← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
الإصحاح الأول نجد فيه صلة الله بالكون عمومًا. أما في الإصحاح الثاني فنجد فيه صلة الله المحب بالإنسان بصفة خاصة. هو إصحاح الروابط الحلوة:
1. نشأة الإنسان وعلاقته بالله.
2. راحة الله هي في راحة الإنسان (راجع إش63: 8 + إش65: 17 – 19).
3. علاقة الإنسان بالأرض (الله ينبت زرعًا في جنة لأجل الإنسان).
4. الإنسان يعمل بلذة وفرح في الجنة. فالله خلق الإنسان ليفرح (عَدْنْ = فرح) والله شريكًا للإنسان في العمل فنجد أن الله هو الذي غرس جنة ليحيا فيها آدم، وآدم يعمل لكي يحفظ هذه الجنة.
5. علاقة الإنسان بالحيوان (آدم له سلطان على كل شيء) = إعطاء الأسماء.
6. علاقة الزواج (الله يؤسس سر الزيجة) هنا نجد علاقة المحبة التي تربط الإنسان بالإنسان.
7. وراء كل هذا نجد الله المحب الذي خلق كل هذه الخليقة من أجل الإنسان.
8. ولكن نجد هناك وصية لآدم حتى يكون له الحق أن يستمتع بكل هذا، ففي مقابل الحرية هناك وصية.
آية 1: "فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا."
أكملت: المعنى أن بعد اليوم السادس لم يعد الله يخلق أجناسًا جديدة، بل هو يخلق من نفس الأجناس التي سبق فخلقها وهو يحافظ على خليقته وهذا معنى "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 17:5). فهو يحفظ الخليقة حتى لا تهلك والكواكب في مداراتها.
جندها: الجند في العبرية صبا، وجمع صبا صباؤوت ومعناها جمهور أو جيش عرمرم. وفهمها الوثنيون على الكواكب التي عبدوها. وجاء اليهود وقالوا أن الله ليس هو رب الكواكب فقط بل رب الملائكة والبشر وكل الخليقة. الخليقة كلها كجنود تحت أمره. فقالوا أن الله يسمَّى لذلك رب الصباؤوت أي رب الجنود. والجنود تطلق على الملائكة وعلى شعب الله الذي على الأرض وعلى أفلاك السماء وكواكبها (2 أي 18:18 + أش 12:45 + مز 6:33) فالأولى تشير لجيش الملائكة والثانية تشير لأجرام السماء وقوات الأرض والثالثة تشير لكل المخلوقات. ويكون المقصود من الآية أن الله خلق كل شيء حسب جنسه ونظامه وترتيبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). السموات غير المنظورة بملائكتها والسموات المنظورة بنجومها والأرض وما عليها بكل زينتها. ولكن لماذا التسمية جنود؟! فالكواكب لنظامها البديع هي كجيش منظم وهي كثيرة جدًا مثل الجيش لكن كل كوكب يعرف مكانه وهو تحت رياسة تضبطه وتضبط تحركاته. فالله ضابط الكل والكنيسة سميت أنها مرهبة كجيش بألوية (نش 4:6).
الآيات2، 3: "وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا."
أكمل الله خليقته في اليوم السادس ورأى ذلك أنه حسن جدًا. والتطابق عجيب ففي اليوم السادس بل في الساعة السادسة أكمل الله فداء البشرية قائلًا على الصليب "قد أُكْمِل" فبالصليب تم الصلح مع الله، وبالقيامة أخذنا الحياة (رو5: 10). وبالمعمودية التي أخذت قوتها من الصليب أعيدت خلقتنا من جديد، ولنا حياة المسيح نخلص بها.
