St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يشوع ابن سيراخ 13 - تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ
الصداقة مع غنيٍ مخادعٍ متكبرٍ

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب حكمه يشوع بن سيراخ:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ: مقدمة سفر يشوع ابن سيراخ | يشوع ابن سيراخ 1 | يشوع ابن سيراخ 2 | يشوع ابن سيراخ 3 | يشوع ابن سيراخ 4 | يشوع ابن سيراخ 5 | يشوع ابن سيراخ 6 | يشوع ابن سيراخ 7 | يشوع ابن سيراخ 8 | يشوع ابن سيراخ 9 | يشوع ابن سيراخ 10 | يشوع ابن سيراخ 11 | يشوع ابن سيراخ 12 | يشوع ابن سيراخ 13 | يشوع ابن سيراخ 14 | يشوع ابن سيراخ 15 | يشوع ابن سيراخ 16 | يشوع ابن سيراخ 17 | يشوع ابن سيراخ 18 | يشوع ابن سيراخ 19 | يشوع ابن سيراخ 20 | يشوع ابن سيراخ 21 | يشوع ابن سيراخ 22 | يشوع ابن سيراخ 23 | يشوع ابن سيراخ 24 | يشوع ابن سيراخ 25 | يشوع ابن سيراخ 26 | يشوع ابن سيراخ 27 | يشوع ابن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51

نص سفر يشوع ابن سيراخ: يشوع بن سيراخ 1 | يشوع بن سيراخ 2 | يشوع بن سيراخ 3 | يشوع بن سيراخ 4 | يشوع بن سيراخ 5 | يشوع بن سيراخ 6 | يشوع بن سيراخ 7 | يشوع بن سيراخ 8 | يشوع بن سيراخ 9 | يشوع بن سيراخ 10 | يشوع بن سيراخ 11 | يشوع بن سيراخ 12 | يشوع بن سيراخ 13 | يشوع بن سيراخ 14 | يشوع بن سيراخ 15 | يشوع بن سيراخ 16 | يشوع بن سيراخ 17 | يشوع بن سيراخ 18 | يشوع بن سيراخ 19 | يشوع بن سيراخ 20 | يشوع بن سيراخ 21 | يشوع بن سيراخ 22 | يشوع بن سيراخ 23 | يشوع بن سيراخ 24 | يشوع بن سيراخ 25 | يشوع بن سيراخ 26 | يشوع بن سيراخ 27 | يشوع بن سيراخ 28 | يشوع بن سيراخ 29 | يشوع بن سيراخ 30 | يشوع بن سيراخ 31 | يشوع بن سيراخ 32 | يشوع بن سيراخ 33 | يشوع بن سيراخ 34 | يشوع بن سيراخ 35 | يشوع بن سيراخ 36 | يشوع بن سيراخ 37 | يشوع بن سيراخ 38 | يشوع بن سيراخ 39 | يشوع بن سيراخ 40 | يشوع بن سيراخ 41 | يشوع بن سيراخ 42 | يشوع بن سيراخ 43 | يشوع بن سيراخ 44 | يشوع بن سيراخ 45 | يشوع بن سيراخ 46 | يشوع بن سيراخ 47 | يشوع بن سيراخ 48 | يشوع بن سيراخ 49 | يشوع بن سيراخ 50 | يشوع بن سيراخ 51 | يشوع ابن سيراخ كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الثالث عشر

الصداقة مع غنيٍ مخادعٍ متكبرٍ

يستمر هذا الأصحاح في الحديث عن الحذر بحكمة في اختيار الأصدقاء.

جاء الحديث عن الصديق 41 مرة في هذا السفر، وإن كان السفر ككلٍ يدور حول الصداقة مع الله والالتصاق به، والصداقة إن أمكن مع كل البشرّ في المسيح يسوع محب البشر.

في حديثه عن الصداقة يطلب الحكمة الإلهية والمخافة الربانية وحفظ الوصية خاصة الحب والقداسة. وقد عالج كل هذه الأمور بكونها جوانب متباينة لحقيقة واحدة وهي عودة الإنسان الساقط إلى الله والتصاقه به، فيسترد صورة الله المفقودة.

بالحكمة الإلهية يدرك المؤمن أن القلب المُتَّسِع بالحب يلتزم بالاعتدال، فلا ينحرف يمينًا ولا يسارًا عن الطريق الذي هو ربّ المجد يسوع نفسه (يو 14: 6). وبالمخافة الربانية يدرك أن صداقته مع الله تقوم على بنوته له، فيكَّرمه كأبٍ، لا يخافه من أجل الحرمان من الأجرة، ولا من أجل عدم العقاب، وإنما من أجل بنوته له، يريد أن يكون أيقونة حية له. وبحفظ الوصية يُمارِس الحب لله ولأخيه، كما يطلب الحياة المقدسة كابن لله القدوس.

لا يعني الحذر من الأغنياء وأصحاب السلطة أن ينتقدهم، فليس جميعهم أشرارًا. لقد وُجِد إبراهيم أب المؤمنين، وكان غنيًا جدًا (تك 13: 2). وداود كان ملكًا جبار بأس، قيل عنه إن قلبه مثل قلب الله. إنما يُحَذِّرنا من خطورة الشركة مع الأغنياء وأصحاب السلاطين الأشرار:

‌أ. يخشى أن يتشبَّه المؤمن بشرِّهم [1].

‌ب. لئلا يلتزم المؤمن أن يحمل ثقلًا أكثر من طاقته [2].

