← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40
الأصحاح السابع
توجد فكرة شائعة أن الحياة العامة تُلزِم أحيانًا البعض أن يتنازلوا عن بعض المبادئ، السامية، خاصة في جو السياسة والاقتصاد، فيُمارِسون بعض الشرور كالكذب أو الخداع أو الدعوة الباطلة التي ينادون بها بينما في أعماقهم يدركون أنهم لا يلتزمون بها. يفعلون هذا لكي يكسبوا إلى جانبهم ممن ارتبطوا بمنافسيهم أو يحتفظوا بمن هم بالفعل معهم ويخشون أن يكسبهم منافسيهم. فيقومون بدور تمثيلي ولا يلتزمون بالتدقيق في الأمانة والصدق في كلماتهم. لهذا نجد حتى الأمم لا تثق فيما بينها. فُتجنِّد جواسيس للتعرُّف على ما تفعله الأمم الأخرى من وراء الستار[1].
في الأصحاح السادس رأينا كيف تَئن البشرية حيث تحتاج إلى صديقٍ وفيٍّ مُخْلِصٍ، قادرٍ أن يرفعها فوق الضيقات، لذلك نزل حكمة الله نفسه متجسدًا وحلّ بيننا كواحدٍ منا، حتى يجذبنا إلى صداقته الفريدة في فرحٍ وتهليلٍ، وليس في رُعبٍ وتحطيمٍ. جاء صديقنا الإلهي العجيب، يُعلِن حُبِّه لنا لا في عواطفٍ جوفاء، بل بحبٍ عمليٍ صادقٍ في بذله. وتمتد آثار صداقته الإلهية إلى كل جوانب حياتنا.
1. تخترق أعماقنا لتُقِيم ملكوت الله القدوس فينا [1-3].
2. تُرافِقنا أينما وُجِدنا، فتقودنا إلى السلوك اللائق في تعاملنا مع قادة المجتمع [4-8].
3. تلهب طاقاتنا في العبادة لتؤهِّلنا إلى شركة التسبيح والعبادة مع خورُس السمائيين [9-10].
4. تهبنا الحكمة في تعاملنا مع كل فئات المجتمع لنجتذب الكثيرين إلى مُحِب البشر [11-18].
5. تفتح عيون قلوبنا لنرى في أسرتنا ظلًا للأسرة السماوية [19-28].
6. نكرم كهنته الذين يكرمونه، بروح المخافة الإلهية [29-30].
7. ننشغل بالفئات المنسية والمجروحة والتي في عوزٍ أو ضيقٍ [32-35].
8. إذ ندخل مع كل صباحٍ إلى أعماقٍ جديدة في صداقتنا مع الله، يلتهب قلبنا شوقًا إلى الانطلاق من العالم. نترقَّب بفرحٍ وتهليلٍ لحظة انطلاقنا من العالم [36].
[1 -3] (ت: 1-3) |
||||
[4 -8] (ت: 4-10) |
||||
[9 -10] (ت: 11) |
||||
[11 -18] (ت: 12-20) |
||||
[19 -28] (ت: 21-30) |
||||
[29 -31] (ت: 31-35) |
||||
[32 -35] (ت: 36-39) |
||||
[36] (ت: 40) |
||||
* من وحي سيراخ 7: صديقنا السماوي والحب الأخوي |
1 لاَ تعْمَلِ الشَّرَّ، فَلاَ يَلْحَقَكَ الشَّرُّ. 2 تَبَاعَدْ عَنِ الأَثِيمِ، فَيَمِيلَ الأَثِيمُ عَنْكَ. 3 يَا بُنَيَّ، لاَ تَزْرَعْ فِي خُطُوطِ الإِثْمِ، لِئَلاَّ تَحْصُدَ مَا زَرَعْتَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ.
الصديق الوحيد القدوس والقادر أن يسكن في قلوبنا ويُقِيم فيها ملكوته، هو ربّ المجد يسوع. إنه يملك على القلب، فلا يجد عدو الخير له موضعًا فينا، فيهرب منا. بهذا لا يكون للشرّ أو الإثم سلطان على قلوبنا أو عقولنا أو عواطفنا، بل تتحوَّل أعماقنا إلى مقدس للربّ. نتقدَّس بالنعمة الإلهية، ونجتذب الكثيرين للتمتُّع بالصداقة الإلهية، والصداقة مع البشر في الربّ.
هذا من جانب الصديق الإلهي القدوس والقدير، غير أنه لا يقتحم حياتنا قسرًا، بل يهبنا أن يكون لنا دورنا الذي يكشف عن رغبتنا في الحياة المقدسة. يليق بنا أن نسعى إلى القداسة ونجاهد بروح اليقظة فنطرد كل فكرٍ شرير، ونسعى لاقتناء الفكر المقدس. فالشرّ لا يفرض نفسه علينا.
v الذين يُجاهِدون لكي تكون لهم حياة فاضلة وحياة حب لله، يجب عليهم أن يتخلُّوا عن الاعتداد بالذات وعن كل مجد باطل فارغ. كما يلزمهم أن يجاهدوا من أجل إصلاح حياتهم وقلوبهم.
الفكر الثابت المحب لله هو مرشد وطريق إلى الله[2].
v من يتنقَّى من الشر والخطية يُدعَى قديسًا. فإن غياب الشر عن الإنسان هو كمال أعظم للنفس ويُرضى الله جدًا[3].
هذا وقد رسم لنا الكتاب المقدس طريق الكمال بتقديم وصايا سلبية وأخرى إيجابية، وذلك بقيادة روح الله القدوس.
v يرسم لنا المزمور (الأول) طريق الفضيلة، بعلمٍ وفنٍ، فالبُعْد عن الشر هو بداية الخير، إن طلبت من البداية كمال الفضيلة، تراجعت قبل أن تبدأ، ولكن المزمور يُمَهِّد لنا الطريق لنواجهه بشجاعة.
أعتقد أن النمو في حُبّ الله، يُشْبِه السلم الذي رآه يومًا ما الطوباوي يعقوب، والذي كان من ناحية على الأرض، وفي الناحية الأخرى كان منطلقًا نحو حياة الفضيلة، حيث يبدأ الإنسان بصعود درجات السلم الأولى، وبعد ذلك يرتفع إلى درجة أعلى بتروٍ وتأنٍ حتى يصل إلى ما يمكن للطبيعة البشرية أن تصل إليه. إذن، بصعود درجات السلم الأولى، نرتفع فوق الأرض، لنمارس الحياة التي يريدها الله لنا. وبداية التقدُّم هو الابتعاد عن الشر، حيث يكون مثل هذا الابتعاد سهلًا مثل "لا تقتل، لا تزني، لا تسرق" (مز 20: 13-15)، لا يتطلَّب هذا عملًا إيجابيًا. أما عندما نُطالَب بتلك الوصية: "حب قريبك كنفسك"، "بع أملاكك وأعط للفقراء" (مت 19: 21)، "من سخرك ميلًا واحدًا، فاذهبْ معه اثنين" (مت 5: 41)، هذه الأعمال يقوم بها المصارع الذي اختبر القوة بالحكمة الإلهية، ومن خلال الأعمال الصغيرة يقودنا إلى الكمال.
فهو يعرض علينا ثلاثة أمور يجب أن نتجنَّبها، السلوك في مشورة الأشرار، والوقوف في طريق الخطاة، والجلوس في مجلس المستهزئين. هذا الترتيب يبدأ باتِّخَاذ القرار ثم تنفيذ البداية هنا في الفكر النقي، فأساس أعمال الجسد تنبع من نقاوة القلب، والزنا يبدأ في النفس الشهوانية، وينتهي بزنا الجسد، لذا قال الرب: "الذي يُنَجِّس الإنسان يخرج من القلب" (راجع مت 15: 18)[4].
v سؤال: كيف يمكن للشخص أن يبلغ إلى كراهية الخطايا (مز 119: 163)؟
الإجابة: تثور الكراهية في الناس من الأحداث البغيضة والمُحزِنة نحو الذين يُسَبِّبون مثل هذا الاضطراب. لذلك إن كان أحد مُقتنِعًا تمامًا بخطورة الشرور الكثيرة التي تُسَبِّبها الخطايا، فإنه تلقائيًا وبدون أن يحثه أحد وبنزعةٍ داخليةٍ يختبر الكراهية لها، وذلك كما أظهر القائل: "أبغضت الإثم ومقته" (مز 119: 163)[5].
v سؤال: كيف تقتنع النفس تمامًا أن الله يغفر لها خطاياها؟
الإجابة: عندما تلاحظ في داخلها نزعة ذاك القائل: "أبغضت الإثم ومقته" (مز 119: 163). عندما أرسل الله ابنه الوحيد لغفران خطايانا يغفرها لنا ما دمنا نؤمن بدوره.
