمنين هم ميراث المسيح.
الميراث هو ميراث كنعان الأرضية وسيرثها إسحق نسل أبرام بالجسد وهكذا فهم أبرام كلام الله. ولكن المعنى الأبعد أن المسيح الخارج من أحشاء أبرام هو الذي يرث المؤمنين به من كل العالم يهودًا وأمم الذين لهم نفس إيمان أبرام (إبراهيم). وهذا الميراث من المؤمنين بالمسيح سيكونوا معه في كنعان السماوية.
وسؤال أبرام هنا
بماذا أعلم أني أرثها كان يعني بالنسبة لأبرام ما هي الطريقة التي سأرث بها وأنا ضعيف وحدي أمام كل هذه الشعوب؟ والله لم يرد عليه مباشرة، ولكن بأن أعطاه وعدا بطريقة ذلك الزمان وهي شق حيوان والمشي بين جزئي الحيوان. وهذا يعني يكفيك يا أبرام أنني وعدت ودخلت معك في عهد.ولكن بالمعنى الرمزي صار سؤال أبرام يعني كيف سيتم ذلك؟ أي كيف يا رب سترث هذا العالم المتمرد عليك من عابدي الوثن... إلخ.؟ ويكون معنى الإجابة... بالذبيحة التي ستقدم على الصليب.
وبعد ذلك بسنين نجد الله يشرح ذبيحة المسيح عن طريق تقديم الابن المحبوب لإبراهيم أي إسحق ذبيحة ولكنه يعود حيا، فالخلاص لا يكون بذبائح حيوانية بل بذبيحة المسيح الكفارية، وكانت الذبائح الحيوانية في العهد القديم رمزًا. وهكذا صار إصحاح (تك 15) وما حدث فيه إنما هو رمز لإصحاح (تك 22) من تقديم إسحق ذبيحة.
وبعد تقديم الذبيحة كان معنى كلام الله لأبرام، أنك لن ترث الآن مباشرة، بل بعد أن يذهب نسلك ليقضي فترة في العبودية.
آيات 9، 10: "فَقَالَ لَهُ: «خُذْ لِي عِجْلَةً ثُلاَثِيَّةً، وَعَنْزَةً ثُلاَثِيَّةً، وَكَبْشًا ثُلاَثِيًّا، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً». فَأَخَذَ هذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ، وَجَعَلَ شِقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقَّهُ."
الحيوانات المشقوقة هي طريقة الميثاق والدخول في عهد عند القبائل القديمة، فيقوم المتعاهدان بشق حيوان ويسيران وسطه كعلامة عهد وميثاق، وبمعنى ليشقني الله هكذا لو خالفت العهد. وهنا شق أبرام الحيوانات إلى نصفين ووضع كل شق منهم تجاه الآخر أما الطيور فلم يشقها بل وضع كل طائر تجاه الآخر (الحمامة واليمامة) [ لاحظ أن العهد بين الله والإنسان (العهد الجديد) كان بذبيحة المسيح] فهذه الرؤيا كشفت:-
(1) سر المسيح المصلوب.
(2) سر الكنيسة الخارجة من صلب أبرام.
وهذه الحيوانات لها تفسيرات متعددة:-
1)
هذه الذبائح تشير لذبيحة الصليب: (وراجع تفسير سفر اللاويين) فنوع واحد من الذبائح ما كان يكفي لشرح ذبيحة الصليب. فلقد تسببت الخطية في إحزان قلب الله:- أ) موت الإنسان حبيبه. ب) عدم طاعة الإنسان وهذا يعني عدم الثقة في الله الذي قال له "يوم تأكل تموت". وكان تعدد الذبائح ليعالج كلا المشكلتين. فهناك ذبائح المحرقة التي تشير لطاعة المسيح الذي أطاع حتى الموت، موت الصليب. وذبائح الخطية وذبائح الإثم ترمز لموت المسيح عن خطايانا فحصلنا على المغفرة ونلنا الحياة الأبدية. ويمكننا القول أن العجل يمثل ذبيحة المحرقة والمعزة تمثل ذبيحة الخطية والكبش يمثل ذبيحة الإثم. والطيور تمثل الكنيسة التي تحمل الصليب مع مسيحها، فاليمامة تمثل الكنيسة المنعزلة عن شرور العالم (راجع نش2: 12) ولكنها كنيسة مسبحة. فطائر اليمام يحب العزلة ولا يحب الزحمة وله هديل حزين، ربما يشير لبكاء التوبة الذي قال عنه سفر النشيد "حَوِّلي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني" (نش6: 5). والحمامة تمثل الكنيسة المملوءة بالروح القدس الذي يعزيها وسط ألامها، ويثبتها في المسيح:- أولًا في المعمودية، ثم بالتبكيت لو انفصلت عن المسيح بسبب الخطية. وأيضا بإعطائها المعونة لتثبت في المسيح (يو16: 8-11 + رو8: 26). أما رقم 3 = ثلاثية (هذه تعني أن عمر الحيوان يكون 3 سنوات). هذا الرقم 3 الموجود مع الحيوانات المذبوحة يشير لأن المسيح حقا مات على الصليب ولكنه قام في اليوم الثالث وأقام معه كنيسته. وقارن هذا مع ما رآه القديس يوحنا اللاهوتي عن شكل المسيح في رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). ويقول بولس الرسول "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أي جسده" (عب10: 19-20) فالمسيح هو الذبيحة الحية = المسيح فيه الصفتان الحياة والموت وقد احتفظ بكلاهما: مات بطبيعة آدم وقام بحياة أبدية.2)
