St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 14 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
السعادة والحياة المُطوَّبة

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الرابع عشر

السعادة والحياة المُطوَّبة

يفتتح الأصحاح بالكشف عن الحياة المُطوَّبة، يترجمها البعض "الحياة السعيدة!"، غير أن الحياة المُطوَّبة في حقيقتها تحمل مفهومًا أعمق بكثير من "الحياة السعيدة" كما يفهمها الكثيرون. فالسعادة في نظر الكثيرين هي حياة تَتَّسِم باللذة والشبع والفرح والسلام الخارجي، بلا ضيقات أو متاعب في العالم. غير أن الحياة المُطوَّبة تحمل هذه السمات، لكنها تمسّ أعماق القلب، حيث يُقِيم الله ملكوته فيه (لو 17: 21). ويرفع الروح القدس أعماقه ليختبر في كل يومٍ عربون السماء على مستوى جديد، فترتفع أعماق الإنسان من مجدٍ إلى مجدٍ. في وسط المتاعب اليومية يشعر أنه أشبه بطائرٍ يُحَلِّق في السماويات، لا تستطيع فخاخ الشيطان ولا مؤامرات البشر أن تُفقِدَه سلامه الداخلي وفرحه في الربّ.

ربما يتطلَّع البشر إلى المؤمن المُطوَّب أنه إنسان محروم من أمورٍ كثيرة، رجل أحزان وآلام، أما هو إذ يسلك في صحبة المصلوب، ويستظل تحت جناحيه، يشعر أنه أسعد كائن على وجه الأرض.

في الأصحاح السابق أوضح ابن سيراخ أن الذي تكمن سعادته في تكوين صداقات مع الأثرياء الأشرار، واشتراكه في ولائمهم وحفلاتهم، سرعان ما يكتشف حماقته حينما يسقط في ضيقة، فيتخلّون عنه، كمن لم يسبق لهم معرفته. وأحيانًا يتهمونه ظلمًا ويشتهون تدميره. الخطر الحقيقي لا يصدر عن الثروة التي بين أيديهم، إنما عن الاتجاه الطبيعي للساقطين في محبة المال واكتناز الثروة.

أحد ثمار خطية آدم، أن نسله صار يميل إلى عبادة ما هو صالح عوض عبادة خالقها، إذ لم يعد يُمَيِّز بين العطية والعاطي. الثروة في ذاتها ليست مشكلة. إنما تصير خطرًا متى وُجِد الجشع، وكأن القلب الفاسد هو مصدر مشكلة الإنسان مع الثروة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في الأصحاح الذي بين أيدينا يكشف لطالبي السعادة الحقيقية الآتي:

‌أ. لا تقوم السعادة على تكوين صداقات مع أثرياء، إنما تصدر عن السلام الداخلي والفرح الروحي.

‌ب. مشكلة الثري مُحِب المال ليس كثرة المقتنيات أو قلتها. إنما يمكنه بالتقوى أن يكون سعيدًا.

‌ج. علة محبة المال عدم عفة اللسان والبطن والحواس والعواطف والمقتنيات.

 

1. عفة اللسان وتقديسه

     

[1 -2] (ت: 1-2)

2. عفة الفكر

     

[3] (ت: 3 -4)

3. العفة في المقتنيات

     

[3 -4] (ت: 3 -4)

4. العفة في السلوك

     

[5 -10] (ت: 5-10)

5. العفة والعُرْسِ الأبدي

     

[11 -19] (ت: 11-21)

6. جهاد بفرح وتهليل

     

[20 -27] (ت: 22-27)

* من وحي سيراخ 14: هب لي الحياة المُطوَّبة!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. عفة اللسان وتقديسه

1 طُوبَى لِلْرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَزِلَّ بِفِيهِ، وَلَمْ يَنْخَسْهُ النَّدَمُ عَلَى الْخَطِيئَةِ. 2 طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ رَجَائِهِ.

 

طوبى للرجل الذي لا ينزلق ويسقط بسبب بفمه،

ولا يُلدغ بالألم بسبب خطيته! [1]

يبدأ سيراخ حديثه عن العفة والقداسة بعفة اللسان وتقديسه. فإن كانت الخطية تُفسِد سلام الإنسان الداخلي، فغالبًا ما يشغل راغبو العفة والقداسة التخلُّص من الأفكار الشهوانية الشريرة، خاصة بالنسبة للشباب، فيحسبون الخلاص منها أمرًا صعبًا لغاية. غير أن سيراخ يمسك بمفتاح الفكر الذي يُسَبِّب التسيُّب في اللسان بين الأصدقاء. فتحت ستار "المحبة والصداقة وعدم الكلفة" لا يُدرِك الإنسان أهمية قدسية الكلام والحوار حتى في فترات المرح أو الترفيه أو المزاح. يليق بالمؤمن كسفير للسيد المسيح، أن يضع في قلبه أنه في حضرة الله الدائمة، ويطلب أن تعمل نعمة الله فيه، فتخرج كل كلمة صالحة لبنيان نفسه وبنيان أصدقائه، بل والمجتمع. إنه إنسان الله! يتحدَّث الرسول يعقوب عن اللسان كعضوٍ صغير لكنه كالدفة الصغيرة التي تدير السفينة كلها. حياتنا على الأرض هي فترة تدريب في مدرسة الحياة كيف نتمتَّع بتقديس اللسان لكي يُوجه بالنعمة كيان الإنسانٍ للتمتُّع بالعُرْسِ السماوي الأبدي.

v بالتأكيد "طوبى للرجل الذي لا ينزلق بفمه، ولا ينخسه الندم على الخطية" [1]، أو على الأقل يتوب عن خطايا اللسان[1].

v إن كنا نلتقي في الحفلات من أجل المحبة، وإن كان غرض هذه الأعياد هو خلق شركة مقدسة بين الضيوف، ونستخدم الأكل والشرب كأدوات للمحبة، ألا يليق بنا أن نحتفظ بأسلوبٍ يدل على ضبط العقل؟... وإن كنا نجتمع بغية إظهار الإرادة الصالحة نحو بعضنا البعض، فلماذا نثير إرادة شريرة خلال المزاح واللهو بالآخرين؟ حفظ الصمت أفضل من الدخول في شجار واستخدام الأسلوب الفظ مع خطأ في العمل. بالتأكيد: "طوبى للرجل الذي لا ينزلق بفمه، ولا ينجسه الندم على خطية" (راجع سي 14: 1)، أو على الأقل يرجع عن خطاياه التي ارتكبها بالكلام، أو يتحاور بدون أن يُسَبِّب ألمًا لأحدٍ[2].

القديس إكليمنضس السكندري

يُحَدِّثنا كثير من الآباء عن عفة الحواس وكل أعضاء الجسم:

v يتطلَّب الجهاد للحصول على النقاوة الكاملة؛ جهاد النفس والجسد معًا في أعمال التوبة، بتناسٍق وتساٍو. فإذا وُهِب العقل نعمة ما، يستطيع عندئذ أن يُصارِع ضد الشهوات بلا هوادة أو تراٍخ، ويَتقبَّل أفكار الروح القدس وتوجيهاته وتعزياته، ويستطيع أن يطرد عن النفس الميول الدنسة النابعة عن شهوات القلب. وبفضل الشركة بين عقل الإنسان أو نفسه والروح القدس، يساعد الروح القدس الإنسان على تنفيذ الوصايا التي تعلَّمها، ويُرشِده لطرد كل الشهوات عن النفس، سواء النابعة عن النفس ذاتها مستقلة عن الجسد، أو تلك التي لحقت بها عن طريق الجسد.