يترنَّم القديس داود بالرحمة والحُكْم (مز 101: 1)، ويشهد بأن الله رحوم وعادل (مز 115: 5)، فمن الضروري يلزم أن تدخل فينا ما يقوله الأنبياء والرسل في العبارات الخاصة بالتوبة، أن أحكام برّ الله (مز 119: 62) ظاهرة، ورحمته كاملة في غفران الخطايا[6].
لا تصنع الشر،
فلن يستولي الشرّ عليك [1].
لا يفرض الشر نفسه على الإنسان، إنما الإنسان هو الذي يسعى إليه، وهو الذي يغرس بذار الشر في أخاديده، عندئذٍ يتضاعف الإثم ويصير له سلطان عليه.
الإثم مُجرَّد بذرة متى غرسها الإنسان تصير نبتة ضعيفة تنمو مع الوقت فتصير شجرة عاتية وحينئذ يحصد سَبعَةَ أَضْعاف. من يزرع الشرّ يحصد شرًا مضاعفًا. مثال ذلك، المشاكل التي حلَّت بأسرة داود الملك هي ثمرة الشرّ الذي ارتكبه مع بثشبع (2 صم 12: 9-12). في كل تهاون مع الخطية يصير لها الحق أن تقتحم أعماقنا بأكثر قوةٍ. ومع كل رفض لخداع العدو، تزداد النفس جرأة وقوة وسلطانًا على إبليس وحيله وأعماله.
يليق بالمؤمن أن يكون أمينًا في استقامة حياته، فلا يستخفّ بالشرّ ويَقْبَله في فكره أو قلبه أو مشاعره الداخلية كما في كلماته وسلوكه الظاهر. لتكن حياته في المسيح، سواء الشخصية أو الأسرية أو العامة. لا يبحث عن نجاحٍ أو مكسبٍ أو شهرةٍ على حساب مبادئه في الربّ.
v ابتعد عن الشرّ، فيبتعد الشرّ نفسه عنك. لا تزرع بذرة أعمال شريرة في أخدود الظلم، فلا تحصدها مضاعفة سبع مرات... لا تقل "مراحمه عظيمة، يغفر كثرة خطاياي"...
جاء في الأمثال: "الشرير تأخذه آثامه، وبحبال خطيته يُمسَك. إنه يموت من عدم الأدب، وبفرط حمقه يُفقد" (أم 5: 22-23)[7].
v الذين يدركون تمامًا أن عملهم كله يجب أن يهدف نحو بلوغ الحياة الصالحة، ومع ذلك يلهون بالبركات الزمنية؛ هؤلاء أُشبههم بأناس يطلبون العلاج والدواء لكنهم لا يعرفون استخدامه، ولا يضطربون لأجل (جهلهم استخدامه). لذلك ليتنا لا نعتذر عن خطايانا التي نرتكبها بحجة ظروف البيئة أو بنسبها إلى إنسان آخر، بل نلقي باللوم على أنفسنا. لأنه إن كانت نفوسنا تستسلم عن طيب خاطر للكسل، فإنها لا تقدر أن تهرب من الهزيمة[8].
v من يتقدَّم في حياة تقوية لا يسمح للشر أن يدخل إلى نفسه، وعندما تتحرَّر نفسه من الشرّ، يصير في سلام وأمان. ولا يكون للشياطين الأشرار أو الحوادث الطارئة سلطان عليه، إنما يُخلِّصه الله من كل شر، ويعيش في حماية غير منظورة، لأنه محب الله. إن مدح أحد مثل هذا الإنسان، لا يكترث بهذا، وإن سبَّه أحد لا يدافع عن نفسه ضد شاتمه، ولا يسخط على قول من أقواله[9].
v من يهرب من الملذَّات والشهوات العالمية يصير برجًا منيعًا ضد شيطان التذمُّر. فالتذمُّر يُسَبِّبه الشعور بالحرمان من بعض الملذَّات الموجودة أو المتوقعة. فلا نقدر أن نغلبه ما دمنا مربوطين برباطات أرضية. كلما تطلَّع إلينا الشيطان ورآنا مربوطين بها ينصب لنا شباكه ليُثير فينا التذمُّر.
تباعد عن الإثم، فيتحوَّل عنك [2].
يا بني لا تزرع في أخاديد الإثم،
فلا تحصد منه سبعة أضعاف [3].
التباعد عن الإثم والهروب يحمل روح القوة، لأن عدو الخير يطلب أن ندخل معه في حوارٍ كي يلقي بالخداع في قلوبنا كما فعل مع حواء. من يذهب بكامل إرادته إلى أخاديد الإثم، وهناك يزرع نبتة صغيرة للإثم، ينمو هذا الغرس ويتضاعف، فلا يسهل اقتلاعه بعد الغرس. فبذرة الإثم تنبت وتنمو حتى تصير شجرة يصعب اقتلاعها. حينما نفتح الباب للعدو، يدخل ثم يقتحم موضع عجلة القيادة، وينطلق بنا إلى حيث يشاء.
4 لاَ تَلْتَمِسْ مِنَ الرَّبِّ رِئَاسَةً، وَلاَ مِنَ الْمَلِكِ كُرْسِيَّ مَجْدٍ. 5 لاَ تَدَّعِ الْبِرَّ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلاَ الْحِكْمَةَ لَدَى الْمَلِكِ. 6 لاَ تَبْتَغِ أَنْ تَصِيرَ قَاضِيًا، لَعَلَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْتَأْصِلَ الظُّلْمَ؛ فَرُبَّمَا هِبْتَ وَجْهَ الْمُقْتَدِرِ؛ فَتَضَعُ فِي طَرِيقِ اسْتِقَامَتِكَ حَجَرَ عِثَارٍ. 7 لاَ تَخْطَأْ إِلَى جَمَاعَةِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ تَطْرَحْ نَفْسَكَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ. 8 لاَ تَعُدْ إِلَى الْخَطِيئَةِ ثَانِيَةً، فَإِنَّكَ لاَ تَكُونُ مُزَكًّى مِنَ الأُولَى. 9 لاَ تَكُنْ صَغِيرَ النَّفْسِ فِي صَلاَتِكَ. 10 وَلاَ تُهْمِلِ الصَّدَقَةَ.
لا تلتمس من سيدٍ رئاسة،
ولا من ملكٍ كرسي كرامةٍ [4].
يدعونا الصديق السماوي ألاَّ نطلب المتكآت الأولى، كما يُحَذِّرنا من حُبِّ الرئاسة، حتى لا ننشغل عن خلاصنا بروح الكبرياء. يقول السيد المسيح: "متى دُعِيت من أَحدٍ إلى عُرسٍ، فلا تتكئ في المتكأ الأول، لعل أكرم منك يكون قد دُعِي منه. فيأتي الذي دعاك وإياه ويقول لك: أعطِ مكانًا لهذا. فحينئذٍ تبتدئ بخجلٍ تأخذ الموضع الأخير" (لو 14: 8-9). يليق بالمؤمن ألا يعتمد على فهمه الذاتي أو قدراته الذاتية، ولا يطلب كرامة زمنية، فلا يلتمس أمجادًا باطلة ولا سلطانًا زمنيًا، كما لا يُبَرِّر نفسه أمام الله. نزل الصديق الإلهي من السماء واحتل آخر صفوف البشرية، حيث صار العبد المصلوب بين لصين، يبعث فينا روح المنافسة على الانطلاق نحوه كي نحتل معه آخر الصفوف.
لا تُعلِن عن نفسك أمام سيّدٍ أنك بارّ،
ولا تظهر كحكيمٍ أمام ملكٍ [5].
خلال الصداقة الإلهية ما يشغلنا متى وقفنا أمام سيدٍ أو ملكٍ لا أن نبرز برّنا أو حكمتنا، بل تشهد تصرُّفاتنا لبرّ المسيح وحكمته الإلهية. يوصينا الحكيم: "لا تتفاخر أمام الملك، ولا تقف في مكان العظماء. لأنه خير أن يُقال لك: ارتفع إلى هنا من أن تُحط في حضرة الرئيس الذي رأته عيناك" (أم 25: 6-7). ليس من الحكمة أن يُبَرِّر الإنسان نفسه أمام الله، لأن الكل أخطأوا (مز 143: 2؛ رو 3: 9-10). وكما يقول المرتل: "إن حاكمت من يتبرَّر أمامك؟" ومن الغباوة أن يتباهى الإنسان بالحكمة أمام الملك أو الحاكم، لأنه يصعب إدراك ما في نواياه (أم 25: 3).
