St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 3 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
بركة الوالدين

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الثالث

بركة الوالدين

التزاماتنا من نحو الله ومن نحو والدينا

لما كانت مخافة الربّ هي بدء الحكمة، كان يليق بالإنسان الحكيم أولًا أن يتعرَّف على التزاماته من نحو الله. هذا هو موضوع الأصحاحين الأول والثاني. الآن في هذا الأصحاح يتحدَّث عن التزامات المؤمن من نحو والديه، بكونه مدينًا لهما ووارثًا عنهما الحكمة، إذ سبقاه في الحياة. قد يكون الابن أكثر من والديه علمًا أو ذكاءً أو أكثر منهما في المواهب، وهذا ما يسرّ الوالدين أن يكون الجيل الجديد أكثر تقدُّمًا من القديم، غير أن الجيل الجديد لا يستخفّ بالقديم، لأنه مدين له بخبرته كما باهتمامه به من جوانب كثيرة.

يليق بالجيل القديم أن يعتز بالجيل الجديد، ويبتهج لتميُّزه بالتقدُّم المستمر، كما يليق بالجيل الجديد أن يدرك فضل الأجيال القديمة، ويعلم أنه يومًا ما سينضم إليهم حينما يأتي الجيل القادم الأحدث منه.

هذا الحب المتبادل والتقدير بين الأجيال يتحقَّق حين يكون الربّ حاضرًا في الأسرة كما في قلب كل عضوٍ منها، يُقَدِّس الأسرة ويهبها روح الحب والتواضع والتقدير المتبادل. فيحسب الوالدان أبناءهما هبة من الله، ما يقدمانه لهم إنما يقدمانه للربِّ نفسه، وهكذا نظرة الأبناء للوالدين، فكل تكريم لهما واحتمال لمتاعبهما خاصة في المرض والشيخوخة مُقدَّم لله نفسه.

اتبع ابن سيراخ ذات منهج الوصايا العشر حيث جاءت الوصية الخاصة بتكريم الوالدين مباشرة بعد الوصية الخاصة بمحبتنا لله،

في الأصحاح الأول ركّز ابن سيراخ حديثه في الحكمة ومصدرها وارتباطها بمخافة الرب وحفظ الوصية الإلهية. وفي الأصحاح الثاني أبرز مفهوم مخافة الرب، موضحًا أن خائف الرب يتحدَّى بروح الحكمة السماوية الضيق، مؤكدًا أن التجارب لا تُحَطِّم نفسيته بل تزيده بهاءً داخليًا كالذهب الذي يتنقَّى بالنار. خائف الرب لن يخور قلبه بسبب التجارب، بل يتزكَّى إيمانه ويتكلَّل بروح الصبر، ويحفظ طرق الرب.

الآن في الأصحاح الثالث يبدأ بجانب عملي مؤكدًا لتلاميذه كيف تصير الأسرة أيقونة السماء. يدعونا ابن سيراخ إلى طاعة الوالدين وتكريمهم، ليس أثناء صغرنا فحسب، بل حتى بعد بلوغنا سن الرشد، فنهتم بخدمتهم بفرحٍ دون انتظار لكلمة مديح أو شكر منهم أو من غيرهم، وإنما بالحب نخدمهم كسادةٍ لنا بلا تذمرٍ (راجع خر 20: 12؛ تث 5: 16؛ مر 7: 10-12). أوضح أيضًا ثمار هذه الطاعة القائمة على الحب والحنوّ. كما تنعكس هذه الطاعة على حياة المؤمن في المجتمع، فيتَّسِم بالوداعة والتواضع ومحبة العطاء للبشر.

 

1. الأبوة والبنوّة في الرب

     

[1 -7] (ت: 1-8)

2. بركة الطاعة وتكريم الوالدين

     

[8 -11] (ت: 9-13)

3. احتمال ضعفات الوالدين

     

[12 -16] (ت: 14-18)

4. الأسرة مدرسة الوداعة

     

[17 -29] (ت: 19-32)

5. الأسرة مدرسة العطاء

     

[30 -31] (ت: 33-34)

* من وحي سيراخ 3: قدِّس أسرتي كنيسة لك

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. الأبوة والبنوّة في الرب

1 بَنُو الْحِكْمَةِ جَمَاعَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ أَهْلُ الطَّاعَةِ وَالْمَحَبَّةِ. 2 يَا بَنِيَّ، اِسْمَعُوا أَقْوَالَ أَبِيكُمْ، وَاعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَخْلُصُوا. 3 فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ أَكْرَمَ الأَبَ فِي الأَوْلاَدِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ الأُمِّ فِي الْبَنِينَ. 4 مَنْ أَكْرَمَ أَبَاهُ، فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ، وَيَمْتَنِعُ عَنْهَا، وَيُسْتَجَابُ لَهُ فِي صَلاَةِ كُلِّ يَوْمٍ. 5 وَمَنِ احْتَرَمَ أُمَّهُ، فَهُوَ كَمُدَّخِرِ الْكُنُوزِ. 6 مَنْ أَكْرَمَ أَبَاهُ سُرَّ بِأَوْلاَدِهِ، وَفِي يَوْمِ صَلاَتِهِ يُسْتَجَابُ لَهُ. 7 مَنِ احْتَرَمَ أَبَاهُ طَالَتْ أَيَّامُهُ، وَمَنْ أَطَاعَ أَبَاهُ أَرَاحَ أُمَّهُ. 8 الَّذِي يَتَّقِي الرَّبَّ يُكْرِمُ أَبَوَيْهِ، وَيَخْدُمُ وَالِدَيْهِ بِمَنْزِلَةِ سَيِّدَيْنِ لَهُ.

 

إذ يتحدَّث عن الأسرة المقدسة، يحسب مدرسته أسرة لها دورها في حياة المجتمع. يدعو تلاميذه أبناءه، تارة بصيغة الجمع علامة الوحدة بين التلاميذ وبعضهم البعض، وعلاقته كأبٍ لهم، وتارة يتحدَّث بصيغة المفرد: "يا بنيّ". يود أن يسلك بروح الله الذي يتعامل مع الجماعة سواء القادة أو الشعب بكون الجميع شعب الله موضوع حُبِّه ورعايته الخاصة. في نفس الوقت يرى في كل ابنٍ أنه عضو خاص له مكانته الخاصة في قلب أبيه.

أوضح أيضًا سرّ الاهتمام بالأبوة أو الأمومة والبنوة:

‌أ. "واعملوا ما أُخبركم به لكي تخلصوا" [1]، الحب المُترجَم في الأبوة والبنوة هو طريق الخلاص. فالسماء المُعدَّة لنا قانونها الحب، ولا يتمتَّع بها من لا يمارس الحب لله والناس.

‌ب. هذا الحب في حقيقته وصية إلهية، كل إكرام للوالدين يحسبه الرب إكرامًا له، وهو حق لهما ينالانه خلال الوصية الإلهية [2].

‌ج. كل إكرامٍ مُوجَّه لهما، يفتح لنا باب مراحم الله، فننال غفران خطايانا، وكل اهتمام وتمجيد للأم إنما هو رصيد للابن أو الابنة محفوظ ككنزٍ في السماء [4].

‌د. ما نُقَدِّمه للوالدين يُرَد لنا فيما بعد من أبنائنا، ويرفع صلواتنا هنا ونحن في العالم كما بجناحين إلى السماء [5].

‌ه. من يكرم والديه يُبارِك الرب كل دقيقةٍ من عمره، فتطول حياته خلال البركة الإلهية، فيجعل الرب كل يومٍ من أيامه كألف سنة (2 بط 3: 8).

‌و. يليق بالأبناء ألا يخجلوا من خدمة والديهم، فمن يُكرِم والديه حسب الجسد، يُحسب تقدمة للآب السماوي والكنيسة أمه الروحية، لذلك يخدمهما كسيِّدين له.

في اختصار، يتطلَّع الرب نفسه إلى الأسرة بكونها كنيسة البيت المقدس.

أوضح أيضًا سرّ الاهتمام بالأبوة أو الأمومة والبنوة:

يا أبنائي اسمعوا لي أنا أبوكم،

واعملوا ما أُخبركم به لكي تخلصوا [1].