البهائم والطيور المستخدمة هي من الطيور والحيوانات الطاهرة كما جاءت بعد ذلك في الشرائع اللاوية وهي المسموح بتقديم ذبائح منها وإذا فهمنا أن الذبائح كلها تشير للمسيح يمكن فهم أن تعدد الذبائح يشير لتعدد أوجه ذبيحة المسيح فالعجلة: تشير لذبيحة المحرقة، وذبيحة المحرقة تشير للطاعة التي كان الله يتمنى أن يراها في البشر، ولما عصيناه كبشر، أرسل المسيح الإنسان الكامل الذي أطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك نُحسب فيه كاملين (كو1: 28). لأنه أتى كعبد طائع صابر والمسيح أطاع حتى الموت بكل خضوع، بل أعطانا جسده طعامًا (الابن الضال ذبح له الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ). المسيح يجمعنا فيه لنكون أعضاء جسده الواحد، وبهذا الجسد يقدم الخضوع والطاعة لله (1كو15: 28). والعنزة: تشير للخاطئ [الجداء على اليسار (مت 33:25)]، والمسيح صار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. وصار ذبيحة خطية على الصليب ليرفع عنا خطيتنا. والكبش: كان يستخدم في ذبيحة الإثم. والمسيح صار ذبيحة إثم لأجلنا ليرفع عنا آثامنا (ذبيحة الخطية تتكلم عن الخطية الجدية التي ورثناها من آدم _ أما ذبيحة الإثم فتتكلم عن الخطايا التي نعملها بسبب طبيعتنا الساقطة التي ورثناها من أبونا آدم. والمسيح رفع عنا بصليبه كلا الخطية الجدية التي ورثناها من آدم وأيضا آثامنا التي نرتكبها). أما الطيور (اليمامة والحمامة) فيشيروا لأنه سماوي جاء من فوق ليفدي البشر. واليمامة تشير للعزلة والحزن ولم يكن ما يفوق محبة المسيح ولا أحزانه "نفسي حزينة حتى الموت". وهي تشير للطهارة أيضًا فبعض أنواعه لا يكون له إلا شريك واحد للتزاوج. والحمامة: تشير لحلول الروح القدس على جسد المسيح يوم المعمودية وذلك لحساب الكنيسة. لقد انسكب الروح القدس على المسيح رأس الكنيسة أولًا ثم على الكنيسة جسده (مز133).3)
أيضًا تشير الذبائح للمؤمنين: الذين يسلك بعضهم روحيًا والبعض جسديًا وسن الحيوانات 3 سنوات إشارة لإيمان المؤمنين بسر الثالوث القدوس ولقيامتهم مع المسيح. والجسديون يشير لهم الحيوانات، والروحيون يشير لهم الطيور. وشق الحيوانات يشير لأن الجسديون دائما منقسمون. أما الروحيون فلا ينقسموا، فهم لهم قلب واحد وروح واحد ومحبة واحدة. واليمام يمثل العزلة عن العالم الشرير، فهو لا يعود للمكان الذي نشأ فيه، ولا يتأقلم في المناخ الصعب (جوجل). والحمام يمثل الإمتلاء بالروح القدس الذي يثبت الكنيسة في المسيح. فالحمام دائمًا يعود إلى بيته، والروح القدس يعيدنا للمسيح لو ابتعدنا (عب3: 6). الجسديون المنقسمون على أنفسهم مثقلون بقيود الرذيلة الثقيلة، أما الروحيون فمرتفعون إلى الأعالي بأجنحة الفضيلة المتنوعة كما بجناحين.4)
يقول بولس الرسول "لأنهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ" (رو6: 5). فقوله بشبه موته يشير لأن المسيح مات موتا حقيقيا فيه انفصلت روحه الإنسانية عن جسده. أما نحن فبالمعمودية لا تنفصل أرواحنا عن أجسادنا، بل الذي يموت فينا هو إنساننا العتيق، أي شهواتنا الفاسدة. ومن يجاهد ليحافظ على إنسانه العتيق في حالة موت -وهذا ما نسميه الإماتة- تظهر فيه حياة المسيح (2كو4: 10-11 + غل5: 24). وكون أن أبرام كان يشق الحيوانات المذبوحة ولا يشق الطيور، فربما كان هذا إشارة لاختلاف طريقة موت المسيح عن طريقة موتنا. فالمسيح مات موتا حقيقيا على الصليب، انفصلت فيه روحه عن جسده. أما بالنسبة لنا فالمعمودية تميت فينا الإنسان العتيق فقط دون أن نموت موتا حقيقيا بانفصال الروح عن الجسد. والنعمة تعين من يحيا حياة الإماتة في أن يظل الإنسان العتيق في حالة موت. (لاحظ أن الذبائح المشقوقة تشير لذبيحة المسيح على الصليب، أما الطيور المذبوحة بدون أن تشق فهي تشير للكنيسة التي تصلب الجسد، الأهواء مع الشهوات (غل5: 24). وتقدم الجسد ذبيحة حية .. (رو12: 1).5)
قبول الكنيسة الصلب مع مسيحها أشارت له نبوة يعقوب لابنه يهوذا "يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ، مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ٱبْنِي، جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ" (تك49: 9).وهذه الآراء
أن الذبائح تشير: للمسيح المصلوب والقائم من الأموات، والكنيسة التي تصلب الجسد مع الأهواء والشهوات، تشير إلى الرد على سؤال أبرام "كيف يرث" والرد بالمسيح المصلوب والكنيسة المتألمة والمجاهدة التي تحيا حياة الإماتة كطريق للمجد.الميراث:-
آية 11: "فَنَزَلَتِ الْجَوَارِحُ عَلَى الْجُثَثِ، وَكَانَ أَبْرَامُ يَزْجُرُهَا."