‌ج. عندما يخطئ الغني المتكبر، يستطيع أن يتخلَّص من جرائمه، ويُلقي باللوم على الفقير، ويُطلَب منه أن يعتذر حتى عما لم يرتكبه (أم 18: 23). فيعتذر المظلوم، بينما لا يبالي الغني بشيءٍ سوى نفعه الخاص وسمعته [3].

‌د. لئلا يسقط المؤمن تحت خداعه، فالمتكبر يلاطف الإنسان متى كان في حاجة إليه، ويهجره أو يطرده إذا لم يكن محتاجًا إليه [4-8].

‌ه. لا يعرف المتكبر الرحمة [12].

 

1. الحذر من الأغنياء وأصحاب السلطة

     

[1 -8] (ت: 1-11)

2. التعامل مع حاكمٍ مقتدرٍ

     

[9 -13] (ت: 12-18)

3. الشبيه يحب شبيهه

     

[14 -18] (ت: 19-23)

4. بين الغني والفقير

     

[19 -22] (ت: 24-28)

5. الغنى صالح لمن يُحسِن استخدامه

     

[23 -25] (ت: 29-32)

* من وحي سيراخ 13: لأتكئ على صدرك لا صدر إنسانٍ!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. الحذر من الأغنياء وأصحاب السلطة

1 مَنْ لَمَسَ الْقِيرَ تَوَسَّخَ، وَمَنْ قَارَنَ الْمُتَكَبِّرَ أَشْبَهَهُ. 2 لاَ تَرْفَعْ ثِقَلًا يَفُوقُ طَاقَتَكَ، وَلاَ تُقَارِنْ مَنْ هُوَ أَقْوَى وَأَغْنَى مِنْكَ. 3 كَيْفَ يُقْرَنُ بَيْنَ قِدْرِ الْخَزَفِ وَالْمِرْجَلِ؟ إِنَّهَا إِذَا صُدِمَتْ تَنْكَسِرُ. 4 الْغَنِيُّ يَظْلِمُ وَيَصْخَبُ، وَالْفَقِيرُ يُظْلَمُ وَيَتَضَرَّعُ. 5 إِنْ كُنْتَ نَافِعًا اسْتَغَلَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ عَقِيمًا خَذَلَكَ. 6 إِنْ كَانَ لَكَ مَالٌ عَاشَرَكَ، وَاسْتَنْفَذَ مَالَكَ وَهُوَ لاَ يَتْعَبُ. 7 إِنْ كَانَتْ لَهُ بِكَ حَاجَةٌ، غَرَّكَ وَتَبَسَّمَ إِلَيْكَ وَوَعَدَكَ وَكَلَّمَكَ بِالْخَيْرِ، وَقَالَ: «مَا حَاجَتُكَ؟» 8 وَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الأَطْعِمَةِ مَا يُخْجِلُكَ، حَتَّى يَسْتَنْفِذَ مَا لَكَ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ، وَأَخِيرًا يَسْتَهْزِئُ بِكَ وَيَرَاكَ بَعْدَ ذلِكَ فَيَخْذُلُكَ، وَيُنْغِضُ رَأْسَهُ عَلَيْكَ. 9 اخْشَعْ للهِ، وَانْتَظِرْ يَدَهُ. 10 احْذَرْ أَنْ تَغْتَرَّ وَتَتَذَلَّلَ فِي جَهَالَتِكَ. 11 لاَ تَكُنْ ذَلِيلًا فِي حِكْمَتِكَ، لِئَلاَّ يَسْتَدْرِجَكَ الذُّلُّ إِلَى الْجَهَالَةِ.

 

من لمس القار توسَّخ،

ومن عاشَر المُتكبِّر يصير مثله [1].

جاءت أغلب النصائح في هذا السفر تخصّ الشباب الذين لم يتمتَّعوا بعد بالخبرة الروحية الصادقة، والذين لا يدركون خطورة التصاقهم ببعض الأصدقاء الأشرار، خاصة الأغنياء منهم.

يُقَدِّم ابن سيراخ مثلًا وهو الشاب الذي يلمس قارًا، ليؤكد مدى خطورة التدنس بواسطة الصداقة الخاطئة، فالقار هنا ليس شخص الصديق ولا الغنى بل الشر والكبرياء. رسالته هو تحذير الشباب من فئات مُعَيَّنة من البشر، مؤكدًا أن من الحكمة تجنُّب الدخول معهم في صداقات والالتصاق بهم.

يليق بالمؤمن أن ينعزل عن الأشرار في سلوكهم الشرير، وأماكن شرّهم وانحرافاتهم، فيتحاشى اختيار الأشرار كأصدقاء، من جهة سيره معهم في الطريق واندماجه معهم في فكرهم.

v نقرأ في سفر سيراخ Ecclesiasticus: "من يلمس القار يتوسخ به" (راجع سي 13: 1). ما دمنا مشغولين بأمور العالم، ما دامت نفوسنا مُقَيَّدة بالممتلكات والمال، لا نستطيع أن نفكر في الله بحريةٍ. "لأنه أية خلطة للبرّ والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن" (2 كو 6: 14-15)، يقول الربّ: لا تقدر أن تخدم الله والمال (مت 6: 24)[1].

القديس چيروم

يرى القديس كيرلس الكبير أن القار الذي يلطخ النفس هو الاجتماعات التي لا تراعي القداسة.

v الآن يجب علينا أن نُراعِي الحذر، نحن الذين تبرَّرنا بالمسيح، وتمتَّعنا بشركة الروح القدس خلال الإيمان به، ألاَّ نختلط بشعبٍ أفكاره منحرفة، ذوي عقلية غير مقدسة. مثل هذا الشعب بالحقيقة غرباء، ينطقون بلغةٍ غريبةٍ، ويتكلمون بكلماتٍ منحرفة عن الحق. كل من يختلط بهم يتدنس تمامًا. يقول الكتاب: "من لمس القار توسخ"[2].