الروح القدس يُعَلِّم الإنسان أن يحفظ جسده كله - من الرأس إلى القدمين - في تناسق: فيحفظ العينين لتنظرا بنقاوة.

ويحفظ الأذنين لتصغيا في سلام، أو تنصتا إلى الأمور الخاصة بالسلام دون أن تتلذَّذا بالأحاديث عن الآخرين والافتراءات وذمّ الغير.

ويحفظ اللسان لينطق بالصلاح فقط، معطيًا وزنًا لكل كلمة، فلا يسمح لشيءٍ دنس أو شهواني أن يختلط بحديثه.

ويحفظ اليدين لتتحرَّكا طبيعيًا فترتفعان للصلاة ولصنع الرحمة والكرم.

ويحفظ المعدة ليكون لها حدود مناسبة للأكل والشراب، وذلك حسب القدر الكافي لقوت الجسد، فلا يترك الشهوة أو النهم ينحرفان بها، فتتعدَّى حدودها.

ويحفظ القدمي ليسلكا ببر حسب إرادة اللّه، بهدف القيام بالأعمال الصالحة.

بهذا يكون الجسد كله قد اعتاد على كل عمل صالح، وصار خاضعًا لسلطان الروح القدس، فيتغيَّر شيئًا فشيئًا حتى يشارك - إلى حدٍ ما - في النهاية في صفات الجسد الروحي الذي يناله في القيامة العادلة[3].

القديس أنطونيوس الكبير

v كان آدم مجيدًا أكثر من التاج بجماله العظيم، ولم يوجد في المخلوقات جمال آخر ندّه.

وضع صائغه عيني النور على قمة التاج، ليتطلَّع إلى المخلوقات المحيطة به كما من العلو.

وأتقن له في الأسفل رِجلين للركض كالمركبة، وبواسطتهما يمشي حيثما شاء أن يسير.

وأتقن في جانبيه يدَين وفيهما الأصابع العشر، وبها يستولي على البحر واليابسة وكل العالم.

وأتقن المخ بيت العقل ليكون هناك، ويسكن في الطابق العلوي مثل الإله.

وصنع له حَنَكًا ليفحص الأطعمة، ووضع فيه طعمًا ليُمَيِّز بين الحلو والمرّ.

وفتح له الشمّ ليكون سبيلًا للروائح، وبه يُدرِك (مميزًا) الرائحة النتنة من اللذيذة.

ونقب السمع، وأحاطه بنمط الحلزون، لتدور فيها الأصوات وتدخل بلذة.

في صدره القلب المجتمعة فيه كل الأفكار، ليوزع كل الكنوز كما من خزينةٍ عظمى.

في فمه الكلمة وفي شفتيه تمييز الأصوات والجبين للرمز، وزين تجويف العين بالجفنين...

حكيم العوالم ركّب وصفّ وظيفة مختلفة في كل عضو في صورة الجمال عندما أتقنها.

صنع الخالق من اللاشيء شيئًا عظيمًا، ليصير سيدًا لكل شيء بالحكمة[4].

v عندما خلق الخالق الفم، وضع فيه الصوت والكلمة ليتحرك للتسبيح.

هكذا يجب على كل من يشعر بوجود الخالق أن يُسَبِّح الرب الذي خلقه.

ليس فم الإنسان مسلطًا ليستخدم الأخبار التافهة والكلمات غير اللائقة.

عندما خلق الخالق الفم أَتقنه لتسبيحه، وليس ليتلفَّظ بأمورٍ باطلةٍ[5].

القديس مار يعقوب السروجي

"ولا يُلدغ بالألم بسبب خطيته" [1].

كنا نتوقَّع من ابن سيراخ وهو يُطوِّب من لا ينزلق بفمه أن يقول: "بل يحفظ لسانه مقدسًا"، لكنه عوض ذلك قال: ولا يُلدغ بسبب خطيته"، لماذا؟ إنه يُحَذِّرنا من التطرُّف بالتسيُّب في الكلام الباطل أو الشرير حتى وإن كان في نوعٍ من المزاح، أو بالمبالغة في الحزن والألم وهو يُقَدِّم توبة عن كل كلمة بطالة. فكما أن اللهو يُمَثِّل خطورة على الحياة المقدسة، أيضًا الندامة بلا رجاء تُحَطِّم الإنسان.

كثيرًا ما يتحدَّث ابن سيراخ عن فرح الروح حتى مع سكب دموع التوبة، لأن الرجاء يدفع الإنسان للتحرُّك الدائم نحو عربون السماء ونحن بعد في هذا العالم.

طوبى لمن لا تدينه نفسه،

ولم يَخِبْ من رجائه [2].

ضبط اللسان بروح الرجاء المُفرِح: حسن أن يدين الإنسان نفسه في تسيُّب لسانه، لكن فيما هو يُقَدِّم التوبة بدموع الندامة، تمتزج هذه الدموع بدموع الرجاء المُفرِح، لأنه يلتقي بغافر الخطايا ومُقَدِّس النفوس من الفساد. لقد حذَّرنا الرسول بولس ألاَّ نصنع شيئًا بدمدمة، فنسقط في هوة اليأس. ذلك كما فعل يهوذا الذي ندم وألقى بالفضة للذين سلَّموه إياها، لكنه لم يفتح قلبه بالرجاء في مُخَلِّص البشر كما فعل سمعان بطرس، الذي قال: "أنت تعلم يا ربّ إني أحبك" (يو 21: 15).

هذا ما يؤكده القديس يوحنا الحبيب بقوله: "إن لامتنا قلوبنا، فالله أعظم من قلوبنا" (1 يو 3: 20). بمعنى إن أعلنت لنا حياتنا الداخلية أن دوافعنا غير سليمة فلنرتمي على الله، معترفين له بضعفنا بالرغم من مديح الناس لنا، وهو أعظم من قلوبنا، لأنه وحده القادر على إصلاح دوافعنا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2، 3. عفة الفكر في المقتنيات

3 الْغِنَى لاَ يَجْمُلُ بِالرَّجُلِ الشَّحِيحِ، وَمَا مَنْفَعَةُ الأَمْوَالِ مَعَ الإِنْسَانِ الْحَسُودِ؟ 4 مَنِ اخْتَزَنَ بِخُسْرَانِ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّمَا يَخْتَزِنُ لِلآخَرِينَ، وَيَتَنَعَّمُ بِخَيْرَاتِهِ غَيْرُهُ.

 

الثروة لا تناسب الرجل الضيق الفكر،

وما غاية الأموال مع الإنسان الحسود؟ [3]

بعد أن حذَّرنا من تسيُّب اللسان، حذَّرنا من تسيُّب الفكر وعدم اتِّساعه. فخلال حياة اللهو لا يُبالِي الشخص بقداسة لسانه، وخلال ضِيق الفكر لا يطلب ما هو سماوي وأبدي، بل ما يشغله جمع المال، مُتطلِّعًا إلى السماويات أنها خيال وهروب من الواقع وفقدان للسعادة. من جانبٍ آخر، يربط ابن سيراخ بين ضيق الفكر والبخل. فالإنسان البخيل يضيق فكره فلا يُمارِس العطاء بفرحٍ، وإن مارسه فعن ضغطٍ شديدٍ. يصل البعض في بخلهم أن يحرموا أنفسهم حتى من الضروريات، فيجمعون ثروة يستخدمها غيرهم، سواء باغتصابهم لها أو بتبديدها بغير حكمة أو بتركها للورثة بعد موتهم.

