← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
الأصحاح الحادي والأربعون
يتناول هذا الأصحاح الحديث عن الأمور الآتية:
[1 -4] (ت: 1 -7) |
||||
[5 -11] (ت: 8 -14) |
||||
[12 -14] (ت: 15 -17) |
||||
[15 -27] (ت: 18 -28) |
||||
* من وحي سيراخ 41: احفظني مما لا يليق، فأطلب سرعة اللقاء معك |
1 أَيُّهَا الْمَوْتُ، مَا أَشَدَّ مَرَارَةَ ذِكْرِكَ عَلَى الإِنْسَانِ الْمُتَقَلِّبِ فِي السَّلاَمِ فِيمَا بَيْنَ أَمْوَالِهِ. 2 عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي لاَ تَتَجَاذَبُهُ الْهُمُومُ الْمُوَفَّقِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، الْقَادِرِ عَلَى التَّلَذُّذِ بِالطَّعَامِ. 3 أَيُّهَا الْمَوْتُ، حَسَنٌ قَضَاؤُكَ لِلإِنْسَانِ الْمُعْوِزِ الضَّعِيفِ الْقُوَّةِ، 4 الْهَرِمِ الَّذِي يَتَجَاذَبُهُ كُلُّ هَمٍّ، الْقَنِطِ الْفَاقِدِ الصَّبْرِ. 5 لاَ تَخْشَ قَضَاءَ الْمَوْتِ. اذْكُرْ أَوَائِلَكَ وَأَوَاخِرَكَ. هذَا هُوَ قَضَاءُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ ذِي جَسَدٍ. 6 وَمَاذَا تَرْفُضُ مِمَّا هُوَ مَرْضَاةُ الْعَلِيِّ عَشْرَ سِنِينَ كَانَتْ مَرْضَاتُهُ أَمْ مِئَةً أَمْ أَلْفًا؟ 7 إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَحِيمِ حِسَابٌ عَلَى الْعُمرِ.
يُقَدِّم لنا ابن سيراخ صورة واقعية لنظرة البشر للموت، قبل انفتاح فكرنا على الحياة المُقامة التي صارت لنا بقيامة السيد المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فبالنسبة للإنسانٍ الذي يتمتَّع بصحةٍ جيدةٍ صاحب سلطان وميسورٍ ويعيش في أمانٍ، يتطلَّع إلى الموت أنه قاسي ومُرّ المذاق، بينما يتطلع إليه الشيخ الذي يعاني من الأمراض والهزال والعوز أنه إنقاذ له.
أيها الموت، ما أشدَّ مرارة ذكرك بالنسبة للإنسان الذي يعيش في سلام بممتلكاته،
لإنسان غير مُشتَّت وناجح في كل شيء، ولا يزال قويًا إلى حدٍّ يكفي للتمتُّع بطعامه! [1]
عندما يُرَكِّز الإنسان على ما يحلّ به، يتطلَّع إلى الحياة بنظرة مُرَّة. أما إذ رفع قلبه إلى الله، فيرى في الحياة عطية إلهية، ويدرك خطة الله خلف ما يحل به من متاعب، فتتهلل نفسه بروح الرجاء.
v الموت أمر مرعب للغاية، لكن ليس لأولئك الذين تعلَّموا الحكمة الحقيقية التي من فوق. فإن من لا يعرف شيئًا عن الأمور العتيدة، بل يحسب الموت انحلالًا ونهاية للحياة، بحق يرتعب ويخاف كمن يعبر إلى لا وجود. أما الذي يتعلَّم بنعمة الله الأمور الخفية السرية لحكمة (الله)، ويحسب الأمر رحيلًا إلى موضع آخر، لا يجد سببًا للرعدة، بل بالأحرى يفرح ويبتهج، إذ بتركنا الحياة الفانية نذهب إلى حياة أفضل وأبهى وبلا نهاية. هذا ما يُعَلِّمنا إياه المسيح بتصرفاته حيث يذهب إلى آلامه، لا بتغصبٍ ولا عن ضرورةٍ، بل بإرادته، لذلك قيل: "قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون، حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه"[1].
