محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
كان الله يهوه كل شيء لخليقته المحبوبة آدم. وحينما انفصل الإنسان عن الله بسبب الخطية، شعر الإنسان بالاحتياج المستمر (احتياج مادي ونفسي وروحي). وكان المريض الذي شفاه المسيح نموذج لهذا، فهو كان مريضًا جسديًا ونفسيًا وروحيًا. وعبَّر عن هذا بقوله "ليس لي إنسان" (يو7:5). فللأسف لم يعد الإنسان قادرًا أن يرى الله أو يعرفه، وما عاد للإنسان أن يُدرك سوى ما يدركه بحواسه. لذلك ما عاد له سوى أن ينظر للإنسان الذي حوله كمصدر لاحتياجاته، ولكن هيهات، فالإنسان مهما كان فهو عاجز وفانٍ ولا شيء وهذا مما سبب كآبة للجنس البشري.
ورأينا في الإصحاح السابق أن المسيح أتى ليشفي ويعطي حياة. ومن عرف المسيح هو من تم شفاؤه، عرف المسيح كمصدر نحصل منه على كل احتياجاتنا. وفي هذا الإصحاح نرى المسيح هو المشبع لمن يعرفه.. صار لنا كل شيء.
يشبع جسديًا: معجزة الخمس خبزات والسمكتين وإشباع الجموع بهم.
يشبع نفسيًا: وسط اضطراب البحر والعواصف أتى لتلاميذه فهدأ اضطرابهم فالبحر المضطرب رمز للعالم المضطرب وهذا يسبب اضطراب النفس.
يشبع روحيًا: هنا نسمع عن الجسد والدم كسر حياة وثبات في المسيح.
ولذلك فبينما قال المريض "ليس لي إنسان" قال بطرس "الذي لي فإياه أعطيك، بإسم يسوع المسيح الناصري قم وإمشي" (أع6:3) فالمسيح أتى ليكون لنا كل شيء، معه لا نشعر بالاحتياج. وهذا أحد معاني يهوه .. أنا أكون.. لكم كل شيء. وما أحلى ما قاله يهوشافاط الملك "نحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا" (2أي12:20).
وفي إصحاح (6) نرى يسوع المشبع لكل احتياجاتنا (نفسًا وجسدًا وروحًا) وفي إصحاح (7) نرى يسوع مصدر الماء الحي. وفي إصحاح (8) نرى يسوع نور العالم. وفي إصحاح (9) يفتح عيوننا لنراه ونعرفه. فعلًا هو صار لنا كل شيء. وفي إصحاح (10) نجده الراعي الصالح لنا. وفي إصحاح (11) هو القيامة والحياة. فمريض بيت حسدا يقول ليس لي إنسان فهو ينظر للبشر لذلك فهو دائم الشعور بالاحتياج أما بطرس فنجده يشعر بأن المسيح له، وهذا تطبيق لقول عروس النشيد "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش3:6)
وهنا في إصحاح (6) نجد يسوع يقدم نفسه على أنه خبز الحياة.
1*والخبز فيه حياة للإنسان وشبع للإنسان. لأنه كما أن الإنسان حين يأكل الخبز العادي يتحول لأنسجة ودم وتكون له حياة. هكذا من يتناول جسد المسيح يتحد به، وتكون له حياة هي المسيح (فى1: 21). والمسيح يسمي نفسه "خبز"، فلا حياة بدون الخبز. فيعقوب أرسل لابنه يوسف هدايا من أرض فلسطين بندق ولوز.. وطلب خبزًا ليحيا هو وأولاده. فالبندق واللوز لا يعطيان حياة، فقط الخبز هو ما يعطي حياة. أما البندق واللوز فهما إشارة لملذات العالم.
2*والخبز فيه الشبع فلا يوجد شبع سوى في المسيح. من يعرف المسيح حقيقة سيفهم أن المسيح له هو كل شيء، لن يحتاج لغيره. مثال: لا يوجد إنسان يحتفظ بنقوده في منزله، بل يضعها في البنوك ويصرف ما يحتاجه من البنك، ويحيا مطمئنا إذ له رصيد هائل في البنك. وعلاقتنا مع المسيح هي من هذا النوع، لنا في المسيح ثروة غير محدودة نأخذ منها ما نشاء. فلا نحتاج إلى غيره. وعبرَّت عروس النشيد عن هذا بقولها "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش6: 3). وأدرك بطرس أن له هذا الرصيد اللانهائي عند المسيح فقال للشحاذ الأعرج "ليْسَ لِي فِضَّةٌ وَلَا ذَهَبٌ، وَلَكِنِ ٱلَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ قُمْ وَٱمْشِ. وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ ٱلْيُمْنَى وَأَقَامَهُ" (أع3: 6-7). وهنا بطرس لم يصرف من رصيده نقودًا بل قوة لشفاء الأعرج. وحقًا المسيح يعطي بسخاء ولا يُعّيِّر" (يع1: 5) ولكنه يعطي بحكمة، فهو يعطينا ما يعيننا على خلاص نفوسنا. فنلاحظ أن بولس الرسول كانوا يأخذون المناديل والمآزر من على جسده فتشفي المرضى، لكنه هو نفسه كان مريضا لم يستطع أن يشفي نفسه ولا تلميذيه (أع19: 12 + 2تى4: 20 + فى2: 25-30).
*إتحادنا بالمسيح يبدأ بالمعمودية ويستمر بالإفخارستيا. وإتحادنا بالمسيح هو حياة، فجسده متحد بلاهوته الحي المحيي. والمسيح بصليبه انتصر على أعتى أعداء الإنسان أي الموت، وانتصر أيضًا على الخطية وعلى إبليس، والثلاثة هم أعداؤنا. وانتصار المسيح على هؤلاء الأعداء كان لحسابنا. *فحينما اتحد بنا أعطانا حياة أبدية. *وحينما هزم إبليس أعطانا سلطانا عليه (لو10: 19). *وبانتصاره على الخطية صارت الوصية سهلة لمن يتحد به (عب12: 1)، وهذا معنى "لِأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (مت11: 30).
*ومن ينتصر على الخطية تصير له الأعين المفتوحة التي ترى في المسيح المشبع لكل احتياجاتها، فتلقي كل همها عليه. وهذا معنى قول داود النبي "الرب يرعاني فلا يعوزني شيء" (مز23) وعكس هذا "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه" (إر5:17) .
وذبيحة الإفخارستيا هي نفسها ذبيحة الصليب، هي امتداد لذبيحة الصليب وليست تكرارًا لها. لذلك فهي غفران للخطايا. وطالما غفرت الخطايا فلا سلطان لإبليس علينا.
الله خلقنا على صورته وشبهه "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26).
على صورتنا = فنحن ثالوث في واحد (أنا كائن عاقل حي).... كشبهنا = (والله كائن عاقل حي)...لكن لنلاحظ الفرق بين الله غير المحدود والإنسان المحدود. فالله كائن بذاته، أزلي بلا بداية ولا يعتمد في كينونته على أحد، بينما نحن مخلوقين لنا بداية ونعتمد في وجودنا عليه. والله عاقل، بأقنومه الثاني خلق العالم ويحفظه أما أنا فبالكاد عقلي قادر على الفهم في أضيق الحدود. والله حيّ ويحيي كل الخليقة بروحه، أما أنا فلا أحيا بذاتي وسأموت وقت أن يريد الله، وغير قادر أن أحيي أحد.
وهذا يقال أيضًا على أننا مخلوقين على صورة الله في الكمال، والقداسة، والحرية، والسلطان...إلخ لكن مع ملاحظة أن قوله كشبهنا تعني الفارق بين غير المحدود والمحدود.
ولأننا مخلوقين على صورة الله اللانهائي بينما نحن محدودين في طبيعتنا، نجد في داخلنا حنينًا إلى اللانهائي، ولن يشبعنا العالم المحدود، لن يشبعنا سوى الله الغير المحدود. وشبه هذا بأن الدائرة لا يملأها أي شكل سوى دائرة مثلها (الدائرة ترمز للانهائية فهي بلا بداية ولا نهاية). وهذا هو موضوع هذا الإصحاح. ولأجل هذا السبب جاءت وصية لا تشته (خر20: 17) من الوصايا العشر. فالعالم مخادع وهكذا ملذاته تخدع الإنسان بأنها سوف تشبعه أمانًا بأمواله ومراكزه وسلطانه، وتشبعه ملذات وأفراح بشهواته..وهكذا. وكل هذا كذب من الكذاب وأبو الكذاب (يو8: 44) أي إبليس. ولن يَشبَع الإنسان من هذا العالم بكل ما فيه فهو باطل وقبض الريح (مثل السراب). لن يُشبِع الإنسان سوى الله غير المحدود.
الآيات (يو6: 1– 15):- "
بَعْدَ هذَا مَضَى يَسُوعُ إِلَى عَبْرِ بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَهُوَ بَحْرُ طَبَرِيَّةَ. وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي الْمَرْضَى. فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَل وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ. وَكَانَ الْفِصْحُ، عِيدُ الْيَهُودِ، قَرِيبًا. فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ:«مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟» وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ. أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ:«لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا». قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: «هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ:«اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ». وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ. وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا:«إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!» وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ. "المسيح هنا انتقل من اليهودية وأورشليم إلى الجليل حيث أجرى المعجزة. وهذه المعجزة هي الوحيدة المذكورة في الأربعة أناجيل (مت13:14-21+ مر30:6-44+ لو10:9-17) وهذا لأهميتها فهي معجزة خلق حقيقي تثبت لاهوت المسيح. فالناس أكلوا أكل حقيقي وتبقى 12قفة. ولكن يوحنا لا يكرر ما جاء في البشائر الأربعة ولكنه ذكر هذه المعجزة لارتباطها بما سيذكره فيما بعد عن يسوع خبز الحياة. والمسيح في كل قداس يحضر في الوسط ويكسر ويعطي شبعًا لنا ويحول الحياة الحاضرة لحياة أبدية. ففي كل قداس يكرر المسيح معجزة إشباع الجموع ولكن على مستوى الحياة الأبدية. لذلك ينبه يوحنا أن الفصح كان قريبًا. فالمسيح أعطانا جسده مأكلًا ودمه مشربًا في الفصح الذي يلي هذا الفصح فصار هو فصحنا الجديد، جسد المسيح المكسور لإشباع العالم. فالفصح القديم كان رمزًا للعشاء الرباني والمن الأرضي كان رمزًا للمن السماوي. فالمن الأرضي يسند في برية سيناء والمن السماوي يسندنا في جهادنا في برية هذا العالم. وكما أمر الله موسى بحفظ جزء من المن تبقى هنا 12 قفة.
ابتداء من إصحاح (6) وحتى إصحاح (12) يسمى إنجيل الاستعلان. فالمسيح يستعلن ذاته. ويتكلم المسيح عن نفسه بأنا هو (يهوه). وفي إصحاح (6) نسمع عن المسيح خبز الحياة "من يأكلني يحيا بي" وهو الخبز الحي النازل من السماء، وبدونه لا حياة للإنسان. وهذه الآيات (1-15) تتكرر كثيرًا في القداسات ونسميها إنجيل البركة.
هنا نرى المسيح سر الشبع الذي لا ينتهي. وهو قادر أن يملأنا من شخصه ونشبع به (نفسًا وجسدًا وروحًا). موسى أنزل منًا من السماء أشبع بطونهم ولكن المسيح هنا يقدم نفسه كخبز للحياة فيه شبع بلا حدود. وقارن مع الإصحاح السابق الذي فيه بعض اليهود قد رفضوا المسيح لترى مدى خسارتهم. وعن الشبع بالمسيح تنبأ إشعياء (إش 8:49-10). ولأن الناس لن تفهم في سطحيتها معنى الشبع بشخص المسيح، عمل السيد هذه المعجزة، فالناس لا تفهم سوى شبع البطن، والمعنى أنه كما أشبعت بطونكم أنا قادر أن أشبع نفوسكم وأرواحكم.
وفي آية (4) يقول "وكان الفصح عيد اليهود قريبًا" فهو يريد أن يربط بين المعجزة والفصح "فالمسيح فصحنا ذبح لأجلنا" (1كو7:5) فهذا الإشباع رمز للإفخارستيا. ولذلك يقول عن الفصح عيد اليهود، فهو لم يعد عيد لله بعد أن جاء المرموز إليه. فالفصح الحقيقي هو ذبيحة الصليب وهو بعينه الإفخارستيا على المذبح.
والسمكة كانت الرمز الذي يتعامل به المسيحيين الأوائل، فسمكة باليونانية "إخثيس" ιχθύς وهي من خمس حروف، هي نفسها الحروف الأولى من الجملة "يسوع المسيح ابن الله مخلص". والسمكة كانت رمز سري أيام الاضطهاد الروماني، فكان المسيحيون يتعرفون على بعضهم بعلامة السمكة. وكان السمك رمز للمؤمنين في معجزتي صيد السمك (لو5 +يو21). والسمكة لها زعانف لذلك تسير عكس التيار في الماء إشارة للمؤمن الذي بواسطة النعمة يسير عكس تيار الخطية الذي في العالم. ولذلك ننتقل لمعنى آخر أن السمكة تعيش في البحر (العالم) ولا تموت رمز للمسيحي الذي يعيش في العالم ولا يتأثر بخطاياه فيحيا ولا يموت.
