← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
الأصحاح السادس والأربعون
أُعفي الكهنة في العهد القديم من التجنيد والاشتراك في المعارك، غير أن فينحاس الكاهن في غيرته ومخافته للرب صوَّب رمحه ضد الكاهن الذي سقط في النجاسة مع امرأة وثنية. كأن فينحاس انضم إلى فئة المُحارِبين لا من أجل النُصرة على الأمم الوثنية والتمتُّع بأرض الموعد، وإنما من أجل مقاومة الشرّ داخل شعب الله وقياداته لكي يُعلِن الربّ سكناه وسط شعبه، ويَقْبَل أن يكون الشعب هو نصيب الربّ، كما أن الربّ هو نصيب المؤمنين: "نصيبي هو الربّ قالت نفسي" (مرا 3: 24).
[1 -6] (ت: 1 -8) |
||||
[7 -10] (ت: 8 -12) |
||||
[11 -12] (ت: 13 -15) |
||||
[13 -20] (ت: 16 -23) |
||||
* من وحي سيراخ 46: يداك تُدَرِّبان جبابرة بأس! |
1 كَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ رَجُلَ بَأْسٍ فِي الْحُرُوبِ، خَلِيفَةَ مُوسَى فِي النُّبُوءَاتِ. 2 وَكَانَ كَاسْمِهِ عَظِيمًا فِي خَلاَصِ مُخْتَارِيهِ، شَدِيدَ الاِنْتِقَامِ عَلَى الأَعْدَاءِ الْمُقَاوِمِينَ، لِكَيْ يُوَرِّثَ إِسْرَائِيلَ. 3 مَا أَعْظَمَ مَجْدَهُ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ، وَتَسْدِيدِ حَرْبَتِهِ عَلَى الْمُدُنِ. 4 مَنْ قَامَ نَظِيرَهُ مِنْ قَبْلِهِ؟ إِنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ دَفَعَ إِلَيْهِ الأَعْدَاءَ. 5 أَلَمْ تَرْجِعِ الشَّمْسُ إِلَى الْوَرَاءِ عَلَى يَدِهِ، وَصَارَ الْيَوْمُ نَحْوًا مِنْ يَوْمَيْنِ؟ 6 دَعَا الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ إِذْ كَانَ يَهْزِمُ الأَعْدَاءَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ الْعَظِيمُ بِحِجَارَةِ بَرَدٍ عَظِيمَةِ الثِّقَلِ. 7 أَغَارَ عَلَى الأُمَّةِ بِالْقِتَالِ، وَفِي الْمُنْهَبَطِ أَهْلَكَ الْمُقَاوِمِينَ، 8 لِكَيْ تَعْرِفَ الأُمَمُ كَمَالَ عُدَّتِهِمْ، وَأَنَّ حَرْبَهُ أَمَامَ الرَّبِّ،
تعيَّن يشوع كخليفة لموسى في النّبوة وقيادة الشعب (تث 34: 9-10)، وكان موسى قد أسند إليه قبلا الكثير من الأعمال، حيث كان يعتبره الخادم الأمين (خر 17: 9؛ 24: 13) وقبل نياحته عيَّنه بشكل رسمي أمام ألعازر الكاهن والشعب خليفة له (عد 27: 18-23؛ تث 1: 38) وعقب موت موسى أَعَدّ بني إسرائيل لعبور الأردن إعدادًا جيدًا، وتحقَّق له النصر وميراث الأمم (يش 11: 23).
يشوع بن نون رجل بأس في الحروب، وخليفة موسى في النبوات،
وكان كاسمه عظيمًا في خلاص المختارين، ومعاقبة الأعداء الذين قاموا عليهم،
وإعطاء إسرائيل ميراثه [1].