أيها الموت، قضاؤك حسن بالنسبة لإنسان معوز، عاجز في القوة،
في شيخوخته المتقدِّمة (الهرم) يتشتت بكل شيء، ويصير عنيدًا وينقصه الصبر [2].
ينظر البعض إلى الموت باعتباره هروبًا من متاعبهم المالية والصحية والنفسية وأيضًا الروحية. لقد صرخ داود المرتل: "يا رب أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه، أو ابن الإنسان حتى تفكر فيه. الإنسان أشبه بنفخة، أيامه مثل ظل عابر" (مز 144: 3-4). مرة أخرى يقول: "فمن هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده" (مز 8: 4).
v الموت راحة، خلاص من الأتعاب المُفزِعة ومن اهتمامات العالم[2].
لا تخشَ قضاء الموت،
واذكر الذين كانوا من قبلك والذين بعدك [3].
إذا ما تطلَّع الإنسان إلى الذين سبقوه، لا يجد إنسانًا على الأرض فلت من الموت، وإن تطلَّع إلى الذين يأتون بعده، يجد الكل يعلمون تمامًا أنهم لا يخلدون على الأرض. الإنسان الحكيم يتطلع إلى الذين سبقوه، فيرى أناس الله في الفردوس يشاركون السمائيين تسابيحهم وحياتهم الخالدة مُطوَّبة.
v ليثيرك موت الآخرين فيكون لك الخوف النافع وتنزع كل تراخٍ، ولتفحص أعمالك الماضية، ولتقطع خطاياك، وتبدأ بتغيير سعيد[3].
v تأمل إلى من ذهب الراحل وتعزَّى. لقد ذهب إلى حيث يوجد بولس وبطرس وصحبة القديسين. تأمل كيف سيقوم، بأي مجد وأي سمو. تأمل أنه بحزنك ونحيبك لا تقدر أن تُغَيِّر ما قد حدث، وفي النهاية تضرّ نفسك.
هذا هو القضاء الذي قضاه الربّ على كل ذي جسد، فكيف تقاوم مسرَّة العليّ الصالحة؟
وفي الجحيم لا حساب على عمرك إن عشت عشر سنين أو مئة أو ألف [4].
إن كان ذكر الموت غاية في المرارة بالنسبة للكثيرين في العصور ما قبل مجيء المسيح، فقد قال القائم من الأموات: "أنا هو القيامة والحياة؛ من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو 11: 25).
8 بَنُو الْخَطَأَةِ بَنُو رِجْسٍ، وَكَذلِكَ الَّذِينَ يَتَرَدَّدُونَ إِلَى بُيُوتِ الْمُنَافِقِينَ. 9 بَنُو الْخَطَأَةِ يَهْلِكُ مِيرَاثُهُمْ، وَيُلاَزِمُ ذُرِّيَّتَهُمُ الْعَارُ. 10 الأَبُ الْمُنَافِقُ يَتَشَكَّى مِنْهُ بَنُوهُ، لأَنَّهُمْ بِسَبَبِهِ يَلْحَقُهُمُ الْعَارُ. 11 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْمُنَافِقُونَ، النَّابِذُونَ لِشَرِيعَةِ الإِلهِ الْعَلِيِّ، 12 فَإِنَّكُمْ إِذْ وُلِدْتُمْ إِنَّمَا وُلِدْتُمْ لِلَّعْنَةِ، وَمَتَى مُتُّمْ فَاللَّعْنَةُ هِيَ نَصِيبُكُمْ. 13 كُلُّ مَا هُوَ مِنَ الأَرْضِ يَذْهَبُ إِلَى الأَرْضِ، كَذلِكَ الْمُنَافِقُونَ يَذْهَبُونَ مِنَ اللَّعْنَةِ إِلَى الْهَلاَكِ. 14 النَّاسُ يَنُوحُونَ عَلَى أَجْسَادِهِمْ، لكِنَّ اسْمَ الْخَطَأَةِ يُمْحَى.