الطيور الجارحة تمثل أرواح الهواء النجسة التي تطلب ما لنفسها خلال انشقاقات الجسديين. وإبرام يشير للنفس الروحية اليقظة التي لا تستطيع أن تمنع الطيور الجارحة من أن تحوم حولها، لكنه يقدر أن يمنعها من أن تستقر عنده أو تخطف شيئًا من عندياته. وهذا ما أكده أباء الكنيسة أن المؤمن الحي لا يقدر ان يمنع حرب الخطايا من مهاجمته لكنها إذ تجد إنسانًا يقظًا لا تقدر أن تدخل إليه أو تتسلل إلى فكره أو قلبه. وإبرام هنا طلب علامة. فطلب منه الله شق الذبائح وانتظر إبرام علامة فلم تظهر بل هاجمت الجوارح الذبائح (الذبائح تشير للمؤمن كذبيحة روحية حية) فصار أبرام يبعدها النهار كله، وهذا يشير للحرب التي يشنها الشيطان رئيس سلطان الهواء ضد الكنيسة كل الأيام ، وهذا يشير أيضا إلى أنه يجب علينا أن نسهر على ذبائحنا الروحية وننتظر إعلانات الله وعلينا أن ننتظرها بصبر وهي بالتأكيد ستأتي. ولكن علينا أن ننتظر في يقظة تحقيق وعود الله. وقد تشير هذه الجوارح للشعوب المناوئة لإسرائيل مثل بابل وأشور وغيرها. ولنلاحظ أنه لا بُد من حروب عدو الخير ضد شعب الله ولا أحد يكلل إن لم يجاهد قانونيًا (أف 12:6). ويظل المؤمن في جهاده وتقديم نفسه ذبيحة حية العمر كله، وسيظل أيضًا في حرب فكرية من الشيطان وعليه أن يقاومها باسم المسيح طوال اليوم.
آية 12: "وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ."
أوقع الله على إبرام سباتًا مثل الذي أوقعه على آدم، فالله أغلق أبواب الجسد ليعطي الروح فرصة لتتأمل الأِشياء الروحية. وإذا رعبة مظلمة عظيمة واقعة عليه: وهذه تشير إلى:-
1. لقد رأى ثمر الخطية في حياة الإنسان، كيف تستعبده وتفسده. وسمع عن أن نسله سيكون مستعبدًا 400 سنة. هي صورة مؤلمة للنفس التي تسقط تحت الخطية فتصير في عبودية فرعون الطاغي ومذلته. وتشير للثمن الذي سيدفعه المسيح لخلاصنا. وتشير للضيق العظيم في نهاية الأزمنة بسبب الخطية (مت 21:24).
2. ما حدث مع إبرام هنا يشير إلى عمل السيد المسيح الخلاصي فقبيل غروب الشمس، في ملء الزمان، وقع على الرب سبات، إذ أسلم الروح على الصليب، معلنًا مرارة الخطية التي أحدرتنا إلى الجحيم ونزلت بنا إلى العبودية زمانًا.
3. الرعب ناشئ عن احتجاب وجه الرب بسبب الخطية وهذا ما ستختبره ذرية أبرام إلى حين. وهذا كرمز لما حدث للجنس البشري إذ أخضعت الخليقة للبطل.. ولكن على رجاء" (رو8: 20).
آية 13: "فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ."