 القديس كيرلس الكبير

لا ترفع ثقلًا يفوق طاقتك،

ولا تُعاشِر من هو أقوى وأغنى منك.

كيف يُقارَن إناء خزفي بقدرٍ حديديٍ؟

يصدمه القدر فينكسر [2].

خطورة الصداقة شاب مع شاب أغنى منه، أن يلتزم الشاب الفقير مجاراة الشاب الغني كما في تبادل الهدايا أو الولائم، فيجد الفقير نفسه مُلزمًا أن ينفق ما هو فوق إمكانياته [2]. أحيانًا يُبهَر الشخص بغنى صديقه، ويحاول مجاراته فيكون كإناء خزفي يصطدم بإناء حديدي فيتحطَّم.

الغني يخطئ ويثبت نفسه أنّه المُساء إليه،

والفقير يُساء إليه ويلتزم أن يعتذر [3].

صداقة الإنسان مع من هو أغنى منه تُعَرِّضه لتحطيم نفسيته، إذ يخطئ الغني ويُبَرِّر الخطأ الذي ارتكبه ويُقبَل تبريره، أما الفقير فيُظلَم من الغني، ويلتزم أن يعتذر للظالم.

إن كنت نافعًا يستغلك (الغني)،

وإن كنت معوزًا يهجرك [4].

إن كان لك مال يُعاشِرك،

ويستنفد مالك دون أن يشعر بأسفٍ عليك [5].

كان يليق بالغني أن يشكر الله على عطاياه مُقَدِّمًا ذبيحة شكر بمساعدته المعوزين، لكن بعض الأغنياء عوض مساندتهم للمعوزين يستغلونهم، كأن يُقَدِّمون لهم قروضًا مقابل دفع فوائد عالية أو ربا. وفي أنانيتهم إذ يشعرون أنهم غير محتاجين إلى الصديق الفقير يهجرونه.

v عندما لا يضع الإنسان الله أمام وجهه، ماذا يكون أمام عينيه إلا العالم؟ بمعنى آخر يجمع مالًا على مالٍ، ويهتم أن يزيد القطيع، وتمتلئ مخازنه، فيقول لنفسه: "يا نفسي لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، استريحي وكُلي واشربي وافرحي" (لو 19:12).

v بحقٍ يقارن المريض بالاستسقاء بالغني الطمَّاع. الأول كلما نال رطوبة غير طبيعيَّة زاد عطشه، هكذا الغني الطمَّاع الذي نال غنى بفيضٍ يسيء استخدامه، فيزداد شغفًا لمحبَّة الغِنَى[3].

القديس أغسطينوس

v حقًا أن حياة الإنسان لا تقوم على ممتلكاته خلال ما لديه من فيضٍ، إنما يُحسَب مُطَوَّبًا وذا رجاء مجيد من كان غنيًا بالله[4].

القديس كيرلس السكندري

v لا تقوم حياة الإنسان على فيض ما يملكه من الأشياء[5].

القديس إكليمنضس السكندري

v إذا قدَّمت لله جزءًا ممّا اقتنيته ظلمًا واغتصابًا، لن يَقْبَل عطيّتك... لترحم من ظلمته، صانعًا معه رحمة ومحبّة... فالله لا يشاركنا جشعنا، ولا يشاطر اللصوص والسالبين، ففي استطاعته أن يُطعِم الفقراء الذين عهد لنا بهم، لكنه يطلب ثمار البرّ ومحبَّة الناس.

البابا أثناسيوس الرسولي

v "يتعب باطلًا وبغير منفعة، ذاك الذي يتعلَّق بالثروة التي سوف لا يذوقها" (أي 20: 18) LXX. ما هي فائدة فخامة قصر يقطر ذهبًا إن كان الشرير نفسه يدفن ستة أقدام تحت (الأرض)؟ ما هي فائدة كثرة ثياب الفرح وتنوُّع الملابس لشخص تجرده الهوام؟

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

v هل الغِنَى يجعلك تعيش مدة أطول؟ فلماذا إذن تظهر شرورًا من أجل راحة غير مضمونة؟

الأب ثيؤفلاكتيوس

v يلزمنا أن نعرف أن الطمع أحيانا يتسلَّل إلى الناس عن طريق الكبرياء، وأحيانًا عن طريق الخوف. لذلك فإن البعض يهدفون نحو الظهور بسلطانٍ أعظم، ويلتهبون نحو نوال ما هو للغير. أيضًا يوجد أناس يخشون لئلا يصيروا في عوزٍ إلى ضروريات الحياة، فيُسَلِّمون أذهانهم للطمع ليطلبوا ما هو للغير، مُتخيِّلين أن ما لديهم لا يكفيهم.

البابا غريغوريوس (الكبير)

إن احتاجك يخدعك، ويبتسم إليك،

ويعطيك رجاءً ويُكَلِّمك بالخير، بل ويقول: "ماذا تحتاج؟" [6]

يُخجلك بأطعمته، حتى يستنزفك مرتين أو ثلاثًا، وأخيرًا يسخر بك.

وإذا رآك بعد ذلك ينساك، ويهز رأسه عليك [7].