على القاضي التزام جاد أن يقتلع الشرّ بالإصرار على مقاومة قوى الشرّ (لا 19: 15).
v ليس شيء يُوَلِّد العجرفة مثل الضمير الصالح متى كنا غير حذرين. لذلك إذ يعرف يسوع أننا إن فعلنا شيئًا بأمانة تثور فينا هذه النزعة، قال لتلاميذه: "متى فعلتم كل ما أُمرتم به، فقولوا إننا عبيد بطَّالون" (لو 17: 10)... ويقول سليمان أيضًا: "لا تُبَرِّر نفسك قدام الربّ"[10].
لا تسعَ لتصير قاضيًا، إن كنت لا تستطيع أن تستأصل الإثم.
لئلا تُبجّل حضور الإنسان المقتدر،
فتُقدِّم تنازلات عن نزاهتك [6].
جاء في النص العبري "لتصير حاكمًا".
v "لا تسعَ لتصير قاضيًا، ما لم تكن قادرًا أن تستأصل الظلم" (راجع سي 7: 6). بالأكثر نقول هنا: "لا تسعَ أن تكون مُعَلِّمًا، إن كنت غير مؤهَّل لكرامة هذه الوظيفة، حتى وإن سُحبت إليها ارفضها[11].
v لسنا ننصحك أن تترك ذاك الذي ائتمنك على الاهتمام بكنائس الله المقدسة (2 كو 11: 28)، إنما نسألك أن تهتم بنفسك في مخافة الربّ. لا تقبل هدايا من أحد (أم 15: 27)، ولا تراوغ في الحكم (سي 20: 29). لا تخجل أمام صاحب سلطان، ولا تبرئ مذنبًا أو تحكم على بريء (دا 13: 35) LXX. اهرب من الطمع أصل كل الشرور (1 تي 6: 10)، بالحقيقة دُعِي نوع من عبادة الأوثان (أف 5: 5). ولا تتكبَّر، لتكون تلميذًا للرسول القائل: "غير مهتمين بالأمور العالية، بل منقادين إلى المتواضعين" (رو 12: 16). لا تحاول أن ترضي الناس، فإنك تعرف مع من فعلوا هكذا. صاروا مُتغرِّبين عن خدمة المسيح. بالحقيقة يقول الرسول: "لو كنت بعد أُرْضِي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غل 1: 10). ولتخضع للرب القائل: "تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29).
أطفئ الغضب، واستبعده عنك، فهو مُدمِّر للشخص. لتفعل كل شيءٍ حسب مشورة الله، فتجده مُعِينًا لك. خف دائمًا من الموت، فإنه قادم علينا جميعًا. تذكَّر ساعة رحيلك، ولا تخطئ في حق الله. فإن بلغت إلى نقطة الهدوء، تجد راحة ونعمة أينما قررت أن تنسحب[12].
القديسين برصنوفيوس ويوحنا
لا تخطئ إلى سُكان مدينة،
ولا تهن نفسك أمام الشعب [7].
يليق بالمؤمن أن يعمل لحساب بنيان الجماعة وخلاصها، ولا يُحَطِّم طاقاته وينحرف عن رسالته نحوها، لئلا يهين نفسه أمام الجمهور، خاصة في يوم الرب العظيم.
لا تكرر خطيئك،
لأنك ستُعاقَب حتى بسبب (خطية) واحدة [8].
من سمات من يستهين بطول أناة الله ويستخفّ بمحبة أخيه، ويتجاهل بنيان الجماعة أنه يخطئ في حق الله وخلاص نفسه وبنيان إخوته، وبعد أن يتوب عما ارتكبه يعود ويكرر الخطأ.
حتى في تعاملنا مع قادة أو رؤساء، قد نخطئ بسبب ضعفنا البشري والربّ يستر علينا، لكن إن تهاونا وكرَّرنا السقوط يرفع الربّ يده عنا، فتنكشف خطايانا الأولى التي سترها الربّ لينقذنا من أيدي القادة، ونُحاسَب على الأخطاء السابقة واللاحقة! فإن كان الله لا يؤدِّب حين نخطئ مرة، فلا يكون ذلك علة لتكرار الخطية اتكالًا على طول أناته. الله لا يديننا لأننا أخطأنا، وإنما يديننا ما لم نتب بعد ما أخطأنا، هذا ما يؤكده تكرارنا للخطية في تهاونٍ. يقول أحد آباء البرية: "لا أذكر أن الشياطين أطغوني في أمرٍ واحدٍ مرتين".
v من يُؤدَّب على خطاياه القديمة وينال المغفرة، فليُعِّد نفسه لغضبٍ أشد من الأول إن أخطأ ثانية... "ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر"(يو 5: 14)[13].
v سؤال: ماذا يلزم أن يفعل من يتوب عن خطية، ويعود فيسقط في نفس الخطية؟
الإجابة: من تاب مرة وارتكب نفس الخطية مرة أخرىِ، فليقتنع أولًا أمام نفسه أنه لم ينزع السبب الرئيسي للخطية، كما من جذرٍ فاسدٍ، لهذا بالضرورة تنبت نفس الشرور مرة أخرى. إنه يكون كمن يرغب في قطع أغصان شجرةٍ، تاركًا الجذر كما هو، وإذ يبقى الجذر في الأرض مخزونًا ينبت ذات (الخطية) بدرجة أقل. لذلك حيث توجد بعض الخطايا أصلها ليس فيها، إنما تصدر من خطايا أخرى، يلزم لمن يريد أن يُنَقِّي نفسه تمامًا من الخطية أن يقطع الأسباب الأولى ذاتها لهذه الخطايا. كمثال لذلك، فإن النزاع والحسد (رو 13: 13) لا ينبعان من نفسيهما، وإنما من جذر العجرفة ومحبة المجد (الباطل)، فمن يطلب مجدًا من البشر يتبارى مع من له شهرة عظيمة تفوق شهرته، ويحسده عليها.
لهذا من يسقط في يديّ رذيلة الحسد أو النزاع، ويعود فيسقط فيها مرة أخرى، فليُدرِك أن السبب البدائي هو محبة المجد التي تَكَلَّمنا عنها قبلًا. بهذا فليهتم بهذا المرض، إذ يحتاج إلى الشفاء منه، وذلك بما يناقضه، أي بالتواضع، حيث يقوم بخدمات بسيطة ممارسًا التواضع. بهذا إذ يتأسس في فضيلة التواضع لا يعود يسقط في نتاج العجرفة ومحبة المجد[14].
11 لاَ تَقُلْ: «إِنَّ اللهَ يَنْظُرُ إِلَى كَثْرَةِ تَقَادِمِي، وَإِذَا قَرَّبْتُهَا لِلْعَلِيِّ فَهُوَ يَقْبَلُهَا».
لا يحتاج صديقنا السماوي إلى كثرة التقدمات ولا الصلوات والصدقة، إنما يشتَّم في التقدمات بخور القداسة والنقاوة. ويُسرّ بالقلب الناري المتهلل بالحب في الصلاة، وتقديم الكلمة العذبة بفرحٍ مع كل عطيةٍ أو صدقةٍ. طريق التقوى ليس مستحيلًا، لكنه بالحب لله بجدية ننعم بالحياة الفاضلة.
v يليق بنا ألا نقول باستحالة السلوك في حياة الفضيلة بالنسبة للإنسان، إنما نقول عنه إنه ليس سهلًا. حقًا إن (حياة الفضيلة) لا ينالها الجميع بقدرٍ متساوٍ، إذ لا يحصل عليها إلا الأتقياء الذين لهم فكر محب لله. فالفكر العادي أرضي ومتقلب، تخرج منه أفكار صالحة وأفكار شريرة، وهو متغير، يميل نحو المادَّيات، أما الفكر المحب لله، فيُحَطِّم الشر الذي يأتي للبشر بسبب إهمالهم غير المتعمد[15].
لا تقل: "إن الله ينظر إلى كثرة تقدماتي،
وإذا قربتها للعليّ فهو يقبلها" [9].
لا يحتاج الله إلى القرابين والذبائح التي نُقَدِّمها، إنما كانت قرابين وذبائح العهد القديم رموزًا لذبيحة الصليب التي قدَّمها المسيَّا المُخَلِّص للمصالحة. إنها ذبيحة حب من جهة الربّ أنه يكفر عن خطايانا. وأما ذبائح التسبيح والشكر التي لا نزال نُقَدِّمها في العهد الجديد، ففي حقيقتها بذل لإرادتنا البشرية المُجرَّدة وشكر لإرادة محب البشر، مُخَلِّص العالم. بهذا فإن التقدمات والذبائح في ذاتها لا تجلب رضا الله، ولن تكون موضع سروره ما لم تُقدَّم بالإيمان والثقة في الله غافر الخطايا.
لا تكن خائرًا في صلاتك،
ولا تهمل الصدقة [10].
يُحَذِّرنا الحكيم من اتكالنا الخاطئ على الصدقة. فإنه لا يليق بالمؤمن أن يصنع الشر معتمدًا أن تقديم صدقات كثيرة تغفر له كل ما يفعله من شرورٍ.