إذ يدعو سيراخ نفسه أبًا لتلاميذه، ويحسبهم أبناء له، إنما يؤكد أن دستور الأسرة يقوم على الحب المتبادل، والاهتمام بخلاص كل الأعضاء. فليس ما يشغله أن يحتلُّوا مراكز مرموقة في المجتمع، ولا أن يتدرَّبوا على توجيه الحوارات بطريقةٍ ما، وإنما أن يعمل الكل لأجل الخلاص.

v عَلَّمنا الرب ليس ألا نهتم بأي أمرٍ فيما يختص بمقتنياتنا وضرورات هذه الحياة فحسب، بل أيضًا أن نرتفع فوق المشاعر الطبيعية، إذ قال: من أَحبّ أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقّني" (مت 10: 37). وهذا أيضًا ما ينطبق على الروابط العميقة كالصداقات الحميمة. فكم بالأكثر مع الصلات البعيدة والغرباء عن الإيمان. لذا أضاف: "من لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يستحقّني" (مت 10: 38). يكتب لنا الرسول الذي نجح في هذا: "قد صُلِب العالم لي وأنا للعالم... فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غلا 6: 14؛ 2: 20).

دعونا نعود إلى كلمات الرب التي قالها مباشرة لكلِّ واحدٍ منا. حين سأله ذلك الرجل قائلًا: "ائذن لي أن أمضي أولًا وأدفن أبي". أجابه: "دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب ونادِ بملكوت الله" (لو 9: 59-60). وذاك الآخر الذي قال له: "ائذن لي أولًا أن أُودِّع الذين في بيتي"، أجابه مُوَبِّخًا ومُعَنِّفًا إيَّاه، قائلًا: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء، يصلح لملكوت الله" (لو 9: 61-62)...

يريدنا الامتناع عن سماع أيّ صوت يجعلنا نحيد عن طريق الكمال والتقوى... إذ يقول: "من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي، فلا يَقْدِر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 27). هذا الأمر نقوم به حينما نجوز مياه المعمودية حيث نُعلِن إيماننا ونعترف بأننا صُلِبنا مع المسيح ومُتنا ودُفنَّا معه... كما هو مكتوب (انظر رو 6: 4-11)[1].

القديس باسيليوس الكبير

فإن الرب كرَّم الأب على أولاده،

وثبَّت حقّ الأمّ على أبنائها [2].

من أكرم أباه يكفر خطاياه [3].

ومن يمجد أمه يكون كمدخر الكنوز [4].

من يكرم والديه يتوقَّع من الله أن يسمع لصلاته، كما يتوقع أن أبناءه سيكرمونه.

من أكرم أباه يسّر بأولاده،

وحين يصلي يُستجَاب له [5].

اعتاد الكتاب المقدس حين يتحدث عن الأب، غالبًا ما يعني الوالدان، فليس من تمييز بين الآباء والأمهات.

من يُعَظِّم أباه تطول حياته،

ومن يُطيع الربّ يُرِيح أمّه [6].

يربط الكتاب المقدس طاعة الرب بطاعة الوالدين. بتكريم الوالدين ننال بركة الطاعة للوصية الإلهية (تث 28: 1-2). اللطف مع الوالدين يعين في غفران الخطايا، والاستخفاف بالوالدين يُحسَب تجديفًا على الله [16].

طاعة الوالدين لا تقف عند الأطفال والشباب، إذ يليق بالشخص الذي يبلغ سن البلوغ أيضًا أن يُكرّم الوالدين، فينال بركة الرب. وفي نفس الوقت يرتدّ عمله إليه، حيث يُكرِّمه أبناؤه ويطيعونه. جاء في هذا السفر:

ويخدم والديه كأنهما سيدان له [7].

يخدم خائفو الرب والديهم بفرحٍ. يليق بهم أن يعينوهم في شيخوختهم ويترفقوا بهم إن فقدوا رشدهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. بركة الطاعة وتكريم الوالدين

9 أَكْرِمْ أَبَاكَ بِفِعَالِكَ وَمَقَالِكَ بِكُلِّ أَنَاةٍ، 10 لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيْكَ الْبَرَكَةُ مِنْهُ، وَتَبْقَى بَرَكَتُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. 11 فَإِنَّ بَرَكَةَ الأَبِ تُوَطِّدُ بُيُوتَ الْبَنِينَ، وَلَعْنَةَ الأُمِّ تَقْلَعُ أُسُسَهَا. 12 لاَ تَفْتَخِرْ بِهَوَانِ أَبِيكَ، فَإِنَّ هَوَانَ أَبِيكَ لَيْسَ فَخْرًا لَكَ، 13 بَلْ فَخْرُ الإِنْسَانِ بِكَرَامَةِ أَبِيهِ، وَمَذَلَّةُ الأُمِّ عَارٌ لِلْبَنِينَ.

 

أكرم أباك بالقول والعمل،

لكي تحلّ عليك البركة منه [8].

كل تكريم يُقَدِّمه الإنسان لوالديه إنما يُحسَب كبذار يغرسها ليجنيها فيما بعد. هذه الوصية هي الوحيدة التي وردت في الوصايا العشر بما تحمله من بركات. "أكرم أباك وأمك لكي تطول حياتك على الأرض التي يعطيك الربّ إلهك" (خر 20: 13).

اهتم الكتاب المقدس بهذه الوصية الإلهية التي يلحقها وعد إلهي، فأوردها ابن سيراخ هنا [8- 11] في شيءٍ من التوسُّع، ربما لأن بعض الشباب جذبتهم الفلسفة عن الارتباط بالشريعة، فاستهانوا بالجيل القديم خاصة الوالدين، وحسبوا أنفسهم أكثر تقدمًا ومعرفة.

في العهد الجديد ذكر الرسول بولس ذات الوصية: "أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعدٍ، لكي يكون لكم خير، وتكونوا طوال الأعمار على الأرض" (أف 6: 2-3). وبعد الطوفان أول لعنة حلَّت في العالم الجديد على الإنسان كانت بسبب إهانة حام لأبيه نوح (تك 9: 20-27).

يقول الربيون اليهود، تعليقا على وصية أكرم أباك وأمك، أن قبل السبي البابلي كانت العلاقة بين الوالدين والأولاد قد ساءت بشكلٍ عام، حتى استحق إسرائيل السقوط تحت السبي لأنه لم يحفظ تلك الوصية والتي ترتبط بالبقاء طويلا  في أرض الموعد. وينقل لنا العهد الجديد صورة مؤسفة لهذا التنكّر من قبل الأبناء، ففي إنجيل معلمنا متى يرد "من قال لأبيه أو أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هو الذي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ" (مت 15: 5). وفي إنجيل معلمنا مرقس "إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ أَيْ هَدِيَّةٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي فَلاَ تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئًا لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ" (مر 7: 11، 12). هذا التقليد هو وصايا للناس، يتعارض مع الوصيّة الإلهيّة لهدف أو آخر، كالمثال الذي قدَّمه السيّد المسيح. فلأجل المنفعة الشخصيّة وضع قادة اليهود وصيّة تحمل مظهر العطاء الظاهري وتخفي كسْرًا للناموس الإلهي. كأن يستطيع الابن أن يَحرم والديه من حقوقهما، فلا يعولهما بحجّة أن ما يدفعه لهما يقدّمه قربانًا لله، فيكسِر وصيّة إكرام الوالدين، ويكون كمن شتمهما بأعماله، وهذا أقسى من السبّ باللسان، إذ يحرمهما من حق الحياة الكريمة، ويدخل بهما إلى ضنك العيش تحت ستار العطاء للهيكل. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إذ يسمع الآباء أن ما ينبغي تقديمه لهم صار من القربان المُخصَّص لله يحجمون عن أخذه من أبنائهم، حتى وإن كانوا في عوْز شديد لضرورات الحياة.] ويقول: [بأن الفرّيسيّين كانوا محبّين للمال (لو 6: 14) فتظاهروا بجمعه للعطاء للفقراء، حارمين الوالدين من عطايا أولادهم.]

فإن بركة الأب تؤسس بيوت البنين،

ولعنة الأم تقتلع أسسها [9].