يدعونا ابن سيراخ إلى الهروب من مائدة الشرير، لأنه وهو يُقَدِّم لك الأكل والشرب لا يحمل في داخله حبًا حقيقيًا، إنما ما يشغله هو تكلفة المائدة التي قدَّمها لك، أو كيف يستغل تقديم الوليمة ليدفعك إلى الشر. يقول الحكيم: "لا تتفاخر أمام الملك، ولا تقف في مكان العظماء، لأنّه خيْرٌ أن يقال لك ارْتفعْ إلى هنا، من أن تحطّ في حضرة الرئيس الذي رأته عيناك" (أم 25: 6-7). يُقَدِّم لنا السيد المسيح نصيحة عند الدعوة إلى الولائم، قائلًا: "متى دُعِيت من أحدٍ إلى عُرْسٍ فلا تتَّكئْ في المتّكأ الأول، لعلّ أكْرم منْك يكون قدْ دُعي منْه. فيأْتي الذي دعاك وإيّاه ويقول لك: أعطِ مكانًا لهذا. فحينئذٍ تبْتدئ بخجلٍ تأخذ الموضع الأخير. بل متى دُعيت، فاذهب واتَّكئ في الموضع الأخير، حتّى إذا جاء الّذي دعاك، يقول لك: يا صديق ارتفعْ إلى فوق. حينئذٍ يكون لك مجْدٌ أمام المتّكئين معك. لأنّ كلّ من يرْفع نفْسه يتَّضع، ومن يضع نفْسه يرْتفع" (لو 14: 8 -11). يليق بالمؤمن أن يتحلَّى بضبط النفس والعفة الشاملة، عفة البطن وعفة اليد واللسان والحواس.

احذر لئلا تضلّ،

وتُذَلّ في غبائك [8].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. التعامل مع حاكمٍ مقتدرٍ

12 إِذَا دَعَاكَ مُقْتَدِرٌ فَتَوَارَ؛ فَبِذَلِكَ يَزِيدُ فِي دَعْوَتِهِ لَكَ. 13 لاَ تَقْتَحِمْ، لِئَلاَّ تُطْرَدَ، وَلاَ تَقِفْ بَعِيدًا لِئَلاَّ تُنْسَى. 14 لاَ تُقْدِمْ عَلَى مُحَادَثَتِهِ، وَلاَ تَثِقْ بِكَلاَمِهِ الْكَثِيرِ؛ فَإِنَّهُ بِكَثْرَةِ مُخَاطَبَتِهِ يَخْتَبِرُكَ، وَبِتَبَسُّمِهِ إِلَيْكَ يَفْحَصُكَ. 15 إِنَّهُ بِلاَ رَحْمَةٍ. لاَ يُنْجِزُ مَا وَعَدَ، وَلاَ يُمْسِكُ عَنِ الإِسَاءَةِ وَالْقُيُودِ. 16 احْتَرِزْ وَتَنَبَّهْ جِدًّا؛ فَإِنَّكَ عَلَى شَفَا السُّقُوطِ. 17 وَإِنْ سَمِعْتَ بِهذِهِ فِي مَنَامِكَ فَتَيَقَّظْ. 18 فِي حَيَاتِكَ كُلِّهَا، أَحْبِبِ الرَّبَّ وَادْعُهُ لِخَلاَصِكَ.

 

إذا دعاك حاكمٍ، تمهَّل في قبول الدعوة،

فغالبًا يزيد من دعوته لك [9].

لا تضغط عليه لئلا تُرفَض،

ولا تنسحب لئلا تُنسَى [10].

لا تنوي على محادثته كمساوٍ له، ولا تثق بفيض كلامه،

فإنه يختبرك بكثرة الحديث، وبينما يبتسم يفحصك [11].

عادةً توجد حساسية فطرية في الإنسان تجاه من كان من ندّه، أي كان مساويًا له في السن أو التعليم أو العمل. فالإنسان يتعامل بشفقة مع من يصغره دون أن يغير منه، وأيضًا مع من يكبره سنًا دون غضاضة، لأن سنه يهبه الحق في التقدُّم عليه. يُنَبِّه ابن سيراخ الشباب الفقراء، ألا يتكلموا كثيرًا، وألا يكشفوا أسرارهم أمام الشباب الأغنياء وأصحاب السلطة.

من لا يصون كلماتك فهو بلا رحمة،

ولا يتردَّد في أذيتك أو سجنك [12].

احفظ كلامك لنفسك وتنبَّه،

فإنك تمشي على شفا سقوطك [13].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. الشبيه يحب شبيهه

19 كُلُّ حَيَوَانٍ يُحِبُّ نَظِيرَهُ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُحِبُّ قَرِيبَهُ. 20 كُلُّ ذِي جَسَدٍ يُصَاحِبُ نَوْعَهُ، وَالرَّجُلُ يُلاَزِمُ نَظِيرَهُ. 21 أَيُقَارِنُ الذِّئْبُ الْحَمَلَ؟ كَذلِكَ شَأْنُ الْخَاطِئِ مَعَ الْتَّقِيِّ. 22 أَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الضَّبْعِ وَالْكَلْبِ؟ وَأَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ؟ 23 الْفِرَاءُ فِي الْبَرِّيَّةِ صَيْدُ الأُسُودِ، وَكَذلِكَ الْفُقَرَاءُ هُمْ مَرَاعِي الأَغْنِيَاءِ.