والمسيح طبيب النفوس أراد أن يشفي إيمان فيلبس الضعيف فسأله "من أين نبتاع خبز" وكانت إجابة فيلبس "لا يكفيهم خبز بمئتي دينار" أي حتى لو وجد المكان الذي نبتاع منه فأين النقود. ولاحظ في آية (6) أنه قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل. والمعنى أن المسيح كان يسأل ليشفي إيمان فيلبس، لاحظ أن الطعام أشبع الكل، والكل أخذوا بقدر ما شاءوا، وتبقى 12 قفة. فالمسيح يعطي بفيض وليس فقط للملء. ولكن حتى الآن نيأس إذ نجد مشاكل لا حل لها ونظن أنه لو وُجِدَ المال تحل المشاكل، وننسى أن المسيح معنا.
سؤال: لو تمسك الطفل بخبزاته القليلة ماذا كان سيحدث؟ وماذا سيحدث لو قلت لنفسي المال مالي والوقت هو لي استمتع به، لما بارك فيه المسيح. ولاحظ أن المسيح يعطي بفيض أمام القليل الذي تقدمه.
والمسيح بعد المعجزة ذهب للجبل وحده آية (15) وذلك إشارة لأنه السماوي فالجبل رمز للسماويات وخوفًا من أن الجموع تقوم بثورة لتملكه فيثيروا عساكر الرومان ضدهم. واليهود ظنوا أن المسيح كملك سيدمر لهم الرومان. لكن المسيح أتى لليهود وللرومان.
الآيات (1-2): "بَعْدَ هذَا مَضَى يَسُوعُ إِلَى عَبْرِ بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَهُوَ بَحْرُ طَبَرِيَّةَ. وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي الْمَرْضَى."
ذهب يسوع للجليل وصنع فيها معجزات فبدأ الشعب يتبعه. بعد هذا= ركب يسوع مركبًا هو وتلاميذه من كفرناحوم وعبروا بحيرة طبرية (بحر الجليل أو بحيرة جنيسارات Gennesaret). وكانت كفرناحوم مركز إقامته. وفي (لو10:9) نجد السيد عبر من كفرناحوم ليذهب إلى بيت صيدا شرقًا. والجموع الذين تبعوه سيرًا على الأقدام ساروا 13,5 كم.
الآيات (3-4): "فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَل وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ. وَكَانَ الْفِصْحُ، عِيدُ الْيَهُودِ، قَرِيبًا."
في (مر34:6) يصور الجموع كخراف وها هو الراعي الصالح المهتم بإشباع خرافه. ولاحظ فالقديس يوحنا ما عاد يعترف بأعياد اليهود ويسميها عيد لليهود. ولكنه هنا يذكر أن هذا العيد هو الفصح بالذات لأن معجزة إشباع الجموع هي رمز للفصح الجديد أي الإفخارستيا موضوع هذا الإصحاح.
الآيات (5-7): "فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟» وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ. أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ: «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا»."
يتضح هنا شخصية فيلبس وأنه يقوم بحساب كل خطوة حسابًا دقيقًا، والمسيح يسأله ليعطيه درسًا أن البركة لا تعترف بالحسابات ولا الحكمة الإنسانية، والمسيح يسأل فيلبس ليعلمه ويعلمنا فهو المعلم. ومازالت هذه طريقتنا مع الله، نريد أن نفرض عليه حلولنا العاجزة بحسب عدم إيماننا. ومازالت هذه هي طريقة المسيح معنا، فهو يسمح بتجربة لنرى يده حينما يتدخل ليحل المشكلة، كما سأل فيلبس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والسبب ليزداد إيماننا كما عالج المسيح ضعف إيمان فيلبس إذ رأى المعجزة. يمتحنه= فالمسيح هو المعلم. يسأله لإظهار ضعف إيمانه والهدف شفاء ضعف إيمانه. والمسيح سأل فيلبس من أين وفيلبس أجاب على شيء آخر وقال بمئتي دينار= فالإنسان يجيب بما يشغل باله.
الآيات (8-9): "قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: «هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟»"
أندراوس أيضًا كان له نفس الخطأ الذي وقع فيه فيلبس فهو يحكم على عمل الله بحسب الإمكانيات البشرية وليس بحسب إمكانيات الله غير المحدودة. وهنا درس آخر في احترام المواهب الصغيرة، فهنا غلام معه إمكانيات ضعيفة ولكنها ببركة الرب أشبعت الجموع. وخبز الشعير هو خبز الفقراء والسمكتان يقول دارسو الكتاب أنهما كانتا مملحتين كعادة أهل السواحل في الاحتفاظ بفائض الأسماك (ومازال الأقباط يحتفلون في يوم شم النسيم swm `nnicim التالي لعيد القيامة (الفصح) بخروجهم للحدائق (كما كان المسيح هنا في مراعي خضراء) وأكلهم الأسماك المملحة. وكانت الأسماك التي مع الغلام أسماكًا صغيرة (بساريا ψάρια وباليونانية إبساريون) القليل في يد المسيح يزداد بلا حدود: طفل صغير معه 5 خبزات شعير (أرخص خبز+ سمكتين صغار).
آية (10): "فَقَالَ يَسُوعُ: «اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ». وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ."
النساء والأطفال لا يدخلون في حسابات اليهود. ونلاحظ بحسب الأناجيل الأخرى أنهم جلسوا في ترتيب خمسين خمسين فإلهنا إله ترتيب ونظام وليس إله تشويش. وكان في المكان عشب كثير= أي مرعى فالمسيح هو الراعي الصالح (مز23) وهذه الصورة تذكرنا بصورة سفر الخروج (خر 9:24-11) حين أكلوا وشربوا في حضرة الله. ونلاحظ أن يسوع يعطي لمن يقدم كل ما عنده. فهؤلاء ما كانوا يملكون سوى الخمس خبزات. وفي معجزة تحويل الماء إلى خمر قال إملأوا الأجران فهذا أقصى ما يستطيعوه. وما نقدمه يسمى الجهاد. ولاحظ فنعمة المسيح تعطي لمن يجاهد بأقصى ما عنده.
آية (11): "وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا."
شكر ووزع= هنا حدثت البركة وتم التحول السري العجيب. والمادة الميتة أخصبت بروح الحياة فتحول المحدود إلى اللامحدود. وشكر= أي أنه يشرك الآب في هذه البركة فهو خبز بحسب مشيئة الآب. ومشيئة الآب هي مشيئة الابن فهما واحد. وما يفرح الآب والابن هو إشباع الناس ليحيوا، هي إرادة الله إعطاء البشر حياة والحفاظ على حياتهم. والمسيح الذي يستعلن الآب، بهذا الشكر يعلن إرادة الآب. ولانها إرادة واحدة فهو يشرك الآب هنا. ولذلك لا يتم التحول في سر الإفخارستيا إلاّ بالدعاء باسم الآب والابن والروح القدس. فإعطاء الحياة هو عمل الثالوث. والألفاظ المستخدمة هنا شكر ووزع وأعطى هي نفسها المستخدمة في سر الإفخارستيا فما حدث هنا رمز للسر. وشكر باليونانية هي إفخارستيا. وهي المقابل لكلمة بارك اليهودية (BEREKAH) التي استخدمت في الأناجيل الأخرى. وبينما تستعمل الأناجيل الأخرى كلمة وكسر استخدم يوحنا كلمة وزع فيوحنا ملتزم بأن المسيح لا يُكسر منه عظم (يو33:19-36) فيوحنا يكتب هذه المعجزة ويطابق بينها وبين ما حدث على الصليب، وكأن يوحنا يريد أن يقول أن الخبز الحي النازل من السماء لا يتجزأ ولا يُكسر بل يُعْطَى ككل. لذلك ونحن نتناول لا نتناول كسرة خبز بل المسيح كله. ونلاحظ أن يوحنا لا يُصوِّر هنا ما حدث على الصليب فقط بل يصور ما حدث ليلة العشاء السري فالمسيح أيضًا شكر ووزع.
الآيات (12-13): "فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ."
شبعوا= في أصلها اليوناني امتلأوا. فما زال يوحنا يتحدث عن المعجزة وفي ذهنه سر الإفخارستيا الذي يملأنا نفسيًا وروحيًا راحة وسرور ففي هذه المعجزة صار الخبز العادي في يد المسيح خبزًا سماويًا فائقًا للطبيعة أعلى من الأرقام والكميات فأصبح من يشبعهم ليس هو الخبز بل المسيح نفسه الذي يشبع أبديًا. لذلك فهذه المعجزة هي [1] رمز لسر الإفخارستيا [2] إعلان أن المسيح يسد كل احتياج للإنسان (روح ونفس وجسد) ويشبعه ويملأه ويبارك في القليل الذي عنده. وفي (يو 26:6) حينما يتكلم عن الذين لم يدركوا السر يستخدم كلمة أخرى تشير للشبع الجسدي، فهؤلاء لم يدركوا المسيح بعد أن أعطاهم أن يتذوقوا نعمته فجروا وراء الشبع الجسدي، بل طلبوا معجزة مثل أن ينزل لهم المسيح منًا من السماء كما فعل موسى ليشبعوا بطونهم. وماذا عنا هل نطلب المسيح لأجل شبع بطوننا فقط وللماديات فقط، أو نطلبه لنمتلئ به نفسًا وروحًا. القفة= كانت تستخدم لملء العليقة لإطعام الدواب التي كان يركبها الناس والقفة تتسع لرجلًا بداخلها. والمسيح طلب "اجمعوا الكسر"= ويقصد الخبز فكلنا جسد واحد، خبز واحد، فالمسيح يهتم بكل نفس (يو 39:6) بكل المؤمنين الذي يأكلون جسده، أن لا يتلفوا وينحلوا بل تكون لهم قيامة. وكلمة لا يضيع هنا ولا يتلف في آية(39) تشيران في اليونانية للفظ لا ينحل. فمن يأكل من الخبز الإفخارستي لا تضيع حياته ولا تتلف بل تبقى وتحيا (فهذه المعجزة رمز لما حدث ليلة العشاء السري). وقوله إجمعوا الكسر يشير لواجب الكنيسة في جمع أولادها (الكِسَر) فلا يضيع واحد. 12 قفة= هي رمز لكنيسة المسيح، كنيسة الاثني عشر تلميذا، التي اجتمعت حول المسيح لتصير واحدًا في المسيح يسوع. وبنفس المفهوم يهتم الكاهن بأن لا يترك في الصينية أي جزء متبقي. وتفهم الكسر أيضًا على أنها أي بركة يعطيها لنا المسيح (وقت، فلوس..) علينا أن لا نهملها فهي من الممكن أن تشبع آخرين.
12 قفة = رقم 12 يشير لشعب الله المؤمنين به في كل العالم = 4 (كل العالم)×3 (مؤمنين بالله مثلث الأقانيم، وقاموا من موت الخطية). والمعنى أنه إذا فهمنا أن المعجزة ترمز لسر الإفخارستيا، إذًا فالاثني عشر قفة المتبقية ترمز لشعب الله في كل مكان وزمان وأن الله أعد لكنيسته أن تشبع حياتهم من سر الإفخارستيا في كل مكان وزمان.
الآيات (14-15): "فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!» وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ."
فهم الجموع المعجزة بطريقة خطأ، فهموها بطريقة بشرية، وأرادوا أن يملكوا المسيح فهو سيشبعهم دون مجهود ويحررهم من الرومان. بل في جهالتهم قرروا أنه لو رفض المسيح يختطفونه ويجعلونه ملكًا حسب إرادتهم. وحماس الجماهير كان بسبب معجزات الشفاء وهذه المعجزة العجيبة. وهم فهموا المسيح بطريقة خاطئة كما نفهمه حتى الآن، فكل ما نريده هو الشبع والخيرات المادية وحل مشاكلنا مع الآخرين، فكأننا نريد أن نملكه على العالم، ولكننا لا نهتم كما لم تهتم هذه الجماهير بالشبع الروحي. هم اهتموا بالخلاص من مشاكلهم وعبوديتهم للرومان، وفكروا في أن المسيح هو المخلص من هذه العبودية ولم يفهموا هدف المسيح من الشبع الروحي والإيمان وتمجيد الله. حقًا كان هناك في فكر المسيح عمل رحمة في هذه المعجزة حتى لا يصرفهم جائعين ولكن الهدف الأسمى هو مجد الله. ولأنهم لم يفهموا اختفى المسيح من وسطهم. فهو لا يريد مُلكًا في العالم، بل أن يملك على الصليب. اختفاء المسيح كان إعلانًا أنه لن يبقى في الأرض بل هو السماوي سيصعد للسماء (ويرمز لها هنا بصعوده إلى الجبل).
هذه المعجزة نرى فيها بوضوح المنهج الأرثوذكسي في الخلاص وهو الجهاد والنعمة فنعمة الله انسكبت بفيض وغزارة في هذه المعجزة ولكن كان مهمًا وجود الجهاد الذي يمثله الخمس خبزات والسمكتين. والذي مثله ملأ الأجران في قانا الجليل والذي مثله إزاحة الحجر عن قبر لعازر.