حرصت الكنيسة أن يكون لها تقويمها الإيجابي البنَّاء في حياة العبادة على المستوى اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي واليوبيلي إلخ، لا في ممارسات حرفية جافة، وإنما في لقاءات حية مع الله والتمتُّع بعربون السماء. نذكر في أسطرٍ أمثلة لذلك:
المستوى اليومي: ممارسة صلوات السواعي متفاعلة مع الصلوات الشخصية نذكر فيها حياتنا مع مولود المزود (صلاة أو تسبحة باكر). وحلول روحه القدوس (تسبحة الساعة الثالثة) وصلبه (السادسة) وموته لأجلنا (التاسعة) وانطلاقنا إليه (الحادية عشر) ورقادنا في الربّ (الثانية عشر) وانتظارنا لمجيئه الأخير (نصف الليل).
المستوى الأسبوعي كصوم يومي الأربعاء والجمعة، والشركة في سرّ الإفخارستيا، أي القداس الإلهي.
المستوى الشهري كالاحتفالات بأعياد القديسة مريم ورئيس الملائكة ميخائيل إلخ.
المستوى السنوي كالأعياد السيدية وأعياد القديسين.
المستوى اليوبيلي لأجل تجديدنا بروح الله وتذوُّق التقوى.
v استأجرْ المساكين... فيعدّون لك مكانًا عاليًا في عالم النور، تضع فيه خزائنك. هم يبنون لك مقصورة عظيمة، ممتلئة خيرات، لتدخل فيها وتسكن وتجد كل كنوزك. هم سيكونون زمرة محفوفة بك في الطريق، وبذلك التصريح العظيم يسألون عنك ويُخَلِّصونك... هم يفتحون باب العريس قبل أن تقرع... كن صديقًا لهم حتى يقبلوك في مظالهم...
12 لاَ تَسْتَهْزِئْ بِأَحَدٍ فِي مَرَارَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ مَنْ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ. 13 لاَ تَفْتَرِ الْكَذِبَ عَلَى أَخِيكَ، وَلاَ تَخْتَلِقْهُ عَلَى صَدِيقِكَ. 14 لاَ تَبْتَغِ أَنْ تَكْذِبَ بِشَيْءٍ؛ فَإِنَّ تَعَوُّدَ الْكَذِبِ لَيْسَ لِلْخَيْرِ. 15 لاَ تُكْثِرِ الْكَلاَمَ فِي جَمَاعَةِ الشُّيُوخِ، وَلاَ تُكَرِّرِ الأَلْفَاظَ فِي صَلاَتِكَ. 16 لاَ تَكْرَهِ الشُّغْلَ الْمُتْعِبَ، وَلاَ الْحِرَاثَةَ الَّتِي سَنَّهَا الْعَلِيُّ. 17 لاَ تَنْظِمْ نَفْسَكَ فِي عِدَادِ الْخَاطِئِينَ. 18 اُذْكُرْ أَنَّ الْغَضَبَ لاَ يُبْطِئُ. 19 ضَعْ نَفْسَكَ جِدًّا، لأَنَّ عِقَابَ الْمُنَافِقِ نَارٌ وَدُودٌ. 20 لاَ تُبْدِلْ صَدِيقًا بِشَيْءٍ زَمَنِيٍّ، وَلاَ أَخًا خَالِصًا بِذَهَبِ أُوفِيرَ.
إذ يدعونا صديقنا السماوي للاستقامة في كلماتنا وأعمالنا وتحرُّكاتنا، نزل إلينا لنسلك على أثر خطواته، بل ويعمل فينا كي نكون أيقونة حية له في كل تصرفاتنا. ينصحنا الحكيم بالسلوك البار والتواضع. من يسخر بإنسانٍ تعيس فهو غبي، لأن الله الذي رفعك إلى فوق سمح للآخر أن ينزل، يمكنه أن يفعل العكس لعمل توازن [1-6].
الكلمات الباطلة التي بلا معنى غير لائقة في أي اجتماعات مع الغير أو في الصلاة. هذا والأعمال اليدوية عيَّنها الله للبشرية (تك 2: 15؛ 3: 19)، ولذلك فهي مُكَرَّمة (38: 24-34).
يقول الربيون أن دراسة التوراة يجب أن ترتبط بالعمل اليدوي[16]. هذا واضح عمليًا من بولس الرسول وأكيلا وبريسكلا إذ كانوا صانعي خيام. في الأنظمة الرهبانية يُحسَب العمل إلزاميًا للنفع الروحي.
إذ يملك الرب على القلب، تمتلئ النفس بروح الرجاء والفرح مع الثقة في عمل الله فيها وبها. يشعر المؤمن بغِنَى نعمة الله الفائقة التي تُقِيم منه ملكًا، له سلطان حتى على أفكاره، كما يغرف من غنى سمات الحكمة الإلهي المتجسد، فيسلك بروح الوداعة والتواضع، ولا يكون للكبرياء موضع فيه.
لقاؤنا مع الصديق الإلهي العجيب في حُبِّه يملأ كياننا الداخلي، فيقودنا للسلوك بحكمة سماوية. هذا الحب ينعكس على علاقة المؤمن بإخوته، فيفيض بالحب عليهم في الرب.
لا تستهزئ بأحد مُرّ النفس،
لأنه يوجد واحدٌ يُذلُّ ويُرفع [11].
من أهم الشرور التي تلحق بالمجتمع، الاستخفاف بمن هو مرّ النفس. ليس ما يزيد من مرارة هذا الإنسان مثل السخرية بشخصه، خاصة إن كان بسبب عجز شخصي فيه. يليق بالمؤمن أن يضع نفسه في مكان هذا الشخص وفي نفس ظروفه، فيشاركه مرارة نفسه، ويسنده بالحب وروح الرجاء، ويرفعه من مرارة حياته إلى العذوبة. أحد بنود دستور الصديق السماوي هو "بالكيل الذي تكيلون، يُكَال لكم ويزداد" (مر 4: 24). فمن يستخفّ بإنسانٍ مُرّ النفس، ترتد المرارة إليه، فيسقط في مذلةٍ، بينما يرتفع من هو مرّ النفس. ربما يقصد بُمرّ النفس، الإنسان الذي أَذَلّه العوز والاحتياج. وكما يقول الحكيم: "المستهزئ بالفقير يعير خالقه" (أم 17: 5).
"يُذل ويرفع"، وكما قالت حنة: "الرب يميت ويحي، الرب يُفقر ويُغني، يضع ويرفع، يقيم المسكين من التراب، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء، ويُملكهم كرسي المجد" (1 صم 2: 6-8). لا يعني هذا أنه يحابي بين الأشخاص، وإنما كما قيل بالعذراء مريم: "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين" (لو 1: 52). مات المسيح مرة واحدة عن العالم كله، دون تمييز بين فئات البشر أو تمييز بين الأجناس. قدم الصليب عن الرضيع الصغير والشيخ، الرجل والمرأة، اليهودي والأممي.
لا تفترِ الكذب على أخيك،
ولا تفعل مثل ذلك على صديقك [12].
تقوم حياة المجتمع على الثقة فيما بين أعضائه، فيرتبط الكل معًا برباط المحبة. فالإنسان الذي يفتري على إخوته كذبًا لا يستحق أن يعيش في المجتمع. إنه يرتكب جريمة بغيضة، لأن من يفعل هذا يسيء إلى المجتمع نفسه الذي يستر على ضعفات الكل. من يفتري على الآخرين كذبًا يكون كمن يسكب في المجتمع سمًا قاتلًا.
احذر كلّ كذبٍ،
لأن التعوّد عليه لن يُقَدِّم أي صلاحٍ [13].
الصديق السماوي هو الحق، فمن يلتصق به لا يكذب على قريبٍ أو صديقٍ.
لا تتكلم باطلًا في جماعة الشيوخ،
ولا تُكَرِّر الكلام في صلاتك [14].
من يتكلم باطلًا في حضور شيوخ مختبرين يخطئ، فكم بالأكثر من يفعل ذلك في حضرة الله الفاحص القلوب والعالم بالأفكار الخفية، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. هذا الشرّ يصدر عن تشامخ النفس وعدم تواضعها [17]. الإنسان المتواضع بالحق يستحق أن يعيش في المجتمع ويكون له فاعليته البنَّاءة في حياة إخوته.
يليق بالمؤمن أن يجلس في حضرة الشيوخ الأتقياء يتعلَّم، فلا يزهو بمعرفته وخبرته وعلمه.