لا تفتخر بإهانة أبيك،

فإن هوان أبيك ليس فخرًا لك [10].

v "لا تفتخر بإهانة أبيك" (3: 10). إن كان هذا يُقَال عن آبائنا حسب الطبيعة، كم بالأكثر بالنسبة لآبائنا الروحيين. أكرمه بكونه يخدمك كل يومٍ، ويجعلك تقرأ الكتاب المقدس، يهيئ البيت لك، ويحرسك، ويصلي من أجلك. ويتوسَّل أمام الله لصالحك، ويُقَدِّم تضرعات لأجلك، كل عبادته هي من أجلك. لتقدِّر كل هذا، فكِّر في هذا، اقترب إليه بوقارٍ تقويٍ.

لا تقل: إنه شرير... الهبات التي يهبها الله ليست بناء على فضيلة الكاهن. كل عطاياه هي من نعمته. دور الكاهن مُجَرَّد يفتح فمه، والله هو الذي يعمل كل شيء[2].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

كان فيلجينتوس يخشى أن تسقط العذارى في الكبرياء والتشامخ على أسرهن بسبب بتوليتهن.

v كما أن الشهوة ليس لها سلطان في جسم البتول، هكذا لا تدع للكبرياء سلطان على قلب البتول. مارسي خلاصكِ في مخافة ورعدة. لأن الله يعمل فيكِ إن تريدي وأن تعملي إرادته الصالحة.

فيلجينتوس (تلميذ القديس أغسطينوس)

بل مجد الإنسان بكرامة أبيه،

وإهانة الأُم عار للبنين [11].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. احتمال ضعفات الوالدين

14 يَا بُنَيَّ، أَعِنْ أَبَاكَ فِي شَيْخُوخَتِهِ، وَلاَ تَحْزُنْهُ فِي حَيَاتِهِ. 15 وَإِنْ ضَعُفَ عَقْلُهُ فَاعْذِرْ، وَلاَ تُهِنْهُ وَأَنْتَ فِي وُفُورِ قُوَّتِكَ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ لِلْوَالِدِ لاَ تُنْسَى. 16 وَبِاحْتِمَالِكَ هَفَوَاتِ أُمِّكَ، تُجْزَى خَيْرًا. 17 وَعَلَى بِرِّكَ يُبْنَى لَكَ بَيْتٌ، وَتُذْكَرُ يَوْمَ ضِيقِكَ، وَكَالْجَلِيدِ فِي الصَّحْوِ تُحَلُّ خَطَايَاكَ. 18 مَنْ خَذَلَ أَبَاهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَدِّفِ، وَمَنْ غَاظَ أُمَّهُ، فَهُوَ مَلْعُونٌ مِنَ الرَّبِّ.

 

إذا أُصيب أحد الوالدين بضعف الشيخوخة أو بالمرض أو بفقدان الذاكرة، يحسب الابن ذلك بسماح من الله، فعوض التذمُّر يترفَّق بهما. هذا الحنوّ له فاعليته:

أ‌. يقول سيراخ عنه إنه لا يُنسَى [14]، فهو رصيد للابن لدى الله، فيسرع في نجاته وقت الضيق.

ب‌. يعين الابن في التكفير عن خطاياه، يُشَبِّهه ابن سيراخ بالشمس التي تذيب الجليد في الصحو.

يا بُنيّ، أَعِن أباك في شيخوخته،

ولا تُحزِنه في حياته [12].

في المجتمع الزراعي يُمكِن للابن أن يساهم في الأعمال الخاصة بالزرع كما في رعاية الغنم.

وإن فقد رُشده أَظهِر ترفُّقًا،

ولا تحتقره وأنت في كل قوتك [13].

فإن اللطف مع الأب لا يُنسَى،

وله اعتباره في التكفير عن خطاياك [14].

يوم ضيقك يُذكَر لصالحك،

وكالجليد في الصحو تذوب خطاياك [15].

إذ تحدَّث ابن سيراخ عن بركات إكرام الوالدين، رفع قلوبنا إلى الله أبينا السماوي لنتمتَّع برعايته الفائقة. نكرِّم أبانا السماوي بتقديم ذبيحة شكر له، خاصة في وقت الضيق، علامة إيماننا وثقتنا في رعايته لنا وسط الضيق. أما ثمرة هذا الشكر فهو أن يعيننا على التكفير عن خطايانا، لنعيش ببرّ المسيح.

"يوم ضيقك يُذكر لصالحك، وكالجليد في الصحو تذوب خطاياك" يا له من تشبيه مُفرِح، فإن الشكر في الضيق يدخل بنا إلى صحو النهار، فيذيب شمس البرّ خطايانا ويزيلها.

v ماذا أردّ لك يا رب، فحينما تستدعي ذاكرتي هذه الأمور (الضيقات) لن أفزع منها!

إني أُحبك يا رب، وأشكرك، وأعترف لاسمك!

فإنك تزيل عني أعمالي الشريرة المُرعِبة والخبيثة.

أُنسب إلى نعمتك ورحمتك أنك تذيب خطاياي كالثلج[3].

القديس أغسطينوس

يرى القديس أغسطينوس خطايانا تشبه الجليد الذي يذوب بعمل الروح القدس وينحل. [صرنا مجمدين في السبي، خطايانا تربطنا، لكن إذ تهب ريح الجنوب (الساخنة)، أي الروح القدس، تغفر خطايانا، وتنحدر من جليد الإثم. فكما أن الثلج يذوب في الجو الدافئ هكذا أيضًا خطايانا.[4]]

من نبذ أباه يكون كالمُجَدِّف،

ومن أغاظ أمه يلعنه الربّ [16].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. الأسرة مدرسة الوداعة

19 يَا بُنَيَّ، اقْضِ أَعْمَالَكَ بالْوَدَاعَةِ، فَيُحِبَّكَ الإِنْسَانُ الصَّالِحُ. 20 إِزْدَدْ تَوَاضُعًا مَا ازْدَدْتَ عَظَمَةً، فَتَنَالَ حُظْوَةً لَدَى الرَّبِّ. 21 لأَنَّ قُدْرَةَ الرَّبِّ عَظِيمَةٌ، وَبِالْمُتَوَاضِعِينَ يُمَجَّدُ. 22 لاَ تَطْلُبْ مَا يُعْيِيكَ نَيْلُهُ، وَلاَ تَبْحَثْ عَمَّا يَتَجَاوَزُ قُدْرَتَكَ، لكِنْ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، فِيهِ تَأَمَّلْ، وَلاَ تَرْغَبْ فِي اسْتِقْصَاءِ أَعْمَالِهِ الْكثِيرَةِ. 23 فَإِنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَكَ أَنْ تَرَى الْمَغَيَّبَاتِ بِعَيْنَيْكَ، 24 وَمَا جَاوَزَ أَعْمَالَكَ، فَلاَ تُكْثِرِ الاِهْتِمَامَ بِهِ. 25 فَإِنَّكَ قَدْ أُطْلِعْتَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تُفُوقُ إِدْرَاكَ الإِنْسَانِ. 26 وَإِنَّ كَثِيرِينَ قَدْ أَضَلَّهُمْ زَعْمُهُمْ، وَأَزَلَّ عُقُولَهُمْ وَهْمُهُمُ الْفَاسِدُ. 27 الْقَلْبُ الْقَاسِي عَاقِبَتُهُ السُّوءُ، وَالَّذِي يُحِبُّ الْخَطَرَ يَسْقُطُ فِيهِ. 28 الْقَلْبُ السَّاعِي فِي طَرِيقَيْنِ لاَ يَنْجَحُ، وَالْفَاسِدُ الْقَلْبِ يَعْثُرُ فِيهِمَا. 29 الْقَلْبُ الْقَاسِي يُثَقَّلُ بِالْمَشَقَّاتِ، وَالْخَاطِئُ يَزِيدُ خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ. 30 دَاءُ الْمُتَكَبِّرِ لاَ دَوَاءَ لَهُ، لأَنَّ جُرْثُومَةَ الشَّرِّ قَدْ تَأَصَّلَتْ فِيهِ. 31 قَلْبُ الْعَاقِلِ يَتَأَمَّلُ فِي الْمَثَلِ، وَمُنْيَةُ الْحَكِيمِ أُذُنٌ سَامِعَةٌ. 32 الْقَلْبُ الْحَكِيمُ الْعَاقِلُ يَمْتَنِعُ مِنَ الْخَطَايَا، وَيَنْجَحُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ.