يتحدَّث ابن سيراخ عن القائد العام للمُحارِبين الذي دعاه "رجل بأس في الحروب" [1]. الحديث هنا عن المُحارِبين خاصة يشوع بن نون وكالب بن يفنة والقضاة، لأن ابن سيراخ عاصر عائلة كهنوتية صارت عائلة مُحارِبة، ألا وهم المكابيون. جذب هؤلاء الكهنة الغيورين من الشعب لمقاومة المستعمر الذي يُصِرّ على تدنيس هيكل الربّ وكسر الوصايا الإلهية وقبول عبادة الأوثان.
قَدَّم ابن سيراخ عمل الله في حياة يشوع الذي حارب لكي يملك إسرائيل أرض الموعد [1-6]. بهذا يسند المُعاصِرين له لمقاومة خلفاء إسكندر الأكبر والعمل على قدسية بيت الربّ وأرض الموعد.
"كان يشوع كاسمه عظيمًا في خلاص المختارين [1]، فإن معناه "الربّ يُخَلِّص"، قاد الشعب وغلب الكنعانيين، مبتدئًا بمدينة أريحا (يش 6). كان رمزًا للمسيا المنتظر مُخَلِّصنا الذي دُعِي يسوع.
"معارك الربّ"، تحقَّقت بطولة يشوع باختفائه في القائد الحقيقي الربّ نفسه، لذا دُعِيَت معارك يشوع "معارك الربّ" [3]. هكذا بقدر ما نختفي في الربّ مؤمنين في جهادنا الروحي أن طرفي المعركة هما الربّ نفسه وإبليس، تتحقَّق نصرتنا باختفائنا فيه، فنُحسَب "جنود المسيح" (2 تي 2: 3).
حرَّك الربّ الطبيعة لخدمة يشوع وشعبه (يش 10: 12-14)، فأطال مدة يوم المعركة وجعله طويلًا كطول يومين [4]. هكذا حين يقود الربّ معركتنا ضد إبليس يهبنا ما يبدو مستحيلًا، إذ يُوَجِّه كل شيءٍ لأجل نصرتنا. أما سرّ نصرة يشوع أنه لم يُحارِب بالسيف فقط، وإنما بالصلاة أيضًا، إذ "دعا الربّ العليّ القدير" [5]، "فاستجاب له الربّ العظيم".
يتحدَّث هنا عن نصرة يشوع على عماليق (خر 17: 8-13). احتاج موسى إلى هرون وحور كي يحملا يديه المبسوطتين حتى تنتهي المعركة، بينما استمر يشوع محاربًا عماليق حتى النهاية.
v إنني أعبر إلى يشوع بن نون، رمز الربّ بالنسبة للاسم (يسوع) كما بالنسبة للعمل، هذا الذي عبر إلى الأردن، وأخضع الممالك المعادية وقسَّم الأرض بين الشعب المنتصر، هذا الذي في كل مدينةٍ وقريةٍ وجبلٍ ونهرٍ وتلالٍ وتخمٍ تعامل معه، اصبغ عليه ممالك أورشليم السماوية، أي الخاصة بالكنيسة[1].
ما أعظم مجده عندما رفع يديه، وبسط سيفه إنذارًا للمدن! [2]
سلاحه "رفع يديه للصلاة" وصاحب سلطان، فلم ترجع الشمس أي لم تغرب حتى تتم النُصرة، إذ صار اليوم طويلًا كطول يومين [4]. رفع اليد هنا يعني إعلان الحرب على الأعداء.
مَنْ مِن قبله ثبت صامدًا مثله؟ فهو الذي قاد حروب الربّ [3].
لم يدخل يشوع في معركة خاصة به، فلم يُدافِع عن نفسه ولا عن كرامته ولا طلبًا في غنيمة، إنما اختفى في الرب ليقود "معارك الرب".
ألم ترجع الشمس بإشارة من يده،
وصار يومٌ كيومين؟ [4]
ورد في تاريخ هيرودوت أن الكهنة أطلعوه على وثائق تشير إلى وجود يوم أطول من المعتاد وكذلك في الصين يؤكدون أن هناك يومًا طويلًا في عهد الإمبراطور "يو" وهو معاصر ليشوع بن نون، وفي المكسيك هناك وثائق تشير إلى أنه قد حدث يومًا طويلًا في التاريخ في نفس السنة التي كان يشوع يواصل انتصاراته فيها[2].