يليق بنا ضبط اللسان وتقديسه. فإن الثرثرة وكثرة الكلام فخاخ ينصبها العدو حتى يزل لساننا وينطق بالباطل. أما بالنسبة للصلاة، فيطلب الله القلب الناري الثابت في الإيمان، وليس كثرة الكلام والإطالة في الصلاة.
v تنصحنا الحكمة حسنًا: "لا تكثر الكلام في جماعة الشيوخ" (راجع سي 7: 14). مرة أخرى يطلب أن نُحِدّ من الثرثرة الباطلة حتى في علاقتنا مع الله بوضع حد بهذه الوصية: "لا تكرر الكلام باطلًا".
لا تكره العمل المُتعِب،
بخاصة الفلاحة التي خلقها العليّ [15].
العمل عطية جميلة، لها بركاتها الكثيرة. يقول السيد المسيح: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). وقيل عن الملائكة: "العاملين مشيئته" (مز 104). وخلق الله آدم ليعمل في الجنة (تك 3: 15). الإنسان الجاد لا يحتقر الأعمال البسيطة، بل يفرح إن كانت لديه القوة البدنية لإتمامها.
لا تكن بارزًا في مجلس الخطاة،
واذكر أن الغضب لا يبطئ [16].
مجالسة الخطاة تنضح علينا سماتهم الشريرة، وتُفقِدنا هدوء النفس والحرص على خلاصنا. ينعكس هذا على أفكارنا وكلماتنا وسلوكنا، فتجلب علينا اللعنة التي تنتظرهم، وإذ استهوانا مزاحهم وخطاياهم، يلزمنا أن نتذكَّر أن غضب الله آت ولن يبطئ، فنهلك معهم. يحرص المرتل على نقاوة حياته، لذا يترنَّم: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين، وفي طريق الخطاة لم يقف" (مز 1: 1-2).
ذلِّل نفسك تذليلًا،
لأن عقاب الشرير نار ودود [17].
تذليل النفس هنا هو ضبط النفس بالابتعاد عن مجالس المستهزئين (مز 1)، فالإنسان بطبيعته يجد لذة في ممارسة الخطية. حين يُذَلِّل الإنسان نفسه بالتوبة عن خطاياه، ينجو من الدينونة الأبدية.
نار ودود: قيل: "لأنّ دودهمْ لا يموت ونارهمْ لا تطْفأ" (إش 66: 24). الحديث هنا عن الدود فيه تبكيت للخاطئين الذين يرعون أجسادهم فقط، إذ في النهاية سيتغذَّى الدود عليها.
v تحمل الخطية فيها خبز الموت نفسه، تُقَدِّمه لمن تدعوهم من مُحبِّي الملذَّات والحمقى. "خبز الخفية لذيذ، والمياه المسروقة حلوة" (أم 9: 17). مُجَرَّد أن يلمسها أحد "لا يعلم أن أبناء الأرض يهلكون بسببها" (راجع أم 9: 18).
عندما يفكر إنسان في تذوُّق اللذة، فنتيجة الانتعاش بها لا تكون حلوة في النهاية. هذا ما تؤكِّده حكمة الله: "خبز الكذب لذيذ للإنسان، ولكن بعد ذلك يمتلئ فمه بالرمل" (راجع أم 20: 17). وأيضًا: "لأن شفتي المرأة العاهرة تقطران عسلًا لحنكك إلى حين، لكن عاقبتها كالإفسنتين، حادة كسيفٍ ذي حدين" (أم 5: 3-4) هكذا الأكل منها والتمتُّع بها إلى قليل، بعد ذلك يفترسه الدود وتصير نفسه بعيدة، فإن الأحمق لا يعرف أن الذين هم بعيدين عن الله يهلكون[17].
لا تُبدّل صديقًا بمالٍ،
ولا أخًا حقيقيًا بذهب أوفير [18].
ليس ما يُعادِل الصداقة والحب، فإن "المحبة لا تسقط أبدًا (1 كو 13: 8). أحد الشرور الخطيرة في الحياة العامة والتي يلزم تجنُّبها هو خيانة الصداقة من أجل مكاسب مادية. صار يهوذا مثالًا لخيانة الصداقة من أجل الفضة، فقيل عنه أنه خير له لو لم يولد (مت 26: 24).
أوفير: في جنوب غربي العربية، كانت مشهورة بمصدر الذهب في العالم القديم. قيل عن الكنيسة الجالسة عن يمين السيد المسيح: "جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير" (مز 45: 9).
21 لاَ تُفَارِقِ امْرَأَتَكَ، إِذَا كَانَتْ حَكِيمَةً صَالِحَةً فَإِنَّ نِعْمَتَهَا فَوْقَ الذَّهَبِ. 22 لاَ تُعْنِتْ عَبْدًا يَجِدُّ فِي عَمَلِهِ، وَلاَ أَجِيرًا يَبْذُلُ نَفْسَهُ. 23 لِتُحْبِبَ نَفْسُكَ الْعَبْدَ الْعَاقِلَ، وَلاَ تَمْنَعْهُ الْعِتْقَ. 24 إِنْ كَانَتْ لَكَ دَوَابُّ؛ فَتَعَهَّدْهَا، وَإِنْ كَانَ لَكَ مِنْهَا نَفْعٌ؛ فَأَبْقِهَا عِنْدَكَ. 25 إِنْ كَانَ لَكَ بَنُونَ؛ فَأَدِّبْهُمْ، وَأَخْضِعْ رِقَابَهُمْ مِنْ صَبَائِهِمْ. 26 إِنْ كَانَتْ لَكَ بَنَاتٌ؛ فَصُنْ أَجْسَامَهُنَّ، وَلاَ يَكُنْ وَجْهُكَ إِلَيْهِنَّ كَثِيرَ الطَّلاَقَةِ. 27 زَوِّجْ بِنْتَكَ، تَقْضِ أَمْرًا عَظِيمًا، وَسَلِّمْهَا إِلَى رَجُلٍ عَاقِلٍ. 28 إِنْ كَانَتْ لَكَ امْرَأَةٌ عَلَى وَفْقِ قَلْبِكَ؛ فَلاَ تَرْفُضْهَا، أَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَلاَ تُسَلِّمْ إِلَيْهَا نَفْسَكَ. 29 أَكْرِمْ أَبَاكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَلاَ تَنْسَ مَخَاضَ أُمِّكَ. 30 اُذْكُرْ أَنَّكَ بِهِمَا كُوِّنْتَ؛ فَمَاذَا تَجْزِيهِمَا مُكَافَأَةً عَمَّا جَعَلاَ لَكَ؟
إذ يتحدَّث عن الأسرة، لا يقف عند رباط الزواج أو قرابة الدم، وإنما يوصي ابن سيراخ بالخادم الذي يعمل في الأسرة، وبقطعان الغنم التي ترعاها الأسرة، وبتهذيب الأبناء، والاهتمام بسلامهم الداخلي، وسيادة روح الوفاء والإخلاص وسط الجميع، وتكريم الوالدين.
إذ تجسد كلمة الله وصار إنسانًا، عاش كطفلٍ في أسرة متواضعة ومقدسة. انتسابها إليه جعلها عائلة مقدسة، وفتح الباب لكل عائلة كي يحلّ في وسطها ويُقَدِّسها. إذ يقول: "ليس لابن الإنسان أن يسند رأسه" (لو 9: 58)، يطلب منا أن ندعوه كي يستريح في عائلتنا، كبيت مريم ومرثا وأخيهما لعازر، ونتكئ على صدره مع القديس يوحنا الحبيب.
يشرح سيراخ بكل وضوح الالتزام نحو أعضاء المجتمع: الأسرة والأصدقاء والكهنة والمحتاجين.
من جهة الأصدقاء لا يُقدرون أن يستبدلوهم بالمال. ويُطالِب ابن سيراخ أيضًا بالمعاملة الحسنة مع الخادم الأمين في البيت (33: 31-33)، ومع العامل (تث 24: 14).
الخادم الحكيم يلزم أن يحبه المؤمن كنفسه (لا 19: 18)، وتقدم له الحرية في السنة السابعة كما أمرت التوراة (خر 21: 2؛ تث 15: 12).
كان للحيوانات أهميتها ومصدر غنى للشعب، لذا يلزم الاهتمام بها (أم 27: 23-27).
تربية الأبناء يتطلب تهذيبهم (أم 13: 24)، وإخضاع أعناقهم لنير الطاعة (30: 12-13).
لا تتجاهل زوجة حكيمة وصالحة،
فإن نعمتها أفضل من الذهب [19].
إذ يتحدَّث عن الحب العائلي، يبرز أن الخيانة الزوجية أخطر من خيانة الصديق. فإن كان يليق بالمجتمع ككلٍ أن يلتزم برباط الأمانة والإخلاص والولاء للغير، فبالأكثر يلزم الالتزام بذلك على المستوى العائلي خلال رباط الزواج. من يخون زوجته يمتثل بالخائن يهوذا.