 

وهب الله أغلب الكائنات أن يحب الكائن ما يشبهه. بهذا تكوَّنت الأمم والقبائل، إذ يتعايش ويتعاطف الشعب معًا بسبب وحدة اللغة وتشابه اللون والثقافة. وفي مملكة الحيوانات نراها تخرج معًا، فالأسود تسير معًا في قطيع واحد، وهكذا النمور والدببة والغزلان، ولا نجد حملا  يرعى بين الذئاب أو الثعالب، ولا قطة بين ثعابين أو حمامة تطير في سرب غربان. فلا ندهش إن رأينا جماعات من نوعٍ واحدٍ من الطيور تتطير معًا وتهاجر معًا أيضًا وفي هجرة الأسماك تنطلق الأسماك من نوعٍ مُعَيَّن معًا. أما في كنيسة العهد الجديد، فيتعاطف البشر معًا ليس على أساس وحدة اللغة ولا لون البشرة ولا الثقافة، إنما يتَّسِع قلب المؤمن مُتعاطِفًا بني البشر، مشتهيًا أن يصير الكل أيقونة الله ويصير العالم كله "أمة مقدسة" (1 بط 2: 9)؛ أي مملكة الله الواحدة.

كلّ كائن حيّ يحب ما يُشبِهه،

وكل إنسانٍ يحب قريبه [14].

v غرس الله في طبيعتنا جاذبية، تربطنا بعضنا ببعض بالحب. "كل وحشٍ (مخلوق) يحب ابن جنسه، وكل شخصٍ يحب قريبه" (راجع سي 13: 15). انظروا أنه يوجد في طبيعتنا بذورًا تميل بنا إلى الفضيلة؛ بينما البذور التي للرذيلة مضادة للطبيعة. فإن كانت الأخيرة هي المُهَيمنة، فهذا ليس إلاَّ شهادة عن خمولنا الشديد[6].

v إننا جميعًا بالطبيعة نتَّخذ موقفًا وديًا، فنشعر بالسخط مع أولئك الذين يعاملون باستخفاف... ونتعاطف مع الذين يتمتَّعون بالعون والحماية، ونُغلَب بواسطة المحن التي تحل بالآخرين، كما لنا الحنو المشترك. فبالرغم من أن الأحداث المؤلمة تبدو كما لو كانت تدفع إلى نوعٍ من الجبن، إلا أننا نضمر نوعًا من الحنان المشترك. يتحدَّث أحدهم عن هذا موضحًا: "كل كائن حي يحب ابن جنسه، وكل إنسانٍ يحب قريبه"[7].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v "كل مخلوق يحب ابن جنسه، حسب القول: "يبحث الناس إلى الاتحاد مع من هم مثلهم". يبدو أنه مرغوب جدًا حتى بيننا أن نعيش مع من لهم ذات عاداتنا، فكيف يمكننا أن نهرب من التفكير في أن هذا الأمر بالنسبة لله؟ فإذ هو صالح بالطبيعة، وهو بدء كل الفضائل ومصدرها، يأخذ مسكنه ليس في محبّي الشر، بل في فاعلي الفضيلة، ويترفَّع عن الدنس[8].

 القديس كيرلس الكبير

في عظة للأب قيصريوس أسقف آرل على أعياد الشهداء القديسين، يرى أن الاحتفال بالشهداء القديسين يتحقق عمليًا بالشركة معهم وأن نقتدي بسلوكهم، كقول الحكيم: "كل مخلوق يحب ابن جنسه" (راجع سي 13: 14).

v إذ نرغب في الاحتفال بأعياد الشهداء القديسين، فإن الشهداء الطوباويين يريدون أن يتعرَّفوا على بعض فضائلهم فينا، فيُسرّوا بنا ويطلبون رحمة الله لحسابنا... فالشبيه يُرافِق ما يشبهه، وأما ما لا يشبهه فيعتزل بعيدًا عنه. انظروا إلى قديسنا الشفيع، الذي نريد بغيرة أن نحتفل بعيده فرحين، إنه ضابط النفس، فكيف يمكن لسكيرٍ أن يُرافِقه؟ أية شركة بين نفسٍ متواضعة ونفسٍ متكبرة[9].

الأب قيصريوس أسقف آرل

كل جسدٍ يقترن بحسب جنسه،

وكل إنسان يتمسَّك بمن هو كنفسه [15].

غاية التعامل مع بني جنسنا ليس المزاح والتسلية بل خلاصنا الأبدي.

v لا تتكلم مع كل أحدٍ عن الرحمة والحياة الفاضلة. وأنا لا أقول هذا حسدًا، إنما لأني أحسب أنك ستكون في عيني الغبي كمازحٍ. يتَّفِق الإنسان مع من يشبهه، والسامعون لمثل هذه الأحاديث (الروحية) قليلون، أو بالحري نادرون جدًا، لهذا من الأفضل ألا نتكلم، إذ ليس (مجرد الحديث معهم) هو ما يريده الله لأجل خلاص الإنسان[10].

القديس أنطونيوس الكبير

أيّ انسجام بين ذئبٍ وحملٍ؟

هكذا شأن الخاطئ مع الإنسان التقي [16].

أيّ سلام بين الضبع والكلب؟

وأيّ سلام بين الغني والفقير؟ [17]

حمير الوحش في البرية فريسة الأسود،

كذلك الفقراء هم مراعي الأغنياء [18].

يلجأ سيراخ إلى عالم الحيوان ليُوَضِّح التباين الخطير بين أنواع من البشر، ففي عالم الحيوان يفترس بعضهم البعض. فالذئب يفترس الحمل [17]. ليس ما يمكن أن يُقَدِّمه الحمل ليُعالِج موقف الذئب منه سوى الهروب من الصحبة معه. في نفس الوقت من الجانب الإيجابي ليست الثروة ذاتها شر، بل الشرّ يكمن في فكر الإنسان وإرادته الشريرة.