لأن من جمع لنفسه،

جمعه لآخرين، ويتنعَّم غيره بخيراته [4].

يشتهي البخيل أن يجمع كل ما أمكن من مقتنيات لنفسه، ويُصَاب بالحسد مشتهيًا أن يقتني لنفسه ما لدى الآخرين، ويُعانِي من عطشٍ دائم لكل ما في أيدي الغير. بهذا يصعب عليه أن يعطي، بل يريد دائمًا أن يأخذ، لذلك قال السيد المسيح: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 20: 35).

v من يُحِبّ الخطية يحب المقتنيات الكثيرة، ويهمل البرّ، ولا يفكر في زوال الحياة وعدم ثباتها وقصر أجلها، ولا يتذكَّر حتمية الموت الذي لا يُرتشَى. وإن أظهر الإنسان عدم الحياء هذا، والنقص في الإحساس حتى بلوغه الشيخوخة، فإنه يكون كشجرة متعفنة لا نفع لها[6].

القديس أنطونيوس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. العفة في السلوك

5 مَنْ أَسَاءَ إِلَى نَفْسِهِ؛ فَإِلَى مَنْ يُحْسِنُ؟ أَلَمْ تَرَهُ لاَ يَتَمَتَّعُ مِنْ أَمْوَالِهِ. 6 لاَ أَسْوَأَ مِمَّنْ يَحْسُدُ نَفْسَهُ. إِنَّ ذلِكَ جَزَاءُ خُبْثِهِ. 7 وَإِنْ هُوَ أَحْسَنَ، فَعَنْ سَهْوٍ، وَفِي الآخِرِ يُبْدِي خُبْثَهُ. 8 لاَ أَخْبَثَ مِمَّنْ يَحْسُدُ بِعَيْنِهِ، وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ، وَيَحْتَقِرُ النُّفُوسَ. 9 عَيْنُ الْبَخِيلِ لاَ تَشْبَعُ مِنْ حَظِّهِ، وَظُلْمُ الشِّرِّيرِ يُضْنِي نَفْسَهُ. 10 الْعَيْنُ الشِّرِّيرَةُ تَحْسُدُ عَلَى الْخُبْزِ، وَعَلَى مَائِدَتِهَا تَكُونُ فِي عَوَزٍ.

 

أبرز سيراخ إساءة الإنسان إلى نفسه حين يُمارِس سلوكًا غير مُقدَّس، مثل:

أ. يملكه المال عوض أن يملك هو المال [5].

ب. يبخل حتى على نفسه [6].

ج. إن قدَّم إحسانًا فبدون حب [7].

د. يشعر أن ما في يد أخيه كان يلزم أن يكون له، فيحسد أخاه على ما يملكه.

من أساء إلى نفسه، فإلى من يُحسن؟

وهو لا يتمتَّع بثروته [5].

حين يستعبد الإنسان نفسه للمال، يصير المال إلهًا له، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وبدلًا من أن يخدمه المال، يصير هو أسيرًا له. يفرح إلى حين عندما يزداد رصيده، ولا يدري أن المال سيد مُستبِد. من أجله يسقط الإنسان أحيانًا في القلق، وبسببه يفقد أحيانًا الحنو والرحمة بأخيه. وينحدر به من فرح الروح إلى حالة من الاضطراب. يفقد ثمر الروح، ويحرم نفسه من الانطلاق بحرية نحو السماويات.

v إن كنت تنظر إلى الغِنَى وكمال التمتُّع به ليس إلا زهوًا خَادِعًا لأمدٍ قصيرٍ، وتعرف أن الحياة الفاضلة التي ترضي الله هي أفضل من الغِنَى، وتتمسَّك بهذا المُعتقَد، وتحتفظ به في ذاكرتك، فإنك لن تتأوَّه ولا تتذمَّر ولا توبخ أحدًا قط، بل تشكر الله على كل حالٍ حتى إن رأيت أناسًا أَشرّ منك يُمدَحون بسبب فصاحتهم أو معرفتهم أو غناهم. إن شهوة الغنى بجشع والملذات، ومحبة الشهوة والمجد الباطل، مقترنتين بجهل الحق، لهما أَشرّ آلام النفس[7].

القديس أنبا أنطونيوس

ليس أسوأ ممن يحسد نفسه،

ذلك جزاء رذيلته [6].

جاءت كلمة يحسد في بعض الترجمات بمعنى أن يكون بخيلًا stingy، فمن يكون بخيلًا على نفسه، يهتم بالاقتناء دون الإنفاق لخلاص نفسه خلال العطاء، بهذا يحرم نفسه من التمتُّع بثروته خلال تخزينه لها. بهذا تحمل الخطية ثمرتها فيها، فمن يحسد نفسه، بأن يستعبد نفسه لمحبة المقتنيات، ينال عربون ثمر ذلك وهو على الأرض، إذ يفقد سلامه الداخلي وفرح الروح.

وإن صنع خيرًا، فذلك بدون قصد،

وفي الآخر يُعلِن عن رذيلته [7].

إن قَدَّم إحسانًا أو صدقة مما عنده سهوًا، أي ليس بقصد العطاء بفرحٍ، إذ يتدارك الموقف يُظهِر رذيلته، أي يكشف أنه لم يُقَدِّم العطية عن حبٍ. وإذ يفقد العطاء عنصر المحبّة، يفقد كيانه ووجوده، وتتعطَّل حياة الإنسان ونموّه. يقول الرسول: "لو أطعمت كل أموالي... ولكن ليست لي محبّة فلا أنتفع شيئًا" (1 كو 13: 3).

v أعطوا ممّا تملكونه بالبرّ، لأنكم لا تقدرون أن تُقَدِّموا رشوة للمسيح قاضيكم.

v إن كنت حزينًا وأنت تعطي، تفقد كلًا من الخبز والاستحقاق، لأن الله يحب المعطي المسرور[8].

 القديس أغسطينوس

v إذا بسطت يدك وكان قلبك خاليًا من الحنو، فإنك لست تعمل شيئا. العبرة ليست في العطاء وإنما في السرور في العطاء، وإن لم توجد إمكانية للعطاء فالحنو وحده كافٍ لمن نحب.

القديس أنبا أنطونيوس

v إنها النية هي التي تجعل العطية قَيِّمة أو زهيدة[9].

القديس أمبروسيوس

شرير هو من يحسد بعينه،

إنه يُحَوِّل وجهه ويحتقر النفوس [8].

إذ يحسد إنسان أخاه، حاسبًا أنه ليس أهلًا لما لديه، يستخفّ بأخيه ويحتقره.

يقول القديس باسيليوس الكبير إن الطمع هو المعيار الذي به يقيس الإنسان أعماقه إن كان قد تسلَّل إليها الطمع، وهو إن كانت محبته لنفسه أكثر من محبته لقريبه.

v سؤال: بأي مقياس يدان الطمع (لو 12: 15)؟

الإجابة: عندما يتعدَّى الإنسان الحدود التي وضعها الناموس. بحسب العهد القديم يظهر ذلك إذا فكر إنسان أن يأخذ أكثر من قريبه، فقد كُتِبَ: "حب قريبك كنفسك" (لا 19: 18؛ مت 22: 29). وبحسب الإنجيل، إذ اهتم أحد أن يأخذ من الضروريات أكثر مما يحتاج، بما يزيد عن احتياج اليوم الحاضر. بسبب ذلك سمع شخص: "يا غبي هذه الليلة تُطلَب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟ هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيًا لله" (لو 12: 20-21)[10].