يهتم الصديق السماوي بالزوجة الحكيمة والصالحة، فهي تغني الأسرة كلها بالنعمة التي تتمتَّع بها.
يبدأ الحديث بالزوجة الصالحة ككنزٍ، نعمتها أفضل من الذهب. الزوجة الصالحة قادرة بالوداعة أن تكسب رجلها للصديق السماوي، كما لها الأولوية في التأثير على سلوك أبنائها وبناتها.
v المرأة الحكيمة تبني بيتها، والحمقى تهدمه بيدها" (أم 14: 1). هذا معناه أن المرأة الحكيمة تشجع جارتها في مخافة الربّ والمحبة التي في قلبها نحو أختها وأخواتها. ومن جانبٍ آخر المرأة الحمقى تدمرهن بكلماتها المملوءة مرارة وكراهية وشرّ واستخفاف[18].
القديس ويصا القبطي
لا تسيء معاملة خادم يعمل بأمانة،
ولا أجير يبذل نفسه لأجلك [20].
بعد أن تحدَّث عن الزوجة، كنا نتوقَّع أن يتحدث عن الأبناء والبنات؛ لكنه تحدث عن الخادم الأمين والأجير الجاد في عمله والباذل في سلوكه من أجل ربّ البيت. فالخادم والأجير في البيت أو في الحقل يترك بصمات استقامته على الأبناء والبنات.
لتحب نفسك[19] الخادم العاقل،
ولا تحرمه من الحرية [21].
تمتُّع الخادم العاقل بالحرية يحث الأبناء على الاهتمام بالتعلُّم والسلوك بحكمة كأبناء للعليّ.
يدعو ابن سيراخ القادة ورؤساء العمل إلى إدراك قيمة العامل البسيط أو الأجير أو الخادم متى كان أمينًا في عمله، فيحسبه غالبًا مثل نفسه، وإن كان عبدًا فليعتقه من العبودية. فالحكمة والتعقُّل مع الأمانة في حياة الإنسان لا تُقدَّر بثمنٍ.
أعطت النظم القديمة للسيد حرية التصرُّف في العبد، وليس من حق العبد الدفاع عن نفسه. وقد جاءت الشريعة تُطالِب السيد أن يردّ للعبد حريته بعد ستة أعوام من العمل وأن يُحسِن التعامل معه (خر 21: 2؛ لا 25: 39؛ تث 15: 12-18).
كثير من العبيد سبقوا سادتهم، وقد أقام الرسول بولس أنسيمس العبد السارق والهارب من سيده أسقفًا بعد قبوله الإيمان وسلوكه بروح التقوى (راجع الرسالة إلى فليمون).
هل عندك قُطعان؟ اهتم بها،
وإن كان لك منها نفع فاحتفظ بها [22].
أمانة الإنسان الحكيم لا تقف عند أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو البشر بوجه عام، وإنما تمتد إلى الاهتمام بالحيوانات التي يقتنيها (أم 27: 23-27؛ تث 25: 4؛ أم 12: 10).
هل لك أولاد؟ أَدِّبهم، اجعلهم مُطيعِين منذ صباهم [23].
إن كان الربّ يدعونا للاهتمام بالحيوانات، كم بالأكثر يلزمنا أن نهتم بإخوتنا من البشر. يقول الرسول بولس: "ألعل الله تهمه الثيران؟ أم يقول مطلقًا من أجلنا؟! (1 كو 9: 9-10). غاية التأديب أن يتَّسِم الأولاد بروح الطاعة، فيتشبَّهون بالسيد المسيح وهو صبي، إذ كان مطيعًا للقديسة مريم ويوسف النجار.
هل لك بنات؟ اعتنِ بعفتهن،
ولا تظهر لهن تساهلًا شديدًا [24].
من يحب ابنته لا يُدَلِّلها بطريقة تُفقِدها الاهتمام والحرص على عفتها، إنما يبذل كل الجهد لتعيش طاهرة إلى يوم زواجها. لقد عُرِف البعض بالتدليل الزائد لأبنائهم خاصة الأغنياء مما يفسد سعادة الأطفال أنفسهم ويحرمهم من تحقيق رسالتهم. كما اتَّسم البعض بالعنف الشديد، خاصة في وجود مشاكل أسرية. لذا يليق مع الحزم الالتزام بالحنو، ومع اللطف والحنو مراعاة الحزم باعتدالٍ.
يرى البعض أن الاهتمام بالبنات هنا كأوانٍ ضعيفة، فلا يُسَخِّرهن الوالدان في أعمالٍ قد تسلبهن نضارتهن وشبابهن، مما يؤثر عليهن عند زواجهن. أما عدم البشاشة أمامهن، فربما يُقصد عدم إفساد حياءهن بمجالس يدور فيها أحاديث تخدش حيائهن[20].
يُحَذِّر القدِّيس يوحنا الذهبي الفم رعاة الكنيسة من تدليلهم للفتيات بدافع الشفقة لئلا تسيء الفتيات فهمهن للرعاة[21].
v المسيح مُرَبِّي البشرية، اللوغوس الإلهي، يدعونا أن نبذل كل الجهد بقوة مع عطية الحكمة لننقذ أبناءنا بالتوبيخ والتأديب ومحاسبتهم وتحذيرهم وتقديم العلاج مع الوعود والترفق بهم...
باختصار يتعامل الله معنا، كي نتعامل هكذا نحن أنفسنا مع أبنائنا.
هل لك أبناء؟ أَدِّبهم... أولادنا، ذكورًا كانوا أو أناثً، فلتحبهم فوق كل شيءٍ آخر[22].
v بالحقيقة مُعَلِّم البشرية، الكلمة الإلهي يُكَرِّس نفسه بكل قوته ليخلص صغاره بكل وسيلة بتدبير حكمته: بالتحذير واللوم والتوبيخ والإصلاح والشفاء والوعود وتقديم إحسانات... بالحقيقة يتعامل الله معنا كما نتعامل نحن مع أطفالنا نهتم بأجسادهم، ولا نظهر لهم تساهلًا شديدًا. مع ذلك نكن حبًا عظيمًا لأطفالنا، أبناء أو بنات، أكثر من الحب لأي شيء آخر[23].
زَوِّج بنتك، فتكون قد قمت بأمرٍ عظيمٍ،
لكن أعطها لرجل ذي فهمٍ [25].
هل لك زوجة حسب قلبك؟ فلا تُطلّقها،
لكن لا تأتمن نفسك للزوجة التي تكرهها [26].
لم يأمر الزوج أن يحب زوجته، إنما بطريقة غير مباشرة أوضح أن عدم محبته لها تُمَثِّل خطرًا عليه. إن كانت الشريعة قد سمحت بالطلاق بسبب قسوة قلوبهم، حتى لا يتهوَّر الزوج على زوجته، فهنا يحذر ابن سيراخ من أن يُطَلِّق الزوج زوجته من أجل شهوته نحو امرأة أكثر جمالًا منها. فإن الجمال الأسمى هو في الحكمة والفهم والتقوى وحسن التدبير. أما إذا شعر الزوج بأن زوجته غير أمينة، فليحذر منها حتى لا تخدعه وتنحرف نحو الشرّ.
أكرم أباك بكل قلبك،
ولا تنس آلام أمك في الولادة [27].
أذكر أنك منهما وُلدت،
فماذا تكافئهما مقابل ما صنعاه معك؟ [28]
لا يوجد من يحب للإنسان الخير والتقدُّم والنجاح أكثر منهما. وهب الله الأم أن تتعب بسرورٍ وبهجة من أجل أبنائها. يُقَدِّم الله حبها لأولادها كتشبيه لرعايته الساهرة لنا "هلْ تنْسى الْمرْأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينْسين، وأنا لا أنساك" (إش 49: 15).
31 اخْشَ الرَّبَّ بِكُلِّ نَفْسِكَ، وَاحْتَرِمْ كَهَنَتَهُ. 32 أَحْبِبْ صَانِعَكَ بِكُلِّ قُوَّتِكَ، وَلاَ تُهْمِلْ خُدَّامَهُ. 33 اتَّقِ الرَّبَّ، وَأَكْرِمَ الْكَاهِنَ. 34 وَأَعْطِهِ حِصَّتَهُ بِحَسَبِ مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالْبَاكُورَةَ لأَجْلِ الْخَطَاءِ، 35 وَعَطِيَّةَ الأَكْتَافِ وَذَبِيحَةَ التَّقْدِيسِ وَبَاكُورَةَ الأَقْدَاسِ.
جاء الحديث عن علاقة الإنسان بالكهنة في الربّ بعد الحديث عن الحياة الأسرية. هذا يكشف عن مفهوم الكهنوت سواء في ذهن الكاهن أو في ذهن الشعب.