فيذلونهم 400 سنة:
يذكر سفر الخروج في (خر 40:12) أن إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر كانت 430 سنة وغالبًا فإن مصر تشير للغربة والعبودية. وبالمفهوم الرمزي تصبح مدة الـ430 سنة هي منذ دعوة الله لإبرام بالخروج من أور حتى خروج الشعب من أرض مصر. وتكون مدة 400 سنة هي من بدء اضطهاد إسماعيل لإسحق حتى خروج الشعب من أرض مصر لذلك قال هنا فيذلونهم مع تحديد المدة بـ400 سنة. أما بقاء الشعب في مصر فكانت مدته حوالي 210 سنة وتحسب المدد كالتالي:-
1. المدة من دعوة الله لإبرام وهو في ما بين النهرين في أور إلى خروجه من حاران كانت 5-15 سنة ولنقل أنها 5 سنين.
2. المدة من تَرْك حاران ودخوله كنعان إلى ولادة اسحق 25 سنة، لأنه ترك حاران وعمره 75 سنة، وولد إسحق وعمره 100 سنة (تك 12: 4؛ 21: 5).
3. من ولادة اسحق إلى ولادة يعقوب 60 سنة (تك 26:25).
4. من ولادة يعقوب حتى دخوله إلى أرض مصر مع بنيه 130 سنة (تك 1:47) وبذلك تكون مدة التغرب في كنعان: 5+ 25+60+130=220 سنة.
وتصبح مدة الإقامة في مصر: 430 -220: 210.
وحينما قال أن مدة تَغَرُّبهم في مصر 400 سنة فهي إطلاق الجزء على الكل باعتبار أن فترة إقامتهم في مصر كانت الجزء الأعظم أهمية في تاريخ تغربهم أو نقل أن فترة وجودهم في مصر هي التي تمثل عبوديتهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وفترة وجود إبراهيم وإسحق ويعقوب في كنعان هي فترة تغرب ولم يكن قد أتى بعد فترة الميراث أي كانوا ما زالوا لم يمتلكوا الأرض بعد، وكانوا في هذه الفترة رحل في خيام (عب 9:11). وبهذا المفهوم قالت الترجمة السبعينية ان فترة إقامتهم في مصر وكنعان كانت 430 سنة. فالسبعينية أضافت كنعان على مصر كحاشية توضيحية. وهكذا فهمها بولس الرسول "وإنما أقول هذا أن الناموس الذي صار بعد 430 سنة لا ينسخ عهدًا قد سبق فتمكن من الله نحو المسيح حتى يبطل الموعد" (غل3: 17). فهو اعتبر أن الـ430 سنة بدأت بوعد الله لإبرام حتى خروج الشعب من مصر وحصولهم على الناموس. ولنلاحظ قول الله نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم: (كنعان ومصر) ويستعبدون لهم هذه تمت في مصر. والله لم يكشف اسم مصر لسببين:
1. في أن الغربة شاملة مصر وكنعان في أيام إبراهيم وإسحق ويعقوب.
2. حتى لا يرفض يعقوب ونسله النزول إلى مصر.
3. نسل إبراهيم روحيًّا هم نحن المسيحيين الذين لنا نفس إيمان أبونا إبراهيم (رو4 : 16 ، 17). ونحن الآن متغربين في هذا العالم. وكنا قبل المسيح مستعبدين من الشيطان حتى حررنا المسيح بصليبه. فموضوع غربة أولاد إبراهيم هو أشمل بكثير من غربة نسل إبراهيم في مصر وكنعان.
تسلسل الآيات
الآيات (4-7):- الله يُعْطِي إبراهيم وعدًا بأن نسله بالجسد يرث كنعان الأرضية = والمسيح نسل إبراهيم بالجسد سيرث الكنيسة التي من اليهود نسل إبراهيم بالجسد الذين يؤمنون بالمسيح، وأيضًا الأمم أبناء إبراهيم بالإيمان. والكنيسة ميراث المسيح يكون نصيبها كنعان السماوية.
الآية (8):- إبراهيم يسأل عن الطريقة التي بها يرث أبناءه كنعان الأرضية. والله يجيب عن الطريقة التي بها يرث المسيح المؤمنين من أبناء إبراهيم كنعان السماوية.
الآيات (9-10):- الله يدخل في عهد مع إبراهيم أن هذا سيتم. ويكشف لإبراهيم سر ذبيحة الصليب، والكنيسة حاملة الصليب وراء مسيحها كطريق لوراثة كنعان.
الآية (11):- الشيطان لن يكف عن مقاومة هذه الكنيسة وعلينا أن نقاومه العمر كله.
الآية (12):- كان السبات الذي وقع على إبراهيم رمزًا لموت المسيح على الصليب. موت المسيح على الصليب هو بداية الصلح بين الله والبشر (رو5: 10). وكان هذا الصلح الذي تم هو المدخل لحياة الكنيسة أبناء إبراهيم في كنعان السماوية.
الآية (13):- إلا أنه سيكون هناك مدة يقضيها الشعب في العبودية (400 سنة) قبل أن يرثوا الأرض. رمزًا للفترة التي نقضيها الآن على الأرض في جهادنا ضد حروب الشياطين قبل أن نرث كنعان السماوية.
آية 14: "ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا، وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ."