الآيات (16-21): "وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ نَزَلَ تَلاَمِيذُهُ إِلَى الْبَحْرِ، فَدَخَلُوا السَّفِينَةَ وَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَكَانَ الظَّلاَمُ قَدْ أَقْبَلَ، وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ أَتَى إِلَيْهِمْ. وَهَاجَ الْبَحْرُ مِنْ رِيحٍ عَظِيمَةٍ تَهُبُّ. فَلَمَّا كَانُوا قَدْ جَذَّفُوا نَحْوَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلاَثِينَ غَلْوَةً، نَظَرُوا يَسُوعَ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ مُقْتَرِبًا مِنَ السَّفِينَةِ، فَخَافُوا. فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ، لاَ تَخَافُوا!». فَرَضُوا أَنْ يَقْبَلُوهُ فِي السَّفِينَةِ. وَلِلْوَقْتِ صَارَتِ السَّفِينَةُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي كَانُوا ذَاهِبِينَ إِلَيْهَا".
هذه المعجزة الملازمة لإشباع الجموع أوردها متى ومرقس أيضًا ونفهم من (مر45:6-46) أن السيد ألزم تلاميذه أن يركبوا السفينة ويسبقوا إلى العبر، أمّا هو فمضى إلى الجبل ليصلي والرب وعدهم أنه سيلحق بهم ولكنه لم يوضح كيف فلماذا ألزمهم السيد أن يركبوا السفينة وهو عالمٌ بما سوف يلاقونه من رياح؟! غالبًا فالتلاميذ حزنوا إذ رفض المسيح الملك، فكلٌ منهم تصور لهُ دورًا عظيمًا إذا صار المسيح ملكًا. والرب أرادهم أن يعرفوا أن العالم كالبحر مضطرب، هائج لا يصح أن نشتهيه ونشتهي مجده، بل نشتهي السماويات، لذلك قيل أن المسيح انصرف إلى الجبل. فالجبال في الكتاب المقدس تشير للسماويات. أمّا هم فلأن فكرهم ما زال أرضي فلينزلوا إلى البحر الهائج ليأخذوا درسًا. وبعد أن أخذوا الدرس أتاهم المسيح ماشيًا على البحر المضطرب ليفهموا أنهم سيواجهون متاعب شتى في خدمتهم وحياتهم ولكن المسيح له سلطان على كل شيء. ففي المعجزة السابقة رأيناه وله سلطان على المادة ونراه هنا وله سلطان على البحر والهواء، بل له سلطان على كل العالم فهو قد غلب العالم. بل حينما دخل المركب وصلت في الحال للبر. المسيح هنا يقول للتلاميذ لا تخافوا حين يهيج العالم إذا كان المسيح وسطكم ففي اللحظة التي يراها مناسبة يتدخل. ولما كان المساء= المساء تشمل معنى غياب الإيمان، أو الخلاف مع المسيح بسبب موضوع الملك. وأن المسيح ليس معهم. فإذا اختفى المسيح من حياتي فهو المساء (16) وهو الظلام (17) وهاج البحر(18). وإذا حدث هذا نتعرض لتجربة خطيرة كهياج البحر. فمع ضعف الإيمان ينشط إبليس. وهنا بصفته رئيس سلطان الهواء أهاج رياحًا عظيمة (اف2:2) فغياب المسيح أدى لظهور المجرب (مر47:6-48). ونفهم أن الريح كانت ضدهم وكانوا هم معذبين من الجذف (عرض البحيرة 8كم في زمان المسيح والآن هي 12 كم وطولها 21 كم. والغلوة= 200 م. أي أن عرض البحيرة= 40 غلوة. وكان التلاميذ قد جدفوا مسافة 25-30غلوة أي 5-6كم بعيدًا عن الشاطئ وبحسب مرقس فلقد استغرق منهم هذا وقتًا طويلًا فهم صاروا في الهزيع الرابع حين أتاهم الرب ماشيًا أي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، أي كانوا يجدفون حوالي 10 ساعات متواصلة. والرب أتاهم كما يأتي لكل متألم ينتظره وكأن داود النبي رأى ما حدث حين قال (مز23:107-31). ونرى هنا سلطان المسيح على الريح وعلى البحر (مر37:4-41). المسيح كان موجودًا لكنهم لم يروه بسبب ظلمة قلوبهم. ربما لاختلافهم معه. وكثيرًا نحن في ضيقاتنا نظن الله غير موجود بسبب ظلمة قلة إيماننا.
فرضوا أن يقبلوه= المعنى في اليونانية أنهم كانوا متلهفين على أن يدخل السفينة. ومن مرقس نفهم أن الرب سار بمحاذاة السفينة ولم يدخلها، وكان يبدو أنه يريد أن يعطي طمأنينة لتلاميذه، لكنهم صرخوا وخافوا إذ ظنوه خيالًا. فطمأنهم بقوله أنا هو لا تخافوا= أنا يهوه ثقوا فيًّ ولا تخافوا لا من العالم ولا من الشيطان. فرضوا= أي تحوَّل خوفهم إلى إيمان وفرحوا بوجوده معهم. ونفهم من (مت25:14-28) أن بطرس طلب أن يسير على الماء مثله ليتأكد أنه المسيح. فأراد أن يتجاوزهم= فالرب يتراءى وقت الضيقة لنصرخ له. وإذا صرخنا يدخل فتهدأ سفينتنا. وهذا ما حدث مع تلميذيّ عمواس إذ تظاهر أنه منطلق بعد عمواس وحينما دعوه ذهب معهما فانفتحت أعينهما وتحول عدم إيمانهما إلى إيمان. فالمسيح يظهر لنا دائمًا أنه فوق الضيقات وفوق الأمواج الهائجة. هو ضابط الكل. هو المتحكم في كل شيء والمسيطر على كل شيء فلماذا الخوف. وإذا دعوناه ليدخل حياتنا يعطينا هدوء وسلام وإيمان. ويوحنا البشير يضيف معجزة أخرى أن السفينة صارت للوقت إلى الأرض (مز29:107+30). وهكذا كل من يقبل المسيح في حياته ولا يرفضه يبلغ شاطئ الأمان ويحيا في سلام ونحن يكون حالنا أفضل والبحر هائج ولكن يسوع وسط السفينة من أن نكون في سلام زائف بعيدًا عن يسوع. ولاحظ أن عينا المسيح كانت عليهم في ضيقهم وأنه أتى في الوقت المناسب.
ويوحنا لم يذكر سير بطرس على الماء، فموضوع يوحنا هو أن المسيح هو ابن الله المشبع فلم يهتم بذكر قصة بطرس.
الآيات (22-27): "وَفِي الْغَدِ لَمَّا رَأَى الْجَمْعُ الَّذِينَ كَانُوا وَاقِفِينَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ سَفِينَةٌ أُخْرَى سِوَى وَاحِدَةٍ، وَهِيَ تِلْكَ الَّتِي دَخَلَهَا تَلاَمِيذُهُ، وَأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَدْخُلِ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ بَلْ مَضَى تَلاَمِيذُهُ وَحْدَهُمْ. غَيْرَ أَنَّهُ جَاءَتْ سُفُنٌ مِنْ طَبَرِيَّةَ إِلَى قُرْبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكَلُوا فِيهِ الْخُبْزَ، إِذْ شَكَرَ الرَّبُّ. فَلَمَّا رَأَى الْجَمْعُ أَنَّ يَسُوعَ لَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَلاَ تَلاَمِيذُهُ، دَخَلُوا هُمْ أَيْضًا السُّفُنَ وَجَاءُوا إِلَى كَفْرِنَاحُومَ يَطْلُبُونَ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَجَدُوهُ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ، قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَتَى صِرْتَ هُنَا؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ. اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ، لأَنَّ هذَا اللهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ»."
الجموع ما زالت تحاصر يسوع لعلها تنجح أن تجعله ملكًا.
غير أنه جاءت سفن= بعض السفن جنحت نتيجة عاصفة الأمس، أو أن الريح التي عاكست سفينة التلاميذ في اتجاهها غربًا ساعدت السفن المتجهة شرقًا. فلمّا لم تجد الجموع الذين شبعوا بالأمس، يسوع، ركبوا هذه السفن التي تصادف أنهم وجدوها على البر الشرقي ربما لجنوحها، ورجعوا إلى كفرناحوم ليبحثوا عن المسيح، فلما وجدوه ازدادت حيرتهم كيف وصل؟ فليس هناك سوى طريقين [1] الطريق البري ويستحيل أن يسير فيه مساءً لأنه طويل ومحفوف بالمخاطر ومهجور ومملوء صخورًا [2] أن يركب سفينة وهم لم يروه يركب سفينة. وغالبًا فهم سألوا تلاميذه وعرفوا قصة سيره على الماء فازداد إعجابهم. متى صرت هنا= هم يريدون بهذا السؤال أن يكشف لهم سر قوته، والمسيح لم يخبرهم أنه سار على الماء هربًا من المجد الذاتي. ولكن كل حماسهم لم يخرج عن المحيط السياسي والمادي لذلك بدأ المسيح يصحح لهم مفاهيمهم حتى يعملوا لا للطعام البائد.. فبكتهم على أفكارهم المادية= لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. هدف المعجزة أن يعرفوا من هو فيأتوا إليه لشخصه المشبع، لكن لم تفهموا من أنا بل طلبتم المزيد من الماديات. تطلبونني لا للآيات= أي تطلبونني بسبب المعجزة وليس لأنكم اكتشفتم من أنا. فكلمة آية تشير لعمل يعلن عن الشخص. إذًا المعنى تطلبونني لا لشخصي بل لعطاياي. وهذه ما زالت مشكلتنا أننا ننشغل بعطايا المسيح عن شخص المسيح. ولاحظ أن الله يعطينا الطعام الجسدي حتى لو لم نطلبه. لكن الطعام الباقي علينا أن نجاهد لأجله. علينا أن لا ننشغل بالماديات فالأهم أن الله يعطينا ذاته. هناك خطأ شائع أن يتحول المسيح في فهمنا ليصبح وسيلة وليس غاية. ولكن المسيح يصنع المعجزات ليثير فينا الإيمان به وبشخصه المشبع وبالإيمان ستكون لنا حياة أفضل. وإذا فهمنا هذا فكل طلب نطلبه يعطيه الله لنا إن كان له نفع في زيادة إيماننا، ولكن إن لم يكن كذلك فسيشابه ملء بطون الجليليين بالطعام البائد وقوله شبعتم هنا تعني ملء البطون. أما ما يريده المسيح لنا أن نمتلئ منه كما جاءت كلمة شبع في آية (12) بمعنى إمتلأوا = وهو القادر أن يملأ كل احتياجاتنا المادية والنفسية والروحية. يصير هو شبعنا الكامل فلا نحتاج لغيره. فهو يشبع الأرواح والنفوس ويملأنا فرحًا فضلًا عن أنه يشبع البطون. فلنطلب من الله، فإذا لم يعطنا يكون رفضه الاستجابة لأن إستجابة هذا الطلب لن تفيد في زيادة إيماننا حتى لو كان طلب شفاء مريض. وقوله بائد= فهو يتحلل ولأن العالم كله سيبيد. على أن الله مسئول أيضًا عن هذا البائد ويعطيه لنا. المهم ألا ننشغل به عنه. أما الباقي= فهو ما سيعطي أجسادنا قيامة في الأبدية وديمومة. وهو لا يفنى ولا يتغير إذًا هو الله خبز الحياة. ليس لأنكم رأيتم آيات= رأيتم هنا تعني أدركتم من أنا، وإستفدتم من المعجزة بطريقة صحيحة أي فهمتم القصد من الآية. فالمعجزة هدفها أن نعرف شخص المسيح وشخصه الذي يشبعنا فرحًا. لأن هذا الآب قد ختمه= ختمه أي كمن ختم على وثيقة أن المسيح ابنه، وختمه أي شهد له الآب بقداسته وميَّزه عن أي أحد آخر (رؤ2:7-3). وختمه أيضًا يشير لأن الآب عينه للذبح وبالتالي عينه ليكون طعامًا وخبزًا للحياة الأبدية، فالخراف التي كانت تقدم كذبائح كانت تفحص أولًا من الكهنة ثم يختمها الكهنة أنها بلا عيب وصالحة لتقدم كذبيحة. وهنا نسمع لأول مرة قوله الله الآب، فبذبيحة الابن سيصير الله أبًا لجميع المؤمنين. وقوله الآب قد ختمه هي نفسها "فالذي قدسه الآب" (يو10: 36) والمعنى الآب خصصه لذبيحة الصليب.
الآيات (يو6: 28– 40):- " فَقَالُوا لَهُ: «مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ». فَقَالُوا لَهُ: «فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟ آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا».
"فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ». فَقَالُوا لَهُ:«يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هذَا الْخُبْزَ». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إليَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. وَلكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إليَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ»."