ومعنى أن الله يستريح في اليوم السابع أي هو يفرح ويسر بالإنسان موضع حبه وحينما سقط الإنسان وفسدت طبيعته جدده الله روحيًا وفتح له باب السماء، في خلال اليوم السابع
(الذي بدأ بعد سقوط آدم في الخطية، وينتهي بمجيء المسيح الثاني، فآدم سقط في اليوم السادس وفي الساعة السادسة)، ففي خلال اليوم السابع (في منتصف اليوم السابع) كان الفداء الذي به أنهى الله أعماله كلها للإنسان، وإستراح الله لأنه قدم للإنسان طريق السماء. وراحة الإنسان الحقيقية أنه يكتشف أنه ليس ترابًا فقط فيكون كل اهتمامه للعالم، بل هو خليقة روحية لا يستريح سوى في الله ومع الله، بل هو يقضي فترة خاطفة على الأرض ويكمل بعد ذلك حياته الأبدية في السماء في حضن الله. وحتى يطبع الله هذه المفاهيم في الإنسان نرى الله يطلب من الإنسان أن لا يعمل يوم السبت بل يخصصه لله وللعبادة وهذا معنى قوله وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ = فكلمة قدَّسَه أي صار مخصصًا ومكرسًا لله، لا عمل لنا فيه سوى الاتصال بالله وتسبيحه وخدمته . فالإنسان كجسد لا بُد أن يعمل وهذا هو ما طلبه الله من آدم وترك له ستة أيام يعمل فيها . وحتى لا ينسى الإنسان أنه ينتمي للسماء وليس للأرض، ولأن الإنسان كروح لن يرتاح وتكون له راحة إلا في الله، طلب الله من الإنسان أن يقدس يوما لله. وعلاقتنا بالله في الصلاة والتسبيح تجعلنا نشعر بأننا ننتمي للسماء وليس الأرض.فاستراح:
في العبرية لا تعني الكف عن العمل بل الراحة والاستقرار والرضى لأن الله لا يكل ولا يعيا. و(راجع مز 31:104 + صف 17:3) لترى أن الله يفرح وَيُسَر بأعماله. وما يتعب الله خطايانا (أش 24:43 + مل2: 17). والإنسان كان سيظل في راحة لو لم يخطئ. لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلَامُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ ٱلْبَحْرِ (إش48: 18). ولكن الخطية والموت الذي استتبعها كانا شيئًا عابرًا وبعده ستعود الراحة. لذلك يعيش الإنسان مدة حياته على الأرض يعمل ويشقَى ويتعب (رمزيًا مدة عمر الإنسان 6 أيام) وبعد الستة الأيام يذهب الإنسان للفردوس حتى يرتاح. وصارت راحة الله في إتحادنا بالمسيح القائم، وراحة الإنسان في المسيح القائم، لذلك استبدلت الكنيسة يوم السبت بيوم الأحد يوم القيامة. وصار هذا اليوم هو راحة للجسد من التعب واهتمامات العالم لترتاح الروح في علاقتها بالله. فراحة الله= راحة الذين يستريحون في الله.
آية 4: "هذِهِ مَبَادِئُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ، يَوْمَ عَمِلَ الرَّبُّ الإِلهُ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ."
هذه مبادئ:
بالعبرية جاءت الكلمة توليدوت وترجمت بالإنجليزية Generations وبالعربية مبادئ فعمليات الخلق الجديدة تعتبر إنتاجًا للأجناس وتشبه بعمليات الولادة.
الرب الإله:
لأن الإصحاح الأول كان يتكلم عن علاقة الله بالعالم وأنه الخالق الجبار استخدم لفظ إلوهيم= الإله بمعنى صاحب القوة أو الكلي القدرة والقوة. ولكن في هذا الإصحاح الذي يكلمنا عن الله المحب الذي هو كل شيء للإنسان وصنع كل شيء لأجل الإنسان الذي يحبه فنجد هنا الكتاب يحدثنا عن الله باسم يهوه إلوهيم أي الرب الإله وهذه أول مرة يستخدم الكتاب اللفظ يهوه. واسم يهوه من الفعل العبري "هوا" أو "هيا" بمعنى "كان"، إذًا "يهوه" معناها "الكائن". والله عرَّف موسى المعنى بقوله "أهية الذي أهية": أكون الذي أكون والمعنى أن الله هو الواجب الوجود بذاته ولا يعتمد على أحد في وجوده هو أزلي وأبدي، هو الذي كان والكائن الآن وإلى الأبد. ولماذا استخدم الكتاب هذا الاسم في هذا الأصحاح؟ لأن الله يعلن للإنسان الذي يحبه أنه هو له (أي للإنسان) كل شيء، هو يعلن ذاته للمؤمنين به بالنعمة والمحبة وهو الذي فيه كل احتياجات البشر.
يهوه = I am = أنا أكون.. أكون كل شيء لأحبائي لذلك نرى اسم الرب يأتي هنا في إصحاح حب الله لآدم. لفظ الله يشير لسيادة الله على كل الخليقة ولكن لفظ يهوه (الرب) تشير لعلاقة الله بخاصته أي الإنسان الذي أحبه وخلق كل شيء لأجله.
"هو حياتنا كلنا خلاصنا كلنا رجاؤنا كلنا وقيامتنا كلنا" (أوشية الإنجيل).
واليهود لم يكونوا يستعملون اسم يهوه لخوفهم من الاسم ، فاستعملوا بدلا منه لفظ أدوناي أي السيد أو الرب وبالإنجليزية The Lord وباليونانية كيريوس κύριος. ويرى الآباء أن وصية حفظ السبت والتي تعني في العبرية "الراحة" إنما هي رمز للثبوت في المسيح بكونه راحة الآب، فيه يجد لذته من جهتنا، وراحتنا نحن، إذ فيه ندخل إلى حضن الآب. وكأن السيد المسيح نفسه هو سبتنا الحقيقي. هذا هو سر اهتمام الله بحفظ وصية السبت وجعلها خطًا رئيسيًا في خطة خلاص شعبه، من يكسرها يكون قد نقض العهد الإلهي وحرم نفسه من عضويته في جسد المسيح أي الكنيسة.