 

إذ تَجَسَّد كلمة الله وحلّ بيننا كواحدٍ منا، دعانا أن نتعلَّم منه، قائلًا: "تعلَّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). يقوم الزواج والحياة الأسرية على التدبير الإلهي، وإدراك خطة الله في الحياة الأسرية، وفي كل عضوٍ في الأسرة. خلال الحياة الأسرية المقدسة في الربّ يصير المجتمع سالكًا في تناغم مع خطة الله، مُحَقِّقًا رسالته.

يُقَدِّم لنا ابن سيراخ لمسات عملية لحياة الوداعة والتواضع ليعيشها المؤمن في أسرته الصغيرة كما في المجتمع بكونه الأسرة الكبرى.

أجمل تقدمة يُسرّ بها الوالدان، تواضع أبناءهما ووداعتهم. كلما تواضع الابن في سلوكه معهما، يزداد عظمة في عيني الله والناس. يتمجَّد الله في الشخص المتواضع، لأنه يعرف ضعفه، ويثق في الله الذي يقيم من الضعيف بطلًا (راجع يؤ 3: 10). لا يطلب المؤمن رؤى وصنع عجائب ومعجزات، إنما ما يشغله هو السلوك حسب الوصية الإلهية [21-22].

كما يلزم للعين أن تُفتَح لكي تقبل النور [25]، هكذا يليق بالعقل أن يُفتَح ليقبل الحكمة (أم 28: 14).

‌أ. لا تقف الوداعة عند بعض كلمات أو تصرفات معينة، بل يليق أن تمتزج وتتجلَّى في كل أعمال المؤمن [17].

‌ب. لا يسعى المؤمن نحو الكرامة الزمنية، إنما يليق به كلما نال كرامة أو سلطانًا أو نجاحًا في أعماله يزداد تواضعًا حاسبًا ما يناله إنما هو عطايا مجَّانية من الله، فيجد حظوة لدى الرب، وكرامة حتى من البشر [18].

‌ج. يليق بالمؤمن ألا يرتئي فوق ما يرتئي (رو 12: 3)، بل يتعرَّف على حقيقة قدراته وإمكانياته. فلا يطلب ما يتعذَّر عليه، ولا يبحث في الأمور الخفيّة بحوارات نظرية جدلية غير نافعة [21-24]. عندما سُئل البابا أثناسيوس من شخص أن يريه إلهه ليؤمن به، أجابه: "أرني روحك، وأنا أريك إلهي!"

‌د. الحذر من السقوط في العناد العقلي.

يا بُنيَ اقضِ أعمالك بالوداعة،

فيُحبك الشعب الذين يرتضيه الربّ [17].

ازدد تواضعًا كلما ازددت عظمة،

فتنال حظوة لدى الرب [18].

إن كانت مخافة الربّ هي بدء الحكمة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فإن التشامخ هو بدء الحماقة. كان في ذهن ابن سيراخ ما فعله الكبرياء، ليس فقط بالأفراد بل وبالأمم، فسقط أشور ثم بابل ثم فارس. هذا وقد عاصر سقوط قرطاجة عام 201 ق.م.

التواضع هو النزعة اللائقة بخائفي الربّ الذين يكرمون والديهم. كلما نال الإنسان كرامةً، سواء على المستوى الكنسي أو العالمي، احتاج بالأكثر أن يُضاعِف تواضعه حتى يصير موضع سرور الله لا رضا الناس. كان رؤساء الأساقفة يخشون الكبرياء لئلا يفقدوا خلاصهم. فكان القدِّيس يوحنا الذهبي الفم يُرَدِّد في أعماقه كما وسط الأساقفة قوله المشهور: "عجبي من أسقف يخلص!" في بداية الاحتفالات بسيامة البابا شنودة كان أحيانًا يفتتح كلمته بترديد ما قاله الذهبيّ الفم حتى لا تشغله كلمات المديح عن أبديته. عبارة أبينا المحبوب القمص بيشوي كامل هي: خادم التربية الكنسية هو خادم أولاد سيده، والكاهن خادم الخدام أولاد سيدهم فكم يلزم أن تكون مشاعر الأسقف والبطريرك.

ما يحزن قلوبنا أن يظن الكاهن أنه رئيس الكنيسة وما يقوله يلزم طاعته بلا حوارٍ وهكذا بالنسبة للأسقف والبطريرك.

v كثيرًا ما يكون النظام الكنسي والعمل اللاوي علّة للسقوط في الكبرياء لمن ينسى أنه نال هذه الكرامة في حضن الكنيسة.

كم من رجال كهنوت إذ صاروا في الرأس نسوا أنه يلزمهم أن يكونوا متواضعين، كما لو أن سيامتهم أَعْفَتهم من التواضع. على العكس يلزمهم حفظ التواضع بدقةٍ، لأنهم يُمنحَون كرامة عظيمة هكذا حسب قول الكتاب: الأعظم فيكم فليكن الأكثر تواضعًا.

الجماعة تختارك، فلتحني رأسك بأكثر تواضعًا. لقد اختارتك كقائدٍ للآخرين، فلا تشعر أنك مُمَجَّد! كن بينهم كواحدٍ منهم (لو 22: 27). يلزمك أن تكون متواضعًا ووديعًا. اهرب من الكبرياء مصدر كل الشرور[5].

v يُحارِبنا الشرير ليس فقط لكي نفعل الخطية بإصرار...، وإنما لكي نتكبَّر ونشعر أننا كاملون. لكن الله يقاوم المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين (أم 34:3؛ يع 6:4؛ 1 بط 5:5). لذلك كلما تتواضع ترتفع وتجد رحمة عند الله [18]...

 من يحيد عن الوصية لا يتبعها ما دامت وصية الله مستقيمة. "ملاعين الذين حادوا عن وصاياك"، ليس فقط الذين لا يعملون بها، وإنما حتى الذين ينحرفون عنها ولو قليلًا.

العلامة أوريجينوس

v "يا رب لا يرتفع قلبي، ولا تستعلِ عيناي، ولم أسلك في العظائم ولا عجائب فوقي" (مز 131: 1). لننطق بهذا في أكثر وضوح ويسمع لنا. إنني لست متكبرًا. لم أرد أن أكون معروفًا بين الناس بقواتٍ عجيبة، ولم أطلب شيئًا فوق قوتي. بهذا أفتخر بين الجهال... ليته لا يتكبر إنسان بعطية الله له، بل يحتفظ بالتواضع، فيُتَمِّم ما هو مكتوب: "ازدد تواضعًا كلما ازددت عظمة، فتنال حظوة لدى الرب" [18]. كم يلزم الخوف جدًا من الكبرياء بعطية الله. يلزمنا أن نضغط على أنفسنا أكثر فأكثر[6].

القديس أغسطينوس

v ليكن مجدنا هو في التواضع، وفخرنا هو في عدم محبة المجد (الباطل). ولتكن شهوتنا هي في تلك الأشياء التي تسر الله وترضيه، واضعين في أذهاننا ما يقوله لنا الحكيم: "ازدد تواضعًا كلما ازددت عظمة، فتنال حُظوة لدى الربّ" (سي 3: 18). لأنه يرذل المستكبرين، ويعتبر المتعجرفين كأعداء له. أما الودعاء ومتواضعو القلب فيُكَلِّلهم بالكرامات[7].

 القديس كيرلس الكبير

لأن قدرة الرب عظيمة،

والمتواضعون يمجدونه [19].

لا تطلب ما يتعذر عليك،

ولا تبحث فيما يتجاوز قدرتك [20].

يبلغ الكبرياء أقصاه حينما يتشامخ الإنسان خلال دراساته الفلسفية، ولا يضع في اعتباره أن عطية العقل هي من الله. ومع عظمتها الرائعة يدرك أنها محدودة لا تستطيع أن تتعرَّف على أسرار غير المحدود ولا عن خطته بدون التمتُّع بعمل نعمته الإلهية.