عند موت إنسانٍ معروف أنه شرير تسود مشاعر بعض الناس أن الأفضل نسيانهم، لأن ذكرهم أحيانًا يكون بغيضًا. لا يريد البعض مُجَرَّد التفكير فيهم، فلا يستحقّون أن يذكرهم أحد حتى في فكره ولو إلى لحظة، هذا بجانب ما يلاقونه الأشرار من عذابٍ أبدي. على العكس أصحاب السيرة الطيبة يستحقّون تَذَكُّرهم إلى أمدٍ طويل [12-13]. هذا ما يدفع الكنيسة إلى إقامة تذكارات سنوية للقديسين.
من المؤلم أن أبناء الأشرار كثيرًا ما يسلكون في طريق آبائهم، غير أن الابن الذي يسأل الرب عن طريق الحق، يهبه الرب نعمته، كما حدث مع بعض الملوك مثل حزقيا الصالح وكان والداه شريرين.
بنو الخطاة هم أبناء ممقوتون،
غالبًا ما يترددون على بيوت الأشرار [5].
قد يتساءل البعض هل كل أبناء الأشرار يسلكون في الشرّ كآبائهم؟ وما ذنبهم؟ جاءت الأسفار التاريخية والتاريخ نفسه عبر العصور يُجِيب على هذين السؤالين، فقد أبرزت الأسفار الآتي:
أ. ملوك أشرار أنجبوا أبناءً صالحين، كمثال لذلك حزقيا الملك قام بتطهير أرض يهوذا من نشر العبادة الوثنية ورجاساتها على يد أبيه آحاز الشرير. ويوشيا آخر ملك صالح في يهوذا قام بنفس العمل لتطهيرها مما فعله والده أمنون.
ب. ملوك أشرار أنجبوا أبناءً أشرارًا، مثل آخاب وزوجته إيزابل الشريرة، أنجبا أخزيا ملك إسرائيل وكان شريرًا. كثيرًا ما قيل عن الملوك الأشرار: "وعمل الشرّ في عينيّ الرب، وسار في طريق أبيه وفي خطيَّته التي جعل بها إسرائيل يخطئ" (1 مل 15: 26).
ج. ملوك أبرار أنجبوا أبرارًا، مثل آسا ملك يهوذا عمل المستقيم في عيني الربّ أنجب يهوشافاط.
د. ملوك أبرار أنجبوا أشرارًا، مثل داود النبي أنجب أبشالوم الذي حاول اغتصاب المُلْك وقتل أبيه.
هذه الحالات وأمثالها تؤكد المسئولية الشخصية لكل إنسانٍ، فلا يؤدِّب الربّ الابن من أجل خطايا أبيه. "النفس التي تخطيء هي تموت" (مز 18: 4، 20). أما قوله هنا: "بنو الخطاة هم ممقوتون" [5] فهو مثل قول الربّ: "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء، وفي الجيل الثالث والرابع الذين يبغضونني" (تث 5: 9). هذا لا يعني افتقاده لهم بسبب الجرم الذي للآباء، إنما يحذر الآباء من العواقب الطبيعية، حيث يتشرب الأبناء من طفولتهم روح الشرّ من آبائهم، وغالبًا ما يتمادون بالأكثر في الشر. وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم إن الإنسان السالك في الشرّ باستهتار لا يبالي بما يحلّ عليه، لكنه غالبًا ما يضطرب عندما يشعر أن ما يفعله سترتد ثمرته على أبنائه وأحفاده. وكأن الله يدعوهم إلى التوبة والرجوع إليه إن لم يكن من أجل الخوف من الثمر المُرّ للخطية على حياتهم، فيسمعون له حفظًا على أبنائهم وأحفادهم.
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن الله يُهَدِّد الشرير سواء بالنسبة له أو لأولاده لا لينفذ العقوبة، إنما لكي يرجع عن شرِّه بسبب الخوف، كما حدث مع أهل نينوى، فقال إن المدينة تهلك بسبب شرورهم، وبقوله هذا جعلهم يلجأون إلى مراحم الله بالتوبة عوض تماديهم في الشرّ.
ميراث أبناء الخطاة يهلك،
والعار يُلازِم نسلهم [6].
البنون يلومون أباهم الشرّير،
لأن بسببه يُشجَبون [7].