إذ دخلت الخطية إلى العالم فسدت حتى بعض الخلائق غير العاقلة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فالأسد القوي لا يكفّ عن افتراس الحيوانات الأضعف منه مثل حمير الوحش. والأغنياء يستغلّون الفقراء ويحسبونهم مرعاهم. عادة لا نجد الفقير ساكنًا بجوار الغني، لأن الغني غالبًا ما يستغل الفقير، وبوسيلة أو أخرى يضع يده على ما يملكه الفقير، إن لم يضع يده أيضًا على الفقير نفسه! كما فعل أخآب الملك وزوجته إيزابل مع نابوت اليزرعيلي (1 مل 21)، فسلب كرمه، ودبَّرت الملكة مؤامرة لقتل نابوت. قلة قليلة يسيطرون على المراكز القيادية الكبرى، أما الثمن فيدفعه الفقراء؛ فيزداد الأغنياء غنى، والفقراء فقرًا.

v إنهم لا يبالون بالبرّ؛ عوض ذلك بالتطلُّع إلى النفع (الذاتي)، استبدّوا بالمحتاجين، لينتفعوا من البائسين ويستخدمونهم كنعالٍ (عا 8: 6). يقول الكتاب المقدس: "الفقراء هم مراعي الأغنياء" [18]... محبة القريب مرتبطة بإنجازات البرّ، فبالحق "المحبة لا تصنع شرًّا للقريب" (رو 13: 10)[11].

 القديس كيرلس الكبير

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. بين الغني والفقير

24 التَّوَاضُعُ رِجْسٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِ، وَهكَذَا الْفَقِيرُ رِجْسٌ عِنْدَ الْغَنِيِّ. 25 الْغَنِيُّ إِذَا تَزَعْزَعَ يُثَبِّتُهُ أَصْدِقَاؤُهُ، وَالْمُتَوَاضِعُ إِذَا سَقَطَ فَأَصْدِقَاؤُهُ يَطْرُدُونَهُ. 26 يَزِلُّ الْغَنِيُّ فَيُعِينُهُ كَثِيرُونَ. يَتَكَلَّمُ بِالْمُنْكَرَاتِ فَيُبَرِّئُونَهُ. 27 يَزِلُّ الْمُتَوَاضِعُ فَيُوَبِّخُونَهُ. يَنْطِقُ بِعَقْلٍ، فَلاَ يَجْعَلُونَ لِكَلاَمِهِ مَوْضِعًا. 28 يَتَكَلَّمُ الْغَنِيُّ فَيَنْصِتُ الْجَمِيعُ، وَيَرْفَعُونَ مَقَالَتَهُ إِلَى السَّحَابِ.

 

يرى ابن سيراخ خطورة التفاوت العظيم بين البشر من جهة الثروة والسلطة، خاصة إن نقص المجتمع الحكمة الحقيقية.

المتكبر يمقت انخفاض المنزلة،

وهكذا الإنسان الفقير رجس عند الغني [19].

يرى المتكبر في التواضع نجاسة، وفي نفس الوقت يقيم من نفسه إلهًا، فيصير مثل ضد المسيح الذي يدَّعي التأله، ويقيم رجسة خراب في الهيكل.

إذا ترنَّح الغني يسنده الأصدقاء،

وإذا سقط المسكين يدفعه الأصدقاء [20].

عندما يتعرَّض الغني للعثرة (ترنح)، يعتمد على ثروته وأصدقائه لتقديم العون له. أما إنسان الله فيجد في الله نفسه ونعمته الغنية العون الحقيقي والتعزية السماوية التي تخترق أعماقه.

v أحسب أن الحياة التي تعبر في شركة مع بعض الأشخاص في ذات المسكن أكثر نفعًا من جوانب كثيرة. أسباب هذه هي: أولًا ليس أحد منا مكتفيًا بذاته، بخصوص الاحتياجات المادية، إنما كل واحدٍ يطلب مساعدة الآخر لسد احتياجاتنا. القدم كمثال لها نوع من القوة وينقصها نوع آخر. وبدون التعاون مع الأعضاء الأخرى التي للجسد تجد نفسها عاجزة عن ممارسة نشاطاتها مستقلة عن غيرها لمدة طويلة... هكذا في حياة العزلة، ما في اليد يصير غير نافع لنا، وما ليس لدينا لا نقدر أن نحققه، حيث سنَّ الله الخالق أنه يلزمنا أن يساعد الواحد الآخر كما هو مكتوب، حتى نجتمع معًا[12].

القديس باسيليوس الكبير

عندما يزلّ الغني يعينه كثيرون،

وعندما يتكلم بكلمات رديئة يبرئونه.

إن زلّ المسكين يُوَبِّخونه بالأكثر،

وعندما يتكلم بعقلٍ، لا يُعطى له مكان [21].

إذا سقط المسكين لا يسنده أحد، بل يدفعه أصدقاؤه بالأكثر إلى أسفل ليتخلَّصوا منه. هذا ما حدث مع ربّ المجد يسوع في محاكمته حتى لا ينتظر تلاميذه عونًا أو مديحًا من الناس.

عندما يتكلم الغني يسكت الجميع،

ويرفعون قوله إلى السُّحب.

ويتكلم الفقير فيقولون: "من هو هذا الإنسان؟"،

وإن تعثَّر يدفعونه بالأكثر إلى أسفل [22].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. الغنى صالح لمن يُحسن استخدامه

29 يَتَكَلَّمُ الْفَقِيرُ فَيَقُولُونَ: «مَنْ هذَا؟» وَإِنْ عَثَرَ يَصْرَعُونَهُ. 30 أَلْغِنَى يَحْسُنُ بِمَنْ لاَ خَطِيَّئةَ لَهُ، وَالْفَقْرُ مُسْتَقْبَحٌ فِي فَمِ الْمُنَافِقِ. 31 قَلْبُ الإِنْسَانِ يُغَيِّرُ وَجْهَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْخَيْرِ؛ وَإِمَّا إِلَى الشَّرِّ. 32 طَلاَقَةُ الْوَجْهِ مِنْ طِيبِ الْقَلْبِ، وَالْبَحْثُ عَنِ الأَمْثَالِ يَجْهَدُ الأَفْكَارَ.