يليق بنا أن نبحث عن الحكمة وأن ننمو في معرفتها، دون أن نعتمد على الفكر العقلاني المُجَرَّد، فإن الله الذي يعتزّ بالإنسان بكونه سفيرًا له على الأرض لا يبخل عليه بالمعرفة، إنما يُقَدِّم له ما هو لبنيانه قدر إمكانيات الإنسان، كما يكشف له عن إرادته الإلهية.

الخطر الذي كان يخشاه سيراخ أنه قد تسرَّب إلى الأرض المقدسة، التهاون بكلمة الله وعدم المبالاة بإرادة الله، وذلك خلال الأفكار الهيلينية. هذا الجو خلق قادة يهود متشامخين بأفكارهم وتصرفاتهم.

v التأمل العميق في الحياة الصالحة والعناية بالروح ينجبان أناسًا صالحين ومُحِبِّين لله.

من يطلب الله يجده، وذلك بغلبته على كل الشهوات بالصلاة الدائمة. مثل هذا الإنسان لا يخاف الشياطين[8].

القديس أنطونيوس الكبير

يُقَدِّم لنا القديس أمبروسيوس أريوس كمثال لمن يدَّعي أنه صاحب معرفة فيما تتجاوز القدرة البشرية.

v قيل لأريوس ولكل البشر: "لا تطلب ما يتعذر جدًا عليك". مُنِع موسى من رؤية وجه الله (خر 33: 23)، وظن أريوس أنه تأهَّل أن يراه في سرٍّ... يتحدث بولس عن الأمور الدنيا: "لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ" (1 كو 13: 9). أما أريوس فيقول: "أنا أعرف الله تمام المعرفة وليس بعض المعرفة". هكذا بولس أقل من أريوس. الإناء المختار يعرف بعض المعرفة، وإناء الهلاك يعرف كل المعرفة. يقول بولس: "أعرف إنسانًا... أفي الجسد لست أعلم، أم خارج الجسد لست أعلم. الله يعلم. أُختطف هذا إلى الفردوس، وسمع كلمات لا يُنطَق بها" (2 كو 12: 3–4). حُمِل بولس إلى السماء الثالثة ولم يعرف نفسه، أما أريوس فيتمرغ في الدنس ويعرف الله.

بولس يقول عن نفسه: "الله يعلم"، وأريوس يقول عن الله: "أنا أعلم"[9].

القديس أمبروسيوس

تأمل في ما أُمرتَ به،

فلا حاجة لك إلى الأمور الخفية [21].

v ينبهنا الكتاب المقدس: "تأمل فيما أمرت به، فلا حاجة لك إلى الأمور الخفيّة" [22]. "لا تطلب ما يتعذّر عليك، ولا تبحث فيما يتجاوز قدرتك" [21]. طبعًا لا نقدر أن نستخدم كلمات تنسب للروح القدس حب الاستطلاع الباطل. إنما يلزمنا القول فقط أن البحث في أمور الله الخفيّة هو نصيب من طبيعته[10].

القديس أبيفانيوس أسقف سيلاميس

v لا تطلب ما يتعذر عليك، ولا تبحث فيما يتجاوز قدرتك [20]. لا يعني هذا أن هذه الأمور ممنوعة علينا، إذ يقول السيد: "ليس مكتوم لن يُستعلَن، ولا خفي لن يُعرَف" (مت 10: 26). لكننا إن كنا نستمر في الطريق الذي تعهدناه كما يخبرنا الرسول، فالله ليس فقط يعلن لنا ما لا نعرفه ويجب علينا أن نعرفه، بل ويعلن أي شيء نهتم أن نعرفه (في 3: 15).

الطريق الذي نتعهَّده هو طريق الإيمان. ليتنا نحفظه بدون تردُّد. ليدخل بنا إلى أسرار الملك الذي تختفي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 2: 3)...

يليق بنا أن نسير في تقدُّمٍ ونموٍ حتى تتأهَّل قلوبنا وتتقبَّل ما نحن عاجزين عن قبوله الآن. وإذا وجدنا اليوم الأخير قد تقدمنا بما فيه الكفاية، عندئذ سنتعلم ما لا نستطيع هنا أن نعرفه[11].

القديس أغسطينوس

لا تتطفل في (بحث) ما جاوز أعمالك،

لأن ما كُشِف لك يفوق إدراك الإنسان [22].

ما هو الذي يجاوز عملك؟ البحث فيما لا يمكن إدراكه، مثل جوهر الله أو حتى جوهر النفس البشرية.

v نقرأ في إشعياء عن المسيح: "من يقدر أن يخبر بجيله؟ (راجع إش 53: 8). إذ يتحدث النبي الطوباوي عن الله الكلمة يستخدم كلمة "جيل" عوض القول "جوهر" أو "كيان". بالحقيقة من يستطيع أن يُخبر عن كيان الابن الوحيد؟ وأيّة لغة تُوَضِّح ولادة الابن غير المنطوق بها من الآب؟ وأي عقل لا يقف لا حول له ولا قوة في وجه هذا المفهوم؟ بالحقيقة نحن نعرف ونؤمن أن الكلمة وُلِد من الله الآب. لكننا نقول إن إدراك أي تساؤل في هذا الأمر من الحوار خطير للغاية... يلزمنا ألا نبحث في الأمور التي تتجاوز عقلنا ومعرفتنا، ليس بالنسبة لنا وحدنا بل ولكل خليقة بما فيهم هؤلاء الذين هم أرواح[12].

 القديس كيرلس الكبير

v لم يجعل الله كل الأشياء مُعلَنة لك، ولم يسمح أن تكون كل الأشياء غير معروفة لك. فإنه لا يسمح أن تكون كل الأشياء غير معروفة لك، لئلا تقول إن الأشياء الموجودة ليست من العناية (الإلهية). ولا يسمح كل الأشياء أن تكون معروفة لك، لئلا عظم معرفتك تثير فيك الكبرياء. هكذا على الأقل فإن الشيطان الشرير دفع الإنسان الأول إلى التهور عن طريق الرجاء في معرفة أعظم، مجردًا إياه من المعرفة التي كانت لديه بالفعل. لهذا ينصحنا الحكيم، قائلًا: "لا تطلب ما يتعذر عليك، ولا تبحث في الأمور التي تتجاوز قدرتك، بل تأمل ما أمرت به بوقارٍ، فإن الجانب الأعظم من أعماله تُصنَع خفية" (راجع سي 3: 21 –22)[13].

v "ما كُشف لك يفوق إدراك الإنسان" (سي 3: 22). لكن هذا يقوله لأجل تعزية الإنسان الحزين الثائر، لأنه لا يعرف كل شيءٍ. فإنه حتى هذه الأشياء التي يلاحظها (الإنسان)، والتي سمح له أن يعرفها تعظم جدًا فوق فهمك، إذ لم تستطع أن تبلغها بذاتك بل علّمك الله إياها. لهذا لتقنع بالغنى (في المعرفة) الذي أعطي لك ولا تطلب المزيد، إنما قدِّم تشكرات على ما تسلَّمت، ولا تغضب على الأمور التي لم تتسلَّمها. أعطِ مجدًا من أجل ما تعرفه، ولا تتعثر بسبب الأمور التي تجهلها. فالله جعل كليهما نافعين بالتساوي، وهو يعلن بعض الأمور ويخفي الأخرى لأجل سلامك[14].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

كثيرون أَضَلَّتهم استنتاجاتهم،

وافتراضاتهم الشريرة جعلت أفكارهم تنزلق وتسقط [23].

القلب العنيد عاقبته الدمار،

والذي يعشق الخطر يهلك فيه [24].