القديس باسيليوس الكبير

عين الجَشِع لا تشبع من نصيبه،

والإثم العديم الفائدة يُجَفِّف النفس [9].

v يُقَال: "عين الجشع لا تشبع من نصيبه" (راجع سي 14: 9). مَنْ مثل هذا، لا يمكن تقويمه ومن الصواب أن تعرض عنه[11].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v قال أحدهم: "ليس أحدٍ أَشرّ من محبي المال". هذا هو الشخص الذي يُثمِّن حتى نفسه. ويدور كعدوٍ عام للعالم، مشتكيًا أن الأرض لا تحمل ذهبًا عوض القمح، أو توجد ينابيع عوض مجاري المياه أو جبالًا عوض الحجارة. إنه يرتبك إن نال أي شخص نفعًا عامًا من شيءٍ ما.

إنه يغلق كل السبل التي لا تجلب مكافأة مالية. يتعامل مع أي شيء يأخذ منه ولو فلسين. يكره كل غنيٍ أو فقيرٍ. يكره الأغنياء لأن ليس لديه ما لديهم، ويحسب كل ما لدى الغير مسلوب منه. إنه بالحقيقة ملكه هو وقد اغتصبه (الغني) منه، فهو لا يُسرّ من أحدٍ. إنه لا يعرف ما هي الوسيلة للشعور بالوفرة، وليس لديه خبرة قط للشبع. إنه أبأس الجميع، كمن لا يملك شيئًا قط، وممارسة ضبط النفس أكثر شيءٍ مثير للحسد عنده[12].

v قيل: "عين الجشع لا تشبع من نصيبه" (راجع سي 14: 9)... فقد جاءت الطبيعة إلى العالم عارية، وتخرج منه عارية. لذلك لا نطلب الكماليات، ما دمنا لم نحضر شيئًا معنا، ولا نأخذ شيئًا معنا[13].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

العين الشرّيرة لإنسانٍ تحسد خبزه،

لهذا ينقص عند مائدته [10].

الحسد هو ثمرة طبيعية للأنانية، حيث يود الإنسان أن يكون مركز كل شيءٍ، فيحسب أن له الحق أن يأخذ من أخيه ما لديه ولو كان كسرة خبز. هذه الأنانية تنزع عنه بركة الرب، فعِوَض أن يأخذ ما في يد أخيه، يفقد حتى ما لديه. يشعر الحاسد بجوعٍ وعطشٍ، وليس من طعامٍ أو شرابٍ أو مقتنيات يمكن أن يُشبعه، حتى إن أخذ العالم كله في يده.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. العفة والعُرْسِ الأبد

11 يَا بُنَيَّ، أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ بِحَسَبِ مَا تَمْلِكُ، وَقَرِّبْ لِلرَّبِّ تَقَادِمَ تَلِيقُ بِهِ. 12 اُذْكُرْ أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُبْطِئُ. أَلَمْ يَبْلُغْكَ عَهْدُ الْجَحِيمِ؟ 13 قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أَحْسِنْ إِلَى صَدِيقِكَ، وَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِكَ ابْسُطْ يَدَكَ وَأَعْطِهِ. 14 لاَ تَخْسَرْ يَوْمًا صَالِحًا، وَلاَ يَفُتْكَ حَظُّ خَيْرٍ شَهِيٍّ. 15 أَلَسْتَ مُخَلِّفًا أَتْعَابَكَ لآخَرَ، وَمَا جَهَدْتَ فِيهِ لِلاقْتِسَامِ بِالْقُرْعَةِ؟ 16 أَعْطِ وَخُذْ وَزَكِّ نَفْسَكَ. 17 قَبْلَ وَفَاتِكَ اِصْنَعِ الْبِرَّ؛ فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى الْتِمَاسِ الطَّعَامِ فِي الْجَحِيمِ. 18 كُلُّ جَسَدٍ يَبْلَى مِثْلَ الثَّوْبِ، لأَنَّ الْعَهْدَ مِنَ الْبَدْءِ؛ أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتًا. فَكَمَا أَنَّ أَوْرَاقَ شَجَرَةٍ كَثِيفَةٍ، 19 بَعْضُهَا يَسْقُطُ وَبَعْضُهَا يَنْبُتُ، كَذلِكَ جِيلُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، بَعْضُهُمْ يَمُوتُ وَبَعْضُهُمْ يُولَدُ. 20 كُلُّ عَمَلٍ فَاسِدٍ يَزُولُ، وَعَامِلُهُ يَذْهَبُ مَعَهُ. 21 وَكُلُّ عَمَلٍ مُنْتَقًى يُبَرَّرُ، وَعَامِلُهُ يُكْرَمُ لأَجْلِهِ.

 

يا بني، بحسب ما تملك عامل نفسك حسنًا،

وقرِّب للرب تقدمات لائقة [11].

إذ يدفعنا ابن سيراخ للحياة المُطوَّبة خلال عفة اللسان والفكر والسلوك إلخ. يدفع قلوبنا إلى الحياة السماوية المُطَوَّبة كي نستعد لها. إنها احتفال على مستوى أبدي، حيث نلتقي بعريس النفوس ربّ المجد يسوع، وهو عُرْس لا يشيخ ولا يقْدم، بل يبقى كأنه جديد في كل الأبدية.

ما يشغل العروسان البشريان في اللحظات الأخيرة قبل الاحتفال بالفرح هو اللحظات التي فيها يتَّحِدان ليصيرا جسدًا واحدًا، ينسى كل منهما كل أموره من أجل هذا الاتحاد الدائم. هكذا ترقُّبنا للعُرْسِ السماوي يشغلنا حتى عن احتياجات الجسد، إذ نرى العريس السماوي يُعِدّ لنا العُرْس الأبدي. حتى خدامه السماويين يترقَّبون هذا اليوم العظيم بشوقٍ لرؤيتنا عروسًا ملكة سماوية.

مع كل لحظة من لحظات الأبدية – إن صحّ التعبير – نشعر كأننا لأول مرة نتمتَّع بأسرار العُرْسِ المجيد الأبدي. من جانب العريس قدَّم دمه الثمين مهرًا لنفوسنا، ومن جانبنا نُقدِّم له تقدمات تليق به. ما هذه التقدمات إلا أن نأخذ مما له ونُقَدِّمه! خلال حياتنا على الأرض بالجهاد العامل بالمحبة. يُشَكِّلنا الروح القدس، ويُقِيم منَّا العروس أيقونة المسيح الحيّة. هذه هي التقدمة اليومية التي حسب مسرّته الإلهية. ما هي التقدمات التي تليق بالرب؟

1. تقدمة الحُبّ العملي: في تعليق للقديس يوحنا الذهبي الفم[14] على (مت 5: 23-24)، "فإن قدَّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكَّرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك هناك قربانك قدَّام المذبح واذهب أولًا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقَدِّم قربانك"، يقول:

v أي صلاح هذا! يا للحُب الفائق المُعلَن للبشرية! من أجل حُبِّنا لقريبنا، لم يُعطِ أية أهمية للكرامة اللائقة به. فأي قول أكثر رقة من هذه الكلمات؟ إنه يقول: "أوقفوا الخدمة التي تقدِّمونها لي حتى يستمر حبكم. عندما تصطلح مع أخيك تقدِّم ذبيحة لي". نعم من أجل هذا لم يقل يسوع "بعد القربان" بل "قبل القربان". بالأحرى وتحديدًا، والقربان نفسه موجود هناك أمامك، يرسلك كي تصطلح مع أخيك... ما حافزه من هذا الأمر الفوري؟ يبدو لي في ذهنه غايتين يشير ويُهَيِّئ إليهما. أولًا يريد أن يعلن كم يرفع من قيمة المحبة ويحسبها أعظم ذبيحة، فلا يَقْبَل ذبيحة العبادة بدون ذبيحة الحُبّ. ثانيًا، يُعظِّم من ضرورة التصالح بدون أن يُفسِح المجال لعُذرٍ ما[15].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

2. تقدمة الطاعة: تقدمة أخرى تليق بالرب وهي الطاعة في الربّ. ظنّ شاول أن الرب يُسَرّ بالمُحرَقات، فقال له صموئيل: "هل مسرّة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش" (1 صم 15: 22).