ويل لكم أيها الأشرار،
فقد نبذتم شريعة الله العليّ! [8]
السرّ الحقيقي في هلاك الأشرار هو نبذهم للشَريعةَ لاقتناء الحكمة والتمتُّع بالبرّ.
v من يرفض قبول نور كلمة الله، ينبغي أن يخشى عقاب الظلمة الأبديَّة[4].
وعندما وُلِدتم، تولدون للعنة،
ومتى متم، فاللعنة هي نصيبكم [9].
v لا يعني هذا أن الله خلقهم للهلاك، إنما بإرادتهم الحُرَّة جعلوا حياتهم لعنة ومماتهم أيضًا لعنة. تُعلَن حرية الاختيار لنا خلال الكتب المقدسة لا بلغة بشرية بل إلهية. نبدأ بهذه الحقيقة وهي أنه لو لم توجد حرية اختيار ما كان الإنسان يستخدم وصايا الله، وبالتالي ينال المكافأة الموعود بها. يعطينا الوصايا حتى لا يقدر أحد أن يحتج معتذرًا بجهله، لذلك قال الرب في إنجيله عن اليهود "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم، لم تكن لهم خطية. وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم" (يو 15: 22).
كل ما هو من الأرض يعود إلى الأرض،
لذلك يذهب الأشرار من اللعنة إلى الهلاك [10].
من اختار الشر، يرتد عليه ما اختاره، اللعنة والهلاك.
ينوح الناس على أجسادهم.
لكن اسم الخطاة يُمحَى لأنه غير صالح [11].
بينما ينوح الأشرار المُصِرّون على عنادهم على أجسادهم التي تتحلَّل بالموت، وتقوم في يوم الرب لتُجازى على ما أصرت عليه، إذا بأناس الله يفرحون بالرجاء حتى في لحظات الموت.
v لا تخف لأنك مُثَقَّل بجسدٍ مائتٍ، ليكن لك الروح فستقوم ثانيًا لا محالة... حقًا سيقوم الكل، لكن لا يقوم الكل للحياة، إنما يقوم البعض للعقاب والآخر للحياة (يو 29:5)...
إنه لا يعاقبك إن رأى روحه يُشرِق فيك، بل يوقف العقاب... ويدخل بك إلى حجال العُرْسِ لتكون هناك مع العذارى (مت 12:25). ليتك إذن لا تسمح لجسدك (الحياة الجسدانية) أن يعيش في هذا العالم، لكي يعيش جسدك هناك. ليمت كي لا يموت! فإن احتفظت به هنا حيًا لا يعيش، وإن مات يحيا. هذا هو حال القيامة بوجهٍ عام. إذ يجب أن يموت أولًا ويُدفَن عندئذ يصير خالدًا. ولكن هذا يحدث في جرن المعمودية، حيث يتحقَّق الصلب والدفن وعندئذ القيامة.
هذا أيضًا ما حدث في جسد الرب، إذ صُلِب ودُفِن وقام. ليحدث هذا أيضًا بالنسبة لنا. فتكون لنا الإماتة المستمدة عن أعمال الجسد، لا أقصد موت جوهر الإنسان، فإن هذا بعيد عن قصدي، إنما موت ميوله نحو الأمور الشريرة، فإن هذا هو الحياة أيضًا، بل ما هو هذا إلا الحياة[5].
15 لِيَكُنِ اهْتِمَامُكَ بِالاِسْمِ؛ فَإِنَّهُ أَدْوَمُ لَكَ مِنْ أَلْفِ كَنْزٍ عَظِيمٍ مِنَ الذَّهَبِ. 16 الْحَيَاةُ الصَّالِحَةُ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ، أَمَّا الاِسْمُ الصَّالِحُ فَيَدُومُ إِلَى الأَبَدِ. 17 اِحْفَظُوا التَّأْدِيبَ فِي السَّلاَمِ، أَيُّهَا الْبَنُونَ، أَمَّا الْحِكْمَةُ الْمَكْتُومَةُ وَالْكَنْزُ الْمَدْفُونُ فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ فِيهِمَا؟
اهتمّ باسمك، فإنه يدوم معك أكثر من ألف خزانة عظيمة من الذهب [12].