سألني أحد الأساقفة من الكنيسة الإنجليزية عن سبب التصاق الشباب في مصر بالكنيسة وتزايد الرغبة في التكريس للربّ سواء خلال الشماسية أو الكهنوت أو الرهبنة. وكانت إجابتي: السبب الأول نظرتنا للكهنوت. فالمؤمن ينظر إلى الكاهن كعضوٍ معه في ذات أسرته، يُفاتِحه في كل ما يمسّ حياته كابنٍ مع أبيه. والكاهن لا يشعر أنه موظف يُطالب بإجازة سنوية ويُحَال على المعاش. فإنه وإن كان من حق أسرته وحقه هو أن يقضي فترة خاصة مع الأسرة لا كحقٍ شخصيٍ يطلبه إنما من أجل بنيان نفسه وأسرته.
كم تألَّمت نفسي حينما اتصلتُ براعي الكنيسة في لوس أنجيلوس وقلت له: "Reverend" فأجابني: أنا الآن "Mr." لأنني أُحلت على المعاش!
الكاهن وهو على سرير الموت يطلب عن شعبه كأولادٍ له، بل وعندما ينطلق إلى الفردوس يُقَدِّم أبناءه للربّ كي يباركهم ويعمل في حياتهم. لهذا يليق بنا أن نضم ما تحدث به سيراخ "الحياة المستقيمة وتكريم كهنة الربّ" إلى البند السابق الخاص باستقامة الحياة العائلية.
تكريم الكاهن يتحقَّق في اقتدائه بالسيد المسيح "غاسل أقدام تلاميذه"، وفي مشاركته عائلته الكنسية، بل وإن أمكن مشاركة كل إنسانٍ في آلامه. عظمة الكاهن لا في سلطان يُطالِب به، بل في اِلتصاقه برئيس الكهنة السماوي المهتم بخلاص البشرية، ورفعهم إلى الفكر السماوي.
خَفِ الرب بكل نفسك،
وكرِّم كهنته [29].
اهتم ابن سيراخ بالحياة الكنسية والعبادة الليتورچية، وتكريم الكهنة. مدح هرون رئيس الكهنة الأول كما مدح رئيس الكهنة المعاصر له سمعان بن أونيا. لم يَقْبَل الربّ أن يقدم لهم نصيبًا خاصًا في أرض الموعد، بل أراد أن يُمَيِّزهم بأن يكون هو نفسه نصيبهم.
أَكَّد ابن سيراخ الالتزام بتقديم مستحقات الكهنة، لأن انتشار الثقافة الهيلينية، وانجذاب البعض إلى الفلسفات الوثنية كان له أثره على دخل الكهنة واضطر بعضهم إلى العمل في الزراعة.
أحبب صانعك بكل قوتك،
ولا تُهمِل خُدَّامه [30].
خَفِ الرب وأكرم كهنته،
وأعطه نصيبه بحسب ما أُمِرت به:
من الباكورة، وذبيحة الإثم، وتقدمة الأكتاف، وذبيحة التقديس، وباكورة المقدسات [31].
v من يكرم الكاهن يكرم الله أيضًا، والذي يتعلَّم أن يستخفّ بالكاهن، فعبر الزمن يسب الله. يقول: "أكرم كهنتي" (راجع سي 7: 31). تعلَّم اليهود أن يستخفّوا بالله، لأنهم احتقروا موسى وأرادوا رجمه. فمن يتحرك بتقوى نحو الكاهن، إنما يفعل هذا بالأكثر نحو الله. وإن كان الكاهن شريرًا، فالله إذ يراك تكرمه، مع أنه ليس أهلًا للكرامة، يكافئك من أجل تكريمك له[24].
36 وَابْسُطُ يَدَكَ لِلْفَقِيرِ، لِكَيْ تَكْمُلَ بَرَكَتُكَ. 37 كُنْ عَارِفًا لِلْجَمِيلِ مِنْ كُلِّ حَيٍّ، وَلاَ تُنْكِرْ عَلَى الْمَيْتِ جَمِيلَهُ. 38 لاَ تَتَوَارَ عَنِ الْبَاكِينَ، وَنُحْ مَعَ النَّائِحِينَ. 39 لاَ تَتَقَاعَدْ عَنْ عِيَادَةِ الْمَرْضَى؛ فَإِنَّكَ بِمِثْلِ ذلِكَ تَكُونُ مَحْبُوبًا.
حقًا حسن أن يكون الشخص سخيًا مع كل أحدٍ، ويشترك في دفن الموتى (طو 1: 17). كما يدعونا ابن سيراخ لمشاركة الحزانى حزنهم وزيارة المرضى (رو 12: 15؛ مت 25: 39-40). أخيرًا فإن معرفة الإنسان أنه قابل للموت يحفظه متواضعًا (7: 17؛ 28: 6)، هذا مع تقديم التكريم اللائق بالقريب.
أبسط يدك للفقير،
لكي تكمل بركتك [32].
يهتم الكتاب المقدس بالفئات المنسية التي ليس لها مند يسأل عنها، ويُطالِب باللطف حتى مع الأموات والمرضى، إنما لكي يشهد المؤمن لغير المؤمنين أن الله هو "إله المنسيين والمتألمين والمحتاجين والمظلومين". لتمتد يد المؤمن بالعطاء، وقلبه بالحب لغير المؤمنين بكونه سفيرًا لله محب البشر.
v [عن فلسيّ الأرملة والصدقة]
حُبّها كان أعظم من قربانها، لأن الحب أفضل من الذبائح الكاملة... لهذا غلبت بقربانها الأغنيّاء. كهنة الشعب يقبلون النذور من الذين يقدِّمون بكثرة، ورب الكهنة جلس باتضاعٍ لم يشعروا به. الأحبار الشرهون يهتمّون بالذبائح، وربّنا طلب الحب داخل النفس... ابن الله يفرح بالذي فيه الحب.
v استطاعت الأرملة أن تعرف أن العليّ غير محتاجٍ إلى قربانٍ، بل يطلب سببًا ليغنيهم.
فكَّرت أنه لو أراد لجعل التراب ذهبًا، ومياه البحر مرجانًا، وقالت في نفسها إنه لا يطلب الذهب لاحتياجه، بل ليُشارِكه الناس بقرابينهم. لأن الذهب والفضة له، فكما هو مكتوب إن كانت الذبيحة عظيمة وحب مُقرِّبها قليل يرذلها. هذه وحدها عرفت أن تفرز وتقرِّب بقلب طاهر نذرًا كاملًا بإفراز (تمييز)... بحبٍ نقيٍ عرفت كيف تقرِّب! هذه قرَّبت نذرها الكامل أفضل من يعقوب. لأنها لم تفرز العُشرّ من مقتنياتها، بل أَحبت هذه الطوباويّة الرب أكثر من نفسها!
لتظهر حنو العطاء في حضور جميع الأحياء،
حتى الموتى لا تمنع عنهم اللطف [33].
ماذا يعني باللطف مع الميت؟ الاهتمام بمواراته التراب بكرامة لائقة كما كان طوبيا يفعل. والاهتمام بعائلاتهم إن كان عليهم ديون، والتصدُّق على من كان يعطف الميت عليهم.
لا تنسحب عن الباكين،
واحزن مع الحزانى [34].
يقول الرسول بولس: "فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين" (رو 12: 15). قد يسهل على الإنسان أن يحزن مع الحزين ويئن مع أناته، لكن يصعب لدى البعض أن يفرح مع فرح أخيه، هذا يتطلَّب نفسًا سامية، فلا يحسد أخاه على نجاحه، بل يفرح معه، حاسبًا كل نجاحٍ لأخيه هو نجاح لنفسه. يقول الرسول: "فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه، وإن كان عضو يُكرَم فجميع الأعضاء تفرح معه، وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا" (1 كو 12: 26-27).
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يثبت الحب بقوة مثل المشاركة في الفرح والألم. ليس لأنك بعيد عن المتاعب تنعزل عن مشاركة الآخرين أيضًا. فعندما يتعب قريبك احسب الضيق خاصًا بك. شاركه دموعه لكي تسند روحه المنسحقة، وشاركه فرحه ليصير الفرح فيه عميقًا متأصلًا؛ ثبّت المحبة إذ بهذا تخدم نفسك أكثر من خدمتك له. فبدموعك تصير أنت رحومًا، وبمشاعر البهجة تُنَقِّي نفسك من الحسد والغم... إن كنت لا تستطيع أن تنزع عنه الشرور شاركه بدموعك، فتزيل عنه نصف الشر؛ وإن كنت لا تستطيع أن تزيد خيراته، فشاركه فرحه فتضيف إليه أمرًا عظيمًا[25].]
لا تتردَّد في افتقاد المريض،
فإنك بمثل تلك الزيارات تكون محبوبًا [35].