يرى فيلجنتيوس أن الحكيم يتحدَّث هنا عن الشخص الهرطوقي العنيد، لهذا يدعوه أن يرجع إلى الكنيسة الجامعة، التي فيها الحب الذي يستر على كثرة من الخطايا خلال عطية الروح القدس.

v سؤال: إذا كان واحد سيسقط تحت ضرباتٍ كثيرة، بينما آخر تحت ضرباتٍ قليلةٍ (لو 12: 47)، فكيف يقول البعض إن العقاب لا نهائي؟

الإجابة: الأشياء التي قيلت بشكلٍ مُقَنَّعٍ وغامضٍ في مواضعٍ مُعَيَّنة في كتاب الله الموحى به، وضحت في عبارات صريحة في مواضعٍ أخرى. يُعلِن الرب مرة أن هؤلاء يذهبون إلى العذاب الأبدي (مت 25: 46)، ومرة أخرى أنه يرسل أشخاصًا إلى النار الأبدية المُعَدَّة لإبليس وملائكته (مت 5: 22)، ويضيف: "حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفَأ (مر 9: 48)، الأمر الذي قاله بحقٍ النبي منذ فترة طويلة: "دودهم لا يموت، ونارهم لا تُطفَأ" (إش 66: 24).

حيث أن الكثير من مثل هذه الأقوال موجود في كل موضعٍ في الكتاب المقدس المُوحَى به؛ هذه بالتأكيد إحدى استراتيجيات الشيطان؛ أن الكثير من البشر بتجاهلهم هذا الكلام القيِّم والذي له وزنه وإعلانات من الرب، يطمئنون أنفسهم بأن العقاب له نهاية، حتى يفعلوا الخطية بتبجحٍ شديدٍ. إذا كان هناك نهاية للعذاب الأبدي، عندئذ بكل تأكيد الحياة لن تكون أبدية.

الآن إذا كنا لا نتحمَّل التفكير بهذه الطريقة تجاه الأبدية، بأي مَنْطِق من الممكن أن نجعل للعذاب الأبدي نهاية؟ سِمَة "أبدي" مربوطة بشكلٍ متساوٍ بكلا العنصرين. لذلك يقول: "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46).

من وجهة نظر الأقوال الصريحة، يجب علينا أن نفهم أن الذين يُضرَبون ضربات كثيرة، ومن يُضرَبون ضربات قليلة، لا يعني هذا نهاية العذاب، وإنما يشير إلى درجات مختلفة.

إذا كان الله ديَّانًا عادلًا، ليس فقط بالنسبة للصالحين، ولكن أيضًا بالنسبة للأشرار، "سيجازي كل واحدٍ حسب أعماله" (رو 2: 6)، لذلك يستحق شخص نارًا لا تُطفَأ، التي من الممكن أن تحرق بهدوءٍ أو ببطءٍ، ومن الممكن أن يستحق آخر الدود الذي لا يموت، وهذا يمكن أن يكون معتدلًا أو كثيرًا حسب ما يستحقه الشخص تمامًا.

وقد يستحق ثالث جهنم، التي بها نوع مُختلِف من العذاب، بينما آخر يستحق الظلام الخارجي (مت 8: 12؛ 22: 13؛ 25: 30) حيث أن كل ما فعله هو البكاء، وآخر يُعانِي من صرير الأسنان بسبب الألم المُبرِح. والظلام الخارجي يدل بالتأكيد على وجود ظلام داخلي أيضًا.

علاوة على ذلك قيل في الأمثال عن أعماق الهاوية (أم 9: 18) مما يظهر أن بعضًا ممن في الهاوية ليس في أعماقها، وإنما يتلقُّون عذابًا أقل عوضًا عن ذلك.

من الممكن إيضاح هذا الآن مع الأخذ في الاعتبار حالة الجسم. قد يُعانِي أحد من الحمى مع أعراض وآلام أخرى، بينما يُعانِي آخر من الحمى لكن ليس مثل السابق. وبطريقة أخرى ثالث يختلف عن الشخص الأول لا يعاني من الحمى مريض لكن لديه ألم في أطرافه من الممكن أن تكون أكثر أو اقل.

الآن في الحالة الحاضرة الكثير والقليل مما قاله الرب تبعًا للأسلوب المُعتَاد بتعبيرات مختلفة. وبالنسبة لنا هذا الأسلوب في الحديث يتم تطبيقه على المُبتلَى بمرضٍ ما، وكما نقول مُتعجِّبين من جهة شخص يعاني فقط من الحمى أو من ألمٍ لاذع في عينيه: كم من الوقت كان يعاني، أو ما هي المتاعب التي يعاني منها.

مرة أخرى أقول إن العقاب بشدةٍ أو لينٍ لا يرتبط بإطالة أو تقصير الوقت، ولكن باختلاف العقاب[15].

القديس باسيليوس الكبير

القلب العنيد يثقل بالآلام،

والخاطئ يزيد خطيّة على خطيّة [25].

داء المتكبر لا دواء له،

لأن نبات الشر تأصل فيه [26].

يؤكد ابن سيراخ خطورة العناد، الذي يمسّ أعماق الإنسان قبل أن يظهر خلال السلوك، ينسبه للقلب كما للعقل. فإن كان ثمرة العناد الدمار والانحراف من خطيةٍ إلى خطيةٍ. يحسبه كجذر نبات مخفي لكن حتمًا يُقَدِّم ثمره المُرّ في الوقت المناسب، وبلا توقُّفٍ. هذا العناد لا علاج له بمجرد أخذ قرارٍ بشريٍ بالتوقُّف منه، إنما يحتاج إلى النعمة القادرة على تغيير القلب الغليظ والقاسي وتجديده (مر 8: 17؛ عب 4: 7).

الإنسان العاقل يُفَكِّر في أحاديث الحكماء، ويجعل أذنيه مصغيتين إلى صوت الربّ، فيتمتَّع مع موسى النبي بالحضرة الإلهية حين اقترب إلى العليقة المُلتهِبة نارًا ولا تحترق، وتعرَّف خلال هذه الحضرة بسرّ تجسد كلمة الله. الإنسان الحكيم يترنَّم بروح التواضع مع المرتل قائلًا: "يَا رَبُّ لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ، وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي. بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ" (مز 131: 1-2).

v لست متكبرًا: لا أود أن أكون معروفًا بين الناس بقواتٍ عجيبة، ولا أطلب شيئًا فوق قدرتي، أفتخر بها بين الجهال. وذلك مثل سيمون الساحر الذي أراد أن يتقدَّم في العجائب فوق قدراته، ولهذا سُرّ بالأكثر بسلطان الرسل عن برّ المسيحيين[16].

القديس أغسطينوس

قلب العاقل يتأمل في المثل[17]،

والأذن المصغية هي أمنية الحكيم [27].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. الأسرة مدرسة العطاء

33 الْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ الْمُلْتَهِبَةَ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطَايَا. 34 مَنْ صَنَعَ جَمِيلًا ذُكِرَ فِي أَوَاخِرِهِ، وَصَادَفَ سَنَدًا فِي يَوْمِ سُقُوطِه.ِ

 

الحياة الأسرية المقدسة هي مدرسة للعطاء.

1. يتمتَّع صانع الإحسان ومُعطِي الصدقة بحنو الله غافر الخطايا، فيسلك في أمانٍ لأن ما يُقَدِّمه اليوم يسنده في المستقبل وسط الضيق (3: 30-31).

2. يحثنا سيراخ ألا نتباطأ في الاهتمام بالمعوزين، فنمارس بنوتنا لله محب العطاء؛ ونكون موضوع حبه. محبة الله للمعطي أعظم من محبة الأم لابنها.

3. من يتجاهل احتياجات المساكين يصير ضحية اللعنة الصادرة عن تنهُّداتهم.

4. يليق أن نحترم الكل: الوجيه والفقير!

5. من يُوهَب سلطانًا، فليدرك أن السلطان وزنة ومسئولية ويستلزم أن ينصف المظلومين.

6. الله أب اليتيم الذي بلا أبٍ، وقاضي الأرامل اللواتي ليس لهن من يدافع عنهن (مز 68: 6).

الماء يُطفِئ النار المُلتهِبة،

والصدقة تُكَفِّر عن الخطايا [28].