آية (28): "فَقَالُوا لَهُ: «مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟»"
في الآية السابقة قال السيد إعملوا وهنا يسألون ماذا نفعل. وسؤالهم يبدو أنه في محله ولكن في نيتهم: 1* ماذا نفعل لنتحرر من الرومان ونسود العالم، 2* أو ماذا نفعل من الأعمال الطقسية
حتى يتم لنا هذا، فهل الناموس ناقص ليسألوا عن شيء آخر؟! أو هم 3* يريدون عملًا يرضون به الله يؤدونه ليدخلوا الحياة الأبدية. فاليهود تصوروا أن الخلاص هو بأعمالهم هم فقط . لذلك نجد المسيح هنا يصحح مفاهيمهم ويقول لهم ... أن دخول الحياة الأبدية هو عمل يعمله الله بأن يرسل ابنه، ليعد لنا مكانا بدخول جسده للسماء. لذلك أجابهم المسيح أن المطلوب ليس أعمال بل إيمان به، وأن العمل هو عمل الله وليس عملهم هم. العمل بدون إيمان بالمسيح لا يرضي الله. الإيمان المقرون بالأعمال الصالحة شرط أساسي للحياة الأبدية. العذراء أعظم القديسين تقول "الله مخلصي". فالإيمان مدخل وبدونه لا حياة مع الله ولا حياة أبدية. وبعد ذلك لا بُد من الأعمال والجهاد، ومن يؤمن ويجاهد يعطيه المسيح حياته ويعمل فيه. ومن يعمل وحده بدون المسيح يجد الأعمال ثقيلة. بل أن الأعمال بدون إيمان لا فائدة منها للخلاص. وللمؤمنين بالمسيح نجد نيره هين وحمل الوصية خفيف.
آية (29): "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ»."
المسيح يكشف لهم أن هدف معجزاته هو الإيمان البسيط وليس إثارة شهوتهم في الملك. وعمل الله= أنه أرسل لهم المسيح المخلص وما عليهم سوى الإيمان به فالإيمان به هو عمل في حد ذاته، فالناموس أرشدهم للمسيح. والخلاص يتضمن الشبع والحرية والحياة الروحية والخلاص من الموت. وهم سألوا عن أعمال والمسيح أجاب بقوله عمل واحد هو الإيمان به. فالمسيح يصحح اتجاه أفكارهم ولا يستبدل عمل بعمل آخر. والمسيح بهذا يشير لأنهم لم يؤمنوا به بعد المعجزة. ولنلاحظ أهمية الأعمال بعد الإيمان بالمسيح. لكن بدون الإيمان بالمسيح فأي عمل نعمله هو بلا قيمة.
الآيات (30-31): "فَقَالُوا لَهُ: «فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟ آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا»."
لقد رأوا معجزة إشباع الجموع وسمعوا عن سيره على الماء وهم أرادوا أن ينصبوه ملكًا، ومع هذا يطلبون آيات أخرى، وكان هذا غالبًا بسبب تشكيك الفريسيين فيه. وغالبًا كان هذا الحوار في المجمع في كفرناحوم وسؤالهم عن المن راجع لأن اليهود كانوا يعتقدون أن المسيا سينزل لهم منًا من السماء ليشبعهم كما عمل موسى، وسيكون هذا علامة أنه المسيا. ولم يفهموا أن المسيح سيكون لهم خبزًا سماويًا (كان نزول المن أعظم معجزة عند اليهود) هم أرادوا خبزًا من السماء كل الأيام لتصير حياتهم سهلة فيؤمنوا به. وللآن نتصور أنه إن كان الله يحبني فلا بُد أن يعطيني ما أريد.
الآيات (32-33): "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ»."
ليس موسى
= فموسى كان واسطة. لكن المصدر هو الله. أبي يعطيكم= يعطي هنا مضارع مستمر. أي الآب أرسلني وأنا الخبز الحقيقي وليس أي معجزة. المسيح هنا يشرح أن المن لم يكن إلا رمزًا له، وهو الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء. وكما أرسل الله المن لموسى، هكذا أرسل المسيح لهم الآن خبزًا حقيقيًا. إذًا المن كان رمزًا. وكلمة حقيقي أي يعطي حياة أبدية وليس كالخبز العادي من يأكله يموت بعد حين. خبز الله= هم يطلبون خبزًا ينزله لهم الله من السماء بواسطة المسيح. والمسيح يكلمهم عن خبز حقيقي من الله ومقدم إلى الله ولا ينتن ويُدَوِّد كالمن ولا يتحول ولا ينتهي وهو المشبع حقيقة. أما خبز العالم فمن يأكله يجوع، ويموت ولكن المسيح من يأكله يحيا للأبد. (هذا معنى كلمة حقيقي، وبنفس المفهوم فالمسيح هو النور الحقيقي فهو نور أزلي أبدي أما الشمس فسيأتي عليها يوم وتنطفئ). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). النازل= في الأصل اليوناني دائم النزول، فهو موجود في السماء قبل تجسده. والمن مهما كان معجزة فهو مجرد طعام للجوف، والمسيح يريد أن يبعد عن أذهانهم ما عَلَقَ فيها من أفكار مادية جسدانية. وما زال هذا الفكر اليهودي أي الشبع الجسدي كعلامة للمسيح، موجود عند أصحاب مذهب الألف سنة، أمّا المسيح فيشرح أن عطاياه الأهم هي على مستوى الروح، ولهذا أتى وتجسد. الواهب حياة للعالم= بينما أن المن كان لليهود فقط. وهو يعطي حياة بينما أن من أكلوا المن ماتوا.
آية (34): "فَقَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هذَا الْخُبْزَ»."
نفس سؤال السامرية، فهم يريدون خبزًا بلا مشقة، هم ظنوه خبزًا ينزل من السماء بلا جهد كل يوم كالمن. وبينما اعترفت السامرية بخطيتها لأنها منكسرة وتعرف أنها خاطئة، منع كبرياء اليهود وبرهم الذاتي من الاعتراف باحتياجهم فانصرفوا فارغين (رؤ3: 16، 17).
آية (35): "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا."
قبل ذلك كان يقول خبز الله لكنه هنا أوضح أنه هو خبز الحياة= أنا هو خبز الحياة. فالمسيح هو خبز يعطيه الله الذي يريد أن يعطي حياة للإنسان. والمسيح يكلم دارسين للعهد القديم سمعوا عن شجرة الحياة (تك9:2+ 22:3) فتعبير الحياة في مسامع اليهود يعني الحياة الأبدية كمن يأكل من شجرة الحياة. وسمعوا عنها أيضًا في (أم13:3+18 + أم30:11+ مز8:36-9) وتفسير هذا نجده في (رؤ7:2+ 1:22+6). والمسيح هنا يقدم نفسه مأكلًا ومشربًا. من يقبل إليَّ فلا يجوع = هذا يعني أنه يسدد كل احتياجاتنا فلا نحتاج إلى أحد غيره. نأكله ونشربه هنا بالسر، وهناك في الأبدية نشبع ونرتوي فيه بالحق إلى الأبد. فالمسيح هو شجرة الحياة من يأكله يحيا للأبد فجسده فيه حياة أبدية. ونرى السامرية وقد إرتوت فعلًا بعد أن آمنت بالمسيح فهو لا يخيب رجاء من يقبل إليه. ولكن المسيح عرف أن الجليليين لن يقبلوه ولن يؤمنوا به لأنهم لا يريدون عطايا روحية.
مَن يؤمن بي لا يجوع (فهو خبز الحياة) والمعنى أنه لن يحتاج لشيء فهو له المسيح "أنا لحبيبي وحبيبي لي".
ولا يعطش (فهو ماء الحياة كما قال للسامرية)، والمعنى أن الروح القدس يثبتنا في المسيح المحيي فتكون لنا حياة أبدية بكل مواصفاتها السماوية من ثمار للروح القدس - محبة وفرح وسلام وتعفف ...إلخ نحصل عليها هنا كعربون، والكل في السماء. وهذا يعني أن المسيح يرسل الروح القدس لكل من يؤمن به فيرتوي، "وقف يسوع ونادى قائلًا ان عطش احد فليقبل إليَّ ويشرب من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد. لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يو7: 37 - 39) . والشرط أن نقبل إليه أي نؤمن ونصدق، ونتحرك ونأخذ خطوة ناحية المسيح باشتياق. يؤمن بي= موقف القلب الداخلي والضمير. والتحرك نحو المسيح مرتبط بالإيمان. المسيح هنا يحول نظرهم من أشياء يأخذوها منه إلى شخصه والشبع به هو.
آية (36): "وَلكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ."
فكل ما يريدونه مطالب دنيوية، خبز نازل من السماء بدون جهد. قد رأيتموني= وهذا يدينهم أنهم رأوا المسيح ورأوا وجهه المقدس وهيئته الإلهية ورأوا معجزاته وسمعوا أقواله ومع هذا لم يؤمنوا (لأنهم لم يكتشفوا شخصه المُشْبِع).
كان القديس الأنبا أنطونيوس يجمع الرهبان ليسألوه عما يريدون معرفته. ولاحظ الأنبا أنطونيوس أن هناك راهبًا لا يسأله أبدًا بل يتطلع إليه فقط. فسأله "ألا يوجد لديك أسئلة" فقال "يكفيني النظر إلى وجهك يا أبي". فإن كان وجه الأنبا أنطونيوس مشبع هكذا، فكم وكم كان وجه المسيح. وهؤلاء اليهود كان أمامهم المسيح يعلمهم بنفسه ولم يدركوا عظمة هذا الإنسان الإلهي. رأوه بالعين الجسدية ولم تكن لهم بصيرة داخلية.
وذلك لأن شهوة الجسد وتعظم المعيشة والمطالب والرغبات الشخصية المتعارضة مع إرادة الله تتلف البصيرة الداخلية فلا يرى الإنسان الحقيقة. هذا يتلف حواس الإنسان الروحية فلا يتعرف على المسيح. والمدخل لحل هذه المشكلة أن يتعلم الإنسان معنى صلاة "لتكن مشيئتك". أضف لهذا كبرياءهم، فهم غير متقبلين أن يؤمنوا بيسوع النجار ابن النجار الذين يعرفون أباه وأمه (آية42 + لو4: 22).
هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة، ولاحظ قول الرب فيها.. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.. ويقول لهم هنا إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. والمعنى لو جئتم إليَّ بدون شروط تضعونها أنتم (طلبهم معجزة منه كشرط للإيمان) لكنتم اكتشفتم أنني قادر أن أعطيكم الشبع والارتواء. وهذا ما عبَّرَ عنه القديس بطرس بقوله للمسيح "يا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ، وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ" (يو6: 68-69). فبطرس لم يستطع أن يتركه إذ قد شعر بالشبع والاطمئنان والسلام والفرح وهو بجانبه. فمن يضع شروطا ليؤمن فلن يعرف المسيح، وهذا ما حدث مع هؤلاء اليهود إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. فوضع شروط يعطل الإيمان، أما من يطلب المسيح لشخصه فسيكتشف أنه وحده المشبع.
مثال:- عروس إقتنعت بشخص خطيبها إذ شعرت بكماله وعواطفه الرقيقة ومحبته، فقالت أشعر معه بأنه مثل أبي يحبني ويحميني ومشوراته ترشدني. أنا أريد أن أتزوجه وأتحد به فليس غيره يقنعني. هذه العروس تريد عريسها حتى لو لم يأتي لها بهدايا، فهي فهمت أن الارتباط بهذا العريس سيضمن لها حياة كلها محبة وفرح.
بينما تجد هناك عروس أخرى مخطوبة كانت تفرح بهدايا خطيبها وتتفاخر بها. ثم صارت تطلب الانفصال عنه متهمة إياه بالبُخل لأن هداياه لها قلَّت، وصارت أقل من هدايا خطيب صديقتها لصديقتها.
والمسيح حين يطلب الإيمان به، فهو يطلب أن نكتشف حلاوة شخصه والاقتناع بشخصه وبمحبته مهما كانت الظروف، ومن يقتنع به سيطلب الإتحاد به. ولنفهم أن عطايا المسيح الحقيقية ليست هنا على الأرض بل في السماء. هو أتى ليتحد بنا ليأخذنا معه للسماء بأمجادها وليس ليعطينا بعض العطايا الأرضية الفانية. والإتحاد به يكون عن طريق المعمودية ثم الإفخارستيا لنضمن دوام الإتحاد به، وبهذا نأخذ منه الحياة الأبدية والمجد ... لأن جسده متحد بلاهوته. وهذا هو موضوع هذه الآيات.
ولذلك يطلب المسيح الإيمان به، لا لأنه يحتاج لنا، بل لأن من يؤمن به سيقبل الإتحاد به فيكون له نصيب في الحياة الأبدية والمجد الأبدي. فالمسيح يطلب أن نعرف حقيقته وحقيقة محبته لنا وأنه وحده المشبع لاحتياجاتنا الجسدية والنفسية والروحية، وهو وحده القادر أن يقودنا للأمجاد السماوية. فنقبل الإلتصاق به والإتحاد به مهما كانت الضيقات هنا على الأرض، فالأرض كلها ضيقات (يو16: 33) ويعاتبنا المسيح بقوله "أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة" (مت26: 40). فمهما طالت مدة ألامنا على الأرض فهي لا شيء بجانب أمجاد الأبدية (رو8: 18 + 2كو4: 17). (يُرجى مراجعة تفسير الآية نش7: 10 وحتى نهاية تفسير الإصحاح 8 من سفر النشيدل).