الحياة الصالحة أيام معدودة،
أما الاسم الصالح فيدوم إلى الأبد [13].
يليق بنا أن نبارك الله ونشكره، إذ خلقنا على صورته ومثاله. إننا نعتزّ باسمنا كبشرٍ، فإننا سقطنا لكنه لم يتركنا، بل نزل إلينا ووهبنا الاتحاد معه كأعضاءٍ في جسده.
v إننا نصير جديرين بأن نُدعَى بشرًا، متى اتصفنا بالعقل، فإذا لم يتوفَّر العقل فإننا لا نختلف عن الحيوانات العُجم إلا بشكل الأطراف وموهبة الكلام. إذًا، ليعرف الإنسان العاقل أنه خالد، كارهًا الشهوات المخجلة التي هي عِلّة موت البشر[6].
يا أبنائي، لاحظوا التعليم، وعيشوا في سلام.
أما الحكمة المكتومة والكنز غير المنظور، فأية منفعة فيهما؟ [14]
المؤمن – بالروح القدس – هو صوت المسيح الصارخ تجاه البشر بكل وسيلة ممكنة أن يعدوا طريق الرب ويصنعوا سبله المستقيمة. هذا الصوت هو صوت الحب الباذل.
v سأل أخ الأب بيمين: "إن رأيت أخًا سمعت عنه أمرًا رديًا، فهل من الواجب ألاَّ أدخله قلايتي؟ وإن رأيت أخًا صالحًا، فهل أفرح به؟" فأجابه الأب بيمين: "إن صنعت مع الأخ الصالح خيرًا، فاصنع ضعفه مع ذاك، لأنه مريض".
18 الإِنْسَانُ الَّذِي يَكْتُمُ حَمَاقَتَهُ، خَيْرٌ مِنَ الإِنْسَانِ الَّذِي يَكْتُمُ حِكْمَتَهُ. 19 اِسْتَحْيُوا مِمَّا أَقُولُ لَكُمْ. 20 فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ الْخَجَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلاَ كُلُّ أَمْرٍ مِمَّا يُصْنَعُ بِرُشْدٍ يُعْجِبُ كُلَّ إِنْسَانٍ. 21 اخْجَلُوا أَمَامَ الأَبِ وَالأُمِّ مِنَ الزِّنَا، وَأَمَامَ الرَّئِيسِ وَالْمُقْتَدِرِ مِنَ الْكَذِبِ. 22 وَأَمَامَ الْقَاضِي وَالأَمِيرِ مِنَ الزَّلَّةِ. وَأَمَامَ الْمَجْمَعِ وَالشَّعْبِ مِنَ الإِثْمِ. 23 وَأَمَامَ الشَّرِيكِ وَالصَّدِيقِ مِنَ الظُّلْمِ. وَأَمَامَ بَلَدِ سُكْنَاكَ مِنَ السَّرِقَةِ. 24 وَمِنْ مُخَالَفَةِ حَقِّ اللهِ وَعَهْدِهِ. وَمِنْ اتِّكَاءِ الْمِرْفَقِ عَلَى الْخُبْزِ. وَمِنَ الْخِيَانَةِ فِي الأَخْذِ وَالْعَطَاءِ. 25 وَمِنَ السُّكُوتِ أَمَامَ الَّذِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ. وَمِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ. 26 وَمِنْ إِعْرَاضِ وَجْهِكَ عَنْ نَسِيبِكَ، وَمِنْ سَلْبِ النَّصِيبِ وَالْعَطَاءِ. 27 وَمِنَ التَّفَرُّسِ فِي امْرَأَةٍ ذَاتِ بَعْلٍ، وَمِنْ مُرَاوَدَةِ جَارِيَتِهَا، وَعَلَى سَرِيرِهَا لاَ تَقِفْ. 28 وَمِنْ كَلاَمِ التَّعْيِيرِ أَمَامَ الأَصْدِقَاءِ. وَمِنَ الاِمْتِنَانِ بَعْدَ الْعَطَاءِ. وَمِنْ نَقْلِ الْكَلاَمِ الْمَسْمُوعِ وَإِفْشَاءِ مَا قِيلَ فِي السِّرِّ.