دعا الربّ العليّ القدير، عندما كان الأعداء يُضيِّقون عليه من كل جهة.
فاستجاب له الرب العظيم بحجارة بَرَد عظيمة الثقل [5].
حطَّم تلك الأمم في الحرب، وفي منحدر بيت حورون أهلك المُقاوِمين لكي تعرف الأمم سلاحه الكامل، لأنه كان يحارب حرب الربّ [6].
صعد يشوع للحرب ضد خمسة ملوك، وكان الرب نفسه يُشَدِّده، قائلًا له: "لا تخفهم، لأنيّ قد أسلمتهم. لا يقف رجل منهم بوجهك" (يش 10: 8). صعد إليهم بغتة طول الليل، والرب نفسه أزعج العدو وضربه ضربة عظيمة في جبعون، وطرده في طريق عقبه بيت حورون، وضربه إلى عزيقة وإلى مقيدة... وبينما كان العدو هاربًا من أمام إسرائيل وهو منحدر بيت حورون، رماه الرب بحجارة بَرَد عظيمة من السماء فكان القتلى بالحجارة أكثر من القتلى بالسيف. كأن الغلبة على هؤلاء الملوك تَحَقَّقت بأمرين: السيف وبحجارة البَرَد النازلة من السماء.
v يشوع بن نون البار الذي صار تلميذًا كاملًا للمُعَلِّم العظيم (موسى) كان أيضًا جميلًا.
أراد أيضًا أن تنتصر فيه محبة الحياة، ويقترب من الله بالكمال.
حافظ على الطهارة أثناء خدمته في قبة الزمان (خيمة الاجتماع)،
وصار للشعب موسى الثاني عند الله.
قاتل ليثبت كلمة الرب في الشعوب، والقوات التي صنعها عرَّفت كم كان جماله ساميًا[3].
8 لأَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْقَدِيرِ. 9 وَفِي أَيَّامِ مُوسَى صَنَعَ رَحْمَةً، هُوَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّا، إِذْ قَامَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَدَّا الشَّعْبَ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَسَكَّنَا تَذَمُّرَ السُّوءِ. 10 وَهُمَا وَحْدَهُمَا أُبْقِيَا مِنَ السِّتِّ مِئَةَ أَلْفِ رَاجِلٍ، لِيُدْخِلاَهُمْ إِلَى الْمِيرَاثِ، إِلَى أَرْضٍ تَدُرُّ لَبَنًا وَعَسَلًا. 11 وَأَتَى الرَّبُّ كَالِبَ قُوَّةً، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى شَيْخُوخَتِهِ؛ فَصَعِدَ إِلَى ذلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الأَرْضِ، الَّذِي نَالَتْهُ ذُرِّيَّتُهُ مِيرَاثًا، 12 لِكَيْ يَعْلَمَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الاِنْقِيَادَ لِلرَّبِّ حَسَنٌ.
وبالحقيقة انقاد للربّ. حتى في أيام موسى أظهر أمانته هو وكالب بن يفُنَّة حيث صمدا أمام الجماعة، ليَمنعا الشعب عن الخطية ويوقفا تذمُّرهم الشرّير [7].
أضاف سيراخ إلى يشوع رفيقه المشهور كالب بن يفنة متذكرًا أن الاثنين حثّا إسرائيل على النُصرة على الأرض المقدسة في أيام موسى [7-8]. في أيام ابن سيراخ وُجِدَ قادة كثيرون يرتدّون عن الحكمة الإلهية والوصية والالتصاق بالفكر الهيليني. لذا قَدَّم سيراخ هذين الرجلين اللذين قاومهما الشعب في أيام موسى، وقد ثابرا على بثّ روح الإيمان والثقة في الوعود الإلهية.