 

الغِنَى الذي ليس فيه خطيّة خير،

لكن الفقر فَشَرّ في فم الشرير [23].

لئلا يُظَّن أحد أن كل الأغنياء أشرار أو قساة أو مستغلّون للفقراء، أوضح أن الغِنَى صالح لمن يُحسِن استخدامه، وقبيح لمن يُسِيء استخدامه. إن كان وجه الإنسان تارة يحمل ابتسامة عذبة وملامح جذَّابة متى كان القلب نقيًا، وتارة يحمل علامات العنف والقسوة أو الغضب متى كان القلب غضوبًا، هكذا يكون الغِنَى.

هل الغِنَى خطية؟ ما يشغل المؤمن هو تقديس قلبه الذي ينعكس حتى على ملامحه.

v ليتنا جميعًا نُعَلِّم أطفالنا أن يُفَضِّلوا الفضيلة عن أي شيء آخر، ولا نعطي أهمية للغِنَى المادي... إبراهيم كان غنيًا وأيضًا أيوب، هذان ليس فقط لم يصيبهما ضرر من الغنى، بل وتمتَّعا بسمعة طيبة... لأنهما لم يستخدماه لمتعتهما وحدهما، بل ولراحة الآخرين يخففان آلام الاحتياج، ويفتحان بيتهما لكل غريبٍ[13].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

يدعونا القديس أنطونيوس الكبير إلى الحياة المعتدلة.

v كلما كان الإنسان معتدلًا في حياته يصير في سلامٍ أكثر، إذ لا يكون ممتلئًا بالاهتمام بأمور كثيرة من خدم وأجراء وأغنام... إلا أننا عندما نتعلَّق بمثل هذه الأشياء نصير مُعرَّضين للضيقات التي تنبع عنها، والتي تقودنا إلى التذمُّر على الله.

وهكذا فإن الشهوة النابعة عن إرادتنا الذاتية (لاقتناء أشياءٍ كثيرةٍ) تملأنا اضطرابًا، فنتخبَّط في ظلام حياة الخطية غير عارفين أنفسنا[14].

القديس أنطونيوس الكبير

قلب الإنسان يغير ملامح وجهه،

إمّا إلى الخير، أو إلى الشرّ [24].

مع اهتمام ابن سيراخ بالحياة الداخلية للإنسان، وتحذيره من الحُكْمِ على إنسانٍ خلال المظاهر الخارجية، يؤكد أن الحياة الداخلية لها أثرَها الفعَّال على ملامح الإنسان الخارجية. فمن فضلة القلب يتكلم اللسان، وما تحمله ملامح الإنسان من بهجة، إنما هو انعكاس لسلام القلب. قيل: "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا، وبحُزن القلب تنسحق الروح" (أم 15: 13).

الوجه المبتهِج علامة القلب المملوء بالصلاح،

لكن ابتكار الأمثال يتطلب تفكيرًا شاقًا [25].

شتان ما بين إنسان يُسَجِّل حِكمًا وأمثالًا مقتبسة من كلمات وكتابات الآخرين، وبين من يُسَجِّلها كثمرة لخبرة يعيشها بفكره وسلوكه. لذلك يقول ابن سيراخ المختبر الحياة المستقيمة في الربّ: "ابتكار الأمثال يتطلب جهد الأفكار".

v يقول أيضًا "وَجْهَكِ جَمِيلٌ". تستطيع أن تدرك أي نوع من "الوجه" هذا الذي مدحه كلمة الله ووصفه أنه جميل، إن فهمت ما عناه بولس بالوجه في قوله: "ونحن جميعًا ناظرين... بوجه مكشوف" (2 كو 3: 18)، وقوله أيضًا: "لكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12). إنه بلا شكٍ نوع من الوجه يتجدَّد يومًا فيومًا (2 كو 4: 16)، حسب صورة خالقه (كو 3: 10)، ليس فيه دنس أو غضن أو شيء من مثل ذلك، بل يكون مقدسًا وبلا عيبٍ، كالكنيسة التي يحضرها المسيح لنفسه (أف 5: 27).

بمعنى آخر يعني النفوس التي بلغت الكمال، هذه التي تكون جسد الكنيسة، يظهر هذا الجسد بالحق جميلًا ووسيمًا، متى كانت النفوس التي تتكوَّن منه مثابرة على نوال جمال الكمال. فكما أن النفس حين تكون ثائرة تشوّه شكل الوجه الجسدي، وتجعله مثيرًا، أما إذا كانت في هدوء فتعطي للوجه شكلًا يحمل سلامًا ورقة، هكذا أيضًا وجه الكنيسة يكون جميلًا أو قبيحًا حسب سمات المؤمنين وطموحهم.

لقد كُتِب أن الوجه الطلق يُشير إلى قلب ناجح [25]، وفي موضع آخر قيل: "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا، وبحزن القلب ينسحق الوجه" (أم 15: 13). يكون القلب فرحًا متى كان روح الله فيه، هذا الذي أول ثماره هي المحبة، والثانية هي الفرح (غل 5: 32). وإنني أظن أن الحكم العالمية قد أخذت أفكارها من هذه الحقائق، إذ قالت إن الحكيم جميل، وكل إنسان شرير قبيح[15].

العلامة أوريجينوس

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي سيراخ 13

لأتكئ على صدرك لا صدر إنسانٍ!

v صدرك يا مُخَلِّص العالم مُتَّسِع لكل إنسانٍ!