3. تقدمة التواضع: "لا تُسرّ بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 16-18).

اذكر أن الموت لا يبطئ،

وأنّ عهد الهاوية لم يُكشَف لك [12].

الموت حقيقة لن يتجاهلها إنسان عاقل، ولن يعرف أحد متى يحل بنا، إنما هو لا يُبطئ. فإن عاش الإنسان ألف عام، تُحسَب بالنسبة للأبدية كقطرة ماء من بحر أو ذرة رمل في صحراء. بالنسبة للعروس تتهلل بيوم عُرْسِها، وبالنسبة للمُتمرِّد يشعر بمرارة عندما يسمع اسم الموت.

البند الرئيسي لعهد الهاوية أو ميثاقها أن الموت يحلّ على الإنسان دون التزام بميعاد مُعيَّن، ولا يتحقَّق حسب هوى الإنسان.

مثل كل الحكماء الحقيقيين يتأمل ابن سيراخ في خطورة الارتباك بالثروة، مُتذكِّرًا يوم موته حيث يترك كل ما جمعه أو لديه لغيره. فيليق بالإنسان أن ينفق على نفسه، أي لا ينشغل بتخزينها بل يُضرمها لأجل سلامه وخلاصه الأبدي، لذا يُقَدِّم للرب تقدمات تليق به كخالق ومُخلِّص ومعتني به.

v إن اهتدى الشرير وتنهَّد، لا تعود كل آثامه تُذكَر (حز 18: 21-22). أيضًا قيل: لا تؤجِّل الرجوع إلى الربّ. إن كان الوعد الأول يهبك أمانًا فالالتماس الثاني يجعلك تقلق. اصغِ إلى الكتاب المقدس القائل: "اذكر يا بني أن الموت لا يبطئ" (راجع سي 14: 12)، ولا تقل: "رحمته عظيمة، فيغفر كثرة خطاياي. فإن عنده الرحمة والغضب، وسخطه يحلّ على الخطاة" (5: 6، 7)، أي الذين يصرّون على خطاياهم. إن راعينا بأمانة ودقة علاجًا للشفاء بالتوبة دون تأجيل، نستطيع أن نهرب من العقوبة الأبدية، وننعم بالمكافآت الأبدية.

الأب قيصريوس أسقف آرل

v أيها الأحباء الأعزاء، لنفكر بحكمةٍ وبطريقةٍ مفيدةٍ بخصوص الدينونة ويوم الحساب حيث التنهُّدات والتأوهات في حزنٍ على الخطايا الخطيرة والأخطاء طوال أيام حياتنا...

v إن كنت تعترف بخطاياك، فالله يغفرها لك. ليته لا ييأس أحد، وبالمثل ليته لا يفكر أحد في الرجاء بروح العجرفة. الشخص الذي يعتقد أنه حتى إن تاب عن خطاياه لن تغفر له رحمة الله يخطئ باليأس. وكما قيل لليائسين: "في اليوم الذي فيه يرجع الخاطئ، تُغفَر كل خطاياه" (راجع حز 18: 21). كما يُقَال للمتعجرفين: "لا تؤخر الرجوع إلى الربّ" (راجع سي 5: 7).

أيها الأحباء، ليت كل البشر يهتمون بهذه الكلمات، الرجال والنساء، رجال الدين والعلمانيون، الشباب والشيوخ، الأولاد والبنات[16].

v إنني أحثكم، كما أفعل كثيرًا أيها الأحباء الأعزاء، أن تسعوا دومًا على التفكير في يوم موتنا والدينونة المُرعِبة. ليس من علاج مفيد لجراحات كل الخطايا مثل أن يتذكَّر كل أحدٍ في الساعة التي يرحل فيها من هذا العالم. هكذا يقول الكتاب: "يا بني، اذكر أن الموت لا يبطئ" (راجع سي 14: 12)، "اذكر نهاية حياتك وكف عن العداوة" (راجع سي 28: 6). إن كان ينتبه بدقة كيف يكون فحصه صعبًا أمام دينونة المسيح، حيث يجازي كل واحدٍ حسب عمله (مت 16: 27)، لا تقدر خطاياه وأخطاؤه أن تُسَبِّب له لذة[17].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v يستحيل علينا أن نهرب من الموت بأية وسيلة. وإذ يعرف العقلاء بحق هذا، يمارسون الفضائل ويفكرون في حبّ الله، ويواجهون الموت بلا تنهُّدات أو خوف أو دموع، مُفَكِّرين في أن الموت أمر محتَّم من جهة، ومن جهة أخرى إنه يُحَرِّرنا من الأمراض التي نخضع لها في هذه الحياة[18].

القديس أنطونيوس الكبير

قبل أن تموت أحسن إلى صديقٍ،

وعلى قدر طاقتك ابسط يدك وأعطه [13].

يليق بنا ونحن نستعد للعُرْسِ السماوي، أن نُقَدِّم للعريس السماوي ما يليق به [11]، وأن نُدرِك أن العُرْس لن يُبطئ، فساعة خروجنا من العالم قد اقتربت [12]. يلزمنا أن نُسرّ بالعريس حتى اللحظات الأخيرة من حياتنا على الأرض بالعطاء لإخوتنا، خاصة إخوة الرب [13]. حسن أن يستخدم المؤمن ثروته بالحب العملي لصديقه، باسطًا يديه بالعطاء ما استطاع، قبل أن يموت وتزول كل فرصة له.

لا تسمح ليومٍ أن يعبر دون عملٍ صالحٍ،

ولا يهرب منك تنفيذ رغبة صالحة [14].

حياتنا هي مجموعة فرص للاستعداد للعُرْسِ، يلزمنا ألا نسمح لأنفسنا أن يلعب بنا الزمن كما لو كنا كورة في يده، ففي الصباح نقول نصنع الخير ليلًا، وبالليل نؤجِّل لباكر، وهكذا يلهو بنا الزمن.

وضع الله في قلوب البشر ميلًا نحو الأبدية، تنجذب إليها حتى وإن أنكرها في حواراته مع الآخرين. هذا الميل هو الذي يُمَكِّنه من تفسير الأحداث الزمنية، ويكشف له عن خطة الله له ولكل البشرية. بدون الترقُّب للأبدية، تفقد البشرية رسالتها ورجاءها وتعيش في حالةٍ من التشويش.

v لا تعطي كل الأيام للإثم، ما دام لك سلطان خَصِّص لك وقتًا للبرّ.