والآن لنسأل أنفسنا، لماذا يُلِّحْ المسيح على أن نؤمن به؟ لا لأن المسيح يحتاج لنا، بل لأنه يريد أن نكتشف شخصه الحلو المفرح القادر وحده أن يشبعنا ويعزينا وسط ضيقات هذا العالم. وهنا نقبل الإتحاد به فتكون لنا الأمجاد والحياة الأبدية (يو17: 24).
آية (37): "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا."
كل ما يعطيني الآب= هنا نرى دور الله في إيمان الإنسان فالله يجذب الإنسان ليؤمن. فالله يريد أن جميع الناس يخلصون..." (1تى2: 4) . ولكن للإنسان حريته في أن يقبل. والله يحاول مع كل واحد بالإقناع والإلحاح "أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت" (إر20: 7) . وهذا عمل الروح القدس "وليس احد يقدر ان يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3) . ومن يتجاوب مع دعوة الروح القدس ولا يعاند يُقبِل للمسيح. الرب هنا يريد أن يقول لهم أن الآب دعاكم، والروح القدس حاول إقناعكم، وأنا عملت كل الأعمال الصالحة، وقلت كل الأقوال الصالحة أمامكم، فأنتم بلا عذر الآن في عدم إيمانكم. ولو أتيتم كاستجابة لدعوة الآب ولصوت الروح القدس داخلكم فسأقبلكم وستنفتح عيونكم وتعرفوني. ومن يقبل إليَّ = من يأتي بدون شروط طالبًا بأمانة أن يعرفني سيعرفني وسأقبله. كلُّ.. فإليَّ يقبل= كل بالجمع وإليَّ يقبل بالمفرد. فعلاقتنا مع المسيح علاقة فردية كعريس بعروسه. ولكن المسيح يجمعنا كلنا في وحدة واحدة متكاملة. لا أخرجه خارجًا= في أصلها اليوناني يستحيل بأي حال أن أخرجه. وبالتالي فهؤلاء اليهود لم يأتوا للمسيح ولم يؤمنوا به فرفضهم الآب وطردهم لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح ولا قبلوه. (أف3:1-5)= كل ما يعطيني الآب. فمن يعطيه الآب للابن يجعله الابن جزءا من جسده ويغطيه بدمه (قارن مع تفسير يو17: 6) . ومن الذي يخرجه خارجًا، الشيطان ومن ليس عليهم ثوب العرس (عرس ابن الملك) . إذًا حتى لا أكون خارجًا ، فالمطلوب مني [1] الإيمان [2] التوبة.
الآيات (38-39): "لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ."
مشيئة الآب الذي أرسل المسيح أن يهب الحياة الأبدية لكل من يؤمن، وهذا يكمل قوله في آية (37) أن مَن يقبل إليه لا يخرجه خارجًا، ويضيف هنا أنه لا أتلف فهو سيحفظه أمام هجمات العدو الشرير، وأعطيه حياة أبدية. كان سؤالهم في آية (30) ماذا تعمل. وهنا نسمع أنه يعمل مشيئة الآب أن لا يتلف أحد بل يقيمه (يقيمه تكررت 4 مرات). فهذه مشيئة الآب أن الجميع يخلصون وتكون لهم حياة أبدية. لذلك فالمسيح لا يرفض من يأتي إليه. في آية 12 قال الرب "اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ" وكلمة لا يضيع وكلمة لا أتلف لهما نفس المعنى = لا ينحَل.
آية (40): "لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ»."
هذه هي مشيئة الله "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تى2: 4). وكيف يتمم الله هذا؟ كان هذا بعمل الابن الفدائي، فأرسل ابنه ليتممه = الَّذِي أَرْسَلَنِي. لكن لابد من التعرف على شخص المسيح وقبول شخصه والإيمان بصليبه = أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ. ومن شروط الخلاص قبول الصلب معه فنحيا معه "مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا، بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غل2: 20). وهذا يبدأ بالمعمودية، لذلك يقول القديس مرقس "من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16). والمعمودية ليست هي فقط موت مع المسيح وقيامة مع المسيح بل هي موت مع المسيح والاستمرار في حياة الإماتة أي نحسب أنفسنا أمواتا عن الخطية وبهذا تظهر حياة المسيح فينا (رو6: 11 + 2كو4: 10-11 + غل2: 20 + غل5: 22-24).
كل ما مضى كان رد المسيح على الجليليين "ماذا نعمل" والمسيح يشرح أن العمل هو عمل الله وليس عملهم هم. وكل ما هو مطلوب منهم أن يصدقوا ويؤمنوا بالمسيح. وكل من لا يؤمن يكون قد رفض مشيئة الله الآب. فالخلاص متوقف إذًا على إرادتي.
كل من يرى الابن= ليس بالعين البشرية ولكنها رؤية بالقلب والفكر الروحي فاليهود رأوه ولم يؤمنوا ونحن لم نراه بالجسد لكن نؤمن به. ولا بُد أن نرى الابن هكذا أولًا حتى نؤمن به فنحن لن نؤمن إلاّ بمن نعرفه ونثق فيه. وهذا يأتي بالتأمل في كلمة الله المكتوبة في الكتاب المقدس، فنرى الابن كلمة الله برؤية عقلية يعطيها لنا الروح القدس "الذي يأخذ من المسيح ويخبرنا" (يو16: 14)، فنؤمن به ثم نشبع به ونرتوي. والكلمة يرى باليونانية تشير لرؤية الحقائق الإلهية حيث يستنير الفكر بالنور الإلهي الداخلي. ومن يرى المسيح هكذا تكون له حياة وقيامة. حياة أبدية= تبدأ من هنا على الأرض. بالمعمودية ثم بالثبات في المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو4:15) وهذا قطعًا بالتوبة والتناول من جسد الرب ودمه، وقبول اختياري بحرية لممارسة حياة الإماتة كما يقول القديس بولس الرسول "أقمع جسدي وإستعبده، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلْآخَرِينَ لَا أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا (1كو9: 27).
الآيات (41-42): "فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ قَالَ: «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ». وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ، الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ هذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟»"
النازل من السماء= يقصد أن طبيعته سماوية لكنهم هم فهموا أنه نزل من السماء بجسده الذي يرونه أمامهم وهم يعرفون أباه وأمه. يتذمرون= هذه طبيعة بني إسرائيل منذ خرجوا من أرض مصر. وواضح أن صورة المسيح البشرية، إذ رأوه إنسانًا وقفت كعثرة في قبول لاهوته. رأوه بعيونهم البشرية ولم يروه بالعيون الداخلية كما في آية (40). لذلك فيوحنا تحاشى الكلام عن نسب المسيح وولادته وتكلم عن لاهوته. ولقد صنع المسيح معجزة إشباع الجموع ليساعدهم على أن يؤمنوا بكلامه لكنهم كانوا مذبذبين، تارة يؤمنوا به وتارة يتذمرون عليه. فهم لم يروا إنسان يأتي من السماء ويهب حياة أبدية. وفهموا من كلامه أنه أعظم من موسى.
الآيات (43-47): "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ. لَيْسَ أَنَّ أَحَدًا رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللهِ. هذَا قَدْ رَأَى الآبَ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ".
إن لم يجتذبه الآب
= هذا عمل داخلي للآب بالروح القدس الذي ينخس القلب ويوقظ الضمائر بنور إلهي يشرق في القلب ويقنع، فيأتي الشخص للمسيح ويؤمن به ولكن الآب يجتذب كل من يعطي قلبه لله ويفتح أعين قلبه لقبول مشيئته. ومشيئة الله هي عمل المسيح ورسالته. الآب يقنع الإنسان ويملأه نعمة حتى يؤمن بالمسيح ربًا. لكن مع احترام حرية الإنسان. وكان هذا معنى سؤال المسيح لمريض بركة بيت حسدا "أتريد أن تبرأ" (يو5). ومن يُريد سيستجيب لعمل جذب الآب. الآب يجذب ويحاول مع الكل "فهو يريد أن الجميع يخلصون" (1تى 2: 4). لكن قوة جذب الآب تعمل مع من يريد. والمسيح هنا يقول إن لم يجتذبه الآب لأن الآب يبدأ بالجذب وينتظر من يقبل دعوته. لذلك قال المسيح لليهود "كمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا" (مت23: 37). هنا نرى أن إرادة اليهود عطلت إرادة المسيح. فالله يستخدم قوته النابعة من شدة محبته ليجذب النفوس المترددة، والآب يجذب في مقابل مقاومة الإنسان، بقوة إقناع (إر7:20) لكن دون إجبار. ولاحظ أن عدو الخير يجذبنا بعيدا عن المسيح عن طريق الإغراءات وملذات العالم وفلسفاته وشكوكه، ولكن الروح يعطي نعمة أعظم (يع4: 6). وبدون هذا النور الإلهي لا يمكن لأحد أن يؤمن بالمسيح (1كو3:12). وكل أقنوم يقود للأقنوم الآخر بلا أنانية. فالأقانيم مرتبطة في وحدة بالحب. فالآب يجذب ويقود للابن، والابن يقود للآب "من أراد الابن أن يعلن له" (لو22:10). والروح القدس يقود للابن (يو14:16). ولزوم أن الآب يجذبنا هذا راجع لقصور العقل البشري وحده عن أن يدرك الله فيؤمن. ولكن كيف يجتذب الآب المؤمن؟ الإجابة. ويكون الجميع متعلمين من الله. أي أن الله يعلمهم فالمعرفة البشرية لا يمكن أن تؤدي وحدها لمعرفة المسيح.. وكيف يعلمهم الله؟ بأن الروح القدس يكتب على قلوبهم (إر33:31-34) ويكون هذا بالحب الذي رأيناه على الصليب. الآب يرسل الروح القدس فيسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) وبهذا الحب ننجذب. وكيف يسكب الروح القدس محبة الله في قلوبنا؟ هذا بأنه يخبرنا ويحكي لنا عن شخص المسيح، ويفتح عيوننا على حلاوة شخصه فنحبه وننجذب إليه (يو16: 14). ومن ينجذب ويأتي يعلمه الله. الآن الروح القدس فينا يعلمنا (يو14 : 26). أما اليهود فكان المسيح أمامهم يعلمهم. فالتعليم لن يصبح حكرًا على الفريسيين بل هو للجميع، لكل من يريد. ولكن من أعطى قلبه لإبليس يصير إبليس أباه وقطعًا سيرفض تعليم الله (يو43:8-44). وهذا هو سر رفضهم للمسيح. فهم لم يستجيبوا لجذب الآب لهم بل أعطوا قلوبهم لكبريائهم أي لإبليس. وكان تلاميذ المسيح برهان صادق على أن الروح القدس بدأ يكتب على قلوبهم ويعلم من يقبل. والمسيح يعلم عن الله ليس كأي معلم قرأ كتبًا ويعلمها بل لأنه رأى الله ويعرفه= ليس أحدًا رأى الآب إلاّ الذي من الله. لذلك فمن يسمع من المسيح فهو يسمع من الله رأسًا. وكلمات المسيح هي عندنا الآن مدونة في الإنجيل. وأيضًا من يسمع لصوت الروح القدس يسمع من الله، فالروح القدس هو روح الله "وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به" (يو16: 13) . فما يريده الآب ينفذه الابن والروح القدس، فلأن الابن والروح القدس هما في الآب فهما يعرفان ما يريده الآب ويعلناه فهما أقنوميّ التنفيذ. أما حتى موسى فهو رأى شبه الله (عد5:12-8). أمّا المسيح فهو من طبيعة الله وجوهره فهو قد رآه في ذاته. فالرؤيا هنا هي رؤية الذات للذات، فالآب والابن ذات واحدة لذلك فعلى البشر أن يتعلموا من المسيح فهم لم يروا الله. والله أرسل المسيح ليعلن الآب. (راجع مت27:11+ يو30:10+ 9:14+ 10:17). ولأنه الوحيد الذي رأى الآب ويعرفه صار الإيمان به هو الطريق الوحيد لنوال الحياة الأبدية = من يؤمن بي فله حياة أبدية= فرسالته هي الحياة الأبدية التي أرسله الله الآب ليكملها. ومختصر الكلام أن المسيح هو الوحيد الذي رأى الآب لأنه الابن الوحيد الجنس "ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو1: 18)، لذلك إن سمعوا له وآمنوا به يكونوا قد سمعوا الآب وبالتالي ينالوا القصد من رسالته. ورسالته هي أن ينالوا الحياة الأبدية= أقيمه في اليوم الأخير. كل من سمع من الآب وتعلم= أي إستجاب لدعوة الآب في قلبه وتعليم الروح القدس. الدور البشري هو الإستجابة وعدم المقاومة. ومن يقاوم صوت الروح القدس داخله، هو يرفض دعوة الآب له ومحاولات الروح القدس، ويرفض كل كلام المسيح وأعماله الناطقة بألوهيته. فهو بذلك يحرم نفسه من الحياة الأبدية. وليس له عذر فالله عمل كل شيء ممكن ليجذبه ليحيا أبديا، وهذا ما قال عنه داود النبي "لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت".