هناك خطة سمح بها الله للخلاص فنحن استعبدنا ووقعنا تحت الآلام والضيق نتيجة للخطية. وغربة الشعب (400 سنة) إشارة لغربتنا في هذا العالم. وهكذا كنا قبل المسيح في عبودية. وكما اضطهد إسماعيل إسحق واضطهد المصريين شعب الله بل كانوا يقتلون أولادهم (هذا إشارة لأعمال إبليس الذي كان قتالًا للناس منذ البدء) هكذا الكنيسة لا بُد وأن تقع في ضيق يصل إلى ذروته في نهاية العالم مرورًا بعصور استشهاد. والله سمح بل رتب أنه من خلال الآلام نتطهر ونتنقَّى ونستعد للأمجاد، بل كان أن الله قد أخضع الخليقة للبطل (رو8: 20) للتأديب وراجع تفسير الآية (1كو5: 5). ومن يتألم معه يتمجد معه (رو 17:8) + (لو 26:24).
الأمة التي يستعبدون لها أنا أدينها: هذا ما حدث خلال الضربات العشر ضد فرعون ورجاله ثم بشق البحر وغرق جنوده. وهذا رمز لدينونة إبليس في بحيرة النار (رؤ 20:19). وهذه الدينونة بدأت بالصليب.
بعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة : الشعب خرج من مصر محملًا بعطايا كثيرة. والرب يسوع الراقد على الصليب إذ ينزل إلى الجحيم يحملنا على كتفيه ويخرج بنا كما بأملاك جزيلة. حاملًا غناه، وواهبًا إيانا غنى الروح، حتى متى جاء غروب العالم وانقضاء الدهر يعلن خلاص أجسادنا. وبحسب وعده نكون معه في عرشه إلى الأبد (رؤ3: 21) وتتغير صورتنا الوضيعة إلى صورة جسد مجده (فى3: 21).
ويمكننا القول أن فترة الـ400 سنة وهي تساوى 4 × 100 ورقم 4 هو رقم العمومية ورقم 100 يشير لقطيع المسيح، وبهذا تكون فترة الذل والعبودية وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ (الآية 13) هي فترة الخضوع للبطل لأجل التأديب لكل قطيع المسيح، وهذا التأديب لازم جدًا بسبب الخطية الأصلية التي ورثناها وهي التمرد على وصايا الله. والذي يحبه الرب يؤدبه (عب12: 4 - 11). فالله يتركنا للتأديب ليضمن لنا ميراثا سماويًّا. ولأن رقم 400 هنا هو للإشارة إلى زمن فيكون المعنى أننا هنا على الأرض نحن في زمن التأديب والإعداد.
آية 15: "وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ."
هذه تشير إلى خلود النفس حيث تجتمع نفس إبرام مع نفوس آبائه. لأن جسد إبراهيم دفن في كنعان في مغارة المكفيلة بينما دفن آبائه في أراض ما بين النهرين. والمعنى أنه يا إبراهيم قبل يوم الرب العظيم الذي يتمجد فيه أبناء الله بالأملاك الجزيلة أي الفرح والمجد الأبدي (ميراث السماء)، هناك فترة راحة للنفوس في الفردوس ترتاح فيها مع آبائك.
آية 16: "وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلًا»."
في الجيل الرابع: ربما المقصود 4×100: 400 سنة فيكون الجيل 100 سنة. ولكن هذه الآية تحدد غالبًا الأجيال التي عاشت في مصر وكانت ثلاثة أجيال وقد خرج من مصر الجيل الرابع فقد دخل لاوي (الجيل الأول) وخرج موسى (الجيل الرابع).
خر 16:6-20
لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا: الأموريين هم أشهر شعوب الكنعانيين ومن أشرهم. والله يتركهم هذه المدة دون عقاب:-
أ) لعل طول أناته تقتادهم إلى التوبة.
ب) حتى تكون خطاياهم شاهدة عليهم.
ج) الله يطيل أناته ويعطي فرص كثيرة للتوبة ولكن لزمن يحدده هو، وبعده تأتي الضربات (رؤ2: 21، 22) "وأعطيتها زمًانا لكي تتوب عن زناها ولم تتب. ها أنا ألقيها..." .
د) نرى هنا عدل الله وطريقته في العقاب. فنلاحظ في قصة سدوم وعمورة أن الله لم يهلك المدينتين إلا بعد إخراج لوط وعائلته. وبحسب وعده لو كان هناك عشرة أبرار لترك المدينتين. وأنقذ نوح وعائلته قبل الطوفان. وهنا فهو لا يعاقب أهل كنعان حتى يكتمل ذنبهم وبعد أن أعطاهم فرصا للتوبة وأطال أناته عليهم سنينًا طويلة.