نلاحظ في الإصحاح الأول قول الكتاب في البدء خلق الله..
وفي الإصحاح الثاني تتكرر كلمة الرب الإله.
فالله بمعنى سيد، هو سيد كل الخليقة وموجدها من العدم وهو يسود على الكل، على كل ما خلقه.
وفي الإصحاح الثاني، إصحاح صداقة الله بالإنسان، الذي فيه لذته "لذاتي مع بني آدم (أم 31:8)" يقدم الله نفسه باسم الرب الإله، فهو إله آدم أي خالقه وسيده، ولكنه أيضًا هو ربه. فما معنى كلمة رب هذه؟ هي في أصلها يهوه (خر 15:3) ولكن اليهود خوفًا من اسم يهوه، صاروا لا يستعملونه، بل استخدموا بدلًا منه كلمة الرب، وصاروا يستبدلون كل كلمة يهوه بكلمة الرب في الكتاب المقدس بدافع الخوف من الله ومن اسمه يهوه. (كما لا يذكر غالبية المصريين أسماء زوجاتهم ويقولون "الجماعة").
فما معنى كلمة يهوه؟ I am
أنا أكون.. فهي من ناحية تعني أن الله هو الكائن بذاته ولم يوجده أحد. كان وكائن وسيكون للأبد. ومن ناحية أخرى فهو كل شيء لنا، لذلك يصلح أن يوضع مكان النقاط في أنا أكون.. أي شيء، كما نقول في أوشية الإنجيل "أنت حياتنا، خلاصنا، رجاءنا.. كلنا" ونلاحظ في الكتاب أن كلمة الله يستخدمها الكتاب غالبًا في حديثه عن علاقة الله بالعالم ككل، أما كلمة الرب فتستخدم مع شعب الله وخاصته.وهكذا كان السيد المسيح يقول عن نفسه "أنا هو - I am". [أنا هو الراعي الصالح - أنا هو باب الخراف (يو10: 7 ، 11).. وقال لليهود "متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذٍ تفهمون إني أنا هو" + "لأنكم إن لم تؤمنوا إني أنا هو تموتون في خطاياكم" (يو8: 24 ، 28) + وحينما قال للجنود في بستان جثسيماني أنا هو سقطوا على الأرض فـ أنا هو فيها إعلان عن لاهوته (يو18: 6)]. وبهذا نفهم أن الكتاب حين يقول الرب الإله فيكون المقصود ابن الله الكلمة.
أمثلة: قارن (تك 7:16) فوجد (هاجر) ملاك الرب مع (تك 17:21) ونادَى ملاك الله هاجر من السماء، فهو ملاك الرب حين أمرها أن تعود لإبراهيم، وإبراهيم هو شعب الله، وهو ملاك الله حين أمرها أن لا ترجع. (وقارن تك 13:6) وقال الله لنوح "نهاية كل بشر"... هنا الله سيد الخليقة الذي يأمر بهلاكها. مع (تك 1:7) وقال الرب لنوح أدخل.. هنا نوح هو خاصة الرب والذي يحميه الرب من الهلاك، هو للرب والرب له.
آية 5: "كُلُّ شَجَرِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فِي الأَرْضِ، وَكُلُّ عُشْبِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ كَانَ إِنْسَانٌ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ."
هي تكرار لليوم الثالث وهي لا تعني أن الله بدأ خلق النبات في هذا الوقت لأن الآن كانت الأرض قد اكتملت. وهذه الآية ذكرت هنا لتشير أن الله خلق النبات لأجل آدم حبيبه ليكون له طعامًا. وهو خلق النبات من أرض كانت خربة وخالية. هذه الآية مراجعة لليوم الثالث تتمشى مع فكرة الأصحاح الثاني أن الله أعد كل شيء للإنسان.
آية 6: "ثُمَّ كَانَ ضَبَابٌ يَطْلَعُ مِنَ الأَرْضِ وَيَسْقِي كُلَّ وَجْهِ الأَرْضِ."
هذه الآية تشرح كيفية تكوين المطر فهو عطية الله للإنسان أيضا. والمطر أصله ماء قد تبخر من الأرض فتكون الضباب (السحاب) وتكاثف في طبقات الجو العليا حتى يمطر (راجع أي 27:36). الآن كان الرب قد أعَدَّ لآدم البذور والمطر. وطلب منه العمل ليزرع الأرض = ليعمل الأرض (آية 5). فنجد أن هناك شركة عمل بين الله والإنسان. وهذا ما تسميه الكنيسة الجهاد والنعمة. وفي حياتنا الآن نجد المسيح الزارع وقد زرع فينا حياته. والروح القدس، المطر، يروينا فتثبت حياة المسيح فينا. ولكن نحن كشركاء عمل مع الله علينا أن نعمل لتنمو البذرة فتثبت حياة المسيح فينا.