v عندما يجد الإنسان نفسه في حالة غير تلك التي تتفق مع إرادته وميوله، يرى نفسه إنه في سجن وعذاب. لذلك يجب عليك أن تكون راضيًا بما لديك حتى لا تتألم (من أحوالك)، وتصير غير شاكرٍ (ومُتذمِّر)، فتظلم نفسك بنفسك دون أن تدري. ولكن يوجد طريق واحد: احتقر العطايا الزمنية[4].
v سؤال: ماذا إن أطاع، لكنه يتذمَّر وهو يعمل؟
الإجابة: يقول الرسول: "افعلوا كل شيءٍ بلا دمدمة ولا مجادلة" (في 2: 14). المُتذمِّر ينحرف عن وِحدة الإخوة، وربما لا يستخدمون عمله. لأن مثل هذا واضح أنه مُصَاب بقلة الإيمان وعدم ثباته في الرجاء[5].
وبالحقيقة هما وحدهما حُفِظَا من الست مئة ألف من الشعب المشاة،
ليدخلا إلى الميراث، إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا [8].
إذ قَدَّم يشوع وكالب بن يُفنّة تقاريرهما عن أرض الموعد وخيراتها وسكانها، حدث تَذَمُّر وسط الشعب وبكاء مشتاقين الرجوع مرة أخرى إلى العبودية تحت قيادة جديدة غير موسى النبي. لذلك لم يدخل من ذلك الجيل أرض الموعد سوى يشوع وكالب.
ووهب الربّ كالب قوة، بقيت معه إلى شيخوخته،
لأنه صعد إلى مرتفعات الأرض التي حفظها نسله ميراثًا [9].
نال كالب شهرة عظيمة لثباته على وصية الربّ بينما كانت الغالبية تُعارِضه. تَقدَّم كالب إلى يشوع، وقال له: "الآن فها قد استحياني الرب كما تكلم هذه الخمس والأربعين سنة من حين كلم الرب موسى بهذا الكلام حين سار إسرائيل في القفر، والآن فها أنا اليوم ابن خمس وثمانين سنة. فلم أزل اليوم متشددًا، كما في يوم أرسلني موسى كما كانت قوتي حينئذ هكذا قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول. فالآن أعطني هذا الجبل الذي تكلم عنه الرب في ذلك اليوم، لأنك أنت سمعت في ذلك اليوم أن العناقيين هناك والمدن عظيمة مُحَصَّنة، لعل الرب معي فأطردهم كما تكلم الرب" (يش 14: 10-12).
لكي يَعْلَم جميع بني إسرائيل صلاح اتِّباع الربّ [10].
رفع الله كالب ويشوع فوق الجماعة في جيلهما مما كشف التبعية للربّ (46: 10).
13 وَالْقُضَاةُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ، الَّذِينَ لَمْ تَزْنِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الرَّبِّ، وَلَمْ يَرْتَدُّوا عَنْهُ. 14 لِيَكُنْ ذِكْرُهُمْ مُبَارَكًا، وَلْتُزْهِرْ عِظَامُهُمْ مِنْ مَوَاضِعِهَا. 15 وَلْيَتَجَدَّدِ اسْمُهُمْ، وَلِيُمَجِّدْهُمْ بَنُوهُمْ.
والقضاة أيضًا كل منهم باسمه، لم تسقط قلوبهم في عبادة الأصنام،
وكل منهم لم يرتد عن الربّ - فليكن ذكرهم مباركًا! [11]
ربط سيراخ القضاة بيشوع وكالب دون أن يشير إلى أحدهم بالاسم. إن كان ابن سيراخ بدأ بأخنوخ حتى موسى وهرون كأبطال إيمان دخلوا في عهود مع الله، ومارسوا العبادة له بإخلاص، الآن انتقل إلى أبطال خلال معارك حربية غايتها تحطيم عبادة الأصنام، والعبادة لله وحده، وإقامة بيت للربّ تُمارَس فيه العبادة عبر الأجيال. انتقل بعد ذلك إلى صموئيل النبي الذي على يديه مُسِح شاول وداود الملكان، واحد حسب هوى الشعب، والثاني حسب فكر الله [13].