وكون أن الله يسمح بأن اليهود يضربوهم فهذا بسبب ذنوبهم وكان ذلك حينما امتلأ كأسهم. ولاحظ أن سدوم وعمورة كانوا أكثر شرًا فلم يمهلهم الله، وكان كأسهم قد امتلأ أسرع وصاروا ناضجين للخراب وذنبهم كاملًا فأحرقهم الله. والله يستخدم شعب ليؤدب شعبًا آخر، وقد إستخدم الله مثلًا الشعوب المجاورة لإسرائيل لتأديب إسرائيل.
ولماذا كان عقاب أهل كنعان بيد بني إسرائيل؟
1. ليكون هذا عبرة لشعب إسرائيل أن هذه نهاية خطاياهم، إذًا فعليهم أن يخافوا من تكرارها. فلما فعلوا نفس الخطايا كانت عقوبتهم مماثلة لعقوبة أهل كنعان.
2. كان هذا رمزًا لانتصار أبناء الله (الكنيسة) في شخص المسيح (يشوع).
آية 17: "ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَارَتِ الْعَتَمَةُ، وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ."
تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ: تنور الدخان يشير للغموض الذي كان يكتنف أحداث الخلاص في العهد القديم ، ولإبراهيم يشير لأنه ليس من السهل أن يفهم معنى الرؤيا أو الأحداث التي أعلنها الله له هنا، ويشير للدخان المتصاعد من ذبيحة المحرقة فالمسيح المخلص قدم نفسه ذبيحة محرقة عنا، ويشير لألام الشعب في عبوديتهم في مصر ولألام الكنيسة فكما تألم المسيح ستتألم كنيسته، وللآن فكثيرين لا يفهمون لماذا يتألمون، بينما أن هذا الألم هو لخلاص نفوسهم وهذا أيضًا معنى الدخان. ومصباح النار يعلن حضور الله ولقيادته لشعبه فهو كان لهم كعمود نار يقودهم في برية هذا العالم (كما قاد إسرائيل في برية سيناء) والآن يقودنا بكلمته المقدسة وبروحه القدوس الذي حل على تلاميذه كألسنة نار. ويقول القديس بولس الرسول "إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29). وهو ظهر لموسى في العليقة كنار" والله لنا في حمايته كسور من نار ومجدًا في وسطنا (زك 5:2+ زك 6:12) إذن فهذا المصباح يشير للخلاص الإلهي وسط الضيقات وكما تتألم الكنيسة معه هكذا تتمجد معه. ونشرق كمصباح منير بعد نهاية هذا العالم وسط ظلمة ودخان الدينونة (أش 1:62) .
وقد جرت العادة في المعاهدات التي من هذا النوع أن يجوز الطرفان وسط الذبائح ولكن نجد أن إبرام لم يُدْع للاجتياز بين القطع فلا تعهد من قبله بل المصباح وحده يجوز بين القطع إعلانًا أن الله هو الذي يتعهد أن يتم عمله كاملًا بواسطة صليب ابنه. وإبنه الذي قدم ذبيحة (الحيوانات المشقوقة) وهو السماوي (اليمامة والحمامة) وهو نور العالم (مصباح نار) وكانت ألامه رهيبة كذبيحة محرقة (الدخان). وما كان على إبرام ومن صار من أولاده المؤمنين سوى أن يزجر الطيور الجارحة وأن يجاهد في رفض الأفكار الشريرة. ولنلاحظ أن الروح القدس الناري الذي حصلنا عليه يعطينا معونة وإستنارة. وإذا قال الله لنا أن هناك آلام فلنذكر أنه بحسب وعده علينا أن نصبر، فسنخرج من العالم بأملاك جزيلة. هذا معنى أن يجوز المصباح وسط القطع. فلنشكر الله على هذا الوعد وهذا الحب، الذي به يُعِدَّنا الله للميراث السماوي.
آية 18: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ."
من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات: تم هذا فعلًا أيام سليمان الذي امتدت مملكته من حدود مصر إلى الأراضي الواقعة عند الفرات ولكن حينما حنث في وعده وتزوج أجنبيات وبخر لأوثانهن شق الله مملكته. وعن نهر مصر يقال أنه كان هناك فرع للنيل يمر قرب السويس وحتى شرق العريش وكان يقصد بسهل العريش وادي النيل.
* ونرى في هذه الآيات من سفر إشعياء (إش 23:19-25) صورة للإيمان القوي في
نهاية الأيام الذي يُعِدُّه الله في هذه المنطقة ليشهد المؤمنين للعالم كله
بزيف حقيقة ضد المسيح: إيمان قوي *لشعب المسيح في مصر. *وفي أشور. *بل وفي
وسط إسرائيل نفسها حينما يؤمن الشعب اليهودي بالمسيح مخلصًا، بل سيكون لهذه
الشعوب الثلاثة دور هو بركة للعالم، فهم سيعلنوا للعالم حقيقة
ضد المسيح
الذي سيضل العالم (رجاء الرجوع لتفسير إشعياء 19)
.
آية 19: "الْقِينِيِّينَ
وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ". الآيات (20-21):-
"وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ
وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ
وَالْيَبُوسِيِّينَ»."
الميثاق بين الله وإبرام كان يحمل جانبين متكاملين:-
1.