الآيات (48-51): "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»."
أنا هو خبز الحياة= المسيح سيقدم جسده في صورة خبز نأكله فنتحد به لنوال الحياة الأبدية فهو حي ومحيي والحياة موجودة في شخصه (يو19:14). وذلك لأن "أنا هو" المحيي أي الكيان الإلهي اتحد بالخبز الذي هو جسده البشري فصار خبزًا حيًا، من يأكله تكون هناك حياة لروحه، وحتى إن مات جسده يكمل حياته التي بدأها على الأرض. وبدون هذا الخبز تموت الروح حتى وإن كان الجسد حيًا، وذلك بسبب الخطية. ولا يوجد من هو بلا خطية. لكن من يريد هذه الحياة الأبدية عليه أن يؤمن بالمسيح أولًا. وكما أن الجسد يموت إن لم يأكل الخبز المادي، هكذا تموت الروح إن لم تأكل هذا الخبز الحي الذي هو جسد المسيح. الخطية مفعولها في الإنسان هو الموت والتناول من جسد المسيح ودمه هو عملية نقل حياة لهذا الميت روحيًا بسبب الخطية، والخطية تنتج موتا. هذا مثل من عنده مرض في الدم فيحتاج بصفة مستمرة لعملية نقل دم. أما في السماء فلن نحتاج للتناول فلا خطية ولا موت. لكن سيكون هناك الإتحاد الكامل بالمسيح. فهو سيكون حياتنا وشفاءنا وفرحنا وشبعنا وأبديًا بلا انفصال. والحياة التي في الجسد والدم سببها إتحاد لاهوت المسيح بناسوته. والمسيح تجسد ليعطي جسده الحي ليكون بذرة الخليقة الجديدة، نأكل جسده لنتحد به، وما نحصل عليه هو بسبب إتحاد ناسوته الذي نأكله بلاهوته -ونحن نأخذ ما نحتاجه فقط مما لا يوجد سوى في لاهوته- أي حياة أبدية وقداسة ومجد وفرح أبدي لا يُنْطَق به ومجيد، وأيضًا يسكن فينا روحه القدوس.
الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ = هم يبحثون عن مَنْ (manna) ينزل مِن السماء. ويرد المسيح على سؤالهم عن المن بأن آباؤهم أكلوا هذا المن ولكنهم ماتوا روحيًا ولم يدخلوا إلى الراحة بل هم ماتوا جسديًا أيضًا ولم ينفعهم المن. ولكن من يأكل جسد المسيح لن يموت روحيًا. فالمسيح ليس إنسانا عاديا بل هو من السماء، وأخذ له جسدا من الأرض. فمن يأكل من جسده، فهو حقًا سيموت جسديًا ولكن يظل غير منفصل عن الله. يشبع من الله هنا على الأرض وتسري فيه حياة بعد موت، أي أن الموت الجسدي لا يؤذيه. لذلك يكرر السيد هنا وأنا أقيمه في اليوم الأخير (يو 39-40-44-54). أبذله= المسيح يكشف هنا عن نيته في الصليب. وبالصليب سيبذل جسده وهذه هي الطريقة التي نأكل بها الجسد فنحيا. فالافخارستيا هي نفسها ذبيحة المسيح. الخبز الحي= أي الذي يعطي حياة أبدية للإنسان. إن أكل= تشمل الإيمان به وقبوله. الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي= من هنا دخل المسيح في مرحلة أخرى فيها يتكلم صراحة عن جسده كمأكل حق. هو يعطي جسده للموت ليكون للناس حياة أبدية. ولاحظ في (32) يقول أبي يعطيكم وفي (51) يقول أنا أعطيكم. وهذه هي إرادة الآب والابن أن يحيا الجميع أبديا لا أن يحصلوا على مَنْ مِنَ السماء يأكلونه ويحيوا أياما على الأرض ثم يموتوا أبديًّا.
استخدام الخبز في سر الإفخارستيا:
لو أمامي رغيف خبز فأنا ورغيف الخبز نكون منفصلان،
فإذا أكلته تحول فيَّ لأنسجة وصار ثابتًا فيَّ
نفس الشيء لو أكلت من خبز الحياة لتحولت أنا إلى عضو ثابت في المسيح
لِأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (أف5: 30).
واتحادي بالخبز الأرضي يعطيني حياة، لكنها تنتهي بالموت. أما اتحادي بالمسيح الخبز الحي يعطيني حياة أبدية لإتحاد جسده بلاهوته.
آية (52): "فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟»"
إن لم يأتي الإنسان بالإيمان إلى المسيح لن يتقبل هذه الحقائق. فخاصم= البعض فهم الكلام على المستوى الروحي. والبعض رفضه لأنه فكر بأسلوب جسدي. وللأسف فهذه الخصومة ما زالت حتى اليوم بين الكنائس التقليدية والكنائس البروتستانتية. بين الارتفاع للمستوى الروحي السرائري والمستوى المادي الطبيعي العقلاني. فيقولون نفس الكلام!! (وهل يمكن أن يتحول الخبز لجسد والخمر لدم، إنما هو رمز فقط).
آية (53): "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ."
يوحنا اكتفى بما أورده هنا عن جسد المسيح ودمه والتناول منهما فلم يورد ما حدث ليلة تأسيس العشاء السري يوم خميس العهد. خصوصًا أنه كتب سنة 100م بعد أن كان هذا السر منتشرًا ويمارس في كل الكنائس بالإضافة إلى أن الإنجيليين الثلاثة الآخرين كتبوا عنه. كان سؤالهم: كيف يقدر..؟ وكان رد المسيح بأن تأكلوا جسده وتشربوا دمه وهذا إشارة للصلب الذي فيه ينفصل دمه عن جسده، أي بتقديم المسيح نفسه كذبيحة. وسر الإفخارستيا الذي نأكل فيه الجسد ونشرب الدم هو امتداد لذبيحة الصليب. كل قداس هو نفس الذبيحة. هو نفس المسيح في كل مكان وكل زمان. كما تشرق الشمس كل يوم، هي نفسها. ولو وضعت ملايين الأواني التي بها ماء لظهرت صورة الشمس فيها كلها. لذلك فأي جوهرة هي المسيح كله. والسر معناه نوال نعمة غير منظورة تحت أعراض شيء منظور، فما نتناوله هو خبز وخمر وفي الحقيقة هو جسد ودم. وكان شرب الدم محرمًا عند اليهود (تك4:9+ تث23:12) لأن الروح في الدم، وذبيحة المسيح تختلف عن باقي الذبائح إذ أنه يعطينا حياته التي في دمه لتقديسنا (عب13:9-14)، فحياة المسيح الأبدية التي في دمه تنتقل إلى من يشربه. وكلمة هذا التي وجهها اليهود للمسيح في احتقار رد عليها بقوله أنه ابن الإنسان ليذكرهم برؤيا دانيال (دا 13:7-14).
آية (54): "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ،"
أي أن تكون له حياة لا تزول من الآن وتستعلن في اليوم الأخير عند القيامة. ولذلك ففي كل مرة نتناول جسد المسيح ودمه نبشر بموته ونعترف بقيامته إلى أن يجيء. ويأكل ويشرب هنا في اليونانية تشير للأكل الدائم المسرور والشرب بمعنى الشركة الدائمة. ولاحظ أن الآيتين (40-54) فيهما تشابه، لكن آية (40) تتكلم عن الإيمان بينما أن آية (54) تتكلم عن سر الإفخارستيا بوضوح، ولكن لا تناول من سر الإفخارستيا سوى بالإيمان أولًا. ولكن الإيمان وحده فقط لا يكفي فلا بُد من التناول من الجسد والدم أي سر الإفخارستيا. الذي فيه نأخذ حياة الله لأن الجسد متحد باللاهوت. والأكل يتضمن الموت مع المسيح والقيامة معه.
آية (55): "لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ."
جسد المسيح هو المأكل الحق. وهذا الكلام رد على طلب اليهود أن يعطيهم منًا من السماء كعلامة على أنه المسيا. حق= أي غير مزيف بل حقيقي يختص بحاجة الإنسان الحقيقية وليس لسد حاجة الجوع، والحاجة الحقيقية تختص بالروح والحياة الأبدية وليس لمجرد عمل إعجازي دنيوي مظهري كما يطلب اليهود. ولكن في حوار المسيح الآن لم يفصح أن السر سيتم بالخبز والخمر، هذا تركه ليصنعه أمام التلاميذ ليلة الخميس المقدسة. وقوله مأكل حق ومشرب حق= فهو يشير لأكل حقيقي وليس بالإيمان.
آية (56): "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ."
أكل المن لم يغير شيئًا من طبيعة من أكله، بل من أكله مات، ولكن من يأكل جسد المسيح يبقى فيه ويصير فيه المسيح بصفاته، موت المسيح يصير موتًا لنا عن العالم وفداءً لنا، وحياته تصير لنا حياة أبدية. والثبوت هنا هو ثبوت جسد المسيح بالإنسان (أف30:5) وهذا ما ينشئ فينا القيامة، إنه التحام حي، شخص
بشخص، ينشئ إتحادًا ووحدة. ونلاحظ أن الثبات متبادل = يثبت فيَّ وأنا فيه. فهو لو قال يثبت فيَّ فقط نكون معرضين للانفصال فإمكانياتنا ضعيفة وإيماننا ضعيف ولكنه أضاف وأثبت فيه لتأمين الإتحاد خوفًا من ضعف الإنسان، هذا فعل محبة من المسيح.يثبت فيَّ = كما يثبت ويتحد الغذاء بالجسد، ويتحول الخبز الذي نأكله إلى أنسجة في الجسم. هكذا نتحد بجسد المسيح فنصير أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أف5: 30) . وأثبت فيه= حياته تثبت فيَّ. ففي جسد الإنسان أعضاء ولو انقطع الدم (الحياة) عن عضو يصاب بالغرغرينا Gangrene ويموت.
ونحن بالمعمودية صرنا أعضاء في جسم المسيح، وبالخطية يصاب العضو الخاطئ بغرغرينا روحية، أي ينقطع عنه الحياة فلا شركة للنور مع الظلمة. في الجسد الإنساني لو أصيب عضو بالغرغرينا يجب قطعه فورًا وإلا يتسمم الجسم ويموت. أما في جسد المسيح، وجد المسيح لنا حل بالإفخارستيا. نأكل الجسد الذي حمل الخطية ومات بها على الصليب فأماتها، وحينما نأكل الجسد الذي ماتت فيه الخطية نتحد به وتموت الخطية فينا، وهذا ما نقول عنه يُعْطَى لغفران الخطايا. ثم نذهب ونتناول الدم الذي فيه الحياة فنحصل على الحياة الأبدية، أي تعود الحياة إلى العضو الخاطئ فيحيا ثانية. وهذا ما نقول عنه وحياة أبدية لكل من يتناول منه. وحينما تثبت فيَّ حياة المسيح أقول مع بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21).
الثبات في المسيح: مرة أخرى نكرر هذا التشبيه:
لو أمامي رغيف خبز فأنا ورغيف الخبز نكون منفصلان،
فإذا أكلته تحول فيَّ لأنسجة وصار ثابتًا فيَّ
نفس الشيء لو أكلت من خبز الحياة لتحولت أنا إلى عضو ثابت في المسيح
وحينما تثبت في حياة المسيح أقول مع بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21).
آية (57): "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي."
صفة الآب أنه حي (تث26:5+ مز9:36). والابن هو أيضًا حي بذاته. طبيعة الابن أنه مولود من الآب وله حياة في ذاته كما أن الآب له حياة في ذاته (راجع تفسير الآية يو5: 26) .
أنا حيٌ بالآب= الابن لا يحيا وحده بدون الآب ولكن حياة الآب هي حياة الابن. فالآب والابن هما واحد والآب في الابن والابن في الآب (يو30:10-38). ويفهم من الأصل اليوناني أن الآب ليس سبب حياة الابن لكن المعنى "أنا حي بنفس حياة الآب" .
أما القول أنا حيٌ بالآب تفيد إتحاد الأبوة بالبنوة في حياة واحدة غير منفصلة. بل الابن قال عن نفسه "أنا هو القيامة والحياة". فالمسيح إذًا له نفس حياة الله بسبب اللاهوت المتحد بجسده. وحياته ليست في سلطان آخر (يو18:10) .
لكن نفهم من العبارة أن المسيح ابن الإنسان بسلطانه في حالة خضوع لإرادة الآب فيسلم حياته، ليكون لنا نحن حياة في إتحاد مع الله. فإذا أكلنا الجسد وشربنا الدم فنحن لا نعود نحيا وحدنا بل نحيا حياة المسيح النابعة من نفس ينبوع الآب. وهكذا يتم الرباط الإلهي بين الإنسان والله الآب بحياة المسيح التي ننالها من الإفخارستيا ونحيا بها. والمسيح يضع علاقته بالآب مثلًا يحتذي (قارن مع يو18:17+ 9:15+ 21:17+ 14:10-15). وهنا نفس الشيء فنحن نحيا بالمسيح كما هو حي بالآب.
وقوله أنا حيٌ بالآب يفهم منه أيضًا أنه من الآب وليس الآب منه. ويقال هذا دون مساس بالمساواة بينهم.