ماذا نعمل لتثبت حياة المسيح فينا؟
1) جهاد سلبي: صلب الأهواء مع الشهوات (غل2: 20 + غل5: 24).
2) جهاد إيجابي: *كالصلاة، فبالصلاة والتسابيح نمتلئ بالروح القدس (أف5: 17-21). *والصوم الذي به نغلب الشيطان (مت17: 21).
آية 7: "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً."
آدم
جسده من تراب الأرض وكلمة آدم تعني أحمر وأصل الكلمة "أدمية" أي تراب أحمر. ولكنه ليس تراب فقط بل فيه روح.
هذه هي الروح فآدم من تراب ليعرف حقيقة ضعفه بدون نعمة الله، ومن نسمة الله ليعرف قيمته أمام الله، فيعطي لروحه الغلبة على جسده وشهواته. وكلمة نفخ أي أودع الله في آدم خاصية الحياة فنسمة الحياة هذه هي الروح (أي 8:32).
تأمل: في آية 5 نرى أن آدم كان لا بُد أن يعمل حتى يكون هناك ثمر. ولا بُد أيضًا من بذور وهذه قد خلقها الله منذ اليوم الثالث ولا بُد من مطر يسقطه الله من السماء. وآدم هو من تراب الأرض فنجد آدم يشترك مع الله في العمل والله يشترك مع آدم في العمل حتى يكون هناك ثمر. وروحيًا وبالرجوع لمثل السيد المسيح "الزارع والزرع" (مت 2:13-23) يكون المقصود:
* بالأرض في المثل هو الإنسان (آدم من تراب).
* والبذرة هي كلمة الله (البذور خلقت في اليوم الثالث والمسيح قام في اليوم الثالث، والبذرة التي زرعت فينا بالمعمودية هي حياة المسيح). كقول القديس بطرس "مولودين ثانية، لا من زرع (بذرة) يفنى، بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" (1بط1: 23).
* والمطر هو الروح القدس الذي يعطيه الله من السماء للإنسان ليجدد طبيعتنا ويظهر حياة يسوع فينا. ولكن لنلاحظ أهمية عمل الإنسان بجانب نعمة الله وهذا ما تشير له كنيستنا بتعبير الجهاد والنعمة.
من هذه الآية ومن (تك1: 26) نرى عمل الثالوث القدوس:-
وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا... = الآب يريد أن يخلق.
جبل الرب الإله ترابا من الأرض = الابن يُكَوِّن الإنسان. فبه كان كل شيء (يو1: 3)
ونفخ في أنفه نسمة حياة = الروح القدس يعطي حياة للجسد.
وبنفس الأسلوب كانت الخليقة الثانية في المسيح.
الله يريد أن الجميع يخلصون.... = الآب يريد خلاصًا لكل البشر (1تى2: 4).
الابن في الماء يؤسس سر المعمودية = وبه نموت عن الخليقة القديمة ونقوم بخليقة جديدة.
الروح القدس يحل على جسد المسيح = فعمله أن يثبتنا في المسيح فنحيا.
ونفس الفكرة نجدها في الإصحاح التالي، راجع شرح (تك3: 8)، ويوجد شرح تصويري لعمل الثالوث في الخِلْقَة تجده في (حز37).
آية 8: "وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ."
هنا نرى محبة الله وأبوته الفائقة ورعايته ومحبته للإنسان فهو يغرس جنة ليعيش فيها الإنسان. وهي شرقًا لأن موسى الآن يكتب في سيناء والجنة كانت عند نهر الفرات.
وكلمة عدن تعني بهجة أو نعيم. هكذا خلق الله آدم ليحيا في فرح. وكل مسيحي الآن ينظر للشرق أي ينتظر المسيح شمس البر في مجيئه الثاني بفرح ويعيش على هذا الرجاء أن ينتقل من عالم الحزن والشقاء لعالم الفرح الأبدي. ولكن معنى أن هناك جنة باسم عدْن فهذا يعني أن آدم كان يحيا في فرح. ولكن كان هذا لأنه كان يبادل الله حبًا بحب. فآدم لأنه على صورة الله، والله محبة، كان يحب الله وكذلك كانت لذته في الله. والفرح الحقيقي مصدره المحبة. ولذلك طلب الله من شعبه أن يحبه "إسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث6: 4 ، 5). ولماذا يطلب الله منا أن نحبه؟ لأن الله يعلم أن المحبة لله هي الطريق للفرح كما كان دم في الجنة، وبالمحبة نرجع لجنة الفرح (تث6: 4 ، 5).
آية 9: "وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ."
والمسيح حلقه حلاوة وكله مشتهيات (نش 16:5). فهل ننظر له لنشبع أم ننظر للعالم نشبع به.