تمتع أولاد إبراهيم
بالأرض: تمتع شعب المسيح بميراث السماء.
2.
طرد الأمم الوثنية من
الأرض: دينونة إبليس وطرده لشروره.
وقد تم تحديد الشعوب بعشر شعوب:
1.
رقم 10 يشير للوصايا
وهذه الشعوب أدمنت كسر الوصايا العشر.
2.
قال بعض الآباء أنها
تشير للخطايا العظيمة [النهم والزنا ومحبة المال والغضب والغم والفتور
الروحي وحب الظهور والكبرياء وعبادة الأوثان والتجديف]. وهذه هي خطايا
الشعوب التي طردها الله أمامهم.
3.
حينما يحدد الله
الشعوب التي يطردونها عند دخولهم للأرض فالله يحدد لهم الأرض التي
يأخذونها فلا يحاربون شعوبًا أخرى.
4.
الأرض التي حددها
الله محصورة بين نهرين خصيبين هما النيل والفرات، بمعنى أن عطايا الله
كلها خيرات والنهر يشير للخير ولعطايا الروح القدس، لذلك نجد في أورشليم
السماوية نهرًا (رؤ 1:22) وكان في الجنة نهرًا (تك 10:2).
يستند اليهود على الوعد المذكور هنا في الآية (تك 18:15) ويقولون أن الله
أعطاهم وعدًا بأن الأرض من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر هي
لهم. وهذا غير صحيح. ولنا عليه عدة تعليقات لأن اليهود كعادتهم يخدعون
البسطاء وغير الدارسين.
1. الوعد لم يقل من نهر النيل أبداً... بل من نهر مصر. وهذا النهر المقصود به
هو نهير صغير موسمي في سهل العريش وهو يمتلئ بمياه السهول والأمطار، وتجده
في خرائط كثيرة كفاصل للحدود بين مصر وإسرائيل. ولقد ورد نهر النيل بإسمه
10 مرات في الكتاب المقدس. والمسافة بين نهر النيل ونهر مصر تقريباً 280
كم. وفي العبرية كلمة النيل مختلفة عن كلمة نهر.
2. لاحظ أن الله على فم يشوع حدد لهم حدودهم الجنوبية بأنها عند وادي مصر
"وعَبَرَ إِلَى عَصْمُونَ وَخَرَجَ إِلَى وَادِي مِصْرَ" (يش4:15). وحدد
الله لهم حدودهم الشمالية عند مدخل حماة (عد8:34) ولم يُدخِل الله حماة
السورية داخل الأرض الموعود بها. أي أن حدودهم التي حددها الله لهم هي حدود
مصر جنوبا وسوريا
شمالا، ولم يُدخِل الله أبداً مصر أو
سوريا أو العراق أو الأردن أو لبنان (فلم يقل الله أن
الفينيقيين من الشعوب التي يستولون عليها) داخل أرض الميعاد. والله منعهم
أن يقتربوا أو يستولوا على موآب "لاَ تُعَادِ مُوآبَ.. لاَ أُعْطِيكَ
مِنْ أَرْضِهِمْ مِيرَاثًا"
(تث9:2) أو عمون (عمان اليوم) "لا أعطيك من أرض بني عمون ميراثاً" (تث19:2)
أو أدوم "لا أعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم" (تث5:2). الله هو الذي يعطى
للشعوب أراضيهم ويحافظ عليها لو أطاعوا وصاياه. إذاً لم يعطهم الأردن (تشمل
موآب وبني عمون وأدوم) كأرض موعد. وقد خضعت موآب وبني عمون وأدوم بعض الوقت
لإسرائيل ولكن كان هذا وضع مؤقت. فصارت حدود أرض الموعد شرقاً هي حدود موآب
وبني عمون وأدوم. أما حدودهم الغربية فهي البحر الكبير: البحر المتوسط
"وَأَمَّا تُخْمُ ٱلْغَرْبِ فَيَكُونُ ٱلْبَحْرُ ٱلْكَبِيرُ لَكُمْ تُخْمًا.
هَذَا يَكُونُ لَكُمْ تُخْمُ ٱلْغَرْبِ" (عد6:34).
3. النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ المقصود هو الجزء الذي يمر في
سوريا وليس العراق. فنهر الفرات يبدأ من مرتفعات
الأناضول في تركيا ويمر جزء كبير منه في أراضي تركيا ثم ينحدر إلى
سوريا ويمر بعد
سوريا إلى العراق ليتحد بنهر دجلة ويصب كلاهما في الخليج
العربي أو ما يسمى بالخليج الفارسي. وطول نهر الفرات 2940كم. لذلك لا
يستقيم الكلام أن يقال عن الفرات النهر الكبير لو كلن المقصود بنهر مصر هو
نهر النيل، فنهر النيل طوله 6650كم. إذاً بالمقارنة يكون النهر المقصود
بقوله نهر مصر هو النهير الموسمي الصغير الموجود على حدود مصر.