الإنسان الذي يكتم حماقته،
خير من الإنسان الذي يكتم حكمته [15].
بدأ سيراخ بالتناقض الساخر بين الحكيم والأحمق. عادة نتوقع من الحكيم ما هو نافع ومفيد ومن الأحمق ما هو ساخر، لكن الحالة التي بين أيدينا فريدة، فالأحمق الذي يكتم حماقته أفضل من الحكيم الذي يكتم حكمته. الأول بكتمانه حماقته أدرك خطأه، ولم يعرِّض من حوله لحماقته. والثاني إذ وهبه الربّ حكمة كتمها، فلم ينفع بها نفسه ولا إخوته [15]. لقد أظهر الأحمق حكمته بكتم حماقته، ولم يظهر الحكيم محبة بالكشف عن حكمته. ما كان يليق بالحكيم أن يخجل مما وهبه الربّ من حكمة.
يُقَدِّم لنا سيراخ قائمة بالأمور التي يليق بالإنسان أن يخجل منها. غاية هذه القائمة ألاَّ يتهاون المجتمع في مبادئه وتقييمه للأمور، فلا نخجل من أخطاء أو شرور يلزم ألاَّ يقبلها المجتمع أو الأسرة المقدسة أو إنسان الله. تبلغ هذه الأمور المخجلة حوالي 20 بندًا، وهي:
أولًا: سبعة بنود خاصة بالإخلال بالكلام أو العمل:
أ. عدم التمييز في نوع الخجل [16].
ب. الحديث عن الزنا أمام الوالدين [17].
ج. الكذب في حضرة الرئيس أو القائد [17].
د. انتهاك القانون في حضور القاضي [18].
ه. ارتكاب الإثم أمام مجمع الشعب [18].
و. ممارسة الظلم أمام صديقك أو شريك حياتك [19].
ز. السرقة أمام مواطن في بلدك [19].
ثانيًا: أربعة بنود خاصة بالتهور وعدم اللياقة:
أ. التهاون في حق الله وميثاقه [20].
ب. كسر آداب المائدة [20].
ج. إظهار اشمئزاز سواء في الأخذ أو العطاء [21].
د. الصمت أمام الذين يُسَلِّمون عليك [21].
ثالثًا: أربعة بنود خاصة بأمور جنسية معيبة:
أ. النظرة الشريرة لامرأة شريرة [22].
ب. عدم المبالاة لتضرع أحد الأقرباء [22].
ج. سلب نصيب أحد أو هديته [23].
د. التفرس في امرأة متزوجة [23].
رابعًا: أربعة بنود خاصة باختلال الصداقة:
أ. من يداعب جاريته [24].
ب. الخجل من كلام إهانة موجه إليك في حضور الأصدقاء [25].
ج. إهانة شخص بعد تقديم هدية له [26].
د. نقل الكلام وإفشاء الأسرار [26].
اخجلوا إذًا من أساس كلامي، فإنه ليس حسنًا حماية كل نوعٍ من الخجل،
ليس كل شيء عند الجميع عالي المقدار بثقة [16].
المعاصي التي يلزم دومًا الخجل منها هي الزنا والسرقة وعدم الأمانة والإثم وعدم تكريم الغير والثرثرة وعدم التعامل بالأخذ والعطاء والصمت أمام الذين يُسَلِّمون على الشخص، والتفرُّس في امرأة زانية، وتجاهل تضرع الأقارب، ومراودة جارية (مربية)، وإهانة صديق، وإهانة من يقدم له عطاء، أو نقل الكلام وإفشاء السرّ [16-27].
يشعر الإنسان بالخجل عند مواجهة أمور لا يَقْبَلها المجتمع، وذلك خلال تقليد موروث أو أمور تمسّ الحياة الأخلاقية. يليق بالشاب أن يعرف كيف يقيّم هذا الخجل.
اخجل أمام أبيك وأمك من الزنا،
وأمام رئيسك أو القائد من الكذب [17].