يحسب ابن سيراخ الصدقة أشبه بسفيرٍ يتقدَّمه، يُهَيِّئ له الطريق إلى الله، كما يراها رصيدًا للمؤمن يسنده في وقت الضيق والشدة.

v بعد الصلاة بجهادٍ توجد حاجة إلى صدقات كثيرة، لأن هذه على وجه الخصوص تعطي قوة لدواء التوبة. وكما أنه يوجد دواء بين الأطباء يُصنَع من أعشاب كثيرة، لكن يوجد دواء واحد هو العشب الأساسي، نعم يُحسَب كأنه كل شيءٍ. لهذا أسمع ما يقوله الكتاب المقدس: "أعطوا ما عندكم صدقة، فهوذا كل شيءٍ يكون نقيًا لكم" (لو 11: 41). وأيضًا: "بالصدقة وأعمال الإيمان تُطهَّر الخطايا" (أم 16: 6) LXX. و"الماء يطفئ النار الملتهبة، الصدقة تكفر الخطايا العظيمة" (سي 3: 28)[18].

v ماذا يُقال للشخص الذي يثيره (فقير)؟ أن يحتمل ضعفات الغير، وأن يُصلح من شأن السائل قبل أن يُقَدِّم له العطية، وذلك بإبراز ملامح رقيقة له وكلمات لطيفة[19].

v يجلب الصوم لنا راحة ليست بقليلة، ويحرر من الخطايا المرتبكة، بشرط أن ينكب الشخص على الحنو بالآخرين، ويطفئ لهيب غضب الله (1 تي 2: 1). لأن "الماء يطفئ النار الملتهبة، والصدقة تكفر الخطايا" (سي 3: 28)[20].

v لنستخدم كل وسيلةٍ لغسل الدنس. لكن أولًا الجرن يغسل، وبعد ذلك توجد وسائل كثيرة من كل نوع. فإن الله بكونه رحومًا قدَّم بعد ذلك (أي بعد المعمودية) طرق متباينة للصلح، بين هذه كلها الأولى هي الصدقة. يقال بالصدقة وأعمال الإيمان تكفر الخطايا" (راجع سي 3: 28)[21].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

يكشف سلفيان كاهن مارسيليا في القرن الخامس أن العطاء في ذاته لا يهب حياة أبدية، حتى وإن أوصى الشخص بتوزيع بكل ما لديه وهو على باب الموت، مالم يسلك في المسيح يسوع بالتوبة.

v لست أظن أن الغِنَى يساعد أحدًا إن كان يعيش على الدوام في ملذَّات الجسد، وأن ينال الحياة الأبدية، ما لم يقاوم الخطية حتى الموت؛ حتى إن أوصى بكل ما له وهو على باب الموت، ما لم يتخلَّى بالحقيقة عن خطاياه، ويخلع ثيابه الدنسة المملوءة بفسقه، ويرتدي ثوب التوبة والقداسة من يديّ الرسول الذي ينصحه (رو 2: 5)[22].

سلفيان كاهن مرسيليا

في إحدى مقالاته الأخلاقية يُقَدِّم القديس كبريانوس الصدقة وأعمال البرّ كطريقٍ آخر للغفران بعد مغفرة الخطايا في المعمودية.

v يتكلم الروح القدس في الكتب المقدسة ويقول: "بالصدقة والإيمان يُستَر الإثم" (راجع أم 16: 6)، وأيضًا يقول: "الماء يطفئ النار الملتهبة، والصدقة تكفر الخطايا" (ابن سيراخ 3: 33) وهنا يوضح أنه كما تنطفئ نار جهنم بماء الخلاص، هكذا بالصدقات والبرّ يخمد لهيب الخطايا (بالنسبة للمؤمنين بدم السيد المسيح). فإذ تُوهَب في المعمودية مغفرة الخطايا مرة واحدة عن جميع الخطايا، فإن العمل المستمر بلا انقطاعٍ، تابعًا مثال المعمودية، يهب مراحم الله مرة أخرى.

علَّمنا الرب أيضًا بهذا في الإنجيل، لأنه عندما أُشِير إلى التلاميذ أنهم يأكلون بدون غسل أياديهم، أجاب قائلًا: "الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضًا. بل أعطوا ما عندكم صدقة، وهوذا كل شيءٍ يكون نقيًا لكم" (لو 11: 40-41). إنه يُعَلِّم بغسل القلب لا الأيادي، وأنه بالأولى انتزاع دنس الداخل لا قذارة الخارج، وأنه متى تنقَّى الذهن، عندئذ يبدأ الإنسان في تنظيف جسده. وإذ ينصحنا بكيفية الاغتسال والتنقية قال بضرورة تقديم الصدقات.

يعلمنا ذاك الحنون ويحثنا على إظهار العطف. فإذ هو يبحث عن خلاص أولئك الذين قدَّم عنهم تضحية هذا مقدارها، أشار أيضًا إلى أولئك الذين بعدما نالوا نعمة العماد وصنعوا الخطية يمكنهم أن يطهروا من جديد[23].

الشهيد كبريانوس

v ينثر بعض الأزواج على مقابر نسائهم زهور بنفسجية وورود وزنابق وزهور أرجوانية ويهدئون من حزن قلوبهم بتأديتهم هذا الواجب اللطيف. عزيزنا باماخيوس Pammachius روى الرماد المقدس وعظام بولينا المكرمة، لكن الحقيقة ذلك ببلسان الصدقة. هذا هو المستحضر الحلو والأطياب التي بها يُخلد رماد زوجته الميتة مدركًا المكتوب: "الماء يطفئ النار الملتهبة، والصدقة تكفر عن الخطايا" [28][24].

القديس چيروم

v لماذا يرث الأولون الملكوت؟ "لأني جعت فأطعمتموني". لماذا يذهب الآخرون إلى النار الأبدية؟ "لأني جعت فلم تطعموني".

إنني أسأل، ماذا يعني هذا؟ إنني أرى الذين يرثون الملكوت قد أُعطوا كمسيحيين صالحين ومؤمنين، غير محتقرين لكلمات الرب، لهم رجاء ثابت في المواعيد، لهذا صنعوا لأنه لو لم يصنعوا هكذا فإن ذلك العقم ما كان يتفق مع حياتهم الصالحة. فقد يكونوا طاهرين غير غاشين ولا سكيرين، حافظين أنفسهم عن كل أعمال الشرّ، ولكنهم لا يضيفوا إلى هذا أعمالًا صالحة فيبقوا عقيمين. لأنهم أرادوا أن يُحفَظوا بعيدين عن الشر، "ولكنهم لم يريدوا أن يحفظوا أنفسهم، ويصنعون الخير" (مز 34: 14)، مع ذلك فلم يقل حتى لهؤلاء "تعالوا، رثوا الملكوت" لأنكم عشتم طاهرين ولم تغشوا إنسانًا، ولا ظلمتم فقيرًا، ولم تعتدوا على تخم أحد، ولا خدعتم أحدًا بقسم. إنه لم يقل هذا، بل قال "رثوا الملكوت، لأني جعت فأطعمتموني".

يا لامتياز هذه عن بقية (الفضائل) جميعها، لأن الرب لم يشر إلى الكل بل إليها وحدها! كذلك يقول للآخرين: "اذهبوا إلى النار الأبدية المُعَدَّة لإبليس وملائكته".

كم من الأمور يمكن أن يثيرها ضد الأشرار عندما يسألون: لماذا نذهب إلى النار الأبدية؟ لماذا؟ أتسألوا أيها الزناة والقتلة والمُخادِعين ومنتهكي حرمة المعابد مُجَدِّفين وغير مؤمنين. ومع هذا فلم يذكر واحدًا من هذه، بل "لأني جعت فلم تطعموني".

أراكم تتعجَّبون مثلي. وحقًا إنه لأمر عجيب. ولكنني سأجمع قدر ما استطعت أسباب هذا الأمر العجيب ولا أخفي عليكم شيئًا. لقد كُتِب "الماء يطفئ النار المُلتهِبة، والصدقة تكفر الخطايا" (حكمة يشوع 3: 30)، كما كُتِب أيضًا: "اغلق على الصدقة في أخاديرك، فهي تنقذك من كل شر" (حكمة يشوع 29: 12)[25].

القديس أغسطينوس

v [في مدحه للقديسة باولا والدة استوخيوم]

اعتادت كثير من النساء المتزوجات أن يُقَدِّمن هدايا للمادحين (الضاربين بالأبواق). وبينما هن يصرفن بمبالغة على قلة، يغلقن أياديهن على الكثيرين.