تشير للمسيح الذي كل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية (يو15:3؛ وراجع أم 18:3) فالحكمة هي شجرة حياة لممسكيها والمسيح هو أقنوم الحكمة (اللوغوس) (وراجع رؤ 7:2 +2:22 + يو54:6). ولا نجد في أورشليم السماوية غير شجرة حياة ولا نسمع أنه في السماء توجد شجرة معرفة خير وشر فلا يوجد هناك شر بل حياة أبدية.
المشكلة ليست في معرفة الخير والشر فالله يريدنا أن نميز بينهما ونختار الخير ونرفض الشر. ولكن المقصود هو أن من يأكل من هذه الشجرة فيعرف الخير والشر بمعنى يعرف الخير حين يفقده ويعرف الشر بأن يختبره. فالمعرفة في حد ذاتها هي نعمة وبركة ولكنها إن اتجهت إلى خبرة الشر تصير علة للهلاك. هذه المعرفة هي التي تحمل العصيان في داخلها (عب 14:5). الله كان يريد لآدم ألا يختبر الشر لأنه كان مازال ضعيفًا.
آدم كان ضعيفًا يوم خُلِق في اليوم السادس. لذلك منعه الله من تذوق الشر لئلا يُعجب به وهو ما زال ضعيفا فيموت. ولماذا خلقه ضعيفًا؟ الله خلقه حرًا وخيَرَّه بين أن يتحد به (الأكل من شجرة الحياة) أو الانفصال عنه (الأكل من شجرة معرفة الخير والشر). فنجد أن الله لا يجبر أحدًا على أن يختاره. ولو إختار آدم الأكل من شجرة الحياة لكان قد ثبت في الابن وصار كاملًا يرفض الخطية. لذلك نقول أن رقم 6 يمثل آدم في ضعفه الإنساني ولكن لو كان قد إختار شجرة الحياة لكان قد اتحد بالله الواحد. وبهذا نفهم لماذا كان رقم 7 يمثل الكمال لأن الإنسان الضعيف بالمسيح يصبح كاملًا.
رقم 6 يمثل الإنسان الضعيف + 1 الذي يمثل الابن شجرة الحياة = 7 الإنسان الكامل.
وشجرة الحياة كانت ضمن شجر الجنة المسموح لآدم أن يأكل منها، ولو فعل لعاش للأبد. والمقصود بهذا أن آدم كان معروضًا عليه أن يختار بحرية بين أن يتحد بالله فيحيا للأبد، أو أن يبدأ في الإحساس بمواهبه وغِناه وجماله وقوته بالانفصال عن الله، وليس من خلال وحدته مع الله. والانفصال عن الله يساوي موتًا. وكانت هذه سَقْطَة إبليس أنه شعر بإمكانياته حينما كان ملاكًا من طبقة الكاروبيم فانفصل عن الله ومات وهلك. وهنا فالله يشرح لآدم لا تأكل من هذه الشجرة، شجرة الانفصال عن الله كما فعل ذاك: أي الشيطان، فهلك. لاحظ أن خطية الشيطان نبعت من داخله دون أن يغويه أحد "أنت كامل في طرقك من يوم خُلِقْت حتى وجد فيك إثم" (حز28: 25). والله في محبته لآدم يحذره من أن يسقط. فالله يعرف أن الشيطان سيحاول أن يغوي آدم ليسقط مثله. والله خلق آدم حرًا وليس مسيَّرًا. ومن الأسباب التي جعلت الله لا يقدم فداء للشيطان، لأن الخطية نبعت من داخله، أما آدم فقد خدعه الشيطان. وحينما سقط آدم صار هو أيضًا فيه إثم "بالخطية حبلت بي أمي" (مز51: 5 + رو7: 17). ودخل الموت إلى آدم وكل نسله، فكلٌ منا هو جزء من آدم. ولكن لأن خطية آدم جاءت من خارجه، لذلك أعطى الله فرصة ثانية لآدم بفداء المسيح. وأيضًا لأن آدم له جسد ضعيف وهو متردد، يسقط اليوم ثم يندم ويتوب. لكن الشيطان كان ملاكًا، والملائكة لهم طبيعة مختلفة، فهم لا يترددون في إتخاذ قراراتهم. يتخذ قراره ولا يعود ويتراجع فيه أو يندم على قراره. ولقد عبَّر الوحي عن هذا بقوله عن الكاروبيم وهم من الملائكة "أقدام أرجلها كقدم رجل العجل ... لم تدر عند سيرها" (حز1: 7 ، 9). وعند دخول الكبرياء لملاك الشيطان - وهذا بدأ بإنتفاخه على بقية الملائكة (إش14: 13) ثم ساوى نفسه بالله (إش14: 14) - قيل أن الله خيَّره بين أن يتوب أو يستمر في عصيانه، فقرر الإستمرار ولم يتراجع إلى الآن. بل تبعه ثلث الملائكة وصاروا شياطين ظلمة (رؤ12: 4). أما بقية الملائكة فقرروا خضوعهم لله عن حب فإستمروا كملائكة نورانيين. والملائكة والشياطين لم ولن يغيروا قرارهم، فلماذا يقدم الله فداء للشياطين وهم لن يستفيدوا منه لأنهم لن يغيروا قرارهم.