أخطأنا البارحة، لنبكِ اليوم على جرائمنا، لئلا تنتشر الخطيئة وتبيدنا[19].

v انظر إلى النهار، كم هو سريع! وتأمَّل الليل، كم هو يطارد! إنهما، وإن كانا هادئين، فهما مهتمان بأعمالهما، وإذ لا يعِدَان بشيء، فها هما ينفذان مهماتهما. لا يتكلمان ويكملان مسيرتهما. لو وَعَدَتْ الشمس أن تشرق، ولم تشرق، لما أنارت العالم بكلمات (أي بالوعد المجرد)...

v لا تجري الأعمال بالأقوال (بالوعود). إن الخلائق تُوجَد بالأفعال. تشرق الشمس وهي ساكنة، وتنير الأرض ولا تتكلم. لا تقل إذًا شيئًا دون أن تعمله، لكن افعل ما تقول[20].

v إن ساورتك فكرة صالحة في المساء ابدأ بتنفيذها في ليلتها. وإن استيقظت فيك ذكرى الخيرات في الصباح لا تمتنع عن فعل الحسنات، لأن النهار لا يمنعك من إتمام أعمالك. اهتم بعملك قبل أن يغيب النهار[21].

v لا تغمض عينيك في السبات إلا وفتحت فكرك على الصلاة. لقد رأيت كيف كان النهار مستعجلًا ليذهب، اسرع لتغادر خطاياك معه! وليشرق برّك مع الصباح! لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد.

v هوذا الأيام تُدفَن كالموتى. أمس دفنا البارحة، وها إننا ننصح اليوم بأنه سيفيد أيضًا. أبكِ إذًا على الأمس الذي لم يعد يُوجَد، وارفع صوتك على اليوم لأنه سينتقل أيضًا. هوذا الأيام تخطفك، والحياة تهرب. عندما يقبرك المساء يبعثك الصباح. إنها تميتك يوميًا لتعلم أنك ستموت[22].

v هربت منك حياة الأمس، وها هي حياة اليوم سريعة الزوال. إن كنت يقظًا أو نائمًا، فالليل لا يقف عن مسيرته، والنهار لا يهدأ من تكميل مسيرة دربه.

حياتك هذه تُنهَب، فانهب أنت منها الفائدة. لا تعتمد على الصباح لكونه منيرًا، إن لم يكن فكرك مستنيرًا بالله لكي يشرق. لا تفكر بأن المساء للراحة، ما دامت نفسك مُعَذَّبة بآلام الشرور[23].

v إلى اليوم لم تكن ملكًا لنفسك، بل عبدًا للعالم. كن ملكًا لنفسك، واخدمها...

لو سرقك لص لولولت، بينما تُسرَق حياتك من حياة الله ولا تتألم عليها[24].

القديس مار يعقوب السروجي

ألست تترك كلّ تعب عملك لآخر،

وثمر وكلّ تعب عملك للاقتسام بالقرعة؟ [15]

يأتي وقت لكل إنسانٍ يتوقَّف فيه العمل حيث يرحل من هذا العالم، وكل ما كان يملكه يصير ميراثًا للغير.

أعط وخذ واضبط نفسك،

فلا سبيل إلى التماس الرفاهية في الجحيم [16].

العطاء هو الطريق الآمن للأخذ. كلما فتحنا قلوبنا ومخازننا لإخوتنا، نجد يد الله مبسوطة للعطاء بسخاءٍ، ومخازنه مفتوحة كي نغرف منها.

كلّ جسدٍ يبلى مثل الثوب،

فالعهد منذ البدء هي أن "موتًا تموت" [17].

v عن هذا الغضب يقول: كنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضًا" (أف 2: 3). وعنه يقول إرميا: "ملعون اليوم الذي وُلدت فيه" (إر 20: 14). عن هذا الغضب يقول أيضًا أيوب: "الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا، يخرج كالزهر ثم ينحسم... ولن يستمر في نفس الحال. فعلى مثل هذا حدَّقت عينيك، وإياي أحضرت إلى المحاكمة معك. من يُخرج الطاهر من النجس؟ لا أحد؛ حتى وإن عاش يومًا واحدًا على الأرض" (أي 14: 1-5) LXX... وعن هذا الغضب جاء في ابن سيراخ: "كل جسد يبلى مثل الثوب، فسُنة العالم من البدء أن موتًا تموت" (راجع سي 14: 17)...

عن هذا الغضب جاء صوت الرسول: "أُخضعت الخليقة للبُطل" (رو 8: 20). وعنه يرثي المزمور: "هوذا جعلت أيامي أشبارًا، وعمري كلا شيء قدامك إنما نفخة كل إنسانٍ جُعل" (مز 39: 5)[25].

القديس أغسطينوس

مثل أوراقٍ مزهرةٍ على شجرة كثيفة، تسقط البعض وتنبت البعض الآخر،

كذلك أيضًا أجيال اللحم والدم: واحد يموت وآخر يُولَد [18].

v يُحفظ جنس البشر بعمليتين جسديتين، يخضع لهما الحكيم والقديس كأمرين واجبين، وأما الجاهل فيندفع فيهما متهورًا منقادًا بشهوته. وهذا يختلف عن الآخر. ما هما هاتان العمليتان اللتان بهما تُحفَظ البشرية؟ الأمر الأول يتصل بنا ويخصّ تغذيتنا، وهذا بلا شك لا نستطيع استخدامه إلا بوجود بعض اللذة الجسدية. إن هذا الأمر هو الأكل والشرب. فإن لم تأكلوا وتشربوا تموتون، لأن جنس البشر يعيش بهذه المعونة بحسب قانون طبيعته. ولكن هذه العملية هي مؤنة تخص الأشخاص ذواتهم فقط، لأنه لا يكون لهم خلفًا بالأكل والشرب بل بزواجهم. هكذا تُحفَظ البشرية أولًا بوسائل الحياة، ولكن مهما بلغت عنايتهم لا يستطيعون أن يعيشوا إلى الأبد، لذلك أعطيت لهم معونة أخرى بها يحل حديثي الولادة محل الذين يموتون. لأنه كما هو مكتوب أن جنس البشر كورق الشجرة أو الزيتونة أو شجرة الغار أو أنواع أخرى من الشجر الذي يكون دائمًا مورقًا، ومع ذلك فلا يبقى الورق ذاته دائمًا [18]. لأنه كما هو مكتوب: "هذا يطرح وذاك ينبت"، لأن الأوراق الجديدة التي تنبت تحل محل الأخرى الساقطة. فتطرح الشجرة أوراقها دائمًا ومع ذلك فهي مغطاة دائمًا بالورق. هكذا لا تشعر البشرية بفقدانها للذين يموتون يومًا فيومًا بسبب إمدادها بالمولودين الجدد. لذلك تُدعم البشرية كلها بحسب قوانينها. وكما تُرَى الأوراق على الأشجار دائمًا، هكذا تُرَى الأرض مملوءة بالبشر. بينما لو كانوا يموتون دون أن يُولَد آخرون لتجرَّدت الأرض من كل قاطنيها كما تتعرَّى بعض أنواع الشجر من كل أوراقها[26].

القديس أغسطينوس

كل عمل الإنسان يفسد وينفد،

والإنسان الذي يعمله يرحل معه [19].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. جهاد بفرح وتهليل

22 طُوبَى لِلْرَّجُلِ الَّذِي يَتَأَمَّلُ فِي الْحِكْمَةِ، وَيَتَحَدَّثُ بِهَا فِي عَقْلِهِ، 23 وَيَتَفَكَّرُ فِي طُرُقِهَا بِقَلْبِهِ، وَيَتَبَصَّرُ فِي أَسْرَارِهَا. يَنْطَلِقُ فِي إِثْرِهَا كَالْبَاحِثِ، وَيَتَرَقَّبُ عِنْدَ مَدَاخِلِهَا، 24 وَيَتَطَلَّعُ مِنْ كَوَّاتِهَا، وَيَتَسَمَّعُ عِنْدَ أَبْوَابِهَا، 25 وَيَحِلُّ بِقُرْبِ بَيْتِهَا، وَيَضْرِبُ وَتَدًا فِي حَائِطِهَا، وَيَنْصِبُ خَيْمَتَهُ بِجَانِبِهَا، وَيَنْزِلُ بِمَنْزِلِ الْخَيْرَاتِ. 26 يَجْعَلُ بَنِيهِ فِي كَنَفِهَا، وَيَسْكُنُ تَحْتَ أَغْصَانِهَا. 27 يَسْتَتِرُ بِظِلِّهَا مِنَ الْحَرِّ، وَفِي مَجْدِهَا يَجِدُ رَاحَةً.