ولتحيا عظامهم من قبورهم[6]، وليحيا اسم أولئك المُكرَّمين في أبنائهم! [12]
كانت كلمات حزقيال النبي عن قيامة الأموات (حز 37: 1-14) في ذهنه وهو يُعلِن عن إيمانه بالقيامة من الأموات. بغيرة مُتَّقِدة يصلي ابن سيراخ من أجل تلاميذه وكل الجيل الجديد أن يسلكوا في طريق آبائهم الأبطال في الإيمان.
في مديحه للسلف قَدَّم شهادة عن الاعتقاد في القيامة. "ليت عظامهم تزدهر" (46: 12؛ 49: 10). عملية الازدهار للنبات تدل على الحياة. وكأن العظام الجافة تتمتع بالقيامة فتزدهر الحياة.
أيضًا تحدَّث عن إيليا النبي الذي يُتوقَّع عودته لإصلاح إسرائيل (48: 10). سليمان الذي بدأ حياته بروح التقوى والحكمة، سقط بسبب شهواته الجسدية. إنه درس للمؤمنين، فلا يعتمد أحد على أنه عضو في الكنيسة، ولا على قداسة آبائه، ولا على ما بلغه في صباه من قداسة (سي 49: 4-5).
v جدعون كان يقظًا، وباراق مملوءً إيمانًا، وشمشون نذيرًا، وصموئيل مستنيرًا بالنبوة[7].
16 صَمُوئِيلُ الْمَحْبُوبُ عِنْدَ الرَّبِّ، نَبِيُّ الرَّبِّ، سَنَّ الْمُلْكَ، وَمَسَحَ رُؤَسَاءَ شَعْبِهِ. 17 قَضَى لِلْجَمَاعَةِ بِحَسَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ، وَافْتَقَدَ الرَّبُّ يَعْقُوبَ. 18 بِإِيمَانِهِ اخْتُبِرَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَبِإِيمَانِهِ عُلِمَ أَنَّهُ صَادِقُ الرُّؤْيَا. 19 دَعَا الرَّبَّ الْقَدِيرَ، عِنْدَمَا كَانَ أَعْدَاؤُهُ يُضَيِّقُونَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَأَصْعَدَ حَمَلًا رَضِيعًا. 20 فَأَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ، وَبِقَصِيفٍ عَظِيمٍ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، 21 وَحَطَّمَ رُؤَسَاءَ الصُّورِيِّينَ، وَجَمِيعَ أَقْطَابِ فَلَسْطِينَ. 22 وَقَبْلَ رُقَادِهِ عَنِ الدَّهْرِ، شَهِدَ أَمَامَ الرَّبِّ وَمَسِيحِهِ، إِنِّي لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ مَالًا بَلْ وَلاَ حِذَاءً، وَلَمْ يَشْكُهُ إِنْسَانٌ. 23 وَمِنْ بَعْدِ رُقَادِهِ تَنَبَّأَ، وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ بِوَفَاتِهِ، وَرَفَعَ مِنَ الأَرْضِ صَوْتَهُ بِالنُّبُوءَةِ لِمَحْوِ إِثْمِ الشَّعْبِ.
نبي الربّ صموئيل، المحبوب من الربّ، أسس المملكة ومسح رؤساء لأجل شعبه [13].
يُعتبَر صموئيل رمزًا للانتقال من نظام القضاة إلى نظام الملوك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. هذا وقد تطلَّع صموئيل آخر القضاة إلى عدم الفصل بين العبادة والحرب ضد الأوثان. اهتم ابن سيراخ بشخصية صموئيل بكونه رجل التحوُّل، عاش كقاضٍ ونبيٍ في ظروف حالكة. كان لرجل التحوُّل أن يَتَّسِم بجوانب متنوعة لقيادة الشعب والقادة، حتى ينجح في تحقيق رسالته. صموئيل من أَحَبّ الشخصيات إلى قلوب اليهود، حيث جمع في شخصيته عدة صفات:
أ. نبي الربّ، أول أنبياء الله بعد موسى، أعلن إرادة الله ومشيئته للقادة كما للشعب [13].