غالبًا ما يريد الوالدان أن يكون أولادهما طاهرين، فلا يحتملوا أن يسمعوا عنهم أنهم يمارسون الزنا، بل لا يستريحون للسماع عن الزنا من أولادهما.
وأمام القاضي من انتهاك القانون،
وأمام مجمع الشعب من الإثم [18].
يشير هنا إلى مجالس القضاء التي كانت تُنصَب عند أبواب المدينة، يناقشها القاضي وشيوخ المدينة معًا ويستجوبون المتهم، كما يسمعون للشهود حتى يُصدروا الحكم. منذ نشأة المجامع اليهودية أثناء السبي البابلي وحتى منتصف القرن العشرين، إذا أخطأ أحد اليهود علانية، يستدعيه المجتمع اليهودي أمام المجلس ليعلن توبته علانية. وفي الكنيسة الأولى كان الاعتراف يُمارَس علانية عما يمارسه التائب خاصة عن الخطايا العلنية.
وأمام شريكك أو صديقك من الظلم،
وأمام مكان سكناك من السرقة [19].
إذا مارس إنسان الظلم قدام شريك الحياة (زوج أو زوجة) أو أمام صديق، يفقد شريك الحياة أو الصديق الثقة فيمن فعل هذا، مما يُسَبِّب متاعب في حياة الأسرة أو مع الأصدقاء.
أيضًا من يسرق في المدينة التي يسكن فيها، يبتعد أهل المدينة عنه خشية أن يسرقهم، فيشعر أنه وحيد ومنبوذ من المجتمع، وليس له مكان في مدينته.
اخجل أمام حقّ الله وميثاقه،
ومن السلوك الشرير على المائدة [20].
يربط ابن سيراخ بين من يرتكب أمرًا مُخجِلًا في بيت الربّ، حيث يكسر ميثاقه مع الله، ومن يكسر قوانين المائدة المُتعارَف عليها. ففي بيت الربّ يلتزم بالميثاق مع الله لكي يتمم الربّ وعوده له، وعلى المائدة اعتادت الشعوب خاصة قديمًا اعتبار الأكل المشترك معًا نوعًا من العهد بينهما ولا يجوز لأحد أن يخون العهد أو يكذب أو يُدَبِّر مؤامرة ضد من أكل معه. لا زال هذا المفهوم سائدًا في قرى مصر، فيقول الشخص لزميله: نحن أكلنا خبزًا وملحًا معًا، علامة الالتزام بالسلوك بمحبة صادقة وإخلاص.
ومن الاشمئزاز في الأخذ والعطاء،
ومن الصمت أمام الذين يُسَلِّمون عليك [21].
في تقديم مساعدة أو هدية لشخصٍ أو قبول المساعدة أو الهدية، يليق في كلا الحالتين في العطاء كما في الأخذ أن يمزج التصرُّف باللطف. لأن العطاء بغير محبة يهين مستلم المساعدة أو الهدية.
عندما يُسَلِّم أحد على شخصٍ ما، يليق بهذا الشخص ألاَّ يسلك كمن هو ممتعض من هذه التحية التي هي علامة السلام والمصالحة (مت 5: 47).
ومن التطلع إلى امرأة داعرة،
ومن رفض تضرُّع أحد الأقارب [22]
بروح التمييز يسلك الإنسان فحينما يُسلِّم على أحدٍ أو يُسَلِّم أحد عليه، يجب أن تحمل عيناه الاهتمام الشخصي مع السلام أو التحية. وحينما يوجد في حضور امرأة مع زانية، لا يليق به أن يتفرَّس فيها أو يُرَكِّز نظره عليها.
ومن سلب نصيب أحد أو هديته،
ومن التفرُّس في امرأة رجل آخر [23].
ومن التطفُّل على جاريته، وإلى سريرها لا تقترب [24].
كان الأغنياء يحتفظون بالعبيد والجواري في بيوتهم لخدمتهم، وذلك في ظل نظام العبيد. ومع وجود الفارق الشاسع الاجتماعي يلزم الحذر، كما فعل يوسف بن يعقوب التي أحبته سيدته امرأة فوطيفار رئيس الشرطة، فهرب منها.