كانت باولا متحررة تمامًا من هذا الخطأ. أعطت ما لها لكل أحدٍ حسب احتياجه، وليس حسب رغباتها الخاصة، إنما لسدّ الأعواز. لم يخرج فقير من عندها فارغ اليدين. كانت قادرة أن تفعل كل هذا، لا بسبب عظم غناها، وإنما بتدبيرها الرائع. كان على شفتيها دومًا مثل هذه العبارات: "طوبى للرحماء، لأنهم يُرحَمون" (مت 5: 7).

"الماء يطفئ النار الملتهبة، والصدقة تكفر الخطايا" (سي 3: 28). "اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فنيتم يَقْبَلونكم في المظال الأبدية" (لو 16: 9). "أعطوا ما عندكم صدقة، فهوذا كل شيءٍ يكون نقيًا لكم" (لو 11: 41)[26].

 القديس جيروم

من يرُدّ المعروف بالمعروف يفكر في المستقبل،

وفي يوم سقوطه يجد سندًا [29].

v أسألكم ألا ننطق بالشر ضد مُعَلِّمينا، ولا ندعوهم للمحاسبة في تزمُّتٍ، لئلا نجلب شرًا على أنفسنا. لنفحص أنفسنا، ولا ننطق بالشر على الآخرين. لنكرم ذلك اليوم الذي فيه استنرنا (بالمعمودية). من له أب، أيا كانت أخطاؤه لنكتم على جميعها. فقد قيل: "لا تفتخر بهوان أبيك، فإن هوان أبيك ليس فخرًا لك... إن فقد رشده أطل أناتك عليه" (راجع سي 3: 10-13). إن كان هذا قد قيل عن آبائنا حسب الطبيعة، بالأكثر يكون بالنسبة لآبائنا الروحيين. كرِّمه بكونه كل يومٍ يخدمك، ويقرأ لك الكتاب المقدس، ويُعد لك المبيت، فكل عبادته هي من أجلك[27].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 3

قدِّس أسرتي كنيسة لك

v نزولك إلى أرضنا قدَّس كل حياتنا.

تُقِيم من قلبي هيكلًا مقدسًا لك، ومن أسرتي كنيسة خاصة بك،

بل ومن العالم كله سماءً جديدةً متهللةً بحضورك!

لك المجد يا من تعتزّ ببني البشر!

v تبث في كل قائدٍ روح الأبوة أو الأمومة نحو الغير.

فيعيش معتزًّا بإخوته الأصاغر. لن يتلقط لهم الضعفات أو الأخطاء،

بل يتعلَّم من كل شخصٍ ما يبني نفسه،

ويحسب وجوده بين البشر عطية إلهية بنَّاءة!

v ما يشغلني هو خلاص كل العالم.

أَترقَّب بروح الرجاء يوم لقاء الكنيسة معك على السحاب.

أرى البشرية المؤمنة كلها من آدم إلى آخر الدهور،

أعتزّ بكوني عضوًا في أسرتك التي طهرتها بدمك الثمين،

وقدستها بقيادة روحك القدوس لها.

v درِّبني مع كل إخوتي على لغة السماء ودستورها.

لينطق لساني بالكلمة العذبة للكبار والصغار،

ويلهج قلبي بالحب الحقيقي للصالح والطالح،

وتنطلق إرادتي في تناغم وخضوعٍ لإرادتك الإلهية.

أُقَدِّم التكريم لوالديّ ولإخوتي وأبنائي.

أرى الجميع وهم في الطريق يرتدون ثوب برّك.

ويدهش السمائيون لجمال عروسك البشرية.

يفرح السمائيون لأن صلواتهم عنا منذ الإنسان الأول قد أثمرت بهاءً وجمالًا للبشر.

v ليس ما يشغلني أن أدفن والدي عند موته (لو 9:49-60)؛

أو أن أُوَدِّع أسرتي لكي ما أتبعك (لو 9: 61-62)؛

إنما أن ننطلق جميعًا في مسيرتنا إلى السماء بحضورك فينا!

v إن شاخ أحد أو أُصيب بفقد الذاكرة، أَترفَّق به، حاسبًا ما حلّ به قد يحلّ بي.

ما أَتعامل به معهم سيُرد ليّ يومًا ما. ما أُقَدِّمه لهم، إنما أُقَدِّمه لك يا محب البشر.

v نزلت يا أيها الرب المخوف إلى الأسرة البشرية.

صرت لنا نموذجًا للوداعة وتواضع القلب. لنتحدّ بك، فنتذوَّق عظمة الوداعة في حياتنا الأسرية.

لم تتشامخ القديسة مريم بأنها المختارة الوحيدة كأمٍ لك.

لكن بتجسدك منها ازدادت تواضعًا بك. هب لنا كلما ازداد نجاحنا بنعمتك نسمو بأكثر تواضعٍ.

كلما نلنا كرامة في الأسرة أو الكنيسة أو العالم، زيِّن نفوسنا بمضاعفة التواضع والوداعة.

ليدرك كل عضوٍ أن كرامته من كرامة إخوته.

لنتعلَّم من رئيس الأساقفة يوحنا الذهبي الفم الذي يخشى على نفسه من الكبرياء، فكان يُرَدِّد:

عجبي من أسقفٍ يَخْلُص!

أيها الكاهن أنت أب البشرية كلها.

أيها الأسقف، ليس من أسقفية بدون شعبٍ!

هب لنا جميعًا هذا الفكر المملوء حبًا ووداعة وتواضعًا!

v كعضوٍ في الأسرة البشرية المقدسة، هب لي ألا أرتئي فوق إمكانياتي (2 كو 12: 6).

لا أطلب المعرفة العقلانية الجافة لأفتخر بها.

ولا أشتهي صُنع معجزة أو عمل آية فائقة.

اعترف بولس أنه يعلم بعض العلم، فهل أحسب نفسي صاحب معرفة وعلم؟!

اُختطف إلى السماء الثالثة، ويحسب نفسه أول الخطاة.

فماذا أدعو نفسي المسكينة؟!

هب لي أن تحفظني في الإيمان، ولا أطلب ما يتجاوز قدرتي.

لست أبحث في جوهرك الإلهي، إنما أرتمي في أحضانك.

لست أتساءل كيف تحققت ولادتك الأزلية،

لكنني أذوب حبًا لروح التبنّي الذي قدَّمته للمؤمنين!

لا تشغلني معرفة درجات السمائيين، لكنني أطير فرحًا بانضمامي في خورسهم العجيب.

v فيك وبك أَتمتَّع بعضويّتي الأُسرية.

أنت أب الأسرة الإلهي.

رأس كل الأسرة التي تضم الطغمات السمائية، وجماعة المؤمنين!

أشكرك على ما قدَّمته لي من معرفة عن أسرارك.

وأُسَبِّحك على ما تخفيه عنّي لأجل بنياني.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] القديس باسيليوس الكبير: المعمودية المقدسة، ترجمة وإعداد الراهب القمص مرقريوس الأنبا بيشوي.

[2] Homilies on 2 Timothy, hom. 2.

[3] Confessions 2:7:15.

[4] On Ps 126 (125).

[5] Homilies on Ezekiel 9:2.

[6] On Ps 131 (130).

[7] تفسير إنجيل لوقا، عظة 143. ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، 2001، ص 117-118.

[8] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 27.

[9] Of The Christian Faith, Book 5, Ch. 19: 235 – 237.

[10] Ancoratus 12:3-4.

[11] Tractates on the Gospel of John 53:7.

[12] Commentary on the Gospel of John, 5:7:27.

[13] Concerning The Statues, Homily 12 : 7

[14] Concerning The Statues, Homily 12 :7

[15] Regulae brevius tractatae, 267.

[16] On Psalm 131 (130).

[17] Parable.

[18] On Hebrews, Homily 8: 9.

[19] On the Priesthood 3:16:4.

[20] On John, Homily 7:2.

[21] On John , Homily73:

[22] Salvian the Presbyter of Marseilles (c. 400-c. 480): Against Avarice 1:8:39-40.

[23] The Treatises of Cyprian, Treatise 8 (10 in Oxford edition):2. ترجمة المرحوم سامي عبد الملك

[24] Letter to Pammachius

[25] Sermons on New Testament Lesson, 10: 9-10.

[26] Letter 108: 16

[27] On 2 Timothy, Homily 2.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/rbr27jr