نفهم من (رؤ2: 7) أن شجرة الحياة التي كان من المفروض أن يأكل منها آدم تعني الإتحاد بالابن فتكون لآدم حياة أبدية، فالابن له الحياة في ذاته (يو5: 26). وبهذا نفهم أن شجرة معرفة الخير والشر هي عكس شجرة الحياة فمن يأكل منها يموت. وبهذا فهي تعني الانفصال عن الابن، وهذا لا يحدث سوى بالخطية فلا شركة للنور مع الظلمة. وآدم كان حر الاختيار. وحينما اختار الانفصال مات لأنه اختار الانفصال عن الابن، والابن هو الحياة. ولمحبة الله العجيبة أتى وتجسد ليتحد بالإنسان ثانية ويعطينا جسده نأكله فنحيا للأبد.
آية 10: "وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ:"
كما نجد نهر هنا في الجنة نجد نهر في أورشليم السماوية (رؤ1:22). وقد سبق ورأينا في أورشليم السماوية شجرة حياة كما هنا في الجنة. وإذا كانت شجرة الحياة هي المسيح فالنهر إشارة للروح القدس الذي يفيض على أرضنا فيحول قفرنا إلى جنة تفرح قلب الله (يو38:7) وانقسام النهر إلى أربعة رؤوس فيشير إلى فيض الروح على الكنيسة في كل مكان (رقم 4 هو رقم العمومية، أي هو لكل إنسان يريد) (مز 4:46) إذًا الإنسان في علاقته بالله يصير بالروح القدس جنة عدن الجديدة. وبذلك فجنة عدن تشير للكنيسة أو للنفس البشرية التي فيها المسيح ويرويها الروح القدس وهي في فرح.
النهر المنقسم = يذكرنا بالروح القدس الذي حلَّ على التلاميذ كألسنة نار منقسمة على كل واحد منهم. والمعنى أن كلٌ منهم يعطيه الروح نعمة وموهبة على قدر العمل المطلوب منه. وهكذا مع كلٌ منا يعطي الروح القدس مواهبه بحسب الاحتياج.
الآيات 11-14: "اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ. وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ. وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ."
أسماء الأنهار الأربعة أو الفروع الأربعة كل منها يشير لعمل من أعمال الروح القدس مع الإنسان.
فيشون: الجاري أو المنطلق والبعض يترجمه زيادة أو نمو. وهو يحيط بأرض الحويلة وحويلة تعني تعب ووجع. فالروح يفيض ليخلصنا من التعب، فهو المعزي.
جيحون: منقذ أو مخلص وهو محيط بأرض كوش (أسود). والمعنى أن الروح القدس يعطي لنا خلاصًا من سلطان الظلمة. والروح يعطي نعمة أعظم ضد سلطان الظلمة (يع4 : 6).
حداقل: هو نهر دجلة والكلمة تعني سريع وهو يجري شرق أشور. وأشور شعب مقاوم لله ولشعب الله. والمعنى أن الله هو في استجابته سريع، وعمل نعمته سريع حتى تخضع كل التحديات المقاومة لشعب الله.
الفرات: غزير وماءه عذب. وما أحلى وأعذب إعلان الله في المحبة.
إذًا الروح القدس يفيض على الإنسان بغزارة ويعطي له عذوبة تذوق محبة الله. ويخلصه من أتعابه ووجعه فهو المعزي ويخلصه من سلطان الظلمة فهو الذي يبكت على الخطية وهو الذي يسندنا في حروبنا مع أعدائنا.
حيث الذهب.. هناك المقل وحجر الجزع: مرة أخرى نعود لأورشليم السماوية فنجدها من ذهب (رؤ18:21) وسوقها ذهب (رؤ21:21) وأساساتها أحجار كريمة (رؤ19:21) ولنقارن مع الجنة. فالجنة لأنها ما زالت في الأرض فكان فيها ذهب وفيها حجر جزع أما في السماء فكلها ذهب وأساساتها أحجار كريمة. فآدم خلق في الجنة كإنسان ترابي لكن نفخة الروح فيه وشركته مع الله جعلت لـه حياة سماوية. والذهب يرمز للسماويات أما لو انتقل للسماء فعلًا فسيصير سماويًا بالكامل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والمقل هو نوع من الصمغ (المر الذي يسيل من أشجاره) ويصلح كدواء وبخور وقد يكون حجر كريم نادر، وفي اللغة العبرية = الكلمة تعني الدُرْ. وحجر الجزع هو من الأحجار الكريمة. وأولاد الله في نظره هم أحجار كريمة والمقل هنا يشير لعلاقته بالله وصلاته أو اتصاله الدائم بالله. وأن أولاده هم كدُرَر أمام عينيه.