ب. المحبوب من الربّ، علامة على العلاقة الشخصية مع ربّه [13]. وهو أمين وموضع ثقة (1 صم 9: 6).
ج. حفظ شريعة الربّ في قراراته وسلوكه [14].
د. آمن بوعود الربّ ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم "افتقد الربّ يعقوب" [14].
ه. اتَّسَم بالأمانة والإخلاص وتقديس كلماته، فعُرِف أنه نبي حقيقي وصادق [15].
و. لم يكن كسائر القضاة المُحارِبين الروحيين، إنما كان نبيًا، أنشأ مدرسة الأنبياء، يعلمون الشعب حياة الصلاة والتجاوب مع مشيئة الله. كان قائدًا روحيًا استمر في عمله أثناء حكم شاول الملك وبعد مسح داود النبي ملكًا.
ز. كان رجل صلاة [16] في وقت طلب الشعب أن يكون لهم ملك كسائر الأمم يفتخرون به. مع معارضته لهم، طلب الربّ منه أن يستجيب لطلبتهم بعد أن يُحَذِّرَهم مما سيتكبدونه من الملك وعائلته بل وسبطه.
قضى للجماعة بحسب شريعة الربّ، وافتقد الربّ يعقوب [14].
ما كان يشغل صموئيل النبي هو الطاعة للوصية الإلهية. إذ تعدَّى شاول حدوده عاصيًا الوصية الإلهية بتقديم ذبائح هي من عمل الكاهن لا الملك، جاءه صموئيل النبي يُوَبِّخه، قائلًا له: "ماذا فعلت؟" (1 صم 13: 11). عوض أن يُراجِع نفسه ويعترف بخطئه، ألقى باللوم على صموئيل، قائلًا: "لأني رأيت أن الشعب قد تفرَّق عني وأنت لم تأتِ في أيام الميعاد والفلسطينيون مجتمعون في مخماس، فقلت الآن ينزل الفلسطينيون إليّ إلى الجلجال ولم أَتضرَّع إلى وجه الرب فتجلَّدت وأصعدت المحرقة" (1 صم 13: 11-12).
بأمانته أكّد أنه نبي حقيقي، وبكلماته عُرِف أنه راءٍ أمين [15].
عرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد اؤتمن صموئيل نبيًا للرب (1 صم 3: 20).
وهكذا دعا الربّ القدير، عندما أقلقه أعداؤه من كل جهة، وعندما أصعد حملًا صغيرًا [16].
فأرعد الرب من السماء، وبصوتٍ عظيم أسمع صوته [17].
يشير إلى انتصارات اليهود على الفلسطينيين في المصفاة (1 صم 7: 7 -11) حيث أرعد الرب في ذلك اليوم على الفلسطينيين فأزعجهم فارتعبوا وانكسروا أمامهم.
وأباد قُوَّاد شعب صور، وجميع رؤساء فلسطين [18].
وقبل زمان رقاده الدائم، دعا الشعب ليشهدوا أمام الربّ ومسيحه:
"إني لم آخذ من أحد مالًا بل ولا حذاءً"، وبالحق لم يتهمه أحد [19].
يرى ابن سيراخ أن الموت هو رقاد للجسد، أما النفس فتنطلق إلى الله. قَدَّم صموئيل النبي حديثًا وداعيًا صريحًا، أشهدهم فيه أمام الله ومسيحه على أمانته من نحوهم وعدم استغلاله لهم، كما ذكَّرهم ببركات الرب وأعماله معهم، ووبَّخهم على طلبهم ملكًا، فاتحًا أمامهم باب الرجاء في الرب المُحِب لشعبه. ما فعله صموئيل النبي هنا ليس دفاعًا عن نفسه، لأنه لم يتهمه أحد بشيءٍ إنما قصد به تثقيف الملك الجديد. وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [لم يتهمه أحد، فإنه لم ينطق بهذا لكي يُبَرِّر نفسه، وإنما لأنه قام بمسح ملك، فأراد أن يُعَلِّمَه أن يكون وديعًا ولطيفًا تحت ستار دفاعه عن نفسه... لقد نطق بهذا ليكون (الملك) في حال أفضل[8].]