ولتخجل من كلام الإهانة أمام الأصدقاء،
بعد العطاء لا تهن الشخص [25]
متى طلب أحد الأقارب شيئًا يجب ألاَّ يتجاهله بقدر المستطاع. من يُقَدِّم الصدقة لمحتاجٍ، ولم يُراعِ مشاعر المحتاج، يُفسِد هذا العطاء الذي بلا حب!
ومن نقل الكلام المسموع،
وإفشاء الأسرار [26].
سبق أن تحدَّث ابن سيراخ عن إفشاء السرّ، فإنه يكاد يستحيل على الشخص أن يسترد الثقة فيمن أفشى سرّه.
حينئذ تشعر بالتواضع الحقيقي،
وتنال نعمة عند كلّ إنسانٍ [27].
أحيانًا حين يشعر إنسان أنه مغبون، يستطيب سلب من غبنه، ويحسب هذا نوعًا من رد الفعل.
لا يجوز للإنسان أن يسلب أحدًا خفية حتى وإن كان مظلومًا، وإنما بأدبٍ وحكمة يُطالِب بحقه.
للأسف نسمع أحيانًا أن شخصًا يهمل في عمله بدعوى أنه يعمل قدر المبلغ المدفوع له. عنصر الأمانة حيوي، لا يجوز التهاون فيه تحت أي دعوى.
هذا ولا يجوز للمؤمن أن يتفرَّس في امرأة متزوجة، لأنه يشتهي امرأة أخيه.
يربط هنا بين سلب من غبنه، بالتفرُّس في امرأة أخيه، لأن كلا العملين سرقة خفية. الأول يسرق من غبنه، والثاني يسرق من أخيه امرأته خلال نظراته.
يختم ابن سيراخ نصائحه العشرين الخاصة بالأمور التي يجب الخجل منها بتقديم العلاج، وهو أن يتحلَّى المؤمن بالتواضع الحقيقي، فتعمل نعمة الله فيه وتحفظه من هذه الأمور المُخجِلة!
v حضورك الإلهي يُحَوِّل مرارة الموت إلى عذوبة بعبوري الحياة في رفقتك!
لست أشتهي الموت للخلاص من متاعب الحياة!
وإنما لأعبر إليك وأعيش في أحضانك.
مهما بلغ عمري، فإنه أشبه بلحظة واحدة تعبر وأنا متهلل بك!
v انزع عني جذور الشرّ، فلا تلحق بي اللعنة.
شريعتك تهبني الحكمة، فأطلب نعمتك سندًا لي.
لا أستنكف حتى من جسدي، فسيقوم يشارك نفسي مجدها.
ما يشغلني مجد اسمك القدوس فهو كنزي العظيم!
أرتبط باسمك، فأَتمتَّع بسلامي الداخلي.
v هب لي روح القوة مع التمييز، فلا أُمارِس شيئًا مما يجب أن أخجل منه.
أكرم والديَّ، وأعطي الكرامة لمن له الكرامة.
لا أنتهك حتى قوانين العالم، ولا أسلب حق إنسانٍ.
ألتزم بميثاقك فأَتمتَّع بالمائدة السماوية.
لتُقَدِّس حواسي وعواطفي وتحرُّكات كل عضوٍ في جسمي.
أحرص على الاهتمام الشخصي بكل أحدٍ ما استطعت،
ولا أَتفرَّس فيما لا يليق بي أن أَتطلَّع إليه.
ليكن قلبي خزانة أمينة لا تفشي بسرّ أحد تحت أي ظرف.
هب لي نعمتك، فأَتمتَّع بالتواضع،
ترفعني فوق كل العثرات لأُحَلِّق في سماواتك!
_____
[1] Homilies on St. John, 83:1.
[2] W. W. Wiersbe: Treasury of the World’s Great Sermons, 1993, p. 132.
[3] W. W. Wiersbe: Treasury of the World’s Great Sermons, 1993, p. 132.
[4] Sermon 76:3
[5] In Rom. Hom., 13.
[6] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 14.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 42 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 40 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/g6r2kv4