أنت الغني المتواضع، يلتصق بك كل إنسانٍ متواضعٍ!

هب لي ألاَّ أتكئ على غني ولا صاحب سلطان.

قد يُرَحِّب بي، لكنني لست أدرك ما في قلبه من نحوي.

أما أنت فكليّ الحب، تسكب من غناك ونعمتك في قلبي.

v كثيرون من الأغنياء جذبهم المال،

وصار لهم أصدقاء يكرمونهم من أجل ثروتهم وسلطانهم.

متى تعثَّروا يسرع الكثيرون لمساندتهم.

ومتى أخطأوا يداهنهم الناس، ويُبَرِّرون لهم أخطاءهم.

أما أنا ففي ضعفي ألتصق بك، لأنك بالحق تحبني وتعينني.

لتُعلِن حضورك في أعماقي، فألتقي بخدامك السمائيين وجماعة القديسين.

بك أغتني ولا أكون في عوزٍ إلى شيءٍ قط!

v من يُقِيم صداقة مع غنيٍ شريرٍ متكبرٍ،

يكون كمن لمس القار فتوسَّخ.

ومن يُقيم صداقة معك، يرتفع قلبه إلى سماواتك.

لا يجرؤ إبليس أن يتسلَّل إليه،

ولا أن ينصب فخاخه له في الطريق.

مع كل صباحٍ يدخل إلى أمجادٍ جديدةٍ،

فتتهلل نفسه برحلته في صحبتك.

تظلل عليه، فتحميه من شمس التجارب.

وبروحك القدوس يطير كما بجناحي نسرٍ.

لا ينطلق به إلى أرض الموعد كما حدث قديمًا،

بل يحمله إلى كنعان السماوية،

فتندهش به الطغمات السماوية وتُطَوِّبه.

من يُعاشِر الغني الشرير يصير شريرًا مثله.

من يُعاشِرك أيها القدوس يستعذب الاتحاد بك!

v الالتصاق بالأغنياء يُمَثِّل ثقلًا على الفقراء.

يعانون منهم، وينكسرون كما ينكسر الإناء الفخاري بالإناء المعدني.

والالتصاق بك يُقَدِّم له عذوبة،

فإن نيرك حلو، وحملك خفيف للغاية.

v الالتصاق بالأشرار الأغنياء يعرض الفقير للظلم.

وبالالتصاق بك يتمتَّع ببرِّك، ويدخل إلى أعماقك خلال جراحات حبك.

صليبك صار مركبة إلهية تحملنا وتنطلق بنا إليك بلا عائق.

v الالتصاق بالغني الشرير يُعَرِّضني لاعتزاله عني.

يهجرني ويحسبني كغريبٍ عنه.

أشعر بالعزلة وأُعاني من الوحدة القاتلة.

أما الالتصاق بك يا أيها القدوس،

فيُقِيم مني عضوًا في جسدك المقدس.

ألتقي بك وجهًا لوجه، وأَتمتع بأبوة الآب، وتقديس روحك القدوس.

لن أشعر قط بالعُزلة ما دمت في حضرتك.

وأستعذب الشركة مع السمائيين والقديسين.

v لن تستريح نفسي حين يدعوني حاكمٍ قديرٍ.

قد يدعوني مرة ومرتين، لكن تُرَى ماذا يحمل قلبه من جهتي؟

إن جلست على مائدته لن أَتطلَّع إلى الطعام الفاخر،

لأنني لا أقدر أن أُجاريه في غناه الزمني.

وإن تكلَّم معي بابتسامة، لست أدري هل بالحق يحبني أم يختبرني.

أما أنت أيها الخبز السماوي، فتُقَدِّم لي مائدة سماوية.

لا تُرسِل لي منًا من السماء، كما فعلتَ في البرية.

بل نزلتَ إليّ تُقَدِّم لي جسدك المقدس ودمك الكريم.

بهما أَتَقَبَّل من يديك شركة الطبيعة الإلهية.

تهبني ثمار الروح من حبٍ وفرحٍ وسلامٍ،

وصلاحٍ ووداعةٍ وعفةٍ، وحكمةٍ وفهمٍ وتمييزٍ.

يا لمائدتك الفائقة المجانية التي تُشبِع قلبي وفكري وكل أعماقي!

بالحق أَتشبَّه بك، وأكون أيقونة حيَّة لك.

v أعماقي تصرخ إليك:

لساني عاجز عن أن يُعَبِّر عن قوة الصداقة معك،

وتطويب الشركة السرّية معك،

يا أيها العجيب في حُبِّك وصداقتك.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] Letter to Lucinius 71: 3.

[2] Commentary on the Twelve Prophets.

[3] Quaest Evang 2: 29.

[4] In Luc Ser. 89.

[5] Strom 4: 6.

[6] Homilies on Ephesians, 2.

[7] Concerning The Statues, Homily 13 : 9

[8] Commentary on the Gospel of John 10:14:24.

[9] Sermon 225 on the Feasts of the Holy Martyrs.

[10] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة 84.

[11] Commentary on Amos, Chapter 8.

[12] Long Rules, Q. 7.

[13] Homilies on Genesis, 66: 15.

[14] الفيلوكاليا، الجزء الأول، 1993، القديس أنطونيوس الكبير 170 نصًا عن حياة القداسة، 6.

[15] Origen: Commentary on Song of Songs 2:13-14.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Sefr-Yashoue-Ebn-Sirakh/Tafseer-Sefr-Yasho3-Ibn-Sira5__01-Chapter-13.html

تقصير الرابط:
tak.la/str3xhz