وحتى بعد رقاده تنبأ وأرى الملك نهايته،
ورفع من الأرض صوته بالنبوة ليمحو إثم الشعب [20].
اِلتجاء داود إلى أخيش جعل شاول الملك في مركزٍ حرج عندما صار الفلسطينيون ضد إسرائيل. أما شاول إذ حلّ به الخطر لم يجبه الرب بسبب شروره المستمرة، فالتجأ إلى صاحبة جان (1 صم 28)، مع أنه حرَّم أصحاب الجان والتوابع. لقد تخفَّى، وطلب منها أن تستدعي روح صموئيل ليطلب مشورته. جاء في سفر ابن سيراخ أن الله سمح أن يحدثه ليُوَبِّخه على تصرُّفاته الشريرة ويرى البعض أنه جاء الشيطان في شكل صموئيل يتحدَّث معه، لأنه ليس ممكنًا له أن يستحضر أرواح المنتقلين.
v ظن إبليس أن شعبك ينهار بموت موسى.
يداك اللتان دَرَّبتا موسى العظيم في الأنبياء، دَرَّبتا تلميذه يشوع!
صوتك يدوي عبر الأجيال: "كما كنت مع موسى أكون معك!" (يش 1: 5)
ما كان يمكن لموسى أن يعبر الأردن، هوذا عبره يشوع مع القادة والشعب!
بإشارة من يده وقفت الشمس، وطال النهار إلى يومين (يش 10: 12).
أمسك بالسيف ليُحارِب، أما أنت فألقيت على أعدائه حجارة من البَرَدْ! (يش 10: 11)
v دخل يشوع وكالب أرض الموعد دون كل الذين خرجوا من مصر.
شاخ كالب، أما قوته فلم تنحدر قط.
في سن الخامسة والثمانين كانت قوته كما هي وهو في الأربعين.
تمجَّدت في الشيخ الذي صعد إلى مرتفعات الأرض كشابٍ قويٍ!
v أثار الشيطان الشعوب الوثنية لكيلا تتوقَّف عن محاربة شعب الله.
ومن جانب آخر أرسلتَ قضاة أتقياء يشهدون لك.
v فسدت عائلة عالي الكاهن الشيخ، وجلب ابناه المرارة على الشعب.
افتقدت شعبك بطفلٍ صغير (صموئيل). ماذا ندعوه؟ لقد ظهرتَ له ووهبته روح النبوة.
دعوته حبيبك، إذ اِلتصق بشريعتك.
أباد قادة الوثنيين، ولم ينشغل قلبه بذهبٍ أو فضة.
لم يطلب من أحد شيئًا، لأنك أنت هو كنزه.
تَمَرَّرَت نفسه من أجل قلب الملك شاول الشرير.
لم تتجاهل دموعه، فمسحت العظيم في الملوك داود النبي!
يدك يا إلهي صنعت عجائب، ولا تزال تصنع، وستصنع إلى يوم مجيئك الأخير.
لك المجد يا راعي النفوس القدير!
_____
[1] Letter 53: 8.
[2] الأنبا مكاريوس.
[3] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
[4] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 58.
[5] Regulae brevius tractatae, 39.
[6] بحسب OSB: موضعهم وبحسب NRSV: من حيث يرقدون.
[7] الميمر 63 على محبة الله للبشر وعلى محبة الأبرار (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
[8] In 2 Cor. Hom 24.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 47 |
قسم تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب |
تفسير يشوع ابن سيراخ 45 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/qswz33t