أرسلني= أي صرت في الجسد. من يأكلني= يأخذ ويأكل جسدي الحي لأنه متحد بلاهوتي الحي المحيي. ويحيا بي= يأخذ الحياة التي فيَّ وهي حياة أبدية.
آية (58): "هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ»."
المسيح يكرر حتى لا يطلبوا المن القديم ولكن للأسف لم يفهموا. هذا هو الخبز= كما يظهر لنا لكنه فيه حياة أبدية.
آية (59): "قَالَ هذَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كَفْرِنَاحُومَ."
المتكلم هنا هو يوحنا البشير ويحدد مكان أقوال المسيح هذه. فالمسيح لم يعلمها في السر أو في زاوية من الزوايا.
الآيات (60-63): "فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، إِذْ سَمِعُوا: «إِنَّ هذَا الْكَلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ تَلاَمِيذَهُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَى هذَا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَهذَا يُعْثِرُكُمْ؟ فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِدًا إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلًا! اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ،."
فقال كثيرون= قالوا في قلبهم. تلاميذه= ليس الـ12 ولا الـ70 رسول ولا الـ500 أخ الذين رأوه بعد قيامته. فالمسيح كان له تلاميذه ولكن له أتباع كثيرون. الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئًا= المسيح يلح على العقل البشري أن لا يهبط بالإلهيات إلى مستوى التراب. فمع نيقوديموس إذ عجز عن فهم سر الميلاد الثاني قال له المسيح المولود من الجسد هو جسد والمولود من الروح هو روح، أما كيف يتم ذلك فمن المستحيل على العقل البشري متابعته، كما لو أردت أن تتبع ريحًا تهب، فأنت ترى الإنسان يتغير من حال إلى حال ولا تعرف كيف. ومع المرأة السامرية أراد أن يسقيها الماء الحي الذي هو الروح القدس، ولما تابت شربت منه ولا نعرف كيف ولكننا رأيناها وقد تحولت إلى كارزة وهم نظروا للمسيح ابن يوسف النجار فإستصعبوا كلامه لأنهم إنما نظروا إليه جسديًا. وهنا يكلمهم عن التناول من الجسد والدم فعجزوا عن الفهم. فطلب منهم أن يؤمنوا أولًا حتى يدركوا سر جسده المذبوح والقائم بحياة أبدية، رآه القديس يوحنا في الرؤيا "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). فلما تعثروا في الفهم أكَّد أن كلامه على مستوى الروح أي لا يمكن ملاحقته عقليًا تمامًا بالمنطق البشري . كما أنه لا يمكننا أن نلاحق كيف صار الكلمة جسدًا. وهكذا وبنفس السرية يصير الإنسان بالأكل والشرب من الجسد والدم إنسانًا روحيًا يتغذى بالروح وبالمسيح كلمة الله كسر خلاص. أمّا من يؤمن بأن التناول هو مجرد رمز أو عمل إيماني وأن الخلاص هو بالكلمة المنطوقة التي تؤخذ بالفهم يجب أن يفهم أن الله لم يخلص العالم بالكلمة المنطوقة بل بالكلمة المتجسد المذبوح. الجسد هنا في كلام المسيح يشير للفهم الجسداني والروح يشير للإستنارة التي يعطيها الروح القدس فندرك الحق.
الروح هو الذي يحيي = الروح هو الروح القدس الذي سوف يرسله المسيح كلمة الله بعد صعوده = فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا، فبعد الصعود يرسل المسيح كلمة الله الروح. والروح هو الذي يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، وهو الذي يثبتنا في المسيح فنحيا. لذلك هو الروح القدس المحيي.
الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة= الكلام الذي يقوله المسيح هو كلام الله، لذلك فالمسيح كلمة الله الذي يرسل الروح، يعطينا حين نسمع كلامه أن نمتلئ بالروح، فيعطي الروح حياة لمن يستجيب وينفذ، فهو الروح المحيي. أما من يقاوم ويعاند يطفئ الروح. والروح يعلمنا ويذكرنا بكل تعاليم المسيح ويعيننا على تنفيذها (يو14: 26 + رو8: 26). ومن ينفذ تعاليم الروح القدس يثبته الروح في المسيح فيحيا بحياة المسيح. والروح لا يجبر أحد بل يقنع من يعطي أذنه له (إر20: 7) .
فالكلام عن تناول الجسد هو كلام حقيقي ولكن لا يفهم بالفكر بل يفهم روحيًا بالإيمان. ومن يفهمه روحيًا تكون له حياة لروحه، أما إذا فهموه جسديًا فلن ينتفعوا لا لأرواحهم ولا لأجسادهم. فالجسد لا يفيد شيئًا ولكن الروح والحياة اللذان في الجسد والدم يفيدان في كل شيء. والروح والحياة لم يستعلنا لنا ولن يستعلنا فينا إلا بشركة فعلية في الموت وفي القيامة. وهذا يتم فينا بأكل الجسد الذي فيه سر الموت وشرب الدم الذي فيه سر الحياة. ولاحظ أنه حينما نقبل كلام الله يكون خضوعنا لكلام الله وسيلة للامتلاء من الروح القدس فيكون ذلك لنا حياة.
(في آية63) الجسد أي الفهم الجسدي أننا نأكل المسيح كلحم ودم، والروح أي نتحد بالمسيح تحت أعراض الخبز والخمر. هذا الكلام صعب= سبق سمعان الشيخ وقال "ها إن هذا وُضع لسقوط وقيام كثيرين" (لو34:2). وها نحن نرى أن كثيرين سقطوا على المستوى الروحي. من تلاميذه= ليس الاثني عشر (قارن مع آية 67). فكان الـ12 من الذين قاموا بحسب كلام سمعان الشيخ. فَمَنْ آمن وسلَّم فرح، ومَنْ حكَّم العقل والمنطق سقط. من يقدر أن يسمعه= لهم أذان روحية مغلقة لم تنفتح بكل ما قاله المسيح من كلام روحي. وهم تعثروا في أنهم يعرفون أن المسيح هو ابن يوسف لذلك قال لهم المسيح.. فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى السماء حيث كان أولًا وهذا يعني يا ليتكم يرتفع فكركم إلى المستوى السمائي الذي أنا منه وذاهب إليه فلا تعثروا أيضًا في كيف نأكل جسده ونشرب دمه لأنكم لن تأكلوا جسدًا ودمًا ماديين جسديين بل روحيين تحت أعراض الخبز والخمر، هما جسد ودم إلهيين ولكن بصورة سيعطيها هو أي خبز وخمر. فالأكل الجسدي أي بمفهوم الشبع الجسدي لن يفيد شيئًا ولكن الأكل الروحي للجسد بالروح يُحيي. المسيح هنا بهذه العبارة يتمنى لو إرتفع فكرهم أو صعد فكرهم للسماويات بدلًا من أن يفكروا في الجسديات فالموضوع ليس أكل خبز وشرب خمر بل هو حياة سماوية أبدية يعطيها لنا المسيح. والمسيح بعد القيامة أصبح قادرا أن يُظْهِر جسده بالشكل الذي يريده، فمريم المجدلية لم تراه أولًا (هنا الجسد موجود وهو قادر أن يخفيه) ثم تراه ولا تعرفه وتظنه البستاني وهكذا حدث مع تلميذيّ عمواس (هنا الجسد قادر أن يظهر في صورة مختلفة وهكذا ظهر للأنبا بيشوي وغيره من القديسين في هيئة مختلفة) ثم رأته المجدلية وعرفته. وفي الإفخارستيا وهو الله القادر على كل شيء هو قادر أن يقدم جسده في صورة خبز وخمر.
فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا = هذه مثل ما قال السيد للمجدلية "لأني لم أصعد بعد إلى أبي" = إن لم تفهمي يا مريم أنني والآب متساويان، فأصعد في نظرك إلى مستوى الآب. ويكون معنى فإن رأيتم = فإن صارت لكم الرؤيا الصحيحة وعرفتم من أنا، وأنني لست مجرد إنسان عادي هو ابن ليوسف ومريم = هذا معنى الجسد لا يفيد شيئا = أي فهمكم أنني جسد إنسان عادي وأنكم ستأكلون هذا الجسد الذي أمامكم كما لو كنتم من آكلي لحوم البشر، فهذا الفهم لن يفيدكم شيئا.
لكن لو فهمتم أنني ابن الله النازل من السماء، وسأصعد للسماء بجسدي. وهذا يكون لمن يعمل بكلامي ولا يقاوم عمل الروح القدس. حينئذ يعمل فيكم الروح القدس المحيي فتكون لكم حياة. لأن من يعطي هذه الرؤية الصحيحة عني، وهذا الفهم، هو الروح القدس "الذي يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14) . وحينما تفهمون تؤمنوا فتكون لكم حياة. وسأرسل الروح القدس إليكم بعد صعودي. ولكن هذا إن لم تعاندوا وتقاوموه.
بعد هذه المقدمة ماذا تعني هذه الآيات:
1) لا تهبطوا بالإلهيات إلى مستوى الجسد الترابي، كما تصور نيقوديموس أنه لا بد أن يدخل بطن أمه ثانية ليولد ولادة ثانية. لكن ما قصده المسيح ولادة روحية وليست جسدية. هذا عمل الروح القدس، والولادة الثانية هي من فوق. ويا ليت فكركم يرتفع لمستوى التفكير السمائي. السماء التي أنا منها وأصعد إليها. التفكير بطريقة جسدية لا يفيد شيئًا، أي لا تفهموا معنى الأكل من جسدي بطريقة جسدية فأنا لن أجعلكم من آكلي لحوم البشر. وهكذا هل بالتفكير العقلاني الجسداني يمكننا أن نفهم كيف يصير الله جسدًا. وبالتفكير الجسداني العقلاني هل ندرك كيف وأين يسكن فينا الروح القدس. وحتى على مستوى أجسادنا هل ندرك كيفية إتحاد الروح بالجسد، وما معنى انفصال الروح عن الجسد وبهذا يحدث الموت. لذلك يقول الرب الجسد لا يفيد شيئًا.
2) فإن رأيتم صعودي للسماء، ورأيتم هنا ليست الرؤيا بالعين الجسدية ولكن بالعين الداخلية التي يفتحها الروح القدس. ومن له العين المفتوحة بالروح القدس سيرى الحقائق كما هي. التلاميذ رأوا الصعود بعيونهم الجسدية، أما نحن المؤمنين الذين لم نرى هذا الصعود، كشف لنا الروح حقيقة صعود المسيح بجسده وجلوسه عن يمين الآب فآمنَّا. وهذا عمل الروح القدس فينا أي الإقناع "أقنعتني يا رب فاقتنعت" (يو20: 7). فمن لا يعاند صوت الروح القدس تنفتح عيناه ويدرك هذه الأمور السماوية.
3) أنا من فوق من السماء وسأصعد ثانية للسماء. أخذت جسدًا أرضيًا ولكني سأطلب من الآب أن يمجد جسدي الإنساني هذا (يو17: 5). وذلك لحسابكم أي ليكون لكم الأجساد الحية الممجدة (يو17: 22). فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا = إن فتح الروح القدس عيونكم ورأيتم ابن الإنسان المتواضع الذي كان بينكم على الأرض كنجار فقير ليس له أين يسند رأسه، وقد عاد للسماء جالسًا في مجد أبيه. فلتسألوا أنفسكم، ولماذا فعلت هذا بنفسك يا رب وأنت كنت في السماء أولًا أي كنت ممجدًا بلاهوتك أزلياٍ؟ لماذا إتحدت بجنسنا البشري وتألمت وصلبت ومت بجسدنا البشري، ولماذا صعدت ثانية؟ والإجابة ستكون .. من أجل محبتي لكم اتحدت بكم لأصعدكم معي إلى المجد "حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 3). ويكون السؤال التالي وكيف تعطينا حياة أبدية؟ والإجابة .. لا توجد حياة أبدية إلا في الله. وكيف نحصل عليها يا رب؟ لقد اتحدت بكم في وضاعة جسدكم المائت ليستمر هذا الإتحاد بعد أن أقوم من الأموات بحياة أبدية وهذه ستكون لكم فتقولون "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21). وبعد أن أتمجد بجسدي هذا سأعطيكم هذا المجد (يو17: 22). وكيف يا رب نتحد بك فيكون لنا كل هذا؟ أولًا بالمعمودية، ثم بالأكل من جسدي فنكون جسدًا واحدًا وخبزًا واحدًا ويستمر هذا الإتحاد بيني وبينكم (1كو10: 17). ولكننا يا رب نخطئ فنموت فكيف يستمر هذا الإتحاد وبخطيتنا ننفصل عنك فلا شركة للنور مع الظلمة؟ هذا ما أكلمكم به الآن ويا ليتكم تفهمونه بالروح .. أنتم تأكلوا جسدي فيتحد جسدي بجسدكم فتثبتون فيَّ (يو6: 56).