ونلاحظ التشابه والمقارنة بين الجنة وأورشليم السماوية (أول وآخر الكتاب المقدس).
وجغرافيا: فقوله النهر غالبًا يقصد به التقاء نهري دجلة والفرات والأربعة فروع هم دجلة والفرات وفرعين لهما وربما يكونوا قد اندثروا. والحويلة هي القسم الشمالي الشرقي من أرض العرب وكان حويلة من أبناء كوش. وكان الذهب يوجد في الجبال التي على شرق البحر الأسود. وأرض كوش غالبًا هي أرض عيلام التي عرفت إلى زمان طويل باسم "كاشو" كما أن سهل بابل كان يدعى "عدنو" وهناك فروع كثيرة للنهرين الكبيرين ربما يكون منهما جيحون وفيشون وربما هما فرعان مندثران. وموقع الجنة هو إما جنوب العراق أو في أرمينيا. وعمومًا فهذه الأرض أرض خصبة وأرض أنهار.
آية 15: "وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا."
ليعملها ويحفظها:
هنا نجد آدم شريكًا لله في العمل فجنة عدن غرسها الله وها هو آدم يعملها ويحفظها. فالإنسان خلق ليعمل والله نفسه يعمل. ونحن كخليقة جديدة في المسيح يسوع مخلوقين لأعمال صالحة (أف 10:2). فالله لم يخلق الإنسان ويعطيه عقلًا وحكمة لينام ويأكل ويشرب فقط. فالله قدس العمل.
الآيات 16-17: "وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلًا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ»."
هذه الآيات هي شرط الاستمرار في هذه الحياة والشركة الحلوة مع الله. هنا نجد الوصية والوصية هي:-
1. إعلان حرية إرادة الإنسان فمع الحرية لا بُد من وصية.
2. شرط الاستمرارية في هذا النوع من الحياة.
ونجد هنا نتيجة عدم طاعة الوصية.. موتًا تموت: فالإنسان لم يخلق ليموت بل ليحيا ولكن "أنا اختطفت لي قضية الموت" (القداس الغريغوري). وهذه ليست عقوبة بقدر ما هي نتيجة يحذر الله آدم منها.. أن الانفصال عنه = موت. ومن هنا نرى أن الوصية ليست حرمانًا بل هي الطريق للتمتع بالفرح والقداسة مع الله. أما الموت فهو الثمرة الطبيعية للخطية. ومن محبة الله للإنسان فهو لم يلعن الإنسان بسبب الخطية بل لعن الأرض ولعن الحية.
(كان آدم في الجنة مثل شخص ضعيف في غرفة معقمة أعطى له الطبيب وصية، أنه لو خرج منها ستقابله الميكروبات فيمرض ويموت. وخرج الشخص فأصيب بالأمراض فأعطى الله الوصايا العشر كنصائح مثلما يعطي الطبيب نصائح للمريض حتى يطيل عمره بقدر الإمكان).
الآيات 18- 21: "وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ». وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ. فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا."
في آية 18: نرى الله يتخذ قرارًا بأن يصنع لآدم معينًا نظيره، أي أن الله قد اتخذ قرارًا بأن يخلق حواء من جنب آدم.
وكان المسار الطبيعي للآيات أن تأتي آية 21 (فأوقع الرب الإله سباتًا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه.. إلخ) بعد آية 18 مباشرة. فما الذي أدخل الآيات 20،19 فيما بينهما.
هنا نرى طريقة الله في التعامل مع الإنسان، صديق الله. فالله خلق الإنسان حرًا، والله لا يفرض على الإنسان شيء رغمًا عن إرادته. لذلك نجد الله هنا يأتي بالحيوانات ويشرح لآدم طبيعة كل حيوان وبعد أن يفهم آدم طبيعة الحيوان ويدرسه دراسة كاملة يعطيه أي يعطي للحيوان اسمًا. [كما نقول في العربية (دب) لأن هذا الحيوان ضخم وثقيل الوزن، وحينما يسير يدب على الأرض.. وهكذا] وفي أثناء الشرح يكتشف آدم أن الحيوانات كلها ذكر وأنثى فيسأل الله ولماذا هم ذكر وأنثى؟ فتكون إجابة الله أن الأنثى يا آدم: 1- "لتكون معينًا نظيره"؛ 2- ليتكاثروا.
ويسأل آدم ولماذا أنا وحيد دون أنثى؟ ويقول له الله وهل تريد لك أنثى، ويقول آدم بعد أن أقنعه الله نعم أريد.. هنا تحول قرار الله في آية 18 إلى طلب من آدم لله. فالله لا يفرض عليَّ شيئًا إلا بعد أن يقنعني، ويصير هذا الشيء طلبًا لي، لذلك قال إرميا. "أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت" (أر7:20) بل أن الآية "الروح القدس يبكت على خطية.. (يو 8:16) في ترجمات أخرى نجدها "الروح القدس يقنع على خطية.. فالروح القدس يقنع الإنسان ويحاوره ويلح عليه أن يترك الخطية لمصلحته.