 

حياتنا على الأرض فرصة للطلب المستمر لنوال الحكمة والنمو فيها، بكونها العروس التي تتهيَّأ للاتحاد مع العريس، حكمة الله! [20-27] إنها تحتاج إلى جهاد مستمر باهتمامٍ وحرصٍ كصيادٍ يترصَّد آثار طير يريد أن يقتنيه. هذا الجهاد يمسّ حياة المؤمن الداخلية وتقديس فكره. خلال هذا الجهاد الجاد يجد المؤمن لذة في حياته، لأنه في رفقة واهب الحكمة، الذي يحميه من الحر الحارق ويهبه التمتُّع بمجد الحكمة [27].

كما أن العروس تفكر دومًا في عريسها الذي تُبادِله الحب بالحب، وتفكر في حياتها الزوجية بتعقُّلٍ، هكذا يتأمل المؤمن في الحكمة السماوية، ويتأمل في طريقها الذي يقوده إلى الأحضان الإلهية، ويطلب معرفة أسرارها.

إنه لا يقف عند التأمل بل دائم الحركة نحو عريسه السماوي، يتمتَّع بصحبة الرب "حكمة الله" ويحمله في داخله ويقتدي به، ويختبر عربون سماواته كمن يتطلَّع على الأبدية وهو بعد في الجسد، ينطلق كما من بابٍ إلى بابٍ، كما فعلت إستير إذ فُتِحَت لها الأبواب حتى دخلت إلى عرش الملك. يصرّ المؤمن أن يعيش على الأرض كمن يقيم في بيت الرب، ويضرب أوتار خيمته كما تحت ظل رعايته، ويحتمي فيه من حرّ التجارب، ويتذوَّق المجد الداخلي بحلول الرب فيه. لا يكف عن أن يصلي لكي يذوق الكل عذوبة الشركة مع المُخَلِّص.

يُشَخْصِن الحكيم الحكمة كفتاة يطلبها المؤمن عروسًا له:

1. يتأمَّل فيها ليتعرَّف على أعماقها ومجدها، مُفكِّرًا بتعقُّلٍ [20] كيف يتحد معها.

2. يتأمل في طرقها في عقله [21]، ليسلك في المسيح الطريق الملوكي إلى حضن الآب.

3. يمعن في أسرارها [21]، أي يتمتع بفكر المسيح ويتعرَّف على أسراره.

4. يتطلَّع من نوافذها وينصت عند أبوابها [21]. لا يمِلّ من رؤية الرب والاستماع إلى صوته.

5. يسعى وراءها كالصيّاد، ويترصَّد آثارها. لن يتوقَّف عن طلب الرب واقتنائه، والسلوك فيه.

6. يُقِيم بيته ملاصقًا لبيتها ويضرب وتد خيمته في أسوارها. يبقى ساهرًا للقاء معها.

7. يُصوِّرها كشجرة يحتمي فيها فلا تضربه شمس التجارب الحارقة.

8. يتحدَّث عن الحكمة كفتاة يود الزواج بها وكطائرٍ يريد اصطياده ويطير معه وكملكة جميلة صوتها عذب يتطلَّع إليها من النوافذ، وينصت لصوتها عند الأبواب. وكشجرة تحميه وتستره من الحر، وأخرى مملوءة مجدًا يود أن يقيم في داخلها تسكب جمالها وبهاءها عليه.

v مكتوب: "الحكمة خير من الحجارة الكريمة الثمينة، وكل الأشياء النفيسة لا تُقارَن بها" (أم 8: 11) LXX. لأن الحكمة النازلة من فوق من عند الله هي عطية لا مثيل لها. وعندما نُدرِكها بواسطة الكتاب المقدس المُوحى به من الله، وننال النور الإلهي ليسكن في أذهاننا، نتقدَّم آنذاك بلا انحرافٍ إلى كل ما هو نافع لفائدتنا الروحية[27].

 القديس كيرلس الكبير

طوبى للرجل الذي يُمارِس الحكمة،

ويتحدَّث بتعقلٍ [20].

ويتأمّل في طرق الحكمة في قلبه،

ويمعن النظر في أسرارها [21].

v العقل الذي يحيا في نفس محبة لله، يرى بالحق الله غير المنظور ولا موصوف... يرى الله الذي وحده طاهر بالنسبة للطاهرين[28].

القديس أنطونيوس الكبير

يسعى وراءها (الحكمة) كالصياد،

ويترصَّد آثارها [22].

يرى العلامة أوريجينوس أن آخِر ما ورد في سفر العدد هو الأمر الذي صدر من الله لموسى محددًا حدود أرض كنعان من الجهات الأربع. وأن القارئ البسيط يفهم هذا الأمر الإلهي أنه في غاية الأهمية يلزم حفظه حرفيًّا حتى لا يتعدَّى أحد هذه الحدود، فيغتصب ما هو ليس من حقه. الآن تعدَّى اليهود الحدود حين قُيِّدوا إلى السبي خارج كنعان أو لجأوا إلى ترك كنعان وأقاموا في بلاد أخرى. فما نفع هذا النص لنا ونحن لسنا يهودًا؟

يجيب العلامة أوريجينوس أن هذا النص رمزي يلزمنا الالتزام به روحيًّا. إنه يخصّ الحكمة، فيليق بالمؤمن أن يناضل لكيلا يخرج حدود الحكمة السماوية. إنه يبحث عنها لكي يتبعها بدقةٍ وحرصٍ، فتهبه فهمًا للأسفار المقدسة. هذا ما جاهد من أجله بولس الرسول، فقال إن الذين خدموا الناموس هم خدّام الظل وصورة السماويات (عب 8: 5). كل ما ورد في الناموس في الأمور المادية الزمنية هو ظل للخيرات العتيدة (عب 10: 8). الأمور التي أشار إليها الناموس صالحة على الأرض، وهي ظل وصورة للسماويات[29].

ويتطلَّع من نوافذها بعزيمةٍ،

وينصت عند أبوابها [23].

ويُقِيم بقرب بيتها،

ويضرب وتدًا في أسوارها [24].

في العبارات السابقة [21- 23] يتحدَّث عن طلب الحكمة كمن هو في رحلة لها متاعبها، والآن في العبارات التالية [24- 27] تتحوَّل الرحلة إلى إقامة مع الحكمة، يُقِيم المؤمن بالقرب من بيتها أي السماء، ويضرب وتدًا في أسوارها، أي يرتبط بالكنيسة الحاملة عربون السماء، ويختبر مع كل صباحٍ سكناه في الحكمة أو ثبوته في المسيح حكمة الله وثبوت المسيح في أعماقه، حيث يقيم ملكوته فيه.

ويؤسس بيته حسب إرادتها،

ويُقِيم في مأوى صالحٍ [25].

v هذا هو واجب من هم غيورون في مسرَّة الله الصالحة أن يسألوا ما هو الأفضل لهم أن يفعلوه[30].