ولكن كيف يا رب يمكننا أن نفهم وندرك كل هذه الأسرار فنؤمن ونصدق؟ يجيب الرب يسوع قائلًا اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ أي أن ما أكلمكم به عن الأكل من جسدي ودمي وأنه يثبتكم فيَّ (الآية 56) وثباتكم فيَّ هو ما يجعل الروح القدس الذي ينبثق من الآب وينسكب فيَّ، يسكن فيكم فتثبتون فيَّ. فتكون لكم حياة، وهو يعلمكم كل شيء (يو14: 26) فتفهمون ويزداد إيمانكم وتثبتون في الحياة.
4) فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا = هذه مثل ما قال للمجدلية "لأني لم أصعد بعد إلى أبي" = أي يا ليتك تدركين أنني أنا والآب واحد، أنا والآب متساويان يا مريم، أنا لست معلما مثل باقي المعلمين، بل أنا الله نفسه. لو فهمتي هذا وأدركتيه ستحصلين مني على كل ما تريدين. وبالنسبة لنا تفهم الآية فإن رأيتم بعين روحية فتحها لكم الروح القدس أني من السماء، وأصعد إلى السماء وأجلس عن يمين الآب ويتمجد جسدي هذا، لن يصعب عليكم فهم أنني قادر أن أعطيكم جسدي لتثبتوا فيه فيكون لكم حياة أبدية. فأنا نزلت من السماء وصعدت للسماء ثانية لأعطي أجسادكم المائتة حياة ومجدًا. الروح القدس الذي يعطيكم إستنارة فتدركوا معنى أنني تمجدت بالجسد الإنساني، سيعطيكم أيضًا أن تدركوا أني قادر أن أعطيكم حياتي وأن تتمجدوا معي. وبهذا يصبح معنى فإن رأيتم = يا ليتكم تدركون وتكون لكم الرؤيا الصحيحة عن من أنا. أنا يهوه الذي إتخذت شكل العبد وصعدت لأمجد طبيعتكم. وهذا بأن أتحد بطبيعتكم لأحييها وأعطيها حياتي وتكون معي في مجدي فتتمجد (يو17: 24). إذًا قوله فإن رأيتم تعني = إن أدركتم بالروح هذه الحقائق، ولم تقاوموا صوته، ستحيون. أما لو قاومتم صوت الروح القدس ولم تؤمنوا، لن تكون لكم حياة. خلاصة القول أن كلامي عن سر الإفخارستيا الذي كلمتكم به هو حياتكم، هو الذي يعطيكم حياة أبدية. ولن تدركوا هذا بالعين الجسدية بل بالعين الروحية التي يفتحها الروح القدس. والروح القدس سيسكن فيكم ويفتح حواسكم الروحية حينما تثبتون فيَّ.
5) وبهذا الجسد الممجد سأُكَوِّن الكنيسة جسدي. فإذا كانت لكم الرؤيا الروحية التي يعطيها الروح القدس، وأدركتم إمكانية أن يكون لي الجسد الممجد في السماء، وأنني أكون الكنيسة جسدي، فستفهمون أنني قادر بجسدي هذا أن أعطي حياة لكنيستي، ككنيسة وكأفراد. فمن جعل الجسد الأرضي (الجسد الذي أخذته من العذراء) جسدًا ممجدًا، قادر أن يعطي أجسادكم حياة أبدية ومجدًا. وهذا ما يقوله القديس بولس الرسول "وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ. ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ" (أف1: 19-20).
6) بعد الصعود سيرسل المسيح الروح القدس الذي:- أ) يقنعنا ويفتح عيوننا. ب) يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه ومن يتناول منهما يثبت في جسد المسيح فيحيا أبديًا، فجسده متحد بلاهوته الحي والمحيي.
7) اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ = كلامنا قد يكون روحي أي ما يخص الروح من اهتمامات كالتسابيح وتمجيد الله، وهذا يؤدي للإمتلاء بالروح القدس المحيي (أف5: 18-21). وهناك كلام جسدي أي ما يخص الجسد من إهتمامات. كلام الجسد يكون عن الأكل والشرب الجسديين وعن الملذات الجسدية، وكل هذا مصيره الموت، فالجسد وما يخصه فانٍ. أما الكلام الذي يتكلم به المسيح هنا عن الإفخارستيا فهو لا يفهم إلا على مستوى روحي – ولاحظ أن الروح الإنسانية هي العنصر الباقي بعد موت الإنسان - وهذا هو هدف المسيح من كلامه هنا، كيف تحيا الروح ولا يكون لها هلاك؟ هذا يكون بإتحادها بجسد المسيح، وحيث أن جسد المسيح له الحياة الأبدية في ذاته وقادر أن يهبها لمن يريد (يو5: 26)، فإتحاده بنا عن طريق الإفخارستيا يعطينا حياة أبدية. أي أن الكلام الذي يقوله المسيح عن أكل جسده وشرب دمه لا يُفهم حرفيًا بل يحتاج لعمل الروح القدس ليُفهم. ولا يُفهم على مستوى الجسديات وإلا نصير آكلي لحوم بشر. وهو كلام يحيي الروح ولا علاقة له بالجسديات. ما يحاول المسيح أن يعمله أن ينقلهم من المفهوم الحرفي إلى المفهوم الروحي، كما يقول بولس الرسول أن المفهوم الحرفي قاتل، أما المفهوم الروحي يحيي "الحرف يقتل لكن الروح يحيي" (2كو3: 6). والروح هو الذي يعطينا أن نفهم المعنى الروحي فتكون لنا حياة، والروح يعمل ذلك بالإقناع والتعليم (إر20: 7 + يو14: 26). وبنفس المفهوم الجسد لا يفيد شيئا = التفكير الجسدي لا يفيد شيئا بل يجعلنا نقول أننا من آكلي لحوم البشر. لا يمكن للعقل البشري متابعة هذه الأمور الروحية السماوية. ولكن التفكير الروحي يجعلنا نفهم أن الأكل من جسد المسيح يعنى الثبات فيه لنصير "أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). وحيث أن جسده متحد بلاهوته المحيي، فبهذا نحصل على الحياة. الفهم الروحي يعطي حياة، والفهم الروحي يعني أن الكلام خاص بالروح الإنسانية وكيف يكون لها حياة أبدية فلا تهلك + أن هذا الكلام يحتاج لعمل الروح القدس الذي يقنع ويعلم = روح وحياة. وَلاحظ قول الرب "لَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلَكِنَّ ٱلنَّفْسَ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (مت10: 28). فالنفس والجسد اللذان سيهلكان هما الروح الإنسانية، والجسد الذي سيقوم من الموت لمصيرهما في جهنم. وهذا هو هدف المسيح من كلامه عن سر الإفخارستيا، أن لا يُلقى الإنسان في جهنم ويهلك، بل يقوم الإنسان بجسد ممجد ليحيا أبديًا في فرح ومجد أبديين لأنه كان ثابتًا في المسيح.
8) اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ = وهذه الآية تفهم أيضًا بأن الكلام الذي يتكلم به المسيح أي الأكل من جسده ودمه، هذا الأكل يثبتنا فيه، أي في المسيح. وبهذا فروح المحبة الذي ينبثق من الآب لينسكب في الابن المحبوب، صار ينسكب فينا إذ إتحدنا بالإبن فنحيا، فهو الروح المحيي.
الآيات (64-66): "وَلكِنْ مِنْكُمْ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ». لأَنَّ يَسُوعَ مِنَ الْبَدْءِ عَلِمَ مَنْ هُمُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ. فَقَالَ: «لِهذَا قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي». مِنْ هذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ."
منكم قوم لا يؤمنون= هنا نرى قوة احتمال عجيبة للرب يسوع فهو كان يعلم قلب كل واحد ومن منهم لن يؤمن لكنه احتمل الجميع. من البدء= بلغة القديس يوحنا هي عبارة تشير لأزلية السيد المسيح ولاهوته. المسيح هنا يوجه كلامه إلى مجموعة كبيرة من تلاميذه، ربما كان من بينهم السبعين رسولًا، وهو هنا يعلن لاهوته من خلال درايته بالقلوب. وأمام عين المسيح الفاحصة تركه كل من وضعه المسيح أمام ضميره وكشف عدم إيمانه، فمن العسير أن يخادع أحدًا الله. والمسيح يعلن أن من يأتي إليه فهو قد أعطاه له الآب، لذلك فهو غير آسف على المفقود وغير خائف على الموجود. فالمفقود ليس من نصيبه أصلًا والموجود لا يستطيع أحد أن يخطفه من يده لأنه أخذه من يد الآب. لذلك لم يكن المسيح يمالئ أحدًا أو يهادن أحدًا، ولكن من يطلب يجد، ومن يستجيب لجذب الآب يجد المسيح. ومن يبقى هو من قبل دعوة الآب كما هي لا كما يريد هو. فهم يريدون مسيحًا يملك زمنيًا. يأتي إليَّ= ليس من الخارج لكن يقبلني ويثق في كلامي ويحبني وهذا عمل داخلي في القلب بالروح القدس. رجع كثيرون من تلاميذه= أي تركوا طريق المسيح. ولم يعودوا يمشون معه= فتلاميذ المسيح كانوا يعيشون معه ويعاشرونه. وللآن فهناك كثيرون يرجعون بسبب مصالحهم الشخصية أو لذاتهم الدنيوية أو لأنهم يجدون أن وصايا المسيح صعبة. والسيد لم يقل لهؤلاء شيئًا فهو لا يرغم أحد على البقاء معه. . فمن لا يريد أن يبقى معه ثابتا فيه يتقيأه من فمه أي يخرجه من الثبات فيه (رؤ3: 16). هؤلاء تركوه إذ لم يكن لهم إيمان حقيقي. فمن له الإيمان الحقيقي يظل تابعًا للمسيح حتى لو لم يفهم تمامًا ما يقوله. ثقتي في المسيح تجعلني أتبعه حتى لو لم أفهم الآن ما يقول أو ما يصنع.
الآيات (67-68): "فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ،"
كلام الحياة الأبدية عندك
= كل كلمة تقولها وقلتها تعطي حياة. فالرب يعطي حياة أبدية. ولكن ما معنى قول بطرس كلام الحياة الأبدية عندك = الحياة الأبدية في السماء فيها ملء الفرح والسلام والإطمئنان وهذا ما شعر به بطرس والمسيح يتكلم معهم، هو تذوق عربون الحياة الأبدية.المسيح يضع الاثني عشر أمام حريتهم ليختاروا. وكان رد بطرس هو الرد على موقف التلاميذ الذين إنسحبوا ورد بطرس متفق مع قول المسيح "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة. ولكن لنلاحظ أن (الآية 67) موجهة لكل من لا يؤمن بسر الجسد والدم. فالمسيح بإصرار أصر على أننا نتناول جسده ودمه وليس على شكل رموز كما تقول بعض الطوائف الآن. فالمسيح حين رأى أن تلاميذه يتركونه لم يقل أنتم لم تفهموا، فما يؤكل هو مجرد رمز، بل نظر إلى الاثني عشر وقال لهم إن لم تقبلوا انصرفوا أنتم أيضًا. وما كان أسهل على المسيح أن يشرح لهم قصة الرمز والأكل بالإيمان ولا يخسر تلاميذه الذين انصرفوا عنه وتركوه (آية 66).
الاثني عشر
= استمر هذا إسمًا للتلاميذ حتى بعد غياب يهوذا.
آية (69): "وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ»."
بطرس اختار المسيح بعد أن عقد مقارنة بين المسيح وبين كل من سواه فوجد المسيح هو ابن الله الحي مؤكدًا تبعيته للمسيح. آمنا= تصديق كلام المسيح وعرفنا= نتيجة الاختبار والعشرة. والإيمان يأتي أولًا ثم المعرفة. وبطرس هنا يجيب بالنيابة عن الاثني عشر.
الآيات (70-71): "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!» قَالَ عَنْ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ، لأَنَّ هذَا كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسَلِّمَهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ."
التلاميذ إكتشفوا أن يهوذا سارق وأبلغوا المسيح. ومن المؤكد أن المسيح كان يعلم حتى دون أن يخبروه ولكنه برحابة قلب تركه للنهاية ليعطيه فرصة أخرى، ولم يشأ أن يفضحه ويعلن اسمه لكنه أعلن أن أحد الاثني عشر
شيطان أي واقع تحت تأثير الشيطان.أليس إني أخترتكم
= تعليق من الرب يسوع على كلام بطرس، والمعنى أنه يعلم كل شيء ويعلم ما في القلوب وأنهم يحبونه ويؤمنون به وسيكرزون باسمه لذلك اختارهم. وأيضًا تشير لحب المسيح للجميع حتى وهو يعلم بخيانة أحدهم. لما رفضه كثيرون والتلاميذ رفضوا أن يتركوه. قال لهذا اخترتكم.الإسخريوطي
= أي الذي من قيريوط وهي في اليهودية وبالتالي فيهوذا هو التلميذ الوحيد الذي من خارج الجليل. المسيح هنا يصحح قول بطرس، إذ قال نحن قد آمنا فيشير أنه يعلم أن منهم وفي وسطهم يهوذا غير المؤمن الذي يفعل إرادة الشيطان. واليهود كانوا يحتقرون الجليليين ولكن لاحظ أن الخيانة جاءت من الذي من اليهودية.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 7 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 5 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/vzp83sj