زيارة المريض يحسبها السيد المسيح زيارة له، إذ يقول: "كنتُ... مريضًا فزرتموني" (مت 25: 36). كما نشتهي شفاء المريض، يليق بنا أن نشتهي له شركة الأمجاد الأبدية في الوقت المناسب.
40 فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكَ، اذْكُرْ أَوَاخِرَكَ؛ فَلَنْ تَخْطَأَ إِلَى الأَبَدِ.
في جميع أمورك اذكر أواخرك، فلن تخطئ أبدًا [36].
المؤمن في جميع أعماله لا يتحدَّث عن شيءٍ، ولا يشغل قلبه شيء ما، مثل دخوله إلى السماء. فيصير أشبه بهرون رئيس الكهنة الذي تثَّبت أجراس ذهبية على أذيال الجبة حواليها. "فتكون على هرون للخدمة ليسُمع صوتها عند دخوله على القدس أمام الرب" (خر 28: 35). ففي كل عملٍ يُمارِسه وفي كل أمرٍ يفكر فيه ما يشغله هو لقاؤه مع الرب ووقوفه أمام العرش الإلهي في المقادس السماوية، حيث يتمتَّع بالأمجاد الأبدية ويكون في صُحْبة السمائيين، وفي شركة التسبيح معهم.
v ليكن لديه أيضًا أجراس حول هدب ثوبه، إذ يقول الكتاب المقدس: عند دخوله القدس يعطي صوتًا ولا يدخل في صمتٍ (راجع خر 28: 35). وُضِعَت هذه الأجراس التي تعطي صوتًا في هدب الثوب. هدفها -كما أعتقد- أنه يلزم ألا تصمت عن الأمور الأخيرة ونهاية العالم، بل يلزمك أن تدق الأجراس على الدوام وتحاور وتتكلم حسبما قيل: "اذكر أواخرك فلن تخطئ أبدًا" (سي 7: 36)[26].
v يقول: "اذكر أواخرك، فلن تخطئ أبدًا" (سي 7: 36). فإن الذي يغفر الآن خطايانا، سيدين خطايانا في يوم الدينونة. الذي مات لأجلنا سيظهر مرة أخرى ليدين كل البشرية[27].
v [في حديثه عن مارسيلا Marcella]: "اذكر أواخرك، فلن تخطيء أبدًا" (7: 36). وذلك كوصية الكاتب المتهكم: "عش مع الموت في ذهنك، فيطير الزمن"... لقد قضت أيامها وعاشت دائمًا تفكر أنها ستموت حتمًا. ملابسها ذاتها كما لو كانت تُذَكِّرها بالقبر. وقدَّمت نفسها ذبيحة حية عاقلة مقبولة لدى الله (رو 12: 1)[28].
v سؤال: كيف يمكن أن نفعل كل شيءٍ لمجد الله؟...
إن فعلنا كل شيءٍ حسب الله ووصاياه، ولا نطلب مديح الناس[29].
v "قُمْ أيها الرب إلهي... بالوصية التي أوصيت بها" (راجع مز 7: 8). هذا القول يُمكِن أيضًا أن يُشِير إلى سرِّ القيامة، إذ يدعو المرتل من الديَّان أن يقوم لينتقم من كل خطية، ويُتَمِّم الوصايا التي سبق أن وضعها لنا... لا تنتقم لي، بل لوصيتك التي أمرت بها، واستخفّوا بها"[30].
v بدالة الحب رفض موسى أن يتحرَّك، ما لم تتقدَّم أيها الرب الموكب كله بنفسك،
إذ قال: "إن لم يسر وجهك، فلا تصعدنا من ههنا" (خر 33: 15).
وها أنا أدعوك يا مُخَلِّصي، لا أن تُرَافِقني فحسب، بل وتُقِيم في داخلي.
وجودك يا صديقي القدوس، يُحوِّل أعماقي إلى ملكوتك المقدس.
يلهب قلبي بالشوق إلى الانطلاق المستمر نحو السماء بفرحٍ وتهليلٍ.
وجودك يملأ أعماقي بالحُبّ لكل إخوتي بني البشر.
بسكناك في داخلي، لن أَقْبَل الشر، ويبتعد عني كل إثمٍ.
لا يستطيع عدو الخير أن يدخل في قلبي وفكري وكل أعماقي،
ولن يجرؤ أن يمسك بعجلةٍ القيادة، لأنها في يدك!
v لن أشتهي مركزًا ساميًا، ولا مجدًا زمنيًا. ولن أَتباهى بالبرّ.
لأن كل ما هو مقدس، إنما هو هبة من عندك يا أيها البار القدوس.
وإن سقطت في خطيةٍ، تُقيمني بروحك الناري، وتُحَصِّن حياتي فلا أرجع إليها.
صديقي السماوي الطويل الأناة، أنا أعرف مراحمك الغافرة.
ها أنا أطلب نعمتك لتُشَكِّلني، فأصير بالحق أيقونة حيَّة لك!
v يا قابل التقدمات والقرابين وأنت لست في حاجةٍ إليها. تناديني: "يا ابني أعطني قلبك".
استلم قلبي، فأُناجيك بقلبٍ مُنفتِح. وتصعد صلاتي وكل عبادتي كرائحة بخور ذكية،
موضع سرورك ورضاك.
ترتفع صلاتي كنارٍ مُلتهِبةٍ بالحب.
ولا أَتوقَّف عن العطاء، فأرد لك مما وهبتني!
v استلم أيها السماوي كل حياتي وتحرُّكاتي، واسمح لي أن أسير على إثر خطواتك.
بك لا أَسخر بإنسانٍ ما مهما كانت ضعفاته، فقد يقوم بنعمتك، وأسقط بغباوتي!
أَعتزّ بصداقتك لي يا أيها الحق، فلا يكون لإبليس أب الكذّابين سلطان عليَّ!
v ألتزم بالصمت خاصة في حضور الشيوخ المختبرين.
حتى في الصلاة ما يشغلني ليس كثرة الكلام وبلاغته،
بل لغة القلب غير المسموعة من البشر.
v أرجو ألا أَتوقَّف عن العمل حتى في شيخوختي ومرضي،
فأنت لا تستريح للخاملين.
أهرب من مجالس الخطاة، حيث لا موضع لك بينهم!
أجول معك أصنع خيرًا، وأقتني لي أصدقاء على الدوام!
v لتدخل أيها الحبيب السماوي بيتي وتُقِيم وسط العائلة.
تنسب أسرتي إليك، فأنا لك يا حبيبي، وأنت لي!
تتجلَّى في حياة الأسرة كلها، الكبار والصغار.
تهب الكل حبًا وحكمة وتمييزًا وتعقُّلًا.
فيشتهي كل عضوٍ أن يُقَدِّم الكرامة لبقية الأعضاء!
v هَبْ لي روح البساطة، فأَراك في كل كاهنٍ وخادمٍ في كنيستك!
v ليكن محبوبيك محبوبين لي.
أهتم بالفقير بكونه أخاك الصغير،
والمحتاج والمتألم والمظلوم، إذ تعلن أنك إله المنسيين!
أبحث عن الضالين والمطرودين، لأراك تردّهم إليك وتحتضنهم.
v كن معي حتى النفس الأخير، تُعِدّني قبل سكرات الموت،
وفي لحظات الموت، وما بعد الموت.
تفتح بصيرتي، فأرى المقادس السماوية تنتظر ضعفي وكل إخوتي!
_____
[1] cf. P.H. Readron, Wise Lives, Orthodox Christian Reflections of Wisdom of Sirach, 2009.
[2] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 25.
[3] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 161.
[4] عظة على المزمور 1.
[5] Regulae brevius tractatae, 11.
[6] Regulae brevius tractatae, 12.
[7] Fulgentius of Ruspe: On the Forgiveness of Sins 1: 26: 23.
[8] الفيلوكاليا، ج 1، 170 نصًا عن حياة القداسة، بند 28.
[9] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 90.
[10] Homilies on Hosea 3: 1.
[11] Homily on Titus, hom. 2.
[12] Book of Letters 789.
[13] Morals, Rule 11: 2.
[14] Regulae brevius tractatae, 289.
[15] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 7.
[16] Mishnah Aboth 2: 2.
[17] Paschal Letters 7: 5: 17.
[18] Fragment 29, Letter to Aninoc 2:3-4.
[19] Your soul.
[20] راجع الأنبا مكاريوس.
[21] راجع الأنبا مكاريوس.
[22] Paedagogus 1: 11: 75
[23] Christ the Educator, FOTC, vol. 23, p. 67-78.
[24] On 2 Timothy, Homily2.
[25] In Rom. hom. 22.
[26] On Exodus, Homily 9: 4
[27] On John, Homily 39: 10.
[28] Letter to Principia 127: 6.
[29] Reg. Brev., 195.
[30] Homily 11:4 on Psalm 7.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 8 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 6 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b4fx3yy