القديس باسيليوس الكبير

يجعل أولاده في حمايتها،

ويلجأ تحت أغصانها [26].

يأوى فيها من الحرِّ الحارق،

ويسكن في مجدها [27].

في الختام يدعونا العريس السماوي أن نَقْبَلَ منه الحكمة السماوية، التي تحمينا من حرِّ تجارب العالم، وتُشبِعنا بعربون المائدة السماوية، وتسكب بهاءها علينا، فنستنير ونحن بعد في العالم، ونصير موضع دهشة السمائيين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 14

هب لي الحياة المُطوَّبة!

v لك المجد يا من تُقِيم ملكوتك في داخلنا!

من يستطيع أن يُحوِّل قلبي الترابي إلى سماءٍ سواك؟

لتُقِم يا رب حراسة مشدّدة على فمي، فتظهر فيه رائحتك المقدسة،

وتكون كل كلمة مُملَّحة بروحك القدوس.

إن زلّ لساني بكلمة غير لائقة، هب لي توبة صادقة بعمل روحك الناري.

فأصرخ مع الرسول: "أنت تعلم يا رب إني أحبك"!

v لا تتخلَّى عني، لئلا أسقط في عدم الرجاء، فعِوَض فرح الروح أُحَطِّم نفسي باليأس.

أعترف لك: "أخطأت إليك يا غافر الخطايا". هوذا الخطية تود أن تُحَطِّمَني.

لتُقَدِّس يا رب أفكاري، فأترنم مع الرسول، قائلًا: "لنا فكر المسيح".

أي فكر تهبني إيّاه يا من تشتهي خلاص العالم.

هب لي أن أَتمتَّع باتِّساع الفكر، فأطلب خلاص كل أحدٍ.

عوض أن يقتلني الحسد من جهة الأغنياء، تئن نفسي على كل من تعلَّق قلبه بالزمنيات.

أحسب كل شيءٍ خسارة كي أقتنيك! وتتهلل أعماقي مع توبة كل إنسانٍ!

لا يضيق فكري بروح التعصُّب الأعمى، ولا يرتبط قلبي وفكري بالزمنيات الباطلة!

هل يصعب عليك أن تُحَوِّل الأرض إلى سماءٍ متهللة؟

حضورك الإلهي في أعماقي ينطلق بي إلى السماوات التي في داخلي!

تعال أيها المُخَلِّص، ولتُعلِن حضورك الدائم في البشرية.

v أشكرك يا من وهبتني حتى المال كعطية منك، لا لأَتعلَّق به، بل أَتعلَّق بك.

أنت هو ثروتي وغناي، أنت مُشبِع كل احتياجاتي.

هب لي أن أضرم كل وزناتي حتى المال لحساب ملكوتك السماوي.

هب لي ألا يمتلكني المال ويستعبدني، بل أملكه وأُسيطر عليه،

افتح قلبي بالعطاء بسخاءٍ وفرحٍ لإخوتي، وبه أُقَدِّم ذبائح شكر لك يا خالقي.

v هب لي يا رب ألا تتطلع عيناي إلى ما في يد أخي.

ولا أشتهي أن أقتني ما له، بل أحسب أن ما بين يديه كأنه لديّ، فأفرح له!

انزع عني روح الطمع والجشع، فقد وُلِدتُ عريانًا وسأخرج من العالم فارغ اليدين.

لم أدخل العالم بشيءٍ، وأرجو أن أنطلق حاملًا إيَّاك وحدك في قلبي.

v إلهي، إني أراك قادم على السحاب، لتُقِيم العروس السماوية من مؤمنيك.

لقد قدَّمتَ دمك الثمين مهرًا لها، فماذا نُقَدِّم لك إلا ما وهبته لها بروحك القدوس!

نعم تعال أيها الرب يسوع، أيها العريس السماوي، وضمّني إلى موكب عُرْسِك،

بل تحتضن نفسي عروسًا وملكة جميلة، ينعكس بهاء مجدك عليها.

ويمجدك السماويين لأجل حُبِّك الفائق لها!

v تُسَبِّحك نفسي، لأن وقت عُرْسِها قد اقترب.

إنها لحظات، فلتُقَدِّسها، ولتهبها أن تعمل بنعمتك بلا توقُّفٍ.

لا تسمح للزنا أن يلهو بي، بل قَدِّس كل نسمةٍ من نسمات حياتي.

v لتعمل حكمتك فينا، تحمينا من تجارب العالم.

وتدخل بنا إلى عربون وليمة العُرْسِ، نأكل ونشرب ونتهلل مع السمائيين،

ونتلامس مع المجد الذي تُعِدّه لنا. لك المجد يا كُلّي الحب لبني البشر!

v من يستطيع أن يتعرَّف على الحكمة الإلهية.

وبماذا أدعوها، فقد تجسدت يا حكمة الله لأجلي.

تراها النفس العروس السماوية، تتحد بها في عُرْسٍ أبدي لن يشيخ أو يقدم!

أراها كطائرٍ عجيبٍ يحملني، وينطلق بي من مجدٍ إلى مجدٍ حتى أستقر في السماء!

أراها ملكة جميلة صوتها عذب، تتطلَّع نفسي إليها كما من نوافذ الوعود الإلهية.

وأنصت إلى صوتها عند الأبواب، وهي تنفتح لأعبر إلى المجد الملوكي الحق.

أراها شجرة فريدة أستظل تحتها من حرِّ التجارب.

أراها مسكنًا فريدًا أسكن فيها، تقيم فيَّ!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] Paedagogus, Chapter 7: 53.

[2] Paedagogus, FOTC, vol. 23, p. 140

[3] رسالة 1.

[4] الميمر 8 على رجوع آدم، قبطي، الميمر 77 على خلقة آدم وحياة الموتى (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[5] الميمر 1 (راجع نص الدكتور بهنام سوني).

[6] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 103.

[7] الفيلوكاليا: القديس أنبا أنطونيوس 170 نصًا عن حياة القداسة، 4.

[8] Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 37.

[9] Duties of Clergy 1: 30.

[10] Regulae brevius tractatae, 48.

[11] On 1 Tim, Homily 17.

[12] Commentary on the Gospel of Matthew 80:4.

[13] Homilies on 1 Timothy, hom. 17.

[14] John Chrysostom. (1843–1844). The Homilies of S. John Chrysostom, Archbishop of Constantinople, on the Gospel of St. Matthew, Parts 1 & 2. (B. Prevost, Trans.) (Vol. 1, pp. 244–245). Oxford; London: John Henry Parker; J. G. F. and J. Rivington.

Simonetti, M. (Ed.). (2001). Matthew 1–13 (pp. 103–104). Downers Grove, IL: Inter Varsity Press.

[15] PG 57:250; NPNF 1 10:112.

[16] Sermon 64.

[17] Sermons, FOTC, vol. 1, p. 279-281.

[18] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 82.

[19] الميمر 29 على التوبة والإرشاد (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

[20] الرسالة الثالثة والأربعون.

[21] الرسالة الثالثة والأربعون.

[22] الرسالة الثالثة والأربعون.

[23] الرسالة الثالثة والأربعون.

[24] الرسالة الثالثة والأربعون.

[25] Against Julian.

[26] Sermons on New Testament Lesson, 1:23.

[27] تفسير انجيل لوقا، عظة 133، ترجمة ر. لضحى عبد الشهيد، القاهرة يوليو 2001، ص 49.

[28] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 154.

[29] Cf. Origen: Homilies on Numbers 28:1:1-2.

[30] Morals, Rule, 9:3.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-14.html

تقصير الرابط:
tak.la/wp3jhyw