آية 18: نرى هنا أن الله يريد أن يحيا الإنسان حياة اجتماعية، فيها حب متبادل وأسرة متحابة ومجتمع متعاون في تكامل ، وكمثال على ذلك:- الإنسان فيه الأذن والعين واليد والرجل.. كل له وظيفته في الجسد الواحد .
وكلمة معينًا نظيره= يكشف عن مفهوم الحياة الزوجية فهي نظيره فلا يتشامخ أحدهما على الأخر.
الآيات 20، 19: لماذا يسمي آدم الحيوانات بأسمائها:-
هذا يعطيه شعورًا بالسيادة عليهم.
كان يعطي الاسم بعد أن يدرس ويعرف طبيعة الحيوان وما العمل الممكن أن يقوم به أو الخدمة التي يمكن استخدامه فيها. إذًا هي نوع من الدراسة والمعرفة.
كان في هذا تدريب من الله لآدم على التفكير والنطق.
حين درس الحيوانات وجدهم ذكرًا وأنثى ولم يكن بينهم من هو نظيره فاشتاق أن يكون له معينًا نظيره.
ولاحظ فإن الله أعطى أسماء للشمس والقمر والنهار والليل فهو له سلطان على كل هذه وترك السلطان على الحيوانات والطيور لآدم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فهو أي الله وضع بعضًا من كرامته على آدم. وللأسف فقد الإنسان هذه الكرامة بعد سقوطه وهذا ما يسمى الموت الأدبي.
الآيات 21-24: "وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا."
حواء صنعها الله من ضلع آدم، والضلع بجانب القلب وتحت الذراع حتى يحيطها بحبه ويحميها بذراعه. وهي ليست من رأسه فتنتفخ عليه ولا من قدمه فيدوسها. ولاحظ طريقة الله، فالله أخذ من آدم ضلعًا فهو حرمه من شيء، أي أحد ضلوعه ولكن ماذا أعطى له بعد ذلك... معينًا نظيره. وهكذا كل ما يحرمنا منه الله يعوضنا عنه بركات مضاعفة.
وَيَلْتَصِقُ بِأمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا = هذه الآية فيها تأسيس سر الزواج، فقوله جسد واحد = هذا إشارة للعلاقة الجسدية بين الرجل وزوجته بغرض الإنجاب. وهكذا فهم بولس الرسول هذه الآية، وراجع (1كو6: 15، 16).
وبنى الرب الإله الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً = لم يقل أن الله خلق حواء، ولكن قال بَنَى الضلع امرأة. فلو خلق الله حواء، ستكون خلقة جديدة غير آدم. لكن الله أخذها من داخل آدم وبنى حواء من جزء منه.
ونجد في هذه القصة تشابهًا مع قصة المسيح مع كنيسته عروسه.
آدم وحواء |
المسيح والكنيسة |
أوقع الرب سباتًا على آدم فنام. فتح الله جنب آدم ليأخذ ضلعًا. بنى الرب الإله الضلع.. امرأة. حواء هي جسد آدم (جسدًا واحدًا) هذه عظم من عظامي.. لحم من لحمي. يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته. |
مات المسيح على الصليب (موته كان كالنوم). فتح جنب المسيح بالحربة ليخرج دم وماء. الروح القدس يبني الكنيسة باستحقاقات الدم. الكنيسة هي جسد المسيح (والمسيح هو الرأس) أف30:5 المسيح ترك مجده السماوي وأمته اليهودية ليلتصق بنا. |
فحين مات المسيح على الصليب وطعن في جنبه فخرج دم وماء فاضت أسرار الكنيسة من جنب المسيح. والمسيح ترك أباه بمعنى أنه "إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه أخذًا صورة عبد (في 7:2) وتَرْكِه أمه أي تَرْكِه مجمع اليهود الذي ولد منه حسب الجسد ليلتصق بالكنيسة التي جمعها من كل الأمم.
وأحضرها إلى آدم: هذا تأسيس سر الزواج.
آية 25: "وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ."
كان كلاهما عريانين: الجو كان ليس باردًا ولا حارًا فهي جنة، بل ليس للحر ولا البرد سلطان عليهما. وعوامل الطبيعة ليس لها سلطان عليهما وفي السماء لا حر ولا برد.
وهما لا يخجلان: في ترجمة أخرى "لا يعرفان الخجل" فهما عريانين جسديًا لكن مستورين روحيًا لهذا لم يجدا ما يُخْجِلْهُمَا. لأن ما يخجل الإنسان ليس جسده بل الفساد الذي دب فيه بسبب الخطية "فمن لم يعرف الخطية لن يعرف الخجل" وهذا هو وضع الأطفال الصغار.
← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير التكوين 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير التكوين 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6yw4xvn