4. في معركة كركميش بين نبوخذنصر ونخو ملك مصر، قيل أن "نخو صعد ليحارب عند
الفرات" (2أخ20:35). ونخو كان ذاهبا ليحارب نبوخذنصر في كركميش التي في
الشمال. وتدخل يوشيا بلا معنى ليحارب نخو. المهم أن الكتاب قال أنه صعد إلى
الفرات شمالا ولم يتجه إلى الفرات الذي في العراق شرقاً. ونفهم من هذا أن
نهر الفرات المقصود في وعد الله لإبراهيم كان النهر الموجود في
سوريا.
5. هم كانوا فعلاً في مصر أكثر من 200 سنة، وكانوا في العراق أيام السبي في
أرض الميعاد. فلماذا أخرجهم الرب من مصر ومن العراق لو كانت مصر والعراق
أرض موعد لهم. لاحظ قول الله لإبراهيم (الآية13) فَقَالَ لأَبْرَامَ:
«اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ
لَهُمْ إذاً الله إعتبر أنهم سيكونون في مصر غرباء، ولم يقل الله أنها أرض
موعودة لهم بل سيكونون فيها غرباء. وهكذا قيل في المزمور "عَلَى أَنْهَارِ
بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا
صِهْيَوْنَ ... كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ
غَرِيبَةٍ" (مز137: 1-4) إذاً المرنم يعلم أنهم في العراق أنها أرض غريبة
وليست الأرض الموعود بها لهم.
6. هذه المملكة تحققت فعلاً في أيام سليمان "وَكَانَ سُلَيْمَانُ
مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ ٱلْمَمَالِكِ مِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَرْضِ
فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ" (1مل 21:4) إذاً هذه النبوة قد تمت
فعلاً. ولاحظ في (يش21: 44،43) أن الرب أعطاهم الأرض وأراحهم داخل الأرض
التي وعدهم بها ولم يذكر أنه أعطاهم مصر أو
سوريا أو لبنان أو الأردن أو العراق أو فلسطين. وعد الله
تم بدون دخولهم إلى كل هذه الأمم.
7. في الآيات (تك 20،19:15) لم يذكر اسم المصريين ولا السوريين ولا
العراقيين ولا الفينيقيين (لبنان) بل ولا الفلسطينيين ضمن الشعوب التي
سيخضعها اليهود لهم. بل ذكر الشعوب الكنعانية فقط التي يعاقبها الله بسبب
خطاياهم البشعة.
8.
هذه الآية (تك 18:15) لها تطبيق روحي جميل يتمشى مع (إش 23:19-25) وهو أنه
في الأيام الأخيرة سيكون هناك إيمان قوي لمسيحيي مصر وسوريا
بالإضافة
لليهود في إسرائيل الذين سيؤمنون بالمسيح في نهاية الأيام، وهؤلاء المؤمنين
الأقوياء لهم عمل هام، هو أن يكشفوا خداع الوحش (ضد المسيح)
لكل العالم، (راجع
تفسير (إش19)).
هؤلاء المؤمنون الأقوياء هم أولاد إبراهيم بالإيمان، فإيمانهم يشابه إيمان
إبراهيم، سواء كانوا من أصل يهودي (اليهود الذين آمنوا) أو من أصل أممي.
فبعد الإيمان بالمسيح لا نقول يهودي وأممي بل مسيحي مؤمن بالمسيح. وهذا
معنى أن نسل إبراهيم سيرثوا هذه الأرض من الفرات إلى نهر مصر.
9.
لماذا لم يقل نهر النيل وقال نهر مصر؟ ذكر اسم مصر المقصود به مصر، لذلك لم
يقل نهر النيل. فأولاد إبراهيم الذين لهم إيمان قوي مشابه لإيمان إبراهيم
سيكونون موجودين في مصر / وأشور (سوريا
وشمال العراق) / وإسرائيل. وهؤلاء
يُعِدَهُّم الله ليشهدوا له أيام ضد المسيح. وفي آية البركة هذه يذكر مصر
وأشور وإسرائيل كشعوب مستقلة ولكن متحدة الإيمان بالمسيح.
10.
ملحوظة: يوجد في إسرائيل الآن مئات الألوف من اليهود الذين آمنوا بالمسيح
وأتوا من أمريكا وأوروبا واعتمدوا في نهر الأردن ويطلقوا على أنفسهم اليهود الماسيانيين Messianic Jews.
لاحظ أن الله لم يعطهم أرض فلسطين ولا مصر ولا العراق.
ولكن خداع اليهود أنهم يستخدمون هذه الآيات قائلين أن الله أعطاهم وعدا
بأرض تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات. مرة أخرى من نهر مصر تعني الفرع
الذي كان موجودًا شرق العريش. ونهر الفرات يعني الفرات الموجود في
سوريا.
وهذا الوعد قد تحقق أيام سليمان.
ادعاء
أن الله وعد اليهود بأن لهم الأرض من النيل للفرات
← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير التكوين 16 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير التكوين 14 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/mxg5tn4